الفصل الثاني عشر

7.5K 296 12
                                    

الفصل ١٣ هينزل على العصر كده إن شاء الله
ودلعوني بفوت وكومنت زي ما بدلعكم

قاد سيارته بسرعة مصدرها الغضب، حديث أولاد عمه يتردد في أذنيه فيزيد من نيرانه..
حديثهم في حق لمياء و وضعها..
كيف سمحوا لأنفسهم بالتدخل في حياته؟
«أنت شخصية منطلقة مُحبة للحياة، لن تستطيع التأقلم مع حالتها و الجلوس معها في البيت معظم الوقت..
و إن خرجت و تركتها ستبدأ المشاكل بينكما..
أي أنه في كل الأحوال ستكون حياتكما فاشلة!»
تباً لهم، تباً لهم..
كيف يحكمون على شخصيته و كأنه بالفعل سيتخلى عنها؟
كيف سيستطيع العيش من دونها؟
لولو.. حبيبته، الحضن الذي يجد نفسه فيه، القلب الذي يفهمه دون أن يشتكي..
رُباه، و هو معها يشعر براحة كأنه يجلس مع والدته، فكيف يتركها!
هز رأسه بقوة يطرد حديث أولاد عمه من عقله، يرغب في تناسي مقابلتهم من الأساس!
**********
صباح أول يوم دراسي
أجواء مفعمّة بالمرح، و لكنها في نفس الوقت لا تخلو من تذمر الطلبة و رغبتهم في العودة إلى منازلهم لمتابعة نومهم، و أيضاً لا تخلو من تحيّة كل منهم الآخر بعد غياب طويل إثر الأجازة..
دخلت جنان جامعتها بخطوات متكاسلة و أعين شبه مفتوحة، غير مبالية بتأخيرها معتمدة على صديقاتها في جلب جدولها و مكان قاعتها..
لسانها لا يكفّ عن التذمر من استيقاظها مبكراً و مجيئها إلى الجامعة، بعد أن كانت تتذمر من الملل الذي يملأ أجازتها!
دفنت وجهها داخل حقيبتها باحثة عن هاتفها المختبئ بين العديد و العديد من الأغراض، و كأنها ذاهبة إلى رحلة و ليس الجامعة!
لم تشعر بنفسها إلا و هي مصطدمة بأحدهم و الذي بدوره كان يلتفت يميناً و يساراً بحثاً عن أصدقائه..
سقطت حقيبتها بكامل أغراضها على الأرض.
«أووه، اعتذر»
هتف الشاب بأسف بينما يميل لجمع أغراضها المتناثرة.
في حين توسعت عينا جنان ببلاهة، متجمدة في مكانها دون اتخاذ أي رد فعل!
استقام الشاب أمامها بعد أن نجح في إعادة أغراضها إلى الحقيبة، يقدمها إليها و هو يعتذر مرة أخرى بحرج:
«سامحيني لم انتبه إليكِ»
إلا أن رد فعل جنان لم يتغير، استمرت على بلاهتها، ثم ركضت سريعاً من أمامه غير مصدقة لما حدث معها!
يرفع الشاب حاجبيه مستعجباً من رد فعلها، يتساءل إن كان اصطدامه بها أزعجها إلى هذه الدرجة!
«هيثم، سنتأخر على المحاضرة»
انتبه إلى صوت صديقه المقترب منه، سار بجواره متجهاً إلى محاضرته.
**********
«يا فتيات، لن تصدقنّ ما حدث معي»
اقتربت جنان من صديقاتها صائحة بحماس كبير يناقض تذمرها عند دخول الجامعة!
تحدق فيها ثلاثة أزواج من العيون بحيرة، قبل أن تبادر إحداهن:
«صباح الخير..
لِمَ تأخرتِ؟»
تشير جنان بيدها بلا مبالاة، بينما تقول: «و هل تأخرت عن الوزارة!
انسي هذا الآن و انتبهي إلى ما سأقوله، فلقد عشت حدث الموسم في أول يوم دراسي»
رمقتها الفتيات بدهشة و حماسها يتسرب إليهنّ، فحدث الموسم لصديقتهنّ يكون مليئاً بالمغامرة و الإثارة!
«احكي يا فتاة، ماذا حدث معكِ؟»
سألتها نيّرة بفضول.
ترتاح جنان في جلستها غير مبالية بمحاضرتها التي على وشك البدء، و تقول بفخر:
«لقد اصطدمت بالأول على دفعتنا، و ليس هذا فقط، بل إنه انحنى و جمع لي أغراضي التي سقطت بسببه»
يظهر الاستنكار على وجوه الفتيات، تنظرنّ إلى صديقتهنّ بنصف عين و كأنها جُنت!
تزمّ جنان شفتيها بطفولية من رد فعلهنّ الغير متوقع بالنسبة لها، و تقول:
«ما بكنّ؟
أنا أخبركنّ أنني اصطدمت مع الأول على دفعتنا!»
تقول نيّرة ببساطة: «و ما المشكلة في ذلك؟»
تتوسع عينا جنان بصدمة و كأن الفتاة أخطأت في حقها، تردد: «إنه الأول على دفعتنا!»
تزفر نيّرة أنفاسها بنفاذ صبر، و الفتاتان الأخرتان قد ظهر على وجههما الضجر، و لأول مرة لا تثير جنان حماسهما!
«قُلتيها بنفسكِ، إنه الأول على دفعتنا و ليس شخصاً قادماً من المريخ، طبيعي أن تصطدمي به أو تتعاملين معه..
أنا بنفسي تعاملت معه أكثر من مرة من قبل»
قفزت جنان على صديقتها فور أن سمعت جملتها الأخيرة، تصيح بتأنيب طفولي: «أيتها الخائنة، تتعاملين مع شخص مثله دون أن تخبريني..
أنتِ لستِ صديقتي!»
