سأذود مستبسلاً ! CH17

22 7 15
                                    

عيونها خرز ، محياها لحاء شجر ، نقشت على تلك الملامح كُلُ تلك السنون التي مرت بها ، امرأة رأت من الدنيا ما يكفيها حتى إنفردت ببيت خشبي صغير في المدينة ، تَدِّب وتدأب كل يوم وحدها ، تلكَ ذاتها التي كانت تتعرف على الأطفال الذاهبين والآتين كانت حُلوة الحديث فكانوا كلهم يتمتعون بحديثها . لم ترى ذاك الفتى المهق منذ سنوات قاربت العشر ؛ مرَّ بصمت ورفع محياه صوبها من تحت تلك القلنسوة البيضاء حدَّق بعتبة ذلك المنزل واستذكر الكثير من الأحاديث التي كانت تخوض بينهم يوم كان ابن الثانية عشر ، شريط ذكريات قصير مرَّ عليه ومن ثم أعاد القلنسوة على وجهه ، ودَّ متابعة سيره لولا ذاك الصوت الذي شدَّه وأفزعه فجأة
-أليكس!... إنه أنت حقاً!.
أليكس ؟ ، من أليكس؟ ، أوليس هذا الاسم الذي اخترعه لنفسه حينما كان يلهو مع أولاد المدينة ويقابل تلك الامرأة كذلك؟!.
إلتفت جافلاً أردف متنحنحاً:
-لابُد وأنكِ اخطأتني بشخص آخر.
تقدمت خطوات متثاقلة منحنية ؛ مسندة ظهرها بذراعها ، أردفت مقهقهة:
-لقد أصبحت رجلاً قوياً.
*سحقاً لقد تعرفت علي بالفعل.. لا فائدة من المراوغة*
-قد كشفتني حقاً أيتها الجدة... كيف حالك؟.
-بخيرٍ بُني ... وأنت كيف تبلي مع مسؤولياتك وهمومك؟.
سأل جافلاً :
-أي مسؤوليات؟.
لتجيب مقهقهة ملتفتة :
-أمزح فحسب لا تلمني ، لا استطيع سوى أن أدعوك للشاي بما أني لم أرك منذ سنين ، آمل أنك بخير بُنِي ، آمل أن البشر لم يؤذوك ببطشهم.
-أنا كذلك... ولكني لا أستطيع قبول دعوتك هذه جدتي لأسبابٍ كُثر.. لا بأس فالبشر شديدي الكيد حقاً.
*منذ حادثة ويلسون لم أشرب ولو رشفة واحدة!! ، ليس لسببٍ إنما أني أرى وجهها المزعج فيه دائماً*
-أحقاً؟... أنا مصرة!.
أردفت مقهقة محدجة فيه ، ليتراجع الآخر بتوتر واضعاً القلنسوة على وجهه ، عندما تذكر أنه قد اقترب وقت تتويجه وكم سيكون غريباً أن تعرف أنه الملك الواعد..
*هذه السيدة تعيد لي الكثير من الذكريات ، تلك الحقبة العسيرة من حياتي.*
-عذراً منكِ يا جدتي آمل أن تكوني بخير.

وذهب مهرولاً كما لو أنه يهرب من فم وحش ، لقد أحس بأنه لا يستطيع التفكير بوضوح حتى ، توقف عند مكان يكون بداية الغابة ، وقد وجد فرسه التي تركها هناك ، إمتطاها وبقي شارداً للحظات ، مطأطئ الرأس ، صامتاً .. يعاني لفح الهموم!.

