لحن الكاميليا || Camellia Mel...

By Jolianakingdom

84.5K 6.4K 4K

لكلّ إنسانٍ لحنٌ خاصٌّ به يمثّلُ حياته، تجسّد نغماته الحزن والسعادة، الخيبات والأمل، الانتقام والغفران، وأخير... More

التحدي
هدنة واتفاق
رهان متسرع
حفل مشؤوم
معركة غير محسومة
صدمات
انطلاقة
لقاء جديد
فتاة متهورة...عمل جديد
جريمة قتل
تحقيق من نوع خاص
معي أم ضدي؟؟
وحش بهيئة إنسان
اعتراف من نوع آخر
لحظات ثمينة
بدايات ونهايات
لا وقت للراحة
قدر
معاً
شرط
ليلٌ لا ينتهي
خلافات
ألكساندرا روسيل
ثقة؟!
عقربٌ وأفعى وآيتون
نائبة القائد
سفاح دراكوس الجديد
المصيدة
تضحية
مشاعر مبعثرة
اذهب إلى الجحيم
حفلة الزفاف
لأجل دراكوس
دليلٌ حاسم
مهما كان الثمن غالياً...النهاية

خصمان وهدفٌ واحد

1.7K 155 148
By Jolianakingdom

(25)

سيلين:

فتحت عيناي وأنا أشعر وكأني نمت لدهرٍ كامل. اعتدلت جالسة ومطمطتُ جسدي قليلاً قبل أن أنتبه إلى أنني لستُ في غرفتي وأنّ هذا ليس منزلي. أين أنا؟؟

بدأت ذكرياتي المفقودة تعود وتذكرت أنني أتيت إلى منزل لويس وأنّه غدر بي وأفقدني الوعي.

لفتت نظري ورقةٌ مطويّةٌ على الطاولة جواري مع كأس من العصير بجوارها.

فتحت الورقة لأجدها عبارة عن ملاحظة كتبها لي لويس يعتذر فيها عمّا فعله ويخبرني أن أخرج للحديقة الخلفية بعد أن أشرب كأس العصير وأهدأ وهناك سأفهم كلّ شيء.

حسناً أنا الآن أرغب بدفنه حيّاً بالفعل. ذاك الوغد. سأجعله يندم على مباغتتي بالتأكيد.

شربت كأس العصير دفعةً واحدة ثمّ غادرت الغرفة متجهةً للحديقة الخلفية.

لم يكن تصميم منزله معقداً لذا عثرت على الحديقة الخلفية سريعاً.

سرت عدة خطوات نحو الخارج وقد دُهشت بجمال الحديقة. إنه يعتني بها كثيراً كما يبدو وأظن أنه جمع جميع أصناف الأزهار في العالم ووضعها في حديقته.

بضع خطوات أخرى قبل أن تقع عيناي على آخر ما توقعت رؤيته هنا.

هل يمكن لأحدٍ أن يشرح لي لما لويس ورين يتقاتلان هنا؟؟

اقتربت نحوهما ولكنّ أحداً منهما لم يلتفت إليّ. بدا وكأنهما في عالمٍ آخر تماماً وأنّ نزالهما هذا هو القضية الأهم في الوجود.

جلست على أقرب مقعدٍ إلي. لا بأس بمشاهدة أحد أفلام الأكشن مجاناً. لنرَ إلى أين سينتهي هذا النزال.

رنّ هاتفي في تلك اللحظة. كان الاتصال من رايان.

تنهدت بتشاؤم إذ أنه لا يتصل إلا إن كان يحمل مصيبةً ما معه.

فتحت الخط وأجبت برسمية تامة:
-معك المقدم سيلين ريتشارد. ما الأمر أيها القائد؟؟

ردّ عليّ ببرودٍ شديد:
-كما تعلمين لديكِ الصلاحية التامة للحصول على إجازة متى شئتِ باستغلال علاقتك مع رين. لذا أرجو أنكِ تستثمرين إجازتك بشكل جيد على أحد الشواطئ.

وبالتأكيد لا داعي لإخباري بأيّ شيء. ليس وكأنني القائد والحصول على إذني ليس مهماً كما تعلمين.

قاطعته قائلةً بتردد:
-أيها القائد. أنا لم أقصد ذلك حقاً. كنت فقط...

ولكنه قاطعني قائلاً بثقة:
-لا تقلقي أبداً أيتها المقدم. لن تتم معاقبتك. أنتِ لم تخطئي. إنه خطأ رين وهو من خالف القوانين لذا سيتحمل المسؤولية وسيعاقب كما يجب. أراكِ لاحقاً.

-أيها القائد أنا...

ولكنه كان قد أغلق الخط بالفعل. إنه غاضبٌ حقاً. لم أتوقع أن يغضبه الأمر لهذه الدرجة. الآن أدركت لمَ اعترض رين كثيراً قبل أن يوافق على طلبي.

إنّه يعرف شقيقه جيداً ويعرف أنّه لن يمرر أيّ مخالفة مهما كانت بسيطة وحتى لو كانت صادرة عن شقيقه.

كم أشعر بالذنب الآن لتوريط رين بهذه المشكلة.

زفرت نفساً حانقاً وكنت على وشك إغلاق هاتفي لولا أنني انتبهت إلى وجود محادثةٍ جديدة في قائمة رسائلي.

فتحتها لأصدم جداً بما رأيت.

صورة لي وأنا مقيدة وغائبة عن الوعي وهناك آثار للعديد من الكدمات على وجهي مرسلةٌ إلى رين وتحتها رسالةٌ تطلب منه القدوم وحده إلى هنا إن أراد رؤيتي حيةً مجدداً.

تفقدت وجهي وتحققت أنّ لا أثر لأي كدماتٍ أو غيرها.

تباً لك لويس. تباً لك فحسب. الآن عرفت كيف استدرجت رين إلى هنا ولمَ أفقدتني الوعي.

كلّ هذا لتلتقط لي هذه الصورة وترسلها إليه. لابد أنه استخدم مساحيق التجميل لرسم الكدمات على وجهي وأزالها قبل استيقاظي.

أنا لم أشعر بأيّ شيء حقاً.

ولكن لمَ ترغب بمنازلة رين إلى هذه الدرجة؟؟

أعدت كامل انتباهي إلى النزال وحاولت تخمين أيّهما يتقدم على الآخر ولكن بلا فائدة.

الكثير من اللكمات والركلات والمعركة تبدو شرسة ولكن لا يمكن تحديد الفائز حتى الآن. إنهما متعادلان تماماً.

وبعد مراقبةِ النزال لنصف ساعة أخرى ابتسمت لأوّل مرة حينما أدركت من سينتصر أخيراً. النزال شارف على نهايته بالفعل.

رين يستهدف النقاط الحيوية للويس.

ولكنّ ظني كان خاطئاً. إذ أنّ النزال استمر لنصف ساعةٍ أخرى ثم نصفٌ ثالث. يبدو أن رين يرغب بالفوز بقوته دون الاعتماد على أسلوب النقاط الحيوية بالرغم من أنه يستطيع إنهاء النزال في أيّ لحظة.

وهنا قررت أن الكيل طفح بالفعل لذا تقدمت نحوهما لأقتحم النزال وأقف في المنتصف تماماً مانعةً إياهما من الاستمرار أكثر.

رمقت كلّاً منهما باستياءٍ شديد قائلة:
-توقفا عن القتال. لن ينتصر أحدكما. أنتما متعادلان تماماً.

-ابتعدي عن هنا ودعيني ألقّن هذا المتعجرف درساً.

نطق بها كلاهما بذات اللحظة وباستياءٍ شديد.

رمقتهما بدهشة قبل أن أوجه لكمة مباغتة لكلّ منهما في معدته وأنا أقول:
-إن فكرتما بالعودة للقتال فلن أتردد أبداً في الاتصال بالشرطة لتأتي وتقبض عليكما.

