Lady Casanova.

By Tullipxx

75.5K 6.7K 6K

ما أجمَل مِن أن تَعشق شخصًا إلى حَدِ المَـوتِ؟ ▪كُل الحِقوق محفوظَة®. ▪السَيدة كازانوڤا [ رِوايَـة - لِويس تَ... More

السَيدة كازانوڤا.
الأوَل|سَيدة القَطيع
الثانِي|لَيلة في مَهبِ الرَيحِ
الثالِث|في عَصرِ الأزماتِ
الرابِع|رَبيع إيلڤان
الخامِس|خارِج عَن المألوفِ
السادِس|لِقاء مَع حَبة كَرز
السابِع|تُحفة فنِية غاضِبة
الثامِن|سِحر حُورِيات البَرِ
التاسِع|زِفافٌ ريفِيٌ
العاشِر|سِياسة الحُبِ
الحادِي عَشر|حُمى مُصيبة للقُلوبِ
الثانِي عَشر|سَليلة بالَوم
الثالِث عَشر|الوَجه الآخر للعُملةِ
الرابِع عَشر|الخَيط الرَفيع
الخامِس عَشر|مَع الدَقةِ العاشِرة
السادِس عَشر|حالَة زواج
السابِع عَشر|حيلَة آفروديتِي
الثامِن عَشر|القِط والفأر
التاسِع عَشر|امرأة العَصر
العِشرون|موعِد على العَشاءِ
الواحِد والعِشرون|أعادَة إحِياء الماضِي
الثانِي والعِشرون|أسرَى حَرب الذَكرياتِ
الثالِث والعِشرون|جِدال بَين شظايا مُجتمع
الرابِع والعِشرون|الأُم العَقيم
الخامِس والعِشرون|الحَياة دائِرة مُغلقة
السادِس والعِشرون|سِر الوَشاحِ الأزرَق
السابِع والعِشرون|رَومِيو وچولِيَت
الثامِن والعِشرون|قَبل غُروبِ الشَمسِ
التاسِع والعِشرون|الشُموع السَوداء
الثلاثون|بَين الحُبِ وغَريزةِ التملُكِ
الواحِد والثلاثون|الرجُل الآخر
الثانِي والثلاثون|حَواء الضِلع الأعوَج
الثالِث والثلاثون|مِكيالا العَدل والرجُل
الرابِع والثلاثون|عَرين لِوجورَيا
الخامِس والثلاثون|قلبُ قدِيس وحَياة آثِم
السادِس والثلاثون|غُربال وغِربان
السابِع والثلاثون|آخِر عَربة بقَطارِ الأوهامِ
الثامِن والثلاثون|أُمسِية على قَدمٍ وساق
التاسِع والثلاثون|عِرق ليلِيث
الأربَعون|حَلوى أم خُدعة؟
الواحِد والأربَعون|أُمنِية مَع وقفِ التَنفيذِ
الثانِي والأربَعون|حَفل على شَرفِ بِروتوس
الرابِع والأربَعون|تَرنيمة مِزمار المَوتِ
الخامِس والأربَعون|فَن العَودةِ للواقَعِ
السادِس والأربَعون|نَعيم مُزيف
السابِع والأربَعون|جُنون أرستُقراطِي
الثامِن والأربَعون|بوصلَة ومِرساة
التاسِع والأربَعون|ساعَة رَملِية مَكسورة
الخَمسون|الكَأس الأخَير
نِهاية السَيدة كازانوڤا.

الثالِث والأربَعون|قَوس وسَهم

659 83 118
By Tullipxx

طرَب النَهار بزَقزقةٍ وَديعةٍ من طُيورٍ رَشيقةٍ. سُنبلة خَلف سُنبلة أُعلِنت الثانَية ظهِرًا بهَديرٍ برَدهةِ بَيتِ ليڤَرِنت الهادَئ..والَذي لم يُسمع لهُدوءِه كاسِرًا منذُ ليلَةِ الحَفلِ التَعِيسة.

مَهمومًا إستَلقى لِوي فَوق أريكَةِ المَكتبِ مغلَق العَينِ والحَواسِ، حالَة مُتدنِية لازَمته على مَدارِ السَتةِ الأيامِ السابِقة واليَوم لم يكُن بمُختلفٍ تمامًا. كَيف يُمكِن للأوضاعِ أن تَسوء بذلِك الشَكلِ وهو مَن إعتَقد أن وَجود طَفلٍ سيَحِل كُل شيءٍ؟

كَم كانَ حالِمًا.
حاوَل دَفع سَيرة هارَولد عن خُلدِه تمامًا، رُبما تصَرف بهَمجيةٍ وإنفَعالٍ نَظير قلقِه البالِغ وثَقته المَهزوزة..ولكِنه كانَ معذورًا وإنتظَر أن يتفَهم صديقُه ذلِك، فلَقد أغَم ماضَي زوجتِه العَثِر حَياته حَتى جَعلته غَير مَوزونٍ.

وعلى ذَكرِ الشَقراءِ الحَسناءِ فاتِنة فؤادِه المُتعذِب، هِى لم تترُك بالَه لحظُة رَغم عَدمِ تبادُلِهما حديثًا كامِلًا طَوال الأيامِ المُنصرِمة..هو إنتَظر تفسيرًا ما لكُل الفَوضى الَتي حدَثت لَيلة الحَفلِ، وهِى إستَغرقت وقتًا حَتى تجمَع شتاتَها بعَزمٍ كَما إعتادَت أن تفعَل.

مَع أن صَدمة هذهِ المَرةِ لم تكُن كأي صَدمةٍ واجَهتها قبلًا.

"يومٌ سعِيد، نَهر."بإنطَفاءٍ رحَبت سيڤين بالخادَمةِ الَتي إلتَقطت مِنها رِداءَها والقُبعةِ. كانَ يومٌ نموذِجيٌ بحَياتِها الَتي غدَت رتَيبة على نَحوٍ لا يُصدق، كَم بدَى ذلِك بعيدًا جِدًا قَبل فترةٍ وَجيزةٍ وحَسب.

"لقَد إستَغرقتِ الكَثير مِن الوَقتِ، سَيدتِي."

"أجَل، لقَد ذهبِتُ لزَيارةٍ ضَروريةٍ. هَل لِوي بمَكتبِه؟"

أومأت نَهر بتأكَيدٍ، فإعتَصرت الشَقراء قَبضتِيها سوِيًا وسارَت بطَولِ الرُدهةِ نَحو بابِ الحُجرةِ المَفتوحِ شاعِرة بتَشاورِ آنفاسِها بتَوترٍ، وإن لم تلبَث أن سكَنت فَورما وَقع نظرُها علَيه.

كانَ مسالِمًا بموضِعه تمامًا.
لم تَملِك رَؤية ما إذ كانَ متيقِظًا أم مخطوفًا بسِنةٍ غافِلة، ولكِنه كانَ يتَنفِس بإنتَظامٍ ويلزَم مكانَه بإستَرخاءٍ كرَهت أن تحرِمه مِنه خصوصًا وهِى تعلَم مَدى تعسَفِ الأحَوالِ هذهِ الأيامِ علَيه وكَم أصابَه الإحِباطُ.

إنسَحبت خِلسَة مِن المَكانِ صاعِدَة الدَرج العُلوِي وإن لم تسلَك طَريق حُجرتِها، بَل توجَهت نَحو غُرفةِ السَيدةِ الكَبيرةِ الَتي عادَت تلزَم فِراشَها بعدَما هاجَمتها وَعكة أشَد قَسوة لم تتحَملها، فكَم كانَ السُل مرضًا رهيبًا لا يرحَم.

هِى لم تكُن مِن النَوعِ العَطوف، ولكِنها كُلما تذكُر وَجه لِوي حينَما إكتَشف عِلة جدتِه الحَقيقية قَبل أربَعةِ أيامٍ يرِق قلبُها. كانَت تتفَهم مَدى أهمِيتها بحَياتِه وتَرى كَم هو قَلِق مِن فَقدانِها كَما فَقد آلبِرت من قَبلٍ، مَهما تحايَل علَيها وزَين لَها مشاعِرَه بالوَئامِ.

لقَد كانَ يشعُر بالخَوفِ.

