Lady Casanova.

By Tullipxx

81.9K 6.9K 6.1K

ما أجمَل مِن أن تَعشق شخصًا إلى حَدِ المَـوتِ؟ ▪كُل الحِقوق محفوظَة®. ▪السَيدة كازانوڤا [ رِوايَـة - لِويس تَ... More

السَيدة كازانوڤا.
الأوَل|سَيدة القَطيع
الثانِي|لَيلة في مَهبِ الرَيحِ
الثالِث|في عَصرِ الأزماتِ
الخامِس|خارِج عَن المألوفِ
السادِس|لِقاء مَع حَبة كَرز
السابِع|تُحفة فنِية غاضِبة
الثامِن|سِحر حُورِيات البَرِ
التاسِع|زِفافٌ ريفِيٌ
العاشِر|سِياسة الحُبِ
الحادِي عَشر|حُمى مُصيبة للقُلوبِ
الثانِي عَشر|سَليلة بالَوم
الثالِث عَشر|الوَجه الآخر للعُملةِ
الرابِع عَشر|الخَيط الرَفيع
الخامِس عَشر|مَع الدَقةِ العاشِرة
السادِس عَشر|حالَة زواج
السابِع عَشر|حيلَة آفروديتِي
الثامِن عَشر|القِط والفأر
التاسِع عَشر|امرأة العَصر
العِشرون|موعِد على العَشاءِ
الواحِد والعِشرون|أعادَة إحِياء الماضِي
الثانِي والعِشرون|أسرَى حَرب الذَكرياتِ
الثالِث والعِشرون|جِدال بَين شظايا مُجتمع
الرابِع والعِشرون|الأُم العَقيم
الخامِس والعِشرون|الحَياة دائِرة مُغلقة
السادِس والعِشرون|سِر الوَشاحِ الأزرَق
السابِع والعِشرون|رَومِيو وچولِيَت
الثامِن والعِشرون|قَبل غُروبِ الشَمسِ
التاسِع والعِشرون|الشُموع السَوداء
الثلاثون|بَين الحُبِ وغَريزةِ التملُكِ
الواحِد والثلاثون|الرجُل الآخر
الثانِي والثلاثون|حَواء الضِلع الأعوَج
الثالِث والثلاثون|مِكيالا العَدل والرجُل
الرابِع والثلاثون|عَرين لِوجورَيا
الخامِس والثلاثون|قلبُ قدِيس وحَياة آثِم
السادِس والثلاثون|غُربال وغِربان
السابِع والثلاثون|آخِر عَربة بقَطارِ الأوهامِ
الثامِن والثلاثون|أُمسِية على قَدمٍ وساق
التاسِع والثلاثون|عِرق ليلِيث
الأربَعون|حَلوى أم خُدعة؟
الواحِد والأربَعون|أُمنِية مَع وقفِ التَنفيذِ
الثانِي والأربَعون|حَفل على شَرفِ بِروتوس
الثالِث والأربَعون|قَوس وسَهم
الرابِع والأربَعون|تَرنيمة مِزمار المَوتِ
الخامِس والأربَعون|فَن العَودةِ للواقَعِ
السادِس والأربَعون|نَعيم مُزيف
السابِع والأربَعون|جُنون أرستُقراطِي
الثامِن والأربَعون|بوصلَة ومِرساة
التاسِع والأربَعون|ساعَة رَملِية مَكسورة
الخَمسون|الكَأس الأخَير
نِهاية السَيدة كازانوڤا.

الرابِع|رَبيع إيلڤان

1.9K 200 81
By Tullipxx

أشرَق نورُ الشَمسِ.
رَفرفت أجنِحَة أسرابُ اليَمامِ في سَماءِ إيلڤان الصافِيَة بزُرقةٍ بَديعةٍ إنعَكست على حُقولِ الفواكِه المُزهِرة بورودِها المُتنفِسة بعَبيرٍ تَشابك بكُل نعومةٍ أحاطَت بكُل ركنٍ وهو يَنزِل درجاتُ السُلمِ الخَشبِي بكَسلٍ.

