لحن الكاميليا || Camellia Mel...

By Jolianakingdom

83.5K 6.3K 4K

لكلّ إنسانٍ لحنٌ خاصٌّ به يمثّلُ حياته، تجسّد نغماته الحزن والسعادة، الخيبات والأمل، الانتقام والغفران، وأخير... More

التحدي
هدنة واتفاق
رهان متسرع
حفل مشؤوم
معركة غير محسومة
صدمات
انطلاقة
لقاء جديد
فتاة متهورة...عمل جديد
جريمة قتل
تحقيق من نوع خاص
معي أم ضدي؟؟
وحش بهيئة إنسان
اعتراف من نوع آخر
لحظات ثمينة
بدايات ونهايات
لا وقت للراحة
قدر
معاً
شرط
ليلٌ لا ينتهي
خلافات
ألكساندرا روسيل
ثقة؟!
خصمان وهدفٌ واحد
عقربٌ وأفعى وآيتون
نائبة القائد
المصيدة
تضحية
مشاعر مبعثرة
اذهب إلى الجحيم
حفلة الزفاف
لأجل دراكوس
دليلٌ حاسم
مهما كان الثمن غالياً...النهاية

سفاح دراكوس الجديد

1.4K 135 56
By Jolianakingdom

(28)

لقد مضت ثلاثة أيام منذ عرض الزواج المفاجئ ذاك.

لم أعطِ رين ردّاً حتى الآن....في الحقيقة كنت مشغولةً بأمرٍ آخر وانتهيت منه الليلة الفائتة فقط.

توجهت إلى العمل بعد أن أخذت حماماً مطولاً لإزالة جميع مظاهر التعب والإرهاق عني ولإنعاشي قليلاً فأنا لم أنم البارحة لحظة واحدة. كانت ليلة حافلة.

كنت أول الواصلين إلى قاعة الاجتماعات. أسندت رأسي على الطاولة محاولةً اختلاس بضع لحظات من السكينة. أذناي صاخبتان جداً. رأسي مليء بالضجيج. أحتاج للقليل من الهدوء فقط.

لم أنتبه من شرودي إلا بعد امتلاء القاعة ودخول رايان. وقف الجميع لتحيته وأنا بينهم.

بدأ الاجتماع بعرض أبرز حالة أثارت ضجة في أوساط الأمن العام والخاص أيضاً.

نطقت المسؤولة عن عرض الحالات الأبرز قائلة:
-إبادة تامة لعصابة قديمة تدعى عصابة الموت المرعب. اسمٌ سخيف كبقية أسماء العصابات ولكنه اسم على مسمى. لأنّ تلك العصابة كانت مشهورة بوحشيتها الشديدة في القتل.

لم تكن عصابة ضخمة ولكنها خطرة جداً والتورط معها يعني موتاً أكيداً.

تمت مداهمة مقر العصابة من قبل قوات الأمن الخاص بعد وصول خبرٍ من مصدر مجهول حيالها. وبالفعل كان الخبر صحيحاً إذ تمّ العثور على جثث جميع أفراد العصابة في مقرهم.

ما يقارب الأربعين شخصاً تم ذبحهم جميعاً بلا استثناء. الفاعل مجهولٌ حتى الآن.

ولكن بعض الدلائل تؤكد أنها ربما حربٌ بين عصابتين. ولابد أن العصابة الأخرى هجمت بأعداد هائلة لتتمكن من إبادة هذه العصابة بشكل كامل دون أي خسائر من طرف العصابة الأخرى.

تثاءبتُ بنعاسٍ بعد تقريرها المطول. وياله من تحليلٍ سخيفٍ لما حدث. حرب عصابات؟ أعداد ضخمة؟ بلا خسائر؟ هذا سخيفٌ جداً ولكن لا أرغب بالجدال بهذا الأمر.

وكما هو متوقع من رايان قال بعد تفكيرٍ بسيط:
-لا أظنّ أنّ الأمر معقدٌ هكذا. طريقة القتل كانت واحدة. الذبح!! لذا هذا يرجح أن عدد المهاجمين كان قليل وجميعهم يستخدمون أسلوب القتل نفسه.

كما أنّ الأمر الملفت للنظر هو أسلوب القتل نفسه. لمَ هذه الطريقة الصعبة تحديداً؟؟

كما هو متوقع من رايان. بدأ المحققين الحاضرين بمناقشة النقاط التي أشار إليها رايان. وضعوا العديد من الفرضيات ولكنّ أحداً منهم لم يضف أيّ معلومة مفيدة بعد ما قاله رايان.

رين كان يجلس بصمت يراقب ما يحدث دون أن يتدخل. وهذه كانت حاله منذ أن قام رايان بتنحيته عن منصبه كنائب له قبل يومين. بالتأكيد هذا أثار استياءه ولكنه لم يستطع أن يعترض على عقاب رايان بما أنه مذنب حقاً.

تدخل رين بالحديث لأول مرة قائلاً:
-دعني أتولى هذه القضية أيها القائد. أشعر أنّ لدراكوس يداً فيما حدث وأرغب بالتحقيق بذلك.

نظر رايان إلى رين بصمت لفترة قبل أن يقول:
-حسناً إنها لك. كن حذراً.

أومأ رين واستمرّ الاجتماع بعدها واستلمت مهمةً عادية بعيدة عن دراكوس إذ أنني أرغب بالراحة اليوم أو بالأحرى مهمات دراكوس لم تعد تعنيني بما أنني أصبحت جزءاً منها.

انتهى الاجتماع وأشار رايان لي للحاق به إلى مكتبه.

وهناك سألني رايان قائلاً:
-أتعلمين شيئاً عما حدث مع تلك العصابة أيتها المحققة؟؟ لمَ تمت إبادتهم وهل لدراكوس علاقة بالأمر؟؟

تنهدت قائلة:
-أجل دراكوس هي من أبادتهم لأنهم أساؤا إليها في عدة أمور وتسببوا بأضرار لها.

هذا ما سمعت به عند تواجدي الأخير في مقرهم ولا أعلم شيئاً عن تفاصيل ما حدث بعدها ولا أظنه مهماً لنا.

سأل رايان حينها ببرود:
-ولمَ اختاروا أسلوب القتل ذاك إذاً؟؟

أجبته ببرود مماثل:
-لأنّ تلك العصابة كانت تقتل بوحشية لذا أرادوا قتلهم بوحشية أيضاً. إنه إنذارٌ لبقية العصابات أيضاً كي لا تتجرأ إحداها على الإخلال بمصالح دراكوس بأيّ شكل.

