الفصل الثامن والعشرون

7.5K 363 22
                                    

حطوا فوت وكومنتس بقى متهزروش 🥺🥺🥺

أنفه تنزف، كدمة كبيرة تحتل أسفل عينه اليمنى تجعله غير قادر على فتحها جيداً، ألم كبير ينغز جسده، ومع ذلك هناك ابتسامة واسعة على شفتيه، تنقلب إلى ضحكة بين حين وآخر!
هيثم يقف فوق رأسه يحاول إيقاف نزيف أنفه ومعالجته.. متعجباً من الحالة الغريبة التي يبدو عليها خطيب شقيقته، يصرح بما يفكر فيه:
«عجيب أمرك يا رجل، تضحك وأنت خارج من شجار عنيف!»
تحين من مروان نظرة إلى لمياء الجالسة مقابلاً له وترمقه بقلق، يقول بعد أن أطلق تنهيدة طويلة:
«لأنك لا تعرف ما نلته من وراء هذا الشجار!»
ينظر هيثم إلى شقيقته بطرف عينيه ملاحظاً شحوبها وخوفها، يشاكس مروان متعمداً:
«مَن يسمعك يظن أنك نلت مليون جنيه!»
يجيبه مروان وعيناه معلقة على لمياء: «بل ما نلته أفضل من كل أموال الدنيا»
حركت لمياء نظراتها بينهما، تقول بأعصاب منفلتة غير متحملة سماجتهما:
«يكفي حديث»
تشير إلى شقيقها هاتفة بصرامة: «من الأفضل أن ترى أنفه الذي لا يتوقف عن ذرف الدماء»
يقول هيثم بمرح: «دمه كثير لا ينضب ولا يتوقف..
ماذا افعل؟»
يهتف مروان بضحكة: «قُل ما شاء الله..
هل ستحسدني على الدماء التي امتلكها؟»
يهتف هيثم بذات المرح وهو يرفع رأس مروان إلى أعلى: «علام ساحسدك يا بنيّ!
أنا لا احسد سوي مَن يملكوا الأموال»
يهتف مروان ممازحاً: «مادي لا تهمك سوى النقود»
تتأفف لمياء من مزاحهما الثقيل.
أخفض مروان رأسه متنفساً بعمق بعد أن توقف نزيف أنفه..
غمزه هيثم هاتفاً: «سأعيد حقيبة الإسعافات الأولية إلى مكانها»
يشكره مروان بداخله، هو بحاجة إلى الجلوس مع لمياء بمفردهما خاصة بعد ما اكتشفه!
همّ بالاقتراب منها، لتمنعه لمياء بصرامة: «لا تتحرك حتى لا تنزف أنفك مرة أخرى»
يتجاهل كلماتها ويتحرك ليجلس مجاوراً لها..
ترمقه بضيق.
«هل تخافين عليّ يا لومي؟»
«لومي!»
رددت خلفه عاقدة حاجبيها بدهشة.
يقول مروان بعذوبة: «نعم لومي..
ألا يحق لي تدليلكِ؟»
تبتسم قائلة بعفوية: «بلى يحق، لكن اسم دلالي هو لولو»
يهتف مروان بنبرة خاصة: «اعلم، لكن هذا دلال عام، يستخدمه جميع المحيطين بكِ..
وأنتِ في نظري مميّزة.. متفردّة، لذا يجب أن يكون لكِ دلال خاص، لا يناديكِ به سواي»
ارتخت ملامحها وكلماته تأتي بالتأثير المطلوب، فلا تصيب أنوثتها فحسب، بل تخترق قلبها متغلغلة في أوردته!
«معاً سنصنع لحظاتنا الخاصة، سنبني حياة كاملة، ونحيي تفاصيل لا يعرفها سوانا، وأول هذه التفاصيل دلالكِ، لا أريد لآخر أن يدللكِ بـ.. لومي، أريده اسم خاص بي، لا تسمعيه سوى من بين شفتي فتدركي مدى حبي وشوقي إليكِ»
تتورد بخجل..
يتنهد مروان براحة لإزالة الذعر الذي كان يحتل ملامحها، يعود إلى الموضوع الأصلي، يقول بمكر:
«ولا تتهربي من الإجابة، أشعرتِ بالخوف عليّ؟»
بل شعرت بقلبها يتوقف كلما تلقى إحدى اللكمات!
«لم يكن عليك التهور والدخول في شجار معه»
هتفت بمراوغة متهربة من الإجابة على سؤاله.
يقول بحدة: «كنتِ تريديني أراه يمسك يدكِ واصمت!
ربما كان عليّ الترحيب به ومضايفته أيضاً!»
تدرك لمياء غيرته الشديدة عليها، تسبل أهدابها وهي تقول بابتسامة غامضة:
«لم أكن لأرحب به في بيتي»
«لماذا؟»
سألها بأمل، يكاد يتوسلها لنيل كلمة حب!
إلا أن لمياء أبت اراحته!
نهضت مستندة على عكازها، تقول:
«لا اعتقد أنك في حال يسمح بذهابنا إلى المشفى اليوم، تحدث مع الدكتور أشرف وحدد معه موعداً آخر»
اتجهت إلى غرفتها وهو يراقبها بابتسامة.. غريبة!
**********
«آه»
تأوه باسم بخفوت وهو يستلقي على السرير..
يعدّل له عزام الوسائد خلف ظهره، يسأله:
«مرتاح هكذا؟»
يومىء باسم بشبه ابتسامة.
«نعم، شكراً لك عزام، أتعبتك معي»
يرفع عزام حاجبيه قائلاً بعتاب: «ما شاء الله، منذ متى وبيننا شكر!
أنت أخي يا أحمق»
يبتسم باسم بامتنان.
«سأغادر الآن لترتاح زوجتك، المسكينة أهملت إصابتها بسبب ما تعانيه»
يربتّ عزام على كتفه بمحبة أخوية، يقول: «إذا احتجت لأي شيء اتصل بي..
