أغنية أبريل|| April Song

By Sanshironi

391K 30.3K 27K

الثانوية ، و سن المراهقة قد تعتبر أحدى أجمل المراحل في حياة أي شخص عادي ، لكن حينما تكون ثرياً و ذكياً ذو وجه... More

الفصل الاول: كابوس من جديد!
الفصل الثاني : عائلة غريبة الاطوار
الفصل الثالث: أنت مجنونة!
الفصل الرابع : سندريلا الغناء
الفصل الخامس : قطة بأذان دب
الفصل السادس : لماذا القدر يتلاعب بي؟
الفصل السابع: لمرة واحدة فقط
الفصل الثامن : كوني بخير
الفصل التاسع : ابن الموظف
الفصل العاشر : التقينا مجدداً
الفصل الحادي عشر: لحن المساء
الفصل الثاني عشر : خلف قناع البراءة
الفصل الثالث عشر : صديقتي الجديدة
الفصل الرابع عشر : لماذا انا من بين الجميع؟
الفصل الخامس عشر : لأنك أخي
الفصل السادس عشر : ذكرى تحت المطر
الفصل السابع عشر : حرب غير متوقعة
الفصل الثامن عشر : على أوتار الموسيقى
الفصل التاسع عشر : روابط مزيفة
الحساااااااااااب رجعععععععععععع🎇🎉🎉🎇🎊🎊🎊
الفصل العشرون : قناعة كاذبة
الفصل الواحد و العشرون : ليلة الميلاد الجزء الاول
الفصل الثاني و العشرون : ليلة الميلاد الجزء الثاني
الفصل الثالث و العشرون : ليلة الميلاد الجزء الثالث
الفصل الرابع و العشرون : الاميرة النعسة
الفصل الخامس و العشرون : شتاء يناير
الفصل السادس و العشرون : من يكون بنسبة لي؟
الفصل السابع و العشرون : كان بسببك!
الفصل الثامن و العشرون : صديق
الفصل التاسع و العشرون : ضغائن متبادلة
الفصل الثلاثون: قاعدة الثلاث كلمات
الفصل الواحد و الثلاثون : عيون حاقدة
الفصل الثاني و الثلاثون : المكسورة
الفصل الثالث و الثلاثون : عن سوناتات بتهوفن
الفصل الرابع و الثلاثون : ثمانية عشر شمعة
الفصل السادس و الثلاثون : حقيقة ما تم إخفاءه بالماضي
الفصل السابع و الثلاثون : انتهت اللعبة
الفصل الثامن و الثلاثون : الليالي التي لن تموت
الفصل التاسع و الثلاثون : المفكرة البيضاء
الفصل الاربعون : تحامل
الفصل الواحد و الأربعون : كوابيس صغيرة
الفصل الثاني و الاربعون : مقيد
الفصل الثالث و الاربعون : تذكر أغنيتي
الفصل الرابع و الأربعين : وداع أم خداع
الفصل الخامس و الأربعون : ليست بريئة

الفصل الخامس و الثلاثون : نهاية الرهان

7.8K 676 756
By Sanshironi

تمنت لو انها تتوهم ، ان عقلها يخدعها فقط في مزحة سمجة لا أكثر لكن لا يمكن لعينيها ايضاً أن تكذب ، الكأس التي وقعت مصدرة صوت تحطم وسط أجواء ملأتها الهمهمات و الموسيقى الهادئة و الضحكات ايضاً و كأن ذلك كله توقف للحظة حتى يتسنى لهم سماع صوت التحطيم وسط تلك الضجة ، لكن آليس بذاتها لم تسمعه .

ابتسم سكايلر بإتساع مستمتع من رؤية الهلع في كل زاوية من تقاسيم وجهها ، استقام بجذعه يرفع رأسه بتعالي و على ذات الوصال تحدث :

- يا لها من صدفة جميلة .

عادت آليس خطوة الى الوراء بحذر فداست على قطع الزجاج المكسور بحذائها حينها فقط تذكرت انها كانت تحمل كأس و يبدو أنها قد وقعت ، أخذت لمحة خاطفة على من حولها و في كل مرة تتلاقى أعينها مع أحدهم مِن مَن يحدقون بفضول ؛ يتهرب الثاني بأعينه و كأنه لم ينتبه ، تمسكت آليس برباطة جأشها راكلة كل هلعها و صدمتها جانباً و ببرود ردت :

- بلى .. آخر ما توقعته هو تواجدك هنا.

- ذات الأمر بالنسبة لي .

رد سكايلر مجارياً لكنتها الغير المتحدية ، هزت آليس كتفها و قبل ان تستدير رمت بكلماتها :

- إذا .. استمتع بوقتك سأذهب .

و ما كان الثاني ليدعها تذهب في سلام و الا لما كان قد أتى اليها من الأساس ، أمسك ذراعها بقوة و كفه البارد الذي لامس جلدها من فوق قماش الدانتيل جعلها تشعر بالقشعريرة ، رد ملطفاً من صوته قدر الإمكان :

- لما بهذه السرعة؟ ما رأيك بشراب كحولي و نحن نتسامر؟

- لا أشرب الكحول .

ردت مباشرة رامية نظرة قصير اليه بطرف عينها ، زاد الضغط على ذراعها و بنبرة اشبه بالتهديد رد سكايلر دون ان ينزع يده المحكمة من على ذراعها :

- إذا هذه ستكون مرتك الاولى ... ماذا تفضلين؟ الشمبانيا أم ..

اقترب أكثر متحدثاً في اذنها بشكل يسبب الصفير فيها مردفاً :

-كريستالات الميث؟

نفضت آليس ذراعها بسرعة و استدارت نحوه ، الجزع و الخوف كانا في كل تفصيل بسيط من محياها بلى ؛ تلك التعابير المرتعبة فقط هي ما جعلت سكايلر يضحك بجنون ، تمالكت آليس ذاتها رغم ذلك لم تستطع منع جسدها من الارتجاف انه مريض مختل! من المحال أن يكون هذا الفتى طبيعي مطلقاً!

- ما خطبك؟ كنت أمزح .. بالطبع .

- اذا انتهيت من المزاح غادر .

صكت الفتاة على اسنانها و جسدها لم يتوقف عن الارتعاش ، كانت تكابر على مشاعرها و تدعي الصلابة رغم ان لا شيء من ذلك بارز عدا الرهبة لكنها قطعاً ما كانت لتستمر بالإظهار ذلك ، قلص سكايلر المسافة التي ابتعدتها آليس قائلاً :

- ليس بهذه السرعة .. و بما انكِ لا تنوين خوض نقاش لائق معي و على انفراد اذا دعيني أخبرك بغايتي هنا و الآن.

أطبقت القبض على قبضتها شاعرة بأظافرها تغرس في لحمها ، ابتلعت آليس رمقها منتظرة اي كلمات مختلة او مخبولة سيخبرها بها هنا ؛ كان هناك العديد من الأشخاص القريبين منها و ربما قادرين ايضاً على سماع حديثهم لكن سكايلر لم يبدو مهتماً سواء ان سمعوا ام لا لذا تحدث بصوت عادي :

- حصلت مؤخراً على نوع جديد يدعى الاكستاسي ، لم أجرب هذا النوع من قبل لذا لا أعرف ما هي تأثيراته بشكل مفصل و قد كنت أفكر مؤخراً ...

أمال برأسه قليلاً و جحضت عيناه بشكل مثير للهلع مكملاً :

- بما أن لا أحد غيرك سيطيع كلماتي هنا ، سنقوم بتجربته عليك اولاً من بعدها سأقرر ما إذا كان ما أبحث عنه أم لا .

كانت تعلم انه سيتفوه بشيء مريض و مجنون لكنها قطعاً لم تتوقع منه هذا المستوى العالي من الاختلال العقلي ، كان يبتسم بشيطانية في حين ان الالوان خطفت من وجهها و بدا و كأنه تم سكب ماء بارد عليها ، نظرت اليه بتجمد منتظرة اللحظة التي سيقول فيها انه يمزح ، و لكن و بحق خالق السماء من المحال ان يلقي هذا الوجه او هذه الضحكة النكات .

قلبها خفق بقوة داخل صدرها مسبباً اليها الالم ، نفسها بات ضيقاً و الحرارة اشتعلت في جسدها بالكامل ، أرادت الصراخ عليه شمته و لعنه و تمزيق تلك الضحكة الشيطانية ، كان يتلاعب بها نفسياً بشكل مؤذيِ حقاً ، بشكل لم يفعله أحد بها من قبل .

جزت على اسنانها و كل ما نطقت به و هي تكاد تفقد انفاسها من فرط الالم :

- سوف تندم على كلماتك هذه!

لم يسر ذلك سكايلر اذ بدا و أنها تهدده بينما كان من المفترض أن تكون هي الفريسة و رغم حشرها في الزاوية مازلت المفترس! انقلبت ملامحه إلى أخرى منزعجة و غير معجبة بتحديها له و تهديده و قبل ان يتسنى له النطق تدخل طرف ثالث لم يكن متوقع بتاتاً ، صوت كعبها سبق نبرتها الهادلة و المتحمسة حينما نادت على آليس و هي تتقدم نحوها :

- لن تصدقي من كان ذلك الشخص الذي احضرته ريتشل يا آليس! كان ...

صمتت هيذر مذهولة من رؤية سكايلر رفقة آليس و للمرة الثانية هذه الليلة يبدو انها اقترحت بعض الاشخاص ' الغير جيدين ' ليتم اعطائهم الدعوة ، نطقت هيذر معتذرة :

- آسفة .. هل قاطعت حديث مهم؟

تحاشت هيذر النظر الى سكايلر لسبب ما ، و حالما نطقت ردت آليس بصوت حنق و مخنوق كذلك :

- كلا كنت سأغادر على أي حال .

و فوراً طبقت كلماتها تدوس فوق أجزاء الكأس المكسورة غادرت آليس دون ان تعطي اي لعنة لما سينتاب سكايلر بعدها ، في حين أن الأخير وضع كلتا يديه في جيوبه و اخذ خطوة إلى الوراء مقرراً المغادرة هو الاخر لو لا أن هيذر قالت معتذرة مرة أخرى :

- انا حقاً لم أقصد الإزعاج أمل ألا تستاء مني .

حتى و إن كان سكايلر بوكر مجرد متعاطي مختل لن يستطيع منع نفسه من الاعجاب بإبتسامة هيذر الساحرة او بصوتها الناعم كانت زهرة كمعنى أسمها حقاً ، هز الثاني رأسه كعلامة انه غير مهتم ثم استدار ليغادر بينما لم تستطع هيذر ان تبرح مكانها ايضاً .

الخوف ، الذهول و القلق ظلا ملازمان لها حتى مع تناولها لدوائها الذي من شأنه تخفيف ضيق صدرها و خفقان قلبها مسبب الألم ، خشيت أن يحدث لها كما حدث في حفل الشركة و لا ادريان او عمها و زوجته هنا حتى يغطون عليها مجدداً ، لذا قامت بالخروج من الصالة و الذهاب فوراً الى دورة المياه.

نظرت الى انعكاس صورتها في المرآة ، بشرة شاحبة و نفس ثقيل متسارع عيونها حمراء دامعة ذلك الارتجاف الذي لم يزل بعد ، قامت بغسل يديها بالماء البارد و بقليل من المياه ايضاً بللت وجهها حتى تخفض من حرارته و تتيقظ ، ان كانت فقط مجرد كلمات كهذه كادت تسبب الإغماء لها فماذا سيحل بها إذ ما تناولت ذلك الشيء .

التفكير بحد ذاته مخيف و المخيف أكثر ان ذلك المختل ينوي بصريح العبارة تجربته عليها ، انتفضت آليس من تلك الفكرة و وسط صراع ما بين محاولة لتهدئة نفسها و ايجاد وسيلة للفرار منه قُطع حبل افكارها مع صوت كعب يطرق فوق الارض بسرعة تليه دخول هيذر و قد بدا عليها التوتر متسائلة :

- هل انتِ بخير؟ .. ان وجهك شاحب!

نظفت آليس حلقها و تجاهلت النظر في عيني هيذر الثاقبة ثم هزت رأسها نافية مؤكدة :

- بخير .. لا تهتمي .

لم تبالي الاخرى بآخر جزء و اقتربت منها تضع يدها فوق كتفها ، قائلة على نحو متودد :

- آليس ان كان سكايلر يضايقك يمكنك اخباري ، سأتولى أمره .. ثقي بي .

ذلك اللطف اربكها في ذات الوقت جعل من بعض الشكوك تراود ذهنها ،انزلت آليس يد هيذر من على كتفها و بثبات ردت :

- أشكرك لكن لا شيء حقاً .. كما أنني أستطيع تدبر أمري .

- إذا ما الشيء الذي يرغب سكايلر بتجربته عليك؟

توسعت حدقتي آليس في صدمة ليس فقط مما تفوهت به هيذر بل من نظراتها التي انقلبت في ظرف غمضة عين ، استشاطت غضباً أكان ذلك اللطف و الود منذ لحظات فقط محاولة خداع منها؟ ارتفعت نبرتها و هي تصك على اسنانها أكثر :

- اهتمي بشؤونك هيذر!

- في الوضع الطبيعي ما كنت لأتدخل و لكن آليس باترسون انتِ تؤكدين شكوكِ و إن كانت صحيحة فأرجو المعذرة حينها ستصبح شؤوني ايضاً!