"سَيدتِي، هَل أنتِ مُتيقِظة؟"
عبَرت البابَ بحَذرٍ مُتطلِعة لغَربِ المَكانِ حيثُ مكَث سَرير المَرأةِ مُنسدِل حَوله السَتائِر الحَرِيرية الشَفافة. كانَ المَكان دافِئًا ولكِن معِجًا بجَوٍ مَرضيٍ غَير مُريحٍ، فتحامَلت وهِى تتوَغل مُختلِسة نظرَة للسَيدةِ المُستلقِية بتَعبٍ.

كانَت بحَالٍ مؤسَفٍ تمامًا.
سيڤين لَم تتصَور يومًا بأنَها قَد ترَى تِلك المَرأة الإنجَليزية الصَلبِة خائِرة دَون مُقاومةٍ، ولم تتخَيل بأنَها قَد تُشفِق علَيها لوَهلةٍ. عجبًا للزَمنِ الَذي يستنزِف عُمر الرَوحِ حَتى تنطفِئ وتَنهك بوَهنٍ.

دَفعت سيڤين بنفسِها داخِل جُدرانِ حُجرتِها المُزكِية بياسَمينٍ واهَمٍ، فكَت أشرِطَة مَشدِها لتُحرِر ضلوعَها ونَتوء بطنِها بخَلاصٍ تنَفست بِه رَيثما تترُك الثَوب ينزلِق بكُل شَيءٍ آخرٍ عَن جَسورِ جَسدِها الَذي مثَل أمامَ المرآةِ مَع نظرتِها المُتوهِجة بدَفئٍ.

مَع كُل يومٍ يمُر كانَت تشعُر بذلِك الرَباط الَذي جمَعها بطَفلِها يَزداد مَتانة، كانَ زائِرُها الصَغير الَذي لم تتمَكن مِن الإنتَظارِ شوقًا لمُقابلتِه والتَملِي بَه بكُل حُبٍ نجَح بأن يَسرِقه مِن سَراديبِ قلبِها المُوصدةِ.

لقَد كانَت مُتلهِفة لتَكون الأُم الَتي لم تحصُل علَيها أبدًا.

بلَفحةِ هَواءٍ قَويةٍ فتَح عَينيه بتذمُرٍ،لم يتعَمد لِوي أن يغفُ ولكِنه لم يُقاوِم إغواءاتَ النَومِ أمامَ إرهاقِه وحاجَته الماسّة لبَعضِ الراحَةِ، فهو كانَ يقبَع لساعاتٍ بجانَبِ سَرير جَدتِه على مَدارِ اللَيالي السابَقة.

رُبما إعتِناءٌ بِها. رُبما هرِبٌ مِن كُل شيءٍ آخرٍ.

بدَرجةٍ تَلو الأُخرى كانَ يحمِل صَينِية الغَداءِ صاعِدًا نَحو حُجرةِ جدتِه بوَجهٍ عابَسٍ، لم يكُن هُناك أي جَديدٍ يَجري بحَياتِه وذلِك أزعَجه جِدًا. فكَأن كُل شيءٍ تَحول لآلوانٍ باهَتةٍ بلا رَوحٍ وهو حاوَل أن يتمَسك ببَعضِ التَفاءلِ.

"مرحِبًا."توَقف بمُنتصفِ الطَريقِ مَع ظُهورِ الشَقراءِ بزَيٍ مُريحٍ لبَدنِها المُسترخِي تُطالِعه بعُيونٍ لمَعت بدَفئٍ جاهَد ألَا يدَع نفسَه تخضَع لَه وهُو يُجيبها بنَفسٍ مَخنوقٍ تَرددت أمامَه. "هَل يُمكِننا الحَديث قليلًا؟ لدَي ما أوَد إطِلاعكَ علَيه."

والآن هِى مُستعِدة لتتَحدث.
"يجِب أن أضَع الطَعام لجَدتِي أولًا، ثُم يُمكِننا الحَديث بعدَها."نطَق ببُرودٍ، لم يسَعه إلا إظَهار غضَبه علَيها بكُل صورةٍ مُمكنةٍ كَي تشعُر بالذَنبِ لمَ حدَث ويحدُث بسَببِها. فمَن تخَيل بأن تتحَول حياتَه الوَردِية لعالَمٍ كَئيبٍ خالٍ من الحَيويةِ؟

"سأكَون مُنتظِرة بالمَكتبِ."
عبَرت مِن جانَبِه بهُدوءٍ مسَّه برَعدةٍ والَهةٍ تجاهَلها رَيثما يُباشِر طريقَه للأعلَى مسيطِرًا على جَماحِ قلبِه الَذي إنتَفض مِن جديدٍ بَعد أوَل نظرَة فاتِنة ترمُقه بِها ليخُر لَها صريعًا. فلَا فائِدة مِن حُبِه العَميقِ رَغم بؤسِه.

ثَبِتت سيڤين لَوحة جَديدة فَوق إطارِها مُرتِبة آلوانَها بنَظامٍ جَوار الفُرشاتِ المُتباينةِ شاعِرة برَغبةٍ عارَمةٍ فَقدتها لأيامٍ بالرَسمِ، وكأنَ شُعلة شغفِها عادَت لتتَقِد بعدَما تمكَنت مِن لَملمة بعثَرتِها الَتي فقَدت سُلطتها علَيها للَيلةٍ غابَرةٍ تسعَى لإعتبارِها جزءً مِن الماضَي

فلَقد تخطَت الكَثير مِن الآمورِ السَيئةِ.
وسِر سِيمون لم يكُن إلا الأخَير بصَفٍ طَويلٍ.

"المَعذِرة، سَيدتِي."تنَبهت لنَهر الَتي تقَدمت لتُسلِم لَها خِطابًا بَدى ثقيلًا براحَةِ يدِها وقَد دُوِن أعلاهَ إسمُها معتلِيًا تَوقِيع مُنمق لبارَونةٍ غابَت عن لَيلةِ الإحتَفالِ رَغم تأكُدِها مِن إرسالِ دَعوة خاصَة إليها.

" عَزيزتِي السَيدة سيڤين.
يؤسِفَني كثيرًا عَدم حُضورِ حفلًا مميزًا جِدًا لم أتخَيل بأنَكِ قَد تَدعونِي إلَيه..إن هذهِ حقًا مُناسَبة فَريدة وجَميلة أسَرت بقَلبِي السَعادة لأنكِ نَلتِ أخيرًا ما تَستحِقه امرأة رؤوفة مَثلكِ.

أرجَو أن تَقبلِ آسفَي عن الغَيابِ وتتَفهمِ موقَفي. وأتَمنى لكِ السَعادة الأبدَية بحَياتكِ مَع طَفلٍ حتمًا كُنتِ تنتظَرينه بكُل لهفةٍ وصَبرٍ. سيَكون معتزًا بكِ يومًا ما.

تَحياتِي وتَحِية مُميزِة مِن هازِيل إلَيكِ.
إيميلِيا لورانَس. "

إبتَسمت سيڤين برَحابةٍ طاوَية الرِسالَة ومُستطلِعة على بَطاقةِ التَهنِئة الَتي رافَقت الخِطابَ، كانَت رَسمة لَطيفة وُقِعت بإسمِ هازِيل الَتي حاوَلت إظهارَ إمتنانَها للشَقراءِ الَتي اظهَرت ما لم يُظهِره أي شخصٍ آخرٍ بمَحنتِها الرَهيبةِ.

ألَيس مِن الجَميلِ أن تحظَ سيڤين ببَعضِ الناسِ الصادَقينِ بحَياتِها؟

"على مَهلكِ.."عدَّل لِوي وَسادة جدتِه خَلف ظهرِها بَعدما رفَع صَينية الطَعامِ من أمامِها، كانَ وجهُها شاحِب والعَرق يتصَبِب بلُطفٍ مِن جَبينِها رَغم رَجفاتِ جسدِها الَتي حاوَلت الهَيمنة علَيها بتعصُبٍ. كَم بدَت بحالٍ هزيلٍ كرَهته كلِيًا.

برَشفةِ مَاءٍ أعقَبت وَصفة دَواءِها نظَفت حلقَها وإستَرعت إنتباهَ حفيدِها المُنبطِح فَوق مَقعدٍ لاصَق فَراشها بصَوتٍ مُتحشرِج بإحَتقانٍ."كَيف هِى الأحَوال مَع زوجتِك يا لِوي؟ تَبدو لِي حزينًا هذهِ الأيامِ."