سأمر عليك غداً للإطمئنان على حالك إن شاء الله»
«اتفقنا»
**********
ملسّت على شعر ابنتها بحنو، حالها منذ أيام لا يعجبها، تحديداً منذ عودتها من زيارة باسم!
«مرام، ماذا بكِ؟»
حدقت مرام في الفراغ أمامها بشرود، هتفت بنبرة لا تفصح عن دواخلها: «لا شيء أمي، أنا بخير»
تهز والدتها رأسها بعدم اقتناع، تقول: «لا لستِ كذلك، منذ أيام تغيّر حالكِ، حتى تدريبكِ لم تذهبي إليه!
أخبريني بما حدث مع باسم وبدّل أحوالكِ»
تنتفض مرام على ذكر اسمه تلقائياً، عقلها يردد عليها الكلمات التي قالها حينما زارته..
تلمس وجهها بذعر متخيّلة أن يحدث لها ما حدث له!
تقول والدتها بقلق: «لا حالتكِ لا سكوت عليها، سأخبر والدكِ ليعرف ما بكِ طالما لا تريدي إخباري»
تمسك مرام يد والدتها قبل أن تتحرك.
«لا يا أمي أرجوكِ، اطمئني أنا بخير»
ترمقها والدتها بعدم تصديق..
تهتف مرام بجزء من الحقيقة: «ما حدث لباسم هزني، رؤيتي لضعفه أثرت بي كثيراً»
تتنهد والدتها بحزن على مستقبل الشاب الذي ضاع في لحظة، نعم ضاع!
هو لن يستطيع العيش بوجه نصف مشوّه، المجتمع لن يتقبله، وحتى إن أجرى جراحة تجميلية، لا تظن أنها ستعيده كما كان!
«ماذا سنفعل يا ابنتي؟
إنه قدره»
«صحيح، ولكنه تغيّر كثيراً»
همست مرام بشرود..
تقول والدتها بعدم اهتمام: «طبيعي سيتغير، ما يمر به ليس سهلاً، المهم ركزي أنتِ في مذاكرتكِ وتدريبكِ، أريدكِ من الأوائل كالمعتاد»
تومىء مرام بطاعة، تقبّلها والدتها وتخرج من الغرفة.
«و لكنه تغيّر بشكل كبير يا أمي، والأدهى أن تغييره يؤثر بي!»
تستلقي على سريرها مفكرة أن الإجازة التي طلبتها من التدريب بعذر تأدية امتحاناتها النهائية مهمة، فهي ستتيح لها وقت كبير لتصفية ذهنها والتفكير جيداً في مشاعرها واتخاذ القرار المناسب!
**********
شعر مروان بالراحة وهو يجد والده يجلس بمفرده في صالة المنزل.
«مساء الخير يا أبي»
«مساء النور يا مروان، عدت مبكراً اليوم!
هل تشعر بالتعب؟»
قال ثابت بنبرة ذات معنى متأملاً وجهه المكدوم..
يلمس مروان وجنته التي مازالت متورمة منذ شجاره مع ماهر، يجيبه نافياً:
«لا أبداً أنا بخير»
يقول والده بنفس النبرة: «أتمنى أن تكون بخير حقاً وتكفّ عن إثارة المشاكل؛ كي لا يزيد الوضع سوء!»
تنهد مروان بهمّ مدركاً المغزى من حديث والده، فهو يشير إلى رد فعل والدته عندما رأته عقب شجاره مع ماهر ذلك اليوم، ثورتها عليه وذمّها للمياء وما يحدث له بسببها!
وللأسف الأمر يسوء فعلاً؛ فبدلاً من التقريب بين لمياء ووالدته وجعل الأخيرة تتقبل وجود حبيبته؛ أصبحت تنفر منها أكثر، ولا يعلم كيف يُزيل الحاجز المبني بينهما!
نحّى أفكاره جانباً مركزاً فيما عاد من أجله، عليه الاستفسار عن الأمر قبل أن تأتي والدته أو شقيقته!
«بالمناسبة أبي، وأنا أراجع الحسابات اليوم لاحظت شيئاً غريباً!»
انتبه ثابت إلى كلماته، يسأله بقلق: «ماذا وجدت؟»
يمد له مروان كشف الحسابات، يقول:
«حسابك دائماً تُسحب منه الأموال، وفي الفترة الأخيرة سُحِب منه مبلغ كبير!»
يرفع والده حاجبيه، يقول بحدة مخفياً خلفها توتره: «هل تراقبني، أم ستحاسبني على صرف بعض الأموال التي تعبت أنا وشقيت في جنيها؟!»
توتر مروان من حدة والده الغير مفهومة، يقول بتوضيح: «أبداً يا أبي، لكنني تعجبت من..»
يقاطعه والده بصلابة: «ليس هناك لكن يا مروان، عندما تحدثت عن الحسابات ظننت أن هناك تلاعباً أو اختلاسات، وليس فضول منك لمعرفة فيما اصرف أموالي!»
يقطب مروان حاجبيه، يسأل بضيق: «ألا يحق لي المعرفة يا أبي؟»
يقول والده بصرامة: «لا يا أستاذ مروان لا يحق لك!
لا يحق لك التحقيق معي أو محاسبتي، أنا حر فيما افعله»
ثم يتركه، فينظر مروان في أثره بتعجب!
**********
قبل حفل زفاف كمال و حورية بثلاثة أيام
لا، الوضع زاد عن حده!
المزيد والمزيد من الأموال تُسحب من البنك دون وجود أي مبررات!
ووالده منذ ذلك اليوم الذي تحدث معه فيه بشأن هذا الموضوع وهو يتجاهله!
وإن أُجبِر على التحدث معه فيكون ببرود وبلا مبالاة!
لا يفهم حقاً ما يحدث!
