سأذود مستبسلاً ! CH 19

25 5 15
                                    

وتمر الأيام وينقضي اسبوعان على زيارة روكو ، وشهرٌ على مجيئ الأميرة الجيمانيَّة إلى قصر الدوق ، جالسة في مكتب غرفتها بصمت تتأمل مجموعة قصاصات علقتها على لوح ، رُسمت فيها وجوه أشخاص دون ملامح أحدها يملك وجهاً والذي كان روكو ليكون الحلقة المفقودة الثانية بعد أليكسيس التي عثر عليها ، وهي تحكي في نفسها حكايات الدُمى المهمومة : *هذه الأيام ثقيلة الوقع كمغاني الموت في ساحات الحروب المغدقة بالدماء ؛ ولكنها تشبه في ذات الوقت معزوفة ألكسترا صعب الرقص عليها بأسلوب النبلاء ، خطوة لليمين ، أخرى لليسار ومن ثم واحدة للأمام وعشرة للخلف! ، وأنا أبدو كمن تحاول مجاراة رقصة هذه المعزوفة ذات الوقع العنيف ، و أليكسيس يشاركني كذلك ، يميناً ، يساراً ، ندور ، ونرجع للخلف!!.*
- تذكرت يوم قصصت على أليكسيس قصة بينلوب ، ذلك اليوم ، لقد نمت بعمق من شدة الألم ! ، وهذا الصداع يتسلل إلي كلما سمعت اسم روكو ، إنه مألوف ، موجود في جانب ذكرياتي الضائع ..
*والأمر ذاته ينطبق على الملك السابق ، ألمٌ فضيع حقاً ، أخشى أن أحاول التذكر الآن و...*
-ماذا عساي أفعل ، سأكون مكشوفة حقاً إن فعلت ، هذا ما ينقصني الآن!.

