الفصل الخامس والثلاثون

9.9K 384 23
                                    

والله لو أوريكم كمية الفوت اللي اتعملت هتنصدموا، بجد مش عارفة افرح ولا اتحسر 😂😂😂😂
يلا كملوا على نفس الوتيرة قربتوا توصلوا ٢٠٠٠ فوت
وافتكروا ان الفصل الأخير والخاتمة مش هينزلوا غير لما نوصل للعدد
فاتأكدوا انكم حاطين فوت لكل الفصوووول

«يا مجنونة!»
انطلقت ضحكات فيفي تملأ الشقة بأكملها، وشقيقتها ووالدتها تؤكدان أن الجنون قد عرف طريقه إليها..
«نعم أنا مجنونة، لكنني لم أكن لاسمح له بطلاقي كما يريد، كان يجب ترك ذكرى له..
ذكرى تذكّره دائماً أنه تزوج يوماً من فريال!»
«وبم استفدتِ سيادتكِ بما فعلتِه؟»
سألتها والدتها بعدم فهم..
ترفع فيفي أكتافها ببساطة، تقول: «دمرت حياته وحياة عائلته»
تصفق المرأة العجوز بعدم رضى، بينما شقيقتها تقول بقلق: «أنا غير مطمئنة، اشعر أن هذا الأمر لن يمر على خير»
بلا مبالاة نهضت فيفي متجهة إلى شقتها..
كل شيء تم كما تريد، انتصرت على ثابت، وضعت وجه زوجته في الأرض، سببت الألم لمروان، والأهم حصلت على الكثير والكثير من الذهب والأموال، بالإضافة إلى شقتين لا يقل ثمن الواحدة منهما عن مليون جنيه!
انطلقت ضحكاتها المفعمّة بالانتصار، مدندنة بلحنٍ ما من فرط سعادتها.
**********
دلك معتز جبينه بتردد، يسأل نفسه عمّا يتوجب عليه فعله..
هل يخبر سليم عن عقد قران شريف وبراءة، أم يخفي الأمر عنه؟
ساعات كثيرة قضاها في التفكير، يحلل الأمر من عدة جوانب كي يصل إلى القرار السليم..
ليتخذه!
سحب مفاتيح سيارته للتوجه إلى المنزل الريفي الذي يضم سليم هذه الأيام، ولم ينسى توخي الحذر حتى لا يتقفى أثره أحد..
حتى لو كانت صداقته بسليم شبه مقطوعة منذ سنوات..
حتى لو كانت عودته من غربته منذ عدة أسابيع ولم ينتشر الخبر بعد..
حتى إن كان مُنِع حرفياً قبل سفره بأمر من والده من الاقتراب من سليم الغالي، بسبب أصل الأخير الذي لا يرتقي لأصله!
هو معتز السيوفي سليل أكبر رجال الأعمال، بينما سليم الغالي ليس سوى فتى فقير دخل هو وعائلته المجتمع المخملي عن طريق الصدفة..
لابد أن ينتبه جيداً، رجال الأمن لا يمكن توقع أفكارهم!
عاد بذاكرته لذلك اليوم الذي اكتشف فيه عمل سليم، كان حينها في الثانوية، وقد مرّت على صداقته بالأخير سنتين..
يومها بحث عنه كثيراً داخل المدرسة ولم يجده، تأفف بنزق متسائلاً عن الأماكن الغريبة التي يختفي فيها!
وأثناء سيره العشوائي وصلته أصوات أثارت ريبته، أخذته قدماه تلقائياً اتجاهها..
تتوسع عيناه بصدمة محدقاً في سليم وهو يساوم أحدهم بمكر على حقيبة بلاستيكية شفافة.. صغيرة الحجم.. تحوي بداخلها مسحوق أبيض..
والآخر يقف أمامه مذلولاً، عيناه معلقة على الحقيبة وكأن حياته تتوقف عليها!
لم يشعر بنفسه حينها إلا وصوته يتعالى: «سليم»
يقترب منهما، يلتقط تلك الحقيبة من كف سليم المصدوم بوجوده، يقلبها بين يديه بصدمة، مردداً:
«مخدرات!»
يسحبها سليم منه بعنف، يهدر: «لِمَ أتيت إلى هنا يا غبي؟»
والطالب يستغل فرصة وجوده، يتوسله وكأنه خيط نجاته: «أرجوك، اجعله يعطيني الهيروين، والله سأحضر له الأموال في أقرب وقت»
دقائق وقف متجمداً لا يستوعب ما يدور أمامه، حتى أنه لم يعرف كيف غادر الشاب، هل أخذ المخدرات أم لا؟
كل ما يتذكّره أنه ارتطم بالجدار فجأة..
سليم يخنقه وهو يهدر بجنون: «سأقتلك إن فكرت مجرد تفكير في الحديث عمّا رأيته، والله لأقتلك»
انطلقت ضحكته وعقله يبحر في ذكريات بعيدة، فكما اقترب منه سليم يومها فجأة ابتعد فجأة، مناقضاً نفسه: «لا لن اقتلك، أنت صديقي الوحيد»
وبعدها غادر المكان وسط ذهوله وحيرته!
ليأتي في اليوم التالي، يسحب منه طعامه بفظاظة ويتعامل معه وكأنه لم يرى شيئاً!
ومع ذلك كان هناك بعض الحذر في تصرفاته، الخوف في كلماته..
طمئنه حينها بطريقة غير مباشرة، فكما لم يقتله سليم لأنه صديقه الوحيد، هو لم يبلغ عنه لأنه أعز أصدقائه!
لكنه لم يتهاون عن نصحه بعدها، حاول كثيراً إرشاده وسحبه من ذلك الطريق المؤدي إلى الهلاك، إلا أن سليم رفض بشدة، أخبره أن يكفّ عن التدخل فيما لا يعنيه حتى لا يخسر صداقته!
والآن فقط فهم السبب، سليم لم يكن يعمل دون علم عائلته، بل والده بنفسه كان رئيسه!
على مشارف القرية التي يختبئ فيها سليم، تذكّر لقائهما بعد سنين فراق!
ليلتها طرق على باب شقته بعنف.. غضب، حتى ظن أن الطارق سيكسر الباب!
وحينما فتحه تفاجأ به!
لم يكن كما كان، ملامحه نضجت بدرجة كبيرة، أضحى شاباً قوياً.. مسيطراً، رجل أعمال على حق!
وما صدمه وقتها، قوله: «الشرطة تلاحقني»
هكذا، وكأنهما قضيا الأمس سوياً ولم يفترقا لسنوات!
لم يجد معتز نفسه إلا وهو يسحبه، يتخذا الطريق إلى المنزل الريفي!
هز رأسه منفضّاً تلك الذكريات عن عقله، يجب أن يكون في كامل تركيزه حتى تنتهي مشكلة صديقه!
ثلاث طرقات بين كل واحدة منهم والأخرى دقيقة، كانت الإشارة المتفق عليها ليعرف سليم أن صديقه هو الذي على الباب فيفتح له.
«هل رآك أحد وأنت قادم؟»
سرعان ما سأله نفس السؤال الذي لا ينفك عنه في أول كل لقاء.
يطمئنه معتز بابتسامة وهزة نافية من رأسه، متأملاً وجه صديقه الشاحب، عيناه الغائرتان، الألم الذي طُبِع على ملامحه، حركاته الواهنة الدالة على ضعفه!
ما تعرض له في الفترة الأخيرة كان شديد القسوة، لدرجة جعلته يتحول مائة وثمانين درجة.
لذا حسم قراره، لن يخبره عن عقد قران شريف وبراءة، لن يخبره عن أي شيء يدور خارج هذا المنزل وهذه القرية، سيعجل من إجراءات خروجه من البلد، ليستعيد صديقه ذاته.
بابتسامة مضطربة، نبرة قلقة، سأله سليم: «لِمَ تنظر لي بهذه الطريقة؟»
انتبه معتز من شروده، ربت على كتفه قائلاً بمشاكسة: «لا تخف يا رجل، الشرطة ليست ورائي وأنا لم أبلغ عنك بكل تأكيد»
يجلس سليم، بينما يقول بابتسامة واثقة: «اعلم أنك لن تفعلها، أنت صديقي الوحيد»
يرتجف قلب معتز تأثراً، يسب الظروف التي حالت بينه وبين صديقه، تحُول وستحُول بينهما، كأن القدر لا يوافق على صداقتهما!
«ولأنني صديقك الوحيد لن أتخلى عنك أبداً، حتى عندما تسافر سألاحقك وأجلب لك الصداع بنصائحي وإرشاداتي»
يتظاهر سليم بالارتياع، ينهره بطريقة مضحكة: «إياك، السفر بالنسبة لي سيكون بداية للانطلاق، أريد أن أعيش حياتي التي لم أعشها من قبل بسبب عملي وحذري، أحِب وأُحب، انطلق، أعوّض شقيقتي عمّا لاقته في الفترة الأخيرة»
يربت معتز على فخذه، هاتفاً بثقة: «ستفعل ما يحلو لك بمشيئة الله، الأهم أن تبتعد نهائياً عن طريق المخدرات، إن نجوت هذه المرة لن يحدث المرة القادمة!»
يومىء سليم شارداً، مفكراً في كلمات صديقه، ثم يعود إلى واقعه!
«ماذا فعلت في موضوع حورية؟»
يجيب معتز بما توصّل إليه بعد تفكير عميق: «خروجها من البلد بصحبتك خطأ كبير، سيلفت الأنظار إليك، وربما يقبضون عليك قبل خروجك!
الأفضل أن تخرج بمفردها وتتقابلا في مطار اليونان، حيث لا خطر يحيط بك»
يسأل سليم بتوتر: «أنت متأكد أنني سانجح في الخروج من هنا؟
لن تصل الشرطة المصرية لي هناك؟»
يجيب معتز بثقة قاضياً على كل قلق صديقه: «سيتم تزوير زواج سفرك كما اتفقنا، لن يتعرف عليك أحد أبداً وأنت في مطار القاهرة..