سخرا مني قائلين:
-الشرطة؟؟

ابتسمت بثقة قائلة:
-أظن أنّ القائد غاضبٌ منك بالفعل رين ولن يمانع إمضاءك ليلةً أو اثنتين في السجن. أليس كذلك؟؟

وأنتَ لويس. أظن أنّ قائدي سيكون سعيداً جداً بالقبض عليك.

لذا ما رأيكما الآن؟؟

بدا التردد على وجه كلٍّ منهما. وبعد تفكيرٍ قصير أدركا من خلاله أنني لا أمزح أبداً زفر كلاهما نفساً حانقاً ثم رمقا بعضهما بنظرات ناريّة تؤكد أنّ المعركة لم تنتهي بعد وأنّ هناك جولةٌ أخرى في وقتٍ آخر لا أكون فيه موجودة.

رمقتهما بنظرةٍ مفادها توقفا عن التصرف كالأطفال قبل أن أستدير عائدةً أدراجي نحو المنزل وأنا أقول:
-نحتاج للحديث...ثلاثتنا...لذا تعاليا معي.

توجهت للمطبخ أولاً وأعددت ثلاث أكوابٍ من العصير البارد إذ لابد أنهما منهكان الآن وإن كانا يظهران خلاف ذلك.

أحضرت بعض أكياس الثلج من الثلاجة ثم توجهت إليهما حيث كانا يجلسان في الصالة.

-لا تحلم بذلك. هي ستبقى بجواري دائماً وأنا فقط من يستطيع حمايتها.
كان هذا صوت لويس.

-كيف ستحميها؟؟ ستسلّمها منصب قائدة فريق القتلة والسفاحين في عصابتكم أم ماذا؟؟
كان هذا صوت رين الساخر.

-على الأقل وجودها بجانبي سيحميها من العصابة أمّا وجودها بجانبك سيجعلها هدفاً لهم فقط.

-عصابتك مجموعةٌ من المجرمين فهل تثق أنهم لن يغدروا بك وبها في أيّ لحظة؟؟

-حسناً ما رأيك بتحدٍ آخر لنحدد فيه من يستحق حمايتها أكثر؟؟

-لا فائدة من النزال مجدداً.

-ليس نزالاً. بل تحدٍّ من نوع آخر. أنا سأ.....اااا

وجهّت لكلٍّ منهما لكمةً على رأسه قبل أن أقف مقابلاً لهما وأنا أقول باستياء:
-أنا أفعل ما أريد. لا أحتاج حمايةً من أحد. لن أختبئ خلف أحد لذا توقفا عن التصرف كالأطفال وأوقفا هذا الشجار حالاً. هناك قضايا أهم علينا مناقشتها الآن.

أحضرت أكواب العصير وأكياس الثلج ووضعتها على الطاولة ثم جلست مقابلاً لهما ورميت لكلٍّ منهما كيساً من الثلج وأنا أقول:
-اهتمّا بكدماتكما أولاً. سيتحول وجهيكما للّون الأزرق قريباً.

تناول لويس كأساً من العصير وشربه دفعةً واحدة قبل أن ينظر إلى رين قائلاً:
-سنتبادل الأسئلة حولها. من تشير إجاباته إلى أنّه أقرب إليها من الآخر سيكون الفائز.

تناول رين كأساً وشربه دفعةً واحدة أيضاً قبل أن ينظر بجديّةٍ نحو لويس:
-وأنا موافق. ثق بأنّك لست ندّاً لي أبداً.

ضربت الطاولة بقبضتي قائلة:
-ألم تصغيا لحرفٍ مما قلته؟؟

نظر رين نحوي بجديّةٍ قائلاً:
-نحن لا نلعب هنا سيلين. الأمر مهمٌ جداً. وأنتِ ستكونين الحكم بيننا.

أكدّ لويس كلامه قائلاً:
-أنا مضّطرٌ للقول أنه محق. الأمر مهمٌ حقاً ألكسا...ااا

انتصفت الوسادة التي ضربتها نحوه وجهه تماماً وأرغمته على اقتطاع كلامه.

آخر ما أريده هو أن ينطق باسمي الحقيقي أمام رين.

أووه هل قلت توّاً اسمي الحقيقي!! منذ متى وأنا أعترف به كاسمٍ لي؟؟ إنه ليس اسمي أبداً.

رمقت لويس بحدة وبنظرة تحذيرية قبل أن أقول:
-افعلا ما تريدان. لن أتدخل أكثر لأرى إلى أين ستصلان في النهاية.

ابتسم كلاهما وتبادلا نظرات التحدي قبل أن يقول لويس:
-سأبدأ أولاً بما أنني من اقترح الفكرة. سؤالي الأول سيكون كيف التقيت بها أوّل مرة؟؟

فكّر رين لبرهة قبل أن يقول:
-التقيت بها حينما كنت في العاشرة تقريباً...كانت هي في الخامسة كما أظن...التقينا في غابة وأنقذت حياتي حينها من دراكوس.

نظر لويس إليّ بدهشة قبل أن يقول:
-هل كان هذا بعد انضما...اااا

وسادةٌ أخرى منعته من إتمام كلامه. رمقته بحدة قائلة:
-لا تتدخل بما لا يعنيك لويس.

ولكنه ردّ بإصرار:
-أي شيء يتعلق بكِ يعنيني. إن كنتِ تهتمين لأمره حقاً عليكِ إخباره بكلّ شيء...إلّا إن كنتِ لا تثقين به...أو بالأحرى لا تثقين بأنه سيبقى بجوارك بعد أن يعلم الحقيقة كاملة...سيكون شخصاً سافلاً لا يستحقك حينها وستتخلصين منه سريعاً قبل أن يصبح الأمر أصعب.

قبل أن أردّ بأي شيء قال رين بهدوء رغم نبرته الحادة:
-لا علاقة لكَ بما يحدث بيني وبين سيلين لويس. أيّاً كان ما تخفيه عني فهو لا يهمني ولا أرغب بمعرفته حتى.

أنا سأبقى بجوارها مهما حدث ومهما كان ماضيها وحتى لو علمت أنها قتلت مئة شخصٍ وساهمت في إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية.

ما يهمني فقط هو سيلين ريتشارد التي أراها أمامي ولا شيء آخر.

رمقه لويس باستياءٍ قائلاً:
-من هي سيلين ريتشارد حتى؟؟ أنتَ تقول هذا لأنّك لا تعرف شيئاً. لو علمت لغيّرت رأيك حتماً.

تجاهل رين كلامه وقال:
-إنّه دوري في طرح الأسئلة كما أظن. لذا سأسألك ذات سؤالك. كيف التقيتَ بها أوّل مرة؟؟

ابتسم لويس قائلاً:
-أوّل لقاءٍ لنا حقاً كان في الحفلة قبل أسابيع فقط. ولكني أعرفها منذ زمنٍ بعيد.

والآن أخبرني كيف أمضت حياتها المدرسية إن كنت تعرفها جيداً كما تدّعي؟؟

ابتسم رين قائلاً:
-التسع سنوات الخاصة بمرحلة التعليم الأساسي أمضتها في مدرسةٍ داخلية ثم تابعت بقية دراستها في المرحلة الثانوية في مدرستين عامّتين هنا في المدينة.

أخبرني عن أصدقائها ومكانتها في جميع المراحل؟؟

ابتسم لويس بتحدٍّ أيضاً وردّ قائلاً:
-أصدقاء مقرّبون لم يكن لديها. ولكن جميع زملائها في المدرسة كانوا يحترمونها أو بالأحرى يخشونها...كما أنها كانت تدير جميع عمليات تهريب الأشياء الممنوعة في المدرسة الداخلية كالمجلات والملابس والزينة والكثير غيرها لذا كان الجميع خاضعاً لها.

وبالنسبة للفتيان فأنا لا أبالغ حين أقول أنّه لم يبقَ فتىً في المدرسة إلا وقد اعترف لها بحبه وهي كانت ترفضهم بالجملة. لم تقع بالحبّ ولم تعترف لأحدٍّ يوماً قبل أن تلتقي بك للأسف.