أومأ رايان موافقاً على كلامي ثم قال:
-إذاً من تظنين أنه الشخص الذي أرسل إلينا تلك الرسالة عن إبادة مقر تلك العصابة ولماذا؟؟

أجبته ببرود:
-أنا من أرسلها. كلفني قائد المقر الأول بذلك كي نضمن أن الخبر سينتشر بسرعة وكي يكون ما حدث عبرةً للجميع.

رمقني رايان باستياء قائلاً:
-ولمَ لم تخبريني بأنّ ذلك سيحدث قبل أيام بما أنّك علمتِ بذلك مسبقاً؟؟

رفعت كتفي بلا مبالاة قائلة:
-لم أرد أن تعترض طريق دراكوس وتتسبب بكشف أمري. كما أنني وجدت أنّ إخبارك وعدم إخبارك لن يغير شيئاً وإبادة عصابة ما ليس مشكلةً تهدد مركز الأمن الخاص.

نظر إليّ بغير رضى قبل أن يقول:
-سيلين لقد بدأ الأمر بإبادة مقرّ عصابة. ولكنه سيتضخم ليشمل قتل عائلات أو أبرياء أو تفجير مراكزٍ تجارية وسينتهي بمحاولات اغتيالٍ أيضاً. لذا كوني حذرة كي لا تغرقي في وحلهم وتتورطي معهم أكثر.

ابتسمت ببرود قائلة:
-لا داع لتكرار ذات الإسطوانة. ما يهمك هو حياة رين وأنا سأضمنها لك حتى لو اضطررت للغوص في أعماق وحلهم.

أنتَ لم تلتقِ بقائد المقر الأول من قبل ولو فعلت لأدركت أنّ قتل عشرات الأبرياء هو قربانٌ صغير مقابل قتله.

ردّ رايان بإصرار:
-أنتِ تبالغين. في النهاية هو أيضاً سيسقط عن عرشه إن سقطت عصابة دراكوس.

سخرت منه قائلة:
-أنتَ مخطئ تماماً. دراكوس لن تسقط أبداً طالما هو موجود. حتى لو تمت إبادة دراكوس كلها وبقي هو وزعيم العصابة على قيد الحياة فقط فسيحتاجان لأقل من عام لإحيائها مجدداً.

زعيم العصابة هو المخطط لكلّ شيء وقائد المقر الأول هو الوحش الذي ينفذ تلك الخطط.

إنه يعلم عن هدفي ويعلم أنني أريد الانتقام من دراكوس فقط ورغم ذلك يراهن عليّ ويريدني أن أصبح فرداً منهم بكامل إرادتي. لابد أنّ لديه خطة لتنفيذ ذلك وأنا لا أضمن نفسي حقاً لذا أريد القضاء عليهم بأسرع وقت.

وأنا أظن أننا يجب أن نعدّل خطتنا وأن نجعل قتل قائد المقر الأول هو الخطوة الأولى فيها.

رمقني رايان باستغراب قبل أن يسأل:
-كم جاسوساً تمكنتِ من إدخاله حتى الآن؟؟

أجبته قائلة:
-إلى المقرّ السابق الذي كنت قائدته أدخلت الكثيرين. يمكننا تدميره متى أردنا.

ولكن لم أستطع إدخال أيّ أحد إلى المقرّ الأول حتى الآن. الأمر صعب بل شبه مستحيل. أنا بالكاد أستطيع الدخول مقيدة مكممة مجردة من أسلحتي الظاهرة.

فكيف تريد مني إدخال جواسيس معي. هذا مستحيل حالياً. أنا أنتظر فرصةً مناسبة ولكن أشعر انّ هذا سيطول كما أنّ عليّ اكتساب ثقة قائد المقرّ وهذا مستحيل أيضاً حتى لو قتلت نصف سكان المدينة لأجله.

لذا أنا أرى أنّ قتل قائد المقر سيختصر الكثير من الوقت.

فكر رايان بكلامي قليلاً قبل أن يقول:
-ماذا لو داهمنا مقرهم الرئيسي الآن؟؟

أستطيع إرسال أشخاص متخفين لتتبعك حين يقومون بأخذك للمقر الأول.

ومن ثم وضع خطة جيدة لمداهمة المقر وقتل جميع من فيه بما فيهم قائد المقر أو القبض عليه.

لم أستطع كتم ضحكتي الساخرة وأنا أقول:
-أنتَ تمزح حتماً. إنها نكتة سخيفة جداً. هل تظنّ الأمر بهذه البساطة؟؟

ألم أخبرك في المرة السابقة أنّ دراكوس لديها نفوذ على جميع كاميرات المراقبة في المدينة كما أن لديها كاميرات خاصة تحيط بالمقر بشكل مكثف وعلى مدى واسع بحيث لن تستطيع حشرة المرور دون رؤيتها. كما أنّ أجهزة تشويشهم لا تسمح لأيّ أجهزة تتبع بالعمل.

إن شعروا أنّ هناك من يتبعني سيقومون بقتلي بلا تردد قبل الوصول للمقر وحتى لو نجحنا في تحديد موقع مقرهم بطريقة ما فالدخول لهناك شبه مستحيل.

لديهم شبكة أمنٍ قوية يصعب اختراقها. سنضطر لتدمير المبنى لأجل الوصول للطوابق السفلية.

وفي هذه الأثناء سيكون المقر قد أخلي تماماً عن طريق ممرات الطوارئ التي لا أعلم شيئاً عن موقعها أو إلى أين توصل.

وبالتالي فإنه في اللحظة التي نضع فيها قدمنا في المقر سيكون القائد ومعظم أفراد العصابة قد أصبحوا على بعد عدة كيلومترات عنا وربما هناك أجهزة تفجير مزروعة في كلّ مكان وسيقومون بتفجيره قبل أن نتمكن من الحصول على أيّ معلومة مهمة.

لذا كما ترى الأمر مستحيل تماماً. ونحن من سنخسر فقط. كان لويس يدرك جيداً ما يقول حين أخبرني في لقائنا الأول أنّ الطريقة الوحيدة لتدميرهم هي حصان طروادة.

زفر رايان نفساً مرهقاً وقال:
-حصانٌ واحدٌ لا يكفي. نحتاج إلى الكثير.

لم أجد ما أجادل به فهو محق.

