Lady Casanova.

By Tullipxx

75.4K 6.7K 6K

ما أجمَل مِن أن تَعشق شخصًا إلى حَدِ المَـوتِ؟ ▪كُل الحِقوق محفوظَة®. ▪السَيدة كازانوڤا [ رِوايَـة - لِويس تَ... More

السَيدة كازانوڤا.
الأوَل|سَيدة القَطيع
الثانِي|لَيلة في مَهبِ الرَيحِ
الثالِث|في عَصرِ الأزماتِ
الرابِع|رَبيع إيلڤان
الخامِس|خارِج عَن المألوفِ
السادِس|لِقاء مَع حَبة كَرز
الثامِن|سِحر حُورِيات البَرِ
التاسِع|زِفافٌ ريفِيٌ
العاشِر|سِياسة الحُبِ
الحادِي عَشر|حُمى مُصيبة للقُلوبِ
الثانِي عَشر|سَليلة بالَوم
الثالِث عَشر|الوَجه الآخر للعُملةِ
الرابِع عَشر|الخَيط الرَفيع
الخامِس عَشر|مَع الدَقةِ العاشِرة
السادِس عَشر|حالَة زواج
السابِع عَشر|حيلَة آفروديتِي
الثامِن عَشر|القِط والفأر
التاسِع عَشر|امرأة العَصر
العِشرون|موعِد على العَشاءِ
الواحِد والعِشرون|أعادَة إحِياء الماضِي
الثانِي والعِشرون|أسرَى حَرب الذَكرياتِ
الثالِث والعِشرون|جِدال بَين شظايا مُجتمع
الرابِع والعِشرون|الأُم العَقيم
الخامِس والعِشرون|الحَياة دائِرة مُغلقة
السادِس والعِشرون|سِر الوَشاحِ الأزرَق
السابِع والعِشرون|رَومِيو وچولِيَت
الثامِن والعِشرون|قَبل غُروبِ الشَمسِ
التاسِع والعِشرون|الشُموع السَوداء
الثلاثون|بَين الحُبِ وغَريزةِ التملُكِ
الواحِد والثلاثون|الرجُل الآخر
الثانِي والثلاثون|حَواء الضِلع الأعوَج
الثالِث والثلاثون|مِكيالا العَدل والرجُل
الرابِع والثلاثون|عَرين لِوجورَيا
الخامِس والثلاثون|قلبُ قدِيس وحَياة آثِم
السادِس والثلاثون|غُربال وغِربان
السابِع والثلاثون|آخِر عَربة بقَطارِ الأوهامِ
الثامِن والثلاثون|أُمسِية على قَدمٍ وساق
التاسِع والثلاثون|عِرق ليلِيث
الأربَعون|حَلوى أم خُدعة؟
الواحِد والأربَعون|أُمنِية مَع وقفِ التَنفيذِ
الثانِي والأربَعون|حَفل على شَرفِ بِروتوس
الثالِث والأربَعون|قَوس وسَهم
الرابِع والأربَعون|تَرنيمة مِزمار المَوتِ
الخامِس والأربَعون|فَن العَودةِ للواقَعِ
السادِس والأربَعون|نَعيم مُزيف
السابِع والأربَعون|جُنون أرستُقراطِي
الثامِن والأربَعون|بوصلَة ومِرساة
التاسِع والأربَعون|ساعَة رَملِية مَكسورة
الخَمسون|الكَأس الأخَير
نِهاية السَيدة كازانوڤا.

السابِع|تُحفة فنِية غاضِبة

1.6K 163 63
By Tullipxx

اثلَجت السماءُ بغُيومٍ نثَرت بندفاتِها البَيضاء الرَقيقة على شَوارعِ لَندن البارِدَة مُغطِية الرَؤوس المُتوارِية بقُبعاتِها المُستدِيرة والنَسيم الجَليدي يَذرِي ما يهبِط بدَلالٍ في وُجوهٍ ينَعت بحُمرةٍ لَطيفةٍ.

"ولا اليَوم كذَلِك، هارَولد."
أومأ هارَولد بإستَياءٍ حَط على وجهِه قَبل أن ينسَحِب من مَتجرِ الحَيواناتِ بخُطواتٍ مُتخاذلةٍ نبَعت عن خَيبةِ آملٍ رافَقته لِيومين على التَوالِي.

لم تكُن طُرق لَندن زاحِمة وقَد آنَت ساعَة الظَهيرة على الإنقِضاء. كانَ يسير بغَيرِ هُدى بعُيونٍ أَحبطت بنَظرةِ آثمٍ عضَت فؤادَه لِلَيلتينِ لم يستطِع إخراجَ نظرَة الصَغير طِفل المَرأة الجَميلة الَتي ساقَه القَدر بلقاءِهما قبل يَومينِ.

كانَ يأمَل رؤيتَهما مِن جَديدٍ. رُبما للتَكفيرِ عن ذنبٍ لايزَل يُنغِصه، أو للتَزودِ بمّا سَعى إلِيه بالمَحطةِ الأُولى. هو لم يكُن مِن شيمِه أبدًا مُغازلة امرأة مُتزوِجة،على وجهِ الخُصوص امرأة تُرافِق طفلًا صغيرًا بيَدِها.

ولَكِن هِى لم تبدُ أبدًا كامرأةٍ مُتزوِجة. علَّها كانَت أرملَة. رَباه، كَم تَمنى أن تَكون كذَلِك، مَع حدتِها وصَرامةِ كلماتِها الَتي لايزَل يشعُر بردتِها في وجهِه بكُل حزمٍ. كَم كانَت صَعبة المِراس جذابَة للحَواسِ تمامًا.