تهديد آخر في أقل من ربع ساعة ، لقد ذاقت الاخرى ذرعاً و هي ليست بمزاج جيد يسمح لها بافتعال شجار معها ، ردت بعدم اهتمام و هي تهم بالمغادرة :

- هيذر آررتون انتِ تعبثين مع الشخص الخاطئ ، ابقيّ خارج هذه الدائرة فلن أكون مسؤولة عما قد يحدث لك حينها .

تجاهلت آليس تلك النظرة المكفهرة و غادرت بينما فهمت هيذر الجزء الاول بشكل خاطئ فحتماً آليس كانت تعني سكايلر لا نفسها رغم كونهما سيان و ذلك ما جعل هيذر تشعر و كأنها حقاً صغيرة أمام باترسون ، و أن الاخرى قادرة على جرحها و إذائها وقتما أرادت و هذا ما على هيذر أن ثبت عدم صحته لها ، اغلقت هيذر الصنبور ثم نظرت الى نفسها في المرآة متمتمة بسخط :

- لا تستطعين أمري كما يحلو لك و خاصة اذ ما كانت هناك انشطة مشبوهة ... لن اسمح بتواجد رايدر ويرك ثانٍ بهذه السهولة.

تلك كانت مجرد ذريعة لا أكثر ، كونها رئيسة مجلس الطلاب عليها التصرف حيال شكوكها حول وجود شيء مشبوه في المدرسة و لكن السبب المبطن انها ترغب بمعرفة الصلة بين آليس و سكايلر و ان كانت حقاً متورطة مع المخدرات .

الاوقات العصيبة لم تلازم الجميع هنا فعدا آليس التي تم إفساد مزاجها تماماً و رايان الذي يتعامل مع أشخاص و أمور أكبر منه و أكثر تعقيداً هناك جايكوب التي كانت أكبر همومه الآن تنفيذ حيلة من ألعاب الخفة ليبهر سول ، و كأن هذه الحفلة ينقصها مهرج .

وقف أمامها طالباً منها التركيز عليه بعدما فشلت كل محاولاته السابقة ، كانت كلا من سول و بيلين تنظران اليه بملل فقد وعدهما بتنفيذ حيلة إحترافية لكنه كان فاشلاً بكل ما تعنيه الكلمة ، تنحنح و قال بثقة :

- لم أرغب بتنفيذ هذه الحيلة لأنكما طفلتان و لكن يبدو انه لا خيار أمامي .

قلبت بيلين عينيها من تبجحه بينما راقبته سول بتطلع ، قام بثني اصبعه السبابة بحيث اخفى ظفره فحسب ثم ثنى ابهام يده الاخرى و الصقهما ببعضهما و لكي يخفي الفاصل بين السبابة و الابهام وضع إصبعه السبابة من ذات اليد التي تثني الابهام ليظهر ان اصبعيّ يده متلصقان ، فعل ذلك بشكل سريع حتى لا تلحظه الصغيرتان .

و مع ابتسامة شريرة ابعد يده التي تثني الابهام قليلاً و ليبدو و كأن اصبعه قد قطع! لم تتفاجئ بلين و لا قيد شعرة على عكس سول التي كاد قلبها يقع من الرعب ، صاحت الصغيرة بغير تصديق :

- أ .. أصبعك! كيف قمت بقطعه و إرجاعه؟

- انه السحر يا سيدتي ، أخبرتك أنني ساحر بالفطرة .

بسط جايكوب كفيه ليظهر أن جميع أصابعه سليمة ، كان واثق من انه أبهر الصغيرتان الا ان بيلين أحبطت آماله :

- لا بل أنت مهرج بالفطرة ، هذه الخدعة الغبية ينفذها أخي الأحمق دائماً .

- أنتِ لستِ لئيمة و فظة فحسب بل سليطة اللسان و تفتقرين إلى الآداب ايضا.

رد جايكوب محاولاً تمالك أعصابه بينما هزت الاخرى كتفيها بعدم اكتراث ، بإمكان المستفز ان يتذوق طعم الاستفزاز الحقيقي و من طفلة ايضاً ، و في خضم جدال جايكوب الجدي مع طفلتان ظن براين انه يتوهم أو أنه ثمل بسرعة حتى يرى جايكوب روتشايلد مع طفلتان و قد بدا حانقاً بحق!

أقترب أكثر منه و علامات الحيرة في ازدياد ، حدق مطولاً به ثم الى الطفلتان قائلاً و كأنه يقتحم حوار مهم :

- يا الهي هل ضاقت بك الحياة حتى تحتال على الأطفال ايضاً؟

التفت جايكوب نحوه بحاجب معقود و كأن جيرمي ليس وحده الذي يظهر و يختفي من العدم ، وضع جايكوب يد في جيبه و اخرى فتح بها اول زرين من قميصه الأبيض ليرد بتهكم :

- لا و الا لكنت قد أحتلت عليك أولاً .

قلب براين عينه بضجر و كأنه يدعوه لإفتعال شجار هنا لكن على طريقة الحرب الباردة ، انتبه براين الى الصغيرة ذات الفستان الفوشي المزركش بالزهور الوردية و السماوية ، مع اكسسوارات على شكل زهور ايضاً و حذاء سماوي كل ما كان ينقصها هو جناحا فراشة و عصاة لتبدو كالجنيات حقاً ، تعرف على ذلك الشعر الفحمي و الابتسامة البريئة فاقترب منها متجاهلاً جايكوب و بالود سألها :

- لا شك انكِ سول صحيح؟

هزت الصغيرة رأسها و لم تكف عن التحديق فيه بشكل ثاقب حتى رد معرفاً بنفسه :

- انا براين كوتش .. انتِ تعرفين والدي .

- العم اندرو! لا أصدق أنك ابنه .

صاحت الطفلة بعدم تصديق في البداية لكن السعادة تملكتها حينما تعرفت أخيراً على ابن العم اندرو اخيراً ، قرص براين تلك الخدود الناعمة بخفة قائلاً بمزاح :

- لما؟ هل يبدو ابي شاب لدرجة انكِ لن تصدقي انه يملك ابن بعمري؟

ضحكت سول و هزت رأسها بنعم ، في حين ان بلين كانت تميل برأسها محاولة ربط بين كل ما سمعته حتى انتبه براين لها و ابتسم بلطف و هو يحزر :

- انتِ اخت جيرمي أليس كذلك؟ انتما لا تتشابهان اطلاقاً .

عقدت بيلين حاجبيها و ضمت ذراعيها إلى صدرها في حركة عنيفة هزت طبقة الشيفون من فستانها الأبيض قائلة بغيظ :

-ماذا تقصد؟

- رأيتك سابقاً رفقة شقيقك لذا دعيني أعترف أنكِ أجمل منه بمراحل .

اقترب منها هامساً ثم غمز في آخر جملة ، جاعلاً من خدود تلك الفظة اللئيمة تخجل من إطراءه حتى تورد وجهها ، بدا و كأن براين يسرق وسيلة جايكوب الوحيدة لتسلية نفسه من ألا يرتكب اي أعمال تغضب والدته ، لذا قام بسحب براين من ياقة قميصه الخلفية قائلاً بحدة :

- عليك ان تخجل لديك حبيبة و ها انت تغازل طفلتان؟

- لماذا؟ هل تغار مني؟

رد براين محاولاً إستفزازه رافعاً حاجب دون الآخر جاعلاً من الثاني يضحك بخفة قبل أن يرد بثقة :

- هل أنت معتوه؟ ان طلبت من سول الآن الرقص معي فستوافق بالتأكيد! أليس كذلك يا سول؟

نظر جايكوب نحو سول على نحو اربكها و كأنه يريد منها ان توافق فهزت رأسها دون أن تفهم ما كان يعنيه حتى! في حين ان بلين كورت فمها مذهولة من تطور الاحداث ، رد براين ذات الضحكة الساخرة و القصيرة ثم حدق هو الثاني نحو سول فقال :

- انت غبي كفاية لذا لست بحاجة الى اثبات ذلك و ترقص مع طفلة لا تتجاوز خصرك .. سول دعكِ من هذا الأحمق و ما رأيك بأن تأتي معي؟

- لا سول ستبقي هنا و ترقصين معي!

- من الذي سيرقص مع من؟

كان الأمر مربكاً لدى سول كفاية حتى ظهر شخص من قعر الجحيم واضعاً كلتا يديه على كتفهما و من صوته فقط ستدرك انه يكاد ينفث ناراً من فمه ، لوحت سول له قبل أن يتسنى لجايكوب و براين التفكير فيما قد تفوها و حيته برحابة :

- مرحباً أخي .

ابتسم رايان لها بتكلف و يداه مازالت تتمسك بشدة على كتفيهما رد مذكراً اياها :

- سول أنا لا أرى شيرو في أي مكان لقد وعدت ديلان أنها لن تغيب عن ناظريك اذاً أين هي؟

شهقت سول فقد تناست أنها أحضرت القطة معها كلياً ، رفعت يديها كعلامة رجاء قائلة بتوسل :

- لا تخبر أحد أنني أضعتها سأذهب و أجدها في الحال حسناً؟

هز رايان رأسه مؤكداً لها لتهم الصغيرة بإمساك يد صديقتها و سحبها معها في رحلة البحث و لأن بيلين بدت غير راغبة في تفويت القادم كانت تنساق مع سول لكن رأسها و بصرها مثبت عليهم حتى وقت ما .

و حالما غادرت الطفلتان ربت رايان بقوة على كتفيهما مستعيداً سؤاله لهم :

- و الآن أخبراني من الذي يرغب بالرقص؟

حدق كلا من جايكوب و براين في بعضهما مدركان أخيراً مدى سوء سياق حديثهما حتى انتفض براين داحضاً :

- بالتأكيد ليس أنا ، لدي حبيبة و لم تستطع القدوم و هذا لا يعني أنني سأقوم بخيانتها او ما شابه.

- و لا انا كنت أتحدث عن جيرمي .. اجل جيرمي قال انه يرغب بالرقص .

نفى جايكوب ايضاً كذباً في حين ان رايان الذي لم يصدق استمر في إمساكهما و ابتسامة عريضة متكلفة تعلو وجهه اضافة الى اطباقه الشديد على فكه و العروق التي تكاد تبرز على جبينه ، علم الاثنان انه يجاهد بألا يرتكب مجزرة في يوم عيد ميلاده .

- ان كان جيرمي يبحث عمّن يشاركه الرقص سأرقص معه نيابة عن سول .

انزل رايان يديه اخيراً لكنه ترك أثر تجعيد على كتفيهما جعلت من تقضيبة بين حاجبي جايكوب تتكون ، و قبل ان يعلق اي أحد انقلب نبرته بشكل مثير للشك قائلاً مدعياً الحيرة :

- انا هو صاحب هذه الحفلة لكنني لم أراكما ابداً في الجوار ، هل تقومان بتجنبي لأنكما لم تحضرا الهدايا؟

عدل جايكوب من بذلته خاصة ذلك الجزء من كتفه الذي تجعد ، مسح فوقه و رد مجارياً نبرته بسماجة :

- اوه يا ابن العم ، لم أكن أعتقد انك ستفتقد وجودي هكذا لا أرغب بتخييب أملك لكنني حقاً أتيت خالي الوفاض .

- مجيئك الى هذه الحياة بحد ذاته هدية جايكوب لذا ما كان عليك القدوم الى هنا من الأساس.

كلاهما يتبادلان ذات الابتسامة الصفراء و ذات التعبير الحنق و ذات الشرار المتناقل بين أعينهم مجازاً بالطبع ، اخذ براين خطوة الى الوراء و هو يشاهد شجار على وشك ان ينشب فتمنى لو أنه أحضر شيء خفيف يؤكل و نظارات الواقع المعزز ، سيكون حدث لا ينسى .

لكن من المؤسف ان جايكوب تراجع بعدما شعر بأن ظهره يحرقه و حينما التفت للخلف رأى والدته تكاد تخترقه بنظراتها ، ما كان على جايكوب روتشايلد ان ينسحب من اي شجار فهذه ليست من شيمه لكن الوضع استثنائي اليوم .

- انت محظوظ اليوم لأنه يوم مميز بالنسبة لك ، لذا سأكون خفيفاً هذه المرة و أغادر .

تراجع خطوة الى الوراء ثم استدار مغادراً ، بالتأكيد هذا مفاجئ بعض الشيء و قد كان براين الوحيد الذي أظهر هذا بينما بدا الجمود على ملامح رايان ، اشار براين نحوه بإبهامه معلقاً :

- مهما حاولت لن أستطيع فهم طريقة تفكيره .

- لا تحاول .. لن تستطيع في كل الأحوال.

رد رايان عليه معترفاً هو الآخر ؛ رغم كون البعض يدعي ان آليس باترسون معقدة ألا أنها تبدو أكثر بساطة مقارنة مع جايكوب روتشايلد ، هذا الشخص أفعاله و أفكاره متناقضة و غير مفهومة غالباً .

التفت رايان باحثاً بناظريه عنها فسيكون من الأفضل في الوقت الحالي لو إستطاعت تجنبه قدر الإمكان او يبقيها بجانبه حتى لا يستطيع المساس بها ، تكونت عقدة مقتضبة بين حاجبيه من مجرد التفكير بالأمر جذبت انتباه براين ليتساءل :

- هل تبحث عن شخص ما؟

- ليس فعلاً ...

رد بعدما أعاد انتباهه اليه غير راغب بإثارة حيرته ، لذا فكر بالاعتذار و الذهاب ليبحث عنها فعلياً اذ يرى والدته تشير اليه ان يأتي و بجانبها شخص لم يره ضمن مَن قام بالتعرف عليهم ، جدياً هذا يشعره بالانهاك و يبدو ان الليلة لن تنتهي بهذه السرعة ، وضع براين يد في جيبه و بالاخرى دفعه قليلاً الى الأمام قائلاً :

- لست بمحظوظ لديك ضيوف كُثر و عليك الاهتمام بهم .. اذهب .