رغم ذلك احتدت نبرة صوتي وأنا أقول:
-لقد تحدثت بثقة سابقاً عن تدمير دراكوس في غضون أشهر والآن أرى أنّ الحيل نفذت منك ووصلت إلى طرقٍ مسدودة.

ابتسم رايان وكم كانت ابتسامته ماكرة.

انتظرته ليوضح أيّ شيء ولكنه قال:
-يمكنك الانصراف الآن. وإن استجد أيّ شيء أخبريني.

أدركت أنّه لن يوضح أيّ شيء لي. إنه يكون شخصاً مخيفاً أحياناً.

استدرت لأنصرف ولكن تذكرت أمراً ما لذا نطقت دون أن أستدير نحوه:
-بالمناسبة رين عرض عليّ الزواج. لا أدري إن كان لك يدٌ بالموضوع ولا يهمني ولكني فكرت بالأمر ملياً وتوصلت لنتيجة أنني إن وافقت فسيكون لأجل نفسي فقط. ليس بسببك وليس بسبب السيد آرون بل لأنني أنا أريد هذا فقط.

أنا أحبّ رين ولا مانع لديّ من إمضاء بقية حياتي بجواره.

كنت أخشى دراكوس سابقاً ولكن اكتشفت أنني عشت حياتي أخشاهم. خوفي منهم هو من دمر حياتي. رين تورط معهم بالفعل. وأنا أستطيع حمايته بزواجنا. ربما سأقدم بعض التضحيات ولكنها لا شيء مقابل حماية رين.

لستُ ملاكاً. لن أنقذ الجميع بل سأضحي بالجميع لأجل من يهمني أمرهم. لذا لا تتوقع مني التصرف خلاف ذلك.

حذرني رايان قائلاً:
-لا ترتكبي أيّ حماقة سيلين. لا أنا ولا رين قادرين على حمايتك من القانون. ربما يحكم عليكِ بالسجن المؤبد أو بأسوأ الأحوال بالإعدام. هل يرضيكِ تدمير ما تبقى من حياتك لأجل تحقيق انتقامك فقط؟؟

كوني حذرة وسأقولها مجدداً لا تغرقي في وحلهم لأجل الانتقام فقط.

أخبرتك سابقاً...أنا لن أعارض زواجكما بل أدعمه. وهو لن يغير شيئاً من موقف دراكوس تجاه رين بل ربما تتمكنين من حمايته كما تقولين.

سأكون أنانياً جداً إن أخبرتك بالتضحية بأيّ شيء لأجل ضمان حياته لذا افعلي ما ترغبين بفعله فقط.

وبالمناسبة أنتِ لست ملاكاً سماوياً...بل أنتِ ملاكٌ ساقط يعيش في الجحيم.

ابتسمت قائلة:
-شكراً لك على كلّ شيء رايان. وبالمناسبة عليكَ رفع العقوبة عن رين. إنه لا يتوقف عن العبوس منذ أن نحيّته عن منصبه.

أعلم أنك لن تصغي لي ولكن إن نفذت لي هذا الطلب فسأخبرك بخطة دراكوس القادمة كاملة.

رفع رايان حاجبيه باستنكار قبل أن يقول:
-غيرتُ رأيي. لستِ ملاكاً. أنتِ شيطانٌ صغير.
.
.
.
.
.
.

غادرت المركز باتجاه موقع مهمتي الجديدة.

-مرحباً ألكساندرا.

سرت رجفة بجسدي حالما سمعت هذا الاسم. التفت نحو القائل بنظراتٍ حادة وأنا أقول:
-لا تفاجئني بنطق اسمي هكذا لويس.

رفع حاجبيه باستغرابٍ وقال:
-لويس؟؟

عبست باستياء وأنا أقول بابتسامةٍ صفراء:
-أقصد أخي العزيز.

ابتسم لويس بسعادة رغم أنني نطقتها بطريقة ساخرة ولكنه يبدو كطفلٍ صغيرٍ حصل على حلواه المفضلة توّاً.

نقرت جبينه قائلة:
-توقف عن التصرف كطفلٍ صغير.

ولكنه أحاط مرفقي بذراعه وسحبني لأمشي بجواره وهو يقول بابتسامة واسعة:
-بل أنا سعيد جداً ومهما قلتِ لن تؤثري عليّ بتعليقاتك الساخرة.

تنهدت بقلة حيلة وقد احتلت شفتي ابتسامةٌ صغيرة. أنا سعيدة أيضاً لويس.

سألني عن المكان الذي أقصده فأجبته قائلة:
-لديّ مهمة جديدة. ما رأيك بمساعدتي لإنهائها سريعاً؟؟

رفض لويس قائلاً:
-لديّ من الأعمال المتراكمة ما يكفيني أشهراً. لذا اهتمي بمهماتك بنفسك.

عبست وأنا أقول:
-من فضلك أخي. أنا أطلب مساعدتك لأول مرة وأنتَ ترفض بكلّ برود.

بدا لويس متزعزعاً لوهلة. رمقني بارتياب وقال:
-يالكِ من ماكرة. أنتِ تستغلين شقيقك المسكين لتلبية رغباتك الأنانية. أنتِ محتالة تماماً ولكن لا أستطيع رفض طلبك رغم ذلك. حسناً دعينا ننهي هذه المهمة بسرعة.

ابتسمت باتساع لنجاح خطتي. أومأت بابتسامةٍ ماكرة قائلة:
-أنتَ أروع أخٍ في الدنيا.

ابتسم لويس بدوره. هو يعلم أنني أستغله فحسب ولكنه رغم ذلك سعيدٌ بمناداتي له بأخي فقط. ياله من شخصٍ مسكين حصل على شقيقة مثلي.

انتبهت حينها لأمرٍ ما لذا سألته باستغراب:
-لمَ أتيت لرؤيتي أساساً لوي...أخي؟؟

رفع لويس حاجبيه بدهشة حينما أدرك أنّه نسي ما جاء لأجله ولكنه رمقني باستياءٍ بعدها مما جعلني أدرك سبب قدومه.

وضعت إصبعي على فمه وأنا أقول:
-لستُ نادمة ومهما حاولت وعظي لن أندم وسأكرر ما فعلته مجدداً. إنه قراري وقد اتخذته بكامل إرادتي لذا لا أحد يستطيع تغييره.

أبعد لويس يدي وقال باستياء:
-إنها مجزرة ألكساندرا. لقد قمتِ بارتكاب مجزرةٍ كاملة. قتلتِ ما يفوق الأربعين شخصاً وحدك وباستخدام عدة سكاكين فقط.