والآن أخبرني من هي بالنسبة إليك؟؟

ردّ رين بلا تردد:
-إنها الفتاة التي أحبّها وأرغب بالزواج بها وإمضاء بقية حياتي معها.

شعرت بنظرات لويس المستاءة مسلطةً عليّ لذا أحرجني هذا قليلاً. أشحت بنظري بعيداً وأنا أقاوم الابتسام بصعوبة.

أضاف رين قائلاً:
-ومن تكون هي بالنسبة إليك لويس؟؟

يا إلهي. إنّه سؤال مزعجٌ حقاً. لمَ فتح لويس هذا الموضوع أساساً!!
نظرت نحو لويس بتحذير من أن يقول الحقيقة ولكنّه رمقني بنظرةٍ مفادها سأخبره بالحقيقة وقبل أن أوقفه بأي طريقة نطق قائلاً:
-إنها شقيقتي الصغرى والوحيدة.

توسعت عينا رين بدهشةٍ خالصة. يبدو أنّه توقع أي شيءٍ إلّا هذه الإجابة.

لا بأس سيكون حسابي مع لويس عسيراً لاحقاً ولكن ربما هذا أفضل من الكذب على رين. سيعرف الحقيقة الكاملة آجلاً أم عاجلاً.

سأل رين باستغراب:
-شقيقتك بالدم أم بالتبني؟؟

ردّ لويس بثقة:
-بالدم...إنها شقيقتي من والدي.

زادت دهشة رين أكثر وقال:
-ولكن أنتَ لويس كوينتان وهي سيلين ريتشارد. هل لقب والدكما كوينتان؟؟

نفى لويس ذلك قائلاً:
-كوينتان هو لقبٌ مزيفٌ لي.

لقبنا الحقيقي هو...

قاطعته قائلةً بحدة:
-لويس توقف حالاً. لن تنطق بحرفٍ آخر إن أردت أن أتحدّث إليك مجدداً.
أخبرتك أنّني سيلين ريتشارد فقط ولن أعترف بأيّ لقبٍ آخر.

أدرك لويس أنني جادّة تماماً لذا رفع كتفيه بقلة حيلة والتزم الصمت تماماً ولم أجرؤ على النظر إلى رين مطلقاً. لقد علم الآن أنني أخفيت عنه الكثير من الحقائق ولا أزال أفعل ولابدّ أنّه مستاءٌ مني ولو قليلاً.

نهضت واقفة وغادرت المكان دون النطق بكلمةٍ واحدة. أشعر بالاختناق حقاً.

ما إن ابتعدت بمسافةٍ كافية وتحققت أنّ أحداً لم يلحق بي انعطفت في أحد الشوارع الفرعية وجلست مستندةً على أحد الجدران وقد شعرت بألمٍ شديد في رأسي.

لويس يدّمر كلّ شيء. إنّه سيتسبب بخسارتي للشخص الوحيد الذي وقف بجواري في هذا العالم.

أعلم أنني مخطئة بإخفائي للحقيقة ولكن أنا أخشى خسارته حقاً. هو تعرّض للخداع مسبقاً من زوجته السابقة ولا أريده أن يمرّ بنفس التجربة مجدداً ولكن خوفي من خسارته أكبر.

أرغب ببقائه بجواري ولو اضطررت للكذب عليه وخداعه طوال الوقت.

ازداد صداع رأسي أكثر وبالأخص حينما بدأت صورٌ من الماضي تطوف في رأسي.

ذاك اليوم في الغابة. أنا أتذكره جيداً. لقد كذبت على رين حينما أخبرته بأنني لا أتذكر شيئاً.

إنقاذه من العصابة كان خطأً فادحاً دفع شقيقي حياته ثمناً له.

ربما لو وقع رين في قبضتهم لتمكّن والده من إنقاذه ولبقي آلويس حيّاً أيضاً.

أنا لم أكن أعلم أنهم سيقتلون آلويس لو ساعدت رين.

ولكن لو أنّني علمت...هل كنت سأنقذه حقاً؟؟

لن أفعل حتماً. لذا أنا لستُ الملاك الذي يظن رين أنّه أنقذه. أنا نادمة على ما حدث حتى الآن وهذه إحدى الحقائق التي أخفيها عن رين أيضاً.

لا أستطيع إخباره أنني نادمة على إنقاذه أبداً.
لا أستطيع إخباره أنني أنتمي لعائلة روسيل أبداً.
لا أستطيع إخباره أنني كنت فرداً من دراكوس يوماً ما.
لا أستطيع إخباره أنني أطلقت النار على شقيقي آلويس وقتلته بيديّ هاتين.
لا أستطيع إخباره أنني الشخص الذي أطلق النار على شقيقته وتسبب بقتلها وقتل الكثير من الأشخاص أيضاً.
لا أستطيع إخباره أنني بالفعل حثالةٌ متخفيّة خلف قناع البراءة. أنا الأسوأ على الإطلاق.

.
.
.
.
.
.

لا أدري كم مرّ من الوقت وأنا جالسةٌ كالجثة الهامدة في مكاني.
ولكني قررت النهوض أخيراً والتوجه إلى المركز. عليّ أن أستمرّ رغم كلّ شيء.

لقد عشت طوال حياتي كمخادعة والاستمرار في كوني كذلك لن يشكّل مشكلةً لي.

سألت عن القائد وأخبروني أنّه في اجتماع لذا انتظرت انتهاءه ثم توجهت لمكتبه ودخلت بعد أن أذن لي بالدخول.

أديت له التحية ولكنّه لم ينظر إليّ مطلقاً. بل قال ببرود وهو يدقق أحد الملفات أمامه:
-أنا مشغولٌ جداً. اختصري ما تريدين قوله بسرعة.

أخذت نفساً عميقاً قبل أن أقول:
-أنا آسفة أيها القائد لأنني غادرت المركز دون إذنك. يمكنك معاقبتي كما تشاء ولكن أرجوك دع رين وشأنه. هو لا ذنب له.

ردّ رايان ببرود:
-الشخص الذي أخطأ عليه تحمّل مسؤولية خطئه. لا نقاش في ذلك.

ولكني أصررت قائلة:
-أرجوك سأفعل أيّ شيءٍ تريده مني. فقط لا تعاقب رين. أنا لم أكن أعلم أنّك ستغضب هكذا. أنا أخطأت ولن أكرر خطئي أبداً.

تنهد رايان قائلاً:
-حسناً سأفعل. هناك أمرٌ عليكِ تنفيذه لأجلي وبالمقابل لن أتحدث مع رين بموضوع العقوبة أبداً. ما رأيك؟؟

سألته بحذر إذ أنّ كلامه لا يطمئن أبداً:
-وما هو هذا الأمر؟؟

-ستعلمين في الوقت المناسب.
.
.
.
.
.
.
.
.

مضى هذا اليوم الحافل أخيراً وحلّ محلّه يومٌ جديدٌ حاملاً معه تمنياتي بمروره بسلام.

ذهبت إلى المركز وأمضيت نهاراً حافلاً بالعمل إذ أنّ مهمتي اليوم كانت تقتضي القبض على لصٍّ هارب ونجحت في اقتفاء أثره بصعوبة والإمساك به.

لم أصادف رين أبداً. لم يحضر للعمل اليوم. لم أجرؤ على السؤال عنه حتى.

أنهيت عملي قرابة الساعة الخامسة وعدت للمنزل لأرتاح قليلاً قبل أن تصلني رسالةٌ من لويس يطلب فيها مني الحضور إلى مكانٍ ما وقد أخبرني أن أستعد لمواجهة العصابة أخيراً.

ارتديت ثياباً سوداء بالكامل ولا أدري لمَ ولكن أظن أنها تناسب لقائي بهم.

لم أخبر أحداً عن نيّتي بالذهاب إليهم رغم أنني شعرت أنه من الأفضل إخبار رايان على الأقل ولكني تراجعت بعد أن أدركت أنه لن يتركني أذهب بسهولة أبداً ولا رغبة لي بمجادلة أيّ أحدٍ الآن.