*أهذا هو شعور الغرق على اليابسة؟ ، أشعر أن ضلوعي تُشق ، لا أدري كيف سأتصرف وماذا أحل أولاً ، وعدتها بأني سأحافظ على نفسي ، ولكني لا أملك رغبة في التنفس حتى ؛ ماذا سيحل بي لو حدث ما في خلدي منذ أيام؟؟ ، ماذا لو أذت فيوليت نفسها حقاً؟!..*

كان عليه أن يهتم بتلك العجوز التي كانت عزيزة عليه وكان عليه أن يوليها إهتماماً ، ولكنه مضى مدمر المهجة رفع خطام الفرس مشيراً إليها بالسير ، وبدأت بالخطو قليلاً قليلاً ثم تسارعت خطواتها وأضحت ركضاً ، حتى بلغ بوابة قصر جيمان الرئيسي ، نزل مسرعاً وأعطى الخطام للفارس ، ثم ولج للقصر لاجاً لمكتبه ، لحظه المستشار الملكي آرث ألفريون والذي كان عائداً من رحلة طويلة بعثه أليكسيس فيها لبعض الاجراءات ، ذلك الرجل الذي يكرهه أكثر من أي شخصٍ آخر!.. لحقه حتى بلغا المكتب ، دخل ولي العهد وأوصد الباب وطرقه الآخر وراءه ، أردف بنبرته المتصنعة:
-جلالتك هذا أنا آرث ألفريون!.
فتح الآخر الباب كونه مازال واقفاً أمامه وأردف بنظراتٍ ملؤها برد وحقد ونبرة مستنفرة:
-وإذن؟.
-لقد عدت من مهمتي جلالتك..
-حسناً إذن هلَّا أريتني عرض أكتافك؟.
-ماذا؟.
-سمعت.
وأوصد الباب مجدداً...

••

بعد أيام وفي قاعة عرش ولي العهد بالتحديد ، كان أليكسيس جالساً على العرش وقد طرد كل من كان هناك قائلاً أن أحاديثهم لا تنتهي ! ، كان تفكيره مشوشاً ، وبالكاد انتبه لليونارد روكو يطرق الباب ، اذن له ودخل طارحاً سؤالاً واحداً بذات النبرة الغريبة تلك:
-ماذا حل بك يا رجل؟!.
-روكو أنت هنا!!.
-حتماً إنه أنا ، هل فقدت تمييزك؟!.
-كلا كلا أنا أعني... لقد حدث الكثير حقاً.

جلس ليونارد وعدل الآخر وضع ظهره ، وبدأ يقص عليه حكاية اللعنة هذه من أولها ، وإلى ما آلت إليه الأمور ، تنهد الآخر وأردف:
-هل هذا ممكن حتى؟.. شخصٌ ميت يغزو الأحلام؟.
-أنت تدري عن القصة القديمة لفيوليت ، هل ربما للأمر علاقة؟!.
-كان ذلك حادثاً جيمان ، لقد صدمت لدرجة أنها نسيت كل شيء ، وكان ذلك قبل عشر أعوامٍ من الآن .
-إذن تواقفني الرأي في أن لا هذا ولا ذاك له صلة بالآخر.
-حتماً ، الأمر قد يكون أبسط من هذا ...
توقفت الكلمات والأفكار عن الانسياب في ذهنه عندما لمح أليكسيس راسماً وجهاً محبطاً للغاية وأردف منفعلاً:
-أين رباطة جأشك؟!.
-في ذروتها ، لكني لست متحجراً يا رجل.
-أولست من قال أن المشاعر بالية؟!.
-لقد كنت شاباً طائشاً ومتهوراً.
-ماذا؟!.
-على أي حال .. هل ستوافق على تقديم خدمة لي؟.
-هل أعمل عندك أو ما شابه؟!.
-ليس كذلك ولكن للأمر فائدة لحضرتك بما أنك تهتم بالمصالح... كما أنه شقيق والدتك ، إلى متى سأرشدكم لوصل أقاربكم؟!.
- هل أفهم أنك تريد مني زيارته؟!.
-أجل ، وإطلع على حالها ، وفي حال تعرفت عليك أم لا.
-لا أعتقد أنها شديدة الملاحظة للحد الذي يجعلها تتذكرني من يوم إلتقينا في المدينة.
-لقد لاحظت لعنة لم ينتبه لها أحد لأجيال .
-آه...ربما هي ممسوسة أو ما شابه؟.
أردف في نبرة ساخرة ليغضب الآخر وينتفض واقفاً قائلاً:
-حسناً إذن هل أنت موافق؟.
-لا بأس.

آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright HopesWhere stories live. Discover now