- أشعر و ان سوء الحظ انتقل اليّ عن طريق العدوة!

لم يفهم براين من قصد بكلامه و لم يتسنى له ان يسأله لأن رايان هم بالمغادرة بالفعل ، حدق فيه مطولاً قبل ان يستنتج حنقاً :

- هل يقصدني؟ .. ذلك الوغد هل يسخر مني الآن؟

و بقدر ظن براين ان رايان يقصده ، ظنت آليس انها اصيبت بالزكام بعد ان عطست لمرة واحدة ضمت ذراعيها الى صدرها اثر اقشعرار بدنها من نسمة خفيفة ، كانت تجلس على المقاعد في الحديقة و تحديداً بجانب إضاءة مغروسة في العشب .

الاجواء في الخارج أقل ازدحاماً و أكثر هدوء من الداخل ، بالكاد استطاعت لمح أحد ما في عمرها و هذا ما جعلها تشعر بالراحة فربما هنا ستسطيع امضاء بقية الليلة بسلام ، اسندت خدها فوق راحة كفها ثم أخرجت البطاقة التي منحها اياها آلين هوكلر المرسل من طرف جدتها ، الجميع يريدها هذه الليلة جدتها التي ظنت انها نستها و سكايلر الذي يبدو و انه لن يدعها و شأنها و رايان الذي بدا و كأنه راغب في حبسها معه في تلك الشرفة الى وقت طويل.

-لم أكن أعلم أنني محبوبة الى هذه الدرجة!

ابتسمت ببهوت على تلك الاخيرة لكن ما يجعل عقلها يخوض جدالاً فيما يجدر بها حقاً التفكير جدتها ام كيفية التخلص من سكايلر ، قررت النظر في أمر الأولى فأوشكت على النهوض حتى شعرت بشيء ناعم يلمس قدمها ، انحنت آليس قليلاً نحو الجانب لترى يدين صغرتين مكسوة بالفراء تعبث مع الاضاءة المغروسة في العشب و لا شك أن تلك الايادي تلمس قدمها من حين الى آخر .

تجمدت آليس لوهلة عالمة لمن ترجع هذه الاطراف الحيوانية و على حين غرة حركت قدمها ناوية الإنتفاض لكنها لم تعلم ان تلك الحركة المفاجئة استفزت القطة فقامت بخرمشة قدمها محاولة أمساكها ، لم تتألم آليس من خدش القطة بل لم تكن في وضع يسمح لها بملاحظة الألم حتى! كانت قد أوشكت على الصراخ و انتفضت مبتعدة على الكرسي و هي ترتجف هلعة و تكرر و كأن وحشاً قد خرج لها من تحت السرير :

- قطة، قطة! ما الذي تفعله قطة في هذا المكان؟

ربما لم تستطع الصراخ لكنها فعلت في الجزء الاخير جالبة انتباه من حولها لها ، في حين و أن قطة ذات أعين زرقاء جميلة و فراء أبيض كثيف خرجت من أسفل الكرسي و بحركة مستفزة وقفت أمام آليس التي ترتعد الآن تلعق فرائها و كأن شيء لم يكن .

و كأنها لم تنل كفايتها من البشر حتى تتسلط عليها الحيوانات ايضاً و تثير اعصابها! أخذت آليس خطوات مبتعدة و لا تدري هل تشمئز من كون القطة قامت بلمسها ام تغيظ لانها تجلس امامها بكل برود و تعلق فرائها ، اقترب أحد المنظمين لهذا المكان بثياب رسمية حاملاً القطة و معتذراً بشدة :

- أستسمحك عذراً آنستي ما كان من المفترض تواجد اي حيوان هنا و لكنها قطة الانسة الصغيرة.

حمل المضيف القطة و أعاد أعتذاره من جديد في حين ان آليس التي لم تفهم في البادئ من يقصد بالآنسة الصغيرة حتى تذكرت نزهتها في الحديقة رفقة رايان حينما عثرو على راي الجرو الضائع ؛ كان قد أخبرها ان سول تمتلك قطة و هي لا تكف عن التذمر لعدم كونها جرواً و هي جزئياً لا توافقها الرأي فمع إمتلاكها لقطة مستفزة الا انها تبدو أفضل من الكلاب.

ابتعلت آليس رمقها و قامت بتمالك نفسها أمام المضيف الذي بدا مرتبكاً مما حدث ، لم يسبق و ان رأت سول حتى الآن و خشت ان تعود الى المنزل دون ان ترى قطعة السكر بأي حُلة تبدو ، لذا قامت بضم يديها الى صدرها قائلة بحدة :

- ألم تفكروا بأنها قد ترعب الضيوف؟

- انا آسف يا آنسة أعدك بأن هذا لن يتكرر .

رؤيتها و هي تؤنب المضيف الذي لا علاقة له أشعرتها بأنها متسلطة فظة ، رغم ذلك أستمرت بمسرحيتها قائلة على ذات الوصال :

- أريد رؤية المسؤول هنا .

ظنت آليس ان بطريقتها هذه ستبدو كشخص مهم ، لكن صورتها سرعان و أهتزت حينما حمحم المضيف قائلاً :

- كما تريدين يا آنسة ، سأعلم السيدة روتشايلد .

طرفت آليس مخفضة من ذراعيها رويداً و حالما تجسدت صورة لها تقف أمام جيما روتشايلد و تشتكي انتفضت مرتعدة ، لاحظ المضيف ذلك فحمحمت ثم ردت محاولة اخفاء ارتباكها :

- لا .. أعني أعتقد انه لا بأس ، لا أريد أزعاج السيدة روتشايلد بذلك .

- أشكر تفهمك يا آنسة و الآن أعذريني .

غادر المضيف حاملاً القطة و قد تتبعتها آليس بنظراتها ثم كشرت مبرزة انيابها هي الاخرى و بلى لم تكتفي من مشاجرات البشر حتى تشاجر قطة الآن ، التفت نحوها بما انها واقفة الآن ربما سيكون من الأفضل رؤية المدعو آلن هوكلر قبل ان تعود حتى تختم هذه الحفلة بأسوأ مزاج ممكن ، من قال انها ستستمع على اي حال؟

مشت آليس خطوة لتشعر بوخز في قدمها و بعض الحرارة اينما خدشتها القطة ، القت نظرة لترى انهما خدشان طوليان لكن لم يكن ينزف الا قليلاً ، زفرت بعمق ثم أخرجت منديلاً ورقياً ماسحة بعض الدماء من على الجرح محدثة نفسها :

- و كأن هذا ما كان ينقصني! حتى القطط لم تتركني و شأني.

امسكت بالمنديل الورقي باحثة بعينيها عن سلة مهملات قريبة لترميها فيها ، لكن و اثناء ذلك وجدت ظالتها لا سلة المهملات بالتأكيد! كان السيد آلن هوكلر القادم من طرف جدتها يدخل القاعة و قد بدا مشغول الفكر بشيء ما ، رمت آليس المنديل الورقي على الأرض متخلية عن الآداب العامة هذه المرة و أسرعت نحوه عله يجيب على بضع أسئلة راودتها .

كيف حال جدتها؟ و اين هي الآن؟ لا يقطن أحد من أقربائها معها فهل هذا يعني انها في دار العجزة حقاً؟ اذاً لماذا لم تأخذها؟ لماذا لم تقم برعايتها و ضمها الى جناحها بعد فقدانها لكلا والديها في ليلة واحدة؟ ما الخطأ الذي أقترفته حتى تنبذها هكذا؟ عشرات الأسئلة من التي قامت بدفنها في أعمق نقطة من قلبها قبل وقت طويل تعود الى السطح من جديد ، و لأنها تخشى الحقيقة تكره الاحساس الذي يساورها دائماً حينما تفكر بذلك كما تكره دموعها التي تنساب دون ارادة منها كما الآن.

وقفت آليس أمام المدخل الفاصل بين القاعة و الحديقة و انفاسها متسارعة على نحو قليل ، كانت تبحث بعينيها عن آلن هوكلر الذي اختفى بين الحشود دون ان تنتبه لنفسها او الدمعة التي سقطت بالفعل على خدها حتى اللحظة التي التقت اعينها بشخص غريب توقف عن الحديث محتاراً لماذا تلك الفتاة تبكي؟ انتبهت آليس الى نفسها و قامت بمسح الدمعة عن خدها دون ان تجرأ على مسح عينيها حتى لا تتحول الى دب باندا .

أخيراً استطاعت لمحه و هو يغادر المكان مع شخص آخر و مما بدا انه سيرحل ، عضت آليس على شفتها متخذة دقيقة من التفكير هل يستحق الأمر كل هذا العناء أم عليها تجاهله و ان رغبت بطرح أسئلتها عليه لاحقاً ستتصل به و حسب؟ زفرت بقوة محدثة نفسها :

-أن لم أفعلها الآن، فلن أفعلها لاحقاً انها نزوة مشاعر و فضول فحسب ستزول في وقت لاحق و حينها قد أمزق تلك البطاقة التي أعطاني اياها حتى!

الأمر و كأنها تحث نفسها على إستغلال نزوة الفضول و المشاعر الفائضة تلك و وضع حد لتلك الفجوة الغامضة بينها و بين جدتها الوحيدة ، اسرعت آليس باللحاق به و مما شك ان اسراعها ذاك و حركتها المتعجلة جذبت انتباه العديد من الاشخاص كما جذبت انتباه اشخاص آخرين ايضاً .

خرجت آليس من الصالة نحو اروقة الفندق و حتى الردهة العملاقة عند الاستقبال ، انفاسها متسارعة من تعجلها في السير لكن ذلك لم يجعلها تفلح في اللحاق بآلن هوكلر كما لم تطاوعها نفسها باللحاق به أكثر من هذا ، عضت شفتها السفلى شاعرة بالمرارة و الألم و ذكريات الماضي تعاد داخل رأسها .

عيد ميلادها الرابع و أول درس بيانو تأخذه ، دمية الارنب التي لطالما كانت تحاول قطع اذنيها و جميع اللحظات التي لم تكن فيها مؤدبة مع والديها ، ليلة الكريسماس المشؤومة و وقوفها بثوب أسود أمام قبرين وسط اناس يبكون بحرقة ، انتقالها الى لندن رفقة عمها و من ثم تشخيصها بمرض فشل القلب بعمر السابعة و آخر مرة التقت بجدتها التي استقبلتها بجفاء في الثانية عشر من عمرها .

فقط عند تلك الاخيرة لم تكن قادرة على التحمل أكثر من ذلك ، كانت تعض على شفتها السفلى حتى أحست بطعم الدماء لكن ذلك لم يجدي في منع دموعها أكثر من هذا ، لما على هذه المناسبة السعيدة الا تكتمل؟ نشقت بقوة مبتلعة عبراتها المختنقة داخل حنجرتها سيكون من اللطيف لو انها في غرفتها الآن تحتضن الوسادة و تدفن رأسها فيها ناحبة خشية من ان يُسمع صوت نشيجها و خاصة من قبل ادريان ، فما كان ليدع ليلة البؤس هذه تذهب في هدوء .

كففت دموعها فقد بدت و بوقوفها هنا مرتدية فستان حفلات و خارجة من قاعة الحفلات الكبرى أن أحدهم قد رفض مشاعرها و هاهي تنتحب كأي مراهقة تظن انها تحمل جام بؤس العالم في هذه اللحظة ، لذا لم تكن في مزاج يسمح لها بسماع ذلك علانية و خاصة ان كان صادراً من شخص تكرره مثل كره النار للماء :

- هل قام شخص ما برفضك؟ لابد و انكِ تمتلكين ذوق سيء في الرجال لذا بإمكاني أن أحل محله .

ضرب صدره مشيراً الى نفسه بكل اعتزاز على انه شخص سيء لا يجب تواجد أي إمرأة عاقلة بجانبه ، لم تبالي آليس له فظلت تعطيه ظهرها و توقفت عن مسح وجنتاها حتى لا تبدو و كأنها كانت تبكي ، عدل جايكوب من ربطة عنقه واضعاً يد واحدة داخل جيبه منتظراً اللحظة التي تستدير فيها لتبدأ شجاراً معه عله يخرجه من الممل الذي هو فيه .

زم جايكوب شفتيه بعبوس من عدم إعطائها له اي لعنة لوجوده ، قلص المسافة بينهما حتى وقف خلفها تماماً مستطرداً بقليل من الجدية :

- حتى انا جايكوب روتشايلد لم أستطع جعل آليس باترسون تبكي! ان ذلك يجرح كبريائي كما تعلمين كوني الشخص الوحيد الاحق بهذا .

- أغرب عن وجهي!

نطقت بصوت خافت مسموع تشوبه بحة البكاء و جسدها التي يرتجف أعلن عن هذا ، لم يكن جايكوب يعلم السبب وراء هذا و أول أحتمال هو أنها قد تشاجرت مع رايان لذلك و بسماجة لم تكن بمحلها وضع يده على كتفها و حاول جعلها تلتفت اليه قائلاً :

- انت لم تبكي حتى حينما قبّلك اذا ما الذي حدث ....