قمتِ بإبادتهم تماماً. أعلم أنّ دانيال طلب منكِ ذلك ولكن حتى هو لم يتوقع أن تفعلي ذلك وحدك.

أتعلمين بمَ لقبّك بعد أن سمع ذلك الخبر؟؟ سفاح دراكوس الجديد.

ابتسمت باتساع وأنا أقول:
-هل حقاً وصفني قائد المقر بذلك؟؟

رمقني لويس بوابل من النظرات النارية وقال:
-هذا يدعو للفخر كثيراً...أليس كذلك؟؟

بررت قائلة:
-لا ولكن هذا يعني أنّه اعترف بي وبقوتي. إنّه لن يمتدح شخصاً عبثاً.

نظر لويس إليّ بجدية قائلاً:
-توقفي عن العبث معه ألكساندرا. صدقيني إنّه شخصٌ خطيرٌ جداً ويمكنه محوك من الوجود بلحظات.

أومأت قائلة:
-أعلم ذلك جيداً. إنه خطيرٌ جداً...ماكر خبيث ذكيٌّ لدرجة مخيفة. إنه دعامة دراكوس الرئيسية بعد الزعيم.

عليّ قتله بأيّ ثمن إن أردت تدمير دراكوس.

زفر لويس نفساً حانقاً من عنادي. لذا أضفت قائلة وأنا أسحبه من ذراعه:
-هيا أخي لقد تأخرنا عن المهمة.

توجهنا إلى مكان الحادثة التي كلّفت بحلّها بعد أن استسلم لويس عن محاولات إقناعي.

مهمتي كانت تتعلق بعصابة تهريب.

ليس عليّ القبض عليهم أو ما شابه فهذا ليس ضمن المهمة بل كلّ ما يجب عليّ فعله هو القبض على مجرمٍ هارب لجأ إليهم لتهريبه خارجاً.

توجهت لمكان مقرّهم مباشرةً. قابلت حرس الباب وطلبت منهم مقابلة زعيمهم.

بالتأكيد سخروا مني بشدة وحاولوا طردي بعيداً.

اضطررت لمقاتلتهما وفي غضون دقائق كان أحدهما فاقداً للوعي والثاني يركع أمامي بطاعةٍ تامة. يبدو أنّي آلمتهما قليلاً.

أبرزت شارة دراكوس المشهورة له وأنا أقول:
-أخبر قائدتكما أنّ نائبة قائد المقرّ الأول لدراكوس تريد لقاءه بسرعة.

وبالفعل في غضون عشر دقائق كنّا نتوجه لغرفة قائدهم.

كان لويس يرمقني بصدمة طوال الوقت. نظرت نحوه بسخرية فقال:
-أنتِ مخيفة حقاً. تستغلين انضمامك لدراكوس لتنفيذ مهمات مركز الأمن الخاص. هذا لم يحدث بتاريخ دراكوس كلّه.

ابتسمت قائلة:
-لمَ عليّ إرهاق نفسي بتنفيذ المهمات إن كان لديّ طريقة مختصرة لأدائها.

أنا أساساً لا أستلم إلا المهمات التي يمكنني تنفيذها بسهولة باستغلال علاقتي بدراكوس.
.
.
.
.
.
.

أنهيت المهمة أخيراً. سلّمت المجرم الهارب للمركز بعد أن استلمته من العصابة بلا مشاكل.

لم تستغرق هذه المهمة سوى ساعةٍ واحدة لإتمامها. عليّ أن أعترف أنّ سمعة ونفوذ دراكوس مفيدة جداً.

وأظنّ أنّ مجزرة البارحة قد انتشرت سريعاً بين العصابات ووضعت حدوداً لتمرّد جميع العصابات الأخرى.

نطق لويس قائلاً:
-إذاً لمَ أردتِ مني مرافقتك؟؟ أنتِ لم تحتاجي إليّ مطلقاً.

ابتسمت قائلة:
-لأن هناك مكانٌ ما أرغب بزيارته منذ مدة وأريدك أن تكون معي.

سحبته معي دون التوضيح إلى أين سنذهب.

وبعد نصف ساعة من السير كنّا نقف أمام المشفى.

رمقني لويس باستغراب قائلاً:
-هل أنتِ مريضة؟؟

نفيت قائلة:
-بل أظنّ أنّ هناك شخصٌ أعرفه هنا وأريد زيارته.

استنكر لويس:
-تظنين؟؟ وما سبب قدومي معك أساساً؟؟ هل أعرفه؟؟

ابتسمت قائلة:
-لا تعرفه شخصياً. كما أنّك هنا لأجل حمايتي إن ظهر مفترسٌ ما أثناء زيارتي لذاك الشخص.

عبس لويس وقال باستياء:
-لا أفهم أيّاً مما تقولينه.

سحبته من ذراعه مجدداً وأنا أقول:
-ستفهم كلّ شيءٍ في حينه. كفاك جدالاً فأنا منهكة مسبقاً.

توجهت إلى قسم الاستقبال وسألت الموظفة هناك:
-هل هناك مريضٌ هنا باسم مارك ريتشارد؟؟

بحثت الموظفة بقوائم المرضى قبل أن تومئ قائلة:
-أجل إنه هنا ولكن الزيارات إليه ممنوعة سوى لابنه.

أبرزت شارتي كمحققة لها وألححت قائلة:
-أنا ابنته أيضاً وقد كنت في مهمة عملٍ سرية في الخارج وعدت توّاً وعلمت ما حدث لوالدي لذا سارعت بالقدوم إلى المشفى.

لابد أنّ أخي آرثر تجاهل إدخال اسمي في قائمة الزائرين لأنّه ظنّ أن عملي سيطول ولن أعود قريباً.

تحققت الموظفة من اسمي على الشارة ولم تتجرأ على الاعتراض بعد أن رأت رتبتي وعملي في مركز الأمن الخاص.

أومأت قائلة:
-إنّه في الغرفة 303. رجاءً لا تطيلي الزيارة فصحته سيئة.

خفق قلبي باضطراب وسألتها:
-كيف هو وضعه؟؟

نظرت الموظفة إلى إضبارة المريض وقالت:
-إنّه في المراحل النهائية من سرطان الرئة. لديه عدة أسابيع ليعيشها بالأكثر.

استدرت ببرود خارجي يعاكس ما يختلج في داخلي وبدأت السير باتجاه المصعد.