ويستحيل أن تصل إليك الشرطة وأنت داخل حدود اليونان، اطمئن»
يتنهد سليم بارتياح، الأمور تسير بخير، قريباً جداً سيتخلصّ من كل هذا الخوف!
**********
فور مغادرة شريف المنزل عقب كلماته المريبة، أسرعت كاميليا إلى ابنتها لترى ما حدث، في حين زوج وفاء اعتذر بحرج وأخذ زوجته وطفلته ورحل!
وقفت كاميليا أمام ابنتها تتأملها بصدمة، خصلات شعرها مبعثرة بطريقة غريبة، شفتاها متورمة دليلاً على عاطفة جامحة استقبلتها؛ أما نظراتها كانت شاردة، يتخللها الخوف!
حتى أنها لم تشعر بدخول والدتها!
«براءة، ماذا حدث؟»
انتفضت في مكانها، انفجرت في البكاء مثيرة رعب والدتها.
تدنو كاميليا منها، تضمها بقوة وذعر شديد، تسألها بحدة: «أخبريني ماذا فعل لكِ، أقسم ألا ارحمه»
تهتف ببراءة من بين شهقاتها: «قبّلني»
دقيقة واحدة استغرقتها كاميليا لتستوعب ما تفوهت به ابنتها، قبل أن تتعالى قهقهاتها حتى أدمعت عينيها وحُبست أنفاسها..
تحاول السيطرة عليها والتقاط أنفاسها، وبراءة ترمقها بارتياب!
شهيق بصوت مسموع أخذته، قبل أن تسأل ابنتها: «اعلم أنه قبّلكِ، هذا واضح..
اقصد ماذا فعل لتبكي؟!»
تقطب براءة حاجبيها، تكرر مشددة على كلماتها كي تستوعبها والدتها: «قبّلني يا أمي»
تنطلق ضحكات كاميليا مرة أخرى باستمتاع، حتى دخل جلال عليهما..
همست بسرعة إلى ابنتها: «اخرجي حالاً وحاولي ألا ينتبه والدكِ إلى وجهكِ»
نفذت أمرها، اتجهت إلى غرفتها راكضة دون الرد على استفسارات والدها!
عاد جلال بنظراته إلى زوجته، يسألها بقلق: «ما بها الفتاة يا كامي؟
ماذا فعل لها شريف؟»
وعقب سؤاله مباشرة تعالت ضحكات كاميليا وكلمة ابنتها البريئة تتردد في أذنها (قبّلني).
«ستصيبني الجلطة بسبب ابنتك يا جلال»
ولم تشعر بنفسها إلا وهي بين أحضانه، نبرته الفزعة تخترق أذنها: «بعيد الشر عنكِ يا قلب جلال»
تبتسم بخفة، تتحرك أصابعها على صدره مستمتعة برائحته التي تغمرها، تهمس مريحة قلبه:
«لا تقلق على براءة، لقد بكت لأن شريف غازلها بعدة كلمات جريئة..
غبية!»
وكلمتها الأخيرة خرجت ساخرة، ووجهها يرتفع لتتقابل نظراتهما، تقول بنبرة ذات مغزى:
«لو كان عُقِد قرانها على رجل خرج من المسجد وذهب إلى بيته بدلاً من بيت عروسه..
لكانت بكت على حق!»
«لم تنسي!»
هتف ضاحكاً..
ترمقه بنصف عين، تقول: «كيف انسى بالله عليك!
لازلت أتذكّر كلماتك لي حتى الآن (اعذريني كان عليّ النوم مبكراً لأنه كان لديّ محاكمة مهمة في اليوم التالي..
وتأخر إجراء عقد القران منعني من القدوم إليكِ»
قلدته ساخرة وضحكاته تتعالى..
تلتمع القلوب في عينيها، يصرخ قلبها بعشقها له على الرغم من سنين زواجهما التي تقارب الخمسة وعشرين عاماً!
ومع ذلك وكزته معاتبة: «اضحك اضحك..
أنت لم ترى حرجي ليلتها بين المدعوين، أقسم أنني قضيت ليالي باكية بسببك، خيّل إليّ أنك لا تحبني، تزوجتني مرغماً!»
ومع أنه خلال حياتهما سوياً لم يتوانى عن ترديد مدى عشقه لها، تصريحه بسرقتها لقلبه منذ وقعت عيناه عليها، إلا أنه كرر بنفس نبرته المميّزة بحبه لها، يعيد على مسامعها للمرة التي لا يعلم عددها:
«مَن سيرغمني يا حمقاء وأنا رجل قانون لا يستمع إلى أحد ولا ينفذ إلا ما يريده!
أنتِ أسرتني منذ أول لقاء، سحرتني بضحكتكِ، خطفتِ قلبي بمشاكستكِ، احتليتِ عقلي بطفوليتكِ، فلم اشعر بنفسي إلا وأنا أمام والدي اطلب منه الزواج!
أخبره عن صغيرة احتلت قلبي وسرقت النوم من عيني»
كانت تردد جملته كلمة كلمة معه، لقد حفظتها داخل قلبها منذ أطرب بها أذنيها أول مرة، ومع ذلك كانت تستغل الفرص لتسمعها منه مرة بعد مرة، خروجها من بين شفتيه له وقع مختلف!
غمزها جلال بصبيانية، تابع: «كما أنني عوضتكِ عن ليلة عقد القران بكل الطرق الممكنة، أم تنكري؟!»
تميل برأسها متظاهرة بالتفكير، تهمس بعد لحظات بدلال يتلاعب به: «امممم عوضتني نعم، لكن التعويض غير كافٍ، عليك بالاجتهاد أكثر لارضى عنك»
تبرق مقلتا جلال بنظرة خاصة، قلبه يتضخم بهيامه.. عشقه..
يخرج صوته أجشاً.. مثيراً أنوثتها: «اسمحي لي بتعويضكِ أميرة قلبي»
يميل على شفتيها برقة.. عاطفة لا تنضب مهما مرت السنون ومهما تقدما في العمر!
**********
على مسافة ليست ببعيدة
ارتمت براءة على سريرها لا تصدق ما حدث!
لقد أرادت استفزازه وإثارة حنقه بارتدائها السالبيت، التلاعب به كما تفعل دائماً، إيهامه أنه بالنسبة إليها كأي شخص عادي!
لكن كما المعتاد، تنوي هي وينفذ هو، يؤكد لها مقولته.. مبدأه في الحياة (نحن رجال أفعال لا أقوال) بكل تصرفاته!
يقلب الطاولة عليها، يخترق روحها قبل جسدها بلمساته الـ...
ماذا؟
تساءلت بخجل بينما تدفن وجهها في الوسادة..
كيف كانت قبلته؟
كيف تصفها؟
هزت رأسها بعجز، لا تجد وصفاً مناسباً تعبّر به عن مشاعرها..
لا تعرف حتى كيف استسلمت له بهذه الصورة ولم تحاول مقاومته!
تعترف أنه اجتاحها، اجتاح مشاعرها.. أنوثتها.. قلبها، وهي سلمّت له مقاليدها بكل رضى!
**********
طمئن شقيقته، أغلق الهاتف زافراً أنفاسه بحرارة، لا يعلم ما لمّ به، كيف تهور وقبّلها!
يقسم على أنه قضى ليلته الماضية يسلحّ نفسه بكل درجات الصبر والثبات..
استدعى كل قوته وسيطرته على نفسه عندما وقعت عيناه عليها..
لكنه لم يستطِع، لم يشعر بنفسه إلا وهو يدفعها اتجاه الغرفة ومن ثم يعتصرها بين ذراعيه!
أراح رأسه على ظهر مقعد السيارة مغمضاً عينيه، يتذكّرها وهي في أحضانه، ملمس بشرتها، طعم شفتاها، ارتجاف جسدها اللذيذ..
كان عليه الهرب!
الهرب من جموح مشاعره، رجولته التي تطالبه بالمزيد والغير مسموح له في الوقت الحالي!
يقسم إن كان بقى معها ثانية واحدة أخرى لكان سحبها معه إلى عالم خاص بهما، لقّنها لغة العشق وأراها العالم الوردي!
جعد أنفه مفكراً، الحال صعب جداً عليه، قربها منه خطر وبعدها هلاك، عليه التسريع في إتمام زفافهما، يجب أن يكونا تحت سقف واحد، تجمعهما غرفة واحدة في أقرب وقت!
تعالى صوته الأجش إثر أفكاره، محدثاً نفسه: «لقد وقعت يا شريف، تلاعبت بك طفلة في جسد أنثى، أحيت رجولتك التي نسيتها وأنت تهلك نفسك في عملك..
هه، مَن يصدق أن الرائد شريف الشرقاوي الذي تهتز له الأبدان رعباً، يقضي ليالي وساعات في التفكير في فتاة، يحاول السيطرة على رغبته ورجولته التي تطالب بقربها!
عجبتُ لك يا زمن!»
زفر أنفاسه بقوة محاولاً إبعاد تلك الأفكار عن عقله..
يتخذ قراره بالذهاب إلى عمله، هو الوحيد القادر على إبعاد براءة عن فِكره!
**********
طرقات على باب الغرفة، تبعها دخول ولده بابتسامة واسعة، والغريب بالنسبة له أنها كانت صادقة!
«ابشر يا سيد ثابت، الطبيب طمئني على حالك وسمح لك بالخروج»
رفع مروان سبابته، متابعاً بتحذير: «لكن كما اتفقنا، لا غضب، لا انفعال..
لا نريد العودة إلى هنا مرة أخرى»
مال ليقبّل جبينه، هامساً: «حمد لله على سلامتك يا أبي..
كدت أموت خوفاً عليك»
أبعد ثابت نظراته المُحرجة عن ولده، لا يقوى على النظر في وجهه بعد كل ما حدث.
يعبس مروان بضيق، منذ ذلك اليوم ومواجهة والدته مع والده، تبعها تعرض الأخير لأعراض أزمة قلبية ألزمته المشفى لعدة أيام؛ وحتى الآن ووالده لا يتحدث بحرف!
يستقبل اهتمامه بصمت، يتطلع للباب عندما يُطرق بأمل سرعان ما يخبو بدخول أحد الضيوف غير راوية وابنته!