تَنهد بحُزنٍ ورَفع رأسَه عابِرًا الطَريق للجهةِ الأُخرى، هَذا حينَما شَعر بكُل خلايا جسدِه تنتفِض بلَوعٍ. ها هِى ذَي. بثَوبِها الأزرَق المُخملِي وشعرُها المَلفوف بنُعومةٍ أسفَل قُبعتِها المُستديرة الجَميلة، ما كانَ ليُخطِئها أبدًا رغم أنَه لم يرَها سِوى لَيلة واحِدة وحَسب.

إندَفع عَبر الطَريق بعَجلةٍ متابِعًا إياها تَسير الخُطوات القَليلة بَين عرَبتِها وبَين مَتجرِ الحَياكةِ والأقمِشة الأنيقِ الَذي جاوَر مَتجر الوَرودِ حيثُ إستَقر أمامَه لدقائِق ملتقِطًا أنفاسَه بعدَما ولَجت هِى إلى مَتجرِ لَا مارشِييل الشَهير بثَيابِه الأنثَوية المُبهِرة.

إلتَقط هارَولد إحدَى ورودِ اللَيلكِ من إناءٍ توَسط مَتجرِي الزُهورِ والأقمَشةِ بَينما تسَللت بَسمة هائِمة لثَغرِه وهو يتوجَه إلى مَتجرِ لَا مارشِييل شاعِرًا بإختلاجاتِ قلبَه تقرَع بلَهفةٍ.

رَنة جَرسِ المَتجرِ بَعد دفعِه للبابِ كانَت كافِية لجَذبِ عُيونِ السَيداتِ اللاتِي وَقفن ينظُرن إلى الأثوابِ الفاخَرةِ نَحوه، فتَوتر. تبَددت بسمَته بلَمحةٍ مُرتبكةٍ ممرِرًا بصَره على الوجوهِ التي لم يعثُر فِيها على الوَحيد الَذي ينشُده..ليَقلق.

"هارَولد؟"
عُرقِل طَريقه بظَلِ آنِسة شابَة رَبطت شعرَها المُنسدِل بشَريطةٍ زَرقاءٍ لَطيفةٍ ماثلَت عيونَها اللامِعة بنَمشِها المُنمق حولَهما، وإبتَسمت. "السَيد هارَولد سيجرِيد. يالَّها مِن فُرصةٍ جَميلةٍ لقاءَك مِن جَديدٍ."

بَدت سَعيدة، فلَم يَجرؤ على إحباطِها بالإفصاحِ عَن أنه لم يعرِف مَن تَكون. إبتَسم بتكلُفٍ مبقِيًا عيونَه عن الدَورانِ بالأركانِ بحثًا عَن مَن سرَقت إنتباهَه بثانَيةٍ. "شكرًا لكِ، آنِسَتي. مِن الرائٍع كذَلِك مُقابلتكِ."

"ما الَذي تفعلَه هُنا؟"تطلَعت لَه الفَتاة اليافِعة بتساؤلٍ، فصَمت. هَل يُخبِرها بأنَ هنا، في مَتجرٍ نَسائيٍ، يَبحث عن امرأةٍ لا يعلَم حَتى إسمَها؟ لم يكُن هذا بغَريبٍ علَيه بجَميعِ الأحوالِ.

"أنا أبحَث عن شَيءٍ ما. هَلا عَذرتِني؟"
إنَحنى لَها بسُرعةٍ وإنسَحب متعمِقًا لبَين السَيداتِ بعُيونٍ وَقحةٍ لمَست وَجه كُلٍ منهُن بآملٍ كادَ يحتضِر. أنزَل وَردة اللَيلكِ الَتي شارَكته خَيبته وتوَقف خَلف سَيدة جَثت أمام عُروةِ ثَوبٍ تُخيطِه وتَحمحم.

"المَعذِرة، سَيدتي. أنا أبحَث عن آخِر سَيدة وَلجت إلى هُنا. كانَت بثَوبٍ أزرَقٍ."لَم يُفكِر كثيرًا بسؤالِه الجَرِئ وهو يُراقِب عامِلة المَتجرِ تَلتفِت إلَيه مَعقودة الحاجِبَين، فإنفَرجت اساريرَه ببَهجةٍ. "هَا أنتِ ذَي!"

كانَت قد تخَلصت مِن رداءِها الأزرَق كَي يكشِف اللَون الأبيَض لثوبِها الجَميل وقَد رَفعت قُبعتها عَن شعرِها البُنِي المَلفوفِ لتَظهر ملامِحَها العابِسَة المُشوبة بنَظرةٍ مُتهكمةٍ ألهَبته. "سَيد سيجرِيد. ما الَذي تظُن نفسكَ فاعِلًا إياه هُنا؟"

"ياللرَوعةِ. تذكُرين إسمَي."إبتَسم بمُشاكسةٍ، مستنِدًا على أحَد تَماثيلِ العَرضِ وخَضراواه الوالِهَتان ترتَدا على بُنيتيّها اللامِعَتين بسَخطٍ چمٍ إنفَجر بصوتِها الهامِس. "أنا لا أعلَم ما نَوع اللَعبةِ الَتي تُمارِسها يا سَيد، ولكِن هَذا ليس المَكان المُناسِب لَها. هَذا مَكان عَمل!"

"أنا أعلَم. ورُبما يُسبِب وُجودي مشاكِل لَكِ مَع ربةِ العَملِ هُنا، ولَكِنني كنتُ أبحَث عنكِ طويلًا، ولَن أرحَل بَعد أن عثرتُ علَيكِ أخيرًا."

كانَت غاضِبة. تَغتاظ بردودِه المُراوِغة وبَسمته الهائِمة وبكُل لحظةٍ تَدور عيونَها للخلفِ نَحو السَيداتِ المُنشغلاتِ بقَلقٍ، واللاتِي رُبما قَد رمَت إحداهُن آذانَها بينَهما عن عَمدٍ.