تذكرت فجأة مكتبة الدوق التي سُمح لها بالولوج إليها بالرغم من كون تلك المكتبة خاصة بالدوق ووريثه ، ابتسمت بدفء وتذكرت كم أن والدها مراعٍ لها بالرغم من كونه بارداً وكئيباً ، ذلك الأب المشغول الكئيب الذي لم تعلم أي شيء عن سبب حزنه ، ومن كان ليعلم؟.
وقفت وتوجهت إلى هناك وبدأت بالبحث ، بالصدفة وقعت عيناها على كتاب لمع عليه اسم "جيمان" كان الرف بعيداً نوعاً ما ، مدت ذراعها واستماتت لبلوغه ، حتى إلتقطته ، تصفحته ، قلبته ، الكثير من الاسماء المكتوبة هنا ، كلهم أناس تنتهي اسماؤهم باسم جيمان ، وصورهم نصفها غير موجودة ولكن أغلبهم كان لهم شعر فضي ، حتماً كونها عائلة ملكية يقل فيها الورثة . ولكن ما كان غريباً هو موتهم في أعمار مبكرة ، لم يبلغ أكبرهم الخمسين عاماً ، وفي أثناء تقليبها لتلك الصفحات البالية ، وقعت صورة من بين الصفحات ، يبدو أن الدوق خبأها هنا ، كان رجلاً عابساً بملامحٍ ترسم السخط وذات شعر أليكسيس وعينيه لمحة من ملامحه ، كما لو أنه قد كتب في معالم وجهه أنه والده! ، كان يشبهه بشكل غير معقول ، هل هو والده؟ ، حتماً! ، أحقاً هذا الرجل هو الملك السابق؟. قلبت الصورة للخلف ورأت اسماً كتب عليه بخط يد والدها "ألبيرت جيمان" ، وحتماً قد كان هو ، والده حقاً ؛ وبينما هي تحدج في تلك الصورة محاولة تذكر الملك السابق وأين رأته ، لم تنتبه لوالدها الذي دخل المكتبة في صمته المعتاد ولمحها ونبهها عندما تلفظ باسمها منفعلاً:
-فيوليت...
-آه أبي!. أهلاً بك!.
-ماذا في يدك فيوليت؟.
-صورة لجلالة الملك السابق.
-ماذا؟.
تقدم جافلاً واجماً بملامحه المتجمدة تلك ، وسألها بقلق:
-هل تشعرين بأي ألم؟.
-كلا... أبي.
-..جيد.
كان بصدد بدأ أهزوجة صامتة ولكن فيولي قست في وقع الكلمات عندما أردفت بسرعة:
-أبي أخبرني ، الملك روكو هو ابن السيدة هيلين سميث أو هيلين روكو أوليس كذلك؟ ، والملك ألبيرت جيمان له علاقة بأيام طفولتي التي لا أذكرها أوليس هذا صحيحاً؟!.
بدأت دموعها في الانسياب من الألم الفضيع الذي انتاب رأسها ، تماماً كيوم تحدثت مع أليكسيس عن بينلوب ، ذكرى سوداء شنيعة غريبة ولا تود أن تذكرها ، وهي فعلاً لا تذكرها! ، قلبها يعتصر ، كما لو أن حزن العالم صُبَّ فيه ، وهي تحدج به بتلك العيون الدامعة ، وهو واجم جافل صعق بما قالته فجأة ، أردف بحزن وهو يقترب منها:
-بُنيتي .. من أين لكِ بكل هذا؟ ، هل أخبركِ جلالته؟.
*لمَ يفعل شيئاً كهذا بها؟ ، بنيتي ، فيوليت ، هل تأذت؟ ، هل كان علي تركها تذهب؟*
-كلا كلا ، بل أنا من كانت طيلة السنين الماضية تحاول حل ذلك ، لكم كان ومازال الأمر غريباً!.
-توقفي عن التفكير ، وسيتوقف الألم ، أصغي إلي فيوليت!.
كان مرتبكاً وقلقاً جداً ، ممسكاً برأسها وهو يتلفظ بذلك الأمر ، طأطأت فيوليت رأسها وأردفت بإصرار بصوتٍ تحشرج :
-لأن بينلوب أرهقتنا با أبي .. أنا مستعدة لسؤال العالم لإيقاف تلك المجنونة! ، لكم ذلك مرهق يا أبي ! ، ألا يمكنني أبداً معرفة من أنا؟ ، أنا تائهة ، أعرف أن هناك جوانب أخرى في حياتي علي الإطلاع عليها ولكن كل ما أستطيع فعله هو التحقيق والبحث عنها فحسب بينما ترهقني تؤرقني بل وتنغص حياتي!.
-بُنيتي هوني عليكِ ، سيكون كل شيء على ما يرام لو هدأتِ فحسب.
*هل عادت حقاً؟.. ولكن لمَ وبعد كل هذا الوقت*
صمتت فيولي ، وهدأت بكاءها ، وأحاطها والدها بجناحيه ، الغريب أنه لم يكن هناك ما يستطيع فعله دوق جيمان الكبير ذو النفوذ والقوة لينقذ ابنته من ألمها هذا!!!. 
*لمَ أخبرها؟ ، بل وبمَ؟! ، كان ذلك حادثاً شنيعاً لم اتمنى أن يحدث لها ، لقد نسيت كل شيء وباتت كل ذكرياتها تؤلمها ، وفرغ فؤادها ولم تجد شيئاً تملاؤه به فتوجهت للكتب ، وبحثت عن نفسها هناك ولا هي وجدت نفسها ولا تلك الذكريات توقفت عن مطاردتها!!.
لا يمكنني إخبارها عن أي شخص ، لا عن ألبيرت ولا عن ليونارد ، ولا أليكسيس قادرٌ على التحدث عن معرفته لها عندما كانوا صغاراً ولا عن بينلوب تلك! ، ولكن لمَ تطاردها ؟!.. إذا كان ساحراً أو روحاً ، فلمَ الأمر وكأنه له علاقة بأليكسيس؟ ، كلما إقتربت منه عانت من تلك الأطياف!.*
بعد هدوء فيولي ، أخذها والدها إلى غرفتها وبل أجبرها على الجلوس والراحة وأمر الخدم بأن لا يجعلوها تقترب من أي كتاب أو مستند!.
حضرت الدوقة ديانا بعد أن سمعت ضجيج زوجها وسألت مستغربة:
-ما الخطب ديكس أنت صاخب جداً؟!.
-ديانا .. لما لا تقضين وقتاً أطول مع ابنتك؟!.
-ابنتي تشبه والدها .. انعزالية وتحب الكتب والأوراق أكثر من عائلتها!.
-الكتب ممنوعة من الآن وصاعداً ، ستكون ابنتي فتاة عادية.
-أمي وأبي ما ذنبي في شجاركما هذا؟!.
ليتلفظها الإثنان في الوقت ذاته:
-لمصلحتك.
-حسناً حسناً توقفا فحسب.
-فيوليت .
-ما الأمر أبي؟.
-تناولي العشاء وإلزمي فراشك.
-أنت تعاقبني!.
-كلا ، أنا قلق على صحة ابنتي ، وعليكِ تفهم ذلك!.
-سيصيبني مرض نفسي!!... أمي تكلمي!.
-اسمعي كلام والدك فيو.
-ماذا؟!!.
وكما أمر والدها ، تناولت العشاء وآوت إلى فراشها مبكراً دون أي حرف تقرأه وقبل أن تنام وقفت أمام المرآة للحظة ، تأملت الحال التي أصبح عليه وجهها ، إلى هالاتها ، وشحبها ، وكانت روز مازالت موجودة في الغرفة ، استغربت تأخرها هذا فهي دائماً تتركها مبكراً ، سألتها:
-روز ، هل من خطب؟.
-كلا جلالتكِ.
إلتفتت نحوها وشعرت بالرهبة نوعاً ما ، كان سنا البدر منعكساً على فيوليت التي تقف أمام المرآة وقرب المدفأة ، وروز كانت في زاوية الغرفة المظلمة ، طلبت فيوليت :
-روز... اقتربي.
لتتقدم روز وعلى وجهها غمامة سوداء ، كان الحزن واضحاً عليها ، إرتابت الأخرى وقلقت تقدمت صوب روز ووجدت نفسها تقبض على ذراعي روز وتهزهما وتسأل:
-روز ماذا حدث؟.
-لا يا أميرتي أنا قلقة جداً عليكِ أنتِ حقاً بحالٍ سيئة ، جلالته سيحزن مثلما أنا حزينة ، شكراً للدوق لأنه طلب منكِ الراحة.
زفرت فيوليت والتي كانت قد رسمت الكثير من التخيلات بنظرة روز تلك ، وفي الحين ذاته صدمت لأن روز كانت بهذا القلق  .