التقيت بلويس في المكان المحدد. لم أنظر إليه مطلقاً بل خاطبته قائلة ببرودٍ شديد:
-فلنذهب بسرعة.

-هل أنتِ غاضبة مني؟؟ ما الذي قاله رين لكِ؟؟ كيف كانت ردة فعله؟؟

لم أجب إذ لا رغبة لي بفتح جدالٍ معه الآن ولكنه تابع قائلاً:
-كان عليه أن يعلم الحقيقة عاجلاً أم آجلاً ألكساندرا وأنا سهّلت الأمر عليكِ. حتى وإن قرر الابتعاد عنكِ فهذا سيكون أفضل من تصعيب الأمر أكثر لاحقاً.

التفتُّ نحوه بصدمةٍ تامة وابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أرجو بكلّ جوارحي أن يكون ما أفكر به خاطئاً ونطقت بصعوبة:
-أيّة حقيقة لويس؟؟ هل أخبرته بأيّ شيءٍ بعد رحيلي؟؟

نظر لويس إليّ بدهشةٍ قائلاً:
-ألم يخبركِ رين بأيّ شيء؟؟

رمقته بغضبٍ شديدٍ قائلة:
-لم يفعل. لم ألتقِ به منذ افتراقي عنكما. لم يأتِ إلى العمل اليوم. ما الذي أخبرته به؟؟

بدت ملامح التردد على وجه لويس مما زاد من غضبي أضعافاً. انتظرته ليجيب عن سؤالي ولكنه تقدمني المسير قائلاً:
-فلنذهب الآن. لقد تأخرنا عنهم.

جمدت في مكاني لوهلة وآلاف الاحتمالات تطوف في رأسي حول ما يمكن أن يكون لويس قد أخبر رين به...هل لهذا علاقة بتغيبه عن العمل اليوم؟؟

وبقدر ما رغبت بإبراح لويس ضرباً ليعترف لي بكلّ ما أخبره به بقدر ما شعرت أنّه من الأفضل ألّا أعلم...ليس الآن على الأقل.

لذا بعد صراعٍ مرير بين رغبتي بالمعرفة ورغبتي بعدم المعرفة انتصرت الثانية وتبعت لويس بصمت. سأسأله لاحقاً عن كل شيء.

سرنا صامتين لمدة. تخلّفت عنه ببضعة خطوات. لم يحاول لويس بدء أيّ حديث مما ضاعف أفكاري السوداويّة أضعافاً.

أمسكت بذراعه وأدرته نحوي بقوة ونظرت إلى عينيه بغضبٍ وأنا أقول:
-اعلم أمراً واحداً لويس. حذرّتك سابقاً وسأقولها مجدداً. إن علمت أنّك أخبرت رين بأيّ شيء فلن أتحدث معك مجدداً أبداً. لن أعترف أنك شقيقي أبداً. ولن أسامحك على تدخلك فيما لا يعنيك أبداً.

التزم الصمت وحدق بي لمدة قبل أن يقول بهدوء تام:
-إن كان رين قادراً على مسامحتك لقتلك شقيقته وهو أكبر جرمٍ قد يفتعله إنسانٌ يوماً. فأنتِ ستكونين قادرة على مسامحتي مهما كان ما فعلتُه فادحاً.

وإن لم يفعل فأنتِ ستفعلين في جميع الأحوال...لأنني شقيقك ولأنني الوحيد الذي يعلم الحقيقة الكاملة حيال ماضيك ورغم ذلك وقفتُ بجانبك وقررت دعمك في كلّ ما تفعلينه. لأننا شربنا من الكأس نفسها ولأننا عشنا الألم ذاته.

استدار متابعاً طريقه دون أن يتيح لي فرصةً للردّ. لم أجد ما أقوله حتى.

هل أسأله إن كان قد أخبره بأنني من قتل شقيقته؟؟ أم أجادله أكثر حيال موضوع أنني لن أسامحه أبداً.

ولكن ما الذي حدث معه في الماضي حتى جعله يظهر هذه النظرة المظلمة. أنا نجوت من براثنهم وتمكنت من الهرب منهم. ولكن هو أمضى حياته كلّها معهم...أظنّ أنني لا أرغب بمعرفة ما حدث معه خلال هذه السنوات الطويلة أبداً.

-أخبرني لويس...هل قتلتَ أحداً من قبل؟؟

لم يجب ولم يستدر ولا أدري لمَ شعرت أنه يبتسم بسخريةٍ من سؤالي في هذه اللحظة. ومجدداً لم أرغب برؤية ملامحه أبداً ولا بمعرفة جواب سؤالي حتى.

ولأوّل مرة أدرك أن الجهل أحياناً ربما يكون أفضل من معرفة الحقيقة بكثير.
.
.
.
.
.
.
.

وصلنا إلى المقر. كان من الخارج مجرّد شركةٍ بريئة لصناعة الأدوات الطبية. لا أحد سيتخيل أنّها تخفي في أعماقها وكراً لأخطر عصابة في المدينة.

دخلنا إلى المبنى وقد كان كلّ شيءٍ طبيعياً في الداخل. لا شيء يثير الريبة حتى الآن.

قال لويس ونحن نسير نحو الداخل:
-بالتأكيد هذا ليس المقرّ الرئيسي. إنه أحد المقرات الفرعية فقط. إن سقط هذا المقر فهذا سيعني نهايتك حتماً.

أنتِ أصبحت مسؤولةً عنه منذ لحظة دخولك إلى هنا. لذا كوني حذرة. ولا ترتكبي أيّ حماقة وكوني واثقة أنّ إسقاط هذا المقر لن يهزّ شعرةً من دراكوس بل سينهي حياتك وحياة كلّ من تعرفينهم فقط.

ابتلعت ريقي بصعوبة وتأملت المكان حولي بتوجسٍّ شديد.

العاملون هنا لا علاقة لهم بدراكوس أبداً كما يبدو لي. أين هم أفراد العصابة إذاً؟؟

تعمقنا أكثر في المكان حتى وصلنا إلى مصعد.

ضغط لويس زر الطابق الثالث مطولاً ليلتمع الزر باللون الأخضر قبل أن يبدأ المصعد بالهبوط بدل الصعود.

سألت لويس باستغراب:
-ماذا حدث؟؟

ردّ قائلاً:
-الضغط على الزر لفترة قصيرة سيجعل المصعد يصعد إلى الطابق المطلوب. ولكن الضغط عليه مطولاً سيؤدي لفحص بصمة الإصبع بواسطة الزر وإن كان الشخص أحد أفراد العصابة فسيضئ بلون أخضر وسيهبط المصعد للطابق المطلوب.

وإن ضغط شخصٌ ما على الزر مطولاً ولم تكن بصمته معرّفة لأحد أفراد العصابة فسيصعد المصعد للطابق المطلوب بشكل طبيعي وكأنّ شيئاً لم يكن.

توجد ثلاث طوابق تحت الأرض وستة فوقها. الطوابق العلوية تابعة للشركة ولا علاقة لها بالعصابة أبداً. أمّا الطوابق السفلية فهي أحد مقرّات العصابة ولا يمكن لغير أفراد العصابة الدخول إليها.

كنت أحدّق به بصدمة مما يقوله. لم أتوقع هذا أبداً. يبدو أنّ العصابة قد أمّنت نفسها جيداً خلال العقود الماضية. إنها متغلغلة في أعماق المدينة منذ زمنٍ طويل كالجرذان تماماً.

وصلنا للطابق المطلوب. تم تفتيشنا بدقة بعد خروجنا من المصعد ولكنهم رغم ذلك لم يعثروا على السكاكين التي أخفيها جيداً في ملابسي. إنّها من نوعٍ خاصٍّ جداً يصعب الإحساس به.

مجدداً أنا ممتنة للسيد آرون الذي علمني كيفية استعمالها وإخفائها بشكل تام.

لم ألتقِ بأيّ من أفراد دراكوس حتى الآن باستثناء الحارسين على باب المصعد قبل قليل.