تنهد بأسى من الحال الذي وصلت إليه عائلته، سعادتهم التي تحولت بلا سابق إنذار إلى تعاسة!
«تحدث يا أبي أرجوك، صمتك يثير خوفي»
وبعد عدة أيام قضاها في صمت تام، يفكر في حياته كاملة، يعاتب نفسه على أخطائه، يلومها على هفواته، يرثي سعادة لن تعود، هتف ثابت:
«هل علمت والدتك أنني في المشفى منذ ذلك اليوم؟»
سؤال ألحّ عليه بقوة طوال الأيام السابقة، كل ساعة يتوقع أن راوية ستدخل عليه؛ بملامحها الخائفة، ابتسامتها البشوشة، تغمره باهتمامها وحنانها!
والأيام مرت، وحان وقت خروجه من المشفى وزوجته لم تأتِ بعد!
أطرق مروان برأسه، همس: «نعم»
كلمة من ثلاثة أحرف إلا أنها شديدة القسوة على قلبه المُتعب..
ليته لم يسأل، ليت مروان لم يجِب!
حلّ الصمت بعدها لعدة دقائق، حتى لم يستطِع ثابت مقاومة نفسه، وسأل:
«وجنان تعلم»
زفرة من ابنه أعلمته بالرد.
«فهمت، لا تتحدث»
ينهض مروان قائلاً: «لأساعدك في تبديل ملابسك ونغادر»
استجاب ثابت له، ولسان حاله يردد:
«لقد خسرتهم جميعاً كما حذرني مروان!»
**********
منذ ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه زواج زوجها وحالها تغيّر، أضحى البرود المسيطر على ملامحها، الجمود عنوان تصرفاتها، يخفيان الألم الذي يقتل قلبها ببطء!
بوجه شاحب إثر حزنها وصدمتها في والدها، اقتربت جنان من والدتها، تسألها بقلق:
«أمي أنتِ بخير؟»
بصلابة عليها التحلي بها حتى لا تزيد من تشتت ابنتها، هتفت بابتسامة باهتة، مشاكسة إياها: «ارحميني..
عشر آلاف مرة في اليوم تسأليني نفس السؤال!»
ترمق جنان والدتها للحظة، ثم ومن دون حديث تندس دافنة وجهها في صدرها..
تربت راوية على ظهرها بحنو، كاتمة تنهيدة مثقلة بالهمّ داخل قلبها..
يجب أن تكون قوية، تدفن حزنها داخل قلبها من أجل ابنتها التي فقدت ضحكتها ومشاغبتها منذ ذلك اليوم!
بقيا على هذا الحال لبعض الوقت، حتى فُتِح باب الشقة، ودلف مروان ووالده!
انتفضت راوية بنفور وهي تراه في وسط شقتها، ينظر إليها بكل بجاحة!
تنتقل نظراتها إلى مروان، تسأله بحنق: «هذا، ماذا يفعل هنا؟»
لم يمنح ثابت لولده الفرصة للرد، بهدوء واجه ثورتها: «ستمنعيني عن دخول بيتي يا راوية؟»
ترفع رأسها بإباء، تهتف ببرود أذاقه ويلات العذاب، وولداها يتابعان المواجهة بصمت:
«هذا بيتي أنا، بيتي وبيت أولادي، لا مكان لك فيه..
اذهب للأخرى التي فضّلتها عليّ لتأويك!»
يطرق ثابت رأسه ببؤس، يقدّر ما تمر به، يعلم أنها بحاجة لإفراغ قهرها.. غضبها، ولا يمانع، مستعد لاستقبال المزيد والمزيد منها، فقط تسامحه في النهاية!
إلا أن كلماتها قاسية.. جداً!
«ماذا تنتظر؟
اخرج من هنا»
تعالى صوتها بصياح، بينما تشير إليه ليغادر منزلها.
تشهق جنان ببكاء مثيرة انتباهها، تزفر راوية أنفاسها مستغفرة بخفوت..
دوار هاجم ثابت بقوة ترنح على إثره جسده، سارع مروان في مساندته حتى لا يسقط أرضاً..
تعالت شهقات جنان وهي ترى والدها ضعيفاً كما لم ترَه من قبل!
ترتفع نظرات مروان الحزينة.. المترجيّة إلى والدته، يتوسلها:
«أرجوكِ أمي، أبي مريض»
ودون المزيد من الكلمات فهمت ما يريده، بنظرة إلى انهيار ابنتها شعرت أنها وقعت بين شقيّ الرحي!
لا هي قادرة على تحمّل وجوده في منزلها بعد ما فعله..
ولا قادرة على طرده وهو في هذا الحال ولا يوجد مَن يعتني به، وولداها لا يساعداها بانهيارهما الجلي!
«استغفر الله العظيم»
تمتمت مرة أخرى بنزق، ثم أشارت إلى غرفة الضيوف، وقالت بنبرة لا تقبل النقاش:
«ليمكث في غرفة الضيوف حتى يتعافى، وبعدها لا أريد رؤيته في بيتي..
ومن الأفضل ألا أراه أمامي حتى يغادر»
لم يحتَج ثابت إلى أكثر من هذا، ها هي الفرصة أتته على طبق من ذهب لإصلاح ما أفسده بغبائه!
أما هي فانطلقت إلى غرفتها التي جمعتهما سوياً حتى وقت قريب، تفرج عن دموعها فتغرق وجهها، تضع يدها على قلبها المتألم مواسية إياه، لسانها يردد:
لِمَ فعلت ذلك بي؟
كسرتني يا ثابت، كسرتني ولم يعد يتبقى من العمر مثل ما مضى!»
**********
تعالت ضحكات زملاؤه من حوله، أحدهم يهتف ساخراً: «أول مرة في حياتي أرى ضابطاً يستلم مهمة يوم عقد قرانه»
يصفق آخر بعدم تصديق.
«شريف الشرقاوي ملك الغرابة يا رجل..
لم يقِم حفل عقد قران، لم يدعُ أحد منّا، بدل من السهر مع خطيبته وبثها كلمات الحب والعشق، يسحب سلاحه وينزل أرض المعركة!»
ازدادت القهقهات من حوله بينما هو يرمقهم بضجر.
«انتهيتم؟
ليت تولوا تركيزكم للمهمة المتجهين إليها، كسخريتكم ومزاحكم!»
تنحنحوا بحرج مستشعرين جديته، يتأكد كل واحد منهم من سلاحه، ثم يتحركوا خلفه متوكلين على الله.
**********
في منزل جلال الدين
لازالت كلمات والدتها التي أخبرتها بها منذ بعض الوقت تتردد في أذنيها:
«طبيعي أن تكون هناك بعد المداعبات بعد عقد القران، خاصة إن كان رجل مثل شريف أخذ مستفزة مثلكِ»
أشارت حينها كاميليا بحزم مانعة ابنتها عن الاعتراض، مؤكدة: «لا جدال في هذا، تصرفاتكِ معه تعدت مراحل الاستفزاز حتى، لولا أنه يحبكِ بصدق لمّا كان صبر عليكِ!»
تشرد براءة بابتسامة طفولية خجلة، شعورها وهي في أحضانه، يسحقها بين ذراعيه لازال يسيطر عليها..
وما بين الخوف والمتعة تتخبط مشاعرها!
تتابع كاميليا مدركة كل ما يجول في نفس ابنتها من خلال عينيها الشفافتيّن:
«لا تستسلمي له، كوني الطرف الأقوى.. المسيطر في العلاقة، لأنه إن فقدتِ أنتِ أيضاً زمام الأمور، سيحدث ما لا يُحمد عقباه»
عضّت براءة شفتها السفلى معترفة بصحة حديث والدتها، عليها أن تكون أقوى؛ تمنع شريف عن التمادي معها إن حاول لمسها مرة أخرى..
لكن كيف تفعل ذلك ومنذ ساعات قليلة استسلم جسدها لعاطفته استسلاماً مخزياً؟!
تتوسع حدقتاها برهبة وكاميليا تتابع: «وإن كنتما لا تستطيعا السيطرة على نفسكما، أسرعوا في إقامة حفل الزفاف، ووقتها افعلا ما يحلو لكما!»
تقفز براءة صائحة بذعر: «لا»
شعرت بألم يعود ويغزو شفتيها، تتجه أفكارها تلقائياً عندما يجمعهما بيتاً واحداً، لا يمنعها عنه أحد!
رفعت ذراعيها بفزع، صائحة: «انسي الأمر أمي، إياكِ والتحدث به أمامه»
ارتفع حاجبا كاميليا، ابتسامة مستمتعة تظهر على وجهها، تعود براءة وتجلس أمامها، توضح دون إعطائها فرصة للتعليق:
«لا تقلقي، سأكون قوية.. مسيطرة، لن اسمح له بالتفكير في الاقتراب منّي حتى»
وها هي منذ تلك الجلسة تردد على نفسها هاتين الكلمتين.. هل ستنجح في أن تكون كذلك؟!
انتبهت على رنين هاتفها، اعتدلت بحماس وهي تراه من أحد أصدقائها في الجريدة التي تعمل بها، وسرعان ما قفزت فور سماعها لكلماته..
وأخيراً ستعود إلى عملها ومغامراتها!
**********
كعادتها توثق كل ما تراه بالصور، لكن هذه المرة كانت ابتسامة واسعة تحتل كامل وجهها، تتحول إلى ضحكة بين كل ثانية وأخرى..
شريف يواجه بقوة، يتعامل بحزم، حتى نجح في القبض على المجرمين وإتمام عمليته بنجاح..
أعادت آلة التصوير إلى عنقها مفكرة أنها قد أصبحت زوجة هذا البطل الذي ارتجف له أعتى الرجال منذ قليل، هابوه وهربوا منه كي لا يقعوا بين يديه..
هذا الذي لا يخشى الموت، يضع روحه على كفه فداء لوطنه؛ زوجها!
كم الأمر مثير!