"إنَها بِخَير. كُل شيءٍ بخَير."تكلَف الإبتِسامَ بهَمٍ، لتَكسِر تجاعَيدها المُرهقة ببَسمةٍ صَغيرةٍ بينما تربُط على قبضتِه بلُطفٍ شَديدٍ. "أنا لَم أُربِيك على الكَذبِ وأنتَ غِير بارَع فِيه. أخبَرنِي، ما الَذي فَعلته هذهِ المَرةِ؟"

"إنَها مُشاكِل عادَية كالَتي تحدُث بَين أي زَوجينِ، جَدتي..لا تَقلقِ."لم يرغَب بشَغلِ رأسَها بآمورٍ لم يعلَم لَها مَرسى،كانَ يُطِيل بجُلوسِه مَعها هربًا مِن الإجتَماعِ بالشَقراءِ كَي لا يُضيفا جِدالًا جديدًا لحَياتِهما.

كَم أصَبح تَعيسًا.

"إنكَ لا تُريد إخبارَي، ولا بأس بذَلِك. ولكِن دَعنِي أقَول لكَ آمرًا، لقَد فاتَ الآوانَ على عَتابِي أو تَحذِيري وإخِباركَ بأنَه كانَ خِيارًا غَير مَعقولٍ منذُ البدايةِ، ورَغم صُعوبةِ ذلِك لِي..إلا بأنَني لا يُمكِنني إنكارَ أنها ستَظل زوجتُك للأبدِ وستَكون أمًا لطَفلِك فيمّا بَعد. لقَد حظَيتما بأيامٍ جَيدةٍ وسَيئةٍ كَأي رجُلٍ وامرأةٍ، لقَد تحَملت سلوكَها الغَرِيب وطِباعَها الجَديدة عليكَ حَتى حفَظتها. أن تكُن رجلًا مسؤولًا هو بأن تتمَكن مِن إحَتواءِ المَواقِف السَيئة على الدَوامِ مَهما كانَت ضَخمة، ومَهمن كانَ المُتسِبب بوقوعِها. هذهِ نَصِيحة مُتأخِرة، ولكِن ها أنا أُخبِرك بِها. سيڤين بالَوم لَيست كَأي امرأةٍ ثانَيةٍ، ولكِن النَساء يا عَزيزِي مِن ضَلعٍ واحدٍ وجمِيعُنا نُحِب رَؤية الرجُل الَذي إختَارنَه شريكًا أن يكُن بارِعًا بحلِ الأزماتِ..والسَكوت ما هو إلا حَلٍ فاشَلٍ لمَن يتهَرب مِن المَسئولِية، وأنا لم أٌنشِأك على الفَشلِ. مَهما كبَرت وتَعقدت المَشاكِل بينكَ وبَينها..واجِهها، تحمَل إسلوبَها وقَوِمها كَي تكُن لكَ صَورة مُرضِية مُتكامِلة. إنكُما كالقَوسِ والسَهمِ لا مَغزى لواحدٍ دَون الآخر..وكَما أن المَرأة بحاجَة لوَجودِ الرجُل، فلَا مَعنى للرجُلِ بدونِ امرأةٍ. أنتَ وسيڤين قُدرتِما لبَعضُيكما لِذا يجِب أن تُكمِلا نفسَيكما."

للمَرةِ الأُولى يسمَع حديثًا لا يذُم زوجتَه على لَسانِ جدتُه، للمَرةِ الأُولى يسمَعها تنطَق بإسمِها دَون لَقبٍ ما أو كَنيةٍ تلحَق بِه. كانَت تنصَحه بكُل صدقٍ نابَعٍ من شُعورٍ وَنيسٍ لم يهتَم سِوى لَه وبمّا هو يَحتاجه فِعلًا.

فلَم يكُن الحَديث المُوبِخ عَن زيجتِه يُساعِد بآمرٍ أبدًا.

"مَا الَذي علِيّ فعله، جَدتي؟ لقَد أخفَقتُ حقًا هذهِ المَرةِ.."همَس وقضَم شِفَته بذَنبٍ. لقَد كان يعترِف لنفسِه وحَسب مَدى حُمقِ تصرُفِه بحقِها وحَق صديقِ عُمرِه بإتهامٍ سَخيفٍ لم يَدرِ كَيف فكَر بِه.

ولكِنه عانَد بجَهرِ ذلِك لأنَه لم يعلَم كَيف يُصلِح الآمر. كانَ يتهَرب.

"إن أخفَقت إعتَذِر، وَضح خطئكَ وأصلِح الآمَور. سَواء مَع زوجتِك أو مَع أي شَخصٍ آخرٍ..لا بأس مِن أن تكُن مخطِئًا وتعترِف بذلِك، هَذا لن يُقلِل مِن شأنِكَ آمرًا."

لقَد كانَ حقًا مندهِشًا مِن بلاغَةِ جدتِه اليَوم. فهذهِ هى المَرأة الَتي علَمته أن البُكاء لَيس مِن شَيمِ الرَجالِ، هِى من أخَبرته أن الموسيقَى للنَساءِ. كانَت هِى نفسَها مَن تدَفعه للإعتَذارِ دَون أن تعلَم ما حدَث، دون أن ترمِ باللَومِ على سيڤين أو تُعاتِب على غَيابِها لَيلة الحَفلِ بشَكلٍ غامَضٍ.

فلَم تكُن ترَى أمامَها سِواه وحَسب.

مُهِد لمَسامِعها المُنبسِطة اللَحن العَذب كَي ينتشِلَها بساحَةِ رَقصٍ خلَقتها بفُرشةِ رسمِها الهائِمة. تعَرِشت بسمتُها ثغرَها المَرِن بَعدما سمَحت سيڤين لعَشوائيةِ خُلدِها أن تنبَثِق فَوق اللَوحةِ وبالآلوانِ ببَساطةٍ.

كانَت ترغَب بأن يُراوِدها ذلِك الشَعور اللَذيذ مِن جَديدٍ. إحَتست شايَّها بشَهيةٍ شُتِتت بطَرقةِ بابٍ خَفيفةٍ مِن قَبلِ زوجهِا الَذي لم ينطِق بحَرفٍ وإن سَدد لَها نظراتَه المُرتبِكة. إبتَسمت سيڤين بلُطفٍ ونَهضت مِن مَجلسِها بمُهاودةٍ.

"لقَد كنتُ أنتظِرك."رَفعت سِن الجَرامافون الدائِر قُبيل أن تتَجِه إلَيه لتُمسِك كِلتا يَديه بلَمسةٍ رَقيقةٍ سُرعان ما إشتَدت حَول يُمناه المُنكمِشة ببَعضِها، وتَعجبت. "ما الخَطب بهذهِ؟"

"لقَد إحتَرقتُ مِن الحَساءِ."عَض لِسانَه بحَرجٍ، مُحاوِلًا إختِلاسَ يدَه المُلتهِبة مِن مَسكتِها الَتي عانَدته كَي تُمسِد علَى حَرقِه الطَفيف بهَزةِ رأسٍ إبتَسمت خِلالَها. "أخرَق على الدَوامِ."

ضَم شِفَتيه تارِكًا إياهَا تَقوده نَحو كُرسِي المَكتبِ حيثُ قابَلته بالآخرِ الَذي سحَبته ليَكون مباشِرًا لَه، ويَطلِع على مُقلتِيها الساكَنتينِ كعُشبٍ وَديعٍ إحتَضنه مَع تمسيدِها المُتوالِي فَوق يدِه بنُعومةٍ.

"كَيف حالُك؟ هَل كُل الآمورِ على ما يُرام؟"كانَت هادِئَة ولَطيفة جِدًا وكأنَما كُل الأوَضاعِ بينهُما لَيست مُضطرِبة وبغَيرِ مكانِها. بدَى مستغربًا مِن إسلَوبِها الرَقيق وإن جاوَبها بنَبرةٍ فتَرت إلتَقطتها وإن لم تُهبِط بسمَتها عن ثغرِها قَط.

"أنا أعلَم بأنَنا هذهِ الأيامِ لَسنا على وَفاقٍ، وبأنكَ تمُر بالكَثيرِ من المَشاكِل الَتي يؤلِمني كَونِي إحداهَا ولستُ حلًا لَها. أنا أُدرِك أنكَ تنتظِر مِني تفسيرًا لكُل الفَوضى الَتي حدَثت ليلَة الحَفلِ..وهَذا لم يكُن شيئًا هينًا لأفعَله بكُل بَساطةٍ."