تثاءَب لِوي شاعِرًا بمَاءِ وجهِه يُرطِب عيونَه ليَذوب النُعاس عَنه وهو يتوجَه إلى مَطبخِ بَيت العَزبةِ حيث فُتِح الباب الخَلفِي كَي تُطِل الشَمس بضَوءٍ خلابٍ جعلَه يَسترخِي على أحَد المقاعِد بكُل سلامٍ.

كانَ الطَقس هُنا مختلِفًا عَن المَدينةِ الضَبابيةِ الكَئيبةِ، فنادِرًا ما يَرى شُروق شَمسٍ بهَذا السُطوعِ والتألُقِ في لَندن، لا يَسمع أبدًا زَقزقة الطُيورِ أو يَرى أسرابَها تُحلِق بوَداعةٍ في الأفاقِ. كانَ المكانُ هنا أشبَه بنَعيمٍ رَبيعيٍ يَهِبه وِئامًا نفسِيًا بَديع.

"صَباح سَعيد."رَحب ألبِرت بِه بإشراقٍ وهو يَعبر بابَ المطبخِ المُطِل على المَزرعةِ المُزدهِرة بسيقانِ الكَرزِ الوَرديةِ بسَلةٍ مُلِئت ببَتلاتِ من وَردِ الياسمَينِ الذي هَيمن على آنفِه بعُذوبةٍ. "هَل حظَيت بلَيلةٍ جَيدةٍ؟"

"أجَل. لَم أحظَ بمثلِها منذُ رجِعتُ مِن بارِيس."صَرح بوَتيرةٍ ساكَنةٍ ببَحةٍ أفشَت بكَم كانَت ليلَة هادِئة مُريحة عوَضت له اضطراباتَ الليالِي السابِقة. إبتَسم ألبِرت وهو يمِد يدَه بسَلةِ الياسمينِ كَي يُخرِج صحنًا ملفوفًا إنبَعثت مِنه رائِحة فَراولة سطَت على حَواسِ لوي بهَيامٍ.

"لابُد أنكَ تتضَور جوعًا."
هَز لِوي رأسَه بلَهفةٍ مؤكِدًا لتنبسِط ملامِح خالِه بنَصفِ ضَحكةٍ بينما يضَع فَطيرة الفَراولة الطازِجة أمامَه بجانِب كأسًا مثلجًا مِن عَصيرِ الكَرزِ جَعلاه يَنتشِي مِن فَرطِ لَذةِ الخَليطينِ بفَمِه الَذي تخَدر.

لطالَما كانَ كُل شيءٍ هُنا ذا مذاقًا فريدًا وفاتِنًا.

"إذَن، مِن أينَ لكَ بهذهِ؟"إبتَسم لِوي بجانَبيةٍ وهو يُشير إلى سَلةِ بتلاتِ الياسمَينِ ذاتَ الرائِحة البَديعة، ليُبادِله ألبِرت البَسمة عابِثًا بكُل بتلةٍ بَين أصابِعه. "السَيدة سيڤين بالَوم."

اُحيلت نَظرة لِوي المُلمِحة إلى مُندهِشة وهو يرنَو إلى الوَردِ ثُم إلى فَطيرةِ الفَراولة متذكِرًا حديثَ خالِه بالأمسِ عَن إمتلاكِها لمَزرعةِ فَراولةٍ، ليَتحير والطَعام ينزلِق عَبر حلقِه كالحَجرِ.

"لقَد أحضَرتهما إعرابًا عن إمتنانِها لمَعروفِكَ. وعلى عَكسِك فلَقد جلَبتهما بنَفسِها إلى هُنا."رَفع ألبِرت حاجِبَه، ليَتحمحم لِوي مُقطِبًا جبينَه ومُتابِعًا تناوَل الفَطيرة بشَهيةٍ أقَلٍ. "هَذا لطفًا مِنها."

لقَد وضَعته بمَوقفٍ مُحرجٍ تمامًا هذهِ المَرةِ، وهَذا أزعَجه. لقَد كان فِعلًا نبيلًا كفايةً مِنه أن يَقبل أن يكون مِرسالًا بينها وبين شقيقِها بَعد ما رأها تَفعله ليلة الحَفلِ ولم يتفَوه بِه بكَلمةٍ لأحدٍ. ولَكِن ها هِى تُظهِره كرجُلٍ غير مُهذبٍ لم يتكَبد عناء إيصالَ الطَرد بنفسِه إلَيها.