بدأت الشكوك تساورني حيال كونه فخّاً ما. ربما كان عليّ إخبار رايان بقدومي إلى هنا حقاً.

تذكرت جهاز الاتصال المصغّر في أذني لذا نقرت عليه ولكنه لم يعمل. حاولت تشغيله بأيّ طريقة ولكنّه لم يعمل أبداً.

ازداد قلقي أكثر إذ يبدو أنّ هناك أجهزة تشويش قويّة تملأ المكان وتمنع أيّ اتصالٍ مع الخارج.

حسناً الآن ليس أمامي من حلٍّ سوى التمنّي بأنّ لويس لم يكن يخدعني طوال الوقت.

وصلنا إلى بابٍ خشبيٍّ كبير. دخل لويس وتبعته بعد ترددٍ قصير.

-لتحيا ابنة الزعيم. لتحيا ألكساندرا روسيل زعيمتنا القادمة.

ملأت الهتافات القاعة. مئات من أفراد دراكوس مجتمعين هنا والجميع يهتف لي.

لم أستطع استيعاب ما يقولونه...كنت أحدق بهم بصدمة فقط. هل قالوا ابنة الزعيم؟؟
.
.
.
.
.
.
.

مضى اجتماعي مع دراكوس بسلامٍ خلاف ما كنت أتوقع. رحبّ الجميع بي بحفاوة بصفتي ابنة زعيمهم وزعيمتهم القادمة كما يقولون.

تمّ تسليمي عدة مجلدات تتضمن جميع التفاصيل التي تخصّ هذا المقر ومهماته السابقة وجميع العصابات الأخرى ذات الصلة بهم.

غادرت المقرّ برفقة لويس بعد ما يقارب الثلاث ساعات وما إن ابتعدنا بمسافةٍ كافية حتى وجهت لكمة مباغتة وقوية لوجهه أرغمته على التراجع خطوةً للوراء.

نظرت نحوه بغضبٍ شديد قائلة:
-لقد خدعتني. لم تخبرني أنّهم يعلمون الحقيقة وأنني سأذهب إلى هناك بصفتي ألكساندرا روسيل ابنة زعيمهم. أنتَ لا تختلف عنهم لويس. تستغل معرفتك بحقيقة الماضي في كلّ موقف. أنتَ تدمّر حياتي أكثر مما هي مدمرة. أنتَ مجرّد حثالةٍ آخر مثلهم تماماً.

لم أشعر إلّا بألمٍ شديد في خدي إثر اللكمة التي وجهها إليّ. كانت لكمته قويةً حقاً وبالكاد استطعت الحفاظ على توازني.

نظرت نحوه بصدمة ولكنه رمقني بغضبٍ شديد وهو يقول:
-أنتِ مجرّد فتاة أنانية ألكساندرا. أنتِ لا تعلمين شيئاً ولكنك لم تكلّفي نفسك عناء سؤالي حتى بل ألقيت اللوم عليّ دون منحي أيّ فرصة للتوضيح. أنا لم أكن أعلم أنهم يعرفون الحقيقة.

أنا أردت مساعدتك...دعمك والوقوف بجوارك دائماً ولكن من الواضح أنّك لا ترغبين بمنحي أي فرصة لذا كما تريدين. أنا سأبتعد. لن نتقابل مجدداً إن كان هذا يسعدك ويريحك لهذه الدرجة.

آسفٌ للكمك ولكنك تستحقينها.

واستدار مغادراً بالفعل.

لم أتوقع ردة الفعل الغاضبة هذه منه. صحيحٌ أنني كنتُ غاضبة وألقيت اللوم عليه ولكن بالتأكيد هو كان يعلم بمعرفتهم بالحقيقة. هو الوسيط بينهم وبين الزعيم. أليس كذلك؟؟

تباً لكلّ شيء. أنا أشعر بالذنب الآن. ربما كان عليّ عدم التسرّع في اتهامه. لقد نعتّه بالحثالة حتى. أنا أستحق هذه اللكمة حقاً.

شعرت برغبةٍ باللحاق به ولكني قمعتها بشدة. ليس الآن. إنه غاضب ولن يحتمل أيّ نقاش.

أتمنى فقط أنّه قد قال الحقيقة وأنّ هذا ليس جزءاً من تمثيلية ما. سيكون ممثلاً مرعباً حينها.
.
.
.
.
.
.
.

الانتقام من والدنا.

كانت هذه هي الثلاث كلماتٍ التي همس بها لويس في أذني في لقائنا الأول في الحفلة.

أدركت أمرين من خلالها. الأوّل أنّه شقيقي. والثاني أنّ هدفنا واحد وهو الانتقام ممن دمّر حياتنا.

لمَ صدّقتُ حالاً أنّه شقيقي حقاً؟؟ لأننا متشابهان جداً. ذات العينين الزرقاوين وذات الشعر الأشقر. لأنّ كلانا يشبه ذلك الحثالة. نحن نسخٌ مصغرةٌ عنه للأسف.

كانت رؤية لويس وجهاً لوجه أكثر من كافية لجعلي أدرك أننا شقيقان حقاً.

ورغم ذلك لن أستطيع منح ثقتي المطلقة للويس يوماً. لأنه يبقى ابنه وذات الدماء الفاسدة تجري في عروق ثلاثتنا.

ولأنّ قانون وراثة زعامة العصابة يحتم على أحدنا قتل الآخر وقتل والدنا كي ينال منصب زعيم العصابة. حيث لا مجال لوجود أيّ أشقاء للزعيم أو عائلة.

.
.
.
.
.
.
.
.

وهكذا عدت أدراجي نحو المنزل وأنا أشعر بأنني مثقلةٌ بآلاف الهموم.

لابد أنّه هو ولا أحد غيره قد أخبرهم الحقيقة. زعيم أولئك الحثالة وأكبر حثالةٍ عرفه التاريخ....والدي المزعوم.

صوت صافرة سيارة انتشلني من عالم أفكاري المظلمة.

نظرت إلى السيارة لأجد رايان يلوح لي ويدعوني للصعود.

ابتسمت ابتسامةً صفراء له وأخبرته أنني أرغب بالسير ولكنّه أصرّ على إيصالي بنظراتٍ متوعدة إن رفضت دعوته مرةً ثانية لذا ما كان مني إلا الرضوخ له. علمتني التجارب أنّ معاندة رايان لا تجلب سوى المصائب.

صعدت على المقعد المجاور له دون أن أنطق بحرف. لا رغبة لي بالكلام أبداً.

ولكن رايان كان له رأيٌ آخر. إذ أنه قطع الصمت الذي خيّم بيننا وقال:
-لمَ تبدين وكأنك عدتِ لتوّك من رحلةٍ في العالم الآخر؟؟

يبدو أنّه لم يعلم عن لقائي بالعصابة حتى الآن وإلا لاختلفت ردة فعله مئة وثمانين درجة. تنهدت قائلة:
-أظنّ أنّك محق. لقد كنتُ في عالمٍ آخر بالفعل.

-ماذا تقصدين؟؟

لم أتردد كثيراً قبل أن أجيب:
-تعرّفت على مقرّ العصابة الذي سأكون قائدةً له من الآن فصاعداً.

ومن فضلك رايان لا داعي لتعترض على أيّ شيء لأنني قررت إخبارك بكامل إرادتي هذه المرة ولكن إن استمررت في معاندتي أكثر فسأضطر للعمل وحدي.

احتلّ العبوس ملامحه. وهذا أشعرني أنّ هناك معركةً ما قادمة ربما. ألا يمكنه أن يتفهّم موقفي لمرةٍ واحدةٍ فقط!!

نظر إليّ باستياءٍ قائلاً:
-رايان فقط؟؟ هل أنا زميلك في العمل أم ماذا؟؟ هل طلبتُ منك الحديث معي بغير رسمية مثلاً؟؟

نظرت نحوه بدهشة وأنا لا أكاد أصدق أنّ هذه هي الكلمة الوحيدة التي جعلته يستاء هكذا من كلّ كلامي.