- ألم تسمع ما قلته؟

حققت له غايته حينما التفت اليه لكنه لم يتوقع انها ساخطة الى هذا الحد ، عيونها حمراء منتفخة و انفها محمر كذلك كانت حقاً تبكي ، هذا ما لم يراها جايكوب عليه سابقاً ، أعصابها كانت تالفة بالفعل بدأ من سكايلر ثم هيذر الى آلن الذي لم تستطع اللحاق به ثم يأتي جايكوب حتى يستفزها ، أهذا هو ما يقابل لحظات ابتهاجها منذ قليل عند الشرفة؟

ردهة الفندق كانت أقل ازحاماً نوعاً ما الا ان ذلك لا يعني انها اذ ما تشاجرت ان احداً لن يراهم ، اخرجت نفساً قوياً مرتعشاً من صدرها كانت تراقب معالمه المتسائلة تنقلب الى شيء من الجدية الآن، لذلك استطردت على وصال أكثر حدة و اكثر ثبات :

- جايكوب روتشايلد اياك و ان تظهر أمامي من جديد .. لا في هذه الحفلة و لا لاحقاً و لا في اي مكان كان .. دعني و شأني لتنسى وجودي لبضع أسابيع فقط .. اعتبره طلباً أكثر من كونه أمراً .

عانى جايكوب من صعوبة الاستيعاب للحظات ظناً انه أصل المشكلة و انها لا تقوم بإفراغ غضبها عليه و حسب ، توقفت عن القبض بشدة بيدها ثم منحته نظرة أخيراً قبل ان تغادر ، او كما ظنت انها قادرة على التخلص من هذا الصداع بسهولة الا ان جايكوب تبعها و لم يكن كشخص يتم تمريره بسهولة :

- لما؟ هل فعلت شيء في الآونة الاخيرة ازعجك دون ان ادري؟ ثم ما الذي تعنينه لبضع اسابيع؟ أتنوين المغادرة دون ان تفي بوعدك بالانتقام مني؟

اضاف آخر مقطع مستهزءاً و كأن أكثر شيء يحترق شوقاً اليه هو كيفية تنفيذها لوعدها و كأنه واثق من أنها لن تفلح ، بينما لم تعي آليس بما تشعر هل بالحنق ام الضحك؟ شعوران متضاربان كلياً كتضارب اسئلته لذا توقفت معدلة من خصلات شعرها البنية و كم سيكون من الجميل صب جام غضب الليلة و ختمها على جايكوب .

- و هل كان عليك فعل شيء في الآونة الاخيرة حتى أكرهك أكثر؟ جايكوب روتشايلد ألا تعي أنك شخص مؤذي و وغد؟! لقد كنت أول الأسباب التي دفعت بلويس الى الانتحار! .. انا لن أغفر لك هذا لذا تذكر ان انتقامي منك سيكون مريراً .

كانت تتكلم بحقد و غِل كبيرين رغم ان صوتها منخفض نسبياً ، اتعلمون حينما يكون داخل صدرك فائض كبير من المشاعر الساخطة و تأتي الفرصة لإفراغها بشتى الطرق الممكنة؟ آليس في هذه اللحظات تماماً كانت كذلك و ذكر لويس كان يساعد في اطفاء النار المتوقضة داخل صدرها و بالفعل امتعها ذلك حقاً! ان تصب غضبها و حقدها عليه في بضع كلمات لكنها تحمل مشاعر عميقة ، أثلج صدرها خاصة حينما رأت تقلب محياه مكرراً ذات العذر :

- متى ستصدقين أن لا يد لي بما حدث؟ أتقبل كل أحقادك بصدر رحب آليس لكن لا تلقي عليّ اللوم بموته!ذلك اللعين مات قبل ان أطاله حتى.

كانت قد تعايشت مع تلك الحقيقة لمدة من الزمن لكن وقعها ما يزال مؤلما ، خانقاً و يطعن قبلها في كل مرة ارتجفت شفتاها شاعرة بالعبرات تختنق في حنجرتها ، نظرت لمن حولها في الردهة و قد بدا الجميع مشغول بأعماله لذا لن يهتم أحد حتى اذا أطالا الشجار هنا .

- و كيف تريد مني تصديقك خاصة مع آخر جملة؟ لقد كنت صديق رايدر ويرك الذي أضرم النيران في صف الكيمياء! ، اذاً أتخبرني انك تشعر بالسوء و التبلٍ حينما أتفوه بالحقيقة؟

- و لكن ما خطبك فجأة و اللعنة؟!

كانت تتحدث بسرعة بحنق شديد و حدة و كأنها تعيد تذكيره بأفعاله السيئة عن عمد لكن دون سبب وجيه و هذا ما جعل جايكوب ينفعل متعجباً منها ، استطرد بذات الانفعال و العصبية :

- ما الذي جعلك تذكرين هذا من جديد و الآن بذات؟ اخخ! .. اسمعيني جيداً لقد مضى ذلك الوقت و انا لا أعطي اي لعنة لأفعالي السابقة ، أما الآن فقد أخبرتك ان ما بيني و بينك انتهى لكن يبدو أنكِ ترغبين في الاستمرار بلعب القط و الفأر لسبب ما و انا لن أسمح لكِ بذلك .

هدأ في النهاية ثم أقترب منها منحنياً و كلتا يديه في جيوبه ، و دون ان يرف لها جفن استمر بالحديث متسلطاً :

- عليك التفرقة بين كيفية الانتقام مني بصمت و محاولة جعلي أضايقك عن عمد حتى تلبعي دور الضحية بنجاح!

إبتسم بخبث و انتصار من كونه يعلم نواياها الحقيقية و ما تنوي لعب دور الضحية الا اذ ما كانت تحضر لشيء لن يعجبه البته ، ظن انه سيرى اي تغير في ملامحها تفاجئ ،اندهاش غضب او حنق لكنها اخفضت رأسها كما أخفضت نبرتها قائلة ببرود :

- أتريد ان ترى كيف سألعب دور الضحية الآن؟

عقد جايكوب حاجبيه بعدم فهم حتى اللحظة التي رفعت فيها آليس رأسها تضع كفها المرتجف فوق فاهها و أكثر ما صدم جايكوب هو الدموع التي انهمرت من عينيها ، كل شيء انقلب ملامحها نبرة صوتها و تصرفاتها ايضاً و كأن من تقف أمامه فتاة رقيقة تم التعدي عليها حينما قالت بصوت مخنوق :

- الى متى سوف تستمر بكونك فظيعاً هكذا؟! ألم تقل ان ذلك التحدي بيننا قد انتهى و لن تقترب مني مجدداً؟

اخفضت رأسها من جديد واضعة يديها فوق اذنيها كمن يعاني من صداع رهيب مكملة على ذات النحو :

- لقد أكتفيت من كل هذا لم أعد أطيق هذا بعد الآن! هل تريد مني ان أختفي من الوجود حتى ترتاح؟

- ما الذي هذين به فجأة؟

نطق بخفوت و هو لا يفهم لماذا تفعل هذا او ان روح ما التبستها فجأة، ظن انها تحاول جذب الانظار لتبدو كمن تتعرض للإبتزاز لكن ما الجدوى من هذا بحق خالق السماء؟! كانت تفعل ذلك و تنظر بين الفنية و الأخرى خلفه و لكونه لم يستوعب او يفهم بعد ما الذي تفوه به او حتى السبب وراء جعلها تدمع الآن حتى التفت ببطء نحو صوته يسأل من بين اسنانه بسخط :

- ما الذي تفعله معها هنا جايكوب؟

**********

- القطط لا تحب الضوضاء سول! انتِ اكثر شخص يجب ان يعلم هذا لذا أرجوكِ توقفي عن البحث تحت الطاولات هذا ...

تحدثت بيل ناهرة اياها و مكفهرة في آن واحد ، نظرت حولها لترى ان بعض العيون تراقبهم بحيرة ثم أضافت و قد بات وجهها محمراً بالكامل :

- هذا محرج!

- اذاً توقفي عن التذمر و ساعديني بالبحث بلين! اذ لم أجد شيرو الآن فسوف أقع في ورطة .

ردت سول تقلب عينيها و هي تنحني لتبحث تحت الطاولة ، لم تكن بيلين تساعد او حتى تكف عن التذمر بينما كانت الاخرى تركض في الإرجاء بحثاً بجنون عن قطتها المشاكسة الضائعة قبل ان يلحظ أحد ، لكن الأوان قد فات الآن.

ففي اللحظة التي انحنت فيها سول لتبحث تحت الطاولة وقفت جيما خلفها بالتحديد في حين ان بيلين شهقت بخفوت و تورط عائدة خطوة الى الوراء دون ان تتفوه بكلمة ، ضمت جيما يديها الى صدرها سائلة بتعابير مقتضبة :

- عن ماذا تبحثين تحت الطاولة سول؟

صوتها لطالما كان مهيباً و حتى مع تحدثها بهدوء انتفضت سول بجزع و حاولت النهوض الا ان رأسها اصطدم بالطاولة فوقها ، خرجت الطفلة متألمة ممسكة بمكان الألم قائلة و كأن شيء لم يكن :

- لا لا شيء حقاً .

- اذا لماذا كنتِ تحت الطاولة هاه؟!

عقدت جيما حاجبيها و كأنها لن تتزحزح حتى تتفوه سول بالحقيقة ، و لأن الاخرى كانت خائفة من زوجة أبيها نطقت بيلين بكذبة مع وجه بريء باسم :

- لقد كنا نلعب فقط سيدتي.

هزت سول رأسها مباشرة متفقة و متبسمة رغم التوتر الملحوظ ، رفعت جيما حاجبها قائلة :

- و هل كانت لعبتكم هي البحث عن القطة الضائعة؟

كزت بلين على اسنانها و التفت تحاول التهرب و كأن لا علاقة لها في حين أجفلت سول و لم تستطع الكذب أكثر ، أخفضت رأسها تنفخ خدودها متأسفة :

- لقد ضاعت شيرو مني ، انا آسفة للكذب عليك أمي .

تنهدت جيما بإستسلام و فكت كلا من العقدة بين ذراعيها و حاجبيها ، انحنت لمستواها حتى ترى تعابيرها العبوسة قائلة :

- تعلمين ان هذا قد يشكل مشكلة صحيح؟ قد تخيف شيرو أحد ما هنا و ان فعلت ماذا سوف تفعلين حينها؟

رفعت سول رأسها قليلاً تعبث بأطراف فستانها في توتر قائلة و كأنها تملي الاجابة على استاذها :

- سوف أعتذر منه و أتأكد ألا يحدث هذا مرة أخرى .

هزت جيما رأسها واضعة ابتسامة صغيرة ثم ربت على رأس الصغيرة قائلة و هي تستقيم :

- بلى انتِ فتاة جيدة ، اذا عليك البحث عن القطة و ..

- أرجوا المعذرة سيدة روتشايلد .

قاطعها صوت أحدهم فإلتفت الى الخلف لترى المضيف يقف بإنتصاب حاملاً القطة المستفزة و هي تلعق فرائها بين يديه ، اشار الى القطة موضحاً :

- لقد عثرت على قطة الانسة الصغيرة في الخارج و يبدو ان أنها عبثت مع أحد الضيوف و قد رغبت في الاشتكاء اليك في البداية ... لكنها تراجعت بعد قليل .

ضمت جيما ذراعيها الى صدرها من جديد و حدقت في سول بنظرات معاتبة فضحكت الطفلة ببلاهة و تورط ، تقدمت سول و أخذت القطة من بين يدي المضيف بينما كانت هي تتشاجر مع القطة سألت جيما المضيف مستفسرة :

- هل أعتذرت من الضيف جيداً و تأكدت ان القطة لم تسبب اي أضرار؟

- بلى و في الواقع .. أعتقد ان قطة الانسة الصغيرة سببت خدشاً لقدم الانسة.

فرك المضيف ذقنه محاولاً التهرب بنظراته بعيداً و رغم كونه غير الملام هنا الا انه شعر و كأن جيما سوف تلتهمه بنظراتها ، التفت نحو سول التي ضحكت ببلاهة ثم ادعت توبيخ القطة :

- انتِ قطة مشاكسة! كيف يمكنك فعل هذا بالاخرين؟ لو كنتِ جرواً لما كنت ستخدشين أحد ، بلى! ديلان هو من أحضرك لذا عليه تحمل المسؤولية .

كانت تنقل بصرها بين الفنية و الاخرى بين جيما و شيرو و بنبرة نموذجية في عتاب ، ظنت أنها قادرة على إلصاق اللوم على شيرو اولاً و على ديلان كبديل في حال لم تقتنع جيما بذلك ، تنفست جيما بعمق و هي لا تحمل اي نية في عتاب سول بعد محاولتها الهروب بفعلتها لذا اكتفت بالقول معنية المضيف :

- خذ القطة و إحبسها في الغرفة المستأجرة ، انها مشاكسة و لن تبرح مكانها اطلاقاً .

هز المضيف رأسه ثم مد يديه ليلتقط القطة من بين يدي الصغيرة ، بينما عقدت سول يديها أمامها مسترقة النظر الى صديقتها التي كانت تنظر بعيداً و كأن لا علاقة لها بعد كل شيء هي أخت جيرمي لذا فهذا طبيعي .

- سول ...

- انا آسفة أعدك بألا يكرر هذا مجدداً أمي .

أعتذرت الصغيرة سابقة اي عتاب آخر لكن جيما ما كانت لتتفوه بشيء ، و رغم ذلك لم تقم بتصحيح سوء الفهم و ربتت على رأسها قائلة :

- جيد و الآن بإمكانك الذهاب .