انتفضت وصوت قوي يأتي من خلفها: «ماذا تفعلين هنا؟»
ببطء ابتسمت إليه، عيناها تحملان نظرة بريئة لم تخدع ذاك الواقف أمامها؛ خاصة عندما لمح آلة التصوير التي تلتف حول عنقها وتعرّف على هويتها!
ولكرهه الشديد للصحافة التي دائماً ما تعيق أعمالهم، قبض على ذراعها بقوة آلمتها، سحبها نحو رئيسه ليتصرف معها!
تصيح بينما تسير خلفه: «اتركني، اتركني..
ألا تعرف مَن أنا؟!
أنا زوجة الرائد شريف الشرقاوي»
يقف الرجل فجأة بذهول، وشريف يلتفت إليهما بصدمة عندما وصله صوتها!
**********
للمرة الثانية خلال أقل من دقيقة تُسحب بنفس الطريقة، قبضة قوية تلتف حول ذراعها مسببة الألم، ومع كل توسلاتها ورجائها لم يستجِب شريف لها ويتركها!
حتى وصلا إلى سيارته، فتح بابها، يلقيها بداخلها بعنف، التف حول السيارة ليصعد إلى مكانه، بعد أن أمر رجاله:
«عودوا إلى الإدارة، ساعة وسآتي إليكم»
ووسط دهشتهم جميعاً لما يحدث، انطلق بسيارته محدثاً صريراً عالياً.
**********
ملامحه لا تبشر بالخير، قبضتاه يمسك بهما المقود بقوة حتى ابيضّت مفاصله، عيناه تقدح بالشر، كل هذا جعلها تنكمش في مقعدها وتبتلع لسانها!
توسعت حدقتاها بذعر وهي تراه يأخذ طريقاً جانبياً، تجد نفسها فجأة في طريق خالٍ.. مقطوع، بالكاد يوجد به بعض الإضاءة الخافتة..
انتفض جسدها ونبرته تتعالى شاقة سكون المكان: «بالله عليكِ ماذا كنتِ تفعلين هناك؟
ألن أتخلصّ من تهوركِ وعدم تحمّلكِ للمسئولية؟»
استفزتها كلماته، التفتت إليه بجسدها محررة لسانها السليط: «إن كنت لا أتحمل المسئولية كما تقول، لم تكن لتجدني هنا وسط الخطر لأؤدي عملي!»
تشتعل نظراته حتى ظنت أنها ستحترق بسبب النار المستعرة في عينيه، يقبض على ذراعها مرة أخرى، لكن هذه المرة ليسحبها نحوه، تختلط أنفاسهما بينما يسألها بهمس:
«وماذا عن حياتكِ هاه؟
ألا تبالي بها؟
أنسيتِ ما كان من الممكن أن يحدث لكِ بسبب تأديتكِ لعملكِ لولا لطف الله بكِ؟»
تصرح بعفوية وابتسامة حلوة: «لن يحدث لي شيء طالما أنت بجواري وتحميني»
وفجأة تحول كل شيء!
تركتها يده على مهل، خمدت نيران الغضب لتحلّ محلها نيران الرغبة!
تفاعل جسده مع كلماتها، قلبه يتضخم إثر ثقتها الكبيرة فيه، أنه رجلها الذي سيحافظ عليها ويحميها بحياته!
جملة صغيرة من شفتيها.. الجميلتين، أخفت شريف الضابط الصارم، سمحت لشريف العاشق بالظهور!
توترت ملاحظة الحالة التي أصبح عليها دون سابق إنذار، سبت نفسها بداخلها على تهورها الذي سيعرضها لقبلة أخرى تفتك بمشاعرها وتتوّرم بسببها شفتيها..
تتردد كلمات والدتها في أذنها: «كوني قوية.. مسيطرة..
كوني قوية.. مسيطرة»
ترفع إصبعها أمام وجهه، قائلة بتحذير: «إياك والاقتراب منّي، لا تعتقد أنني ساسمح لك بتقبيلي كما حدث في المنزل!»
يرتفع حاجباه باستنكار، يردد كلمتها باستهانة: «تسمحين لي!»
وعلى حين غرة قبض على ذراعيها، لفهما خلف ظهرها، تأن براءة بألم، ينتفض جسدها مقاوماً..
يقضي على كل هذا بقربه، شفتاه تستقران على شفتيها ببطء.. مثير و.. فقط!
انعقد حاجباها بريبة وشفتاه ثابتة لا تتحرك، دقات قلبها تتعالى مع كل ثانية تمر ترقباً..
مرّ بعض الوقت وهما على هذا الحال، شفتاه على شفتيها، والصمت يحيط بهما، حتى حركت شفتيها دون وعي منها، فظهر أنها تقبّله!
شهقت مخفية وجهها خلف كفها، بينما هو يبتعد عنها مبتسماً بخبث!
يستغل حالة التخبط التي لمّت بها بسببه، يسحب آلة التصوير من حول عنقها ويخفيها، يقود السيارة مرة أخرى معيداً إياها إلى منزلها!
ضحكة صدرت من بين شفتيه وهو يقف بسيارته أسفل منزلها، يتأمل وجهها المتورد بطريقة غير طبيعية، تمسكها بالمقعد بطريقتها الغريبة وكأنه سيحميها منه!
يردد قلبه بعشق: «زوجتي الطفلة»
يميل بجذعه العلوي عليها، تشهق ملتصقة بالباب خلفها، محذرة إياه:
«إياكِ والاقتراب منّي»
يغمزها بوقاحة غريبة عليه هو نفسه، يذكّرها بما كان منذ قليل: «على الأقل أنا اقترابي بريء، أما أنتِ...!»
تزمّ شفتيها بضيق طفولي استفز أعصابه.
«لا تلعبي معي يا صغيرة، أنتِ لستِ أهّلاً بي!»
انتقل استفزازه إليها، تكبح لسانها بقوة عن مواجهته، فقربه ليس بصالحها!
«سأترجل»
رفع حاجبيه بدهشة..
تشير إليه بالابتعاد دون حديث..
يفهم ما تريده، لكنه لا يتحرك!
«ابتعد»
صاحت من بين أسنانها، أي حركة منها لتترجل ستجعلها في أحضانه، ولا تستبعد أن تلمس شفتاها شفتيه مرة أخرى!
تكون مرة قبّلته، ومرة لمسته!
«ابتعد»
صاحت بنبرة أعلى لا تتحمّل قربه الـ.. مثير منها..
ترتجف تلقائياً وأصابعه تلامس خصلات شعرها، تغمض عينيها، دقات قلبها تصمّ أذنيها من علوّها.
«إن رأيتكِ مرة أخرى في مكان عملي، أو سمعت أنكِ تحومين حول الخطر، أو تعرقلين عمل الداخلية..
سأتصرف معكِ بطريقة تجعلكِ...»
يزفر أنفاسه الحارة في وجهها فيرتجف جفناها بتوتر، يربت على وجنتها بلمسات حانية، لا تتناسب مع كلماته المستفزة: «انسي آلة التصوير الخاصة بكِ، وأي واحدة أخرى ستحصلي عليها سيكون مصيرها كالأولى»
حينها فقط انتبهت أن آلة التصوير ليست معلقة حول عنقها.
«أين آلة التصوير؟»
رفع أكتافه ببساطة، مجيباً بكذب: «ألقيتها عندما أخذتها منكِ على الطريق الصحراوي»
تنتفض، تتطاول يدها عليه، تلكزه بكل الغضب الذي يعتمرها..
يحيط بيديها، يحذرها بنبرة مرعبة: «إياكِ ورفع يدكِ علىّ!
مهما كنت متساهلاً معكِ لن اسمح بذلك!
كما لن أتهاون في إبعادكِ عن أي خطر تلقين نفسكِ فيه بتهوركِ»
تعض شفتيها بغيظ من تصرفاته وأوامره، تتمتم بـ «سمج»
ثم تترجل من السيارة صافقة بابها بعنف.
خطوتان ابتعدتهما، قبل أن تقف وتطرق الأرض بعصبية، تعود إليه بتصميم، تميل مدخلة وجهها من خلال النافذة، تقول بعناد:
«لتعلم أن تهديداتك لا تؤثر بي!
سأظل اعمل ما أحب، وأنت.. ستحميني»
وتركته يرمق أثرها بحدقتين متسعتين، تتعالى قهقهاته عليها حتى لم يعد قادراً على التنفسّ..
مجنونة، يقسم أنه عقد قرانه على مجنونة!
ليعينه الله عليها وعلى تهورها‍!
**********
أبعد الهاتف عن أذنه بضيق ونفس الرد يصله (الهاتف الذي طلبته مغلقاً)، ليس معتاد على الابتعاد عنها كل هذا الوقت، ألّا يسمع صوتها.. ضحكتها، يستمتع بمشاكستها..
يا الله كم اشتاق لها..
أكان يهددها أنه لن يخطبها إلا بعد سنتين أو ثلاث؟
أحمق هو إذاً، ها هي عدة أيام مرت دون حصوله على موعد لزيارة عائلتها ويكاد يحترق شوقاً!
تنفسّ بقوة غير قادر على تحمّل المزيد، أسرع إلى شقيقته، توأم روحه ومنقذته، يهتف بدون مقدمات:
«لقد مللت»
بنظرات متعجبة، رفعت لمياء عينيها عن الكتاب الذي تقرأه، متطلعة في ملامح شقيقها المتذمرة.
«بسم الله الرحمن الرحيم..
ماذا بك؟»
بضيق جلس هيثم بجانبها، يهتف بضجر: «مللت، مللت..
متى سنذهب ونخطبها؟
لقد مرّ الكثير من الوقت»
تضحك مستمتعة بحالته، تشاكسه: «والله حظك هو السيء، والدها لم يتعب إلا عندما نويت خطبتها!»
صقع مقدمة رأسه بأسى، نادباً حظه: «والله لديكِ حق، لم اشعر أن حظي سيء مثل هذه الأيام، كأن الكون تآمر ضدي!»