تهز نيّرة رأسها بيأس، صديقتها الحمقاء نست أنها تجتمع مع هيثم في أكثر من معمل، و من الطبيعي أن يكون هناك تعامل بينهما بسبب أبحاثهما المشتركة..
التقطت حقيبتها و دفترها السلكي الكبير، لتفعل صديقتاها المثل، و قد اتفقنّ دون حديث على الذهاب إلى المحاضرة..
«إلى أين؟»
سألتهنّ جنان التي لا تعرف جدولها حتى الآن.
أجابتها صديقتها: «إلى المحاضرة»
تعبس جنان بملامحها، تهتف: «هل لدينا محاضرة الآن؟»
توضح لها صديقتها بسخرية: «بل بدأت و نحن نستمع لمغامرتكِ التافهة»
يزداد عبوس وجه جنان و هي تنظر إلى صديقاتها بضيق، و نبرتها تتعالى:
«و هل ستحضرنّها؟»
تجيبها نيّرة بابتسامة مشاكسة: «سنحضرها»
شددت على حرف (النون) إشارة إلى انضمامها إليهنّ، ثم اقتربت تسحبها من ذراعها، تقول بعجل:
«هيا يا فتاة، لا نريد التأخر أكثر»
تسير جنان معهنّ مرغمة، تفكر فيما ستفعله داخل المحاضرة البائسة!
*********
تشتت تركيزه للحظة بينما يراها تدخل مع مجموعة من الفتيات، يرتفع حاجباه بدهشة، فلم يكن يعرف أنها معه في نفس الدفعة!
أما هي، فسارت حتى وصلت إلى آخر القاعة، ثم جلست واضعة حقيبتها أمامها، لتريح رأسها عليها مستعدة للنوم!
مالت عليها نيّرة قائلة بصدمة: «ماذا ستفعلي؟»
تشير لها جنان بإصبعها، ثم تغمض عينيها و هي تقول بكسل:
«سأنام بالطبع، فلم أغفى إلا بعد الفجر..
عندما تنتهي المحاضرة أيقظيني»
تنتظم أنفاسها بسرعة غريبة، و لكن صديقاتها لم يتعجبنّ لأنها معتادة على ذلك!
**********
خرجت من غرفتها حائرة من طرق الباب في هذا الوقت، تسأل شقيقها بقلق:
«مَن سيأتينا في هذا الوقت؟»
يلتفت إليها شقيقها قائلاً بابتسامة غامضة و غمزة شقيّة: «و مَن غيره!»
يتحرك إلى الباب ليفتح للطارق وسط حيرتها التي ازدادت!
«أهلاً يا ابن العم»
«عزام مرة أخرى!»
هتفت بداخلها و هي تراه يدخل منزلها، عيناه مسلطة عليها.
في حين قال شقيقها: «لِمَ قلقتِ مروة؟، لقد فعلها أمس و جاء في نفس الموعد»
أومأت بتأكيد، ففعلاً لم يكن عليها القلق!
يدافع عزام عن نفسه ببراءة مضحكة: «لاو الله، أنا لم اقصد إزعاجكم أو التطفل على طعامكم، و لكن التوتر صابني من الذهاب إلى دار الأيتام بمفردي، ففضّلت أن اذهب مع مروة»
يداعب أمل صغير قلبها المكلوم، أمل بأنه يرغب في قضاء وقت أطول معها.
بينما مال عليه ابن عمه، يهتف بسخرية: «صابك التوتر من الذهاب بمفردك، لِمَ هل هو يومك الأول في الروضة؟
حركاتك مكشوفة يا ابن العم»
يهمس عزام من بين أسنانه دون أن تلاحظ مروة الشاردة في أفكارها: «اصمت»
يضع أحمد (شقيق مروة) يده على فمه بحركة طفوليه مشيراً إلى توقفه عن الحديث.
يتجاهله عزام كلياً، يعود بتركيزه إلى تلك التي تبدو في عالم آخر.
يقول بابتسامة منتشلاً إياها من تساؤلاتها: «هل توافقين على الذهاب معي يا ابنة العم؟»
ها قد عاد مرة أخرى إلى ابنة العم تلك، ألم يكن توقف عن دعوتها بها منذ أيام؟
لِمَ عاد ليدعوها هكذا مرة أخرى؟
تساءلت بداخلها بينما تبتسم له بيساطة، و تقول: «لا مشكلة، فبكل الأحوال أنا ذاهبة إلى هناك»
يتدخل أحمد و كأن عزام لم يطلب منه الصمت!
«سارتاح من إيصالكِ، أنا شاكر لك يا دكتور»
و أرفق كلماته بغمزة مرحة لم يفهمها إلا عزام!
يجز على أسنانه بحنق، ابن عمه يتسلى به، و يستمتع بذلك!
«إن كنتِ تناولتِ إفطاركِ فلنذهب»
قالها موجهاً حديثه إلى مروة، بعد أن سأم من تصرفات شقيقها!
يبتعد أحمد مقهقهاً، و مروة تنظر لهما بحيرة، لا تفهم ما يدور بينهما!
«مروة»
التفتت إليه مُحرجة من عدم الرد عليه، تتدارك نفسها سريعاً و تقول بكذب: «نعم تناولته، هيا كي لا نتأخر»
يشير إليها عزام بلباقة لتتقدمه، ثم يسير خلفها بعد أن ألقى نظرة محذرة على أحمد استقبلها الأخير بلا مبالاة.
خرجت والدة مروة من المطبخ، تسأل ابنها بحيرة: «لِمَ صوت ضحكتك يصل إلى الجيران؟
و مَن كان على الباب؟»
تلتفت حولها بحيرة، ثم تعود لتسأله: «و أين شقيقتك؟»
يجيبها أحمد ببساطة: "ذهبت إلى عملها مع عزام".