عبست قائلة:
-نحن خارج ساعات العمل الآن ولا داعي لنتحدث برسميّة.

ولكنه أصرّ قائلاً:
-بل أنا أفضّل أن يتحدث جميع الذين يعملون في المركز معي برسميّة دائماً سواءٌ ضمن ساعات العمل أم خارجها.

ازداد عبوسي أكثر ورمقته بحدةٍ قائلة:
-أنتَ تريد تذكير الجميع بأنّك قائدهم طوال الوقت. أنتَ تستمتع بكونك القائد حقاً. أنتَ مزعجٌ جداً.

اتسعت ابتسامة رايان كثيراً وبدا وكأنني كنت أمدحه لتوّي.

تنهدت مجدداً وقد فقدت الأمل تماماً من أن يتغيّر رايان ولو ميليمتراً واحداً.

أوقف سيارته بجانب إحدى الحدائق وقال:
-اتبعيني. نحتاج للحديث قليلاً.

لم يكن أمامي خيارٌ آخر سوى اللحاق به.

سرت خلفه وأنا شاردةٌ في عالمٍ آخر تماماً حيث أفكر بما يفعله رين الآن وأين هو؟؟ هل أسأل رايان؟؟ ولكن ماذا لو....

-ااااا

لا أدري ما الذي اعترض طريقي فجأة ولكني سقطت أرضاً وتمكنت من تفادي الارتطام بالأرض بفضل يدي التي وضعتها كدعامةٍ أمامي في اللحظة الأخيرة.

ولكن يدي آلمتني كثيراً بالفعل. يبدو أنها تعرضت لرضٍّ قوي.

نهضت واقفة ووجدت رايان يرمقني باستهزاءٍ شديد. إنّها ردة الفعل المتوقعة منه. ليس مغفلاً كفاية ليهبّ لنجدتي كفارسٍ نبيلٍ سخيف.

نظرت إلى الشيء الذي تسبب بإسقاطي لأجد أنّه رباط حذائي فقط. هذا مذلٌّ جداً.

المحققة العظيمة سيلين ريتشارد تسقط بسبب رباط حذائها. يبدو أنّ رايان سيتمتع بالسخرية مني كثيراً.

تجاهلته وربطت حذائي جيداً قبل أن أتابع طريقي وأجلس على أحد مقاعد الحديقة.

تأخّر رايان باللحاق بي ولا أدري أين ذهب ولكنه عاد بعد قليل حاملاً بيده علبة إسعافات أولية.

رمقته باستنكار قائلة:
-أنتَ تبالغ كثيراً.

ولكنه تجاهل كلامي وسحب يدي وعاينها قليلاً قبل أن يقول:
-بعض الخدوش البسيطة في باطن يدك.

ولكن من الواضح من ملامحك أنّ معصمك يؤلمك عندما أحرّكه وأظنّ أنه تعرض لرضٍّ قوي.

سألف يدك برباط كي لا تحركي معصمك كثيراً وتزداد حالته سوءاً.

خاطبته باستياء:
-توقف عن التحدث كالأطباء. أنا بخير.

ولكنه تجاهلني تماماً وكأن رأيي لا يدخل في نطاق سمعه حتى.
وهكذا ربط لي معصمي بقوة كي لا أستطيع تحريكه كما قال. أظن أنني لن أستطيع تحريكه لبقية حياتي البائسة.

ابتسمت تلقائياً وأنا أنظر إلى الرباط ونطقت قائلة بصوت لم أظنّه مسموعاً:
-لا تزال تربطه بذات الطريقة. أنتَ لم تتغير أبداً.

رفع نظراته المستغربة نحوي وقال:
-أنتِ تتذكرين؟؟

انتبهت إلى أنني نطقت أمراً خاطئاً كنت قد نويت دفنه في أعماق ذاكرتي للأبد.

أدركتُ أنّ اتبّاع سياسة الجهل مع رايان لن يكون نافعاً لذا أجبته قائلة:
-أنا أتذكّر بالتأكيد. ما حدث يومها لن أنساه حتى آخر يومٍ في حياتي. ورغم مرارة الموقف ولكن تلك كانت إحدى أسعد لحظات حياتي وأنا لن أنساها أبداً.

أنا سأبقى ممتنةً لكَ لأجلها دائماً.

تجاهل رايان ما قلته مجدداً وبدا مستاءً قليلاً لسببٍ ربما أعلمه جيداً. لم أكن أرغب بذكر ذلك الموقف حقاً ولكن حدث هذا سهواً.

حلّ الصمت لمدةٍ بيننا. قطعته قائلة:
-أنا آسفة لأنني خذلتك في ذلك الوقت. أنتَ غيّرتَ اسمك لأجلي حتى ولكنني غادرت بلا أثر فقط. أعلم أنّ الاعتذار لن يغيّر شيئاً ولكن أشعر أنني مدينةٌ لكَ بواحد. أنا آسفة حقاً.

لم يعلّق على كلامي بل قال بهدوء مغيّراً دفّة الحديث تماماً:
-هناك أمرٌ مهمٌّ عليّ إخبارك به.

أوليت كامل انتباهي له. لأنّ رايان عندما يقول أمرٌ مهمٌّ فهذا يعني أنّ هناك مصيراً ما مرتبطاً به.

صمت لدقائق مضت كالدهر بالنسبة لي. بدأ الكثير من القلق يتسرّب إلي. هل للأمر علاقة برين؟؟

بدأ رايان الحديث بعد تفكيرٍ طويل وكأنّه يزن كلماته جيداً قبل نطقها:
-والدي مريض. حياته مهددة في أيّ لحظة. لذا تزوجي برين. أنتِ مدينةٌ له بشرط ولي بطلب. أنا سأتكفل بأمر دراكوس. أحتاج لثلاثة أشهر بالضبط للقضاء عليهم.

هل نلعب لعبة الكلمات المتقاطعة أم ماذا؟؟ لمَ يتحدث بأحاجٍ غريبة؟؟ لم يتحدّث باختصارٍ شديد في موضوع مهمٍ جداً كهذا؟؟

نظرت نحوه بقلقٍ قائلة:
-السيد آرون مريض؟؟

أومأ قائلاً:
-مرضٌ خطيرٌ بالقلب. قد يعيش لسنوات وقد يموت في أيّ لحظة.

شعرت بالحزن الشديد. أنا مدينةٌ له بالكثير أيضاً. لم أكن لأصل إلى هنا لو لم ألتقِ به في ذلك اليوم.

أخذت نفساً عميقاً استعداداً للنقاش القادم. الزواج برين؟؟ هل يظن الأمر بسيطاً هكذا؟؟

فتحت فمي للاعتراض ولكنه قاطعني قائلاً:
-لا داعي لتقولي أيّ شيءٍ سيلين. أعلم كلّ ما تريدين قوله وأعلم جميع أسباب اعتراضك وجميع مبرراتك. لا فائدة من خوض أيّ نقاش.

كلّ ما أريده هو أن تتزوجي أنتِ ورين. القضاء على دراكوس أصبح قريباً جداً وأحتاج لثلاثة أشهر بالضبط لتدميرها. لذا الزواج الآن أو بعد ثلاثة أشهر لن يفرق كثيراً فدعينا نستغل الوقت.

وإن كنتِ تخشين توريط رين معهم فهو متورطٌ حتى النخاع وزواجكما أو عدمه لن يغيّر شيئاً.

أنا لا أجد أي مانعٍ آخر لهذا الزواج...فما رأيك؟؟

لم يترك لي شيئاً لأقوله. دراكوس هي العقبة الأكبر وهو يقول ثلاثة أشهر قبل القضاء عليهم وكقائدٍ لمركز التحقيقات الخاصة فبالتأكيد هو لا يمزح معي.

كما أنني مدينةٌ للسيد آرون بالشرط ومدينةٌ لرايان بطلب وأظنّ أنني إن لم أعثر على سببٍ مقنعٍ جداً لا يحقُّ لي الاعتراض حقاً.