لإعتَقد بأنَها تُحاوِل أن تُدثِر الآمر ككُل مرةٍ ببَضعةِ كَلماتٍ مَعسولةٍ، ولكِن نظرَة عَينيها العَميقة بلَمعتِها الحَزينة جعلَته يتراجَع عن ظنِه ويُنصِت بكُل إهتمامٍ.

"ذلِك اليَوم كانَ يجِب أن يكُن جميلًا لكِلينا،وعَله كانَ سيبقَى كذلِك لَو لم أخرُج مِن ذلِك البَيتِ وقتئذٍ، ولكِن هَذا ما حدَث..وتحَول اليَوم بأكمِله لآسوء يومٍ بحَياتِي، أنا لا يُمكِنني تذكُر يومًا شعرتُ فِيه بالضَعفِ والآلم قَدر ما شعرتُ بذلِك اليَوم. لا يُمكِنني إخَبارِك كَم أنا نادِمة على إفسَادِ الأُمسِية بذلِك الشَكل، ولكِنني لم أكُن أُفكِر بسَويةٍ وكنتُ أكبَح رغَبة قاتِلة بالإنهَيارِ والبُكاءِ. كانَ يجِب أن أعَود إلى هُنا ولَيس للكَنيسةِ..وإنَما كانَ علِيّ التَكفير عَن ذنبٍ جَلدت نفسَي بِه لأعوامٍ ولم أكُن حَتى المُخطِئة. كان يجِب أن أتخَلص مِن الكَثيرِ من الخَطايا الَتي إرتكبتُها بحَقِي وقَد فَعلت، فأنا لم أعُد مُخطِئة بَعد الآن."أقَرت بكُل صَدقٍ وإقتَناعٍ وكأنَما لم تملِك بصدرِها نبثَة تردُد واحِدة، وكأنَما طرَدت كُل ندمِها وشعورِها بالذَنبِ خارِجًا بَعدما كُشِف لَها سَبب إنقَلاب حياتِها منذُ البَدايةِ. والِدُها الَذي شَوه أخيها بحَتميةِ إمتِلاكَها رَغم إختِلاف الإسلَوب والتَبرير.

تحَير لِوي أمامَ كلماتِها المُلغزةِ وهِى تستبعِد الإفصَاح لَه بكُل شيءٍ بوَضوحٍ، ولكِنه لم يُفكِر بالضَغطِ علَيها عالِمًا مَدى صُعوبةِ الآمر لَها مِن مَرارةِ نبرتِها وإنطَفاءِ نظرتُها. كانَ الوَضع أكثَر بؤسًا مِما تَصور.

شَدت على يدِه لمَرةٍ أخَيرةٍ قَبل أن تَنهض تتشَبث بِها نظراتَه نَحو موضِع جلوسِها السابِق لتَقتفِي ورقًا طُوِى بعَنايةٍ عادَت بِه إلَيه بتَنهيدةٍ ونَظرةٍ هامَدةٍ. "لم يعُد هُناك مَن يُمكِنني الوَثوق بِه سَواك، فلا تخذِلني أرجَوك."

رمَق الأوَراق الَتي مدَتها لَه لبُرهةٍ،ثُم إلتَقطها ليَتطلع إلَيها أسفَل خَضراوِيها المُتفحِصتين لتَعبيراتِ وجهِه الَتي كانَت تتغَير مَع مُرورِ كُل ثانيةٍ على قراءتِه لمُحتوى العُقودِ المَوثقة وحُجج الأمَلاكِ الَتي دُوِن بَها إسمُه بوَضوحٍ.

"حبًا بِالله، مَا الَذي فَعلتِيه؟"إستَنكر بشَدةٍ تارِكًا مَجموعة الأوَراقِ كالمَلدوغِ. لم يكُن يُصدِق بأنَه كانَ يحمِل وثائِق وعُقود نَقل مِلكَية لكُل شيءٍ ملَكته الشَقراء مِن مالٍ وحَصةٍ بتَجارةِ عائِلتها بجانَبِ نصيبِها مِن بيتِ والدِها وعِزبة إيلڤان مِنها إلَيه!

"كَما قرأت. لقَد أصبَح كُل شَيءٍ مِلكًا لكَ."

"لِماذا قَد تَفعلين آمرًا كهَذا؟ أنا لا يُمكِنني..-،أنا حَتى لا أفهَم بالتَجارةِ. أنا لَا أقبَل بذلِك! أنا لا أستَطيع قَبول ذلِك!"

"لِوي، هذهِ مُجرد نُسخ للوَرقِ الرَسمِي، لقَد سُجِل كُل شيءٍ بإسمِكَ بالفَعلِ."أخطَرته بخُفوتٍ، مُراقِبة إهتِزازَ مُقلتِيه المَصدومتينِ كلسانِه الَذي لُجِم بجَهلٍ. لم يستطِع أن يُعبِر عَن مدَى تفاجُئِه بفعلتِها،هو لم يتوَقع أبدًا أن تقُم بآمرٍ كهَذا.

ولِأي سَببٍ؟

"ماذا عَن سِيمون؟ وتِجارة العائِلة؟ لقَد كتَبتِ كُل شيءٍ!"

تمَررت بشَدةٍ لسَماعِ إسمَ أخيِها، فينَغزها قلبُها بآلمٍ حارَقٍ. كرَهت إسمَه كَما كرَهت ذِكرَه..وكانَ ذلِك صعبًا علَيها رَغم مُحاولاتِها بتَخطِي الآمر. كانَ مِن العَسيرِ علَيها جدًا كُرهه.

"ستَكون أكثَر حِرصًا علِيَّ مِن أي أحدٍ آخرٍ."تجَرعت لعابَها بتَوترٍ مَع حفاظِها على وزنِ صوتِها، وضَمت كِلتا يَديه مجددًا بحَرارةٍ. "لِمَ عسَاي أقلَق على مالٍ أو تَجارةٍ ما وقَد سلمتُك نَفسي وجَسدي وثَقتي بالفَعلِ؟ بالنَهايةِ كُل ذلِك سيَكون لطَفلِنا لِذا لا يهُم مَن يملِك كُل تِلك الأشَياء."

نظَر لَها بإضطَرارٍ وزَفر بعُمقٍ. لقَد كانَت تُعقِد لَه الآمور بكَلماتِها المُطِيبة جِدًا والَتي لم تفشَل بتاتًا بإقناعِه بشَيءٍ. "إنَكِ تُصعبِ الوَضع كثيرًا.."تَزمت، هازًا رأسَه بيأسٍ حَيرها.

"مَا الَذي أُصعِبه؟"

"لقَد إتهمتُكِ حرفِيًا بأنكِ على عَلاقةٍ بصَديقِ عُمرِي وها أنتِ ذا تَعطِينني كُل شيءٍ تَملكينه ببَساطةٍ وأنا مَن تصَرف كوَغدٍ تمامًا!"كانَ حانِقًا بشَدةٍ على نفسِه، ولكِن ذلِك لم يمنَع بسمَتها مِن الخُروجِ بَعد سماعِه يسُب للمَرةِ الأوَلى على الإطَلاقِ.

"لقَد أخبرتُك بِأنَني سأتظَاهر بعَدمِ سماعِي لذلِك.
ولكِن ما لَن أتغاضَ عنه هو ما فَعلته مَع هارَولد، أنا لا أملِك فكرَة عَن ما قُلته لَه ليلَتها وإنَما أنا مُتأكِدة بأنَه قَد جرَحه جِدًا، لأنَه لم يأتِ منذُ ذلِك الحَينِ.."إستَحالت الجَدِية عَينيها، فإستَاء بذَنبٍ.

"ثِقَتي بهارَولد نبَعت مِن ثَقتِك أنتَ بِه، لِوي. إن هارَولد مُتلاعِب، مُشتت ولَه سُمعة أنا عَليمة بِها جيدًا ولكِنه صَديقك، ولا يملِك سَواك، ولا أحَد يفهَمه مِثلك..لِذا إتهامَه دونًا عن أي أحدٍ آخرٍ بأنَه يخَون ثقتَك مَعي هو آمرًا فظيعًا أنا مُوقِنة بأنَه قد آلمَه لسماعِه منكَ أنتَ."