زفر أنفاسه بقوة وهو يتطلع إلى الورقة التي أمامه والتي تشير إلى أن والده قام بسحب عشرين ألف جنيهاً من البنك منذ يومين!
آه لو يعرف أين يصرف والده هذه الأموال!
بل لابد له أن يعرف، لابد أن يعرف ما يخفيه والده عن الجميع ويبذر من خلاله أمواله وكدّ عمره كما أشار من قبل!
ولكن كيف؟!
**********
تأفف باسم بضيق بينما يرمق الطريق بشرود، لم يكن عليه الاستجابة إلى ابن عمه والخروج من المنزل، لايزال غير مستعد لاستقبال النظرات المُشمئزة أو المُشفقة!
لمس جانب وجهه متنهداً، لقد أزال الشاش الذي كان يغطي تشوّهه منذ أسبوع، وللأسف لن يستطيع إجراء الجراحة التجميلية إلا بعد عدة أيام حين تشفى جروحه تماماً.
وكم يبدو مظهره حالياً مريعاً!
«لا حبيبتي لا تغادري، دقائق و سأكون عندكِ»
انتبه باسم إلى كلمات ابن عمه، ينظر إليه مستفهماً.
«سنمر على دار الأيتام أولاً لنأخذ مروة»
هتف عزام ببساطة.
يعبس باسم بملامحه برفض لم يستطع نطقه!
ماذا سيقول لابن عمه؟!
أنه عندما ينظر إلى وجه مروة يأكله الندم ويتذكّر حقارته معها!
يا الله!
عاد عقله إلى المرة الوحيدة التي رآها فيها من بعد الحادث، يومها جاءت إلى المشفى مع عائلتها لتتحمّد له بالسلامة و.. فقط!
لم تنطق سوى هذه الجملة طوال مدة الزيارة، بل استقرت بجانب والدتها مطرقة برأسها دون أن تتحدث، فلم يعلم إن كانت مُشفقة أو.. شامتة!
لكن ما يعلمه جيداً أن إحساس غريب اكتنفه، شعور قوي يخبره أن ما هو فيه عقاب الله له في الدنيا على جرح هذه المسكينة، فما باله بعقاب الآخرة!
وعليه التزم الصمت هو الآخر!
أوقف عزام السيارة بجانب الدار..
يسيطر على باسم شعور عارم بالتوتر، يتمنى أن يفتح باب السيارة ويهرب بعيداً!
دقائق قليلة وكانت مروة تنضم إليهما بابتسامة واسعة، انحسرت تدريجياً وهي تلتقط وجود باسم..
حيّته بخفوت وهي تنظر إلى زوجها بتساؤل.
يوضح عزام: «وجدته لم يخرج من المنزل منذ الحادث، فاقتحمت منزله وأخذته إجباراً لنقضي بعض الوقت سوياً»
تومىء بتفهم، بينما باسم مطرقاً برأسه لا يريد النظر إليها!
واستمر هذا الحال لبضعة لحظات، قبل أن تطلق مروة ضحة عالية إثر مزحة ألقاها عزام، تشاكسه ببراءة..
يرفع باسم رأسه رامقاً إياها فينصدم بنظرتها!
لم تكن تحمل الإشمئزاز ولكنها أيضاً لا تحمل الشفقة، بل عادية جداً!
لا ليست عادية، بل لامعة بسعادة جمّة، تنطق بالحيوية!
شعور عارم بالخجل اعتراه فجأة وكلماته التي قالها في حقها من قبل تضرب عقله..
يعود لإخفاض رأسه شاعراً بالندم.. خاصة وهو يرى عدم حملها نفس النظرة التي كان يحملها لها!
وصل عزام إلى منزل عمه..
يترجّل مع مروة ويوصلها إلى مدخل المنزل..
تقول حينما عبرا البوابة:
«لِمَ لا تصعدا وتتناولا الغذاء معنا؟»
يلتفت عزام رامقاً ابن عمه من بعيد، وهو يجيبها: «حالته لا تسمح له الآن بالاختلاط مع أحد، بالكاد استطعت إخراجه من المنزل من الأساس»
تنحّي مروة أي شعور بالشماتة جانباً فلا تتبقى سوى الشفقة!
«عندما تعود إلى المنزل اتصل بي»
يمنحها عزام قبلة سريعة دون أن ينتبه لهما أحد، ثم يبتعد وهو يلوّح لها.
**********
«اهدأ قليلاً وترتني معك»
هتف والد سليم بحنق وابنه يجول غرفة المكتب ذهاباً وإياباً متمتماً بعدة كلمات غير مفهومة.
يتوقف سليم عاقداً كفيه ليسيطر على أعصابه، يقول بقلق:
«لا أبي، لست مطمئناً»
يزفر جمال أنفاسه بضجر، ويقول ببرود: «علام كل هذا القلق؟
ليست أول مرة نشارك في عملية كهذه!»
يرأف بابنه الشاحب الوجه، يقول: «أنت متوتر لأن الموعد قبل زفاف حورية، تخشى وجود أي مشكلة تؤثر سلباً أو تجعلنا لا نهتم بها كما ينبغي»
حورية كل المشكلة، كان يرغب في التواجد معها هذه الأيام، يدللها ويهتم بها، يقضي معها آخر لحظاتها في المنزل ويخفف عنها وطأة الأمر..
لكن الآن، وحتى لو استطاع فعل ذلك، سيكون ذهنه مشوشاً، يفكر في مليون شيء كي يضمن أن يتم التسليم على خير.
«وأيضاً أنا قلِق من الموعد، بالعادة يتم التسليم عند الفجر ليس منتصف الليل!»
يقول جمال ساخراً: «لأن الباشا قلِق من الشرطة وتحديداً شريف، فهو يعمل في صمت تام برفقة فريق خاص لا يعرف ما يفعلونه أحد..
لو كنت استطعت عقد قرانك على الصحفية كنا اطمئننا قليلاً، فمن المحتمل أن تكون ضمن فريقه!»