سألته بجدية تامة:
-هل أخبرت رين بهذا؟؟

نفى برأسه قائلاً:
-ليس بعد. قررت إخبارك أولاً. رين لن يعترض إن وافقتِ أنتِ.

فكرت لعدة دقائق قبل أن أقول:
-لأجل السيد آرون فقط أنا موافقة.

ابتسم بخفة رغم أنه لم يبدُ مسروراً أبداً بقراري.

نهض واقفاً وقال:
-سأوصلكِ للمنزل. وسأخبرك بالمستجدات لاحقاً.

نهضت واقفة بدوري وعدنا أدراجنا إلى السيارة بصمت. صمته يشعرني بالذنب ولكن أخشى أن أنطق بأيّ حرفٍ وأزيد الأمور سوءاً.
.
.
.
.
.
كان هذا منذ زمنٍ بعيد. كنت لا أزال في المدرسة الإعدادية وكان رايان في الثانوية. قامت مدرستينا برحلة تخييم مشتركة.

حدثت بيني وبين بعض فتيات المدرسة مشكلة بسبب شيء تمكنت من تهريبه من خارج المدرسة وقدّمته لهن ولكنهنّ لم يدفعن ثمنه.

دخلنا في عراكٍ عنيف حينها وقد كنّ أربعةً ضدي. كافحت بشدة في تلك المعركة الخاسرة وتم دفعي في النهاية من أعلى جرفٍ لأسقط في النهر العميق أسفله.

وبما أنني لا أجيد السباحة فقد قاومت بشدة قبل أن أستسلم لمصيري ويبدأ جسدي بالغوص عميقاً.

عندما فتحت عيناي وجدت نفسي في الخيمة الطبية. أخبروني أنه تمّ إنقاذي من قبل فتىً من المدرسة الأخرى.

لم أبالي كثيراً بالبحث عنه وشكره فالمهم أنني نجوت.

ما يهمني أكثر هو تلقين أولئك الفتيات درساً عن أضرار التهرب من تسديد الديون لن ينسوه أبداً.

وبالفعل هذا ما كان. جمعت جميع من أعرفهن من فتيات وقمنا بمحاصرتهن في الغابة وتلقينهنّ درساً لائقاً.

شكرت الفتيات اللواتي ساعدنني ووعدتهن بتهريب مجلة أزياء لكلّ منهن مجاناً.

مضى اليومان التاليان بسلام ولكن في اليوم الثالث وحينما كنت أجمع الحطب في الغابة حاصرنني مجدداً ويبدو أنهنّ يردن الانتقام مني.

بدأ الشجار بالفعل وأذكر أنني تحولت لكلبٍ مسعورٍ وعضضتهنّ بكلّ قوتي كثيراً.
ولكني بالمقابل تعرضت لضربٍ مبرح حتى لم أعد قادرةً على النهوض.

دهستْ إحداهن يدي بقوة وهددتني كثيراً ولكني توعدت لها بأشدّ الانتقام عندما أراها مجدداً.

اعتدلت جالسةً بصعوبةٍ بعد رحيلهنّ وقد شعرت بألمٍ شديدٍ في يدي وجميع أنحاء جسدي.

سمعتُ صوتاً غريباً يقول:
-ألا تملين من التعرض للضرب في كلّ مرة؟؟ هل تظنين أنني سأهبُّ لنجدتك كأميرٍ سخيف؟؟

-ومن أنت؟؟

ردّ بفخر:
-أنا ألكسندر آيتون. أميرك المنقذ أيتها الأميرة الغارقة.

كان هذا لقاءنا الأول وجهاً لوجه. تشاجرنا كثيراً يومها ولكنّه أصرّ على تضميد جراحي وإلا هددني بإخبار الأساتذة بما حدث وجعلي أذهب للخيمة الطبية وهذا آخر ما كنت أريده بالتأكيد فتاريخي حافلٌ بالفعل بالعقوبات والمشاكل مع الأساتذة.

كانت لديه طريقة غريبة في ربط الضماد جعلتني أسخر منه كثيراً حينها.

وفي الأيام التالية أمضينا أغلب الوقت معاً. كنت أستمتع كثيراً بالشجار معه طوال الوقت. من ينظر إلينا يظنّ أننا لن نتفق يوماً ولكن الحقيقة أننا متفقان لدرجة مخيفة.

وفي الليلة الأخيرة من المخيم جلسنا معاً نتحدث كعادتنا كلّ ليلة.

سألته الكثير عن عائلته وحياته وسألني الكثير أيضاً ولكن بطبيعة الحال أخفيت عنه الكثير أيضاً.

-إذاً ما رأيكِ بعرضي؟؟

لقد عرض عليّ أن يساعدني للانتقال لمدرسته ذاتها.

تنهدت قائلة:
-أنا أتمنّى ذلك حقاً ولكن والدي لن يوافق.

أصرّ على أنه يستطيع إقناعه فقبلت عرضه بالنهاية قائلة:
-أنا موافقة ولكن بشرط.

نظر إليّ بتساؤل فتابعت قائلة:
-عليكَ تغيير اسمك. أنا أكرهه جداً. إنه يذكرني بالشخصٍ الذي دمّر حياتي. لذا إن أردت أن نستمر معاً حقاً عليكَ تغيير اسمك.

عبس قائلاً:
-من الظلم أن تطلبي مني طلباً صعباً كهذا.

رفعت كتفيّ بقلة حيلة قائلة:
-إن كنت جادّاً في رغبتك بالبقاء بجواري فتغيير اسمك لن يشكّل عائقاً. اسم ألكسندر يبثُّ الرعب في قلبي.

إنّه يذكرني باسمي السابق ولكني لم أخبره بهذا بالطبع.

وهكذا انتهى ذاك المخيّم الحافل. أمضيت فيه أياماً سعيدة لا تنسى. أنا ممتنة جداً للقائي به.

اتفقنا على عدة مواعيد للقاء في الخارج لاحقاً ولكنّي لم أذهب إلى أيٍّ منها ولم أتواصل معه بأيٍّ شكلٍ من الأشكال بعدها. هذا أفضل لكلينا حتماً. التورط معي لن يجلب له سوى المصائب.
.
.
.
.
.
.

ابتسمت لتلك الذكرى وانتشلني من عالم أفكاري صوت رايان بجواري يقول:
-لقد وصلنا.

استدرت إليه قائلةً بإصرار:
-آسفة حقاً على ما حدث ولكن أنا واثقة أنّ هذا كان الأفضل لكلينا. لست نادمة على قراري. صدقني العصابة لم تكن تسمح لي باتخاذ أيّ صديق وكانوا سيرغمونني على قتلك لو بقيتَ بجواري أكثر.

ردّ رايان ببرود:
-ومن أخبركِ أنني أردتُ الأفضل؟؟ أنا أردتك أنتِ فقط ولا يهمني أيُّ أمرٍ آخر. كان يمكننا العثور على حلٍّ حينها. كان يمكنني إنقاذك من حياتك المظلمة ولكنك أدرتِ ظهرك لي ولم تمنحيني أيّ فرصة.

أعترف أنني كنتُ مغفلاً كبيراً لثقتي بك. حتى أنني غيّرتُ اسمي لأجلك ولكن لا بأس فهذا علمني درساً لن أنساه أبداً.

شعرت بالذنب أكثر وأكثر. نظرت نحوه بأسفٍ قائلة:
-أليس هناك ما يمكنني فعله كي تغفر لي ما حدث؟؟

تجاهلني ونزل من السيارة ودار حولها ليفتح لي الباب ويشير إليّ بالنزول.

نزلت بالفعل ولكنه لم يفسح لي مجالاً للابتعاد بل أغلق الباب خلفي ثم حاصرني بيديه وقال:
-هناك ما يمكنك فعله.

دفعته ليبتعد عني قليلاً ويفسح لي مجالاً للتنفس ولكنّه لم يتزحزح إنشاً بل بقي ينظر في أعماق عينيّ وتابع قائلاً:
-اتركي رين وتزوّجي بي.