يالَها مِن امرأةٍ مُزعجةٍ.

"ما طَبيعة عِلاقتكَ بتِلك المَرأةِ، خالِي؟"
هرَب سؤالُه عَبر شِفَتيه قبل أن يتمَكن مِن صَدِه. أزاحَ ما تَبقى مِن طعامِه جانِبًا وآخَذ يُطالِع خالَه الذي قَرن حاجِبَيه بعدمِ فهمٍ وهو يَرتشِف عَصير الكَرزِ برَتابةٍ.

"ماذا تَعني؟"

"أعنِي، إلى أي مَدى تصِل علاقتكُما بالتَحديدِ؟"أعتَمت زَرقاواه بحَدةٍ. تِلك الشَقراء المُريبة كانَت كالقَشةِ التي تتطَفل على كُل ركنٍ بحياتِه، كان بإمكانِه أن يتحَمل وِد شقيقِها المُبالغ بِه وأن يستُر على أفعالِها النابِية طَي الكِتمان. ولكِن حينَما يصِل الآمر لأحدٍ عزيزٍ علَيه..فهو لَن يسمَح بهذا طويلًا.

"إنَنا جِيران، وبَيننا تفاهُم قَديم كَما أنَ صُحبتها مُمتعة. أنا لا افهَم سَبب عدم قبولِكَ لها، لِوي. لقد بدَوت بالأمسِ منزعِجًا تمامًا مِن ذكرِها."ختَم ألبِرت حديثَه بإستفهامٍ قابلَه لِوي بعُبوسٍ.

"إنَها امرأة مُريبة وغِير مُريحة. أنتَ لم تسمَع ما يَقوله الناس عَنها."

"الناس يتَحدثون كثيرًا. ولقد تعلمتُ ألا أُصدِق كُل ما يَقولون. أن عَرِفتـها؛ ستُـحِبها."

هُو لم يفهَم، ولِوي لم يدرِ كَيف يجعلَه يَفعل. ما رسَخته تِلك المرأة بذهنِ خالِه لأعوامٍ لن يتمكَن هو مِن تغييرِه في دَقيقةٍ، لقد جعلَته يعتقِد بأنَها سَيدة ودودة ولَطيفة في حينِ أنها تُبطِن هدفًا خبيثًا بمكنونِها. فما جعلَها تُغازِل وتُلاطِف رجالًا آخرين، ما المانِع من أن تفعَل المَثل مع ألبِرت، المُزارِع الأرمَل المَخدوع؟

مَوضع قُبعته الصوفِية فَوق رأسِه مطِلًا إلى حُقولِ الفواكِه الشاسِعة المُحيطة بالمَنزلِ مانِحة إياه شعورًا ونيسًا دافِئًا كموسمِ الرَبيعِ الذي تكَدس طِوال العامِ في ذلِك المَكانِ. كَم كانَ مَظهر جمالِي فاتِن يُنسِي الهُموم.

"أتُمانِع بِرَي أشجارَ الفُلِ وأنتَ بالخارِج؟"سمَع طلَب خالِه من المَطبخِ بعدمَا خَطى نحو البُستانِ الزاهِي بعُشبٍ رَطبٍ دلَل اقدامَه برَقةٍ، ليَلتقِط إناءَ الريّ وهو يَتوجه نَحو آنِية الفُلِ اليافِعة ببَتلاتٍ صَغيرةٍ لم يُصيبِها النُضوج بَعد.

شيءٌ فِي ذلِك المَكان يَسلِبه غَمه، ولكِن لكُل مذاقٍ طَيبٍ مُعكِر صَفوٍ، وكانَ مُعكِر ربيعِ إيلڤان لَه يكمُن أسفَل تِلك التَلةِ بَين الأشجارِ اليانِعة بالفَراولة الحَمراءِ.

سيڤين بالَوم.

على عَكسِ رَيف إيلڤان كانَ الطَقس مُكفهِرًا بضَبابٍ تامٍ في مَدينةِ لَندن محلِقًا بلَسعةِ بَردٍ أرجَفت جسدَه المَلفوف بمِعطَفه الأسوَد السَميك وهو يَقف على عَتبةِ المُنزِل ملتقِطًا نفسًا مهتزًا طويلًا.

