مدويةٌ فتاكة | Ch 1

893 39 17
                                    


"حياةٌ مُزدَانةٌ بالمُتع البَسيطة" قليل من يستطيع معرفة معنى هذا المصطلح الذي جذب إنتباهها بشكل خاص وجعل تلك الحياة هي مبتغاها الأول والأخير ، التي تكون مبسطة وسلسة و تحوي الجميل الممتع والذي يكون بعيداً عن البذخ في الآن ذاته ، خفيفة لذيذة يغلب عليها أسلوب البساطة بشكل خاص ، و أن تغتنم وقتها لإفادة نفسها و غيرها ، طمحت تلك الفتاة أن تعيش هذه الحياة ، بالرغم من أنها ابنة دوق ولكنها كانت خاوية الذهن شاردة النفس دائماً فكرها كالأرض الخصبة التي تتقبل استيعاب قدر لا يحصى من المعلومات ، بالنسبة لابنة دوق رفيع المستوى كوالدها ، فرتبتها ستكلل بالنجاحات لو تزوجت رجلاً ذا رتبة عالية .
فتاتنا "فيوليت هيرنيم" قد اصابها نهم للدراسة منذ سنوات ولم يسبقه نذير ولا أي مقدمات! ، لم تتعلق بأي شخص ولم تحب أي أحد وكان ذلك يفرض عليها الإنعزال عن الواقع ، في سبيل البحث عن غاية ومعنى لحياتها التي لم تجد في بادئها مغزى لها ، كانت فارغة ، بلغت من المثالية ذلك الحد الذي يجعلعا تشعر بانعدام المغزى من وجودها ،  كما لو أنها ضائعة ضالة ، كما لو أنها بلا هوية ، كما لو أنها فقدت جزءاً من نفسها .

هي لم تكن عادية ، فقد كانت ترى ما لم يرى شخص في ذلك العالم ، جثمان حية تجثم  على قلبها أو تخنق قلبها أحياناً ، تبكي وتصرخ ، وتضحك ، وتتخبط ، وتحب بعضها تارة ، وتكره بعضها تارة أخرى ، وكأنها تؤدي مسرحية ما ، وكأنها تقلب في ماضٍ ليس لها وتحاول إعلامها به ، وكأنها تتوسلها كي تخبر العالم ! ، تخبر العالم عن السر الذي كان سبباً في إزهاق الكثير من الأرواح! ، ولكن ماهو هذا السر؟ ، ومن هم ؟ ، ومالذي رأته آنذاك؟ .

حسناً ، حتى هي لم تكن تعلم ذلك.

كان حبها للقراءة وإنغماسها في لب الكتب قد بلغ حداً يجعلها تنسى كل ما تفكر به كل فتاة في عمرها ،  بلغت سن الرشد و ظل الكثير من الرجال يعرضون عليها الزواج من كل مكان ولكنها كانت ترفضهم بغض النظر عن هويتهم أو صدق مشاعرهم ، فكان إستيقاظها مبكراً على أغاني الطيور مع الطلوع ، والتمتع بإطلالة أنامل الشمس التي تمس الأرض رويداً باثة فيها الحياة مع ضوئها  ، و غنائها مع سكان القصر قبل تناول الفطور ، و متعة أحاديثها مع أحبابها ، كل هذا كان بهجتها التي كفتها عن كل المتع و أملت أن تكون سرمدية .

و لكن منذ متى كنت قادراً على تهيئة حياتك لنفسك؟

فأنت لا تدري بخطوب الغيب وتقلباته!

أحيل كل ما كانت تطمح فيوليت إليه إلى أمنية قديمة لن تتحقق بعد ذلك اليوم.


بعد حلم مريح مخيف ، فتحت عينيها وقت الطلوع كالعادة ، جلست بهدوء تهدئ روعها وتتلذذ بدفئ ذلك الشعور كما تفعل كل يوم و هي تستمع إلى أنغام الطيور و تصبيحة مربيتها التي كانت رقيقة الصوت حازمة التصرف ، كان حزمها المبالغ فيه يزعجها احياناً ، و لكن في النهاية تظل مربيتها العزيزة التي ألفتها من نعومة أظافرها.
أمضت يومها بهدوء كما العادة ، جلست عند الشرفة و النسيم يداعب خصلاتها الذهبية تقرأ كتاباً يحكي عن فلسفة الحياة بما أنه وقت الظهيرة فما من شيء لتفعله .
-في عمق قلعةِ الشجرة الشائكة .. تغط في سبات سرمديّ ..
بأي كابوس ستحلم اليوم "فيوليت سميث"؟...
غنت بتلك الكلمات الأعجمية التي حفظت من أحد الكتب ، تلك الكلمات التي بالرغم من أن لغتها ركيكة ألا أن لها وقعاً لطيفاً ، لتعجب الخادمة وتقهقه مردفة:
-أميرتي "فيوليت" صوتك جميل وتغيير كلمات الأغنية بدا يليق بكِ أكثر .
لتبتسم فيوليت وتحدق بها بمحيا بشوش.
كانت تتصفح كتاباً وتغني وخادمتها الأكثر قرباً لها تقف منصتة لصوتها العذب ولكن قرع الباب لفجأة!.
و كم من المزعج أن تتم مقاطعة وقتك المميز ، و لكن الأسوأ من ذلك أن لا تستطيع التذمر لأنه والدك!
فإذ بها الخادمة التي أرسلها والدها لتدعوها لغرفة الجلوس ، فهمَّت فيوليت بالذهاب إليهم ، و في ذهنها تساؤلات عديدة لا يسعها حصرها و لا عدُّها فلم يسبق لأهلها أن استدعوها بهذا الأُسلوب المباشر ، وفي جانب آخر من قلبها ، تشعر بالشوق لكتابها الذي أنشاها بمتعته ولذَّتِه ، طرقت باب الغرفة ودخلت وقدّمت التحية ، ثم جلست ، كان والداها جالسان ، و شقيقها كريس واقفاً يحدق بالفراغ بملامح منزعجة وكئيبة ، بادلها التحية و مضى بالرحيل لم تفهم لمَ هو مستاء فقد كان دافئاً باسم الثغر دائماً ، ولكن لابد أنه خطب يقلقه لحد يؤثر على ملامحه ، أقلقها ذلك ، بلعت ريقها وشحب وجهها ؛ و بينما كانت فيوليت تحدق بالفراغ قال الدوق :
-أهلاً بكِ صغيرتي ، أعتذر عن مقاطعتكِ و لكن هناك أمرٌ يجب علي أخباركِ به.
نظرت له باستغراب لأن أسلوبه في الكلام تغير نوعاً ما وأردفت:

-لا مشكلة ولكن ، ما الخطب يا أبتاه؟.
وقفت الدوقة وجلست بجوار ابنتها و أمسكت يدها وهمست :
-مبارك لجميلتي التي تقدم الأمير المتوج لخطبتها!

آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright HopesΌπου ζουν οι ιστορίες. Ανακάλυψε τώρα