توسعت عيناي بصدمة. إنّه يمزح حتماً...حتماً. ولكنّه لم يتراجع عن كلامه قيد أنملة.

ابتلعت ريقي بصعوبة وقد شعرت بالحرّ الشديد وبصعوبة بالغة بالتنفس. أحتاج لمهربٍ ما.

اقترب مني أكثر فجأة لأشعر بشفاهه تلامس شفاهي بخفة لأجزاءٍ من الثانية قبل أن يتراجع مجدداً.

إنه لا يمزح حقاً.

تجمّد الدم في عروقي وشعرت بقلبي ينبض بقوةٍ مؤلمة. حاولت دفعه مجدداً ولكن قواي خارت تماماً ولم أستطع رفع يدي حتى. لم أستطع النطق بحرف. صوتي تلاشى تماماً.

مسح بإبهامه على خدّي ثم ربّت على كتفي بهدوء قبل أن يتراجع مبتعداً وهو يقول ببرودٍ شديد:
-كنتُ أمزح. أردت رؤية ردة فعلك فقط. أراكِ غداً في المركز. إلى اللقاء.

لا أدري كم مضى من الوقت وأنا متجمدة في مكاني بعد رحيله ولكني بدأت السير باتجاه المنزل وأنا أتأمل ما حولي بصدمةٍ فقط. وكأنني أحاول استيعاب أنني لا أحلم وأنه لم يكن كابوساً ما.

ارتميت على السرير لأستسلم للنوم حالاً لأنني إن بدأت التفكير فيما حدث لن أنام للأبد.

.
.
.
.
.
.
.
.

نهضت صباحاً غاضبة. غاضبة بشدة. من نفسي التي خذلتني البارحة ومن تصرف رايان السخيف جداً. أرغب بلكمه بشدة.

توجهت إلى منزله هو ورين. أحتاج للقائه وتصحيح ما حدث بأيّ ثمن.

طرقت الباب بقوة وتمنيت أن يفتح هو الباب وليس رين وكان لي ما أردت بالفعل.

رمقته بغضبٍ شديد قبل أن أهمس قائلة بغضبٍ مكبوت خشية أن يسمعنا رين:
-نحتاج للتفاهم قليلاً.

أفسح لي مجالاً للدخول وهو يقول:
-يمكنكِ الدخول. رين ليس هنا.

تبعته نحو الداخل بالفعل وما إن أصبحنا في الصالة حتى وجهت إليه لكمة بكلّ قوتي في منتصف معدته.

رمقته بغضبٍ شديدٍ قائلة:
-لا تقاوم لم أنتهِ بعد.

وجهتُ إليه لكمة ثانية ثم ثالثة ثم رابعة ولم يقاوم بالفعل. بقي يتلقى لكماتي بصمتٍ تماماً.

رفعت عيناي إليه ولكنّ رؤيتي كانت مشوشة تماماً. أدركت أن دموعي تسيل بالفعل. أشعر بألمٍ شديد.

وجهت لكمةً أخرى إليه وأنا أقول بين شهقاتي:
-أيّها الوغد. لمَ فعلتَ ذلك؟؟ كيف تجرأت؟؟ أنتَ سافلٌ كبير. أشعر وكأنني خنتُ رين. أشعر أنني سافلةٌ تماماً. أنا لا أختلف شيئاً عن زوجته السابقة. كلانا خائنتان.

لن أستطيع النظر في عيني رين مجدداً أبداً.

كل هذا بسببك أنتَ أيّها الوغد السافل. أكرهك جداً.

انهرتُ أرضاً وبدأت البكاء بشدة. ما حدث لا يغتفر أبداً. شعور الذنب يخنقني.

-أتحبينه لتلك الدرجة؟؟

رفعت نظراتي الغاضبة إليه وأنا أقول:
-أجل أحبّه. أحبُّه كثيراً لدرجة أنني لا أرغب بالتسبب بأيّ أذىً له. أرغب بحمايته من كلّ شيء في هذا العالم.

ربما أنا فتاةٌ سيئة ولست مناسبةً له أبداً وهو يستحق فتاةً أفضل ولكني حاولت...حاولت حقاً أن أكون فتاةً جيدة لأجله فقط.

ربما لم أخبره بكلّ شيءٍ عن ماضيي وأخفيت عنه الكثير ولكنه لم يسأل وأنا لم أجد الفرصة المناسبة لإخباره. كنت أخشى خسارته جداً إن علم الحقيقة.

لقد كنت أبذل كلّ جهدي كي أكون عند حسن ظنه بي...كي لا أخيّب ثقته بي... وكي أفي بوعودي له.

ولكن أنتَ دمرت كلّ شيء. لا شيء يغفر ما حدث حتى لو لم يكن خطئي وحتى لو أنّ ما حدث كان خارجاً عن إرادتي. أنا أسفل من الحثالة الآن.

شعرت بأحدٍ ما يحتضنني بقوة. هذه الرائحة المألوفة...رفعت رأسي لأجد نفسي في حضن رين تماماً.

إذاً رايان كذب حينما قال أنّ رين ليس هنا.

ربّت على ظهري بخفة وقال:
-توقفي عن البكاء كالأطفال واختلاق الأمور من عقلك. أنا لن أتخلى عنك ولن ألومك على ما حدث. رايان أخبرني بكلّ شيء وقد نال نصيبه مني أيضاً ولن أسامحه بسهولة على ما فعل.

اعترضت بشدة قائلةً:
-ليس عليكَ أن تكون جيّداً معي لهذه الدرجة رين. يمكنك أن تغضب. يمكنك أن تلكمني. أنا لن أمنعك أبداً.

ربّت على ظهري قائلاً:
-صدقيني عندما أجد الأمر يستحق الغضب سأغضب وسألكمك. لن أتردد أبداً ولست خائفاً منكِ. ولكن الآن لا ذنب لكِ في أيٍّ مما حدث لذا لا داعي لإلقاء اللوم على نفسك.

وكما قلتِ بالضبط أنتِ تبذلين جهدك لتفادي تخييب ثقتي بكِ وقد نجحتِ بذلك حقاً.

رفعت نظراتي نحوه وقد قررت أمراً لن أتراجع عنه أبداً. إمّا الآن أو أبداً. سأخبره بالحقيقة كاملة مهما كان ما سيحدث بعدها:
-لا أدري ما الذي أخبرك به لويس ولكن عليكَ أن تصغي إليّ حتى النهاية رين. أنا سأخبرك بكلّ شيء.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

     ************   
The End of this part 
     ************

مرحباً أصدقائي😁👋🏻
لقد عدت❤️ أظن أنني لم أطل الغياب كثيراً هذه المرة رغم أنّ البارت كان طويلاً وحافلاً بالأحداث😍✌🏻

إذا ما رأيكم بالبارت وبالأحداث حتى الآن؟؟

هل لديكم أي أسئلة أو استفسارات حيال أيّ شيء؟؟

لدي سؤالٌ واحدٌ فحسب لكم...رين وسيلين أم رايان وسيلين بغض النظر عن الرواية بأكملها من تظنون أنهما كانا مناسبين أكثر؟؟

هذا كل شيء لهذا البارت أصدقائي ونلتقي في البارت القادم💕😍👋🏻


Continue Reading

You'll Also Like

3.8M 57.5K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
541K 24.3K 36
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
365K 24K 64
"النفس لا تفقد شيئاً من مضمونها، لا يوجد شيء اسمه نسيان. كل إحساس وكل تجربة وكل خبرة وكل عاطفة مهما بلغت من الهوان والتفاهة لا تفنى ولا تستحدث، وكل أ...
585K 47.8K 63
-Romance حلمي... ماهو حلمي...؟ أهو العيش بسلام..؟ كيف سأتمكن من فعل ذلك وأنا جعلت من أسوء الوحوش ألد اعدائي؟ "لما قمتِ بفتح أبواب الجحيم على نفسك...