ضغطت زر الطابق الثالث ولكن أوقفت المصعد في المنتصف واستندت على الجدار ألتقط أنفاسي وأحاول تمالك نفسي.

أمسك لويس بذراعي بقلقٍ قائلاً:
-ألكساندرا هل أنتِ بخير؟؟ ما الذي حدث؟؟ هل أطلب طبيباً؟؟

رفعت نظراتي المشوشة إليه بسبب الدموع المتراكمة وقلت:
-أبي سيموت يا لويس. إنه مريض وأنا لم أعلم حتى الآن.

احتضنني لويس بقوة وحاول تهدئتي قائلاً:
-إنّه ليس ذنبك. أنتِ لم تلتقِ به منذ سنوات. كما أنه لا يوجد ما يمكنك فعله لأجله.

إنّه محق ولكن هذا لم يجعل شعوري بالحزن يتضاءل. شعرت بأنّ حلمي قد تلاشى وتحطّم تماماً. حلمي بأن نجتمع أنا وأبي وآرثر مجدداً. أن نصبح عائلة مجدداً بعد أن أنجح بالقضاء على دراكوس.

بقيت أدفن وجهي في حضن لويس لمدة وهو كان يمسح على رأسي برفق.

هدأت بعد مدة لذا ابتعدت عن لويس وابتسمت له بخفوت قائلة:
-شكراً لك أخي. أنا أفضل حالاً.

ابتسم لويس قائلاً:
-أنا سأعوضك عن شقيقك ووالدك. سأكون عائلتك لذا لا تحزني. تذكري أنني بجوارك دائماً.

أومأت وأنا أقول:
-أنا سعيدة لوجودك بجواري حقاً لويس.

ضغطت بعدها زر المصعد ليتابع صعوده للطابق الثالث.

سألني لويس:
-كيف علمتِ أنّ والدك هنا؟؟

أجبته:
-ألا تذكر ذلك اليوم الذي دخلت فيه إلى المشفى بسبب تلك الطبيبة القاتلة؟؟

حينما غادرنا المشفى كان آرثر يدخل وعلق هذا في ذهني منذ ذلك الوقت وفكرت أنّه ربما أتى لزيارة والدي لذا قررت القدوم للتأكد.

ولكن نسيت الأمر في الفترة السابقة بسبب تراكم الأحداث وتذكرت الأمر حين التقيت بآرثر الأسبوع الماضي وسألته عن والدي ولكنه تجاهل الإجابة مما فاقم من قلقي وللأسف كان ظني في محله.

تنهد لويس قائلاً:
-للأسف لا نستطيع فعل أيّ شيء لمساعدته. أنا آسفٌ لقول هذا ولكن عليكِ توديعه جيداً.

تمالكت نفسي بصعوبة. أرغب بالبكاء بشدة ولكنه ليس الوقت والمكان المناسب لذلك.

وقفت أمام باب غرفته لمدة دون أن أجرؤ على الدخول.

شعرت بيد لويس تمسك بيدي ثم قام بطرق الباب بنفسه قبل أن يفتحه ويسحبني خلفه لندخل معاً.

كان مستلقياً على السرير وهناك العديد من الأجهزة الموصولة به. جسده هزيلٌ جداً ووجهه شاحب كالأشباح.

نظر نحونا باستغرابٍ من وجودنا في غرفته ولكنّ نظراته استقرت عليّ لمدة وبدا كأنه يحاول تذكر من أنا.

ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أقاوم دموعي.

اقتربت منه لأقف بجوار سريره وأنا أقول:
-مرحباً أبي.

توسعت عيناه بصدمة. حدّق بي غير مصدقٍ لمدى تغيري. هذا منطقي فآخر مرة رآني بها كنت طفلةً صغيرة.

تحدّث أخيراً بصوت مبحوح:
-ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟؟ غادري بسرعة.

كان كلامه قاسياً وبالأخص أنه لم يراني منذ أكثر من عشر سنوات ولكنه لم يؤثر بي أبداً. لأنني كنت أدرك الحقيقة خلفه.

جلست على السرير بجواره. أمسكت بيده وقبلتها ثم ابتسمت قائلة:
-لقد اشتقت إليك كثيراً. افتقدتك كثيراً. كانت الحياة وحدي بعيداً عنك صعبة وقاسية. وبالأخص أنني انتظرت ظهورك طويلاً. انتظرت أن تسامحني...أن تشتاق لي...أن تأتي لزيارتي ولو لمرةٍ واحدة.

كرهتك كثيراً وحقدت عليك وغضبت منك. كنت جاهلة حينها. لم أعلم أنّك تفعل كلّ ذلك لحمايتي.

لم أعلم أنّ ذاك المتوحش هددك بقتلي إن فكرت برؤيتي لحظة واحدة. لهذا أرسلتني لمدرسة داخلية. كنت تريدني أن أعيش مهما كان الثمن.

شعرت بيده تمسك بيدي وتضغط عليها بقوة ضئيلة. نظرت نحوه لأجده يبتسم بحزن قائلاً:
-أرجوكِ اذهبي. إن علموا أني التقيت بك سيقتلونك حتماً.

ابتسمت بثقة وأنا أقول:
-لا تقلق أبي. أنا الآن في مكانٍ لن يستطيعوا قتلي فيه. أصبحت قوية ويمكنني حماية نفسي فلا تقلق أبداً.

لا داعي لإخباره أنني انضممت للعصابة وأمضي الكثير من الأوقات في وكرهم وأنّ بإمكانهم قتلي في أية لحظة.

لاحظت نظرات والدي التي استقرت على لويس.

لذا ابتسمت قائلة وأنا أشير إلى لويس:
-نسيت أن أعرّفك. هذا أخي لويس.

رفع أبي حاجبيه بصدمة وقبل أن يسأل تابعت قائلة:
-أجل إنه أخي من أبي الحقيقي. لقد عاش حياةً تعيسة بسببه أيضاً ونحن نتعاون معاً لأجل الانتقام منه.
.
.
.
.
أمضينا ما يقارب الساعة عند والدي. لم أشعر بمرور الوقت. أخبرته بالكثير من الأمور عن حياتي واستمتعنا بالحديث كثيراً.

وعدته بزيارته كلّ يوم.

خرجت برفقة لويس وبعد مسير عدة خطوات استدرت نحوه لأطبع قبلةً سريعةً على خده وأنا أقول:
-شكراً لكَ حقاً أخي. لولا سحبك لي للدخول لكنتُ أقف أمام الباب حتى الآن.