"لقَد تصرِفتُ بغَباءٍ.."شَق شِفَتيه بهَمسٍ، شَعر بفَيضانٍ من النَدمِ يَجتاحه متخيلًا ما شَعره هارَولد وهو يسمَع مِنه كُل تِلك السَخافةِ الَتي نطَق بِها دون أي تَفكيرٍ بعَقلانيةٍ.

هو لَم يعلَم ما أصابَه فِعلًا. للمَرةِ الأولى يشعُر بذلِك الغَضب والإنفِعال. للمَرةِ الأولى يَكون مِزاجيًا حادًا لدَرجةٍ غَير مَفهومةٍ. وكأنَه أصبَح سَريع الغَضبِ ومُتقلِب المَزاج. مِثلَها.

شَعر برَبتةِ يدِها لعَظمةِ وجهِه برَقةٍ، ليَنتبِه لنظرتِها المُهونةِ. "أجَل، لقَد فَعلت..وعليكَ إصلاحَ الآمر. لِذا غدًا بالصَباحِ، سَتذهب إلى مَنزلِه كَي تعتذِر بشَدةٍ عَن ذلِك التصرُفِ الغَبي. مَفهوم؟"

أومأ بِلا جَدالٍ. كانَ أحيانًا يُراوِده خاطِر مُضحِك بأنَها تتصَرف مَعه بحَزمٍ كالأطَفالِ، تُخبِره بمَا يجِب أن يفعَل وتوبِخه إذا إرتكَب خطئًا وتُرشِده لمَخرجٍ ما، أو تَرعاه بحالَةِ الخَطرِ مثلَما فَعلت بشَكلٍ فَجٍ آثناء زَيارةِ لِوجوريا.

ولم يكُن ليَشتكِي من ذلِك الإهتَمامِ.

منَحته بَسمة أخيرَة قَبل أن تنهَض جارَة يدَيها برَفقتِها، فعاجَل بقَبضِهما مجددًا كَي تُناظِره بإستَفهامٍ قطَعه بآملٍ. "ألَن تُخبرِينني ما حدَث بتِلك اللَيلة وجَعلكِ مُستاءة لذلِك الحَد؟"

رمَقها بقَلقٍ، ونمَى جَذر الفَضولِ بقلبِه قَبل أن يُقتلع بنَفِيها. "سأُفضِل عَدم الحَديثِ عَنه، على الأقلِ لَيس الآن."تَمتمت سيڤين، فهَز لِوي رأسَه بفَهمٍ محرِرًا قبضَتيها عَن مسكتِه كَي تسترِد مجلَسها فَوق المَقعد الخَشبِي المُجاوِر للنافَذةِ العاكِسة لضَوءِ شمسٍ وَهج كُل إنشٍ بَها وبلَوحتِها.

كَم كانَت فاتِنة.

رَفع كاهِلَه بهُدوءٍ كَي يستقِر خلفَها متآمِلًا حَركة أصابِعها الإنسَيابِية فَوق اللَوحةِ كَي تَغزِل خيوطًا بَهيجةٍ مُتشابكةٍ مُعبِرة عَن ما يَدور بذهنِها مِن جَمالٍ أَغرم بِه وأحَب رَؤيتها تُعرِب عَنه برَسوماتِها المُتعاقِبة.

"إنَكِ بارِعة، سيڤين."
صَدمت آنفاسُه الدافِئة عنقَها بدَغدغةٍ قَشعرتها، لتُدثِر إنتِفاضَة قلبِها الشاهِق رَيثما تَلتف بمَوضِعها كَي تُقابِل زَرقاوِييه الجاوَيتِين اللَتِين إرتَدتا على حَدقِتيها بوَلهٍ كادَ يسرِقها.

"حقًا؟"

"حقًا."
إبتَسمت، وسَحبت شِفَته السُفلِية بقُبلةٍ لَطيفةٍ عقبَتها بأُخرى حَتى غطَت كُل حَوافِ فمِه بمَذاقِها النَعيمِي ويَدِاها ترتَفِعان كَي تُحيطا بوجهِه وتُغدِقه بكَمٍ لا ينتهِ من القُبلاتِ العَذبةِ الَتي خضَع لَها بسَلامٍ.

لقَد كانَ مغرمًا.

كانَت الرابِعة، أو رُبما الخامِسة مِن مَساءِ اليومِ. هو لَم يعلَم حقًا، فلَقد كانَ يُخاذِل الوَقت بكُل ثَمالةٍ كَما إعتادَ أن يفعَل ولكِن بَدون مزاجٍ هذهِ المَرةِ..فلَم يعُد للخَمرِ تأثيرًا على عقلِه فغَدى أكثَر بؤسًا كُلما إحتَسى مِن نَبيذِه قَطرة.

حينَما فُتِح بابَ منزلِه ليُقابِل وَجه مَربِيته العابِس، دَفع ببَدنِه المُتمايِل للداخَلِ مهمهِمًا بإحدَى أغانَي الماخَورِ الَذي باتَ كمَقامٍ أوَلٍ لَه تِلك الأيامِ..لتُدنس كُل طيةٍ بَه كَما يَجدر بِها أن تفعَل. هو لم يكُن سِوى لعوبًا بجَميعِ الأحَوالِ.

"لقَد آتيتَ مبكِرًا اليَوم."أشارَت لِيديا بنَبرةٍ فاتَرةٍ، وهارَولد يُلقِي بجَسدِه المُتطاوِح فَوق مَقعدِ حُجرةِ مَعيشتِه بإنهاكٍ لمَزته بعدمِ رَضى. "هَل أنتَ جائِع؟"

"لَا. أنا أُريد النَوم قليلًا."رمَى بحَذائِه جانِبًا مَع عُقدةِ عُنقِه الَتي لم تكُن مُحكمة كِفايةً. تآمَلت لِيديا حالَه الَذي باتَ معتادًا كلِيًا بشَكلٍ مُريبٍ، وزمجَرت. "إلى مَتى سيَستمِر هَذا الوَضع، هارَولد؟"

"إلى الأبَدِ."سخَر، فغَضبت. إستَلقى فَوق الأريكَة بجَسدٍ هالَكٍ وعُيونٍ شُقت بخُمولٍ رَيثما تتبَعثر حروفَه بصَوتٍ ثَقيلٍ. "وما عسَاي أفعَل سِوى ذلِك؟ أنا لا أملِك مَن أقضِ مَعه يَومِي، لِذا لا بأس إن حظِيتُ ببَعضِ المَرحِ، صَحيح؟ لَا أصدِقاء، لا عائِلة، ولا حَتى المَرأة الَتي أحببتُها. كُلهم أجمَعوا بأنَني شَخص وَضِيع لا يَلِق أن يكُن جزءً مِن حَياتِهم."عَبس كَي لا يُظهِر إمعاضَه، لمَح مِن بَين رموشِه المَرأة تقترِب كَي تجلِس على المَقعدِ المُجاوِر بوجهٍ مَشدودٍ.

"ومَن الَذي جَعلك شخصًا وضيعًا؟ ألَيست أفعالكَ هِى ما تجعل الجَميع يبتعِد عنكَ؟ طيشُك وسَفهك لَيس إسلَوب حَياة يَليق بأحدٍ يُريد أن يعِش حَياة طَبيعية، الكُل لَديه إلتِزامات على عَكسِك وأنا خائِبة الآمل بِكَ جدًا لتكبُر وتَكون على ذلِك النَحو المُخجِل!"

زَم شِفَتيه بإنَزعاجٍ، رغَب بسَدِ أذنِيه كَي لا يسمَعها تُردِد ما كانَ يهرَب مِنه منذُ زمنٍ..ولكِن كلماتُها كانَت تتسَلل لتترُك صدَى مُرعِب بخُلدِه المُشتت.

"آخَذت ما حدَث مَع والِدتك حِجة لتَحرِق سَنوات عُمرِك باللَهوِ بحثًا عَنها بكُل امرأةٍ تُقابِلها، ولكِن الحَقيقة هِى بأنكَ تَحتاج للبَحثِ عَن نفسِك أنتَ! أنتَ تبحَث عَن مَن يُحِبك لأنكَ تعجَز عَن حُبِ نفسِك. فهَل يُمكِنك إخبارَي مَن تَكون أنتَ اليَوم؟"

رمَقت سكونَه بغَضبٍ چَمٍ، وتوبيخُها ينزِل على رأسِه كسَكاكينٍ تُمزِق كُل أنسِجة تحامُلِه السَكيرة بضَراوةٍ لم تتوانَ فِيها. كانَت تُريده أن يَستفِق.