يجز سليم على أسنانه بعنف وإحساس بالفشل يعتريه، سيادة المستشار جلال الدين رفض رفضاً قاطعاً عقد قرانه على براءة، موضحاً أنه لا يقبل إلا أن يكون العقد في نفس يوم الزفاف، وبالطبع لم يقبل أن يكون الزفاف في موعد قريب..
كم يمقت هذا الرجل!
«تعلم أن والدها هو مَن عقّد المواضيع، لولاه لكانت الآن تحت أنظاري ولا تخطو إلا بأمر منّي»
يشيح والده بيده بعدم اقتناع، يقول: «لازال أمامنا وقت، بقليل من الذكاء تستطيع معرفة ما يخطط له شريف، استخدم عقلك»
يزفر سليم بقوة لا يعلم ماذا يفعل، يهتم بشقيقته ويكون معها من أجل آخر ترتيبات زواجها؛ أم يركض وراء براءة ليعرف منها خط سير شريف!
لو كان حمدي فقط استمع له وأجّل العملية عدة أيام، لكان استطاع العمل بذهن صافٍ!
**********
دخل شريف مكتبه لينصدم بوجود براءة..
يزفر أنفاسه بقوة معترفاً أنه لم ينصدم، بل كان يتوقع وجودها، التصاقها به حتى تتم العملية غداً لكي تحضرها!
لكن يقسم ألا يحقق لها مرادها، لن تحضر عملية التسليم مهما فعلت، ولو كان على جثته!
حياتها غالية جداً.
«سلام شريف»
هتفت براءة ملوّحة له ببساطة..
يتحرك ليجلس على مقعد مكتبه، يقول باقتضاب:
«خير، لِمَ أتيتِ؟»
تميل برأسها ببراءة مصطنعة لا تتماثل مع اسمها، تقول بدلال: «ألا تريد رؤية خطيبتك يا سيادة الرائد؟»
يرمقها شريف بشزر، يهتف من بين أسنانه: «من الأفضل ألا تتطرقي إلى هذا الموضوع، فأنتِ تهربين كالفأر المذعور عندما اقترب منكِ لأحاسبكِ»
«أنا فأر مذعور!»
أشارت إلى نفسها بذهول..
ينهض شريف ويهمّ بالاقتراب منها..
تصيح بخوف راكضة بعيداً عنه.
كبح ابتسامته على تصرفاتها الطفولية، قال بنبرة جاهد على جعلها حادة: «حذاري الحديث عن هذا الموضوع مرة أخرى، على الأقل حتى نتزوج، فحينها سأحاسبكِ على موافقتكِ الانتقامية كما ينبغي»
زمّت شفتيها بطريقة أشعلت النيران في أوردته، قبض على كفه يمنع نفسه عن التهور، هتف من وراء قلبه بينما يشير بيده الأخرى:
«غادري، أنا لست متفرغاً لكِ»
تبرق عينا براءة بفضول متمنية أن يقع بلسانه ويخبرها عن موقع التسليم، فكل محاولاتها للمعرفة من المحيطين به باءت بالفشل!
«لِمَ، ماذا لديك؟»
لكن شريف أذكى منها، تحرك بنيّة إرهابها، يقول بتوعد: «أنتِ مصرة على أن أحاسبكِ على ما فعلتِه!
حسناً سيكون هذا من دواعي سروري»
تصيح براءة بخوف وهي تراه يشمّر عن ساعديه، تركض خارجة من المكتب..
يتنهد شريف بارتياح ويعود لمباشرة عمله آملاً بإضافة إنجاز جديد لملفه غداً!
أما هي فصعدت إلى سيارتها بملامح حانقة، تتمتم بغيظ: «غليظ، سمج، لكنني ساعرف موقع التسليم رغماً عن أنفه»
**********
من جهة أخرى
اتصل مَن يراقبها بسليم ليخبره أن براءة كانت مع شريف للتو..
يزداد أمل سليم في أن تكون على عِلم بعملية شريف القادمة، وفي نفس الوقت لا يجد طريقة لسحب الكلام من فمها، لقد أصبحت متكتمة جداً فيما يخص عملها بعدما انضمت إلى الضابط!
**********
تحبه، تعترف أنها تحبه كثيراً، منذ أخبرتها صديقتها عن المشاعر التي تنتاب الفتاة عندما تعشق بحكمة كبيرة لا تتناسب معها، وهي تفكر.. تحلل مشاعرها عندما تكون معه، لتكتشف أنها تعشقه!
«كاذبة يا جنان، أنتِ تحبينه من قبل أن تتحدثي مع نيّرة، ولكنكِ كنتِ تريدين التأكد من مشاعركِ»
هتفت لنفسها، ثم تساءلت عن مشاعره هو اتجاهها!
صحيح أنه يهتم بها كثيراً، تظهر غيرته عليها بوضوح في حركاته وتصرفاته، لكن أليس من المفترض أن يعترف لها؟
أم سيقضيها حباً على الصامت؟
تعالت ضحكاتها عند آخر كلماتها..
يرمقها هيثم بذهول، يقول:
«علام تضحكين؟!»
تهتف جنان بفرحة بينما تنطلق في سيرها: «سعيدة، سعيدة جداً»
يُسارع هيثم في خطواته لاحقاً بها، وهو يقول: «انتظري، لا تركضي»
يقف أمامها قاطعاً طريقها، يبتسم بحنو وهو يتأمل حدقتيها اللامعتين.
«لِمَ كل هذه السعادة؟»
ترمقه من بين أهدابها، تهتف بمراوغة: «لأننا انتهينا من الدراسة أخيراً»
تلاحظ الإحباط الذي ارتسم على ملامحه، تتساءل بداخلها إن كان يظن أنها ستعترف له بمشاعرها!
صحيح هي مجنونة ولكن ليس إلى هذه الدرجة!