ابتسم لويس قائلاً:
-سأسحبك كلّ يومٍ إن كان هذا الثمن.

ضحكت حينها وتابعنا السير قليلاً لنقف بانتظار المصعد. كادت هذه الزيارة تمرّ بسلام لولا أن فتح باب المصعد وخرج آرثر منه.

توسعت عينيه بصدمة تامة قبل أن يعبس بغضبٍ شديد قائلاً:
-ماذا تفعلين هنا؟؟

وقف لويس أمامي تماماً لينظر إلى آرثر قائلاً:
-غير مسموحٍ لك بالتحدث بهذه الطريقة معها. أساساً غير مسموحٍ لك التحدث معها أبداً.

ولا علاقة لك بما كنّا نفعله هنا. هذا المشفى ليس ملكاً لك.

ردّ آرثر بغضبٍ أكبر:
-من أنتَ لتتدخل بيني وبينها أساساً؟؟ اغرب  عن وجهي يا هذا كي لا تندم.

ردّ لويس بثقة:
-أنا شقيقها ويحقّ لي التحدث كيفما أشاء دفاعاً عنها.

أنتَ من تكون حتى تتحدث معها؟؟

الاستياء كان جليّاً على ملامح آرثر. لم يجد ما يقوله. نطق بحدة:
-كن مستعداً لتدمير حياتك أيضاً إذاً يا شقيقها. إنها بارعةٌ فقط في تدمير سعادة الآخرين والتسبب بمقتلهم. الاقتراب منها لا يجلب سوى الكوارث.

سخر لويس قائلاً:
-يبدو أنّك لم تسمع بما يسمى القدر حتى الآن ولهذا لازلت تبكي كالأطفال على ماضٍ انتهى وولّى. لن تعيش بسعادة لحظةً واحدة إن بقيتَ تفكّر بهذه الطريقة صدقني.

أمسك لويس بيدي بعدها وسحبني باتجاه المصعد. ضغط زر الطابق الأرضي وتنهدت بارتياح حينما انتهى الأمر بسلام.

ابتسم لويس بفخرٍ قائلاً:
-ألم أبدو كبطلٍ رائعٍ في رواية؟؟

أومأت قائلة بابتسامة:
-بل أنتَ أروع من أيّ بطلٍ في رواية. كنتَ رائعاً حقاً أخي.

ابتسم لويس لي قبل أن يضيف بعبوس:
-آرثر ذاك عنيدٌ جداً. إنه يصرُّ على تحميلك مسؤولية ما حدث رغم كلّ شيء.

تنهدت قائلة:
-كم أتمنى لو أنّه أُجبر على الابتعاد عني مثل والدي. ولكنّه يكرهني حقاً من أعماق قلبه.

وضع لويس يده على كتفي وطبع قبلةً على جبيني وقال:
-أعلم أنّك لازلتِ تحبينه رغم كلّ ما فعله بكِ. إنّه مغفلٌ حقاً لخسارته شقيقةً رائعة مثلكِ. سيدرك خطأه يوماً وسيعتذر منكِ بندمٍ شديدٍ حينها...ثقي بذلك تماماً.

ابتسمت بحزنٍ قائلة:
-صدقني لقد فقدت الأمل ولم أعد أبالي حقاً. ربما أنا لا أزال أحبه فهو كان شقيقي يوماً ولكن لم يعد أمر مسامحته لي يعنيني كثيراً.

إنها وسيلته لتقبّل الاستمرار بالحياة....بتحميلي مسؤولية ما حدث.

أنا أفعل ذات الأمر...أحمّل دراكوس المسؤولية وأوجه حقدي وكرهي نحوهم.

لم يرغب لويس بالخوض أكثر في هذا الموضوع المشؤوم لذا غير الحديث قائلاً بابتسامة:
-ذات يوم...لن تكون دراكوس موجودة. ستستمرين بكونك محققة ماهرة وسأستمر بكوني شقيقك الرائع. هذا يبدو مستقبلاً مشوّقاً أليس كذلك؟؟

ابتسمت بسخرية قائلة:
-هل مهمتك بالحياة هي أن تكوني شقيقي فحسب؟؟ عليكَ أن تفكر بعملٍ مناسبٍ كي لا تصبح عاطلاً عن العمل مستقبلاً.

فكّر لويس قليلاً قبل أن يقول:
-أنتِ محقة. الشيء الوحيد الذي أجيده هو استخدام كافة أصناف الأسلحة والفنون القتالية. ولكن ماذا يمكنني أن أستفيد من ذلك؟

فكرت قليلاً قبل أن أقول:
-لا تقلق. دعنا ننهي أمر دراكوس أولاً وبعدها سأجد لكً عملاً مناسباً بنفسي وحتى أنني لا أمانع أن تستمر بكونك شقيقي الرائع للأبد.

ابتسم باتساعٍ وقال:
-وأنتِ أروع شقيقة ألكساندرا.

ابتسمت له ولم أعلّق. أشعر أحياناً وكأنّه أخي الصغير وليس العكس.

وصلنا إلى مفترق الطرق حيث سيعود كلّ منا لمنزله.

ابتسمت قائلة:
-كان نهاراً حافلاً سأخلّده في ذاكرتي ولن أنسى ما فعلته لأجلي أبداً.

ابتسم قائلاً:
-سأكون بجوارك دائماً. وسأجعل هذا اليوم سنيناً من الذكريات فلا تقلقي.

عودي للمنزل وارتاحي فأنتِ لم تنامي منذ البارحة وإن احتجت لأي شيء أخبريني.

أومأت بابتسامة ثم بدأت السير نحو المنزل الذي لم يكن بعيداً.

كنت منهكة للغاية. أريد أن أغطّ في نومٍ عميقٍ فقط.

لا أدري لما أشعر أنّ هناك مصيبة قادمة. لأنه كلما كنت منهكة للغاية وأريد الراحة فقط تنبع المصائب من حيث لا أدري.

دخلت إلى المنزل بسلام. توجهت إلى سريري لأرتمي عليه حالاً دون تغيير ملابسي.

لم يحدث أيّ شيء ويمكنني النوم بلا مشاكل حقاً. هذا غريب.

ورغم ذلك مضت ساعةٌ كاملة ولم أستطع النوم رغم إنهاكي الشديد.

حاولت بشتى الوسائل بلا فائدة.

عقلي مليءٌ بالضجيج. أصوات الصراخ تملأ أذني. صور الدماء والجثث المتناثرة في كلّ مكان لا تغيب عن مخيلتي لحظة واحدة.