"أنا فـاشِل."تَمتم، مزلزِلًا كُل حجرِ تجاهُل شَيده بروحِه المُنطفِئة بحنقٍ شَديدٍ. "هَذا ما أنا علَيه. فَتى ورَث لقبًا لا يستحِقه، أضاعَ ثرَوة والِده على مزاجِه والنَساءِ لأنَه لم يكُن بارِعًا سِوى بذلِك، خسِرتُ الجَميع وأقنَعت نفسَي بأنًني لستُ بحاجةٍ لهُم، ولكِن الحَقيقة هِى بأنَني سأمَوت وحيدًا لِأن ذلِك هو المَصير الَذي إختَرته لنَفسِي الَتي فقَدتها ببراثِن طَيشِي ولم أهتَم بإيجادِها مجددًا. هَذا ما أكونه، لِيديا."

تسَيد الصَمت بغَمٍ بَعد عَضِ لسانِه، تزَمتت لِيديا بمَكانِها مُحشرِجة حلقَها بعتابِها أمامَ صراحتِه المُقبِضة. كانَت تعلَم كَم يُعانِي جَراء شِجاره مَع لِوي الَذي رفَض أن يُطلِعها على تَفاصيلِه، وكَم هو ضائِع بَعد قصةِ حُبٍ فشَلت بعدَما ظَن بأنَه قد عثَر على ما سيُعوِض خسارَته القَديمة.

ولكِن ها هَو ذا، تائِه، مُضطرِب ومَكسور.

"لِوي كانَ الشَخص الوَحيد الَذي أشعَرنِي بأنَه لا بأس أن أكُن مختلِفًا، كانَ يجعَلني جزءً مِن عالمِه المَثالي كَي لا أضطِر لمواجهةِ ذلِك العالَم التَعيس..ولكِن هو طَردنِي، رفَض إقامَتي أكثَر مِن ذلِك. أعتقِد بأنَ لا مَكان لِي بحَياةِ أحدِهم فعلًا."

إعتَدل هارَولد بتخاذُلٍ بمكانِه حَتى جَلس بأردافٍ مُلقاةٍ بإستَسلامٍ واضِعًا مُقلتِين أًعتمتا بحُزنٍ قُبالة حَدقتِيها الذاعَنتين، وأطلَق تنهَيدة عالِية لَو كانَ لهُمومِه صوتًا لكانَت صَيحة إنهَزامٍ قاسَيةٍ.

"ولكِن أنا أشعُر وكأنَني كالقَوسِ الَذي فقَد سهَمه الفَضِي فلَم يعُد لوجودِه فائِدة سَوى آخذ مكانًا لا يستحِقه. وأنتِ لا تُريدِينني أن أحرِق سَنوات عُمرِي بطَيشٍ؟ فما عَساي سأفعلَه إلا إفسادِ حَياة الآخرينِ يا لِيديا؟ يَكفي حَياة واحِدة فاسِدة."

صمَتت بإستَياءٍ. راقَبته يَستنِد كَي ينهَض مِن مكانِه بظَلٍ ترَنح نَحو سلالِم الرُدهةِ الصاعِدة حيثُ يَنزوِي بأركانِ حُجرتِه المُظلِمة حَتى صَباحٍ جَديدٍ، وتَدور عَجلة يومِه برَتابةٍ مُتشبِعة بالخَمرِ الرَخيص والمَناظِر الدَنِسة.

كحَياةٍ واهَيةٍ لا مَغزى لَها ولا رَوح فِيها.

"لقَد زَيف إيكارَوس مَوته.
حلَق إلى نَعيمِه بعُيونٍ لمَعت كالذَهبِ ووجهٍ توَرد كالجَمرِ فنَظر لَه أبولَو وقالَ " لَن يعثَروا علَينا هُنا. "
لقَد رصَد إيكارَوس حَريته.
فكانَ عالَم قاسِي. فَردوس مُزيف. وحُب مَفطور.
رَمى برأسِه على مَنكبِ كَيوبِيد وإستَسلم لسَهامِه تُمزِق قلبَه العازِف كمَزمارٍ في لَيلةِ عُرسٍ.
لقَد رغَب إيكارَوس بالحَياةِ.
لقَد تمنَى إيكارَوس الغَرامِ.
لقَد سعَى إيكارَوس للسَعادةٍ.
ولقَد كانَوا جميعًا في نَعيمٍ مُقدسٍ."

رنَمت مِدفئَة الحُجرةِ معزوفَة رقيقَة تراقَصت بِها صوتُها الناعِم وهو يَتلو بهدوءٍ شَديدٍ وانَس مسامِعَه المُرهِفة وسايَرت آنامِله الرابِتة فَوق معدتِها بلَطفٍ كنَبضاتِ قلبِه المُنعكِسة على ظهرِها المَضموم إلى عَضدِيه بحَرارةٍ رَيثما تلألأ كأس النَبيذِ الأحمَر بَيدِه بلَذةٍ أراحَته.

أعادَ لِوي عنقَه مِن الخَلفِ كَي يفتَح عيونَه على زوجتِه الَتي اغلَقت كِتابَ القَصائِد مُعيدة رأسَها لخَطِ منكبِه بإستَرخاءٍ إبتَسم لَه بإنتَشاءٍ. "أنا أُحِب سماعَكِ تَقرأين. تَجعلِين الآمر أكثَر شاعِرية وجمالًا."

"لقَد أعتدتُ أن أقرأ للكَثيرينِ ولَم يقُل لِي أحدهُم هَذا أبدًا."

"عَدِيمو الذَوقِ."غَمغم، مسِرًا قُشعريرة بطَولِ ظهرِها مَع مَلمسِ شَفتِيه ضَد عُنقِها بقُبلاتٍ لَطيفةٍ جَعلتها تُقيم جِذعَها وتعتدِل بنَصفِ بَسمةٍ على ثَغرِها شتَتته. "يَبدو بأنكَ قَد أفرَط بالشَرابِ."

"أنا لستُ ثمِلًا، أنا أُحاوِل الحَصول على وقتٍ حَميمٍ معكِ وحَسب."لم يلبَث أن أنهَ عِبارَته حَتى مالَ كَي يتمكَن مِن شِفَتيها بوَلعٍ رعَد كِلَيهما بإنتَفاضةٍ شَغوفةٍ لم تُحارِبها، بَل ضاعَت بمَذاقِ النَبيذِ اللاذِع الَذي رافَق سَيل قُبلاتِه الدافِئة.

لقَد كانَ يُحاوِل نَبذ شَقاء رأسِه وحَسب.

إنفَصلت شِفَتاهما بآنفاسٍ مَسروقةٍ إختَلستها صُدورهما المُتراقِصة بتناغُمٍ ناعَمٍ وتعامَدت عيونُهما المُنتشِية بخَليطٍ مُتباينٍ من النَظراتِ وشَهقاتهما تتوالَى فيما بينهُما بحَرارةٍ.

"هَل أنتَ على ما يُرام؟"تكَونت كلِماتُها بالقُربِ مِن شَفتِيه، وإبتَعدت إنشًا كَي تأخُذ نظرَة دَقيقة لعَينيه اللَتين غرَقتا بالحُزنِ رَغم لمعتِها.

"لَا."

إستاءَت. كانَت تعلَم بأنه يسعَى لإلهاءِ نفسِه فَقط، وإنشغالِهما بمّا حدَث لها ليلَة الحَفل أبعَدها عَن الحَديثِ عَن كُل ما يجرَى له منذ ذلِك الحَين.

"هَل تُريد الحَديث عَن الآمرِ؟"

"لَا."رفَض، ورشَف مِن كأسِه كَي يُقنِّع نظرَة البؤسِ في عَينيه. تَنهدت سيڤين بقَوةٍ وإلتَقطت الكأس الخاوِي مِن يدِه قَبل أن يُعبِئه مِن جديدٍ. هو لم يكُن يومًا مِن النوعِ المُتعاقِر للخَمرِ، ولكِنها تعلَم كَم يُصبِح شرِهًا حينَما يَكون حزينًا أو يَكِن ما لا يَستطِع الإفصاحَ عنه.