قبَض هارَولد على باقَةِ الورودِ في يَدِه بشَدةٍ قَبل أن يطرُق بابَ بيتِ ليڤَرِنت بلُطفٍ وإنتَظر حتى فَتح آوليڤِر وقابلَه ببَسمةٍ واسَعةٍ مُقتحِمًا المَكان بكُل إشراقٍ واجَهه الوجهِ العابِس للسَيدةِ الكَبيرةِ إليزابِيث ليڤَرِنت.

"مرحبًا، سَيدة ليڤَرِنت!"إنبَسط وجهُه ببَشاشةٍ آمِلًا بكَسرِ ذلِك التجهُم القاسِي الَذي سطَى على السَيدةِ الَتي قبَضت على عُكازٍها بصَرامةٍ. "أعتَقِد بأن قولَي كانَ واضِحًا بأنكَ لستَ مرغوبًا هُنا، سَيد سيجرِيد."

"أجَل. ولَكِنني رأيتُ وَرد الأقحوانِ جميلًا في طَريقِي للمَنزلِ، وأنا أعلَم كَم تُحبين الأقحوانَ، ففكرتُ بأن أُحضِر باقَة صَغيرة لِألطف سَيدة بالمَملكةِ..وأعتَذِر عمَّا طرأ مِني بالمَرةِ السابِقة."تملَق بغَزلٍ كانَ بارِزًا بكلماتِه المَدروسةِ وهو يُقدِم الباقَة إلَيها بنَظرةٍ لامَعةٍ وَديعةٍ.

تجَمد الصمتُ لِلحظاتٍ قَليلةٍ لم يَهتز وَجه السَيدة لإنشٍ. كانَ آتِيًا لسَببٍ ما وكان ذلِك واضِحًا. أشارَت بِلا صوتٍ لآوليڤِر الذي إلتَقط باقَة الوَردِ من يدِه دافِعًا بالإبتسامِ السَعيد لثَغرِ هارَولد وهو يَسمعها تأمر الخادِم بجَلبِ الشاي وتُطالِبه باللحاقِ بها.

لطالَما كانَ يعلَم طريقَه جيدًا إلى قُلوبِ السَيداتِ بمُختلفِ أعمارِهن. ولطالَما كانَ ينجَح فِي مَلئ ثغراتِهن بيُسرٍ لم يتعَكر حتى مع أكثَر النساءِ صلابةً.

"أنا أعلَم بأن لِوي رَحل لإيلڤان بالبارِحة، وإعتقدتُ بأن هذهِ فُرصة جَيدة لأتحَدث معكِ بآمرٍ مُهمٍ يخُصه."بادَر بهُدوءٍ. عَقد أصابِعه فَوق ساقَيه مستقبِلًا نَظرة التساؤلِ في عَينيها كرَدٍ مُناسبٍ، فإبتَسم.

"خِلال حَديثِنا بالأمسِ، جاءَ ذِكر الزَواجِ بالحَديثِ واخبرتُه كَم اتشَوق لرؤيتِه يتَزوج أخيرًا وقد إنتَهى من دراستِه بفَرنسا، ولَكِنه فاجَئني بقولِه بأنه لا يُخطِط لهذا بأي وقتٍ قَريبٍ وكان رافِضًا بشَدةٍ!"

تآمَل هارَولد ملامِح السَيدة بتَركيزٍ، وهو يَهِز رأسَه بإستياءٍ مُتابِعًا. "لم يتقَبل قَولي بأنَ العائِلة ستَحتاج لوَريثٍ من بعدِه كَي يحمِل إسمَها، وأنكِ حتمًا ستَودين رؤَية إبنَه وتُربِيه كَما رَبيتِ لوي مِن قَبلٍ. لقَد كان عنيدًا جِدًا ولم يسمَح لِي حَتى بمُتابعةِ الحَديث."

كانَ على علمٍ تامٍ برَغبةِ السَيدة في الحُصولِ على وريثٍ تَلو الآخر ليُخلِد إسمَ العائِلة للأبدِ، وكان يلعَب على هذا الوَتر. لِوي لم يعلَم، أو يفهَم، بأن الزَواج سيَكون في صالِحه وسيَحِل جَميع مشاكِله، ولم يكُن هارَولد ليترُك صديقَه العَزيز لهَواهِ دون أن يهِب ليُساعِده.