تزمّ والدة مروة شفتيها بعدم رضى، فهي غير راضية أبداً عما يحدث و يوافق عليه كل من زوجها و ابنها، من رأيها أن عزام عليه طلب يد مروة رسمياً إن كان حقاً يحبها و يرغب في أن تكون له، لا أن يدور حولها و يتلاعب بها!
«يا لبساطتك!
لا اعلم كيف تتعامل مع الأمر بهذه السهولة، من المفترض أن تكون أول المعترضين عما يفعله ابن عمك مع شقيقتك..
لا أصدق حتى الآن أن جدك و والدك وافقا على هذا»
تأفف أحمد بداخله، فأكبر خطأ ارتكبه هو و والده أنهما أخبرا والدته عن رغبة عزام في الزواج من مروة و محاولته للاقتراب منها الأيام القادمة حتى يكسب ودها..
و لكن كان يتوجب عليهما فعل ذلك، فزيارات عزام التي ستكون متكررة إلى منزلهم و نظاراته التي لن تنزاح عن مروة كانت ستثير الشك داخل نفس السيدة الكبيرة..
كما أنهما لم يتوقعا أن رد فعلها سيكون على هذا النحو و أنها سترفض محاولات عزام، فقد اعتقدوا أنها ستفرح لأن الفتاة أخيراً ستحصل على السعادة التي حُرِمت منها منذ أعلن باسم رغبته في الزواج من أخرى.
«أنتِ قُلتيها بنفسكِ أمي، ابن عمنا؛ أي أنه من المستحيل أن يؤذي مروة»
تزفر السيدة أنفاسها بصوت مسموع، و مازال عدم الرضى يكلل ملامحها..
يقترب منها أحمد مقبلاً جبينها، و يقول بحنو: «أنا اعلم أنكِ خائفة على مروة أمي، لكن عزام رجل بحق، كما أنه لا يتلاعب بها، لقد طلب بالفعل يدها رسمياً منّا، نحن فقط نؤجل الحديث مع مروة في الأمر لبعض الوقت..
ثم أننا من المستحيل أن نفعل شيئاً في غير صالحها»
ترمقه قليلاً قبل أن تعود إلى المطبخ دون أن توجه له كلمة.
يتنهد براحة و يتجه إلى غرفته ليستعد للذهاب إلى عمله، يتذكّر ذلك اليوم -يوم ميلاد مرام- عندما اجتمع به جده هو و والده و عزام، و أخبرهم عن رغبة عزام في الزواج من مروة، و لكن الأمر سيكون سرياً لبعض الوقت، حتى عن مروة!
لم يحتاج لكثير من الوقت حينها ليتفهم رغبة ابن عمه، فوافق فوراً على اقتراحه..
و ها هو يرى تحركات عزام نحو الأمر و.. نجاحه الملحوظ!
**********
تلتفت إليه بين كل ثانية و أخرى تشاهد انعقاد حاجبيه و عبوس ملامحه، تنفجر ضاحكة و لم تعد تسيطر على نفسها!
ضغط على المكابح فجأة ملتفتاً إليها بحدقتين لامعتين إعجاباً، نظراته تتجه إلى حبيبة قلبه.. غمازتها!
توقف السيارة بهذا الشكل جعلها تنتبه إلى نفسها..
تخفت ضحكاتها تدريجياً مُنتهية بابتسامة لم تستطع كبحها، و ما أراحه أن هذه الابتسامة لم تخفي حبيبته!
يقول بصوت أجش و نظراته مركزة على غمازتها: «حسناً يا ابنة العم، ما الذي جعلكِ تنفجرين ضاحكة؟»
تعض شفتيها بخجل مُبعدة نظراتها عنه، فيقول مضيّقاً عينيه:
«تأخركِ في الإجابة يثير ريبتي..
لا تقولي أنكِ كنتِ تضحكين عليّ!»
تورد وجهها و استمرارها في إبعاد نظراتها عنه أثبتا له صحة توقعه، و لكنه لم يهتم إلا بمظهرها الذي جعلها تبدو لذيذة و شهيّة، خاصة و غمازتها المغرية مازالت تتحداه!
يقترب بجسده منها دون وعي، و هو يهمس بنبرة تلاعبت بها:
«ما السبب في ذلك؟»
ابتعدت بجسدها بالمقابل و هي تشعر بأنفاسه الساخنة تحرقها، و أجابته بتوتر:
«لا أبداً، بالتأكيد لن أضحك عليك»
يرفع حاجبيه لا يصدقها، يقول مستفهماً: «أريد معرفة السبب إذاً؟»
ازداد توترها و احتقان وجهها، قربه منها لا يساعدها أبداً على الثبات، إصراره على معرفة سبب ضحكها يجعلها تخاف من أن يغضب منها عندما تصرح عنه!
«هيا قُلي»
ارتفع صوته يحثها على القول.
تستجمع شجاعتها و تهتف مُفاجئة إياه: «عد إلى مقعدك أولاً»
ينتبه أنه مقترب منها.. بالكاد يجلس على مقعده..
«غريب، كيف حدث ذلك؟!»
تساءل بداخله قبل أن يتنحنح بحرج عائداً إلى مقعده، هاتفاً لنفسه:
«من الواضح أنني سأفقد عقلي قبل أن احصل على قلبها»
يعود لقيادة السيارة، ناسياً سؤاله لمروة.
إلا أن الأخيرة لم تنسى، و صرحت بتردد: «أنا.. كنت»
تأخذ نفساً قوياً ثم تلقي جملتها بسرعة: «كنت اضحك عليك»
ارتفع حاجبا عزام استنكاراً عندما وصلته كلماتها، ينظر إليها بحنق ثم يعود بتركيزه إلى الطريق أمامه.
«و تعترفين بهذه السهولة!»