ومع ازدياد ضحكاتها، توسلها بطفولية: «اتصلي بمروان من أجلي، هي تغلق الهاتف منذ أيام ولا أجد طريقة للاطمئنان عليها»
توضح لمياء بنبرة عادية: «بالتأكيد تلازم والدها لهذا أغلقته»
وأمام ملامحه المترجيّة لم تجد بداً من تنفيذ طلبه، هتفت باستسلام: «سأجعلك تستمع إلى هذا بنفسك من فم مروان كي ترتاح»
وبالفعل هاتفت خطيبها، قامت بفتح مكبر الصوت..
ليصلها صوته المرهق فوراً: «حبيبتي»
تعبس بملامحها مستشعرة تعبه، تهمس بنبرة خاصة متناسية وجود شقيقها بجانبها:
«أنت بخير؟»
تنهيدة طويلة منه لم تزدها إلا قلقاً، قبل أن يأتيها صوته: «نعم لا تقلقي، والدي عاد إلى المنزل أيضاً»
«حمد لله على سلامته، لكن أخبرني بالحقيقة..
ماذا بك؟
صوتك لا يبدو بخير أبداً»
عضّ هيثم شفته السفلى بغيظ منها، شقيقته العزيزة تنساه تماماً بوجود مروان!
ليرحم الله أياماً كانت ترفض فيها رؤيته والاستماع إلى حديثه!
لكزها بضيق وهو يراها مستمرة في التصريح عن قلقها، ومروان يطمئنها بهمس عاشق يقسم أنه سيتحول إلى غزل خلال ثواني!
تبتسم لمياء بتوتر متذكّرة وجود شقيقها وما طلبه منها.
«وكيف حال جنان؟»
يأتيها صوت مروان المتعجب، الذي لم يرِح قلب هيثم الملتاع: «بخير الحمد لله»
ونظرة إلى شقيقها أخبرتها بعدم رضاه عن إجابة مروان القصيرة.
«هيثم يحاول الحديث معها منذ عدة أيام، لكن هاتفها مغلق»
توسعت حدقتا هيثم باستنكار، بينما لمياء تبتسم بمكر، تخبره بنظراتها أنني افعل معك ما فعلته معي من قبل، أورطك كما ورطتني!"

على الجانب الآخر
تفاجأ مروان من حديث خطيبته، ليس لأن هيثم يهاتف شقيقته، هو على علم بهذا وقد أخبره هيثم يوم حفل الزفاف بمشاعره نحو جنان واقترابهما..
بل لأن جنان تمتنع عن الحديث معه!
يرفض فكرة أن تكون شقيقته تأثرت بمشكلة والديه واتخذت قرارات حمقاء لن تزيد حياتها إلا تعاسة!
«أهو بجانبكِ؟»
ارتفعت نظرات لمياء إلى شقيقها الذي يبتلع ريقه بتوتر، مؤكدة بضحكة مستمتعة: «نعم، يستمع إلى كلماتك بنفاذ صبر أيضاً»
يزجرها هيثم بنظراته، بينما صوت مروان يصلهما من خلال مكبر الصوت:
«جنان، جنان»
وما هي إلا ثواني وكان قلبه يرفرف سعادة بسماع صوتها، تتسارع نبضاته شوقاً إليها..
ينعقد حاجباه وهو يشعر بوجود خطب ما بها!
نبرتها الضاحكة اختفت، المشاكسة التي كانت تقطّر من حروفها ما عادت موجودة، أصبحت أخرى خافتة، تحمل الانكسار!
«هناك مَن يرغب في الحديث معكِ»
هتف مروان ببساطة بينما يعطيها الهاتف، وفي نفس اللحظة على الجانب الآخر سحب هيثم الهاتف من شقيقته مبتعداً عنها، ألغى مكبر الصوت، لتأتيه نبرتها المستفسرة:
«مَن معي؟»
زفرة مشتاقة خرجت من بين شفتيه، وبنبرة خاصة لم يستعملها معها قبلاً، همس:
«اشتقت إليكِ»
انتفضت بلهفة، عيناها تخونها، تفضح حنينها له؛ دون أن ينطق لسانها بحرف!
ومروان يراقبها بدقة، يحاول استشفاف ما لمّ بها!
صمت غريب وصل هيثم في المقابل، يضحك بتوتر، هاتفاً: «أرأيتِ؟
في النهاية انتصر جنونكِ عليّ واعترفت بمشاعري، لكن إياكِ أن يكون شقيقكِ يستمع إليّ!»
استمر الصمت، يزداد توتره.. خوفه.. قلقه عليها.
«جنان أتسمعيني؟
ماذا يحدث معكِ؟»
مذكّرة نفسها بما فعله والدها، خيانته لوالدتها بعد عمر طويل قضته الأخيرة في تلبية رغباته وإسعاده، هتفت بنبرة جامدة لا تدل على الحرب القائمة بداخلها بين عقلها المؤيد لقرارها وقلبها الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة إثره:
«أنا بخير، شكراً على سؤالك»
ودون أن تعطيه فرصة للرد، أعادت الهاتف إلى شقيقها، واتخذت طريقها إلى غرفتها!
«لا اشعر بذلك...»
نحنحة رجولية قاطعت حديثه، وصوت مروان الحرِج وصله: «اعذرها هيثم، إنها مشتتة قليلاً بسبب مرض أبي»
يقطب حاجبيه بعدم تصديق، حدسه يخبره أن ما يحدث معها أبعد من ذلك!
ينهي مروان المكالمة بعدة كلمات، ثم يسارع وراء شقيقته ليفهم ما بها!
أما هيثم فيزفر أنفاسه بعدم فهم، يفكر فيما حلّ بحبيبته، أيعقل أن يكون مرض والدها السبب في حالتها؟!
**********
بلا مبالاة استقبلت جنان هجوم شقيقها، صيحاته المستنكرة، وكأن الأمر لا يعنيها!
«ردي عليّ، لا تعامليني بهذا البرود»
وعلى صيحاته قدِم والداه إلى الغرفة مذعورين!
تسأل والدته بقلق: «لِمَ صوتك مرتفع يا مروان؟»
التفت إلى والدته زافراً أنفاسه بضيق، يجز على أسنانه بغضب وصوت جنان يتعالى بهدوء مستفز:
«لا اعلم ما به يا أمي!
فجأة هكذا هجم على غرفتي وصرخ عليّ!»
«بالله عليكِ، أترين ألا سبب لهجومي فعلاً؟!»
صرخ بعنف، بينما هي ترفع أكتافها بلا مبالاة.
تصيح راوية منهية شجارهما الذي لا تفهم سببه!
«كفى، ألا احترام لوجودي لترفع صوتك على شقيقتك؟»
يقاطعها بهمسة حادة: «إنها مستفزة»
تعقد ذراعيها، ترميه بنظرة محذرة، وأخرى غامضة إلى ابنتها التي تتمسك ببرودها الجليدي..
وثابت يتابعها بنظرات غامضة، يرى كيف تسيطر على غضب ولدهما، تقابل برود ابنتهما باشتعال قادر على إذابته.
«هل سيخسر كل هذا؟!»
«الآن أخبرني بما حدث بكل هدوء»
يشرح مروان باختصار معاملة جنان لهيثم وحديثه معها، يسأل والده بعدم فهم:
«مَن هيثم؟»
انطلقت ضحكة جنان الساخرة، قبل التوضيح: «إن كنت مهتم كنت ستعلم أن هيثم.. هذا.. شاب يرغب في الزواج منّي..
لكنك للأسف لم تعد تهتم بنا!»
أحنى ثابت رأسه أرضاً.. موقناً أنه بالفعل خسر ابنته بفعلته!
«جنان، تحدثي جيداً مع والدكِ»
ارتفعت رأسه فجأة لدرجة شعوره بالألم..
هل نهرتها راوية بالفعل؟!
إذاً هناك أمل، أمل كبير في استعادتها، وحينها سيستعيد أولاده بكل تأكيد!
سرعان ما تقهقر الأمل وحلّ محله البؤس والأسى، وصياح ابنته يتعالى:
«احترم مَن؟
مَن والدي أساساً؟
أهو الذي اهتم بي، دللني، بذل الغالي والرخيص من أجلي وأجلكما، لم يتهاون عن زرع المحبة بيننا!
أم ذاك الذي يقف بيننا الآن، بعد أن خانكِ، جرحكِ، أهانكِ كسر أنوثتكِ، ركض وراء امرأة في عمر ولده إن لم تكن أصغر، لم يبالي بنا، لم يهتم برد فعلنا إن عرفنا!
ابتاعها وباعنا!»
بجمود حدقت فيها راوية، والألم يتسلل إلى قلب ثابت بسرعة رهيبة حتى ظن أنه سيسقط أرضاً في التو!
وجنان مازالت في انهيارها، تفشي ما في قلبها بصياح زلزلهم:
«أتعلم لِمَ تحدثت مع هيثم بهذه الطريقة مروان؟
لأنني لا أريد ثابت آخر في حياتي، لا أريد رجلاً أشعل أصابعي العشرة له، اهتم به، انفذ طلباته، أحافظ على بيته، ليخونني ناسياً حياتنا، ملقياً الشهور والسنين التي قضيناها سوياً خلف ظهره!
أنا لن أتزوج أبداً، سواء من هيثم أو غيره، لن اسمح لرجل بالاقتراب منّي من اليوم»
تنخرط بعدها في بكاء حاد، تصريحها عن مشاعرها استنفز كل قوتها..
تسرع إليها راوية، تضمها إلى أحضانها بحنو، تتلو عليها القرآن كي تهدأ..
ومروان يمنع والده بجمود من الاقتراب؛ فكلماته لن تزيد وضع شقيقته إلا سوء!
يزداد تعب ثابت، الندم يأكله أكلاً، مع أنه يعلم أنه لن يفيد، الزمن لن يعود ليصلح خطأه!
**********
أغمضت عينيها وابتسامة صغيرة تداعب شفتيها، ابتسامة لم تعرف الطريق إلى وجهها منذ وفاة والديها تقريباً، لكن ريناد وصديقاتها استطعنّ ذلك!