حتى لو لَم يقتنِع لوي بذَلِك.

لَم تعقِب السَيدة بكَلمةٍ، ولكُنه رأى تأثيرَ حديثِه على وجهِها وبعَينيها اللَتين رمَشتا بوجومٍ مُبطِنتين موافَقة على كلامِه بِهما. قَرن هارَولد حاجِبَيه بلُطفٍ وحَرك إبهَمه بنَظرةٍ غَير راضَيةٍ.

"رُبما لا يحِق لي الحَديث عن الزَواجِ، ولَكِنني على علمٍ كاملٍ بأهَميتِه خصوصًا لشَخصٍ مِثل لِوي، ينحدِر من عائِلة عَريقة ومُتعلِم ولَه جَدة مُتحفِظة مِثلُكِ، أي عائِلة ستتَشرف بأن يرتبِط إسمَها بإسمِ عائِلة ليڤَرِنت. ألا تتفَقِ مَعي، سَيدة ليڤَرِنت؟"

لَعقت السَيدة إليزابِيث شِفَتيها بَينما تُمسِك بقَدحِ الشاي مِن آوليڤِر الَذي سَحب بعدَها العَربة المُذهبةِ إلى الخارِج بعيدًا عن جَو الشَدِ والجَذبِ المُهيمِن على الحُجرةِ.

"ماذا تَقترِح، سَيد سيجرِيد؟"
نبَع السُرور بقَلبِ هارَولد مُسيطِرًا على بسمتِه. الفَوز بالجَدةِ الكُبرى كمؤيدةٍ لرأيه سيَكون إقناعًا مِثاليًا ليخرُج صديقَه مِن ورطتِه حاصِلًا على كُل ما قَد يُريده. سُمعة نَظيفة وزَوجة جَميلة.

"هُو لَا يعلَم النِساء ولا يملِك خِبرة كافِية ليُحدِد بنَفسِه. على عَكسكِ، سَيدتِي. فأنتِ تعرفين كُل عائِلة بلَندن ويُمكنكِ أن تَختارِ زَوجة جَميلة، ذَكِية، وثَرِية من عائلةٍ كَبيرةٍ لتَكون مَحظوظة بِه."

كلِماتُه كانَت كخُيوطِ الحَريرِ نسَجت نفسَها بعَقلِ المرأةِ الإنجليزِية الصارِمة كَي يُقنِعها بقولِه. هو لَم يملِك أي مَصلحة بذلِك الشأن سِوى تَقديم المُساعدة كَما يجِب لصَديقِه الوَحيد الَذي تقبلَه كَما هُو. كرَدٍ لمَعروفٍ غير مُباشرٍ حاوَل بكُل جُهدِه.

وكانَ متأكِدًا بأن لِوي سيشكُره مِن كُل قلبِه يومًا ما.

مَع نورِ شَمسِ العَصرِ كانَت البَلابِل تَشدو عَن قريبٍ بَين حُقولِ الكَرزِ والفُلِ مُربِعة شُعورًا خلابًا وونسًا بديعًا بالقُلوبِ المَهمومةِ والعُيون الشارِدَة في الفَضاءِ كآنامِله الَتي تلَمست عُشب التَلةِ بهَيامٍ تملَكه.

تَنفس لِوي بعُمقٍ مراقِبًا رَشدان يُقلِم أوراقَ الشَجرِ عن قريبٍ وحَوله يركُض كلبَه الأسوَد الأليفِ لاهِيًا بمَا يهبِط لَه مِن ورودٍ هاوَيةٍ. رَغم حُبِه لقَضاءِ وقتًا مسالِمًا بالعَزبةِ الرَيفيةِ إلا بأن الفَراغ كانَ قاتِلًا.

كُل شيءٍ تَغير رَغم إصرارِه بأن ذلِك لم يحدُث. لقد أمسَى ناضِجًا الآن، لا يُمكِنه الرَكض بين الحُقولِ عارِي القَدمينِ أو مُتابعةِ أسرابِ الطُيورِ وهى تُحلِق حَتى تختفِي خَلف الأشجارِ. كان للنُضوجِ مَذاقٍ رَتيبٍ لم يُحِبه.