توسّل بعضهم لأجل العفو عنه. ترجوني كثيراً. ولكني قتلتهم جميعاً بلا أي رحمة.

لا أشعر بالذنب فهم مجرمون أيضاً ولكن أشعر أني فقدت جزءاً من إنسانيتي بعد تلك المجزرة. أشعر بأنني تصرفت كوحشٍ حقيقي.

استسلمت عن محاولة النوم بعد مدة. نظرت إلى الساعة ووجدتها تشير للخامسة مساءً.

نهضت واقفة وقد قررت تناول بعض الطعام فأنا جائعة.

لم أستطع تناول أيّ شيء. كنت أشعر بالغثيان قبل تناول أيّ لقمة.

رغم أنها ليست المرة الأولى التي أقتل بها شخصاً ما ولكنها أثرّت بي كثيراً.

قررت أخيراً الخروج برفقة بوب في جولة حول المدينة علّني أمحو ما حدث من ذاكرتي.

أرسلت رسالةً لرين أخبرته بالمكان الذي سأتجه إليه وطلبت منه القدوم إن كان متفرغاً.

تجولت برفقة بوب قليلاً قبل أن أنهي جولتي على ضفة البحيرة.

كانت الشمس قد غربت بالفعل والظلام مخيمٌ على المكان لولا ضوء القمر الذي كان ساطعاً هذه الليلة.

جلست على أحد المقاعد المطلة على البحيرة. كان الهدوء التام مخيماً على المكان ولكن الضجيج داخل رأسي لم يتوقف. أنا منهكة حقاً.

أشعر بالاختناق. ما حدث البارحة من جهة ومعرفتي بمرض والدي من جهة ثانية.

أرغب بالصراخ والانهيار. أرغب بالاستسلام والتوقف. لو أنني أفقد ذاكرتي للأبد. أنسى كلّ شيء وكلّ ما حدث. أبدأ صفحةً جديدة بيضاء في حياتي الملطخة بالسواد.

متى سينتهي كلّ هذا؟؟ كم سأفقد من الأشخاص الذين أحبهم قبل أن ينتهي؟؟

الحرب مستمرة ولكن مع كلّ معركة أنا أخسر الكثير حتى لو انتصرت فيها.

ألا يمكنني التخلي عن هذا الانتقام حقاً؟؟

رين يقامر بحياته بخطة لا أعلم عنها شيئاً.

رايان أيضاً يخطط لشيءٍ ما لا أعلمه.

لويس يعرّض حياته للخطر لأجلي وهو قد يكون أوّل ضحية إن بدأت المعركة الأخيرة.

وبالمقابل آرثر يكرهني جداً بسببهم.

والدي ضحّى بسعادته وحياته لأجلي بسببهم.

خسرت أمي وآلويس بسببهم.

عشتُ طفولةً موحشة بسببهم.

لا. لا يمكنني نسيان هذا الانتقام ولا يمكنني التوقف. أنا أكرههم جداً. أريد تدميرهم بأي ثمن. حتى لو خسرت كلّ ما أملك.

شعرت بأنني أختنق أكثر.

نظرت إلى البحيرة المظلمة وشعرت أنها تشبه أعماقي تماماً.

تذكرت تلك المرة التي رميت نفسي بها وكدت أغرق لولا أن أنقذني رين.

ولكن كان الشعور مريحاً. أعماق البحيرة كانت هادئة جداً. شعرت بسكونٍ شديدٍ في تلك المرة.

هل عليّ فعلها مجدداً؟؟ ولكن رين ليس هنا لينقذني.

نهضت واقفة رغم ذلك وسرت بضعة خطواتٍ بطيئة باتجاه البحيرة. كم يبدو الأمر مغرياً وكم أرغب بفعلها.

ماذا لو مت؟؟ لا يبدو الأمر سيئاً جداً. حياتي ليست رائعة لأتشبث بها.

سمعت صوت بوب يهمهم بخفوتٍ خلفي لذا التفت إليه لأجد رين يلاعبه وهو يقفز حوله بسعادة.

ابتسمت بإنهاك قائلة:
-أهلاً رين.

نظرت إلى البحيرة بنظرة محبطة قبل أن أعود أدراجي لأجلس على المقعد قائلة:
-هل أنهيت مهمتك إذاً؟؟

أومأ وهو يجلس بجواري وقال ببرود:
-أجل. قدمت تقريراً مفصّلاً عن كيفية وقوع تلك المجزرة.

شعرت بالاضطراب قليلاً. أخفيت ذلك وسألته بهدوء:
-وكيف حدثت إذاً؟؟

لم أسأله عن الفاعل. لأنني أعلم وهو يعلم أنني الفاعلة. رايان كذلك يعلم. منذ أن سمعا أنّ المجزرة ارتكبت بسكين أدركا أنّني الفاعلة حتماً.

أسند ظهره على ظهر المقعد ونظر باتجاه البحيرة متجنباً النظر إليّ تماماً منذ لحظة وصوله.

أجاب ببرودٍ شديد:
-تلك العصابة تقوم باجتماعٍ دوريٍّ كلّ شهر لذا عددٌ كبيرٌ من أفراد العصابة اجتمعوا في المقرّ البارحة. والبقية أرسل الفاعل استدعاءً لهم ليتجهوا للمقر بعد انتهاء الاجتماع دون أن يعلموا السبب.

وهكذا ضمن الفاعل أنّ جميع أفراد العصابة متواجدون هناك.

قبل الاجتماع تمّ وضع مخدرٍ قويّ المفعول في المياه الموزعة على أفراد الاجتماع.

ومعظم الموجودين شربوا ولو رشفةً وهذا تسبب بتخدير الأغلبية وبالتالي قتلهم بعدها كان سهلاً.

البقية الذي لم يشربوا تمّ مهاجمتهم بسكاكين مميتة وهناك بعض الشجارات التي نشبت ولكن في النهاية تمّ إبادة الجميع بنجاح.

ابتسمت له قائلة:
-لمَ قلت أنّه فاعلٌ واحد وليس مجموعة؟؟ هل يعقلُ أن يتمكن شخصٌ واحد من إبادة كلّ هؤلاء؟؟

ردّ رين دون النظر إليّ:
-لأنّ طريقة القتل كان واحدة. مهارة مطلقة باستخدام السكين والنقاط الحيوية المستهدفة. لا يمكن أن يتواجد شخصان بذات الأسلوب فما بالك بمجموعة؟؟

كما أنّ استخدام المسدس كان أسهل بكثير لو استطاع الفاعل استخدامه.