"لا عليكَ.."همَست لَه، مُستقبِلة جبينَه الَذي مالَ كَي يستنِد على كتفِها ذاعِنًا لتَمسيدِها المُدلِل لمؤخرةِ رأسِه. "سَيكون كُل شيءٍ على ما يُرام، لِوي. لا تقلَق أو تُرهِق نفسكَ بالتَفكيرِ."

"لا شَيء سيَكون بخَيرٍ وأنتِ تعلَمين ذلِك."واجَهها بصَدقٍ بائسٍ مَرره. "أنا لا يُمكِنني وَصف كَيف أشعُر كُل ليلةٍ وأنا أستَيقِظ لأتفَقد نبضَها بخَوفٍ عالِمًا بأنَني في أي دَقيقةٍ لَن أجِده مِن جَديدٍ. ذلِك شُعور رَهيب."

"أنا أعلَم، عزيزَي."تَمتمت أسفَل آنفاسِها الخائِبة. كانَت تعلَم جيدًا كَيف يشعُر لِأنَها كانَت تفعَل نَفس الشَيء مَعه كُل ليلةٍ تقريبًا لشَهرٍ الآن، كانَت تستيقِظ بمُنتصفِ اللَيلِ لتَتفقد نبضَه وآنفاسَه بتوجُسٍ شَديدٍ قلقًا مِن إيجادِ ما سيَفطرها بالتأكيدِ.

فبَعد خَمس رَجالٍ ماتَوا بنَومِهم، أمسَت مَوسوِسة كثيرًا. ولا تملِك فكرَة ما قَد يحدُث هذهِ المَرةِ لَو فَقدت نبضًا ما.

"هَل تذكُر قولَي لكَ بأنكَ يجِب أن تعتَاد على فَقدانِ الآخرينِ؟ بقَدرِ ما يؤلِمني ذلِك ولكِن عليكَ أن تفهَم بأن ذلِك حَتمِي ولا مَهرب مِنه..وإتعاسُ نفسِك ما هو إلا تَعذيبٍ لا مغزَ لَه، تحلَ ببَعضِ الإيمانِ وثابَر قليلًا، أرجَوك."

نفَذت لعيونِه بإحَباطٍ ولكِن واسَته ببَسمةٍ صَغيرةٍ، كانَ فَياض المَشاعِر رَغم محاولاتِه بكَبحِ ذبولَه بقَلبِه المُتحسِر وكانَت تبغَى دَعمه ببَعضِ القَوةِ والتحمُلِ لأنَه لم يُوجد فرارًا مِن آمرٍ مَكتوبٍ. ولا نَجاة لدَاءٍ لا دَواء لَه.

"كُل ما بالآمرِ بأنَني سأكَون ضائِعًا لَو حدَث لَها أي شَيءٍ."عبَّر بصوتٍ إختَنق ليُرسِي صعَقات مُؤسِفة لقَلبِها. "إنَها آخِر مَن تبقَ لِي وأنا..لا أملِك فكرَة عَن ما سأفعَله بدونِها."

لقَد كانَت كُل شيءٍ لَه.
كانَت الأُم الَتي لَا يتذَكرها، وكانَت الأب الَذي لم يهتَم بِه. كانَت هِى مَن جَعلته ما هو علَيه اليَوم ورَغم أفكارِها وإختلافِهما بالآراءِ إلا بأنَه لم يتمنَ أن تتوَقف جِدالَتِهما قَط. فهو يُدرِك كَم كانَت تفخَر برؤيتِه رجلًا بالِغًا يُماطِلها بعَندٍ.

لم تلبَث سيڤين أن فرَقت شِفَتيها حَتى بُتِرت بطَرقةِ بابٍ هَوجاءٍ جذَبتهما نَحو نَهر الَتي وقَفت بوجهٍ مُخضمٍ بإرتَباكٍ ولسانٍ مَعقودٍ، فرَفعت الشَقراء حاجِبَها بتهكُمٍ. "ما الَذي حدَث؟"

"المَعذِرة، سَيدتِي. هَل-..هَل يُمكِنني الحَديث معكِ على إنفَرادٍ لدَقيقةٍ؟"

تحَيرت، نَهضت مِن مكانِها مودِعة إياهَ للحَظةٍ رَيثما تُشاهِده يُملِئ كأسَه نبيذِه من جديدٍ، فتَنهدت بقَلةٍ حيلَة متوجِهة للخارَجِ حيثُ إستَقرت الخادِمة بتَوترٍ فاضَحٍ لم ترَها أبدًا علَيه، فخَشت. "ما المُشكِلة؟"

"إنَها السَيدة الكَبيرة."

إرتَد وَجه سيڤين ممتقِعًا، وإنقَبض قلبُها رهبةً. سحَبت يدَها كَي تبتعِدا عَن مَرمى حُجرةِ المَكتبِ، ورمَقت نَهر بتوجَسٍ. "مَاذا بِها؟ تحدَثِ."

"لقَد كنتُ أصعِد لَها العَشاء كَما آمَرتنِي، وكانَت تسعَل الكَثير مِن الدَمِ الَذي لوَث كُل شيءٍ حَولها، كنتُ سأهرَع لإستدعاءكِ أو إستَدعاءِ سَيد ليڤَرِنت ولكِنها أخبَرتني ألا أترُكها..كانَت شاحِبة جدًا وكنتُ أرتعِد خوفًا، ثُم وجدتُها تَستلقِي بمكانِها..وتلفَظ نفسًا أخيرًا لم يعُد لَها مِن جَديدٍ. آه، سَيدتِي أنا أعتذِر بشَدةٍ توجَب علِيّ الإسراعِ! أنا آسِفة!"

كانَت سيڤين مُتيبِسة بالفَعلِ. شَعرت كمَن ضُرِب على رأسِه مَع إفصَاحِ الخادِمة المُرتجِف..وهِى ما ملَكت سِوى قرعًا عنيفًا بصدرِها جاهِلة كَيف تتصَرف بمأزقٍ كذلِك. كَيف ستُخبِر لِوي بأنَه كانَ تعيسًا لدَرجةِ أن مخاوِفه لم تنتظِر للمَساءِ حَتى؟

"أنصَتِ.."مزَقت ندَم الفَتاةِ بحَزمٍ، ماسِحة على جَبينِها بتأزُمٍ. "لا تُخبرِ آوليڤِر أو لِوي بذلِك الآن. يجِب أن أتأكَد أولًا قبل أن نفترِض آمرًا غَير حَقيقي. أجَل، يجِب أن أتأكَد.."

كانَت بموقفٍ لا تَحسد علَيه. كَم سينفطِر لِوي كثيرًا. "يا وَيلِي.."تَمتمت، قاطِعة شوطَها عالِيًا بسُرعةٍ ولكِن بخَفةٍ كَي لا تجذِب إنتِباه زوجِها المُتعذِب بأفكارِه الكَئيبة الَتي حتمًا ستُمزِقه إربًا. حينَما ولَجت إلى حُجرةِ المَرأةِ المُسِنة، شَعرت بقُشعريرةٍ مُزعجةٍ تمِسها ببَطشٍ..وتقَدمت.

كانَ آثر كُل شيءٍ قابِع بمحلِه يُحيط مآل السَيدةِ النائِمة بوَجهٍ مَخطوفٍ. تجَرعت سيڤين لعابَها بعُسرٍ رَيثما تجذِب السَتائِر بشَدةٍ كَي تكشِف لَها عَن لوحَة موتٍ عَتيقةٍ لَو لم تكُن بذلِك الحُزن لتَجرأت بوصفِها آية في الإبداعِ.

حينَما تلَمست آنامِلُها المُرتجِفة عُنق المَرأةِ الساكِن، رمَشت بغَمةٍ شَديدةٍ وتزلزَلت روحُها بإنهاكٍ عَظيمٍ. كُل شيءٍ كانَ بادِيًا ولكِنها تمَنت عَكسه لصالِح زوجِها الَذي سيَتدمر ولَم يسَعه حَتى تَشييد أي آملٍ ما بَعد.

وقَفت مُضطرِبة، الكَثير مِن المَشاعِر راوَدتها برَؤيةِ المرأة الصَلبة الَتي طَعنتها بكَلماتِها منذُ أوَل لِقاء على الإطَلاقِ مُستلقِية على فَراشِ موتِها. رُبما شعَرت بالإستَياءِ والآسفِ، ولكِنها كانَت مشاعِر إعتادَتها كَما غدَى ذلِك المَشهد لَها مألوفًا جدًا.

