الفصل الثالث عشر

Start from the beginning
                                    

اتجه ثيودور إلى مكتبه ليجلس على كرسي يبدو أنه اعتاد هجره لزمن طويل، ليُستخدم فقط عند وجود الغرباء، ما باليد حيلة، اتجهت إلى الأريكة وضعت كتاب الترجمة جانبي، وأمسكت الكتاب الذي عليّ العمل عليه فوق ساقي، لم أرى كتابًا بهذا القدم من قبل، كان عنوانه يدل على أنه يتحدث عن التاريخ ولو لم أفهم عن أي فترة من التاريخ يتحدث، فتحت الكتاب بحذر، أوراقه متهالكة ولكن ما صدمني هو الكلمات، استطيع قراءتها بفضل دماء التنين ولكن مهما حاولت تلك الكلمات لا تعطي جمل مفيدة، كما أن بعض الكلمات حبرها ممسوح بسبب الزمن الذي مر عليه،
=أستاذ ثيودور!
-ثيودور فقط أنتِ الآن في البرج، هذا أولًا، ثانيًا، ماذا؟
أجاب بلا مبالاة دون أن ينظر إلىّ،
=لا أعتقد أن ترجمة هذا الكتاب ممكنة.
تمالكت غضبي بثبات مبهر،
-ولماذا تعتقدين ذلك؟
=أولًا الورق متهالك والأحرف غير واضحة، ثانيًا حتى وإن حاولت قراءة الكلمات فإنها لا تعطي معنى معًا.
شرحت بهدوء،
-ومنذ متى وأنت تجيدين قراءة اللغات القديمة؟
ترك قلمه والتفت إليّ أخيرًا، يبدو أنني قد وقعت بلساني،
=اممم الأمر هو أنني كنت قد بحثت في اللغات القديمة من قبل لذلك أجيد بعض الكلمات القليلة فقط.
ارتكبت قليلًا من ملاحظته، سيكون من الصعب الادعاء أمامه،
-سأصدق هذا، ولكن على كل حال أنا احتاج ترجمة هذا الكتاب لذلك لنجد حل، في البداية حاولي ترجمته حرفيا حتى وإن لم يعطي معنى ثم سنحاول معًا فهم كيف تمت كتابته، هل يناسبك هذا؟
=يبدو هذا جيدًا.
-جيد.
أجاب بهدوء ثم عاد إلى وأوراقه، هكذا بدأت محاولاتي اليائسة لترجمة الكتاب، استعنت بكتاب الترجمة ليس فقط لإخفاء مهارتي ولكن لأن الأمر لم يكن سهلًا على الإطلاق مع الحروف الناقصة، وكأنني ألعب أحجية معقدة، انهيت صفحة واحدة فقط خلال أربع ساعات دون أن أصل إلى أي معنى، لكن ثيودور قرر تحريري نظرًا لأنني استنفذت الكثير من طاقتي العقلية على حد قوله، لا يهم كنت بحاجة للرحيل بالفعل، لقد كنت مرهقة جدًا،