تبتلع مروة ريقها بخجل مُقررة اتخاذ خطوة اتجاهه، فتعترف بخفوت: «كنت تبدو وسيماً و أنت عابس الملامح»
رمش بعينيه غير مصدق لما سمعه، متسائلاً إن كانت حقاً غازلته بخجل أو يُخيّل إليه!
قاوم نفسه حتى لا يتوقف بالسيارة و يعبر لها عما يجول بداخله، خاصة و غمازتها المُتحدية لرجولته مازالت تتلاعب بتعقله!
«هل عليّ أن افرح أم اغضب من هذا الإطراء؟»
ترفع كتفيها بعدم معرفة بوجه متورد.
يقول عزام بابتسامة مشاكسة مُستغلاً الفرصة للاقتراب منها أكثر: «سأختار الغضب كي أعاقبكِ و أدعوكِ لتناول الغذاء معي»
تحلق عالياً من السعادة، و تقول بمشاكسة مماثلة: «المهم أن تظل عزام ابن عمي الذي أعرفه، و لا تتحول لشخصية غريب الأطوار تلك»
يدرك إشارتها فيقهقه بمرح، ثم يقول بوعد: «لا تخافي، سأحبسه في أعمق أعماقي حتى لا يزعجكِ»
**********
استقبلت والدة لمياء ماهر في غرفة الضيوف، ثم سارعت لغرفة ابنتها لإخبارها بوجوده، على الرغم من حيرتها من قدومه في هذا الوقت!
«لمياء، زوجكِ ينتظركِ في الخارج»
قطبت لمياء حاجبيها بحيرة من مجيء زوجها في هذا الوقت، فهو لم يخبرها!
ارتدت إسدال الصلاة فوق منامتها، فلا وقت لديها لارتداء ملابس مناسبة أو التزيّن..
تناولت عكازها لتستند عليه و تخرج إلى ماهر.
وقفت على باب غرفة الضيوف رامقة إياه بارتياب، فلقد كان يبدو شارداً.. غريباً، الهالات السوداء تحيط بعينيه مشيرة إلى أنه لم يغفى الليلة الماضية!
اقتربت منه بتردد و الخوف يملأ قلبها!
«ماهر»
**********
عاتب نفسه للمرة المليون على مجيئه إلى هنا، و لكن كان عليه ذلك، فحديث أولاد عمه ظل يتردد في أذنيه طوال الليل سارقاً النوم من عينيه، فلم يجد بداً من المجيء إليها لتنمحي هذه الأفكار من عقله!
نهض فور أن وصلته نبرة صوتها الناعمة، يستقبلها بابتسامة مرهقة تؤكد إحساسها.. أن خلفه شيئاً كبيراً!
«حبيبتي»
اقتربت منه ببطء، حدقتاها مُثبتة على عينيه محاولة اختراقه و اكتشاف ما يحدث معه.
«خير، لِمَ أتيت الآن؟»
يستخدم أسلوبه المرح الذي يُجيده، يقول بمشاكسة: «أممنوع عليّ زيارتكِ لولو؟
آه، لقد جرحتِ قلبي الصغير»
تبتسم إثر مزحته، تجلس على المقعد المجاور له، و تهتف: «تعلم أنني لا اقصد ذلك، و لكنني تفاجئت بزيارتك فأنت لم تخبرني»
يبرر ببساطة لا توضح الحرب التي تدور بداخله: «و هذا ما كنت أريده، مفاجئتكِ»
ترفع حاجبيها بعدم اقتناع، تقول بشجاعة: «سأتظاهر بأنني اقتنعت..
مفاجأة سعيدة»
تأتي رؤيتها بمفعولها السحري، يبدأ في التحرر من الأفكار التي كانت ستثير جنونه، فيُقرب أصابعه من حجابها، يقول بتذمر:
«بربكِ أخبريني، هل هناك زوجة تقابل زوجها بالحجاب؟!»
تضحك على ملامحه المستنكرة بينما تحرك وجهها بعد أن أزال الحجاب عن رأسها، و تقول:
«إن كان زوجها تعمّد القدوم في وقت مبكر و دون أن يخبرها فنعم»
يتلاعب بخصلات شعرها، و هو يقول: «لكن زوجها غير راضٍ عن هذا، و يأمرها بالنهوض و تبديل ملابسها الآن لأنه سيخرج معها»
تميل برأسها بعدم فهم، يُضيف ماهر بسرعة و ملامحه تتشكل لتُثير عطفها: «ارغب في قضاء اليوم معكِ حبيبتي»
يرتفعا حاجباها بحيرة، تسأله: «و ماذا عن عملك؟»
يرفع كتفيه بعدم اهتمام، و يقول بلا مبالاة: «سآخذ اليوم اجازة»
و عندما رأى بوادر الاعتراض تلوح على ملامحها، تابع برجاء: «أرجوكِ لولو، أنا حقاً بحاجة لقضاء اليوم معكِ بالخارج»
تتنهد باستسلام و تنهض لتبديل ملابسها على الرغم من رفضها لذلك، فهي لم تنسى حتى الآن حديث الناس عنها بالمشفى، و الذي شيّد بينها و بين العالم الخارجي حاجزاً تدرك أنها لن تتخطاه حتى بعد تركيب الساق الصناعية!
في حين أصدر ماهر تنهيدة ارتياح، و كأنه بخروجها معه يثبت لنفسه و لأولاد عمه أن علاقتهما طبيعية، و أنها لا تقيّده بوضعها!
**********
لمحها من بعيد تتحدث على الهاتف بعصبية مُلفتة أنظار العساكر و بعض الضباط إليها..
يرتفعا حاجباه بحيرة من وجودها دون أن يعلم، و من عصبيتها الغريبة!
و مع ذلك ارتسمت الابتسامة على محياه فرحاً برؤيتها.. معترفاً أنه كان مشتاقاً لها.. جداً..