"رَشدان! رَشدان!"
سمَع خالَه يُنادِي مُساعِده الَذي كانَ قاصِيًا بمّا يكفِي عَن سماعِ الدُعاءِ. فتَنهد مستنِدًا على ساعدِه كَي يَنهض بكَسلٍ ملبِيًا نِداء ألبِرت من داخلِ البَيتِ حيثُ وقف ذلِك الأخيرَ يُرتِب بَعض الأشياءِ في صُندوقٍ خَشبيٍ رمَقه لِوي بإستغرابٍ.

"هَل تتخلَص مِن أغراضِ آنـا؟"تَحيّر بدَهشةٍ وهو يَتفقد رُقعات الرَسمِ والفُرش مَع قينيناتِ الآلوانِ الخامِ الخاصَة بزوجتِه الراحِلة حديثًا مُصطفة في صُندوقٍ بَدى غِير باقِيًا طويلًا.

"لَا، بالطَبعِ لَا. هذهِ أغراض لَم تستعمِلها آنا حَتى تَوفت. فأرتأيتُ أن أعطاءَها لشَخصٍ ليَستعمِلها في الهَوايةِ الَتي برَعت بِها آنا سيَكون تكريمًا عظيمًا لروحِها."إبتَسم لِوي بهَونٍ على نَظرةِ الشَوقِ التي ملَئت عيونَ خالِه وهو يذكُر زوجتِه الرَسامة المُبدِعة.

لطالَما كانَ لِوي واقِعًا بحُبِ آنا. كَم كانَت سَيدة مُهذبة، لَطيفة، وَدودة وجَميلة رَغم عدم تأصُلِها مِن عائِلة عَريقة أرُستقراطِية كخالِه. رُبما زواجَهما هُو ما أربَك عِلاقة ألبِرت بالعائِلة التي رَفضت ذلِك الزَواج ورأتَه مهينًا..ولكِن ذلك الأخير لَم يهتَـم.

"سَيكون هَذا فِي مُنتهى اللُطفِ."عبَّر لِوي بهُدوءٍ، حامِلًا الصُندوق بهَمةٍ ومبتسِمًا بإتساعٍ مُسانِدًا خالَه بقَرارِه اللَطيف فِي تَكريمِ روحِها الباكِرة الرَحيل. "إلى أينَ تُريد إيصالَها؟"

شَعت البَهجة فِي عيونِ ألبِرت بمُساندتِه المُتلهِفة بقَرارِه، ليُسارِع بوَضعِ ما تبقَى مِن الأغراضِ في الصُندوقِ مُبتسِمًا. "أُريدك أن توصِلَها إلى بَيتِ السَيدة سيڤين بالَوم."

تقلَصت بَسمة لِوي رويدًا وهو ينظُر إلى خالِه بكُل دهشةٍ غَير مصدِقًا إختيارَه الغِير مَحسوب للشَخصِ الَذي يُهديه بَعض الأغراضِ القَيمة لزوجتِه. تَردد لِوي ضاغِطًا على لِسانه، وتَنهد دون جدالٍ. "هَل أنتَ مُتأكِد مِن هَذا؟"

"كُل التأكيدِ."
لَم يكُن قرارَه ليَحسِمه. ضَم لِوي شِفَتيه سوِيًا بتزمُتٍ وأحكَم الصُندوق بَين ذراعِيه وهو يجُر خطواتَه للخارجِ حيثُ رافَقته الرِياح المُتنعِشة بلَسعةٍ ناعَمةٍ بدَربِ إنحدارِ التَلةِ الخَضراءِ مكانَ ما وَقعت عيونُه المُتذمِرة على أشجارِ الفَراولةِ اليانِعة وهِى تتمايَل مع النسيمِ بدَلالٍ.

تباطَئت قدماهَ بالطَريقِ وهو يَرى البَيت على اليَمينِ ببابٍ مَفتوحٍ يطِل علَيه ذلِك الحَقل بعُشبِه الرَطبِ يضُم مِقعدًا خشبِيًا ومسندًا للَوحةٍ فارَغةٍ تترَقب تَلويث الفُرشاة لعُذريتِها النَقِية.