«واضح أنكِ واثقة من نجاحكِ»
شاكسها ساخراً.. مخفياً تألمه لانقطاعه عن رؤيتها، فبعد أن كانا يقضيا معاً الكثير من الوقت بعذر مذاكرته لها، سيراها لِماماً!
يهتف لنفسه مدعمّاً: «لا تبتئس، مجرد أشهر وستكون بأكملها ملكاً لك»
ترفع رأسها بغرور، تجيبه: «بالطبع»
يضحك هيثم عليها، يقول بمرح: «ادعي لمَن اقتطع من وقته وصبر عليكِ حتى أقحم المنهج في رأسكِ»
تهتف جنان بحسد: «بم سأدعو لك؟
لا يوجد مركز أعلى من الأول على الدفعة لتأخذه!»
يكبّر في وجهها بطريقة مضحكة، وهو يقول: «قل أعوذ برب الفلق..
المركز سيطير منّي بسبب عينيكِ»
تزمّ جنان شفتيها بطفولية، تقول: «لا تخف عيناي ليست دائرية»
«واضح»
هتف ساخراً.
تتحرك جنان جانباً وتتابع سيرها، بعد أن قالت: «سأغادر الآن، صديقاتي في انتظاري»
يودعها هيثم بنظراته متنهداً.
**********
«ماذا أفعل معه، ماذا أفعل؟»
تذمّرت جنان بصوت عالي وهي تطرق الصحن بالشوكة بعصبية..
تلتفت صديقتاها حولهما مبتسمين بإحراج للنظرات المتعجبة التي وُجّهِت إليهنّ، تبادر نيّرة بالقول:
«اخفضي صوتكِ ستفضحينا»
تقول جنان بحنق: «مغتاظة، كنت أظن أنه سيصارحني اليوم بمشاعره بما أنه آخر يوم امتحانات، ولكنه ظل صامتاً كأبو الهول»
تضحك الفتاتان عليها، تقول سالي مفكرة: «ربما لا يريد المجازفة وينتظر إشارة منكِ تطمئن قلبه؟»
تتوسع حدقتا جنان قائلة بصدمة: «أكثر مما افعله!
لقد أصبحت حرفياً أقضي معه وقتاً أكثر مما أقضيه مع عائلتي»
تقترح نيّرة: «لِمَ لا تدفعيه للاعتراف؟
أخبريه مثلاً أن هناك عريس تقدم إليكِ، ولنرى رد فعله كيف سيكون!»
تشيح لها جنان بيدها، قائلة: «أخبرتكِ مليون مرة أن تكفّي عن مشاهدة الأفلام القديمة..
ها هي النتيجة!»
تسألها سالي بحيرة: «إذاً ماذا تريدين؟
طالما كل الحلول لا تعجبكِ!»
تزمّ جنان شفتيها قائلة بطريقة مضحكة: «أريد أن أتزوجه..
سأموت وأتزوجه»
***********
«غير معقول يا حورية، ألازلتِ نائمة حتى الآن!»
هتفت شريفة (والدة حورية) بدهشة، تحركت لتفتح الستائر فتنتشر أشعة الشمس في الغرفة مُثيرة إزعاج حورية.
«اغلقي الستائر يا أمي أرجوكِ، أنا لم أنم إلا بعد الفجر بقليل»
هتفت بينما تغطي كامل وجهها بالغطاء لتتخلصّ من الضوء.
تتجه شريفة نحو سرير ابنتها، تزيل الغطاء عنها بقوة، وهي تقول:
«لا وقت لدينا للدلال، اليوم مزدحم و..»
تشهق بقوة ملاحظة وجه ابنتها الشاحب والهالات السوداء الظاهرة أسفل عينيها، تقول:
«يا الله، مظهركِ يبدو مريعاً..
ماذا فعلتِ بنفسكِ؟»
تنقلب حورية على بطنها، تحاول ذراعاها التقاط الغطاء لتعيده على وجهها دون جدوى.
«لا تخافي يا أمي، أي شيء يمكننا إزالته بالمكياج، اتركيني أنام الآن بالله عليكِ»
تسحبها والدتها من ذراعها مجبرة إياها على النهوض.
«يكفي نوم، انهضي لأرى ما سأفعله معكِ لإعادة وجهكِ إلى حيويته»
تغادر الغرفة وهي تقول: «يا الله، وكأن اليوم ينقصه ازدحاماً!»
تضرب حورية جانبي السرير بقبضتيها الصغيرتين، داعية على كمال الذي جعلها تسهر معه وأثار توترها بأحاديثه عمّا سيفعله معها!
اتجهت بكسل إلى الحمام، آملة أن تمدها المياه الباردة ببعض النشاط.
**********
فتحت مروة الباب لترى عزام مستنداً بنصف جسده على الجدار، يعقد كفيه وابتسامة جميلة تزيّن ملامحه.
رفعت حاجبيها قائلة بدهشة، قائلة: «توقعت أنك ستقضي اليوم بأكمله مع باسم!»
يهتف عزام بابتسامة متلاعبة: «وأفوّت على نفسي قطعة الشوكولاتة اليومية!
مستحيل»
تتمتم مروة بـ (قليل الأدب)، تترك الباب مفتوحاً وتتجه للداخل.
يصلها صوت عزام العالي: «بدلي ملابسكِ سنتناول العشاء في الخارج»
تنظر له بنصف عين مخفية عنه فرحتها بقضاء سهرتها معه.
يخرج في نفس الوقت أحمد (شقيقها) من غرفته على صوته، يقول بترحيب مرح:
«الدكتور عزام بنفسه عندنا، يا مرحباً يا مرحباً»
يحيّيه بسلام رجولي خشن..