لم أنسى طلب الأستاذ سفيان لقائي، قبل الذهاب إلى النزل توجهت إلى المكتبة، مضى الكثير من الوقت،
-يسعدني حضورك.
ابتسم عندما رآني أدخل إلى المكتبة، كم يختلف لقاء اليوم عن أول لقاء لنا عندما حضرت برفقة إيان!
-كيف حالك؟
=بخير.
أجبته بهدوء،
-هذا ليس ما قالته السيدة نورا.
نبرته تقول إنه يريد أن يعرف أكثر،
=إنها فقط تقلق بشأني كثيرًا.
حافظت على هدوئي معه،
-وهل هي مخطئة؟
كان بصره مركزًا عليّ، يريد إجابة واضحة،
=ليس تمامًا.
-ما الأمر؟ ماذا يحزنك؟
=تسأل ذلك وكأنك لا تعلم!
نبرة صوتي كانت ساخرة، كم هو مضحك أن يدعيّ الناس أنهم لا يلاحظون ما هو مكتوب على وجوهنا،
-هل تفتقدين إيان؟
كان الرفق في نبرة صوته ملئ بالمواساة، خرج صوتي مرتبكًا وكلماتي متكسرة،
=بالطبع افتقده، افتقد ضحكاته مزاحه المزعج غزله المبتذل الثقة التي كان يمدني بها الطمأنينة التي انبتها بداخل روحي،............ والآن تركها تذبل، لكن أكثر ما أشعر به هو الغضب، رحيل دون أي مقدمات هذا بلا معنى، وغيابه سيمحو ما بداخلي نحوه وما بداخله، الحرب ستزيده قسوة ستمتص المحبة من قلبه وتحوله إلى لوح من الثلج، أنا لا أريد هذا أنا أريد دفء أريد حضور.
حاولت بكثير من الجهد ألا يخرج صوتي كصراخ غاضب، هذا ليس ذنب الأستاذ سفيان،
-جميلتي لا تغضبي من إيان هذا هو طبعه يرحل دون أن يقول، هو هكذا دومًا.
نبرته كانت تحاول تهدئتي واستعطافي،
=هذا ليس مبرر لأي شيء، كان عليه إخباري ما الضرر في أن يقول لي وداعًا كما يفعل أي شخص عادي عند رحيله!
هذه المرة لم استطع كبت صراخي،
-إنه خائف.
=خائف! وماذا يخيفه في قول "إلى اللقاء"؟
-هو ببساطة يخاف ألا يكون بعدها لقاء، كلمة "وداعًا" لم يسمعها إلا ممن حاولوا قتله، إيان لم يكن مثل بقية الأطفال يودعون آبائهم صباحًا وهم ذاهبون إلى العمل ويستقبلونهم ليلًا بالأحضان، هذا ليس الوداع الذي اعتاده، إيان لم يعرف سوى وداع من يتجهون إلى الموت، الوداع ليس فقط يخيفه إنه يرعبه ويوقظ بداخله أسوأ كوابيسه.
=هل يظن أنه إن لم يقل وداعًا فإن الموت لن يقرب من يحبهم؟
تجمعت الدموع داخل عيني، هذا سيء،
-على الأغلب، لن أجزم بما يدور في عقله، إيان لا يخفض دفاعاته بسهولة، يخفي مشاعره دومًا، قلبه ملئ بالأسرار، ولقد فقد مفاتيح أقفاله منذ زمن، ولكي يفتح قلبه سيحتاج إلى معجزة.
ارتست بسمة رقيقة على وجهه تعكس القلق الذي بداخله، يبدو أن إيان وجد في الأستاذ سفيان أبًا أفضل من ذاك الذي يتدفق دمه في عروقه،
-الحرب لن تترك ذلك الأثر الذي تظنينه، لقد مر إيان بما هو أسوأ، انتظاره—.
صرخت بوجهه لأنهي تلك الجملة التي أعرفها جيدًا،
=لقد سأمت الانتظار، انتظرت كثيرًا من قبل، اعرف جيدًا مرارة الصبر، أنا لن انتظر لقد رحل سيعود أم لا هذا للمستقبل، أما الحاضر سأعيشه كما يأتي.
-ماذا عن إيان؟
=لقد رحل، رحل، رحل ولا أدري متى قد نلتقي؟ بعد عام أو عشرة؟ أو حتى إن كنّا سنلتقي أم لا؟ إن استطعت أن تعطيني إجابة أكيدة عندها فقط سأحاول انتظاره.
-............
=لا داعي للقلق، أنا وإيان لم يكن بيننا ما يجعله يأمل أنني أنتظره، هو حر ليعيش كما يريد وأنا كذلك لقد ساعدني بما فيه الكفاية وما سيحدث بعد الآن هو تدبير القدر ومن يدري ربما يكتب لنا لقاء أو لربما قدري مع شخص آخر.
قلت هذه الكلمات بكل ما يمكن من برود، غادرت المكتبة دون حتى قول وداعًا، امشى بخطوات سريعة، اكاد اختنق بدموعي، اريد الاختفاء، شعرت بقطرات من الماء تسقط على وجهي، المطر، رفعت وجهي للسماء وتركت ماء المطر يغسل روحي ويجرف الألم بداخلي، اخرجت جميع الدموع الحبيسة بصدري تحت ستار قطراته، يا للراحة التي يحملها لنا البكاء!
(نهاية الفصل الثالث عشر)

نجمة الصباح ✨Where stories live. Discover now