"ولِماذا تَبحث عَني، سَيد سيجرِيد؟"كظَمت نبرَتها بهدوءٍ مُتكلفٍ، مُتطلِعة إلى وجهِه الَذي بُش بحُبورٍ مَع مُجاراتِها لَه بالحَديثِ. بَدى مستمتِعًا، مِما أغاظَها. "وددتُ أن أتاكَد بأنكِ قَد غَفرتِ لي فَعلتي، الوَقحة كُلِيًا، قبل أيامٍ في متجرِ الحَيواناتِ. إن هذا يُقلِقني بشَدةٍ."

"لقَد أخبرتُك بالفَعلِ أن إعتذاركَ مقبولًا!"

"لِماذا لَم تُخبرِيني بإسمكِ إذَن؟"رمَقها هارَولد بتلهُفٍ أمامَ حنقٍ كانَ يتفاقَم مِن جَديدٍ في عُيونِها اللاتِي تلألأتا كوَرقةِ شايٍ بالعَسلِ في لَيلةٍ شتائَيةٍ مُثلجةٍ. كَم سَحرتاه.

"لِأنَني لا أُخبِر الغُرباء بإسمِي. على وَجهِ الخُصوصِ رجلًا جريئًا وعنيدًا مِثلُك، سَيد سيجرِيد."إحتَدت نبرتُها بنَبذةِ إزدراءٍ لَم تُهشِم سَروره مِن حديثِهما مَهما كانَت ماهِية ذلِك الحَديث.

"سيَكون مِن دَواعِي سُروري إذَن أن لا أكونَ غريبًا لكِ بَعد الآن. إن أخبَرتِني بإسمكِ وحَسب."نبَس بصَوتٍ ناعَمٍ ونظرَةٍ حالَمةٍ ينَعت بِلا وَعيٍ بجفونِه. "متأكِد كُل التأكيدِ بأنَه سيَكون جميلًا مِثلُكِ."

"تِلك المُحاولات لَن تفلَح مَعي."تجَهمت، بَينما تلتَقِط شَريط القِياس عن تمثالِ العرضِ بخُشونةٍ. "أنا لستُ بغافلةٍ عنكَ، سَيد سيجرِيد. لَورد يافِع، مُتهور وطائِش ومَعروف عَنه لِسانه المَعسول وغزلَه الشَهير، سُمعتك سَبقت ظِلك إلى هُنا، سَيد هارَولد. لِذا أي حَركةٍ تفعلَها وأي كَلمةٍ تتلَفظ بِها لَيست بجَديدةٍ عليكَ كما هِى لَيست بجَديدةٍ علِيّ. فأخبِرني بِلا تلاوُعٍ ما الَذي تُريده مِني؟"

للمَرةِ الثانَية يشعُر بصَفعةِ كلماتِها الحازِمة على وجهِه الَذي تغَضن بلُطفٍ. لَعق شِفَتيه ببُطيءٍ حاوَل بِه تَرتيب حروفَه للمَرةِ الأُولى بحياتِه كَي لا يُغضِب يركانًا ثائِرًا مكَث أمامَه، وإن عاجَله ذلِك النِداء الَذي جعلَها تنظُر خلفَه للَحظةٍ.

"إذا سَمحتِ، سَيدة مارشِييل!"

"مارشِييل! هَذا إسمَكِ؟"لَفظ بحَماسٍ وبَهجةٍ وثَبت بعيونِه، لتلضُم شِفَتيها بإنزعاجٍ مُعطِية السَيدة إيماءَة صَغيرة،قُبيل أن تتَحول لَه بجمودٍ. "ها قَد حصُلت على مُرادِك. إرحَل الآن مِن فَضلكِ."

لَهت إبتسامَة جانَبية فَوق ثغرِه بلُطفٍ. مالَ للأمامِ لإنشاتٍ بَسيطةٍ محرِرًا وَردة اللَيلكِ بحُمرتِها الفاتِنة بَين أصابِعها الَتي إنقَبضت حولَها بدَهشةٍ مُنزعجةٍ بانَت بمَحياها.

"لا بأس بِهذا كبَدايةٍ، سَيدة مارشِييل."رَمش بعَينِه اليُمنى إلَيها برَفقٍ شَديدٍ جعلَها تقبِض حاجِبَيها بإستهجانٍ رَيثما راقَبها مِن خلفِ كتفِه ببَسمتِه الراكِنة وهو يخرُج مِن المَتجرِ شاعِرًا وكأنَ ساعاتَ قلقِه الماضِية ولّت بهدوءٍ.

عَبر هارَولد الطَريق للجَهةِ الأُخرى حيثُ كانَ مَقهى إنجلَيزي مَفتوح إستَحوذ على أحَد مقاعدِه الخارِجَية بإرتياحٍ. جَر نفسًا قوِيًا إلى صَدرِه قُبيل أن ينظُر إلى لافِتة المَتجرِ الزاهِي على الجانبِ المُعاكِس بلَمعةِ عَينٍ ذابَت برَقةٍ.

"لَا مارشِييل."
رَتب الحُروف على شِفَتيه بلَكنةٍ فَرنسيةٍ هامَسةٍ، وأبـتَسم.

وكأنَ الشمسُ لم تكُن حقَيقية ذَلِك اليَوم بسَماءِ إيلڤان. وكأنَما كانت مِصباحًا شَهد على طَغيانِ الثَليجِ لأولِ مرةٍ منذُ أيامٍ على الحُقولِ المُزهِرة كَي تَدِسها بَين النَدفاتِ الذائِبة بعُمقٍ شَديدٍ كنَز بردًا حزينًا مرجِفًا.