يستقبل عزام ترحيبه بمحبة أخويه، ثم يشير إلى مروة قائلاً بضجر:
«ألازلتِ تقفين عندكِ؟
اذهبي وبدلي ثيابكِ بسرعة»
يسأله أحمد: «ستخرجان؟»
يومىء عزام دون رد، يشاكسه أحمد: «حسناً لكن لا تتأخرا، قبل العاشرة مساء أريد شقيقتي في المنزل»
يرمقه عزام بحنق، يقول مدافعاً: «إنها زوجتي، اسهر معها كما يحلو لي»
يرفض أحمد بحزم: «عُقِد قرانكم فقط..
عندما تدخل بيتك اقضي معها الوقت كما يحلو لك!»
يتأفف عزام بضيق، يحاول بث الصبر إلى نفسه، فلم يعد يتبقى سوى شهر ونصف وتكون بأكملها ملكه.
**********
لئيم، يستغل جلسة المطعم الخاصة ليفعل معها ما يشاء!
تكاد تقسم أنه قضى الكثير من الأيام في شكر جدهما لأنه من أرشدهما إلى هذا المطعم!
ضربت يده بتأنيب، قالت بصرامة:
«يكفي عزام، لا تلمسني»
يتأفف عزام، يقول بحنق: «ما بالكِ أنتِ وشقيقكِ اليوم تتفننان في إثارة غضبي!»
تسأله قاطبة حاجبيها: «ماذا فعل لك أحمد؟»
«الـ.. يأمرني..»
يقطع حديثه فجأة مفكراً أنها من الممكن أن تتلبسّ شخصيتها المشاكسة وتطلب الرحيل امتثالاً لأمر شقيقها، فيهتف باقتضاب:
«انسي الأمر»
تستند مروة بذقنها على كفيها، تقول ببساطة: «سأنساه ولكنك ستنفذ ما قاله وستعيدني قبل العاشرة»
يلوي شفتيه بضيق، يقول بعدم رضى: «ألم يثق بي ليأتي ويأمركِ؟!»
تدافع مروة عن شقيقها: «لا والله لقد سمعتكما وأنتما تتحدثان»
ينظر لها بنظرة تكشفها، تعضّ شفتيها بحرج، تهمس: «و طلب هو منّي عدم التأخر»
عبس عزام بملامحه..
تلمس مروة كفيه، قائلة برقة: «الأمر لا يتعلق بك، هو يخشى من أحاديث الناس عنّي، فهم لا يفرقوا بين خطبة وعقد قران، لا يعترفوا بالزواج إلا بعد إقامة حفل الزفاف..
لا تغضب منه»
يقبض على كفها متلمساً نعومته، يقول بصدق: «تظنين أنني لم أكن لأعيدكِ إلى المنزل مبكراً!
أنا أفهم وجهة نظر أحمد واحترمها، بالتأكيد لن اسمح بتعريضكِ للقيل والقال»
يعلو صوته قائلاً بحنق: «لكن ليست لدرجة العاشرة مساء!»
تسأله: «بالغ قليلاً؟»
«قليلاً!»
ردد خلفها بعصبية.
تضحك مروة على عصبيته، تعده: «سأنتقم لك منه أشد انتقام، المهم ألا تنزعج»
تزول عصبيته في لحظة، يهتف بمشاكسة صبيانية: «وعندما أزعجكِ أنا في المستقبل ستنتقمي منّي؟»
تقول مروة بثقة: «أكيد»
يغمزها بعينه، يقول بوقاحة: «إذاً ذكّريني بأن أزعجكِ عندما نتزوج، لتنتقمي منّي فأرد لكِ انتقامكِ أضعافاً مضاعفة»
تلتقط إشارته الخبيثة، تقول: «لنغادر»
يضحك عزام عليها ويمنعها عن النهوض مستمراً في مشاكستها..
تستجيب له أحياناً، ترفض وتتمنع أحياناً أخرى!
**********
مشتت.. نادم.. ضائع..
لأول مرة يشعر بكل هذه المشاعر، يدرك أنه عاش عمراً بأكمله داخل فقاعة هشة، يستيقظ إلى نفسه عندما انفجرت فيعترف كم كان متعجرفاً!
رمقت رشا باسم بأسى، كانت تظن أن خروجه مع عزام سيريحه ويعيده إلى سابق عهده، لكن حاله كما هو، إن لم يكن أسوأ!
«لِمَ عدت مبكراً؟
توقعت أن تقضي السهرة مع عزام»
يجيبها بشرود: «قضينا الكثير من الوقت، يكفي»
تتألم على حاله، تقول بينما تلمس جانب وجهه المشوّه برفق: «اشتقت إليك يا باسم»
ارتجف تلقائياً عندما حطّت يدها على وجنته، يحدق فيها بعدم فهم، يقول باستنكار: «اشتقتِ لي وأنا معكِ!»
تهز رأسها نفياً والدموع تلتمع في مقلتيها.
«لا أنت لست معي، ربما أنت موجود بجسدك، لكن روحك بعيدة بعيدة جداً..
وأنا اشتقت، اشتقت إلى باسم المرح.. المشاكس، الذي كان يُحيي قلبي بكلمة منه، يلتصق بي ليلاً ونهاراً بإرادتي ورغماً عني..
اشتقت لحنانك.. لحديثك، لكل تصرف صغير كنت تقوم به وافتقده حالياً»
يسبل باسم أهدابه، يسألها متوقعاً إجابتها: «ألا تشعري بالقرف منّي؟»
فاجئته وهي تميل لتطبع عدة قبلات على وجنته وعنقه.. المشوّهين!
يفغر فاهه بذهول مستقبلاً لمساتها الحانية بتوق للمزيد.
لحظات لم يدركها مرت عليه وهو في عالم آخر، شعور رائع لأول مرة يحتله.. أنها تلمس روحه وليس جسده!
«وصلتك الإجابة؟»
يبتلع ريقه بارتباك ومشاعره تزداد تخبطاً!
«اشعر أنني لست أنا يا رشا، اشعر أن جزء منّي فُقِد..
تحمّليني حتى استوعب حياتي الجديدة»
تستند برأسها على صدره تملسّ عليه بحنان..