يسلح نفسه بالصبر بقوله: «يومان و يعود عبد الرحمن من السفر، و حينها ستكون لي»
يتجه إليها و دقات قلبه تتسارع بلهفة، لتتوقف فجأة و هو يسمع كلماتها:
«أمي، إنهم قادمون لخطبتي مساءً، أي أنه لازال لدي الكثير من الوقت للتجهز كما يجب، فاتركيني بالله عليكِ لانجز عملي»
ثم أغلقت الخط متأففة بصوت عالي، قائلة لنفسها: «تباً، كل هذا لمجرد خطبة..
ماذا ستفعل بي عندما يحين الزواج إذاً!»
تُسحب روحه من جسده، يشحب وجهه بصدمة.
**********
كانت شريفة (والدة سليم) تهز ساقها، تطرق على سطح المكتب بأصابعها الطويلة بعصبية بينما تستمع إلى خطة ابنها..
تهتف بعدم رضى فور أن أنهى سليم حديثه: «لا تحاول إقناعي سليم، هناك أكثر من طريقة لجعل عملنا في أمان غير ارتباطك بهذه الصحفية، أنت هكذا تلقي نفسك في النار بنيّ»
رمق سليم والده برجاء طالباً منه مساعدته لإقناع والدته العنيدة..
يقول جمال مؤيداً خطة ابنه:
«لا افهم عما تعترضين شريفة!
اقتراب سليم من هذه الصحفية سيمنعها من التواجد في أي عمل لنا و نشر ما نفعله، كما أنها مقربة من رائد في المكافحة، أي أن عيوننا هناك ستزيد»
تصيح شريفة بحنق: «ما يقلقني هو تقربها من هذا الرائد يا جمال»
ينظر إليها الرجلان بحيرة، يسألها جمال: «ماذا تقصدين؟»
تزفر شريفة أنفاسها بعصبية، تقول بتوتر: «لا اعلم، و لكن قلبي غير مطمئن لما ينوي سليم فعله..
على مدار سنوات و نحن نتاجر في المخدرات و لم يكتشفنا أحد، و إن استمرينا في أخذ احتياطاتنا لن يكشفنا أحد..
كما أن عيوننا في الداخلية تكفي و تزيد، و لطالما أنقذتنا..
أي أن ارتباط سليم بها لن يساعدنا كثيراً»
يهز سليم رأسه معترضاً على حديث والدته، يقول بتوضيح: «عيوننا في الداخلية كانت تفيدنا في الماضي أمي، قبل أن يكون ملفنا مع شريف الشرقاوي، إنه يعمل في سرية، و المقربين منه فقط مَن يعلموا ما سيفعله»
«و بالتأكيد هو ليس غبياً ليخبر صحفية لا يعرفها بخططه»
صاحت شريفة باقتناع.
تلمع عينا سليم بالخبث، يقول بخفوت: «و ربما يخبرها، مَن يعلم؟
فبالتأكيد لا يذهب رائد إلى صحفية في عملها و يحاول التقرب منها إلا إذا كان لديه هدفاً..
و أي كان هدفه فاقترابه سيفيدنا»
تستند شريفة بوجهها على كفها زافرة أنفاسها بحيرة، و تقول: «أنا خائفة عليك سليم، أي خطأ من الممكن أن يكشفك و سيورطنا جميعاً»
يقول سليم بابتسامة واثقة، المكر يتجلى في حدقتيه: «لا تخافي عليّ أمي، أنا أدرك جيداً ما افعله و اعرف ما أريده»
توقفوا عن الحديث عندما استمعوا إلى رنين جرس الباب، الحذر ظهر على وجوههم..
تنفرج ملامحهم عندما وصلهم صوت حورية، خطوات اقترابها منهم تصلهم بوضوح.
«اجتماع مغلق هذا أم ماذا؟»
سألتهم حورية بمشاكسة.
يقول جمال بابتسامة واسعة: «يا أهلاً بدلوعتي و حبيبة قلبي، تعالي إلى هنا»
اقتربت حورية من والدها و قبلته برقة، ثم جلست على طرف سطح مكتبه، تسألهم بنصف عين:
«هيا اعترفوا، فيم كنتم تتحدثون؟»
يقول سليم بلا مبالاة: «في العمل، هل تريدين مشاركتنا؟»
تقفز حورية من على المكتب برشاقة، تقول بشقاوة: «اعتقد أن الجلوس في غرفتي و الاستماع إلى بعض الموسيقى سيكون أفضل»
يرفع سليم حاجبيه بخبث، يقول بتلميح: «ستستمعي إلى الموسيقى أم ستتحدثي في الهاتف؟»
تتورد وجنتا حورية بخجل مدركة مقصده، تقول بتلعثم: «ساستمع إلى الموسيقى بالتأكيد، ماذا تظن؟»
ثم تسارع بالهرب من أمامه، و نبرة سليم العالية تصلها: «حسناً سنرى إن كنتِ ستفعلين ذلك أم لا..
و لا تنسي أننا سنذهب بعد المغرب إلى عائلة براءة»
ترمق شريفة ابنها بضيق..
يقول الأخير بتصميم: «ثقي في أمي، هذا الزواج يجب أن يتم»
تهز رأسها باستسلام.
**********
هز رأسه بعنف محاولاً السيطرة على أعصابه، يؤكد لنفسه أن ماسمعه من محضّ خيالاته و أنه لا يمت للواقع بصلة!
فهي عدة أيام التي لم يراها فيها، و بالتأكيد لن تتم خطبتها خلال هذه الفترة القليلة.
استجمع قواه للحديث معها، في نفس اللحظة التي التفتت فيها براءة إليه بعد أن أنهت تذمرها من حصار والدتها لها.