إنها مجزرة حقيقية والفاعل سفاحٌ قتلهم بدمٍ بارد.

حتى أنه يمكنني تخيله وهو يغادر مقرّ تلك العصابة وثيابه غارقةٌ بدمائهم وعلى شفتيه ابتسامةٌ منتصرة.

سرت قشعريرةٌ في كامل جسدي. لأنّ رين أصاب كبد الحقيقة. هذا يبدو مخيفاً عندما أسمعه من فم شخصٍ آخر.

لمَ كنتُ أبتسم؟؟ لأنني نجحت بقتلهم؟؟ لأنني نجحت بالمهمة التي كلّفني بها قائد المقر الأول؟؟ لا مبرر لابتسامتي أبداً.

أصبح صداع رأسي لا يحتمل. لم أتوقع أن يهاجمني رين بهذه الشدة. هل أصبح يكرهني؟؟ أنا لم أرتكب أيّ خطأ. وحتى لو كانت هذه مهمة كلفني بها رايان لنفذتها بذات الطريقة.

رنّ هاتفي فجأة. كان رقماً غريباً. ترددت كثيراً في الإجابة ولكن ما أسوأ ما قد يحدث إن أجبت؟؟... لا شيء.

لذا فتحت الخط وأنا أقول:
-أهلاً. من المتكلم؟؟

أصغيت لعدة ثوانٍ دون أن أسمع أيّ رد. هل فصل الخط؟؟

-هذا أنا...آرثر.

سرت رجفة باردة على طول عمودي الفقري. هذا الاتصال حتماً لن يكون لأمر جيد.

يا إلهي أرجو أن يكون ما أفكر به خاطئاً. هذه المرة فقط. هذه المرة.

-أردت إخبارك أنّ والدنا توفي قبل ساعة. ربما ترغبين برؤيته للمرة الأخيرة.

لم أستطع النطق بحرف. كنت مصدومة تماماً. لماذا اليوم؟؟ لقد وعدته بزيارته كلّ يوم. ألم يقل الأطباء أنّ لديه أسابيعاً ليعيشها. لمَ فقدته بعد أوّل لقاء لنا منذ سنوات؟؟

أجبته ببرودٍ شديد:
-لا داعي لذلك. شكراً لكَ لإخباري.

كنتُ على وشكِ إغلاق الخط لولا أن سمعت آرثر يقول:
-كان يبتسم. لأول مرة منذ سنوات أراه يبتسم هكذا. توفي وعلى وجهه تعابير الراحة والسكينة. وكأنه كان يناضل ضدّ مرضه وآلامه وكافح حتى الآن على أملِ لقائك فقط.

تقطّع صوت آرثر. بدا أنه يبكي أو يقاوم شهقاته.

أضاف بعد قليل:
-شكراً لكِ سيلين لأنكِ حققتِ له أمنيته الأخيرة التي تمناها بصمتٍ ولم يخبر أحداً بها. شكراً لكِ حقاً.

أغلق الخط بعدها.

كنت أنظر إلى الفراغ بغير تصديق. لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟

انتبهت من ذهولي على صوت رين يسألني إن كنت بخير.

لا أدري كيف بدت ابتسامتي وأنا أقول بصوت حاولت جعله طبيعياً:
-عليّ العودة للمنزل. أنا متعبة قليلاً. أبقِ بوب معك اليوم فهو يشعر بالضجر من البقاء في المنزل أغلب الوقت. أراكَ غداً في العمل رين.

واستدرت مغادرة بالفعل. لم يحاول رين منعي...إيقافي...أو اللحاق بي. بدا وكأنه لا يرغب برؤيتي أو الحديث معي مطلقاً.

لأول مرة أشعر بالخذلان حقاً. أنا بأمسّ الحاجة لوقوفه بجانبي ولكنه لم يفعل.

سرت على طول البحيرة وتلك الفكرة أصبحت تصدح في عقلي أكثر.

استدرت نحو الخلف على أمل رؤيتي لرين ولكن لا أحد ظهر.

نظرت نحو البحيرة وفكرت كم ستكون باردة ومظلمة الآن.

ربما أموت غرقاً...ولكن هذا أفضل من الاختناق وأنا حية.

خلعت معطفي الدافئ ورميته أرضاً وكذلك حذائي. لسعتني برودة الجو ولكن هذا كان مريحاً لأنه شغلني عن التفكير بأيّ شيء.

تراجعت عدة خطوات. ألقيت نظرة أخيرة نحو الخلف ولكن لا أحد كان هناك.

رين يدرك أنني لست بخير ورغم ذلك تغلّب غضبه على وعده لي بالوقوف بجانبي مهما حدث وقرر تجاهلي هذه الليلة.

بدأ جسدي يرتجف من البرد. نظرت نحو البحيرة بإصرار وبدأت الجري نحوها ولكن مع الخطوة الأخيرة شعرت بشخصٍ ما يمسك بذراعي ويسحبني نحو الخلف حاضناً إيايّ بقوة مانعاً إياي من القفز.

-بربك سيلين. أليس من الظلم أن تجعليني أقفز في البحيرة بهذا البرد القارص؟؟

رفعت بصري إليه. اتخذت قراري في تلك اللحظة. لا أريد أن أخسر المزيد من الوقت.

-أنا موافقة.

.
.
.
.
.
.

     ************   
The End of this part 
     ************

مرحباً أصدقائي❤️

ليس لدي الكثير لقوله. الأمور تحتدم فقط. والنهاية باتت أقرب.

أرجو أن يكون البارت حاز إعجابكم وشكراً لصمودكم معي حتى الآن❤️

أتمنى للجميع عاماً جديداً سعيداً🌹

وإلى اللقاء في البارت القادم❤️🌹




















Continue Reading

You'll Also Like

516K 16.4K 33
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
3.7M 56.4K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
959 144 14
المزج بين الخيال والواقع يبدأ كل شيء بحادث سير يجمع بين البطلين و رحلتهما المختلفة من نوعها ... فيتجدد اللقاء روحيا لا جسديا بين اصدقاء الطفولة الت...
21.5K 1.5K 59
في ظل الممالك السبعة هناك مملكة ماغونسايت التي يعيش بها بطلنا ألدس ولي العهد للملك مابل بعد ان يرسله الى أكاديمية إريوس محاولة ضبط سلوكه في التهيء ل...