ولكِن هذهِ المَرةِ كانَت مختلِفة. لقَد وجدَت نفسَها حزيَنة لأن تِلك المَرة ستُمزِق شخصًا لَن ترغَب برؤيتَه يتألم لفَقدانِ امرأة كانَت كُل شيءٍ بحَياتِه. وهِى لَن تنجَح أبدًا بتخَليصِه من آلم تِلك الخَسارة البَشِعة.

حينَما اغلَقت بابَ الحَجرةِ خلفَها، وقَفت بموضِعها جافَة الكَلماتِ..فما عَساها تَقول بموقفٍ كذَلِك؟ كَيف تُصارِح زوجَها بأنَه حَتى لن يحظَ بفُرصةِ وداعٍ أخيرَةٍ مَع جدتِه الَتي رافَقت مَلك موتٍ تطَفل بغَفلةٍ؟ كانَت حائِرة.

"لقَد حدَث الآمر، صَحيح؟"

اجفَلت، رَفعت عَينيها لتُلاقِي وَجه لِوي الهابِط جدًا رَغم نظرتِه الخائِفة يُطِل علَيها مِن إنعَطافةِ السُلمِ، لتَرتبِك. تقَوِست شِفَتيها بآسفٍ وهِى تستقبِل خطواتَه المُقترِبة بسَيقانٍ واهَنةٍ كانَ يَوزِنها. لقَد كانَ يعلَم.

حاوَلت إخبَاره بألّا يحزَن، ألّا بأسٍ..ولكِنها كانَت مُجرد كَلماتٍ واهَيةٍ ما كانَت ستِواسِي روحًا صرَخت بجُدرانِه بكُل ضَعفٍ. بغَى الوَصول لمَقبضِ البابِ بيَدٍ مُنكمِشة، لتَردعه بلُطفٍ. هو لَن يصمُد أمامَ ذلِك المَشهد المُريع بالداخَلِ.

"لِوي، لَا.."

"أنا أُريد رَؤيتها وحَسب."همَس طالِبًا، نظَر لَها بتَرجٍ جُبِل على عَينيه المُكتِلتين لمَ شقَى على قلبِه مِن هزيمةٍ غادَرةٍ، فبَرمت شِفَتيها بتزمُتٍ سامِحة لَه بالمَرورِ بظَلٍ تهتَك كطَيفٍ مَرعوبٍ عَبر الحُجرةِ المُقبِضة بتخاذُلٍ.

أشعَره الآمر بالفَزعِ رَغم إحاطَتِه لَه بتماسُكٍ. كانَ يؤخِر قدمًا عَن أُخرى ومُقلتاه تهتَزان بآلمٍ وهُما تُشاهِدان ما أُفصِح لهُما رَوية فرَوية، كالأسَواطِ الحارِقَة شَعر بنفسِه يخُر على حافةِ فراشِها بحَذرٍ شَديدٍ ولكِن إنهَزامٍ ذَليلٍ. فَكالطفلِ مكَث ينظُر إلَيها بكُل ضَياعٍ.

قضَمت سيڤين شِفَتها بإحَباطٍ، كانَت تتقَدم بتَروٍ للداخَلِ كَي لا تُزعِج لحظَته الأخَيرة مَع جدتِه الَتي حتمًا ستترُك فراغًا غريبًا بحَياتِهما..نَهايهِما بأنَها لَن ترَ أبدًا الحَفيد الَذي تمنَته مِن كُل قلبِها رَغم موقِفها المُتبرِم.

شاهَدته يَقبِض على يَدِها المُتغضِنة برَقةٍ شَديدةٍ كَي يُقبِلها بوَجهٍ إنكَمش كَي يتحامَل، فلَا بُكاءٍ للرجُل..وكَم كرَه ذلِك كثيرًا. لقَد أرادَ الإنهَيار ولكِن أي نوعٍ من الرَجالِ الضُعفاءِ هو؟

ولكِنه شَعر وكأنَ قلبُه سيَنفجِر مِن كَمِ الحُزنِ الَذي راوَده الآن. مسَدت الشَقراء على ظَهرِه بلُطفٍ إستكَان لَه خائِرًا، وحَولت لَها رأسَه بعيدًا عَن المَظهرِ الدَميمِ لعَينيه المُحارِبة لمَ تكَتل على ضَفافِها مِن نَحيبٍ مُنهارٍ آبَى الإذعانَ لَه؛فهُمت.

"لا عليكَ."واسَته، رابِتة على خُطوطِ وجهِه المُتيبِسة بشَدةٍ زاجًا بكُل رعَشةِ ضعفٍ بداخِل جُدرانِ بدنِه المُتهالِك. لقَد أخبَرها يومًا بأنَ مشاعِرَها يجِب أن تخرَج للنَورِ لو لم تُرِد لَها المَرض، ولكِنه كانَ يَعامِل نفسَه على النَقيضِ تمامًا.

"فَلتبكِي لِي."

كَم إنتابَها الآلم برَؤيتِه على ذلِك الحَال. حَتى بأكثَر لحظَةِ يجِب أن يشعُر فِيها بالضَعفِ كانَ يُكابِر جالِدًا نفسَه بإقطَرارٍ وبَطشٍ شَديدينِ. نزَلت على رُكبتِيها قُبالتِه لتُناظِرته بكُل توسلٍ لم ترمُق بِه أحدًا قبَله.

"أرجَوك؟ لا تَفعل ذلِك بنَفسِك."
فلِأي سَببٍ كانَ يُعذِب روحَه بذلِك الشَكلِ الغَليظ؟ شَعرت بإهتَزازِ ملامِحه أسفَل يدِها بلُطفٍ، فأغلَق عَينيه آملًا بحَشدِ ما يُمكِن حشدَه بعَنادٍ تمَسك بِه رَغم كربِه.

فأي رجُلٍ هَذا يبكَي لخَسارةِ أحدِهم؟
لقَد كانَ هو ذلِك الرجُل.

جمَعت حطامَه بَين ذراعَيها فَورما رأتَه يُحرِر دموعَه الحارِقة بنَحيبٍ مُستسلِم لم يتمكَن مِن الصَمودِ أمامَه. كانَ ضعيفًا شاعِرًا بهَزيمةٍ لم يَتوقعها..فإنهَار قلبُه بكُل آهةِ حُزنٍ سجَنها ليُرنِم بكاءً هامِسًا بحُضنِها حاصِدًا آلامِه الثائِرة الَتي ترَددت بالأركانِ.

"لا عليكَ..أفرِغ كُل ذلِك."
أنصَتت لما ألقاهَ علَيها مِن أحزانٍ مَر علَيها الوَقت ولم تبرُد، فباتَ يُفرِج عَن كُل لحظةِ ضعفٍ ردَع نفسَه عَن الشُعورِ بها. مكَث بَين ذراعِيها منكمِشًا ومرتجِفًا يَبكِي كطَفلٍ طالِبًا لمُواساةٍ تضمُد جروحَه النازِفة.

"لا بأس يا عَزيزِي."

Continue Reading

You'll Also Like

5.4K 1K 17
هـل جـربت يـومًـا أنْ تَسْـتَيْـقِـظ مـن نَـومِـك لـتجـد نـفـسـك سـرابًا ؟ ° قصة قصيرة ° مكتملة ✓ سيلينا ° إيريث بدأت وانتهت : 24/12/2020
66.8K 8.5K 39
-شَارلوت راقِصة باليه قدّمت لِوظيفة فيّ قَصر هُوفام لِتكتشِف لاحِقاً أنْ احفاد هوفام هُم أُمراء الخطايّا السَبّع المُمِيتة. -أُمراء الخطايا السبع، نُ...
29.9K 3.7K 11
"مِن مَن تهرب القطة الصغيرة؟" توقفت لوڤينا عن السير لتنظر خلفها بحدة عندما تقابلت عينيها مع أعين إبن جيون و الذي يكون من العائلة المعادية لعائلتها عا...
10.6K 605 24
توقفَت عقاربُ ساعتي عن الدوران، إنطفئَت شموعي، وجفَّ حِبري، وبدأت رسائلي تتراكمُ فوقَ بعضِها البعض، والزمنُ يمُّر ويتقلَّب ويُشكلّنا معهُ مع الوَقت ع...