لكم تمنت وجود صديقات مثلهنّ في حياتها، لكن للأسف مجتمعها الذي يعتمد اعتماداً كلياً على المظاهر، لا يلتفت إلا لأصل الشخص والأموال التي يمتلكها لم يتيح لها الفرصة لذلك، لم تجد الفتاة التي تكون قريبة منها، تتأقلم مع شخصيتها، قضت حياتها وحيدة تتنعمّ بوجود بعض الزميلات، لكن ليست صداقة كما رأت بين ريناد ولارا وياسمين وتسنيم!
انتفضت على رنين هاتفها، اعتدلت وهي ترى رقماً غريباً يتصل بها، ردت بلهفة:
«سليم؟»
تصلها نبرته المميّزة: «حبيبتي كيف حالكِ؟»
بعدة كلمات أخبرته أنها بخير، عن شوقها الشديد له.
«قريباً قريباً جداً سنكون سوياً حبيبتي، لن يفرقنا أحد»
بعدم تصديق سألته: «ماذا تقصد؟
كيف سنكون سوياً؟»
يوضح بحيرة: «ألم أخبركِ المكالمة الماضية؟
سنسافر حبيبتي، لقد جهزت كل شيء، أيام قليلة وسنهرب إلى اليونان، سينتهي هذا الكابوس»
انقبض قلبها دون سبب محدد، تمنعه بضعف: «لا سليم، لا تهرب، لتبقى هنا، سلّم نفسك وحينها...»
يقاطعها بحدة رافضاً نصيحتها تماماً: «حينها ماذا حورية؟
ماذا تريدين منّي؟
أسلّم نفسي لأقابل نفس المصير الذي قابله أبي!
اذهب إلى الموت بقدمي!
إن لم يفعلوها معي، سأموت أيضاً لكن بالإعدام، أو ربما أُسجن حتى يأتي يومي!
في كل الأحوال سأموت داخل السجن!
وأنا لا أريد هذا، أريد أن أعيش، من حقي العيش حورية!»
ابتلعت ريقها ونبرته الحادة تطرق أذنها، تخترق روحها فتنتزعها، الحزن يملأ قلبها ولا تمتلك بين يديها سوى قلة الحيلة!
ليته لم يتَجر في المخدرات، ليته لم يدخل هذه الدائرة!
«اسمعيني جيداً لا وقت للنقاش!
سنسافر إلى اليونان وحينها لن تستطيع الحكومة المصرية الوصول إليّ مهما فعلت!
تجهزي فلم يعد لدينا الكثير من الوقت، في أقرب فرصة يجب أن نترك البلد»
بصمت أنصتت إليه، تتلقى تعليماته:
«لن استطيع إخباركِ عمّا أريد عن طريق الهاتف، يجب أن نتقابل»
ارتسمت ابتسامتها الجميلة على وجهها، لكم اشتاقت إليه!
«نعم لنتقابل، أكاد أموت توقاً لرؤيتك»
تنتقل ابتسامتها إليه، يتخللها الكثير من الأسى عمّا لاقته بسببه هو ووالداه!
حينما أرادوا إسعادها، توفير حياة هانئة لها، لم يعطوها سوى الضياع والألم!
«وأنا أيضاً حبيبتي، سأتصل بكِ قريباً لأحدد لكِ الموعد..
انتبهي لنفسكِ جيداً، لا تنسي الترتيب لسفركِ حتى نلتقي»
تغلق معه الهاتف والدموع تُذرف من عينيها، من جهة سليم وخوفها عليه، ومن جهة كمال وفراقها عنه..
الفراق هذه المرة مختلف، حتى الهواء المعبق بأنفاسه لن تستنشقه..
فلِمَ ستعيش؟
**********
في منزل ثابت
متكورة على نفسها، ذراعاها يحيطا بساقيها، رأسها مدفون بينهما، تحبس جنان نفسها في غرفتها رافضة رؤية أحد..
ما فعله والدها له أشد التأثير على نفسها، من الصعب أن ترى أحدهم عالياً، تضعه في مكانة لن يصل إليها مخلوق، لتُصدم أنه لا يستحق ذاك المقام، يسقط أمام عينيك بتصرفاته التي لم تكن تتوقعها، يحوّل كل أحلامك وأمانيك إلى سراب!
لطالما حلمت بزوج كوالدها، يحمل نفس صفاته وخصاله، له نفس ابتسامته، يعشقها مثلما يعشق والدها والدتها، يدللها كما يفعل ، يحميها ويحافظ عليها..
كله كما يفعل ويفعل، فتكون النهاية أن يتزوج عليها!
اهتز جسدها، تعالت شهقاتها، لم تنتبه للمسات الحانية على خصلات شعرها، لم تشعر إلا بحضن والدتها الدافئ يضمها.
«إن كنت أنا اشعر بكل هذا العذاب، ماذا عنكِ أنت يا أمي؟»
بصوت مبحوح إثر بكاءها سألتها من بين شهقاتها.
تحركت أصابع راوية من على شعر ابنتها إلى كتفها فجسدها، تربت عليه وألمها يطفو على السطح مع سؤال ابنتها..
تصرح عن مشاعرها بهمس غير راغبة في زيادة حالة ابنتها سوء..
لا تحتمل، تريد الفصح عن مشاعرها.. الألم الذي يفتك بقلبها؛ لعلها تتخلصّ منه.. ترتاح!
«لو تعرفين، اشعر بثقل يجثم على صدري، يخنق أنفاسي، قلبي يرتعد وكأنه على وشك التوقف!
الألم شديد.. يأكل كل ذرة من جسدي..
الخيانة قاسية تتغذى على روحي وكلمة (ضرتكِ) تتردد في عقلي، حتى أصبحت روحي فتات!
لا اشعر، لا اتألم، لا يتملكني سوى البرود.. الجمود، وكأن ما فعله والدكِ لا يعنيني!»
مع ازدياد شهقات ابنتها انتبهت إلى نفسها..
أخذت نفساً عميقاً دافنة مشاعرها بعيداً من أجل صغيرتها، ترتفع يدها لتملسّ على خصلات شعرها..
لدقائق قليلة حلّ الصمت حتى خفت بكاء جنان واستمرت شهقاتها فقط على دقائق متباعدة..
ترفع راوية رأسها، تمسح وجهها فتزيل بقايا دموعها بابتسامة هادئة، تنصحها:
«يكفي بكاء، لن يُعيد حياتنا كما كانت، ما حدث قد حدث وعلينا التعايش معه»
يخرج السؤال من فم جنان بخفوت: «كيف نتعايش؟»
ونفس آخر أخذته راوية تحتفظ به بجمودها، تضع مستقبل أولادها فقط أمام عينيها، تفعل ما ترى أنه لصالحهما.
«أولاً عليكِ بالعودة للتواصل مع والدكِ، انقطاع علاقتكِ به لا يعجبني، لا دخل لكِ بمشكلتنا..
سواء سامحته أنا أم لا، ترك البيت أم ظل فيه، سيبقى والدكِ!»
«وهل سيترك البيت؟»
بلهفة سألت..
يُفطر قلب راوية..
هل عليها بالتراجع، التفكير في قرارها مرة أخرى؟
وإلى ماذا ستصل وقد أصبحت شديدة النفور من ثابت؟!
تكره رؤيته، تمقت قربه، تقرف من سماع صوته!
سبحان الله، إن كان أحدهم أخبرها أن مشاعرها اتجاه زوجها ستتغير إلى هذا النحو لكانت اتهمته بالجنون!
ولكنه حدث!
شرود والدتها كان خير إجابة على سؤالها!
«لديكِ كل الحق يا أمي، لن نلومكِ على أي قرار تتخذينه»
تتنهد راوية، وتقول بثبات تُحسد عليه: «انسي موضوعي أنا ووالدكِ، ليس هذا ما ارغب في الحديث معكِ فيه!»
قطبت جنان حاجبيها بحيرة.
«لم أحب ما قُلتيه بشأن علاقتكِ مع هيثم!»
تقاطعها جنان بحسم، على الرغم من اعتراضات قلبها: «لا ارغب في الحديث عن هذا»
تلكزها والدتها بعدم رضى، تهتف بملامح صارمة جعلتها تبتلع لسانها: «لا يا آنسة جنان سنتحدث، أنا لن اسمح لكِ بتدمير حياتكِ!»
بقنوط قالت: «حياتي ستُدمر إن تزوجت، هيثم سيتز...»
تهدر راوية بضجر: «كفّي عن قول هذا، هيثم بالتأكيد ليس كثابت!»
تضحك جنان ساخرة، وتهتف بمرارة: «وكيف تجزمين؟
كيف تعرفين أنه ليس مثله، لن يخونني يوماً؟!»
وكانت الإجابة محمّلة بالثقة والإيمان: «لأن أصابع يدكِ ليست مثل بعضهم، كما يوجد أمثال والدكِ الخا...»
بترت عبارتها سريعاً، معدّلة كلماتها: «كما يوجد مثل والدكِ، يوجد أيضاً رجال بحق، يحافظون على العهد»
وضحكة أخرى لم تقل سخرية كانت إجابتها.
«ما رأيكِ في مروان؟
أتعتقدين أنه سيخون لمياء كما فعل والدكِ؟»
ولِمَ لا؟!
ألا يحمل نفس جيناته؟!
شهقت جنان من المنحنى الذي يأخذها إليه أفكارها..
تشير إليها راوية بتحذير: «إياكِ لا تفكري في شقيقكِ بهذه الطريقة!»
زمّت شفتيها بعدم اقتناع، ومع ذلك بقت تستمع إلى والدتها.
«مروان تربية يدي، علمّته ألا يظلم امرأة ولا يجرحها»
«لكنه كان يعرف بزواجه، أنسيتِ حديث تلك الحقيرة؟»
تجمدت ملامح راوية لثواني معدودة، قبل أن تسيطر على نفسها، وتهتف: «انسي هذا الموضوع أيضاً..
نحن نتحدث في نقطة محددة!»
«أي نقطة يا أمي، على مدار الأسبوع الماضي كله وأنا أفكر، لم اصل بتفكيري إلا لشيء واحد، الرجال جميعهم كأبي، الخيانة تجري في دمائهم، لن يتهاونوا عن جرحنا، لذا الأفضل الابتعاد عنهم والاكتفاء بذاتنا»
تأففت راوية لا تعرف كيف تزيل هذه المعتقدات عن رأس ابنتها الصلب.