"ناوِلَني سَلة أُخرى، رَشدان!"
جَرف لِوي الثَليج بجُهدٍ مِن أمامِ بَابِ البَيتِ مستمِعًا إلى هُتافِ ألبِرت لبُستانِه الَذي هرَع إليه نَحو حَقل الكَرزِ حيث كان الثانِي يَحصد ما يَنع مِن الثَمراتِ الحَمراءِ بَين الثُلوجِ.

إختلَس نَظرةً خامَسةً بَين الدَقيقتينِ إلى التَلةِ الَتي جرَفت ثلجًا تمَكن مِن رؤيتِه يُغطِي مَزرعةِ الفَراولةِ بالأسفَلِ،وتنَهد بثَقلٍ. كانَ يعارِض حَث ألبِرت علَيه بالدُخولِ والراحَة، حيثُ وَجد بجَرفِ الثلجِ ملاذًا ينبِذ فيه إضطرابَات عقلِه.

"تَكاد تَتخطى الظَهيرة ولَم تحضَر السَيدة بالَوم. ألَيس ذلِك غريبًا؟"لم يسَع سَجن سؤالَه اللَحوحِ من الإنطراحِ وهو يضَع المَجرفةِ جانِبًا ويقترِب من التَلةِ ملقِيًا بنَظرةٍ أدق إلى ذلِك البَيت المُغلق حيث لم تطئ قدمٌ خارِجه منذ الصَباحِ.

كَم ذلِك عَجيب.

"نحنُ لا نطلُب مِنها المَجِيء، لِوي. فهِى تأتِي وَقتما تَود أن تأتِ."كانَت إجابَة ألبِرت الثابِتَة التي ترُد كُل سؤالٍ لَه بنَظرةٍ جانَبيةٍ مُلمحةٍ. لم يسلَم قلَق لِوي مِن سَخريةِ خالِه وبُستانِه أو مِن تعليقاتِهما المُتبادِلة التي لم تحوِ أي أساسٍ من الصَحةِ.

هو كانَ مندهِشًا وحَسب لعدمِ حُضورِها أو حَتى رؤيتَها ترسُم كعادتِها أمامَ بيتِها. كانَ المكان بالأسفَلِ وكأنَ الأشباحَ سكَنته فضَمرت روح الصَمتِ فيه ببؤسٍ، مِما كانَ غير مألوفٍ. فهِى أخبَرته خِلال مُحادثة الأمسِ العَشوائية بأنها تَجهل مَتى ستَعود إلى المَدينةِ..فمَحالٍ بأنَها قد رحلَت في جُنحِ اللَيلِ فجأةً.

الغَسق كانَ شجِنًا بآلوانِه القُرمزِية الَتي سَحت مُشوبة بعُيومِ الشِتاء الَتي دثَرت الأبدانُ بقُشعريرةٍ قاسَيةٍ كمَثلِ الرَياحِ اللاسِعة الَتي طافَت بكُل ركنٍ بالبَلدةِ الرَيفيةِ ذاتَ المَزارِع المُثمِرة.

أسبلَت الساعَة العِملاقَة بزَاويةِ البَيتِ عقارِبَها الخَمسِ بصَوتٍ رَتيبٍ تناغَم مَع صوتِ إنحدارِ الشاي الساخِن مِن الإبريقِ الفاخَرِ كتُحفةٍ فَنيةٍ أثرَيةٍ أعقَبها إنزِلاق قِطعَتي السُكرِ بجوفِ القَدحِ الذي إلتَقطه لِوي مِن خالِه بذَهنٍ ساهَمٍ.

"إذَن.."نبَث ألبِرت بنَبرةٍ عالَيةٍ أجفلَته وجعلَته ينتبِه لَه بتساؤلٍ، فبَدد الأوَل إبتسامَته العالِمة لسَببِ شُرودِه بنَظرةٍ جادَةٍ مُترقبةٍ. "أخبَرتني بلَيلةِ البارِحة أنكَ تُريد الحَديث مَعي بآمرٍ هامٍ. ما هُو؟"

ضَم لِوي شِفَتيه متذكِرًا.
بالكادِ إستَحضر عقلَه السَبب الرَئيسي لحُضورِه إلى إيلڤان بالمَقام الأول. والآن بَعد مُرورِ ما يُقارِب الأربَعة أيامٍ على وصولِه، هو لَم يتذَكر مُحادثة خالِه إلا الآن وحَسب.

يالَّه مِن ذَهنٍ بَليدٍ يمتَلِكه.

"بشأنِ هَذا.."جَر لِوي نفسًا عميقًا جدًا لصَدرِه، قُبيل أن يطلِق سَراح لسانِه سارِدًا لَه كُل المُشكلاتِ الَتي واجَهته منذُ أول لَيلة لَه بلَندن بعد عودتِه. أخبَره عن دُيونِ والِده الجُنونية ورَهنية مَنزِله للخَيّالِ الجَشِع زَين هارَون دون أن يغفَل عن نصائِح جدتِه والمُستشار كورنولِيوس، أو نصائِح هارَولد اللامِعة.

حينَما وَصل لنَصيحةِ هارَولد الأخيرَة بالزَواجِ، تخاذَل لِسانُه لوَهلةٍ بالحَكِي شاعِرًا بغَصةٍ مُزعجةٍ تعبَث بأمعائِه مَع قُشعريرةٍ مَديدةٍ لم يُحِبها.

"..وقَد قالَ بأنَ الزَواج سيحِل كُل مشاكِلي."تَنهد بقَوةٍ كخَاتمةٍ مَهمومةٍ لمُعضلةٍ حَزينةٍ، ليَرفع ألبِرت حاجِبه مرجِحًا وهو يكشِف عن بَسمةٍ صَغيرةٍ خَلف قدحِ شايّه. "لَيست بفَكرةٍ سَيئةٍ. ولَكِنها لَيست بعادَلةٍ كذَلِك."