رمقته بحيرة، مظهره يبدو غريباً.. مختلفاً عن الصلابة التي تميّزه و القوة التي تنبعث من كل ذرة من خلاياه، كان يبدو.. لا تعلم كيف تعبر عن أفكارها، المهم أنه كان غريباً!
«تبدين غاضبة»
سألها بشبه ابتسامة تخفي ورائها الكثير..
تنطلق براءة في الحديث و التذمر بأريحية، لأول مرة تستخدمها معه!
«تصور أن أمي تعاتبني لأنني أمارس عملي، و كل هذا من أجل ماذا؟
سليم قادم لطلب يدي مساء اليوم و عليّ أن أتجهز، و كأنني ساحتاج لثلاثة أيام لارتداء فستان و وضع بعض الزينة السخيفة على وجهي»
توقفت نبضاته تماماً عندما أكدت له ما سمعته، بل أرفقته باسم ذلك الرجل الذي انتصر عليه و سرق قلبه منه..
سليم الغالي..
ذلك الذي رآه معها في الجريدة و شعر نحوه بالخطر، لكنه لم يتوقع أن يأتي الخطر بهذه السرعة و يتحرك سليم قبله نحوها!
ركز نظراته عليها، عيناها، ملامح وجهها، يحاول التوغل داخلها و معرفة رأيها، لربما ترفضه و تكون له فرصة معها!
«لترفض يا إلهي، أرجوك»
توسل بداخله بينما براءة تنظر له باندهاش.
«شريف، أنت بخير؟»
يتجاهل سؤالها، يقول بنبرة خافتة: «تبدين سعيدة»
تقتله بتورد وجهها و إبعاد عيناها الخجلة عن نظراته..
ينقذه من رؤيتها بهذا المنظر الذي يُسبب له الألم صوت صديقه من بعيد:
«شريف هيا، الاجتماع سيبدأ»
ينصرف من أمامها دون أن يوجه لها حرف..
تنظر له بارتياب، ترفع أكتافها بلا مبالاة و قد أيقنت أن شريف غير متفرغ لإعطائها معلومات الآن..
بالأخير انتصرت والدتها، و ستعود للمنزل للتجهز كما تريد الأخيرة!
**********
«غبي..غبي، كيف ظننت أنها من الممكن أن ترفضه؟»
تراءى أمامه سليم الغالي، ابتسامته الواثقة و نظراته المتلاعبة التي كان يوجهها إلى براءة ذلك اليوم في الجريدة..
يغمض عينيه بقوة رفضاً لما رآه منذ دقائق، استرخائها.. سعادتها.. تذمرها الطفولي، كلها إشارات لموافقتها و رضاها عن الموضوع، و لكن قلبه غبي لا يرى سوى ما يتمنى حدوثه!
«شريف»
انتبه من وسط شروده في قاتلة قلبه على نداء رئيسه له، رفع له نظراته.. الضائعة!
خرج صوته خافتاً يحمل نبرة غريبة: «نعم سيدي؟»
يأتي صوت رئيسه حاملاً نبرة صارمة: «ما رأيك؟
موافق على ما قيل أم لا؟»
اهتزت حدقتاه دلالة على توتره، فهو لا يعلم فيما كانوا يتناقشون من الأساس!
لقد سيطرت براءة على تفكيره و أنسته عمله!
و لكنه لن يصمت هكذا، عليه الإجابة على سؤال سيده..
«نعم سيدي موافق»
نطقها بجدية لا تنم عن عدم معرفته بالأمر.
لتسود حالة من الهرج بين زملائه و تتعالى الهمسات وسط دهشته!
يُنهي رئيسه ذلك بنبرة صارمة: «انتهى الاجتماع، الكل يعود إلى عمله فوراً»
ينهض الجميع منفذين أمره، و أخرهم شريف الذي لا يدرك ما يحدث حوله!
«انتظر شريف، أريد الحديث معك»
توقف في مكانه منتظراً أمر سيده له..
يتجه الأخير إلى مكتبه، يجلس عليه بأريحية، يرمق الرائد بدقة مستكشفاً دواخله.
ثم يهتف بهدوء: «أرى أن أمور القلب تداخلت معك مع أمور العقل يا سيادة الرائد، و هذا ليس جيداً في عملنا»
ينتفض شريف بصدمة، هل هو واضح أمام رئيسه إلى هذه الدرجة؟
أطرق برأسه بحرج لا يجد ما يرد به عليه، ليُردف رئيسه: «أنت هنا لا تعمل لنفسك، تعمل لوطنك، حماية أفراده مسئوليتك، لذا أي خطأ غير مسموح به مهما كان صغيراً..
و ما رأيته اليوم أن أخطاءك لن تكون صغيرة أبداً يا سيادة الرائد»
يهتف شريف بتبرير دون أن ينظر إلى عين رئيسه: «سيدي.. أنا»
يقاطعه الأخير بصرامة: «لا تتحدث بحرف يا شريف، أنا أدرك ما أقوله جيداً و متأكد من صحته»
يمسح على شعره ذو الخصلات الفضية، و هو يتابع: «هذا الشعر الأبيض لم يأتي من فراغ، لقد رأيت الكثير في حياتي لذا استطيع فهم ما يدور بداخلك من نظرة»
يزفر شريف أنفاسه بقلة حيلة، يظل صامتاً.. مستمعاً إلى توبيخ رئيسه.
يقول الأخير بأمر: «سأسحب ملف القضية الذي بحوزتك و سأعطيه لآخر»
ينتفض شريف في وقفته باعتراض صامت، فهذه القضية من أهم القضايا لإثبات كفائته..
إلا أن رئيسه لم يبالي بالاعتراض الذي تجلى في نظراته، و أضاف:
«و من اليوم أنت في اجازة مفتوحة، غير مرحب بقطعها إلا عندما تعود إلى شريف الذي اعرفه، الذي يضع قلبه على كفه فداءً للوطن..