تحَول لليَسارِ جَراء تِلك الحَركة لثَوبٍ رَفرف مع الهواءِ لكَيانٍ وَقف على سُلمٍ خشَبيٍ قَصيرٍ خَلف إحدى أشجارِ الفَراولةِ الَتي وارَت وَجه هذهِ الفَتاةِ عَن أنظارِه الزُجاجِية.

"المَعذِرة، أنا أُريد مُقابلة السَيدة بالَوم."آنصَ بنبرةٍ مُهذبةٍ ميبِسًا جَسد الفتاةِ الَتي إعتَدل بمكانِه كَي يظهَر ذلِك الوَجه المُنبسِط لسيڤين بالَوم مِن خَلف فُروعِ الشَجرِ، وتَبتسِم بتَرحابٍ. "هذهِ أنا. مرحبًا، سَيد ليڤَرِنت."

هَز لِوي رأسَه بتَحيةٍ مُقتضبةٍ خافِيًا ذهولَه مِن ذلِك المَظهر الأُنثوِي الَذي أوضَح جمالَ الأعوامِ السِت والعِشرين البَديعة عَكس هَيئتِها الَتي قابلَها بِها في لَندن.

كانَ ذلِك الثَوب الأبيَض بتجعيداتِه من الذَيلِ والعُنقِ فاتِنًا مَع شعرِها الَذي ربَطته بالوَشاحِ الأزرقِ بِلا تكلُفٍ مبرِزًا خُضرة عيونِها الَتي لمَعت مَع كُل ما يُحيطهما مِن أراضٍ مُزدهرةٍ خلابةٍ ورائِحة الياسمينِ تَفوح مِن كُل شبرٍ بهَيامٍ.

لَم يُجهِد نفسَه بالإندهاشِ طويلًا حيثُ أشارَ بعينيهِ إلى الصُندوقِ المَفتوحِ وفَسر متجنِبًا خَلق إتصالًا بصرِيًا مع المرأة الساحِرة. "يُرسِل ألبِرت هذهِ الأغراضِ. كانَت مِلكًا لزوجتِه، وإعتَقد بأنكِ قد ترغَبين بالحُصولِ علَيها."

"هَذا لطفًا كبيرًا مِنه."عبَّرت بإمتنانٍ مَع نظرةِ سَكينةٍ كمَن يعلَم جيدًا أهَمية تِلك الأغراضِ حقًا. ولكِنها لم تفعَل، هو لَم يجِد بأنَها تعلَم كم هو مِن الصعبِ أن يتخلَ ألبِرت عن اغراضِ زوجتِه الخاصَة. هِى لن تفهَم.

ربَط على آنفاسِه وهِى تَقبل الصُندوق مِن بَين ذراعِيه مراقِبًا إياها تُنزِله على مُقدمةِ السُلمِ الخَشبِي بعدَما إلتَقطت السَلة الَتي مُلِئت بثَمراتِ الفَراولةِ الَتي قطَفتها للتَوِ.

"أبلِغه شُكرِي البالِغ رجاءً."طَلبت، ليَومأ بٍلا كلمةٍ إضافَيةٍ. أرادَ إنهاءَ ذلِك اللِقاء المُربِك لَه بسُرعةٍ، فكُلما نظَر إلى وجهِها المُنبسِط بجَمالٍ لم يرَه مميزًا تذَكر ملامِحَها المُبتسِمة بجَراءةٍ في حديقةِ منزلِها ليلًا..حيثُ كانَت تستقيم بين ذِراعي رجُلٍ وتنظُر إلى عَيني رجُلٍ آخرٍ.

لَم يلبَث أن إلتَفت بَعد وداعٍ صامَتٍ إستَنزف فِكرَه الشارِد،حَتى أوقَفه صوتُها المُتحدِث بنُعومةٍ. "وددتُ شكركَ أيضًا على إحضارِكَ للوَشاحِ بصُحبتِك مِن لَندن، كانَت هذهِ فِعلَة مُهذبة مِن رجُلٍ نبيلٍ مِثلُك."

بطَريقةٍ ما شَعر وكأنَها تُلمِح لشَيءٍ آخرٍ. وكأنَها كانَت تُحاوِل جعلَه يشعُر بالإحراجِ لأنه لم يُعطيها الوِشاح بنَفسِه. وكأنَها وَدت إخبارَه بأنَ هذه كانَت فِعلة غَير مُهذبة مِن رجُلٍ نبيلٍ مِثله!