"هَذا ما أخبَرته بِه. أنا لَن اتزَوج امرأة فَقط لأجلِ مالِها!
ولكِنه لم يصمُت عن الحديثِ، بَل وإنطلَق بكُل جموحٍ يُقدِم إقتراحات لمَن قد تَكون زَوجة مِثالية لِي. كان تصرفًا مزعِجًا للّغايةِ."تَوقف لِوي عن الحَديثِ لبُرهةٍ،قَبل أن يلعَق شِفَتيه ببُطيءٍ. "كانَ شَديد الِإصرارِ بأنَ سيڤين بالَوم هِى الخَيار الأمثَل لذلِك الآمر. المالُ والجمالُ بامرأةٍ واحَدةٍ كَما قال."

"لم يكُن إقتراحًا موفقًا قليلًا."إبتَسم ألبِرت بخَفةٍ مشيرًا إلى إنطباعِ لِوي غير المَفهومِ نَحو السَيدةِ الشَقراء والذي يتَغير بكُل لحظةٍ، فمَط الأخير شِفَته محتسِيًا شايّه بصَمتٍ لَحظيٍ. "رُبـما."

رَفع ألبِرت حاجِبَه بإستفهامٍ لتَعليقِه المُتردِد،والذي حَوى الكَثير مِن الخواطرِ المُبهمة، فتَنهد لِوي. "ما بالآمرِ بأنَها غَير مألوفة وغَريبة بَعض الشَيء، لا يُمكُنني تخيُل أن يُصبِح لَدي زَوجة مِثلُها."

أومأ ألبِرت رأسَه بإستيعابٍ قابلَه لِوي بنَظرةٍ تشَتتت وعقلٍ كادَ يعودَ إلى ضريحِه الشارِد من جَديدٍ،ليترُك قَدحه بإقتضابٍ. "بجَميعِ الأحوالِ، متأكِد بأنَها تخالَني رجلًا غريب الأطوارِ الآن."

"لِماذا تَقول هَذا؟ إنَه غَير حقيقي."إستَهجن ألبِرت. نَظر إلى لِوي بتهكُمٍ ذَعن أمامَه الأخير مفصِحًا بحَنقٍ عن عِلة إنزعاجِه التي كلَلت أفكارَه المُضطرِبة. "أنا دومًا أتصرَف بغرابةٍ وأكون أكثَر الأشخاصَ إرتباكًا في حُضورِها! لا أعلَم ما يُصيبنِي."

كانَ مغتاظًا مِن نَفسِه كثيرًا.

"هَذا لِأنكَ لم تتعامَل مع امرأةٍ ما في حَياتِك بَعد جدتِك."توَسعت جفونُ لِوي بإستنكارٍ على تَعليقِ خالِه الساخِر والذي عقَبه بضَحكةٍ على وجهِه المُحتجِ. "هَذا لَيس حقيقيًا! لقد خُضت الكَثير مِن العَلاقاتِ وأعلَم جيدًا كَيفية التعامُل مع النَساءِ."

"حسنًا حسنًا. رُبما يحدُث هَذا..لِأنَها تَروق لكَ."رمَقه ألبِرت مِن خلفِ كوبِ الشاي شاهِدًا على وجهِه الَذي تسَطح بنَظرةِ إستنكارٍ ملَئت عيونَه.

إستحالَ لِوي حَقيقة ذلِك الإفتراض ولو بَنسبةٍ مئويةٍ واحدَةٍ. فهو حَتى لم يحسِم ما إذ كانَ مِن الجيدِ توطيدَ علاقتِه بهذه المرأة وإن كانَت ستَستمِر حَتى يعودَا إلى المَدينةِ أم لَا، هو حَتى لا يُمكِنه تَصور رد فعلِ جَدته لَو علمت بكُل هذهِ التَطورات.

"هَذا سَخيف."علَق بعد مُدةٍ، مواجِهًا البَسمة الجانَبية لألبِرت التي جعلَته يُدحرِج عيونَه بإنزعاجٍ. "هَذا لَيس حبًا مِن أولِ نظرةٍ، ألبِرت، أنا لا يُمكِنني الوقوعَ بحُبِ إحداهُن خِلال يَومينِ وحَسب. على وجهِ الخُصوصِ امرأة لا يُمكِنني فهمَها مِثل سيڤين بالَوم."

"غالِبًا ما يَكون الحُب مِن أوَل نظرةٍ هو الحُب الحَقيقي الوَحيد الَذي سيُقابِلك في حَياتِك. مَع أكثَر الأشخاصِ غَير توقعًا."إبتَسم ألبِرت بشَجنٍ، فزَفر لِوي بصَبرٍ تقلَص.

"أنا لستُ مولعًا بسيڤين بالَوم، ألبِرت. وأرجَوك لنُتابِع حديثَنا لِأنني لا أُحِب ما إنجَرف إليه مَجرى ذَلِك الحَديثِ."

"لا تَنفعل، لقد كنتُ أعبَث معكَ وحَسب."أشارَ له ألبِرت بالهُدوءِ ضاحِكًا بَينما يترُك قَدحه الخاوِي جانِبًا، ويسترِد وجهَه الجِاد مجددًا. "إن هذهِ لمُشكلةٍ مُعقدةٍ جدًا، لِوي. لا أعلَم ما أصابَ مارك كَي يفعل شيئًا كذَلِك. هَل ترك أي شَيءٍ يُمكن بَيعه؟"

"لَا. ولَا شيئًا واحِدًا."زَفر لِوي بيأسٍ شَديدٍ،محوِلًا عَينيه إلى النافَذةِ المُكدسة بنَدفاتِ الشتاءِ بهَمٍ تشارَكاه. "وموعِد سَداد رَهنية البيتِ يَقترب، وزَين هارَون لن يتفاوَض على الإطلاقِ. وأنا لَيس لدي ما أفعلَه، فمهما فعلتُ فلن أتمَكن مِن جمعِ المَبلغ قَبل الموعِد المُحدد."