«هل ندمتِ على تصرف قُمتِ به من قبل؟»
تجيبه: «نعم أكيد»
يعقد حاجبيه بفضول، يسألها: «وكيف تصرفتِ حينها؟»
ترفع رأسها، تحدق في عينيه، تسأله: «علام أنت نادم؟»
يبعد باسم نظراته عنها، يقول بغموض بعد دقائق من الصمت: «على حديث قُلته من قبل»
تقول ببساطة: «اعتذر منه وسيزول ندمك»
«لا، الاعتذار صعب»
هتف بنفس الغموض.
تعيد رشا عينيه إليها، تقول: «ليس صعباً، طالما أخطأت عليك الاعتذار، هذا سيساعدك على التخلصّ من الندم»
يعيد رأسها إلى أحضانه، هاتفاً لنفسه: «الاعتذار صعب لأنها لا تعرف ما قُلته عليها من الأساس..
وأنا لن استطيع إعادة ما تحدثت به عنها مسبقاً بعد أن أصبحت مثلها!»
تحترم رشا رغبته في إغلاق الموضوع، تستريح على صدره مؤمنة أنه سيفعل الصواب، فلقد تغيّر!
**********
صفع سليم باب غرفته بغضب، ساعتان كاملتان قضاهما مع براءة محاولاً استخراج أي معلومة مهمة قد تفيده، ولكنه لم ينجح..
واضح أن لا علم لها عن عملية شريف القادمة من الأساس!
حتى عندما سألها عمّا فعلته اليوم، أخبرته أنها ذهبت لشريف للحصول منه على معلومات لمقالها القادم.. فقط!
حسناً ربما عليه الاطمئنان قليلاً لأنها لن تكون متواجدة في موقع التسليم بسبب حفل حنة شقيقته، على الأقل هكذا يضمن عدم فضحهم صباح اليوم التالي في الجرائد كالمرة السابقة!
تنفسّ بقوة مبعداً عنه توتره، يخبر نفسه أن غداً سيمر على خير بكل تأكيد، هذه ليست أول مرة يفعلونها!
طرقات على باب غرفته قطعت أفكاره.
«ادخلي يا حورية»
تدخل حورية متأففة، تجلس بجانبه بصمت يخالف الغضب الذي يعتلي وجهها..
يتوقع سليم ما حدث، لقد أخبرته والدته من قبل بما ستفعله معها، فيضحك عليها.
«تضحك عليّ!
والله تعبت، تعبت، منذ الصباح وأنا على قدمي أتنقل من مكان إلى آخر»
يشاكسها: «يمكننا إلغاء كل هذا آنستي الجميلة، كلمة منكِ وساحرص بنفسي على إبعاد كمال عن حياتكِ»
«وما دخل كمال؟»
صاحت بحنق مدافعة عمّن سيكون زوجها فعلياً بعد قليل من الأيام.
«إذاً لا تتذمري وتحمّلي ما تفعله أمي، هي تريد الفرح بكِ»
يصمت ويعتلي ملامحه الحزن، شعور مبكر بفقدها ينتابه.
تفهم ما يدور بداخله من ملامح وجهه.
«لا أصدق أنني بعد يومين سادخل المنزل ولا أراكِ فيه»
تحتل الدموع مقلتيها، تقول بتحذير: «اصمت وإلا والله لأخبر أمي أنك تدفعني للبكاء، ووقتها لتتلقى حسابك منها»
تصدر ضحكة خفيفة منه، يسحبها إلى أحضانه، يحيط جسدها بقوة مقاوماً الدموع التي تحارب للظهور.
«أنا حزين.. حزين جداً على فراقكِ..
لكنني في نفس الوقت سعيد لأنكِ ستحيي في سعادة مع رجل يحبكِ وتحبينه»
يبعدها قليلاً، يحيط وجنتيها ماسحاً بأطراف أصابعه دمعتين هبطتا من عينيها.
«ثقي أنني سأكون بجواركِ دائماً، ساقف في وجهه وأحاسبه إن أغضبكِ أو أزعجكِ»
تعود حورية إلى أحضانه، تردد بحب: «لا حرمني الله منك»
**********
هبطت براءة من منزلها مفكرة كيف ستعرف موقع التسليم وشريف يسد أمامها كل الأبواب!
نظرت إلى ساعتها لتجدها تقارب الثامنة مساء، يتبقى ما يقارب الثمان ساعات على التخلصّ من هؤلاء المجرمين، وأولهم سليم..
يا الله، كم تتوّق لرؤيته بين أربع جدران يُحاسب على كل أفعاله، أولها خداعه لها واستهتاره بذكائها!
«سنرى مَن سيضحك الليلة يا سليم!»
هتفت بسعادة بالغة، حتى إن لم تستطع معرفة موقع التسليم والتواجد فيه، هي متأكدة أن شريف سيقبض عليهم الليلة ويخلصّ المجتمع منهم!
توقفت بغتة ورجل ضخم بملامح صارمة يقطع طريقها، يحتل الخوف وجهها وتبتعد عدة خطوات للخلف..
سليم قد كشفها وأرسل مَن يقتلها!
هذا ما ظنته وهي ترى ملامحه القاسية التي لا ترحم، إلا أنها اكتشفت خطأ اعتقادها، عاد الدم إلى وجهها عندما وصلها صوته تزامناً مع إشهاره لبطاقته أمام عينيها:
«أنا ضمن فريق الرائد شريف»
تنفسّت براحة احتلت أوردتها، سرعان مازالت والغضب يشتعل بداخلها، بينما الرجل يقول:
«اعتذر يا آنسة لكن سيادة الرائد أمرني بعدم السماح لكِ بمغادرة المنزل»
«ماذا؟»
صاحت باستنكار.
يتابع الرجل بملامح جدية لا تعرف التراجع: «معي أوامر بمنعكِ عن الخروج حتى لو اضطررت لاستخدام القوة معكِ»
«تمزح!»