غط الجميع في غطيطهم .. نامت قلعة هيرنيم خلا اثنين: حراس البوابة و سادة القلعة! ، كانت مدفأةُ جناح الدوق والدوقة هي الوحيدة الموقدة في هذا الوقت ، كانت الدوقة جالسة بقربها والدوق واقفٌ يراجع بعض الأوراق ، أردفت قلقة بنبرة جادة وهي تعدل خصلاتها العسلية إلى الوراء:
-ديكس اسمعني!.
-مالأمر ديانا؟.
-أعلم فيمَ تفكر فيه... ولكن ليس كل زوجٍ جالبٌ للهلاك! ، بل ويالفضاعة تفكيرك في كون جيمان خطراً عليها!!!.
-...ديانا. ليس الخطب في جلالته ، بل في الظروف والأقدار ، أنا لا يمكنني الوقوف ومشاهدة ذات القصة مرتين! ، أنظري إلى من تبقى ديانا! ، لقد تركت شخصاً بحملٍ ثقيل وقلبٍ محزون!.
تلفظ الدوق بحرارة رافعاً من صوته في حديثه عن شقيقته الراحلة ، وصرخ ، الذي لم يسبق له أن رفع صوته أبداً! ، لتقف الأخرى بنبرة منزعجة مجيبة بصوتٍ أعلى:
-لا بُد أنك تمازحني!!. أنت تقول أن الشخصان اللذان رأيناهما في ذلك اليوم في المدينة وكيف كان يحملها برفقٍ كما يحمل الطفلة ، يمكن القلق عليهم؟. إن جيمان في بقعة أكثر أماناً منا ، لديه نفسٌ قوية وحنونة ، وأنت تشك؟.
-لا أشك ، أنا أدرى منكِ بجيمان وأعلم أنه خير خليل.. ولكن أنظري إلى وجه ابنتنا تفقهِ ما يؤرقني لهذه الليلة المكدودة!.
- ... ابنتنا تعاني من خطبٍ جلي ، فيجب ابعادها عن ما يؤذيها حالياً وجعلها تعيش حياة أقرانها.
-ديانا... لقد عادت بينلوب.
جفلت ، لهثت ، دنت منه بخطواتٍ متسارعة وقفت أمامه وحدجت بناظريه بحدة سألت:
-أأنت جاد؟... كلا كلا .
إعتصرت رأسها وانحنت وأردفت:
-أولم نتخلص من تلك المشكلة منذ زمن؟ ، كيف ستستمر فيوليت في حياتها هكذا؟!. 
قالت في نبرة متحشرجة خافتة ، كانت قلقة جداً كما لو أنه قال لها أن مكروهاً أصاب فيوليت ! ، قال الدوق في نبرةٍ عميقة تشير إلى قلقٍ عارم:
-والغريب أنها تلفظت بالأمر بكل شجاعة ، وقد كانت ملمة بالتفاصيل! .
- قد عانت منها في بداية حياتها وحالما نسيتها عادت إليها؟!.... ماذا سنفعل؟!.
-لا أعلم .

آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright Hopesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن