لحن الكاميليا || Camellia Mel...

By Jolianakingdom

84.4K 6.4K 4K

لكلّ إنسانٍ لحنٌ خاصٌّ به يمثّلُ حياته، تجسّد نغماته الحزن والسعادة، الخيبات والأمل، الانتقام والغفران، وأخير... More

التحدي
هدنة واتفاق
رهان متسرع
حفل مشؤوم
معركة غير محسومة
صدمات
انطلاقة
لقاء جديد
فتاة متهورة...عمل جديد
جريمة قتل
تحقيق من نوع خاص
معي أم ضدي؟؟
وحش بهيئة إنسان
اعتراف من نوع آخر
لحظات ثمينة
بدايات ونهايات
لا وقت للراحة
قدر
معاً
شرط
ليلٌ لا ينتهي
خلافات
ألكساندرا روسيل
ثقة؟!
خصمان وهدفٌ واحد
عقربٌ وأفعى وآيتون
نائبة القائد
سفاح دراكوس الجديد
المصيدة
تضحية
مشاعر مبعثرة
اذهب إلى الجحيم
حفلة الزفاف
لأجل دراكوس
مهما كان الثمن غالياً...النهاية

دليلٌ حاسم

1.1K 106 64
By Jolianakingdom

(35)

يومين كانا من أحلك أيام حياتي...لم أغادر فيهما فراشي إلّا نادراً.

أشعر بالكآبة تتخلل كلّ عظمةٍ من جسدي. لا رغبة لي بالتنفس حتى.

أنا حزينة...حزينة وبشدة. أنا أخطأت وهذا صحيح ولكن كلمات رين الأخيرة جرحتني بشدة أيضاً.

هو غادر منذ تلك الليلة ولم يعد ولا أظنه سيفعل قريباً.

عليّ أن أواجهه بنفسي وأوضح له حقيقة ما حدث ولكني لا أجرؤ أبداً. أنا خائفة جداً من لقائه.

أخشى رؤية تلك النظرة الخائبة مجدداً...أخشى غضبه جداً. عيناه المظلمتان لا تساعدان أبداً وأؤكد مجدداً أنّه شخصٌ مختلفٌ تماماً حين لا يبتسم.

الشمس أشرقت مجدداً دون أن تنجح أشعتها الدافئة بإزالة الجليد المتراكم في كلّ خليّة من جسدي.

رنّ جرس الباب فجأة.

من سيكون الطارق الآن؟؟

نهضت بتثاقل وتوجهت لفتحه ودُهشت برؤية لويس هناك.

نظر نحوي بقلقٍ قائلاً:
-تبدين كالأشباح. هل أنتِ بخير؟؟
.
.
.
.
.

جلسنا في صالة المنزل... رويت له ما حدث ورمقني باستياءٍ قائلاً:
-كان عليكِ الاتصال بي حالاً آنذاك. كنتُ سألقّن زوجك درساً لن ينساه. كيف يجرؤ على الحديث مع شقيقتي بهذه الطريقة القاسية؟؟

كم أتمنّى لو لم ألتقِ بكِ أبداً سيلين....ذاك الوغد. هو لا يعلم كم هو محظوظٌ بلقائك.

صدقيني إن طلبتِ مني ذلك فأنا سأذهب وألكمه بقوة حتى يستعيد صوابه والآن.

رمقتُ لويس بدهشة. هو انفعل أكثر منّي حتى.

اعترضتُ قائلة:
-أنا مخطئة أيضاً أخي.

زفر لويس نفساً حانقاً وقال:
-يمكنك أن تفعلي ما تشائين أختي. إن رغبتِ بإنجاب طفل فلكِ ذلك وإن لم ترغبي فلا أحد سيرغمك وأنا موجود.

ولكن حقاً كان عليكِ إخباره على الأقل. القرار ليس بيدك وحدك بل يحقّ له أن تشاركيه به. أن تتفقا معاً على أيّ شيء.

أومأت موافقة بصمت. فالأوان قد فات على ذلك.

تنهّد لويس قائلاً وهو يربّت على كتفي:
-لا داعي لكلّ هذا الحزن. جميعنا نخطئ. وأنتما في بداية الطريق فحسب لذا لا بأس ببعض العثرات.

نظرتُ إليه بأملٍ قائلة:
-هل تظنُّ أنّه سيسامحني؟؟

فكّر قليلاً قبل أن يقول:
-هو سيسامحك حتماً في النهاية وسيتفهم أسبابك.

شعرتُ بالقليل من الراحة لأنّ هناك فرصة.

سألتُ لويس مجدداً:
-لو كنتَ مكانه ما الذي كنتَ ستفعله؟؟

ابتسم لويس قائلاً:
-لم أكن لأوجه لكِ تلك الكلمات القاسية حكماً. كنتُ سأنهي زواجنا حالاً وبهدوء. لا حياة لي مع فتاةٍ أخفت عنّي أمراً في بالغ الأهمية كهذا الأمر ونحن لم يمضِ على زواجنا سوى شهر.

رفعتُ حاجبيّ بصدمة.

لكزته بقوة قائلة:
-يالك من مزعج. هل تظنّ أنّك تواسيني هكذا؟؟

ابتسم مجدداً وقال:
-صدقيني رين ملاكٌ متفهم مقارنةً بي وأنتِ محظوظةٌ به.
دراكوس علمتني ألّا أغفر خطأً أبداً مهما كان بسيطاً.
على الأقل هو اختار الابتعاد لبعض الوقت فقط.

لو أراد إنهاء زواجكما لما انتظر حتى الآن ولكنه يحبّك وسيعثر لكِ على مئة مبرر كي لا ينفصل عنكِ.

مجدداً شعرتُ بالقليل من الراحة. لويس لا يجاملني بل يخبرني برأيه حقاً ويمكنني الثقة بكلامه.

نقر جبيني بإصبعه قائلاً:
-ولكن عليكِ الاعتذار منه بصدق. لا داعي للتبرير كثيراً لأنّه يعلم جميع دوافعك مسبقاً ولكن الأمر يتطلب اعتذاراً فقط.

كما أنّ عليكِ الثقة برين أكثر. هو ليس مغفلاً وبالتأكيد لن يقحم طفلاً في وسط هذه الحرب إلّا إن كان يمتلك دافعاً قويّاً وضماناً لحياتكِ وحياته.

إن كنتِ قد فكرتِ مرة بأضرار الحمل بطفلٍ الآن فهو قد فكّر مئة مرة صدقيني.

وهو حتماً لم يفعل ذلك رغبةً بالحصول على طفلٍ بأسرع وقتٍ فقط. هو ليس سطحياً لهذه الدرجة ولن يتخذ أي قرارٍ أو خطوةٍ عبثاً أبداً.

دُهشت لكلام لويس. أنا لم أفكّر بهذه الطريقة أبداً. إصرار رين على إنجاب طفلٍ لم يكن عبثياً. هو لديه دافعٌ قويّ حتماً.

سألت لويس بدهشة:
-وما هو هذا الدافع برأيك لويس؟؟ هل لديك فكرة؟؟

تنحنح لويس قائلاً:
-ربما أملك فكرة ولكن لا أظنني مخوّلٌ لإخباركِ بها. عليكِ سؤال رين عن ذلك بنفسك.

حتى لويس يعلم عن دوافع رين أكثر منّي
كم هذا مخزٍ.

نظرتُ نحو لويس بترددٍ حينها قائلة:
-لويس...ماذا لو أخبرتك أنني لم أتناول تلك الحبوب حقاً وأنني كنتُ أرمي كلّ حبةٍ أخرجها من العلبة في سلة المهملات فقط لأنّ ذلك كان يشعرني بالقليل من الراحة...هل سيغيّر هذا شيئاً؟؟

حدّق بي لويس بصدمة وبتشكيكٍ شديد.

هذه هي النظرة التي كنتُ أخشاها. إن كان لويس الذي لا أملك أيّ مبررٍ للكذب عليه ينظر إليّ هكذا فكيف سيستطيع رين تصديقي وبالأخص بعد ما حدث.

-هل حقاً لم تفعلي؟؟

أومأت مؤكدة.

تنهّد قائلاً:
-ربما يكون هذا أفضل ولكن المشكلة في أن يصدّق رين ذلك. هو لن يثق بكلامك بسهولة بعد أن خذلته أوّل مرّة.

لمَ لم تخبريه بالأمر منذ البداية عندما اكتشف الحقيقة؟؟

تنهّدتُ قائلة:
-لم أستطع النطق بأي حرف. لا يمكنك تخيّل كم كان الوقوف أمامه مخيفاً في تلك اللحظة.
كما أنني أخشى ألّا يصدّقني أيضاً. سيكون الأمر مؤلماً أكثر حينها.

أومأ لويس موافقاً وقال بجديّة:
-أنتِ محقة. ذلك المظلم يبدو كرجال العصابات. كلّ ما ينقصه هو ندبة جرحٍ عميقٍ تمتد من جبهته لخدّه وقرطٌ أسود في إحدى أذنيه مع بعض الوشوم والملابس السوداء وأراهن أنّه سيبدو كزعماء المافيا تماماً.

ضحكتُ رغماً عنّي لتشبيهه. رغم أنّه محقٌّ إلى حدٍّ ما ولكني دافعتُ قائلة:
-أنتَ تبالغ. إنّه فقط مخيفٌ حين يغضب. أمّا عندما يبتسم فابتسامته تبدو كشمسٍ مشرقة ودافئة.

رمقني بمكرٍ قائلاً:
-ها أنتِ ذا تدافعين عنه رغم أنّك قبل قليل كنتِ تتشكين من ملامحه المظلمة.

ضحكتُ مجدداً إثر تعليقه.

ابتسم لويس أيضاً وقال:
-ألم يخبركِ أحدٌ من قبل أن العبوس لا يليق بك؟؟

أومأت قائلةً بابتسامة:
-رين أخبرني بذلك أيضاً.

ابتسم ونهض حينها قائلاً:
-عليّ الذهاب الآن لمقرّ العصابة فهناك بعض الأعمال التي يجب عليّ إنهاؤها بالفعل.

أتيتُ لتفقدك بعد أن اختفيتِ ليومين متتاليين. ولم أستطع سؤال رين عن أيّ شيء لأنّه كان محاطاً بهالةٍ مظلمة جداً أجبرتني على الحفاظ على مسافة أمانٍ بعيداً عنه.

صدقيني هو يصلح ليكون زعيم العصابة القادم أكثر منّي ومنك.

شعرتُ بالحزن لسماع ذلك. عليّ الاعتذار منه بأقرب فرصة.

أمسكتُ بيد لويس قائلة:
-هل حقاً تظنّ أنّه سيسامحني؟؟

نقر جبهتي مجدداً وقال:
-لا تنسي أنّ دماء روسيل العريقة تجري في عروقك. إن رفض اعتذارك سننصب له كميناً ونوقعه في شباك عصابتنا ومن ثمّ سنطلب منهم تعذيبه حتى يوافق على مسامحتك. ما رأيك؟؟

ضحكتُ للفكرة وسألته بابتسامةٍ مشككة:
-هل تظنّ أنّه سيسامحني حينها حقاً؟؟

فكّر لويس قليلاً قبل أن يبتسم قائلاً:
-للأسف من معرفتي به فلا أظنّه سيسامحكِ أبداً بعدها.

عبستُ مازحة ولكزته مجدداً وأنا أقول:
-هل أخبرك أحدٌ من قبل أنّك تملك طريقةً غريبة جداً بالمواساة والدعم النفسيّ؟؟

نفى بسخريةٍ قائلاً:
-وأنا من كان يظنّ أنه يقوم بعملٍ عظيم. أنتِ تحطمين قلبي بكلامك هذا.

طبعتُ قبلةً على خدّه قائلة:
-لقد قمتَ بعملٍ عظيمٍ بالفعل أخي. شكراً لك.

.
.
.
.
.
.

توجهتُ بعدها لمركز الأمن الخاص. اتصلتُ بأحد المساعدين هناك وأخبرني أنّ رين أتى إلى المركز لذا توجهتُ إلى هناك للقائه.

بالطبع خطوةٌ للأمام وعشرة للخلف وحقاً لا أدري كيف نجحتُ بالوصول للمركز.

اتجهتُ إلى مكتبه ولكني تجمدتُ أمام الباب غير قادرةٍ على طرقه حتى.

تباً إنّه رين وليس زعيم مافيا...لمَ عليّ أن أخشى مواجهته؟؟

ما أسوأ ما قد يفعله؟؟ سيغضب؟؟ سينظر إليّ بتلك النظرات الباردة كإبر الجليد؟؟ سيتجاهلني؟؟ سيقول بعض الكلمات الجارحة؟؟

هل هذا مبررٌ كافٍ لأخشى مواجهته هكذا؟؟

أوه ليس مبرراً كافياً فحسب...بل أنا أرغب بالهرب من المكان بأكمله الآن.

لن أتحرّك من مكاني قيد أنملة...لن أهرب... سأستجمع شجاعتي وسأواجهه.

استغرقت محاولة استجماع شجاعتي خمس دقائق وكانت فاشلة.

شعرتُ باقتراب أحدٍ ما من المكان وحين التفتُّ إليه تجمدت أوصالي...رين!!

يالي من غبية...أنا أقف هنا كالمجانين منذ ساعة وهو ليس في مكتبه أساساً.

تراجعتُ بارتباك وأنا أنظر لأيّ مكانٍ عداه.

سمعتُ صوت فتح باب مكتبه وتباً...إنه سيتجاهلني ويدخل وأنا سأخسر فرصتي الوحيدة ربما.

نظرتُ إليه وخفق قلبي باضطرابٍ حين وجدته ينظر إليّ أيضاً.

نظرته لم تكن باردة...بل هادئة فحسب وكم شعرتُ براحةٍ شديدة بسبب ذلك.

تلك النظرة الباردة المظلمة هي أحد أسوأ كوابيسي.

-سيلين...

انكمش جسدي بهلع حينما نطق اسمي فجأة رغم أنْه نطقه بهدوء.

ما الذي يريده مني؟؟ هذا لا يبدو مبشرّاً أبداً.

تباً كم أرغب بالهرب.

أعرتُ انتباهي إليه بانتظار ما سيقوله وشعور القلق تفاقم في داخلي كثيراً.

أردف قائلاً:
-أنا آسف لأنني تحدثتُ معك بتلك الطريقة. كنتُ غاضباً وأنا لم أقصد ما قلتُه حقاً. مهما كان السبب...كان عليّ تمالك أعصابي أكثر.
لذا حقاً أنا آسف.

ودخل إلى مكتبه بعدها.

بينما أنا بقيتُ أحدّق بمكان وقوفه السابق بذهول.

لم أتخيّل أنّه سيعتذر إليّ لحظةً واحدة.

ولكن حقاً كلماته تلك كانت مؤلمة ويستحقّ الأمر اعتذاراً.

أظنّ أنّ دوري قد حان.

سحبتُ نفساً عميقاً.

رين ترك الباب مفتوحاً لذا طرقتُ عليه معلنةً دخولي.

كان يقف بجوار نافذة مكتبه الكبيرة يراقب الأفق بشرود وحين دخلت التفت إليّ مستنداً على إطار النافذة وحدّق بي بصمتٍ مفسحاً لي المجال لقول ما أريده.

كان هناك هالة غريبة من الكآبة تحيط به...يبدو حزيناً. هل كلّ هذا بسببي؟؟

أشعة الشمس فشلت بإنارة ظلام عينيه بل هما ازدادتا حلكةً عناداً لها.

أحنيتُ رأسي بندمٍ قائلاً:
-أنا آسفة رين. أنا آسفة بصدق. لقد ارتكبتُ خطأً فادحاً وأنا نادمة وبشدة.

لم يردّ بأيّ شيءٍ لذا رفعتُ بصري إليه وكان يحدّق بي بصمتٍ فحسب.

لم أستطع يوماً معرفة ما يفكّر به. ولكن في هذه اللحظة فقط حينما تلاقت نظراتنا شعرتُ أنني أعرف ما يفكّر به وكم كانت تلك الفكرة مؤلمة.

لذا احتدت نظراتي بشدة وكذلك صوتي وأنا أقول:
-لا تفكّر بذلك أبداً رين. الابتعاد ريثما تنتهي حربنا مع العصابة ليس خياراً متاحاً. لن أسمح لكَ بالموت في تلك الحرب أبداً.

رفع رين حاجبيه بدهشة وكان ذلك خير دليلٍ على صحة كلامي.

هو ينوي استغلال ما حدث للابتعاد عنّي هذه الفترة...كي لا أجرح كثيراً إن مات في أثناء حربنا مع العصابة وكي أعتاد غيابه منذ الآن. ولاحقاً إن بقي حيّاً يمكننا العودة من جديد.

تقدّمت بخطوةٍ غاضبة للأمام وأنا أقول:
-لمَ تزوجنا أساساً إن كنتَ ترغب بالابتعاد هكذا منذ البداية؟؟
أخبرني بأسبابك رين...الزواج والحمل وغيرها الكثير في وسط هذه الحرب...كلّها ليست قراراتٍ عبثية بل أنتَ فكّرتَ بها جيداً قبل الإقدام على أيّ خطوة.

أنا لا يمكنني فهمك دائماً كما تفعل معي. لذا هل يمكنك إخباري بتلك الأسباب الآن؟؟

تقدّم رين منّي وملامح الدهشة لاتزال مرسومةً على وجهه.

وقف أمامي وشعرتُ بالخوف مجدداً. ورغم ذلك كافحتُ للثبات وبادلته النظرات بثقة.

-لم أتوقع أن أسمع هذا الكلام منكِ؟؟ إنها المرة الأولى التي تسألين فيها عن دوافعي رغم أنها كانت أوّل ما يفترض بكِ سؤالي عنه... قبل قبولكِ بزواجنا حتى.

شعرتُ بالقلق مجدداً.

ورغم ذلك أجبته بثقة لا أدري كيف حصلتُ عليها:
-لأنني أثق بك...أثق بأسبابك ودوافعك أيّاً كانت. أنتَ لا يمكنك أن تخذلني أبداً. ربما أكون مغفلة لوضع كلّ هذه الثقة بإنسانٍ ولكن أنا فعلت.

ابتسم وياليته لم يفعل. لأنّ ابتسامته الساخرة كانت مؤلمة جداً. نطق ببرود:
-لو كنتِ تثقين بي حقاً لما فكّرتِ بتناول تلك الحبوب لحظة واحدة...على الأقل كان يمكنك إخباري بذلك.

احتدت نظراتي وأجبته بذات الثقة:
-أنا أثق بك. لذا أنا لم أتناول حبةً واحدة...ستخبرني أنّ العلبة كانت ناقصة وسأخبرك أنني رميت الحبوب في القمامة.

فكّرت بتناولها وهذا هو خطئي الذي اعتذرت عنه قبل قليل ولكن أنا لم أتناولها أبداً.

والأمر الآن يعتمد على ثقتك أنتَ بي وبكلامي.

رفع حاجبيه بدهشةٍ شديدة وأنا أشحتُ ببصري بعيداً عنه بسرعة البرق.

لأنني واثقةٌ جداً أنّ النظرة التي ستحتلّ عينيه تالياً ستكون مليئة بالشك وهي ستجرحني كثيراً.

سمعنا طرقاً على الباب في تلك اللحظة.

دخل أحد الضباط المساعدين وضرب التحيّة قائلاً:
-القائد يريدكَ في مكتبه.

أومأ له رين وبعد أن غادر سمعته يقول:
-لحديثنا تتمة.

وغادر هو أيضاً.

بينما ارتميتُ على أقرب أريكةٍ لي وتنهدت بارتياحٍ.

.
.
.
.
.
.

غادرتُ المقرّ تالياً وقررتُ التوجه نحو مقرّ العصابة فقد غبتُ عنهم طويلاً.

وهناك التقيتُ بآكسل القائد الجديد وسألته عن آخر المستجدات وأخبرني ببعض التفاصيل وكانت الأمور تسيرُ جيّداً.

وفي خضّم حديثنا قال:
-أنا أشكّ أنّ هناك جواسيساً في مقرّنا.

ارتعد جسدي لوهلة رغماً عني.

نظرتُ إليه بصدمةٍ قائلة:
-ماذا تقصد؟؟ هذا مستحيل. لا أحد يمكنه اختراق المقرّ الأوّل.

ردّ بجديّة:
-إن فكّرنا بتكبّر هكذا فسننال هزيمةً ساحقة من حيث لا ندري. علينا أن نفكّر بكلّ الاحتمالات الممكنة.

في فترة الاضطراب السابقة بعد موت دانيال وقبل استلامي...أشكّ أنّ أحداً استغلّ ذلك لاختراق المقر. بل أنا شبه واثق أنّ هذا كان دافعهم من اغتيال دانيال حتّى.

ابتلعت ريقي بصعوبة وسألت:
-هذه ستكون كارثة لدراكوس. هل تشكّ بأحدٍ معيّن؟؟

أومأ قائلاً:
-الجوكر. أشكّ أنّه تسلل إلى هنا ويعمل لصالح رايان آيتون.

أنا لا أصدّق ذلك. هذا الشخص مرعبٌ بحق. إنه أذكى من دانيال حتّى. ليس مغفلاً كما كنتُ أظنّ أبداً.

يبدو أنّ زعيم العصابة لديه بدائل مخيفة دائماً.

نظرتُ إليه بجديّة قائلة:
-وما الذي تنوي فعله بهذا الصدد؟؟

ابتسم قائلاً:
-سأنصب بعض الفخاخ. وآسفٌ حقاً ولكن لا أستطيع إخبارك بالتفاصيل.

ذاك الوغد الخبيث. إنه لا يثق بي حتى.

أومأت قائلة:
-لا بأس أتفهم ذلك. سأثق بك وبأنك قادرٌ على كشف جميع الخونة بأسرع وقت.

ردّ بثقة:
-سأفعل ذلك. كما أنني أنوي الانتقام لاغتيال دانيال.
رغم عدم معرفتي بالفاعل ومن الواضح أنّ هناك خونة بالداخل ساعدوا على اغتياله ولكن أظنّ أن قتل قائد مركز الأمن الخاص سيكون انتقاماً مناسباً.

شعرتُ بالهلع مجدداً ولا أدري كيف تمالكتُ نفسي وأنا أقول:
-أنتَ محق. دراكوس لا تسكتُ عمّن تجرّأ على الوقوف في وجهها أبداً.
ولكن عليكَ أن تتمهّل قليلاً في ذلك. يجب علينا اكتشاف الخونة أوّلاً وبعدها يمكننا الردُّ كما نشاء.

والأهم عليكَ ألّا تتخذ أيّ إجراءٍ بحقّ أيّ أحد دون إخباري.

أومأ موافقاً.
.
.
.
.
.
.

غادرتُ المقرّ وأنا أترنّح يميناً وشمالاً. إنها ورطةٌ حقيقية.

عليّ تحذيرٌ الجميع بأقرب فرصة دون أن أثير الشبهات بي أو بهم.

الوضع أصبح خطراً بالفعل.

اتصلتُ برايان حالاً وأخبرته بتفاصيل ما جرى وهو بدا قلقاً أيضاً من ذلك. بالطبع فشقيقه في قلب الخطر.

أخبرني أنّه سيعدّل مسار الخطة بأسرع وقت بناءً على ذلك وسينبّه رين وروي.

شعرتُ بالدوار والتعب قد نال منّي تماماً.

تذكّرتُ أنني لم أتناول شيئاً يذكر منذ يومين.

تابعتُ السير نحو المنزل ولكنّ الدوار كان يشتد مع كلّ خطوة حتى توقفت في مكاني عاجزةً عن المتابعة.

سحبتُ عدة أنفاسٍ عميقة وتقدّمت خطوةً أخرى ولكنّ رؤيتي تشوشت بشدة وفقدتُ اتزاني لأسقط أرضاً فاقدةً الوعي تماماً.

.
.
.
.
.
.

عندما فتحتُ عينيّ كنتُ في غرفةٍ في مشفى. عدة أجهزة للمراقبة موصولة بي وسيرومٌ معلّقٌ بجوار سريري.

يبدو أنني بالغتُ في إهمال صحتي هذه المرة.

وبعد مدّة دخلت طبيبةٌ جميلة إلى الغرفة وألقت عليّ التحية وسألتني عن حالي وأخبرتها أنني أفضل حالاً.

وقفت بجوار سريري وقالت موبخة:
-عليكِ الاهتمام بغذائك أكثر. جسدك انهار بسبب ذلك. لا يوجد أيّ مشاكل خطيرة وأعطيناكِ تغذيةً وريدية الآن ويمكنك المغادرة حالما تشعرين بأنّك قادرة على ذلك ولكن عليك أن تتناولي غذاءاً صحياً وكاملاً كي لا تتكرر هذه الحالة مجدداً وتؤدي لعواقب وخيمة.

أومأت موافقة دون تعليق.

ولم يعجبها ذلك إذ أنّها اعتبرتها إشارةً لقلة اهتمامي.

لذا أردفت قائلة:
-إن كانت صحتك لا تعنيكِ كثيراً فعليكِ الاهتمام بها لأجل طفلك على الأقل.

أنتِ لا تريدين له أن يتأذى بسبب تغذيتك السيئة أليس كذلك؟؟

أومأت لها مجدداً بملل وأنا أتذمر داخلياً من عناد الأطباء وتكرارهم لذات الكلام في كلّ مرة.

ولكن لحظة... ماذا قالت هي؟؟

لابدّ أنني سمعتها بشكلٍ خاطئ.

ابتلعتُ ريقي بصعوبة وأنا أقول:
-ماذا تقصدين بطفلكِ؟؟

استدركت هي قائلة:
-أوه آسفة...لا تقلقي كلاهما بخير...نسيتُ أنّك حاملٌ بتوأم. الطفلين بخيرٍ فلا تقلقي.

طرفتُ مجدداً بغير استيعاب وأنكرتُ قائلة:
-أيتها الطبيبة...انتبهي جيداً لما تقولينه فالأمر ليس مزحة...لابدّ أنّك خلطتِ بيني وبين مريضةٍ أخرى فأنا لستُ حاملاً.

سحبت الطبيبة ملفاً عن الطاولة المجاورة بعد أن رمقتني باستغراب وتفحّصته قائلة:
-سيلين ريتشارد...التحاليل والفحوصات تؤكد أنّك حاملٌ بتوأم.

يبدو أنّك كنتِ تجهلين ذلك رغم أنّك في الأسبوع الثامن بالفعل ومن المفترض أنّك اكتشفتِ ذلك منذ السادس.

ألم تشعري بأعراض غريبة في الفترة السابقة...غثيان وإقياء مثلاً.

نزعتُ تلك الأجهزة عن جسدي ونهضتُ واقفة وأنا أقول:
-هذا يكفي أيتها الطبيبة. لا أريد أن أسمع حرفاً آخر.

وغادرتُ الغرفة وسط مناداتها لي وإخباري أنّ عليّ العودة لتخبرني بما يتوجب عليّ فعله من الآن فصاعداً.

ولكني تجاهلتُ كلّ ذلك وغادرتُ المشفى متجهةً للمنزل بأقصى سرعتي.

حالما دخلت انهرتُ أرضاً وأنا أرتجف. لا أريد. لا أريد ذلك. هذا مستحيل.

شعرتُ بالهلع يكتم أنفاسي.

دموعي تراكمت وكبحتها بقوة.

توأم؟! طفلين؟؟

تفاقم شعوري بالخوف والعجز. أنا لا أستطيع حمايتهما. إنهما هشّان جداً وأرقّ بكثير من أن يتحملا قسوة الحياة الآن.

يدي تسللت نحو بطني تلقائياً. ترددتُ كثيراً قبل أن أملك الشجاعة للمسه.

وحين فعلت شعورٌ غريبٌ تنامى بداخلي. رغبةٌ دفينة بحمايتهما بأيّ ثمن. وكذلك لوهلةٍ صغيرةٍ جداً ابتسمت. إنهما لايزالان صغيران جداً.

انتهت تلك اللحظة العابرة وعادت مشاعر الخوف لتحتلّ جسدي. ماذا لو علمت دراكوس وأرسلت أحداً ما لقتلهما؟؟ كيف يمكنني حمايتهما وحماية نفسي لأجلهما من أيّ أذيّة؟؟

إنّه مأزق...ورطةٌ خارجةٌ عن سيطرتي. ماذا عليّ أن أفعل حقاً؟؟
.
.
.
.

لا أدري كم مضى من الوقت وأنا جالسةٌ على السرير في غرفة النوم أحاول استجماع شتات نفسي.

َولكن سحبني من أفكاري صوت خطوات في المنزل.

الساعة تجاوزت العاشرة بالفعل.

هل هذا رين؟؟ ولكن لما سيدخل متسللاً هكذا؟؟

ربما دراكوس أرسلت أحداً لقتل الطفلين.

نهضت بهلعٍ إثر تلك الفكرة واختبأت بجوار الباب وإحدى السكاكين في يدي.

وحالما وصل ذلك الشخص للباب ولحظة عبوره له كانت السكين تتجه لعنقه بسرعةٍ فائقة.

ولكنّ يدي تمّ إمساكها قبل وصولها لمبتغاها حتى...لحسن الحظ... لأنّ ذلك الشخص كان رين.

لو لم يكن رين مقاتلاً محترفاً لكان جثةً هامدة الآن.

سقطت السكين من يدي واستندت على الجدار خلفي أتنفس بصعوبة تحت نظرات رين المستغربة.

-هل أنتِ بخير؟؟

رفعت أنظاري الدامعة إليه وأنا أقول:
-لستُ بخير أبداً. أنا خائفة.

اقترب مني ولكنّي وضعتُ يدي كحاجزٍ بيني وبينه.

غدرتني بعض الدموع وأنا أقول:
-أخبرني بأسبابك رين. أحتاج لمعرفة ما هو الأمر المهم جداً الذي قد يبرر إقحام طفلٍ في وسط هذه الحرب؟؟

كنتُ أشعر بغضبٍ داخليّ شديد بسبب رين. هو لا يعلم فداحة الأمر. لا يدرك صعوبة امتلاك نقطة ضعفٍ قاتلة في حربٍ طاحنة.

سحبني رين من يدي وأجلسني على حافة السرير وهو أيضاً جلس بجواري ثمّ بدأ بمسح دموعي وهو يقول باستياء:
-أولاً توقفي عن البكاء كالأطفال...واهدئي... أنا بجوارك ولا أحد في هذا العالم يمكنه المساس بكِ وأنا حي.

اشتدت دموعي أكثر وأنا أقول:
-إذاً ماذا لو رحلتَ أنت؟؟ هم يمكنهم قتلي بسهولة حينها.

أمسك بوجهي بين يديه وقال:
-لن يحدث ذلك. لن أرحل لأيّ مكان. هناك عمرٌ عليّ أن أعيشه معك ولا يمكنني الموت قبل ذلك.

اتسعت عيناي بدهشة. لأنها المرة الأولى التي يخبرني فيها أنه لا ينوي التضحية بحياته في هذه الحرب.

احتدت نظراتي ورفعتُ له خنصري وأنا أقول:
-عدني بذلك رين. عدني أنك ستبقى معي حتى النهاية.

تردد لوهلة أو أنا تهيأت ذلك ولكنه في النهاية شابك خنصره بخنصري وقال:
-أعدك بذلك سيلين.

سحبتُ نفساً عميقاً حينها ومسحتُ دموعي بقوة قائلة:
-أنا أصغي إليك إذاً.

تنهد بدوره وخلل يده بين خصلات شعره مبعثراً إياها ثم قال:
-حين طلبتُ من لويس أن يساعدني في التسلل لمقرّ دراكوس هو اعترض بشدة.

أخبرني أنّ الأمر خطيرٌ جداً وأيّ خطأ بسيط قد ينهي حياتي.

أخبرته أنّ إنهاء تلك العصابة هو هدفي الوحيد الآن وحتى لو اضطررت للتضحية بحياتي لأجل ذلك.

ولكنه سألني حينها "وماذا عن سيلين؟؟"

وبعد نقاشٍ مطوّل حيال هذه النقطة أخبرني أنّ لديّ خيارين لا ثالث لهما.

الأوّل هو أن أنهي علاقتي بكِ تماماً كي لا أتسبب بصدمةٍ أخرى لكِ لخسارة شخصٍ ما لاحقاً.

والخيار الثاني كان غريباً...أن أتزوج بك!!

استنكرت بشدة إذ أنّ العصابة لن تسمح بهذا أبداً ولكنه سخر مني وأخبرني أنّ أشدّ ما يرغب به زعيم العصابة الآن هو ضمان وجود وريثٍ للعصابة.

الزعيم أصيب بحادثٍ منذ مدة طويلة وتسبب ذلك بشللٍ نصفيٍّ له وفقد قدرته على الإنجاب.

لذا لم يكن لديه خيار سوى لويس وأنتِ.

لويس خيب أمله منذ مدة أيضاً وأنتِ خياره الوحيد ولكنه لا يثق بكِ أيضاً ويخشى أن تخيبي أمله أيضاً لذا بالنسبة إليه ظهور وريثٍ جديدٍ هو أقصى ما يتمنّاه الآن. لا يريد أن تخرج زعامة دراكوس عن سيطرة نسله.

وهذا الوريث هو طفلنا سيلين. هو سيفعل المستحيل لحمايته وحمايتك حتى لو قمتِ بخيانته والغدر به والانقلاب عليه فهو لن يؤذيكِ وقد يحبسكِ فقط حتى تنجبي ذلك الطفل بسلام وحينها لن يمانع قتلك وقتل لويس وتربية الوريث بنفسه ليكون كما يريد.

ولكن بالتأكيد بعد تسعة أشهر لن يكون لدراكوس ولزعيمها وجود. نحن نحتاج لشهرٍ واحدٍ فقط لمحيهم من الوجود بشكلٍ كامل. ولهذا كلّ ما أردته من زواجنا والحمل بذلك الطفل هو ضمان حمايتك خلال هذا الشهر فقط.

حدّقت برين بصدمةٍ شديدة. لم أتخيّل ذلك لحظةً واحدة ولويس الوغد لم يخبرني بأيّ شيء أيضاً.

احتدت نظراتي وأنا أقول:
-إذاً أفهم من ذلك أن سبب زواجنا هو رغبتك بجمايتي فقط؟؟

نفى رين قائلاً:
-أبداً. إنه أحد الأسباب فقط. أو يمكنك اعتباره ذريعةً جيدة لأتزوج بكِ دون أن أخشى وضعك في خطرٍ بسبب ذلك. كان بإمكاني اتخاذ الخيار الأول وحمايتك من بعيد فقط ولكنني أردت البقاء بجوارك حتى النهاية.

شعرتُ بالراحة. آخر ما أريده هو أن يكون زواجنا لأسبابٍ كتلك.

ولكني سألتُ مجدداً:
-لمَ لم تخبرني بذلك منذ البداية رين؟؟

تنهد قائلاً:
-لأنّك كنتِ سترفضين بشدة كلّ ذلك وحينها كنتُ سأبتعد بصمت.

فكّرتُ قليلاً بالأمر وأدركتُ أنه محق. لو أخبرني لما وافقتُ على الزواج بظروفٍ كتلك ولأسبابٍ كتلك ولاختار رين الابتعاد وهذا يبدو مريراً أكثر.

أردف رين:
-ورغم ذلك وبصدق...لو أنك سألتِ مرة واحدةً فقط عن أسبابي أو دوافعي لإنجاب طفل لأخبرتك بالحقيقة كاملة. أنتِ حتى لم تعترضي على هذا الموضوع ولا مرة. لذا ظننتُ أنه لا مانع لديكِ بذلك أيضاً.

لو أنّك أخبرتني على الأقل...لا بأس...فات الأوان على ذلك الآن. أظنّ أنّ كلانا يتحمّل الخطأ... أنا لأنني لم أخبركِ منذ البداية وأنتِ لأنّك لم تعترضي منذ البداية.

تنهدتُ إذ أنّ دوري قد حان على ما يبدو.

أشعر براحةٍ أكبر الآن بعد أن علمتُ أن حياة طفلنا أو بالأحرى طفلينا لن تكون مهددة.

نهض رين واقفاً وقال:
-لابدّ أنّك جائعة. أراهن أنك لم تتناولي طعاماً منذ يومين. سأعدّ بعض الطعام لنا.

أمسكتُ بيده فنظر نحوي باستغراب.

يدي حرفياً كانت ترتجف داخل يده.

ضغط على يديّ بقوة وقال:
-هل أنتِ بخيرٍ سيلين؟؟

نهضتُ واقفة أمامه.

كنتُ متوترة جداً ومتحمسة قليلاً لرؤية ردّ فعله.

خرجت كلماتي متلعثمة:
-رين في الحقيقة لقد ذهبتُ اليوم لرؤية طبيبة.

لا داعي لإخباره أنني ذهبتُ عنوةً بسبب إغمائي.

أمسك بوجهي وقال بقلق:
-هل أنتِ بخير؟ هل هناك أيّ مشكلة؟؟

أومأت قائلة:
-ليست مشكلة...بل إنهما مشكلتين...علينا إيجاد اسمين لائقين لطفلينا بسرعة.

طرف رين بغير استيعاب.

اتسعت ابتسامتي وأنا أقول:
-إنهما توأم.

اتسعت عينا رين بذهول تدريجياً.

هزّ رأسه يميناً وشمالاً بغير تصديق قائلاً:
-هذا ليس وقت المزاح أبداً سيلين.

ضحكتُ بخفة وأكدّت قائلة:
-أنا حاملٌ رين. إنها الحقيقة.

حدّق بي بذهول وهو يحاول استيعاب الأمر. اتسعت ابتسامته تدريجياً وقال بتلعثمٍ وبنبرةٍ مهزوزة تشعّ سعادةً أسمعها منه لأوّل مرة:
-أنتِ... حامل!! أنتِ حاملٌ سيلين!!

طرف مجدداً قبل أن يبتسم بسعادةٍ غامرة ويحتضنني بقوة ويبدأ الدوران بي بسعادة:
-هذا لا يصدّق. هذا مستحيل. نحن سنحظى بطفل!!

أنزلني حينها وشعرت بدوارٍ طفيف ورغم ذلك أومأت قائلة:
-اجل رين. أنتَ ستصبح أباً.

حدّق بي بذهولٍ مجدداً. وكأنني أخبره أنّ معجزةً قد حدثت...أو أنّ الشمس ستشرق في الليل.

اتسعت ابتسامته مجدداً وقال بحماس طفلٍ صغير:
-أنا سأصبح أباً؟؟

ضحكت مجدداً على تعابيره وطريقته بالكلام وأومأت له. هذا ليس رين الذي أعرفه أبداً.

هذا المحتال...من الواضح أنه كان يرغب بهذا الطفل أكثر من أيّ شيء آخر...وحمايتي مجرّد ذريعة ساعدته على تحقيق رغبته.

ولكن برؤيته سعيداً هكذا فأنا أشعر بالسعادة أيضاً. إنها المرة الأولى منذ اكتشافي للأمر التي أشعر فيها بالامتنان لأنني حاملٌ فعلاً.

احتضنني رين مجدداً وبدأ بشكري بشكلٍ متواصل:
-شكراً سيلين. شكراً حقاً. شكراً لكل شيء. شكراً لكِ حقاً. أنا مدينٌ لكِ. أنتِ عظيمةٌ حقاً. أعدكِ أن أحميكما دوماً.

ابتعدتُ عنه حينها وصححتُ له قائلة:
-رين أخبرتك...إنهما توأم. لذا عليك حماية ثلاثتنا.

اتسعت عيناه بدهشةٍ مجدداً. وتباً كم أرغب بتخليد هذه النظرة للأبد. نظرة سعادةٍ نقية.

-توأم! طفلين! إنّه حلم.

عينيه شعّتا بسعادةٍ غامرة مجدداً.
.
.
.
.
.
.

في اليوم التالي رين كان شخصاً مختلفاً.

أوّل ما فعله صباحاً هو مغادرة المنزل ثمّ العودة بدستة من الكتب التي تتعلق بالعناية بالأطفال وبالحمل والعناية بالحامل والكثير غيرها.

ومن بعدها بدأ بتطبيق نظامٍ صحيّ شامل ابتداء بالإفطار وانتهاءً بالعشاء. لم يسمح لي بالقيام بأيّ حركة أو عمل بل نظّم لي جدولاً لبعض التمارين الرياضية الخفيفة الخاصة بالحامل.

حاولت إقناعه أنّه يبالغ وأنّني لا أزال في الأسابيع الأولى ولكن عبثاً.

ذهبنا للمشفى أيضاً وقد حصل على تعليماتٍ مفصلة وبأدقّ التفاصيل من الطبيبة هناك.

وأنا كنتُ أتنهد بيأس فقط وبالأخص أنّ نظرات الطبيبة كانت متشفية نحوي بعدما فعلته معها البارحة.

توجهنا بعدها لمنزل عائلته ولا يمكنكم تخيّل مدى سعادتهم بهذا الخبر. وأيضاً عنى ذلك دستةً جديدة من الكتب والتعليمات من السيدة كلاريسا.

يتصرّفون وكأنني أوّل شخصٍ سينجب طفلاً على وجه الكرة الأرضية.

عندما ذهبنا للقاء رايان في المركز وإعلامه بالأمر كون بعض الخطط سيتم تعديلها بناءً على ذلك هو قال قبل أن ننطق بحرفٍ حتى:
-دعوني أحزر... سيلين حامل؟ هذا هو الأمر الوحيد الذي سيجعلكما سعيدان هكذا بهذه الفترة.

ولقد كان محقاً.

عدنا لمنزلنا بعدها وتنهدت بارتياحٍ أن جبال التعليمات والنصائح التي استمرّت طوال النهار قد انتهت.

وبعد ذلك معضلةٌ جديدة قد ظهرت...الأسماء!!

كان علينا التفكير بجميع الاحتمالات...طفلين أو طفلتين أو طفل وطفلة.

ولم أتخيّل أن انتقاء الأسماء صعبٌ هكذا.

وقد فشلت العملية يومها وقررنا الاستعانة بالجميع والحصول على جميع الآراء المتاحة قبل اتخاذ القرار المناسب. ولا يزال أمامنا وقتٌ طويلٌ لذلك.

تمّ إطلاق سراحي أخيراً من قبل رين بعد تقديم مئات المواثيق والعهود له بعدم القيام بأيّ أمرٍ متهور وعدم الاقتراب من مقرّ العصابة أبداً.

في اليوم التالي توجهتُ نحو منزل لويس إذ أنني أرغب بإخباره بالأمر بنفسي ووجهاً لوجه.
.
.
.
.

لويس حرفياً طار من الفرحة. بدأ يقفز هنا وهناك كالأطفال هاتفاً بسأصبح خالاً سأصبح خالاً.

لا أدري كيف يستطيع هو ورين التحول لأطفالٍ في غضون لحظات.

اضطررت لإغلاق فم لويس بيدي حين بدأ بسيل النصائح والتحذيرات. أنا اكتفيت بالفعل. أصبح بإمكاني تدريس مادة نصائح الحوامل في الجامعات لو كانت توجد مادة كتلك.

في سياق حديثنا بعد ذلك سألت لويس:
-كيف ستعلم دراكوس أنني حامل؟؟

سخر قائلاً:
-أختي العزيزة... لابد أنهم علموا من لحظة دخولك للمشفى. لديهم جواسيس في كل المشافي ولابد أنّ زعيم العصابة عمم اسمك على الجميع وطلب منهم إرسال أي سجل طبي لك حالاً.

لذا لابد أنه الآن يعلم بأنك حامل وبتوأم أيضاً.

تنهدت بقلق. أعلم أنّ حياة الطفلين تهمه ولكن لا يمكنني سوى الشعور بالقلق من القادم.

لويس أضاف وهو يحيط كتفيّ بذراعه:
-لا تقلقي. ستكونين بخير أنتِ والطفلان. لا أحد سيجرؤ على إيذاء شعرة منك الآن.

ابتسمت له قائلة:
-أتمنى أن تمضِ الأمور بسلام فقط.

.
.
.
.
.
.

في صباح اليوم التالي كان لدينا اجتماعٌ عاجلٌ في مقرّ الأمن الخاص.

قرر رايان أنّ موعد هجومنا على مقرّ العصابة سيكون بعد ثلاثة أيام.

وضعنا خطةً مكثفة لسدّ جميع الثغرات والعديد من الخطط الاحتياطية للطوارئ.

انضمت إلينا في الاجتماع شرطيةٌ برتبة ملازم مبعوثةٌ من مقرّ الأمن الخاص في العاصمة. وهناك فرقة هجومٍ كاملة تعمل تحت إمرتها وستدعمنا في الهجوم.

بعد الاجتماع جلس أربعتنا في مكتب رايان لمناقشة بعض التفاصيل الجانبية التي تهمنا شخصياً.

أنا ورين ورايان وتلك الملازم.

أنا استغربتُ كثيراً أنّهم أرسلوا ملازماً فقط لدعمنا... هجومٌ كهذا يحتاج عقيداً أو عميداً على الأقل.

ولكن بعد التعرف عليها عن قرب أدركت أنهم أرسلوا لنا من نخبة ما لديهم حقاً.

تحدّث رايان مشيراً لرين:
-إذاً لنراجع الخطوط الرئيسية للتحضيرات.

أومأ رين قائلاً:
أولاً بما أنّ روي سينتهي اليوم من نسخ البيانات وزرع فايروسٍ في قاعدة بياناتهم فهذا سيكون آخر يومٍ له هناك وسنخفيه جيداً بعيداً عن أنظار العصابة ريثما تنتهي المعركة لأنهم سيستهدفونه حتماً.

سخر رايان قائلاً:
-لا أصدّق أنّ خطة إبادة مقرّ عصابة دراكوس اعتمدت على طفلٍ صغير في النهاية.

عارضت الملازم قائلة:
-مع احترامي الشديد لكَ أيها القائد ولكن الأمر لا يحتمل السخرية أبداً. أنتَ أقحمت طفلاً صغيراً في الوسط. مهما كانت فائدته لنا ولكنّ حياته مهددةٌ في كلّ لحظة وأنت لا يمكنك ضمانها.

ابتسم رايان وسخر مجدداً:
-هذا صحيح. ولكن هل لديكِ حلٌّ آخر لا يستدعي تأخيرنا أشهراً أخرى قد نخسر بها عشرات الأبرياء؟؟

عبست الشرطية قائلة:
-على الأقل توقف عن التحدث بهذه الطريقة الساخرة وكأنك لا تبالي بحياة أحد أيها القائد.

ابتسم وقال:
-وهل طريقة حديثي ستغيّر شيئاً؟؟ هل ستقتل أو تنقذ أحداً؟؟
ثمّ إنني القائد هنا ويمكنني أن أفعل ما يحلو لي. أليس كذلك أيتها الملازم؟؟

أجابت قائلة:
-القائد يحتاج لثقة مساعديه أليس كذلك؟؟
ومع احترامي الشديد لكَ أيها القائد ولكن لا أظنهم سيثقون بقائد يتحدث بسخرية وأرواح الكثيرين بين يديه.

اتسعت ابتسامته أكثر وهو يقول:
-الثقة لا تبنى على الكلام أيّاً كانت طريقته. الثقة مواقف وأفعالٌ لا أقوال وأظنك يجب أن تدركي هذه الحقيقة البسيطة.

لا تقلقي جنودي يثقون بي تماماً وأنا أثق بهم فنحن نخوض المهمات معاً منذ أعوام طويلة ولكن ماذا عنكِ؟؟ هل يمكنني الثقة بكِ؟؟

رفعت حاجبيها بدهشة. إنه محقٌّ في كلّ كلمةٍ قالها.

أصبحت نظراتها أكثر جدية وهي تقول:
-أنا أيضاً لا أثق بك. ويبدو أنّ المواقف التي سنخوضها معاً ستحدد ذلك.

ولكن ثق بأنني رهن إشارتك وبأنني سألتزم بأوامرك حرفياً أيّاً كان رأيي بها. لن أسمح لمشاعري الشخصية بالتأثير على قرارتي وتصرفاتي أبداً. يمكنك الثقة بذلك تماماً.

ابتسم رايان قائلاً:
-وهذا كلّ ما أريده منكِ... ثقتك بي لا تهمني بأي شكل... ما يهمني هو التزامك بأوامري فقط أيتها الملازمة الحازمة جودي.

لم تستطع الرد بأيّ شيء وأشاحت بوجهها بعيداً فحسب.

إنها عنيدة ولكن ما يعجبني بها أنها تحارب رايان طوال الوقت وباحترامٍ شديد. إنها تستخدم عبارة مع احترامي الشديد أيها القائد كدرعٍ لها.

ولكن رايان ليس سهلاً أيضاً. إنه يستمرّ بالسخرية منها ومن طريقة تصرّفها طوال الوقت. كما أنها لا تستطيع الفوز عليه أبداً.

ربما روي هو الوحيد الذي استطاع مجاراته.

تابعنا النقاش في الخطة وتحققنا أننا لم ننسَ أيّ تفاصيل هامة.

افترقنا بعدئذٍ...رين ذهب لمقرّ العصابة وأنا توجهتُ للمنزل. كنتُ منهكة وكلّ ما أردته هو قسطٌ من الراحة بعد هذا اليوم الشاق.

.
.
.
.
.
.

توجه رين لمقرّ العصابة متنكراً كالعادة.

ولكنه ما إن أصبح هناك حتى وجد نفسه محاصراً وهناك ما يفوق العشرة مسدساتٍ مصوّبةٌ نحوه.

ورغم ذلك حدد ثغرةً للهرب منها وهاجم اثنين من الرجال الأقرب إليه مستخدماً أجسادهما كدرعٍ له.

سحب منهما مسدسيهما وبدأ بالإطلاق على البقية الذين لم يتوانوا عن رميه بالرصاص أبداً وأصابوه في إحدى قدميه بالفعل.

ترنح واقفاً بصعوبة ومن الواضح أنهم يريدونه حيّاً بأيّ ثمن. نجح بقتل بعضهم ولكنه توقف حالما رأى قائد المقرّ يقف خلف روي مصوّباً مسدساً لرأسه.

نظرة قائد المقر كانت تشي بوضوح بأنه لن يتوانى عن قتل روي لحظةً واحدة وأنّ حياته لا تهمه بأيّ شكل.

لذا رضخ رين لهم. لم يكن يملك خياراً آخر. لا يمكنه السماح لهم بقتل روي أبداً.

رمى الجثة المليئة بثقوب الرصاص التي استخدمها كدرعٍ أرضاً ثمّ رمى مسدسه كذلك ورفع يديه معلناً استسلامه.

وهنا فقط اتسعت ابتسامة قائد المقرّ آكسل وقال بصوتٍ عابقٍ بنشوة الانتصار:
-وأخيراً لقد وقعتَ في مصيدتي أيّها الجوكر. وثق بأنّك لن تخرج منها حيّاً أبداً.

.
.
.
.
.
.
.
.

     ************   
The End of this part 
     ************


مرحباً مجدداً أصدقائي❤️😍

طال غيابي هذه المرة لأنّ الفترة السابقة كانت فترة امتحانات عصيبة وبالكاد وجدت متسعاً للكتابة.

أرجح أنّ البارت القادم سيكون الأخير. لستُ واثقة تماماً فربما أحتاج لبارتٍ ثاني ولكن الأرجح أنه الأخير.

وإذاً ما رأيكم بمجريات الأحداث بشكلٍ عام؟؟

أية استفسارات أو انتقادات؟؟

أية توقعاتٍ حيال النهاية؟؟

وشكراً لصمودكم معي حتى الآن. آسفة حقاً للتأخير بالنشر.

إلى اللقاء في البارت القادم❤️👋🏻

Continue Reading

You'll Also Like

77.8K 7.4K 40
الهيامي شعبٌ كل ما يفتخرون به جمالهم لكن شاء القدر ان تولد فتاة مشوهة من بينهم لتصبح النقطة السوداء بتاريخ مثاليتهم. وكأن لم يكفي ان تحتمل تلك الزهرة...
584K 18.9K 34
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
207K 22.1K 79
رواية ستأخذك احداثها الى العصر الكلاسيكي بمزيج من ( الذكاء و الخبث و التحليل و تحدي و رومانسي و مغامرة ) الاغتيالات , الحروب من اجل السلطة و العرش...
989 145 14
المزج بين الخيال والواقع يبدأ كل شيء بحادث سير يجمع بين البطلين و رحلتهما المختلفة من نوعها ... فيتجدد اللقاء روحيا لا جسديا بين اصدقاء الطفولة الت...