نظرة واحدة إلى عينيه أكدت له أنه لا يمزح..
تطرق الأرض بقدميها بعصبية، تعاود الدخول إلى منزلها،
أي شجار مع هذا الضخم ستكون هي الخاسرة فيه!
**********
«نعم سيدي، مَن يراقبها معنا..
حاولت الخروج من المنزل إلا أنني منعتها..
لا تقلق لن تغيب عينانا عنها»
أصدر شريف أوامره إلى الرجلين الذي اختصهما بمراقبة براءة:
«لا تنسا، إذا اتصل سليم برجله اجعلوه يرد عليه ويخبره أن براءة في منزلها ولم تغادر»
أنهى حديثه قائلاً: «انتبها جيداً، لا أريد أي خطأ"»
يغلق الخط مراجعاً خططه، يتأكد أن كل شئ يسير على ما يُرام..
تم منع براءة من مغادرة منزلها كي يضمن الحفاظ على حياتها، حتى لو كانت تعلم فقط بموعد التسليم القديم والذي كان سيتم قبل الفجر بقليل، إلا أنه عليه الحذر، من الممكن أن تكتشف الموعد الحقيقي والموقع، وحينها ستكون حياتها في خطر..
وهو كضابط محنّك تعوّد أن يضع جميع الاحتمالات أمام عينيه، يضع أكثر من خطة بديلة، لذا كانت أول خطة ضمان سلامتها بنفسه!
كما أصدر قرار بالقبض على مَن يراقبها، حتى لا يخبر سليم بما حدث فتُثار شكوك الأخير!
هكذا حتى إن اتصل سليم، سيتم إخباره بما يريده هو..
وأخيراً.. عليه التحرك الآن لموقع التسليم حتى يحاصره جيداً، فيكون النصر من نصيبه بمشيئة الله.
دخل أحد رجاله مكتبه، يؤدي التحية العسكرية، يقول: «نحن جاهزون سيدي»
يتأكد شريف أن سلاحه معمّر بالرصاص.
«توكلنا على الله»
**********
«اذهب أنت لحفل التوديع الذي يقيمونه أصدقاء زوج شقيقتك حتى لا تثير الشكوك، أنا سأستلم البضاعة وأطمئنك»
أمر جمال ولده.
يومىء سليم، يقول بضيق: «كنت أفضّل الذهاب معك، لكن كما قُلت اختفاءي سيثير الشكوك»
يربت جمال على كتف ابنه، يقول: «المهم أن نستلمها، وعندما أعود سنحتفل مع والدتك ككل مرة، لكن هذه المرة الاحتفال سيكون احتفالين، احتفال استلام البضاعة والاحتفال بزفاف شقيقتك»
**********
«توقفوا»
«ألقوا أسلحتكم وارفعوا أيديكم المكان بأكمله محاصر»
صوت قوي منع عملية التسليم..
تنطلق الصيحات المذعورة ترافقاً مع محاولة لهرب بعض الرجال.
يصدر شريف أوامره فيتم تصويب السلاح اتجاه أي مَن يحاول الهرب..
يستسلموا جميعاً لهم، ليعلن شريف انتصاره عليهم.
**********
«ماذا، ماذا تقول؟
أبي قُبِض عليه!»
هتف سليم بهلع، يغلق الخط ويسارع بالهرب من حفل زوج شقيقته، قبل أن يصلوا إليه!
**********
أصوات أغاني عالية وضحكات فرِحة تملأ قصر الغالي، لقد فضّلت حورية إقامة حفل حنتها قبل الزواج بيومين، كي تستطيع المرح مع صديقاتها وبعدها الراحة كما ينبغي قبل يوم الزواج.
كانت شريفة تشرف على الحفل، تتأكد أن المدعوين لا يحتاجوا إلى شيء، بينما حورية تمزح مع صديقاتها وتضحك بسعادة.
تتوقف شريفة فجأة وقلبها ينغزها بخوف، وما هي إلا ثواني وتحقق خوفها باقتحام شريف ورجاله القصر.
«معي أمر بالقبض على سليم الغالي إثر تجارته بالمخدرات!»
يعمّ الهرج أنحاء القصر والكل يتساءل عما يحدث بارتياب، وشريف يأمر رجاله بتفتيش المنزل.
تقول حورية بانفعال: «ماذا تقول؟
ألا تعرف مَن تتهم!»
يقول شريف بسخرية واثقة صدمت كل الموجودين: «ابحث عن سليم ابن جمال الغالي، أكبر تاجر مخدرات في البلد»
«مستحيل، أنت بالتأكيد مخطئ»
يهتف شريف بقوة: «لا لست مخطئاً، هناك دلائل قوية على متاجرة سليم للمخدرات، وتم القبض على والده أثناء استلامه للبضاعة»
تردد حورية مصعوقة: «أبي»
تلتفت إلى أمها مستفسرة، فتُفاجأ بالأخيرة تمسك قلبها بضعف، قبل أن تسقط أرضاً!
عادوا رجال شريف مؤكدين عدم تواجد سليم في القصر.
يأخذ شريف رجاله ويغادر مفكراً أين من الممكن أن يتواجد سليم!
بينما تأكد جميع مَن بالحفل من تورط العائلة في تجارة المخدرات، انسحبنّ بصمت رامقين حورية ووالدتها باحتقار، وأولهنّ والدة كمال وشقيقته!
تصبح حورية فجأة وحيدة مع جسد والدتها المسجى أرضاً، لا تستوعب ما حدث في اللحظات الأخيرة!

أحححمممممم
حد مصدوم، حد زعلان
أنا نوازعي الشريرة مخلياني مش عايزة انزلكم الجديذ واسيبكم متحمسين اربع خمس عشر شهور كده
اها والله 😂😂😂😂
فحطوا فووت وكومنتس بقى لو عايزين الجديييد

روحكِ تناديني (كاملة)Where stories live. Discover now