و تلقائياً قامت بيل بسحبها و الذهاب و كأنها هي من كانت تُعاب لا العكس ، ضمت جيما ذراعيها الى صدرها و مع جفون منسدلة راقبت ابتعاد سول تسأل ذاتها لما مازالت تحمل أضغان تجاه هذه الصغيرة؟ رغم اقتناعها انها بريئة من كل ما حدث لكن لا يسعها سوى تمني ذات الشيء رغم استحالة حدوثه ، بملامح تملكها الحزن و الندم قالت بخفوت تراقب الطفلة التي لم تنجبها تختفي بين الحضور :

- رغم كونها ابنتك يا جيرالد الا أنه لا يسعني الاقتناع بأنها باتت فرد من هذه العائلة ، و اخت ابنائي ايضاً ... ما زلت ارى ان رايان اتخذ القرار الخاطئ ، كان عليها هي ان تموت لا انت.

تقوست شفتاها و ارتجفت و في حلقها غصة صاحبتها مرارة و هي تنظر الى كل من حولها ، لقد اصبح في الثامنة عشر الآن و هاهي تقيم له حفلة ضخمة له لا ينقسها شيء سوى وجوده ، الاب الذي مهما حاولت ان تواكب خطوات الابوة معه لم تستطع فلو انه كان هنا فلا شك من انه سيحدث تأثيراً أكبر على رايان خاصة في هذه المناسبة على عكسها .

و مهما رجت لن يتحقق اي من ذلك ، فلا أحد يستطيع العودة الى الماضي و إصلاح أخطائه.

***************

رغبته الدفينة وراء البحث عنها كانت تعود أولاً الى نيته في التهرب من أجواء قاعة الحفلات المرهقة و ثانياً الى تخوفه من حدوث صدام بينهما بين آليس و جايكوب ، لكن آخر ما توقع رؤيته هو الدموع في عينيها و نبرتها الناشقة المتكدرة ، لم يرغب الاخذ بالأسباب او فهم ما يحدث فيكفي ما تراه عيناه و هذا لم يسره قطعاً .

اقترب رايان من جايكوب و قبل ان يسحبه الى الخلف نطق بسخط عارم :

- ما الذي تفعله معها هنا جايكوب!

لقد كانت ردهة الفندق و وسط مئات الاشخاص يتحركون يمنى و يسرى و منهم من يجلس على الارائك اي انه مستعد لأخذ وضعية المشاهدة في حال تسرع و أقدم على فعل متهور مثل لكمه؟ فك رايان اول زر من ياقته منتظراً اجابة ما تفهمه ما الجحيم الذي يحدث و لا يبدو ان آليس في حال يسمح لها بالرد كما ان حال جايكوب الجامدة تستفزه!

كففت آليس دموعها ثم اخذت خطواتها نحوه ، امسكت بطرف كُمه و بصرها يعانق الارض ثم بصوت مختنق قالت بخفوت :

- لا بأس ، لا تهتم .. دعنا نذهب .

التفت آليس للجانب قليلاً و قبل ان تضيف اخيراً ، نظرت نحو جايكوب و شبح ابتسامة ماكر ارتسم على شفتيها جعلته يفهم كل شيء ، لكن ذلك لم يرقه او يمتعه كما كان الحال دائماً مع كل لعبة بل اغضبه! ان تنسحب بهدوء و تدفع رايان مكانها أمر جعله يحنق كثيراً ، رد بعداء و هو يضع يديه داخل جيوبه :

- لا شيء مهم كنا نتحدث لا أكثر.

اخرج رايان صوت ساخر من حلقه مقترباً أكثر من جايكوب ، دون ان يرف اي جفن لثاني بالفعل كانت اعينه التي تقتدح شراراً موجهة الى تلك الشيطانة خلفه رايان الذي نطق من بين اسنانه حاقد :

- اخبرتك سابقاً جايكوب ، ستدفع ثمن حديثك هذا معها .

اعاد جايكوب بصره الى رايان الذي كانت تفصله عنه بضع انشات ، صك على اسنانه ساخطاً من كل شيء الفخ الذي وقع فيه ، اتهام آليس له و عدم تصديقه ثم تهديد رايان الواثق و كأنه قادر في اي ثانية تنفيذ ما يرغب به ، سخط لأنه لم يعد سيداً لهذه اللعبة من جديد و ان الأمر بات مفروغاً منه و ينحدر نحو اللا منطق ، اخذ خطوة الى الوراء رافعاً ذقنه و بعدم مبالاة رد :

- سأكون بإنتظارك .

بدا و انه سيغادر و لو لم يكونوا في مكان مزدحم لما سمح له رايان بالفرار بهذه السهولة ، كان للحظة قد تناسى أمر آليس التي هزت كُم سترته رافعة أعينها المحمرة و اللامعة بسبب الدموع قائلة للمرة الثانية :

- فقط .. لنذهب راي .

اخذ نظرة أخيرة على جايكوب الذي تجاوزه عائداً الى القاعة و من خطواته ستعلم انه لا يقل غضباً عنه هو كذلك ، لكن مِن ماذا سيغضب؟ حتى في أوج سوء مزاجه لم يكن جايكوب روتشايلد يبدي غضبه بسهولة فدائماً ما كان شخص بارد الاحاسيس مستفزاً و مزعج! لكن اذ ما نظر الى آليس ايضاً سيعلم انه ليس ذات الحال معها ايضاً! اذا ما الذي حدث بينهما بحق خالق الجحيم؟!

زفر رايان بقوة و على العكس الاتجاه التي كانت ستسير فيه آليس ، أمسك معصمها و ليأخذها معه على أحدى الارائك الموزعة من أجل الانتظار في ردهة الفندق ليجلسها بجانبه ؛ طالعته آليس مستفسرة و بملامح تحاول ان تبدو هادئة قال :

- انظري الى نفسك في المرآة اولاً .

عقدت آليس حاجبيها في البداية حتى استوعبت ما يعنيه ، اخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها على عجل ثم طالعت وجهها و كل ما تفوهت به :

- يا إلهي!

اخرجت منديل مبلل فقامت بمسح اثار الماسكارا التي سالت قليلاً اسفل عينيها ثم اخرجت قلم التحديد و الماسكارا محاولة اصلاح الخراب الذي حل بالمنطقة حول عينيها ، شاهدها رايان مستغرباً و لا يفهم لما عليها ان تعيد وضع تلك الاشياء فهذا ليس مهما الآن! امسك بمعصمها من جديد موقفاً حركتها و ليعيد انتباهها اليه :

- لنتجاهل هذا الآن ، هناك ما هو أهم ...

- بربك! ما الذي سيكون أهم من إصلاح الكارثة التي حلت حولت عيناي!

و ها هي تتحدث كآليس باترسون المعهودة الآن ، نفضت معصمها من احكامه و أكملت تحديد عينها و هنا بالذات شعر رايان و كأنه قد تم صفعه و تجاهله و هو من ظن ان الأمر هام! تنحنح منظفاً حلقه ثم تراجع تاركاً اياها تكمل عملها اسند مرفقه على ذراع الاريكة ثم أراح خده على كفه مراقباً اياها حتى تنتهي ، اغلقت آليس قلم التحديد واضعة اياه داخل حقيبتها ؛ التفت اليه أخيراً سائلة اياه متباهية :

- انه افضل الآن صحيح؟ لست بارعة في وضع المساحيق لكن لا أعتقد ان هناك أخطاء .

أراد رايان الالتفات و البحث عن الشخص الذي تسأله عن رأيه لكنه ادرك انه هو! المقصود ، بماذا يخبرها؟ انه لا يرى فرقاً أطلاقاً؟ بدا و انه اطال النظر حتى شعرت آليس ان هناك خطأ ما بالفعل لذلك هز كتفيه قائلاً بعفوية :

- تبدين جميلة في كل الأحوال.

طرفت آليس مذهولة مما سمعته حتى أشعرها اطراءه بالخجل ، ابعدت خصلات من شعرها مخفية حرجها رغم وضوحه :

-شكراً على الإطراء.

- و الآن هل بإمكاننا الانتقال الى النقطة الأهم؟

اقترب منها ضاماً ذراعيه الى صدره و كأنه يخبرها ان لا مهرب امامها الآن ، و لكنها حقيقة كانت تتمنى لكمه لتجاهل شكرها ظانة انه كان يسايرها فحسب ، تهربت آليس من النظر داخل عينيه مباشرة تقضم طرف شفتها السفلى في أسف! اخذت لمحة نحوه لتراه يصب جام اهتمامه و تركيزه عليها لقد كان واضحاً كم هذا الأمر يهمه و يثير حنقه بقدرها ايضاً!

كانت تدري شعورها بالندم لاحقاً لكنها لم تدرك كم سيكون ذلك عصيباً عليها حتى هذه اللحظة ، انها تستغله! تستغل عاطفته نحوها ، اهتمامه الكبير بها ، قلقه و ثقته من أجل ان تحسن انتقامها من جايكوب! كانت عالمة انها شخص وغد و حقير بالفعل لكنها و بفعلتها هذه تخطت المقاييس ، تمتمت بصوت يكاد يسمع :

- لتذهبِ الى الجحيم آليس!

رفعت رأسها و ثبت نظرها داخل عينيه الكهرمانية ، قائلة بلسان ثقيل و نفس أثقل :

- انه ليس بالأمر الجلل ، تحدثنا عن موضوع قديم و قد كنت حساسة بشكل مبالغ ...

- حساسة بشكل مبالغ؟ هل تمزحين معي؟!

استهزائه كان ممزوجاً بالغضب فقد بدا له ان آليس تستخف به ام انها تحاول التهرب و الكذب مجدداً ، لقد اخبرها صراحة انه يثق بها اذاً لماذا لا يمكنها ان تثق به هي ايضاً؟ الى اي مدى ستظل تخفي كل شيء عنه رغم علمها انه لن يخذلها؟ و هذا ما كان يثير حنقه و خيبته كذلك .

عبست آليس و اخفضت من بصرها و ذلك الثقل في صدرها يزداد فقد كانت نظرته نحوها تفصح عما يفكر و يشعر به ، تنهدت بقوة و قد اخذت اصابعها تنعقد ببعضها في توتر ؛ رفعت بصرها نحوه و هذه المرة قررت ان تكون صادقة معه :

- انت بالفعل تعلم بكل شيء! .. انا واثقة من ان جايكوب قد اخبرك عن لويس و ما الذي حدث قبل سنتان.

اراد الادعاء بالجهل لكن ذهوله ثم تهربه من النظر اليها مباشرة فضحه ، الشخص الذي احبته سابقاً ؛ كم شعر بأن موقفه بات غريباً اذ ان هذه هي المرة الأولى التي تخبره عنه ، شعرت آليس بالاستياء الشديد حالما تأكدت شكوكها هو الثاني لم يسبق له ان سألها رغم علمه بالذي حدث بل اكتفى بالقصة من وجهة نظر جايكوب!

- كنت أرغب بأن تسمعها مني! .. لكني كنت بحاجة الى الشجاعة و الكثير من الوقت ... و الثقة ايضاً ... كان ذلك يفوق طاقتي حتى بعد ان أمتلكت كل هذا .. لهذا انا حقاً آسفة .

لكن هذه المرة لم تمتلك الشجاعة حتى تنظر الى عينيه و نطقت ذلك الأسف بكل سوء ، في حين انها حقيقة كانت تتأسف من استغلاله مع انها صارحته ، و قد ظن رايان ان ذلك الأسف ناتج عن قلة حيلتها لا أكثر ؛ تنهد بقوة و كم كره رؤيتها عابسة بهذا الشكل و متكدرة من كانت تضحك بملئ قلبها منذ قليل ، اقترب منها أكثر و أمسك بيدها علها تتوقف عن عقد اصابعها بذلك الشكل المتوتر ليقول حينما نظرت اليه تلقائياً :

- لا بأس .. سأسمعك في اي وقت و سأصدق كل حرف لذلك لا داعي للضغط على نفسك او الاعتذار .. هذا يشعرني بالسوء ايضاً كما تعلمين .

اضاف في النهاية متذمراً و قد تكونت عقدة بين حاجبيه ، ابتسمت آليس بضيق و كلماته تلك زادت من الثقل فوق صدرها ؛ هل سيعيد ذات الكلمات اذ ما علم بنواياها؟ و دون ان تنتبه تغوص في تفكير عميق شعرت بوكزة قوية على جبينها أعادتها الى أرض الواقع ، وضعت يديها فوق جبينها متحدثة بغيظ :

- ما خطبك فجأة؟!

- بلى .. الآن تبدين أفضل .

هذا الوغد كان يستمتع مراقباً غضبها و زمجرتها تلك ، ابعدت آليس يدها قائلة بتهكم :

- ما خطب عائلة روتشايلد معي؟ حتى قطتكم تلك بالفعل اخذت نصيبها و خدشت قدمي!

تقلبت ملامحه الى أخرى مستغربة للحظة متكئاً بمرفقه على ظهر الاريكة قبل ان يضيف بحيرة :

- قطة؟ هل قامت شيرو بخدشك؟

- بلى ، انظر!

ثنت آليس قدمها ليظهر خدشان طوليان تحت كعب قدمها ، مازالت الخدوش محمرة و لم تجف من الدم بعد ، أعصابها كانت مشدودة اضافة الى الوخز المزعج الذي يسببه الخدش و لكنها قط لم تتوقع منه ان ينزل من على الاريكة و يجثم على ركبة واحدة ثم أمسك بقدمها و فحص الخدش الذي كان منتفخاً قليلاً ، جز على اسنانه متمتماً :

- سأقتل هذه القطة يوماً ما .