تَسيد صمتٌ عقيمٌ.
عَجز ألبِرت عن قولِ ما قَد يواسِي غَمة أبن شَقيقتِه، فلَن ينجَح بكُل الأحوالِ. تَقوست ملامحه بإستياءٍ مشاهِدًا الحُزن الذي غمَر عيونِ لوي الزَرقاء الذابِلة، قَبل أن ترتَد اكتافُه للخلفِ فجأةً.

"إنتَظِر هُنا!"
لم يتمَكن لِوي من لَفظِ حرفًا واحدًا حيثُ هرَع ألبِرت للخارِج أسفَل نظرتِه المُتحِيرة مستمِعًا إلى خطواتِه وهِى تتلاحَق إلى الأعلَى وأختَفى لعدةِ دقائِق طَغى فِيها عدم الفهمِ علَيه.

عَبث بأصابِعه بصَمتٍ وحَركة خالِه تلمِس آذانَه بين اللَحظةِ والأُخرى حَتى عادَ مِن جَديدٍ ببَسمةٍ واسَعةٍ تُزين ثَغره ويدَه تمِد عُلبة زَرقاء مِن القَطيفةِ أمام نظراتِ لِوي المُتعجِبة. "ما هَذا؟"

"إفتَحها."
إتخَذ ألبِرت مقعدَه مجددًا، وتابَعه يتفَقد العُلبة بحَيرةٍ قُبيل أن يَفتحها مطِلًا على خاتَمٍ ماسَيٍ بحَجرِ ياقَوتِي أزرَق لمَع ضِد شَبيهتِيه المَذهولتينِ. "هَل هَذا.."

"خاتِم زَواج آنا."أكمَل ألبِرت جملتَه ببَسمةٍ حالَمةٍ رمَق بِها الخاتِم العَتيق لبُرهةٍ. "لقَد كانَ مِلكًا لأُمي ولجَدتي من قَبلِها. كان مِن المُفترضِ أن يَكون من نَصيبِ چوانا، والِدتكَ، ولكِن حينَما قررتُ الزَواج مِن آنا ورَفضت العائِلة مُساعدتي، أعطَتنِي چوانا ذلِك الخاتِم لأتقَدم لَها بِه. إنَه آثرِي وقَيم. إن قُمت بِبَيعه سيَعود بمَبلغٍ جَيدٍ يُعاوِنك في دَينِك لهارَون."أنهَى المُزارِع حديثَه ببَسمةٍ مُحثةٍ صَغيرةٍ، وإن لَم يُحرِك لِوي ساكِنًا. نَظر إلى خالِه للَحظةٍ وللخاتمِ الماسِي للَحظةٍ أُخرى، وتَـنهد.

"أنا لا يُمكِنني آخذ ذلِك الخاتِم."صَرح بهُدوءٍ وهو يَضع العُلبة جانِبًا ويُسارِع خالَه قبل الإعتراضِ. "إنَه مِلكًا لآنا، ألبِرت! لا يُمكِنني آخذ الشَيء الذي ربطكُما لأعوامٍ لأحِل مُشكلة خاصَة بِي! لقد رغبتُ بمُشاركةِ ما يُشغِلني وحَسب، وأنا مُتأكد بأنَني سأجِد حلًا لهذا الموقِف."

لم يُعقِب ألبِرت لهُنيهاتٍ. ظَهرت إبتسامَة خَفيفة على شِفَتيه رَيثما يُطالِع لِوي بنَظرةٍ دافَئةٍ مُراوغةٍ. "لاتزَل شاعِريًا كَما أنتَ، لِـوي."

"يَبدو بأن الآمر يَجرِي في دَمي."

ضَحك ألبِرت بخَفةٍ ماثلَت بَسمة لِوي التي كنّت بَعض الإستياءِ وهو يَتراجع لظَهرِ مقعدِه مَعقود الذِراعين، عائِدًا أدراجَه لبُحيرةِ شرودِه الراكِدة.

كرَكيزةٍ من ركائزِ اللَيلِ البارِد توارَى القَمر بخَجلٍ خَلف غَيمةٍ كَثيفةٍ أرسَت دموعَها الثَلجِية فَوق صَفحاتِ الكَتابِ الَذي فتَحه تَحت قَنديلٍ تَعلق بالقُربِ من أشجارِ الفُلِ المُتشابِكة حيث إستَلقى أسفَلها بإسترخاءٍ شَديدٍ.

رَغم تَفضيلِه للجَوِ الرَبيعي الذي يُهيمِن بمُعظم الأحيانِ على البَلدةِ إلا أن تِلك اللَيلة الشتائية ذَكرته بملامحِ المَدينةِ الضَبابية لتدُب أشواكَ إشتياقٍ بقَلبِه الذي كادَ همًا.

لقَد ظَن بأنَ إسبوعًا بحُقولِ إيلڤان سيُساعِده على تَصفيةِ ذهنِه ويَمنحه أي أفكارٍ للتخلُصِ مما وَرطه بِه والِده، ولكِنه لم يكَد حتى على الوصولِ لتَلك النُقطةِ. لقد كانَ مُبلد الفَكر مَشغول البال منذُ أوَل ليلةً له هُنا.