"لقَد سَرنِي ذَلِك، سَيدة بالَوم."كانَ كُل ما قالَه بِلا أن يلتَفِت للنَظرِ إلَيها، قَبل أن يُباشِر طريقَ العودةِ من جَديدٍ. فِعلٌ وقِحٌ لم يُجدر بِه حَذوه، ولكِنه كانَ يشعُر بتوترٍ وَد دفنَه قبل أن تقرأه بعيونِها المُريبتين اللَتين تُشعِراه وكأنَهما تَريا خِلاله، فتخالَه مهزوزًا لم يرَ امرأةً ما مِن قبل.

والحَق يُقال، هو لَم يرَ امرأة مِثلُها قَط. لقَد كانَت جَميلة، ولكِن جمالُها كانَ مخالِفًا لمعاييِره. كانَت جَريئة، وهذا كانَ يُعارِض مِقياس الخَجلِ الذي يجِب أن تتحلَ بِه كُل امرأةٍ في نظرِه. كانَت عجيبَة كأُحجيةٍ عجَز عقلَه عن فكِ طلاسِمها.

كانَت رائِحَة طَعام الغَداءِ تَملئ أركانَ البيتِ حينَما ولَج لِوي مِن بابِ المَطبخِ بوَجهٍ عابسٍ تاهَ بغياهبِ أفكارِه الَتي شُتِتت بصَوتِ ألبِرت الَذي إلتَفت لَه ببَسمةٍ صَغيرةٍ.

"تُبلِغكَ شُكرها البالِغ."بادَر بنَبرةٍ جافَةٍ عبَرت عن إنزعاجٍ دَفينٍ رافَقه وهو يعبُر دَرجتي السُلمِ الَلاتي تقودانَه نَحو آرجاءِ المنزلِ يلحَق بأذيالِه الهارِبة صَوت ألبِرت العالِي بإصرارٍ.

"سَوف تُحِبها، لِوي. أن عرِفتـها؛ ستُـحِبها."
ولكِنه كانَ متأكِدًا بأن هَذا كانَ مِن المُستحيلِ أن يحدُث.

**
مساءكم لذيذ قمراتي🥰💜💜
النهاردة كانت أخر مراجعة للأبحاث الحمد لله🙇🏻‍♀🙇🏻‍♀

حابة بس أوضح حاجه اني بحاول في الرواية بجانب الهدف الأساسي اني أبين كُل تفاصيل الحقبة دي في انجلترا ( العصر الڤيكتوري ) يعني ازاي الناس كانت عايشة في طبقة معينة وطريقة تفكيرهم ولسه الي جاي احلى يعني👀😂😂

وكمان غالبا كده الرواية هتقلب لرواية طويلة مش قصيرة لإن الأحداث كبرت معايا والشخصياا والحوارات بقت أعمق وأكبر يعني فهنشوف

أتمنى يكون الفصل عجبكم🥰، متنسوش رأيكم💜، بحبكم💋💋💜.

Continue Reading

You'll Also Like

1.1K 150 3
المشاعر ضعف ان تهتم لأحد بتلك الطريقة أنت فقط تعطي لنفسك سببا آخر للخوف والقلق من المستقبل سببا اخر للتحطم وبالتأكيد انت تفسح المجال لخيبة امل جديدة
1.6K 123 3
عندما يكون حُبًا غريبًا، مُتطفلًا ومُفاجئًا. كالمرض يدخُل لخلاياهُم. لكنهُ ممنوع، لكنهُ مُحرم، لكنه خطيئة. عندما تُحِب من لا يجِب أن تُحبه، بشكلٍ مُف...
4.2M 245K 61
أن تُسَجن في عُمرِ الزُهور وِسط أسوارٍ كوَّنها حُبّ مُتمّلك مَنع عَنها الحَياة ..! صَبيَّة في مُقتبلِ العُمر تُطارَد مِن قِبل أقرَبُ الناس اليها أن ت...
134K 7K 52
ماذا سيفعل الطالب الجامعي جيون جونغكوك حين يجد رضيعه بجانب حاويه قمامه رواية أبويه لطيفة لا أكثر لا اسمح بالاقتباس هذه الرواية من وحي خيالي و إذا...