كانت آليس ترمش بعينها لا تدري هل تتفاجئ او تحتار ام تتساءل بماذا تفوه به و وسط هذه المعمعة من المشاعر المختلطة كان الحرج هو المسيطر ، آذانها و وجهها باتت حمراء كلياً و قد تكونت غشاوة من الدموع جعلت أعينها تلتمع ؛ فقط ما الذي يخال هذا الشخص نفسه فاعلاً؟

- تلك القطة ما زالت صغيرة و مخالبها ليست حادة من حسن حظك ان الخدش سطحي .

- أ .. أعلم .. اذا ..

استقام ما جعل من آليس تخرس للحظة و حينما أرادت سؤاله اخبرها و ملامحه تلك بدت غريبة :

- انتظري هنا سأعود بعد لحظات .

عقدت آليس حاجبيها من ثم اومأت له و هي لا تدري الى اين سيذهب ، تتبعته بأعينها مريحة ظهرها على مسند الاريكة ، اخرجت المرآة بشكل جنوني حالما تأكدت انه ابتعد و تفحصت وجهها قائلة بلسان يتعلثم :

- لا انه أحمر الخدود فقط .. وجهي لا يشتعل بسببه بل بسبب أحمر الخدود! رباه على من أكذب!

التفت جانبها لترى وسادة موضوعة بغرض الزينة التقطتها و قامت بعصرها بين يديها بشدة تكب رغبتها الملحة في الصراخ ، من الخجل بالتأكيد!

عاد رايان بعد دقائق بيده كيس صغير ليجدها تجلس بوضع كتمثال دون حراك ، لم يرغب بالسؤالها لما تبدو متصلبة هكذا بل أراد فعل ما يفكر به في صمت ، جثى على ركبة واحدة امامها بينما ادعت آليس انها تراقب النزلاء من حولها سارحة و كأن طبول قلبها التي تقرع ستسمح لها بالتركيز! كان رايان صامتاً هو الآخر حتى اللحظة التي نزع فيها الحذاء جاعلاً من آليس تجفل قائلة على نحو ذعر :

- ما الذي تفعله؟!

- اعتذر بطريقتي عما تسببته قطتنا لك ، لقد قلتِ ان عائلة روتشايلد تمتلك صغينة ضدك! هل ابدوا لكِ كذلك الآن؟

رفع حاجبه و كأنه يتحداها في ان تنكر ذلك ، لكنه لا يدري و للمرة الثانية ان افعاله تسببت في توقف الدماء من الوصول الى رأسها لذلك عانت صعوبة من الاستيعاب بسرعة فسألته بتعجب :

- ما الذي تقصده؟

انزل رايان بصره ليخرج من الكيس البلاستيكي مطهر و لاصق جروح ، ارتسمت ابتسامة ساخرة على محياه فتمتم :

- انا أجثم أمامك الآن و ان رأنا أحد من بعيد سيظن أنني أطلب يدك لزواج!

كبت ضحكته من مجرد تخيل الموقف الا انه فشل فلو انه منح بعض الحرية لكان يضحك بشكل هستيري ، دوم ان يدري ان تمتمته الغير مفهومة لآليس من ثم ضحكه جعلها تغتاظ ظانة انه يسخر منها الآن! أرادت نفض قدمها و ركله في وجهه لعله يخرس الا انه وضعه المطهر على الجرح جعلها تنتفض من الألم :

- ما ال ... هذا مؤلم لما وضعته فجأة؟! كن أكثر لطف على الاقل!

ابعد رايان المنديل قليلاً ثم ثبت قدمها حتى لا تبعدها مرة أخرى و بشكل أقل حدة و أكثر رفق مسح فوق الخدش قائلاً :

- كان عليك ان توجهي هذه الكلمات الى نفسك حينما تعقمين جروح احدهم .

الوضع بات لا يطاق فبينما هي تتألم من جرح سخيف و حنقها يثار من قبل أحمق كان هو يستمتع لرؤيتها بذلك الشكل و هذا ما جعل العروق تبرز على رقبة آليس التي ردت من بين أسنانها :

- اذاً انت تفعل ذلك لكي تنتقم؟ أراك تستمع بهذا ... راي انت لا ترغب بأن تكون في عداد الموتى صحيح؟

- إنتهيت.

وضع لاصق الجروح فوق الخدش ثم مسحه على بإبهامه حتى يتأكد من انه ملتصق بشكل جيد ، بدا و كأنه لم يستمع لما قالته منذ قليل فتابع و ألبسها حذائها مكملاً بذلك عمله ، رفع رأسه نحوها و مع إبتسامة زينت ثغره قال على نحو لعوب :

- هل انتِ راضية عن فرد من عائلة روتشايلد على الأقل؟!

طرفت آليس لَما لم تفهم ما عناه في البداية ، متهربة من النظر اليه مباشرة و مع وجه خجل ردت مدعية الانزعاج :

- بلى و ذلك الشخص سيكون سول!

- يا لكِ من ناكرة للجميل.

استقام رايان واقفاً ما جعل آليس ترفع رأسها نحوه تنفخ احدى خديها :

-جميل؟ انت سدت دينك فحسب.

- حقاً؟! .. اذاً ..

ردتمتعجباً و بشكل غير متوقع انحنى مقترباً منها جاعلاً اياها تجفل ، اردف بخفوت :

- متى تنوين تسديد دينكِ كاملاً لي؟

' آليس تجاهلي الإغراء في صوته انه وغد يحب رؤيتك مرتبكة! ' رددت في عقلها هذه العبارة محاولة اخفاض خفقان قلبها و حرارة وجهها معاً ، ابتلعت رمقها محاولة مجاراته قائلة على نحو ضجر :

- اصدقني القول .. انت تحاول العبث معي و تغريمي في شيء ما لاحقاً بقولك هذا صحيح؟

و ماذا سيرى أقل من ذلك منها؟ توقع انها ستعرف بما يفكر به و لكن ليس تحديداً ، من جانب ما كلاهما يستغل الأخر! ابتسم رايان بإتساع ثم جلس بجانبها قائلاً :

- ما يزال هناك شيء صغير ، ان فعلته سأعتبر انكِ سددتي دينك كاملاً.

-و ما هو؟

ردت آليس بضجر و كل ما فكرت به انه سيطلب منها شيء سخيف سيثير اعصابها لا أكثر ، لكنها قطعاً لم تتوقع ان يضع يده فوق عينيها حاجباً رؤيتها ؛ جفلت الفتاة متسائلة بتعجب :

- لماذا تفعل هذا؟

- احتاج الى سكوتك ايضاً .

و بيده الاخرى اخرسها واضعاً اياها فوق فاهها ، كان يكتم ضحكته و هو يشعر بحاجبها يرتفع في غيظ تحت يده ، للحظة حتى كست تعابيره الهدوء حينما قال :

- للحظات فحسب .. اهدأي.

ضمت آليس ذراعيها و هي لا تمتلك القدرة على الرؤية او الحديث حتى ، و في تلك اللحظات التي منعت فيها من فهم ما يرغب بفعله الا انها شعرت بإقترابه ابتعلت رمقها و اخذ قلبها يخفق لكن في إرتباك! منتظرة اي نوع من المقالب ينوي ايقاعها به و لكن قطعاً لم تفكر انه هنا اقرب اليها من اي شيء آخر ، و لو لم تفصله يده الموضوعة فوق شفافها لكان الآن يكرر ما فعله ذلك اليوم بالصف حينما خلصها من رهان جايكوب .

كان يعلم انه قد تجاوز الحد و اذ علمت آليس لكان في عداد الموتى بالفعل لكن ما بيده حيلة فقد استسلم لرغبة قلبه في النهاية ، منذ ان رأها و حتى الوقت القصير الذي قضياه في الشرفة رغب بتحسس هذه الشفاه التي تضحك بشكل يصيبه بالعدوة ، رغب بتحسسها على نحو آخر و لكن سيكون ذلك تهوراً لن يفلت منه حينها ؛ لذا قام بوضع يده فوق فاهها واضعاً حاجزاً بينها و بين شفتيه.

ابتسم بهدوء و ابتعد عائداً الى مكانه مزيلاً كلا يديه ، و حالما انزلهما انتفضت آليس تنظر يميناً و يساراً باحثة عن اي شيء غريب بقربها ظانة أنه ينوي مقلب ما عليها و حينما لم تجد شيء التفت نحوه ستسجوبه :

- انت لم تفعل اي شيء غريب صحيح؟

واضعاً خده فوق راحة يده هز رايان رأسه بالنفي و بكل براءة جعلت آليس تشك بنظراته تلك ، استمر كلاهما بتشابك الانظار آليس تنتظر منه قول اي شيء و رايان رغم كونه يحدق فيها الا ان عقله و تفكيره في مكان آخر ، لم تستطع آليس الجزم ما الذي يشغله الى هذا الحد فملامحه كانت حيادية بشكل مفزع رغم ان اعينه الكهرمانية المثبتة عليها تحرجها لذا انتفضت واقفة تخفي ارتباكها قائلة :

- أ .. أعتقد ان عليّ العودة الآن ، لست معتادة على البقاء خارج المنزل لوقت متأخر من الليل.

- ان كنتِ مغادرة بسبب جايكوب ...

- لا! ...

قاطعته بإنفعال من كان يجلس و يرفع رأسه نحوها و كأنه يمتلك وقت العالم بهذا الهدوء ، هزت آليس رأسها و بشكل مجهد تحدثت تمسك بحقيبتها :

- ليس بسببه .. أشعر ببعض التعب فحسب .. الا اذا تريد مني النوم وسط القاعة.

سخرت في النهاية و لكنها اوضحت له مدى انهاكها ، كانت تبتسم بعفوية تخفي بها شعورها بالألم من الوخز داخل صدرها و شيء فشيء يزداد حتى يفقدها القدرة على التنفس و في حالة كهذه يتوجب عليها العودة الى المنزل حالاً! نهض من مكانه ساخراً :

- بلى و بهذا الشعر البني سيظنون انني أحضرت دب من سلالة نادرة تشبه البشر.

تظاهرت آليس بالانزعاج محاولة اخفاء بسمتها قدر الامكان رغم انه يسخر منها الا انها لم تستاء فعلياً منه ، و قبل ان تقول كلمات الوداع سبقها رايان واضع كلتا يديه في جيوبه و على نحو مريب نظر الى عينيها مباشرة بجدية :

- بالمناسبة آليس ...

التفت آليس نحوه يغزو التساؤل عينيها فقد كانت نبرته مثيرة لشك ، لم يبدو متردداً بقدر كونه جدياً حينما قال :

- انتِ تنوين حقاً الانتقام من جايكوب صحيح؟

رفعت آليس حاجباً من سؤاله الغريب و الذي لم يكن وقته مناسباً كذلك ، الا انها هزت كتفيها ببرود قائلة :

- بتأكيد .. لا تقل لي أنك تحمل بعض المشاعر العائلية تجاه ذلك الوغد؟!

- لابد من أنكِ تمزحين!

ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيه فهز رأسه نافياً ، لم تكن ردة فعله تلك كافية بالنسبة الى آليس لكنها قررت تأجيل اي تساؤلات لاحقاً فالضيق الذي انتشر في صدرها و شعورها بالدوار لن يسمحا .

انتشلهما الصمت لبضع لحظات كان واضحاً ان شيء ما يدور في ذهن رايان الا انه ظل صامتاً مع سكوت آليس ، و الان الأخرى بدت منتظرة اياه البوح بأي شيء ابدا عدم الاكتراث فقال اليها بخفوت :

- لا تهتمي .. انتبهي الى نفسك .

- اه .. حسناَ و ...

شعرت آليس بالغرابة من موقفه ذاك لكنها لم تستطع منع ابتسامتها من رؤيته شارد الذهن و لو ان موضوع سؤاله لم يرقها لكنها أرادت استغلال الفرصة و رؤيته على الحافة لعل ذلك يمتعها و يجعلها تنتقم منه حينما كاد ظهرها نكسر عائداً الى وراء لما حاصرها بين ذراعيه لذا اقتربت تهمس له في اذنه و كأنها تخبره بسر :

- عيد ميلاد سعيد راي .

ابتعدت عنه قليلاً لتراه مدهوشاً من اقترابها الغير المدروس! عضت شفتها السفلى من الداخل تكتم ضحكتها قدر الامكان ، بلى هذا ما كانت ترغب برؤيته متصنماً و مدهوشاً الا ان ردة فعله هذه اقل مما كانت تتوقع ؛ لا بأس كان من الواضح انه بات جريئاً و غير مبالي قليلاً مقارنة مع ذلك اليوم حينما قدمه الى جاسبر لانغدون على انه حبيبها!

ابتعدت آليس ثم لوحت له مغادرة و حالما تذكرت ذلك فلتت ضحكة من حنجرتها فسببت وخزاً شديداً داخل صدرها جعلها تتأوه بألم ، سحقاً حتى الضحك ممنوع عليها اذا؟! انزلت الهاتف من على اذنها بعدما اتصلت بالسائق و اخبرته بإلزامية مجيئه اليها الآن .

وقفت على حافة الرصيف و اضواء الفندق من خلفها لم تتغلب على الظلام التي يكتنفها في هذه اللحظات ، ظلمة افكارها ، مشاعرها و ذكرياتها كذلك ، لم ينتشلها منها شيء الى ان توقفت السيارة امامها و نزل السائق ليفتح الباب من أجلها ، ربما كانت مبتئسة و مستاءة لإفساد كل شيء في النهاية تماماً كما بدا رايان حينما غادرت .