رَفع لِوي جذعَه عن إستلقاءِه ممدِدًا أوصالَه بنَصفِ عَينٍ ألقَت بنَظرةٍ مُستطلعةٍ إلى أسفَلِ التَلةِ، فتَفتحت ملامِحُه بإنتباهٍ. توَهج ذلِك القَنديل بالأسفلِ ملقِيًا بضَوءِه على البَيتِ الذي فُتِح بابَه وذلِك الظِل الذي يتحَرك بين أشجارِ الياسمَينِ بهدوءٍ شَديدٍ.

كانَت هذهِ هى أوَل مرةً تخرُج فِيها السَيدة الشَقراء الغامِضة مِن بيتِها ذاك اليَوم على حدِ علمِه. وكان مِن المُدهشِ بأنها لم تُفكِر حَتى بزَيارةِ ألبِرت كَما فَعلت بالأيامِ الماضَية.

"سَيد ليڤَرِنت."أجفَل لِوي بصَوتِ رَشدان الداعِي من جَوارِه، ليرفَع عنقَه عن خَيالِ سيڤين بالَوم القاصِي إلى البُستانِي بتساؤلٍ. "إن العَشاء جاهِز. السَيد ويلسَون بإنتظارِك."

أومأ بِلا تَركيزٍ وعيونُه تسترِق نظراتَها مِن جديدٍ إلى ساكِنة مزرَعة الفَراولةِ الهائِمة بَينما يَنهض على قامتِه ببُطيءٍ. "لقَد خرَجت السَيدة بالَوم مِن بَيتِها. لقَد خِلتَها رحلَت حينَما لم تأتِ إلى هُنا اليَوم."

"هِى لا تَرحل دون تَوديعِ السَيد ويلسَون أبدًا."أخطَره رَشدان مشارِكًا تطلُعه إلى المرأة البَعيدة هُناك،قَبل أن يبتسِم البُستانِي بخَفةٍ. "يُجدر بِكَ الذَهاب للحَديثِ مَعها، رُبما كانَت مَريضة أو تَحتاج إلى شَيءٍ ما."

تشَبعت نظرَة لِوي بالدَهشةِ وهو يرمُق رَشدان بتفاجُئٍ، قبل أن يلثُم آنفاسَه بتَرددٍ. "هَل تعتقِد هَذا؟"

"هَذا مُجرد أقتراحٍ وحَسب."
لم يُعلِق لِوي للَحظاتٍ مُتأرجحةٍ. لم يستطِع حَسم قرارِه ما إن كانَ ذلِك إقتراحًا جيدًا أم لَا. فماذا لَو لم يكُن وقتًا مناسبًا؟ ماذا لَو لم ترغَب برؤيتِه في هذه اللَحظةِ؟

"أجَل. ألبِرت حتمًا سيَود الإطمئنانَ عليها."رَمش بتلجلُجٍ. شَعر بيَدِ رَشدان تلتقِط كِتابَه مِن قبضتِه مرسِلًا إلَيه بَسمة مُحفِزة. "سأُخبِر السَيد ويلسَون أن يَنتظِر لقَليلٍ من الوَقتِ."

لم يقُل حرفًا والبُستانِي يَبتعد تارِكًا إياه بدَوامةٍ مُضطربة الأمواجِ. كان يعلَم بأن تصرُف رَشدان نابِع عَن ما يستمِر ألبِرت في الإيحاءِ به طِوال الوَقت، فذلك الأخير ترجَم إهتمام لِوي بتِلك السَيدة بطريقةٍ خاطَئةٍ.

فلم يغفَل عن سُمعتِها المُريبة، أفعالِها غِير المُريحة أو تفكيرِها المُتطرِف. لقد كانَت كالنافِذة التي يُطِل مِنها نَحو عالمٍ جَديدٍ وغريبٍ عن ذلِك العالم الذي نشأ فِيه. هَذا هو ما قادَ فضولَه إليها، ولَيس أي شَيءٍ آخرٍ.

خطوةٌ تخاذَل الأُخرى كانَ يقترِب مِن الحَديقةِ التي بدَت في حالةِ فَوضى غرَيبة حيثُ ملَئت بتلات الياسمَينِ ثَنايا العُشبِ مَع إنعكاسِ ظَلال الشَجرِ على ضوءِ القَنديلِ الَذي وانَس تجَول الشَقراء بنطاقٍ ضَيق فِي مُحيطِ حقلِها.

كانَ هناك آمرٌ مختلِفٌ فِيها. تفاجَئ بعدما إرتداءَها لثَوبٍ ما كعادَتها، بَل رأى ذلِك السِروال الواسِع الَذي نَحت قوامَها مع قَميصٍ فَضفاضٍ مكَنه مِن تفصيلِ جسدِها من اسفلِه حيث إستَغنت عَن مَشدِ الخَصر الذي لم يؤمِن أبدًا بأن أي امرأةٍ قد تستَغنى عَنه.

كانَ يعلَم بأن ذلِك النَمط مِن الثَيابِ للنساءِ شائِع في فَرنسا، ولكِنه لم يتصَور بأن أي سَيدة إنجليزَية قد ترتدِي مِثله. ولكِن مجددًا، تِلك السَيدة أمامَه ليست كأي سَيدةٍ إنجلَيزيةٍ أخرى.

راقَبها تقطُف ورودَ الياسمينِ من فروعِها بتلَة تلو بتلَة داخِل سَلتِها. شعرُها الطَويل لم يكُن مصففًا بَل تبَعثر بخَفةٍ تدارَت برَبطةِ وشاحِها الأزرَق الذي لم تستغنَ عنه مع كُل ذلِك التَغيير الذي إنتَهجته.

لم يستطِع أن يتصَورها تَظهر بمَثلِ ذلِك الشكلِ في مكانٍ ما في لَندن، فلن تسلَم بتاتًا من نَميمة النَساءِ، والأسوء، لن ترحَمها النَظرات الساخِطة المُنفِرة مِنهن أبدًا.