«اتفقنا إذاً، اكتفي بذاتكِ دون الحاجة إليه، ابني نفسكِ وعيشي حياتكِ من دونه!
وليعيش هو حياته أيضاً من دونكِ أو مع غيركِ!»
«غيري!»
رددت جنان بذهول، وعلى عكس ما تريد والدتها، رُسِّخت فكرة أن الرجال خائنون في عقلها أكثر..
إن كان يحبها حقاً سيظل على الوعد للأبد!
«لا أريد أي رجل في حياتي، نهائياً»
تزفر راوية بحنق، ليسامح الله زوجها على حالة التعقيد التي وصلت إليها ابنتهما!
**********
«أقبّل يدك يا أبي اتصل بوالدها وحدد معه موعداً»
بيأس طلب هيثم من والده، لا يجد حلاً آخر للاقتراب من مجنونته ومعرفة ما لمّ بها.
يهز والده رأسه بعدم رضى، موضحاً: «اصمد ليومين أو ثلاثة، والدها لم يرتَح بعد، من غير اللائق الذهاب لهم وهم في هذا الحال»
جاهد هيثم للسيطرة على غضبه، بأقصى قوة يمتلكها استدعى هدوءه.
«أي حال؟
لقد عاد إلى منزله وأصبح بخير»
وبرجاء التفت إلى شقيقته ووالدته لتسانداه..
رفعت الأخيرة أكتافها بقلة حيلة، بينما تطوّعت لمياء:
«من بعد إذنك يا أبي، أرى أن أنسب وقت للتقدم لطلب يدها هذا الوقت، بيتهم بحاجة للفرح»
كبح هيثم رغبته في القفز على شقيقته وتقبيلها من فرط سعادته..
ترتفع نظراته الملهوفة إلى والده، يشّع فيها الرجاء..
يزفر حامد أنفاسه مستسلماً لهما، ويقول: «أعطني الهاتف لاتصل به»
لم يقَوم هيثم نفسه هذه المرة، قفز صائحاً بفرحة تملأ قلبه.
**********
بفتور دخل منزله، بات يكرهه، يمقت الجو الكئيب المسيطر عليه، يفتقد ما كان عليه سابقاً، وأكثر ما يفتقده جنون شقيقته ومشاغباتها التي كانت تضفي للبيت روحاً مختلفة..
ليسامح الله أبيه فقط!
«مروان»
توقفت خطواته، التفت إلى والدته، لم يتفَجأ بنظراتها الجامدة، بالعكس.. أصبح معتاداً عليها!
«هناك موضوع هام تأخر حديثنا فيه!»
عقد حاجبيه بعدم فهم بينما يقترب منها، يجلس مقابلاً لها، يسألها: «خير يا أمي؟»
ينتفض من سؤالها: «أكنت تعلم بزواج والدك؟»
لم يجد أمامه سوى الصمت كإجابة،..
ماذا يفعل؟
يعترف بعلمه عن الأمر مزيداً جراحها جرحاً جديداً؛ أم يكذب ويخدعها كما خدعها والده لليالي طويلة؟!
لا يعلم أن إجابته وصلتها عن طريق ملامحه، عيناه التي تنطق بالكثير.
تهمس راوية باختناق إثر حبسها لدموعها: «لم أتوقعها منك يا مروان، أنت تحديداً لم أتوقعها منك!
أهان عليك يا ابن بطني؟
تقف بجوار والدك، تدعمه على حساب كرامتي!»
يقفز من مكانه، يجلس أسفل ساقيها، يضم كفيها ويقبّلهما باعتذار، يؤكد بصدق: «أقسم لكِ يا أمي لم افعلها..
والله لم أؤيده على حسابكِ، من الأساس أنا لم اعرف عن الأمر إلا قبل معرفتكِ بعدة أيام وطلبت منه أن يطلقها، وكان هذا سبب خلافي معه»
رفع نظراته إليها..
تطلعت راوية إلى العذاب الذي تنطق به عينيه قبل نبرته: «لم استطع قولها إليكِ، فكرت كثيراً ولم أجد طريقة مناسبة، أنا حتى لم انطقها بيني وبين نفسي، كدت اخسر حبيبتي بسبب صمتي ومع ذلك لم أتحدث، لساني لم يطاوعني»
لم يلتفت قلبها إلا لآخر كلماته، سألته بعدم فهم: «ماذا تقصد؟
ما دخل زواج والدك بشجارك مع لمياء؟»
علم أنه استرسل في الحديث أكثر مما يجب..
ابتلع ريقه بتوتر، وقال: «لا تشغلي...»
«مروان!»
قاطعته نبرتها الحادة..
يدرك أنه لا مفر من الاعتراف، قصّ عليها ما حدث بإيجاز..
تتغضّن ملامحها، تزداد تعاستها..
هذه مَن فضّلها عليها زوجها؟!
«سامحيني أمي بالله عليكِ»
لم تنتبه إلا وهو يقبّل كفيها مرة أخرى، يرجوها السماح..
ملسّت على شعره، قائلة بخفوت: «لا تخذلني مروان، سأموت إن فعلتها أنت الآخر بنيّ»
يقسم لها.. يعدها.. يؤكد لها أنها ستفتخر به دائماً..
تمنحه أجمل ابتسامتها؛ التي لا تتناسب مع أنين قلبها، لكن عليها أن تكون قوية من أجل ولديها حتى لا يخسرا مستقبلهما!
مع انضمام ثابت إليهما نهضت غير راغبة في التواجد معه في نفس المكان..
قال ساخراً بغرض استفزازها:
«إذا حضرت الشياطين!»
تلقي عليه نظرة مستخفة من طرف عينيها وتتابع طريقها..
إلا أن خطواتها توقفت ونبرته الجدية تصلها: «والد لمياء يتصل بي!»
التفتت إليه، بينما مروان يخبره: «بالتأكيد يريد موعداً ليطلب يد جنان لهيثم»
رفع أكتافه بقلة حيلة، لا يمكن فعل ذلك وجنان في هذا الحال.
إلا أن راوية قالت بتصميم: «أعطه موعد آخر الأسبوع»
اتسعت حدقتاه بينما يرمقها باستنكار، ينطق لسانه بعدم تصديق: «ألا ترين حالة ابنتكِ؟
تعتقدين أنها ستوافق على مقابلتهم؟
والله لتفضحنا!»
ومن أجل مروان فقط، كتمت كل ما يعتمر بداخلها، آراؤها، مشاعرها، غضبها، كله من أجل مروان وألا يتأثر.
بأقصى هدوء تمتلكه هتفت: «لا تقلق، اعرف كيف اتصرف مع ابنتي»
تركتهما وغادرت، وثابت يسب الحال الذي وصل إليه معها!
**********
بلهفة حدق كمال في العنوان، يتأكد أنه أمام القصر الصحيح، الغيرة تشتعل في أوردته لأنها لجأت لرجل غيره، تعيش معه في نفس المنزل!
يقسم على محاسبتها على ذلك!
بكلمات مقتضبة أخبر حارس القصر أنه زوج حورية الغالي، قادم من أجل رؤيتها، تلك الكلمات التي وصلت إلى ثريا بالداخل فاعتدلت بعدم تصديق!
كمال الهاشم هنا لرؤية ابنة المجرمين، مستحيل!
«دعه يدخل»
وما هي إلا ثواني وكان كمال بالداخل، وإحدى الخادمات تعلِم حورية بوجوده!
«أنرت سيد كمال»
بعدم تركيز حيّاها، عيناه تبحث عن مليكة قلبه بشوق، ترفع ثريا حاجبيها باستنكار، تستند برأسها على كف يدها مراقبة..
تُرى ماذا سيحدث عندما يعلم المحيطون بهم أن سليل عائلة الهاشم يركض خلف ابنة تجار المخدرات؟!
«كمال»
نبرتها الولهة اخترقت قلبه، زلزلت كيانه، انتفضت لها روحه، لم يتردد لحظة في سحبها إليه، ضمها بقوة إلى أحضانه مستنشقاً رائحتها بعمق..
تسللت إلى خلاياه، توازنت حياته بعودتها!
بلا شعور أحاطت عنقه مستمتعة بوجوده بقربها..
كم القدر رحيماً بها!
في كل لحظة ضعف، شوق يرسله إليها..
كلما تملكها اليأس وجدت نفسها في حضنه، يواسيها ويمدها بالقوة..
وحينما حان موعد الفراق الأبدي، كانت أحضانه تودعها!
تمسكت به، لآخر مرة ستستمتع فيها بقربه منها، الشعور به بجوارها..
تمسكت دون خوف أو ندم..
كآخر ذكرى ستحصل عليها منه..
آخر مرة ستحتفظ فيها برائحته..
ومن جهة أخرى؛ لوت ثريا شفتيها والعرض الرومانسي لا يروقها، نهضت ممتنعة عن متابعته، مكتفية بإذاعة قدوم كمال إلى قصرها لرؤية حورية!
مر الوقت وكلاهما يضم الآخر إلى أحضانه بقوة، مشاعر جمّة تنبع من كلاهما، تهاون بسببها الجسد، ضعف إثرها القلب.
حتى أبعدها عنه، كفاه أخذت مكانها على وجنتيها، نظراته مثبتة على عينيها، تخترقها، تغرق في بحورها كما كانت تفعل من قبل، ثم ضمها مرة أخرى لا يصدق أنها أخيراً معه!
«لن أسامحكِ على ابتعادكِ، لجوئكِ لرجل غيري، حسابكِ معي سيكون عسيراً»
ابتسمت وأنفاسه الساخنة تلفح عنقها، نبرته العاشقة تؤكد لها أنه أبداً لن يؤذيها!
تركها هاتفاً: «احضري أغراضكِ، ستغادري معي»
رمته بنظرة غريبة أسرت التوتر إليه، جعلته يقول بنبرة لا تقبل النقاش: «لن أترككِ هنا لدقيقة أخرى، لا مكان لكِ من اليوم إلا بجانبي..
يكفي إلى هذا الحد!»
بابتسامة لا تصفح عن نواياها، هتفت محاصرة إياه: «و ستتحمّل نظرات الناس لك، حديثهم عنك، الضغط النفسي الذي ستتعرض له بسبب ارتباطك بي؟!
عائلتك ستوافق من الأساس على ربط حياتك بواحدة مثلي؟!»
قبض على ذراعيها بعنف نطقت به ملامحه، قلبه يعلن بكل ثقة أنه غير قادر على الابتعاد عنها.
«سأواجه عائلتي والمجتمع والعالم كله من أجلكِ..
لا حياة لي من دونكِ حوريتي»
وجملته الأخيرة خرجت بهمس تلوّى له قلبها، ومع ذلك كان العقل صاحب السيطرة، الوحيد المسموح له بأخذ القرار!
«هراء كمال، صدقني أنت لن تتحمل، فورة العشق التي تسيطر عليك حالياً سرعان ما ستزول وستدرك أن أكبر خطأ ارتكبته في حياتك هو استمرارك معي»
اشتدت قبضته حولها مثيرة ألمها، بصياح اهتز له القصر بأكمله نهرها: «لا تتحدثي وكأنكِ تدركين المستقبل، تعرفين ما سافعله!
إن كنتِ تحبينني حقاً، تفهمينني من نظراتي، لم تكُني لترميني بهذا الاتهام!»
تجمّع أهل القصر والخدم إثر صوته..
حاولت ريناد التدخل وإبعاده عنها، إلا أن ثريا منعتها، تشاهد ما يحدث بعدم تصديق!
«هذا ليس اتهاماً، إنها حقائق لا تقبل الشك!
إن كنت لا تعترف بها فأنا غيرك، لن أعلق قلبي بأمل واهي، أطلي حياتي باللون الوردي لتتحول فجأة إلى أسود قاتم لا روح فيه، حياتي انتهت مرة رغماً عن إرادتي، ولن أنهيها مرة أخرى بيدي»
رمش بعينيه بعدم فهم، كلماتها متوارية، تحمل معنى آخر مريب، زرع الخوف بداخله!
«ماذا تقصدين؟»
نفس قوي، لحظة استجمعت فيها شجاعتها قبل أن تصرح: «سأغادر، سأترك البلد»
خفّت قبضته من حولها بصدمة، الألم الذي لمعت به مقلتيه كانت تمتلك بداخلها مثله وأكثر!
«تسافرين؟»
بابتسامة باهتة وضحت: «لقب هجرة أفضل»
مفاجئاً إياها، قاضياً على قلبها الذي كان يتمسك بأمل ضعيف.. ضعيف جداً، سألها: «هذا قراركِ الأخير؟»
غير مصدقة سؤاله البسيط، ثورة كانت تتوقعها لم تجدها، أومأت برأسها مؤكدة وقلبها يعلن نهايته، خاصة مع كلماته الأخيرة:
«تحمّلي نتيجة اختياركِ إذاً، لن اركض خلفكِ أكثر!»
وغادر القصر، وانهارت خلفه وقد انتهى كل شيء!
**********
هو، إنه الشاب الذي قابلته ذلك اليوم!
تململت في جلستها مانعة نفسها بقوة من الاقتراب منه، مذكّرة نفسها بمبدأها (لم اُخلق لاركض خلف رجل)..
دقيقة.. دقيقتان.. ثلاث دقائق ولم تعد تتحمّل!
هبت نيّرة متجهة إليه، تقف أمام الطاولة الجالس عليها، تسأله بارتباك:
«مساء الخير»
بعدم اهتمام رفع ماهر نظراته إليها..
تتسارع نبضاتها وضيقه الظاهر على ملامحه ينفذ إلى قلبها..
مشاعر جديدة لم تجربها من قبل تداهمها!
«ألا تتذكّرني؟»
عقد حاجبيه بعدم معرفة.
«أنا كنت هناك، ذلك اليوم..»
صمتت لا تجد كلمات تقولها، انتفضت مستوعبة للتو الخطوة المتهورة التي أقدمت عليها، ركضت من أمامه دون إضافة المزيد مثيرة حيرته!
**********
«سيدي، حورية الغالي في طريقها لرؤية شقيقها»
قفز شريف من على مقعده، التصميم يلتمع في عينيه، رغبة حارقة في غلق القضية اليوم تشتعل في كل خلاياه.
«الرجال جاهزون؟
كل منهم يعرف ماذا سيفعل؟»
«اطمئن سيدي لن تغيب عن عينينا لحظة»
يتحرك شريف متمتماً: «توكلنا على الله»
**********
بحذر سارت وأوامر شقيقها تتردد في عقلها:
«أهم شيء تأكدي ألا أحد يراقبكِ..
ستذهبي أولاً إلى عدة أماكن حتى تهربي من أي مما يلاحقوكِ..
انتبهي جيداً حبيبتي»
في أحد أكبر المجمعات التجارية
دخلت حورية أحد المحلات التي أخبرها عنها شقيقها من قبل، دارت فيه لا تعرف ماذا تفعل، فآخر أوامر سليم كانت:
«اذهبي إلى هناك وبعدها سأتصرف»
حدقت في الملابس المحيطة بها بلا مبالاة، منتظرة كيف سيتصرف!
تقترب منها إحدى العاملات، تريها بعض الملابس وتستفهم منها عمّا تريده!
أشاحت لها بعدم اهتمام..
تهمس لها العاملة:
«أرسلني إليكِ السيد سليم»
انتبهت جميع حواسها إليها..
تظاهرت العاملة بالعبث في الملابس، بينما تهمس لها:
«ستخرجي من هنا وتدورين في المجمع قليلاً ثم تخرجين من بوابته الخامسة، ستجدي أمامها سيارة سوداء أول رقمين لها اثنان وعشرون، ستصعدي إليها وستأخذكِ إليه»
وكي يبدو الأمر طبيعياً للملاحقين لها، عرضت عليها فستاناً، قائلة: «سيليق بكِ هذا سيدتي»
بابتسامة متوترة أخذته منها وشكرتها، تسارع بدفع حسابه وتنطلق كما وجهّتها!
**********
صعدت إلى السيارة، تسأل بلهفة: «أين سليم؟»
يبتسم معتز في وجهها، ينطلق بسيارته بينما يطمئنها: «دقائق وسنكون عنده»
انطلق بالسيارة وعيناه على المرآة الأمامية، يتأكد ألا أحد يراقبه!
**********
من جهة أخرى
انطلق شريف بسيارته خلف السيارة التي تحوي حورية، مصدراً أوامره:
«سيتم تبديل السيارات المراقبة حتى لا ينتبه السائق لنا..
انتبهوا جيداً لا أريد أي خطأ..
لننهي هذه القضية اليوم»
وبالفعل كانت تختفي سيارة من السيارات المراقبة لتظهر غيرها، وبالتالي لا يدرك معتز مراقبته!
**********
قدمه تهتز بتوتر، يلقي نظرة على الساعة بين كل لحظة وأخرى..
لِمَ تأخرا؟
يا الله..
مسح على شعره وتوتره يصل إلى أقصاه..
بتهور هو جزء من شخصيته أخذ قراره بالخروج والذهاب إليها، لابد أن يطمئن على شقيقته!
فتح الباب بالفعل، تتثبت قدماه في الأرض وسيارة معتز تقف أمامه، وشقيقته تترجل منها.
أسرع إليها، يضمها بشوق، يبتعد متأملاً ملامحها، يشاهد التغييرات التي طرأت عليها بغيابه، الحزن الذي سكن عينيها بموت والديهما.
«انتهى الكابوس حورية، لا هروب ولا خوف، قريباً سنكون سوياً وأعوضكِ عن كل الأيام الماضية حبيبتي»
أحاطت بعنقه، رأسها ارتاحت على كتفه، انفجرت باكية، تحرر مخاوفها، تشكيه همها وحزنها الذي أصبح جزءً لا يتجزأ من حياتها، تعاتبه على ابتعاده عنها في أشد أوقاتها حاجة إليه..
يده تتحرك على ظهرها ببطء، يتلقى كل ضيقها بصدر رحب، يتمنى لو يأخذ حزنها كاملاً فتحيا سعيدة هانئة!
يتفرقا، يتملكهما الرعب وصوت سيارة الشرطة يقترب منهما..
يلتفت سليم إلى صديقه بصدمة، ليقسم الأخير:
«لم يكن خلفي أحد، أنا متأكد»
ومع اقتراب السيارات منهما، صاح: «خذ السيارة واهرب بسرعة".
يصعد سليم إلى السيارة، ينطلق بها بأقصى سرعة..
تتوقف بعض سيارات الشرطة، يحيط رجالها بحورية ومعتز، بينما شريف وبقيّة رجاله يلاحقون سليم!
تناول شريف سلاحه، يصوّب عدة رصاصات على سيارة سليم؛ حتى حدث ما سعى إليه وتوقفت السيارة.
بفزع قفز سليم منها، يركض هارباً بأقصى سرعة، لا يستجيب إلى نداءات شريف ورجاله، لا يتوقف.
«لن اقضي حياتي في السجن، أبداً»
يصدح صوت شريف وهو على مسافة قريبة منه:
«توقف مكانك يا سليم، توقف وإلا سأطلق النار عليك!»
لا يسمع، لا يعي، لا يهتم إلا بما يريده..
وقف شريف لاهثاً، صوّب سلاحه اتجاه المجرم الهارب..
رصاصة أخطأت طريقها ولم تلمس سليم..
رصاصة أخرى أصابت هدفها..
وثالثة انطلقت من حيث لا يعلم أحد..
صوتهم شقّ الأجواء مثيراً الذعر في النفوس..
يتعالى صياح حورية:
«سليييييم»

لو عايزين تعرفوا سليم مات ولا لا حطوا فوت
علشان فيه احتمال كبير متعرفوش غير بعد رمضان لو فضلتوا عالمتابعة الصامتة دي 😂😂😂

روحكِ تناديني (كاملة)Where stories live. Discover now