لم يبرح مكانه حتى فترة وجيزة منذ مغادرتها ، فرك شعره بعنف ثم اعاد تهذيبه متذكراً ان عليه العودة الى الداخل رغم كونه قد فقد الرغبة و الشغف لمتابعة هذه الليلة هو الآخر نال كفايته لكن ليس و كأن بمقدوره المغادرة مثلها بكل سهولة ، نهض من مكانه واضعاً كلتا يديه في جيوبه و بصره كان في الأرض لذلك لم يكن من الجلي اي نوع من النظرات كانت تعلو محياه لكنها كانت من ذلك النوع الذي يقسم بأن يذيق أحدهم الجحيم لمجرد مرور صورتها و هي ترتجف باكية في رأسه .

تحرك رايان نحو الداخل رافع رأسه ثم مسح شفته السفلى بإبهامه ، محدثاً نفسه بفتور :

- سيكون عليّ وضع حد نهائي لهذا .. لهذا الرهان .

.

.

.

-اين كنت؟

توقع هذا السؤال الجاف من والدته حالما وقف بجانبها معدلاً ياقة سترته و خصلاته الكحلية .

- خرجت لبعض الوقت ، هل حدث شيء ما؟

رد دون ان ينظر اليها و نبرته الرسمية لم توحي بشخص يخاطب والدته بل رئيس عمله ، ضمت جيما ذراعيها الى صدرها و قبل ان ترد ابتسمت في مجاملة لأحد الحاضرين الذي حيّاها من بعيد ، فقط كم بإمكان هذه المرأة ان تكون منافقة هكذا؟

- عادت زوجة شقيقك الى المنزل ، لم تكن بياتريس تشعر بتحسن فعادت بمفردها تاركة الباقي عليّ.

التفت رايان نحوها هذه المرة فقد أقلقته بحديثها عن تريس و قبل ان يسأل عنها أكملت حديثها لكن على نحو أشد غيظاً :

- كما ان عليك الاهتمام بضيوفك شخصياً حينما تسمح بإحضار حيوان اليف ثم يقوم بإيذاء احدهم!

عقدت حاجبيها و هي تحدق فيه مباشراً ، الا ان رايان لم يظهر اي نوع من التعابير فهل عليه البوح انه فعل أكثر من الإهتمام بضيف بل و فعل كل شيء بنفسه مع قبلة كإكرامية؟ ظنت جيما ان بروده ذاك ناجم عن عدم اكتراثه لكنها لا تعلم انه يكب نفسه من ابداء اي فعل يفضحه .

لم يقم أحد بدفعه الى هذا الحد قبلاً لكن أحداهن بشعر بني و عيون خضراء غامقة فعلت ، فقط كم اصبح ليناً منذ ان عاد الى لندن؟

***********

اضواء المنزل كانت مطفئة رغم كونها العاشرة و النصف ، خلعت آليس حذائها ذو الكعب فهو الاخر كان قد أزعجها كفاية ؛ جل ما كانت تفكر به في هذه اللحظات هو التوجه الى غرفتها أخذ أدويتها من ثم حمام ساخن موسع للأوعية الدموية سيساعدها على النوم رغم كونها تشك بأن الارق سيجعلها تنام هذه الليلة .

صعدت اول درجة و هي تحمل حذائها في يدها ، الهدوء في المنزل لم يرقها و ما زاد استغرابها اكثر هو علو صوت التلفاز القادم من الصالة ، نظرت آليس الى اعلى الدرج ثم نحو الصالة كانت تشعر بالوخز الشديد في صدرها اضافة الى صفير في نفسها رغم ذلك أرادت التحقق من وجود اي مخلوق حتى هذه الساعة و يشاهد التلفاز بهذا الصوت العالي .

لم ترى آليس اي أحد في الجوار ، توجهت نحو المنضدة لتتناول جهاز التحكم و تغلق التلفاز و حينها فقط استطاعت سماع انفاس أحدهم على الاريكة بجانبها ، كان ذلك ادريان النائم بوضعية مؤلمة لظهر و الرقبة فوق الاريكة و لم يبدو و كأنه يبالي بذلك ، اقتربت آليس منه قلقة من سبب تواجده هنا في هذا المكان البارد و نائم بهذه الوضعية هكذا ، هزت كتفه برفق منادية اياه :

- ادريان انهض لماذا تنام هنا؟

فتح المعني عينيه لثانية متمتماً تحت هلوسة النوم :

- لن انهض .. حتى تعيدي اليّ قرص الديفدي خاصتي ستيلا!

او بالاحرى تحت هلوسة الكحول ، رفعت آليس حاجباً بتعجب دون ان تفهم ما الذي يتحدث عنه فإلتفتت لترى خمس علب من المشروبات الكحولية فارغة و مرمية بإهمال فوق الطاولة و مما لا شك فيه ان هذا الثمل لم يشرب خمس علب لوحده ، فقط اي نوع من السهرات كان يحضى بها ادريان ايضاً؟

لم تتعب آليس نفسها بإيقاظه و اكتفت بتعديل وضع رقبته المزري ثم وضعت وسادة أسفل رأسه و تغطيته بلحاف قطني رقيق ، تاركة اضواء الردهة تضيء الصالة بشكل خافت ثم توجهت بدورها الى غرفتها ، هي حتى لم ترغب بتفقد ما ان كان عمها و زوجته في المنزل بالفعل ام لا.

اخذت الادوية مفعولها فشعرت بالاسترخاء في سائر جسدها لكن عقلها لم يبرح الصمت او الراحة ، فسؤاله ذاك كان الطاغي على كل ما حدث معها الليلة ' انتِ تنوين حقاً الانتقام من جايكوب صحيح؟ ' موقفه من سؤاله ذاك لم يكن واضحاً و هذا ما زرع الشك فيها ، أيمكن انه يعلم بما تفكر في فعله؟ هزت آليس رأسها و وضعت اي شيء يتعلق بجايكوب و راي جانباً لهذا الوقت فهناك طامة اخرى تنتظرها تدعى سكايلر بوكر.

*********

الآن فقط علم كم من الصعب البقاء مستيقظاً طوال الحصص حينما لا تنال النوم الكافي ، لم يتوقف رايان عن التثاؤب و موقعه في آخر الصف منحه الأفضلية في اخذ قسط صغير من الراحة دون ان يلاحظه الاستاذ .

حينما قام بسحب سول من السرير هذا الصباح لم ينصع لها حينما طالبته بالتغيب اليوم من أجل الارتياح من الليلة السابقة و قد كان احمقاً لإصراراه على ذلك ، خاصة و هو يرى مقعدها شاغر ايضاً و قد علم من جيرمي ان جايكوب متغيب هو الآخر اذاً لماذا بحق خالق الجحيم أتعب نفسه بالمجيء اليوم؟

بالكاد يحمل طاقة لتحمل المجاملات و التملقات و لوهلة ظن انه محبوب و ذو شعبية كبيرتين حتى تذكر ان هذه اللحظات ستدوم بضعة أسابيع فحسب ثم يعود كل شيء لما كان عليه سابقاً ، بلى انها فترة قصيرة و عليه التحلي بالصبر.

كان يتجول في الأروقة يهز رأسه بمجاملة على كل من يستوقفه و يخبره بكم حظيّ بوقت رائع في الليلة الماضية ، حتى استطاع التنبؤ بكل كلمة تخرج من أفواههم و رغم هدوءه و تقبله لكلماتهم من الخارج كانت أعصابه في الداخل تحترق ضجراً فقط كم سيكون عليه التحمل؟

قلب عينيه ثم زفر مفرغاً الهواء من داخل صدره ، وجهته كانت اي مكان خالي و هادئ سيكون قادراً فيه على اراحة عينيه و تنظيم أفكاره و تحسين سرعة استيعابه ، لكن ذلك تم تأجيله حينما رأى هيذر تقف أمام خزانة ليست بخاصتها و تعبث بها على نحو غريب ، عقد رايان حاجبيه بغير رضى واضعاً كلتا يديه في جيوبه فإذ ما كانت آليس مغيبة اليوم فهذا لا يعني انه قد تم منح الحق لأي أحد بالعبث بأشياءها.

- ما الذي تفعلينه آررتون؟

لهجته كانت مستهجنة و متعجبة على نحو مكفهر ، و لكن نبرته لم تكن مهمة لدا هيذر فقد افزعها حضوره ككل ، كانت متوترة و مرتبكة منذ البداية و الآن مع امساك رايان لها أدركت مدى حمق فعلتها ، نظفت الفتاة حلقها و حاولت ترتيب كلماتها للخروج بجملة قد تقنعه :

- لدي غرض قامت آليس بوضعه في خزانتها و هي متغيبة اليوم لقد استشرتها بالفعل .

- ان كنتِ قد استشرتها بالفعل فبتأكيد قامت بإخبارك عن كيفية فتح الخزانة دون الحاجة الى المحاولة بمفردك.

رد رايان ببرود و جدية قاطعاً اي محاولة واضحة في الكذب او الدوران ، و بالفعل عبست هيذر و أدركت انها في موقف لن تستطيع الفرار منه ، عضت شفتها السفلى ثم رفعت عينيها نحوه قائلة باستسلام :

- هناك شيء أنوي التحقق منه ، و هذا الشيء سيثبت ما ان كانت شكوكِ صحيحة أم لا؟

-و ما هو ذلك الشيء؟

رفع رايان حاجباً و مازال غير مقتنع كلياً بكلماتها و على نحو غير متوقع ردت هيذر مصممة :

- لا يمكنني أخبارك! انه أمر شخصي و ستغضب آليس ان ..

- مللت من ركني في الزاوية دون ان أفهم اي شيء!

صك على اسنانه حانقاً و ما جعله ينفر اكثر هو ان هيذر كذلك قد لاحظت خطب ما و هاهي على عكسه تحاول معرفته بينما هو يجلس حتى تأتيه الحقائق لوحدها ، لم يكن يرغب بالضغط على آليس و الإلحاح عليها او جعلها تشعر بالضيق فقط اكتفى بتصديق كلماتها و منحها وقت العالم حتى تستجمع شتات نفسها و تبوح له بكل شيء ، حينما تكون جاهزة بالتأكيد.

- هيذر .. ما ذلك الشيء الذي تبحثين عنه؟

- لا شأن لك .. رايان روتشايلد انها أمور آليس الشخصية!

حدجتها بنظراته و قد نطق بحدة جعلت من هيذر تغضاض هي الاخرى من لهجته الآمرة ، اقترب رايان منها و انحنى حتى تكاد اعينيه الكهرمانية تخترقها كلياً قائلاً على نحو خافت مهدد :

- ما يخص آليس باترسون يخصني ..

ابتعد قليلاً عنها و قد كانت هيذر ما تزال تبدو حذرة منه ، استطرد على نحو اهدأ :

- لذا هيذر .. أختصري الأمر و أخبريني ما الشيء الذي تبحثين عنه؟!

- انت لن تتدعني أذهب بكل الأحوال أليس ذلك؟

ردت بعد تنهيدة مستسلمة فلا شيء من مظهره يوحي بأنه سيترك الأمر يذهب بسلام في المقام الأول ، فركت هيذر غرتها و نظرت اليه بإرتباك و في دواخلها لا تدري ما ان تقوم بإخباره بما سمعته ام تختلق كذبة ما ، نظرت حولها فللجدران آذان ايضاً :

- اذاً .. لنذهب الى مكان آخر ، لم أعد أثق بأشيء و لا بأي أحد قد يسمع محادثتنا صدفة كما حدث معي .

لم يعلق على كلماتها تلك و كل ما استطاع فهمه انها سمعت شيء ما صدفة ، شيء قد جعل هيذر آررتون التي لم يسبق لها و ان تدخلت الا بصفتها رئيسة مجلس الطلبة تفعل هذه المرة ، و هذه المرة ايضاً سيتدخل لكن بطريقته .

.

.

.

كان يتكأ على الحائط يقابلها بينما هي تجلس على الدرج المخصص للطورائ خارج بناية المدرسة ، نظرت اليه عن كثب فقد قرر الصمت فجأة و تعابيره المحايدة تلك أكثر ما يفزعها فلا تدري ما الذي يدور في ذهنه او ما قد يقدم على فعله لذلك اندفعت قائلة :

- لم تفسح لي آليس المجال حتى ، لهذا أردت التأكد ما ان كان ما أفكر به صحيحاً أم لا ... ربما قد يقصد أشياء أخرى نحن لا ندري لقد كان سكايلر بوكر صديقاً لشخص تم طرده قبل سنتان بسبب إفتعاله حريقاً في مختبر الكيمياء و قد تم تداول بعض الشائعات التي تقول انه كان يتعاطى المخدرات لذلك ...

تنهدت هيذر ممسكة برأسها شاعرة بالصداع من كل ما يحدث ثم اضافت على نحو اكثر هدوء :

- هذا أول ما توارد الى ذهني حينما سمعته لهذا أرغب بالتأكد و اتمنى الا تكون شكوكي صحيحة.

كان صمته مريباً لكن حينما حمل حقيبته على كتف واحدة و تحرك مغادراً ايقنت هيذر ان قرارها هذا كان جسيماً و ما كان يفترض بها التكلم ، انتفضت من مكانها قائلة بإبنفعال :

- الى اين ستذهب؟ لا يمكنك التسرع بفعل شيء ...

- لدي مكان لأذهب اليه لا أكثر ، لستُ غبياً لأفعل شيء ما دون تفكير و انتِ ايضاً دعي هذا الامر جانباً لهذا الوقت و ان قابلتي آليس تظاهري و كأن شيء لم يكن .