"مساءُ الخيرِ، سَيدة بالَوم."تَحمحم بلُطفٍ، ليَجذِب عنقَها إلِيه كَي يرتَد لهيب القَنديلِ على وَجهٍ مُرهقٍ جدًا جعلَه يندهِش،مع نَبرة صوتِها البَحوحة كمَن باتَت نهارَها صِياحًا لم يتوَقف. "أهلًا، سَيد ليڤَرِنت."

لَم تلبَث أن أنهَت ترحيبَها الفاتِر حَتى زاوَلت أيًا كانَ ما تفعلَه بالوَرودِ تارِكة إياه واقِفًا كالأرعَن متحِيرًا مِن إنقلابِ موازِينها بهذا الشَكلِ.

"أنتِ لَم تأتِ اليَوم، لِذا ساوَر ألبِرت بَعض القَلق وأقتَرح أن أتفَقدكِ إن كانَ هناك خطبًا ما."رَتب كلِماتَه بتَرددٍ، مراقِبًا خصلاتَها المُرتخِية بوشاحِها تنزلِق بخَفةٍ إلى جانِبها خالِقة لَها لَمحة ساحِرة جذَبته.

لم يستطِع أن ينكِر جمالَها في هذه الصَورةِ رَغم إنهاكِها المُبهم وغضبَها المُشفر، بدَت جَذابة على هذا الطَرازِ الفَرنسي الَذي مزَق كل القُيود الإنجليزِية المُستبِدة.

"أنا بِخَير."يالَّها مِن نَبرةٍ بارَدةٍ كبُرودِ ندفاتِ الثَلجِ على مؤخرةِ عُنقِه. ودَ لو أنَه جادَل رَشدان بإقتراحِه ولم يأتِ إلَيها كَي يصطدِم بمَزاجٍ مُتعكرٍ جدًا في لَيلةٍ قاسَيةٍ كهَذهِ.

راقَبها تَرفع سَلتها المُمتلِئة ببتلاتِ الياسمَينِ المَنثورةِ وترسِم خُطاها نحو بابِ بَيتِها على دربٍ من العُشبِ المُندثِر بين الثَلجِ والوَردِ. شَعر بالإرتباكِ، وإنتابَه القَلق.

"هَل كُل شيءٍ على ما يُرام، سَيدة بالَوم؟"

"أجَل."كانَ كل ما خَرج مِنها بإقتضابٍ، قَبل أن تُغلق بابَ المنزلِ بلا إضافةٍ. وَقف هُناك بَين لَوحة مأساويةٍ طمَسها الشِتاء بلَمستِه الكَئيبة يُحدِج آثار خطواتِها القاصِية عَنه، وبصدرِه تلتهِب نيرانَ غضبٍ متلوعةٍ.

هو حَتى لم يكُن مهتمًا بتوطيدِ علاقتَه معها أو ما شابَه. لقد كانَ من النَبيلِ منه أن يحضُر ويتسائَل عن سببِ غيابِها، لَيس وكأنَه إهتَم بذلِك حقًا. لقد كانَ يفعل ذلِك من أجلِ ألبِرت وحَسب.

ولَج إلى بابِ المنزلِ الموارِب مَعقود الحاجِبين مُنقبِض المَلامِح، شارِدًا في سَماءِ سَخطٍ وكَبرياءٍ إرتَج مهانًا للمَرةِ الثانَية بسَببِها، ليُقابِل ألبِرت على طاوَلةِ الطَعامِ مبتسِمًا بوَسعٍ.

"إذَن،كَيف جرَى الآمر؟"

كمَن ترَقب سَماع حرفًا واحِدًا..ليَنفجِر بكُل حَنقٍ.

"إنَها..إنَها امرأة مَجنونة! لقَد كانَ خطئي أنا الظَن بإنَها لَيست كَما يَقول عَنها الجَميع! إنَها مَجنونة بشَكلٍ كُليٍ وأنا لَن أُفكِر حَتى بالحَديثِ مَعها مجددًا!"

ولقَد عنَى كُل كلمةٍ نطَق بِها بلَحظةِ غضبِه.

**
لوي قموصة ا و ي

انا سايبة الأحداث والكتابة الي في الاول وقاعدة افكر في الاحداث الي في النص والنهاية وعايزة اكتبهم اوي::

اينواي،اتمنى يبقى الفصل عجبكم يعيال😚،متنسوس رأيكم🙇🏻‍♀💜.
بحبكم💋💋.

Continue Reading

You'll Also Like

4.6K 424 8
إذا لم تعرف إلى أين ستذهب، فالأجدر أن تُدرِك من أين أتيت. حين تخوض في معترك الحياة دون أحلامٍ أو أمنيات، فلا تتعجب كثيرًا مما ستفعله الحياة بك، ولا ت...
11.8K 243 24
حب الطفولة هل يموت ؟ أم يستطيع أي انسان أن يعيش على ذكراه ؟؟ جاك واليشا جمع بينهما الحرمان والغضب من طفولة بائسة وفراق فوجدا في كليهما ملاكا حارسا لل...
162K 16.6K 42
"انا رُصاصةٌ. لِذا قبلَ اللعبِ، تأكد أنكَ ضدَ الرِصاص." الجزء الاول. نصيحة: يُرجي عدم تأخير الصلاة لقراءة الفصول، لقاء ربكَ أهم. Cover by: Karmaphop...
1.5K 119 3
عندما يكون حُبًا غريبًا، مُتطفلًا ومُفاجئًا. كالمرض يدخُل لخلاياهُم. لكنهُ ممنوع، لكنهُ مُحرم، لكنه خطيئة. عندما تُحِب من لا يجِب أن تُحبه، بشكلٍ مُف...