انتهى يا سيادة الرائد»
يستقيم شريف في وقفته مؤدياً التحية العسكرية، ثم يخرج من المكتب بأسى اكتنف ملامحه.
**********
ترجلا من السيارة أمام أحد المطاعم التي تطل على النيل، و قد اختار هذا المطعم تحديداً لمعرفته كم تحب حبيبته هذه الأجواء..
سارا سوياً.. ببطء إثر وضعها، نظرات الناس مسلطة عليهما أثارت ضيق لمياء و جعلتها تتمنى عدم الخروج!
«لا حول و لا قوة إلا بالله..
الحمد لله على النعمة..
اللهم عافنا»
وصلتهما الهمسات بوضوح خلال دخولهما، ليسيطر الغضب على ماهر، تنطلق الشرارات من عينيه.
تجاهد لمياء للسيطرة على ما يجول بداخله بهمستها الرقيقة:
«لنجلس هناك»
أشارت برأسها إلى إحدى الطاولات الواقعة في زاوية المطعم، بحيث تكون بعيدة عن الأنظار و لا ينتبه أحد لعلتها.
يهتف ماهر مستنكراً: «تريدين الجلوس هناك؟
و لكنكِ هكذا لن تتمتعي بمشاهدة المنظر الذي تحبين»
ترمقه بحزن، تخبره بنظراتها أنها لن تستطيع الجلوس أمام الناس بوضعها هذا و رؤية نظراتهم المشفقة و سماع همساتهم عليها..
يفهم ماهر نظراتها، يتأفف بضيق و يأخذها إلى الطاولة التي أشارت إليها..
جلسا عليها بصمت، لمياء تخفي حزنها و تلوم نفسها على الخروج من المنزل، و ماهر يشعر بالضيق من النظرات الموجهة نحوهما و كأنهما شاذين أو بهما ما يثير الريبة، و لا يعلم كيف يتخلصّ منها!
يزول الصمت باقتراب النادل منهما و الذي وضع أمامهما قائمة الطعام ليطلبا ما يحلو لهما..
رفع ماهر نظراته إلى زوجته، و سألها: «ماذا ستطلبي؟»
تنظر إلى قائمة الطعام بدون نفس، تقول بلا مبالاة: «أي شيء لا يفرق، اطلب أنت لي»
يتأفف ماهر مدركاً السبب وراء حزنها، يلتفت إلى النادل و يُمليه ما يريده.
تناولا الطعام في صمت، لم تكن لمياء قادرة على الحديث، و لم يجد ماهر ما يقوله!
و بعد أن أنهيا طعامهما نهضا ليغادرا وسط نظرات الناس المعلقة عليهما..
يتأفف ماهر للمرة الثالثة و هو يجد نفسه تحت الأنظار!
كانت السيارة على الجانب الآخر من الطريق، اضطرا إلى عبور الطريق المزدحم..
سارت لمياء ببطء إثر حالتها، فاضطر ماهر إلى مواكبة سيرها، لتتعالى أصوات أصحاب السيارات المتذمرين.. المعترضين، و آخرون مشفقون يطلبون من الجميع الصبر و تقدير حالة الفتاة..
تهبط دموع لمياء و الألم يغزو قلبها، بينما ماهر يستمع إلى الأصوات الحائرة من حوله:
«لِمَ يخرجها شقيقها من المنزل إن كانت حالتها هكذا؟
الأفضل لمَن مثلها الجلوس في المنزل فوجودها خارجه يُعيق حياتنا!"»
وصلا إلى السيارة أخيراً ليصعدا، و كلمات الناس تتردد في أذنيهما..
يقول ماهر بدون نفس: «إلى أين تريدين الذهاب الآن؟»
تجيبه لمياء بخفوت: «أعدني إلى المنزل من فضلك»
يستجيب لها دون أي اعتراض، و لأول مرة لا يداوي جرحها و لا يهتم بدموعها!
**********
في منزل جلال الدين
«تعالي و اجلسي بجانبي يا عروس»
هتفت حورية بفرحة صادقة، في حين تورد وجه براءة بخجل و هي تقترب لتجلس بجانبها و عيون سليم معلقة عليها.
لكنه سرعان ما أبعدها عنها عندما سمع جلال الدين يقول: «بالتأكيد لن أجد لابنتي شاباً أفضل من سليم ليحميها و يحافظ عليها، و لكنني سأطلب بعض الوقت لتفكر براءة جيداً، ففي النهاية هذه حياتها و أنا لا أبالي سوى بسعادتها»
تعود نظرات سليم و تتركز على براءة، يقول بابتسامة متلاعبة: «معك حق عمي، لنمنح براءة كل الوقت الذي تريده للتفكير، و أنا منتظر موافقتها من الآن»
يضحك الجميع على آخر كلماته، تقول كاميليا (والدة براءة) بمشاكسة: «من الواضح أن الموافقة أمر مفروغ منه بالنسبة إليك»
يهتف سليم بلباقة و ابتسامته الجذابة تزيّن وجهه سارقة إعجاب براءة و والدتها:
«إن كنتِ لا تمانعي سيدتي»
تبتسم له كاميليا مفكرة أنها بالتأكيد لا تمانع، فشاب مثله وسيم.. ذكي.. ناجح في عمله، ستكون مطمئنة على صغيرتها معه..
و يوافقها جلال الدين بأفكاره و هو يرمق سليم الجالس أمامه بثقة بترحيب، فبعد المقابلة التي جمعته مع الشاب استطاع معرفة كم هو مميّز و لديه طموح عالية، كم أن مشاعره نحو ابنته و رغبته بها واضحة، أي أنها بالتأكيد ستكون سعيدة معه..
أمر واحد فقط يتبقى، سؤاله عن الشاب، و لقد قام بالفعل بسؤال بعد معارفه عنه و عن عائلته، و ما وصله حتى الآن مبشّر للغاية!