نزل الدرجات السفلى على عجل متجاهلاً محاولة هيذر لإيقافه سواء ان اخبرته هيذر بهذا ام لا كان ينوي الذهاب الى ذلك المكان بكل الأحوال و الآن باتت حاجته ملحة اكثر ، فركت هيذر غرتها على نحو عصبي و مرتبك ؛ لقد أحضر لها هذا الامر الصداع بما فيه الكفاية كما لم تستطع التظاهر بالجهل تمتمت معيدة كلماته على نحو حانق و مستهزء :

- و ادع الامر جانباً و اتظاهر و كأن شيء لم يكن؟ بجدية أهو يعرف آليس باترسون حتى؟! هي التي لن تتركني و شأني!

قضمت هيذر ظفر إبهامها بتوتر متمتمة :

- ما العمل اذاً؟

**********

من جهة أخرى حيث سيد المصائب يستلقى على ظهره يقابل السقف بوجه خالي من التعابير ينبؤ بعقل شارد في اشياء عدة ، و قد اعرب عن ذلك بقذف الكرة لترتطم بالسقف و تعود الى يده مراراً و تكراراً حتى قاطعت وتيرته صوت الجرس و هو يرن .

لم يكن مركزاً في البداية الا ان زادت دقات الجرس بشكل أسرع و أقوى انتشلته من قوقعته فزعاً فلم يقدر على إمساك الكرة في الوقت المناسب حتى عادت مرتطمة برأسه ، لعن جايكوب تحت انفاسه و هو ينهض من على سريره ممسكاً جبهته المتألمة و قد قرر أخيراً تفقد هذا الزائر الذي يدق الجرس بشكل يثير جنونه .

كانت الحادية عشر صباحاً و من المحال ان تكون والدته قد عادت الان و نست اخذ المفاتيح معها ، نزل الدرج على عجل صائحاً بالطارق المزعج :

-انا قادم! جيرمي اذا كان هذا أنت فصدقني ستموت على يدي في ...

تحجرت الكلمات في حنجرته حالما فتح الباب ، لم يكن جيرمي و لا والدته و لا شخص توارد الى ذهنه ابداً ، بينما كان يحاول استيعاب ما يبصره ، اعطاه رايان ابتسامة صغيرة مجاملة و متكلفة في آن واحد ثم رد بسخرية :

- من منا سيموت على يد الآخر الآن؟

-ما الذي جاء بك الى هنا؟!

رد جايكوب بحدة في الحال ، سقطت بسمة رايان المتكلفة قائلاً بشزر :

- أتفقد ابن عمي المتغيب اليوم؟ مكانك الفارغ أحدث فراغ في قلبي كذلك ..

- تحدث بجدية ايها الوغد!

استفزازه ممتع جاعلاً من رايان يتمالك ضحكته ، التفت جايكوب للداخل حيث كانت ردهة المنزل خالية و باب مكتب والده مغلق كذلك حينها رد رايان قائلاً :

- أريد ان أدخل أولاً .

ابعد رايان جايكوب الذي كان يقف عقبة أمامه و داست اقدامه عتبة المنزل لأول مرة منذ وقت طويل ، تجولت أعينه في المكان و قبل ان يعلق اتاه صوت جايكوب الساخط :

- لا لن تدخل و ان كنت ترغب في قول شيء ما لتقله و انت بالخارج!

وضع جايكوب يده على كتف رايان ليسحبه خارجاً الا ان الاخر نفضها و تابع سيره نحو الدرج معلقاً :

- لم يتغير منزلك كثيراً بعد كل هذا الوقت ... غرفتك كانت الثانية على اليمين صحيح .

- ايها الحقير أخرج في الحال .

الموقف كان كالتالي ؛ العروق على رقبة جايكوب برزت من شدة سخطه و انزعاجه من برود تصرفات رايان و استفزازه المستميت له و هاقد ذاق المستفز من كأسه أخيراً ، لم يستطع جايكوب اللحاق به في المقام الأول بل توجه الى مكتب والده و بهدوء تفقد الغرفة المظلمة تفوح منها رائحة الكحول و جثة رجل لو لا صوت تنفسه العالي لظن انه ميت مرمية على الاريكة ، أغلق باب برفق حتى لا يحدث ضجة متمتماً :

- سحقاً لهذا الرجل السكير! ينام في النهار بينما يثمل في الليل .

كان عليه التأكد من ان هذا الرجل غير واعي حتى لا يتكرر ذات الأمر مع سول و بياتريس ، والدته كانت هنا في ذلك الوقت ام الان فهو وحده و لا يظمن أنه قادر على التعامل مع شخص يثور حينما يرى اي فرد من عائلة روتشايلد حرفياً و هذا يشمله كذلك ، رفع بصره نحو الدرج لاعناً :

- ذلك الحقير! ما الذي جاء به الى منزلي في المقام الأول؟!

فتح باب غرفته مندفعاً ثم أغلقه حتى كاد يحدث تصدعاً فيه ، رفع رايان بصره نحو جايكوب الذي يكاد ينقض عليه و يخنقه بينما يجلس على كرسي المكتب بشكل مهذب و يدور الكرة على اصبع واحد قائلاً :

- لماذا انت منفعل هكذا؟

اراد جايكوب شتمه من جديد لكنه ابتلع كلماته و زفر بعمق ، تقدم نحوه سائلاً اياه بجدية و اعين محتدمة :

- هذه المرة الاخيرة التي أسألك فيها رايان روتشايلد ، ما الذي جاء بك الى منزلي؟

- لست سريعة البديهة كما اعتدت جايكوب.

سقطت الكرة من يده دون ان يبالي بإلتقاطها من جديد ، ثبت رايان حقيبته على كتفه جيداً ثم انحنى الى الأمام و قد بدا و كأنه المتحكم في هذه الأجواء و لعله كذلك فعلاً! الا ان جايكوب نظر اليه بتعاليٍ قائلاً بإستخفاف :

- اذا انت حقاً هنا لما حدث في الليلة الماضية؟

لم يعجب رايان بإستخفافه ذاك ابداً و كأن ما فعله البارحة بها شيء لم يكن! جز على اسنانه ثم رد بحدة :

- بلى انت تعلم فبعد كل شيء انت من جعلها تبكي!

رفع جايكوب حاجباً من سخطه المبالغ فيه ، أحقاً أقتنع ان تلك الدموع حقيقية و ليست تمثيلاً؟ و قبل ان يرد سحب جايكوب سلة الثياب المتسخة ثم قلبها بثيابها يجلس عليها و هنا فعلياً قد تحول هذا النقاش الى حدث جديّ سينتهي بأمر لم يكن متوقع!

- و انت صدقتها؟ كنت أعلم أنك أحمق لكني متفاجئ من شدة غبائك ...

- لقد حذرتك جايكوب! .. في ذلك اليوم عند نهاية ذلك الرهان بينكما ، أخبرتك انك اذ ما تجرأت و أذيتها فستندم.

قاطعه معيداً على مسامعه ذات الكلمات التي سبق و ألقاها عليه لكن و على ما يبدو ان الاخر لم يأخذها بجدية آن ذاك ام انه نسيها ، ضم جايكوب ذراعيه الى صدره قائلاً :

- اندم؟! لا تجعلني أضحك ارجوك! .. لقد انطلت عليك حيلتها بكل سهولة.

انعقدت حاجباه من تكرار جايكوب لذات الانكار و بكل برودة دم فشيء الوحيد الذي يزعجه هو قدوم رايان الغير المتوقع و المرغوب به الى منزله ، عدا ذلك لم يكن الآخر يبالي ابداً ؛ انزل رايان بصره نحو الارض لثواني معدودة كانت كافية حتى يتخذ فيها قراره و كلمات آليس و رد فعلها الغير مبالي حينما سألها عن رغبتها في الانتقام من جايكوب ، ' هل انت متأكد؟ سأحتاج كلماتك هذه في وقت لاحق لذا لا تخذلني حينها ' لم يكن يفهم ما عنته في ذلك الوقت و ظن فقط انها قد تقع في المشاكل كالعادة و قد تحتاج مساعدته ؛ لكن قطعاً لم يفكر انها قد عنت استغلاله دون علمه و الاحتيال عليه مستغلة صدق مشاعره نحوها .

حسناً هذا جارح نوع ما بل جارح كثيراً ، لو انها طلبت مساعدته صراحة او فقط قامت بإخباره بكل شيء كان ليتصرف بذات الشكل في كل الأحوال دون الحاجة الى جعله يرى نفسه اداة لتحقيق أهداف آليس في الانتقام من جايكوب و إستغلاله على هذا النحو المؤذي طيلة هذا الوقت ، و مع تفكيره بكل هذا و احساسه بالمرارة في حلقه حد من تلك الافكار و لم يرغب بالتسرع أكثر من هذا ، بعد كل شيء هو يعرفها جيداً و يعرف أمر آخر تمام الثقة :

- لا يمكن لآليس ان تبكي من أجل شيء تافه كهذا! لا أعلم تحديداً ما الذي قلته لها و لكن ...

بالتأكيد أمر له علاقة بلويس ، هذا ما فكر به رايان في هذه اللحظة لن تذرف آليس الدموع الا لموضوع حساس كهذا ، الامر الذي أخبرته بأن يمنحها بعض الوقت حتى تستجمع شجاعتها و تخبره بكل شيء ، رفع رايان بصره نحو جايكوب من جديد و بلكنة أكثر إستهجان اردف :

- لقد سئمت من كل هذا العبث لننهي رهاننا نحن ايضاً جايكوب .

سقطت ذراعي جايكوب الذي كان يضمهما اليه ارضاً و قد علم بالجملة التالية قبل ان يتفوه بها رايان حتى :

- لا تأتي الى المدرسة بعد الآن في حال لم ترغب بأن يعلم اي أحد أنك متبنى و ان المديرة عقيم في الاصل .

********************************************
************************************

مرحبا مارشيلو

كيفكم شاء الله بخير

اشتقت لكم بجد 💜

بس الله يعلم ثم متابعين الانستا بحالي و أحوالي و ايش كان وضعي بالايام الماضية

حرفيا و رغم اني بدأت من الصفر الا ان هذه السنة مختلفة تماماً عن السنة الماضية بالتخصص القديم

كمية الضغط مش طبيعية هالمرة بجد حسيت اني في مرحلة جامعية و ان السنة الماضية كانت لعب أطفال مش أكثر 🙂

ما علينا من الي بدأت عطلته و من الي لسا يدرس؟

نرجع للفصل

احح رأيكم؟

الوضع تأزم بدل ما ينحل و راي علم جزء كبير من الحقيقة ناقص بس يسمع من آليس و يكون بالصورة

تحس رايان جالس يسمع من فلان و علان على بال آليس تستهدي بالله و تقرر تخبره اخيراً وقتها حيكون عارف بالقصة و أكثر منها حتى😂

جيما اكثر شخص يمكن يحط مشاعره بالرف و يتصرف كيف ما يملي عليها عقلها ، فرغم انها لساعة مش قادرة تتقبل سول بس بتعاملها بلطف كأنها بنتها

برأيكم ليش جايكوب بينكر ان له يد في انتحار لويس مع انه كان اكثر واحد بعد رايدر بضايقه و يتنمر عليه؟ لو رجعتو للفصل الثلاثين يمكن تعرفو جزء من الجواب😉

و اخيراً الرهان خلص و جايكوب خسر بس خسارته جت في وقت غلط و هذا الي حتعرفوه في الفصل الجاي

الفصل الي كنت استناه من زمان و حيكون الفصل الي حيحط النقاط على الحروف و يكون نقطة التحول الاكبر في قصتنا

حيكون فصل طويل جداً لاني مش ناوية اماطل و اقسمه نصين

و ايوه حيتأخر كثير ايضاً عشان بإذن الله بعد اسبوع امتحاناتي النصفية و انا اول ما اريح بالي من النصفيات مش حيشغلني شيء عن الكتابة

ادعولي بالتوفيق

برضو شيء ، التفاعل على الفصل الماضي كان جبار و بجد مشكورة من قبل قلبي 😭🥺💜 بس عندي طلب صغير ، ال50 شخص الزيادة عن المعدل الطبيعي لتصويتات ممكن تصوتوا لباقي الفصول لطفا؟

مش معقول فصل حيدخل 300 تصويت بينما باقي الفصول اقصى شيء بتكون 240 تصويت! خلينا نوصل لي 10 الف تصويت زي ما وصلنا 100 الف قراءة 💜

اكتبوا هنا توقعاتكم للفصل الجاي و الي يتوقع صح حأطلع تعليقه بنهاية الفصل القادم و له قطة سكاكر هدية 🍬😉😂

و دمتم في أمان الله و حفظه

Continue Reading

You'll Also Like

243 74 16
" عندما فُتِحت أبوابُ النعيمِ أمامي وجدتُ أزهار الاقحوانِ بينَ يداي " | الفصول قصيره |
2K 159 9
[متوقفة إلى أجل غير مسمى] سُلبَ نورُ رماديتهِ ؛ فعُوّضَ بعضيدِ كانَ كأنوارِ الكونِ بأجمَعِها. - مهدي و ريّان. نقية من كل علاقة حرّمها الله. ليست فانف...
4.1K 359 7
تشارلوت جوردن، الفتاة الثرية حديث المدينة و صديقة الفتى الأكثر وسامة، تنقلب حياتها رأساً على عقب، تتألم بشدة، وتبكي أكثر، تفقد الثقة بكل ما هو حولها...
1.3K 120 11
أولاً اسم الكتاب معناه ( إنها بترفض الانصياع) ترجمة الكتاب الخامس من سلسلة shatter me من رؤية آرون و كينجي و جولييت هل سيجعلها قلب جولييت المكسور ع...