انتهت زيارة عائلة الغالي لعائلة جلال الدين، مع وعد من المستشار بالرد على سليم و تبليغه برأي ابنته في أقرب وقت..
تسرع بعدها براءة إلى غرفتها و كاميليا تلحقها!
**********
جلست السيدة أمام ابنتها ترمقها بابتسامة واسعة، لتتلاعب براءة بأصابعها بخجل، تقول بهمس يُخالف عادتها الصاخبة:
«ماذا تريدين أمي؟»
تتعالى ضحكات كاميليا مثيرة دهشة ابنتها، ثم تهتف بمشاكسة: «و أخيراً جاء اليوم الذي أراكِ فيه هادئة و صوتكِ منخفض!
أين كنت من قبل يا سليم؟»
تزمّ براءة شفتيها بطفولية، و تقول معاتبة والدتها: «ماذا تقصدين أمي؟
أنني مزعجة؟»
تهز كاميليا رأسها كاذبة، تقول باستنكار: «بالتأكيد لا حبيبتي، أنتِ نسمة لا يشعر أحد بكِ..
المهم الآن أخبريني، ما رأيكِ في سليم؟»
تلتفت براءة بوجهها إلى الجهة الأخرى، تقول مشاكسة والدتها: «لن أخبركِ، حتى تعرفين كيف تستهزأين بي!»
ترفع كاميليا حاجبيها باستنكار، تقول: «هيا يا فتاة، لا وقت للمزاح الآن»
تواجهها براءة بنصف عين: «و كأنني أنا مَن بدأت المزاح!»
ترمقها كاميليا مخبرة إياها بنظراتها أن الجو الذي خلقته كان مطلوباً لإزاحة خجلها..
«ماذا تنوين الفعل مع سليم؟
هل ستوافقين؟»
تطرق براءة برأسها مفكرة، فهي حتى الآن لا تعلم إن كانت ستوافق أم لا، تشعر بالحيرة و لا تعرف ما عليها فعله للقضاء عليها!
تدرك كاميليا ما يدور في نفس بنتها، فتقول متفهمّة: «ما رأيكِ أن نؤجل الحديث في الأمر حتى تؤدي صلاة الاستخارة؟»
ترفع براءة نظراتها اللامعة إلى والدتها، تشكرها بداخلها لأنها أرشدتها إلى الحل الذي سيقضي على حيرتها..
تضمها كاميليا إلى أحضانها، تهتف بسعادة: «صغيرتي كبرت و أصبحت عروس، حتى الآن لا أصدق»
تبتسم براءة بخجل و تضم نفسها إلى والدتها أكثر.
**********
في غرفة شريف
ستُخطب لغيره.. ستكون لغيره..
غضب كبير سيطر عليه؛ غضب منبعه الغيرة جعله لا يرى أمامه..
طاقة كبيرة بداخله يريد تفريغها، يريد إزالة الألم الذي بداخله بأي طريقة، فلم يجد أمامه سوى تكسير كل ما في غرفته، ألقى كل الكتب التي على مكتبه، و لم يكتفي بذلك، بل أخذ يركل المكتب بكل قوته حتى انقلب، و هكذا، أخذ يركل كل ما أمامه و يلقي و يكسر كل ما تقع عليه نظراته..
يسقط على السرير بتعب، صدره يعلو و يهبط بقوة، صورتها تتراءى أمامه بالسعادة التي كانت تلتمع في مقلتيها..
يغمض عينيه بألم و يبدأ في رثاء حاله..
دقائق مرت و أحداث هذا اليوم تمر في عقله، بدء من تأكده أن حبيبته ستكون لغيره، حتى...!
عادت كلمات رئيسه تتردد في عقله:
«ساسحب ملف القضية الذي بحوزتك و سأعطيه لآخر»
ضرب السرير بيده بقوة و الجملة تتردد في أذنه مرة و أخرى، شغفه لعمله يظهر وسط حزنه على فراق حبيبته، و كأن عقله يجد له مخرجاً من الحزن المسيطر عليه.. ليتناساه!
يتحدث العقل مسيطراً عليه:
«ستترك القضية، القضية التي كانت ستثبت مدى كفائتك، و بسببها أيضاً!
أنسيت أن نفس القضية كانت ستُسحب منك من قبل، عندما نجحت هي في الوصول إلى مكان التسليم و وثقت العملية بالصور في حين ذهبت أنت لمكان آخر بعيد كل البعد عن الهدف المطلوب!
ها هي تنتصر عليك مرة أخرى، و إن كانت هذه المرة بطريقة غير مباشرة!»
يقفز من على السرير و الإصرار يلتمع في حدقتيه، فهو لن يخسر عمله مهما كلفه الأمر، عمله شغفه الأوحد، انتقامه لوالديه اللذان قُتلا على أيدي أوغاد لا يعرفوا الرحمة..
سيعود إلى عمله من الغد و يطلب من رئيسه عدم سحب الملف منه، سيعمل و يعمل دون انقطاع و سينسى براءة و كأنه لم يراها يوماً!
يرقص العقل سعيداً بانتصاره و سيطرته على القلب الحزين، و يبدأ في إقناعه:
«في كل الأحوال أنت لم تحبها، ربما أعجبت بشقاوتها.. طفوليتها.. قوتها.. شجاعتها، و لكنك لم تحبها!»
و يردد هذه الجملة مرات و مرات حتى يقتنع شريف بها!

فعلاً اللي انت حاسه ده مش حب خااااالص
ربنا يصبرني على الغباء بس 🙄🙄🙄
تتوقعوا براءة بعد ما وقعت في فخ سليم هيحصلها أيه؟
ويا ترى هتكتشف حقيقته ولا؟
توقعاتكم للي جاي
ومتنسوش تحطوا فوت وكومنت

روحكِ تناديني (كاملة)Where stories live. Discover now