الفصل العشرون

8.5K 350 14
                                    

حطوا فوت وبلاش كسسسل

انتهى شريف من سرد حقيقة سليم و عائلته و دور براءة في الإيقاع بهم على والدها، ليشحب وجه الأخير بصدمة غير قادر على الحديث..
يا الله، ابنته في خطر، صغيرته المرحة المشاكسة ينوون قتلها، أي مجرمون هم؟
رفق شريف بحال الرجل الذي دخل بحالة من الذهول، و مع ذلك لم يندم على إخباره بحقيقة الأمر، فبراءة مهما أدّعت أنها فتاة قوية لا تخشى أحد إلا أنها فتاة في غاية الهشاشة و الضعف، لن تستطيع مواجهة الأمر بمفردها دون وجود شخص بجانبها يدعمها و يبث القوة داخلها.
عاد ليطمئن جلال بكلمات صادقة نابعة من القلب:
«لا تقلق سيدي، ابنتك في حمايتي، سأحافظ عليها بحياتي و لن يصيبها مكروه بمشيئة الله، ثق بي»
لا يعلم لِمَ كلمات الرائد جلبت الراحة إلى قلبه، لم يكن وعد منطوق فحسب، بل وعد أظهرته كل خلاياه، جسده الصلب، عيناه الصارمتان، شفتاه المزمومتان بتأكيد، كان وعد فعل لا قول، فشريف لن يتردد أبداً في إبعاد الأذى عن براءة حتى لو على حساب حياته!
«بصراحة لم يكن عليّ إخبارك بذلك، لكن كونك رجل قانون فهذا سهّل عليّ الكثير، فأنا لم أكن أريد أن تكون براءة وسط هذا الخطر دون علمك»
أومأ جلال، يعاتب نفسه على كونه المسئول الأول عن إقحام ابنته في هذا الخطر، فلولا موافقته على خطبة سليم لها لم يكن ليحدث كل هذا!
لكن من أين كان سيعرف أن سليم ليس سوى مجرد شيطان يهوى دمار ما حوله؟
و كأن شريف يقرأ ما يدور في خلده، حيثُ قال بتفهم:
«لا تلوم حالك سيدي، سليم ليس إنساناً عادياً، إنه شيطان يخدعك بمظهره الجذاب، رقته في التعامل، فيصبح من المستحيل أن تكتشف حقيقته..
ثم من الجيد أنك وافقت على ارتباطه ببراءة، فنحن لا نعلم ما كان ينوي فعله إن كنت رفضته!
يزداد خوف جلال على ابنته، آلاف من الخيالات تدور في خاطره.
«أعدك أنني سأحميها»
أومأ جلال مرة أخرى و الحيرة لازالت تتملكه من ثقته في هذا الضابط و الاطمئنان الذي يملأ قلبه بكلماته!
توقع استئذان شريف للمغادرة، و لكن الأخير خالف توقعه و هو يتململ في جلسته، كأن هناك أمر آخر يريد الحديث فيه لكن لا يعرف من أين يبدأ!
«خير يا سيادة الرائد، ارى أن هناك مزيداً من المصائب لديك!»
يضحك شريف بتوتر أثار دهشة جلال، حيث أنه يخالف الصلابة التي كان عليها!
ينصت إلى نبرته المرتبكة: «لا اظن أنها مصيبة، أو ربما هي كذلك مَن يعلم!»
ينعقد حاجبا جلال بريبة و فضوله يزداد ليعرف ما يقصده شريف!
**********
ودعت شريف بعد أن أكد عليها ضرورة الالتزام بكل ما اتفقا عليه في اليوم الماضي، و حذرها من مخالفة أي من تعليماته مهما كان السبب..
و كان على رأس تعليماته ألا تخرج مع سليم اليوم!
ألقت نظرة على والدها، هدوءه يثير دهشتها..
تُرى بم أخبره شريف؟
لا يمكن أن يكون أخبره عن حقيقة سليم، فحينها والدها لن يصمت و سيقلب الدنيا عليه هو و عائلته، فهي أدرك الناس بخوفه الشديد عليها و حمايته لها، خاصة أنها وحيدته..
إذاً فيم كانا يتحدثان كل ذلك الوقت؟
خرجت من أفكارها و والدها يجلس بجانبها، يسحبها إلى أحضانه دون أن ينبث بحرف، لتطلق سؤالها الذي يثير حيرتها:
«ماذا كان يريد شريف؟»
يتلاعب جلال بخصلات شعرها، يدعو الله أن يحفظها له و تمر الأيام القادمة على خير، ثم يهتف متجاهلاً سؤال:
«أتعلمين كم أحبكِ؟»
و دون أن ينتظر ردها، أردف و يده تمسح على شعرها بحنان: «أنتِ هدية الله لي، أغلى ما املك في هذه الدنيا، و مَن يفكر مجرد تفكير في أذيتكِ لن أتهاون عن موته»
تأكدت براءة حينها أن شريف اخبر والدها بكل شيئ، لكن الغريب بالنسبة لها أن والدها لم يعترض!
«أبي أنا»
تنتقل أصابع والدها إلى شفتيها تمنعها عن الحديث، و يتابع:
«لا تقولي شيئاً براءة، لقد عرفت كل شئ، و على الرغم من صعوبة الأمر إلا أنني عليّ القبول»
و بنبرة عملية صارمة اكتسبها من عمله في القانون قال: «لن ينجح غيركِ في القضاء على هؤلاء المجرمين، أنا واثق من ذلك حبيبتي، كما أنني واثق أنكِ ستكوني بخير»
تنفرج ملامحها بارتياح، مع أن السؤال لايزال يدور بداخلها..
كيف سيطر شريف على خوف والدها الشديد عليها؟
**********
فتح جلال الدين الباب لسليم بملامح لا تحمل أي تعبير، حاول التعامل معه بكل طبيعية حتى لا يشك سليم في شيئ!
تململ سليم في جلسته، تتحرك عيناه يميناً و يساراً بحثاً عمَن تؤرق مضجعه..
يفهم جلال الدين و ينهض قائلاً: «ساستدعي لك براءة»
ثم رسم الأسى على ملامحه، و قال بحزن مدروس تمهيداً للقادم: «المسكينة داهمها صداع قاتل لم يجعلها تغفى طوال الليل، ناهيك عن الدوار»
و غادر من أمام سليم، و الأخير عابس الملامح يفكر فيما حدث لها!
«أهلاً سليم»
ظهرت أمامه متحدثة بضعف أجادته..
ينهض سليم بلهفة أصبحت تعلم أنها مصطنعة، و قال بنبرة تقطّر كذباً و إن كانت لا تُظهِر ذلك!
«ألف سلامة عليكِ حبيبتي..
ماذا أصابكِ؟»
تتخذ مقعداً منفرداً مجلساً لها حتى لا يشاركها فيه، تستند على ظهره برأسها، تسدل أهدابها، ثم تقول بوهن و أصابعها تمسد جانبي رأسها مؤكدة كلماتها!
«لا اعلم، صداع شديد يسيطر عليّ من أمس، رأسي ستنفجر»
احتفظت ملامحه بلهفتها بجانب مدى خوفه عليها، و قال مستغلاً الفرصة:
«و لِمَ تجلسين حتى الآن؟
لنذهب إلى الطبيب»
تجعدت ملامحها بتذمر حقيقي، تقول برفض قاطع: «لا مستحيل إلا هذا، لا أحبهم»
يرتفع حاجبا سليم بتعجب، يقول بأمر صارم رغبةً في التخلصّ منها في أقرب وقت:
«بالله عليكِ براءة، هل أنتِ طفلة؟
علينا الذهاب لمعرفة سبب هذا الصداع»
كان جلال الدين يراقب ما يحدث من بعيد، يسب سليم بأبشع الألفاظ عندما احتد في الحديث مع ابنته، يهمس بعصبية:
«الحقير يضغط عليها ليتخلصّ منها، لكن مهلاً دورك قادم..
يُمهِل و لا يُهمِل!»
و عندما اشتد ضغط سليم على ابنته و حصاره لها، قرر التدخل.
ضحك باصطناع بينما ينضم إليهم، يقول: «طبيب..
لو استطعت أخذها يا سليم لقدّمت لك ما تريده»
«و آه لو تعلم ما أريده يا سيادة المستشار!
لن يعجبك بكل تأكيد!»
هتف سليم بداخله ساخراً، بينما تعالت صيحة براءة المتذمرة:
«أبي»
يفتح جلال ذراعيه داعياً ابنته للاستقرار بأحضانه، و الضحكة المفتعلة مازالت مرتسمة على وجهه، مع أن الخوف يأكل قلبه!
تلبي براءة الدعوة على الفور و تسكن في حضن والدها متنعمّة بالأمان الذي يبثه لها، بداخلها تشكر شريف و قد علمت لما أفصح لوالدها عن الموضوع!
«لا تخافي يا طفلتي لن تذهبي إلى هناك»
انعقد حاجباها و هي بداخل أحضان والدها و شريف يعود ليسيطر على عقلها المضطرب، فتتذكّر استفزازه لها بكلمة (صغيرتي)، لتتذمر مرة أخرى بطريقة مضحكة:
«أنا لست طفلة أبي»
يتجاهل سليم الحلقة الدرامية التي تحدث أمامه و يصّر على أخذها معه، فتأخير قتلها أكثر سيؤدي به إلى التهلكة لا محالة!
يهتف جلال الدين بحزم: «انتهينا سليم، إن استمرت على تعبها لليل سآخذها بنفسي إلى المشفى، لا تقلق عليها»
يجز سليم على أسنانه بحنق مفكراً في رد فعل (الباشا) عندما يعلم أن ساعات براءة في الدنيا ستزيد!
صوت إغلاق الباب لفت انتباههم، تنتقل نظراتهم إلى كاميليا التي عادت من زيارة جارتها -و التي كانت قد ذهبت عندما استقبل زوجها شريف-
ظهرت على وجهها ابتسامة واسعة و هي تجد سليم جالساً مع زوجها و ابنتها، لتتساءل بداخلها بمشاعر مراهقة كثيراً ما تداهمها!
«ما بال الوسيمون يأتون إلى منزلها اليوم؟»
تقترب من سليم مرحبة به و الإعجاب يلوح في عينيها.
يستقبل ترحيبها مقتضباً بوجه ممتعض أثار حيرتها، تلتفت إلى زوجها و ابنتها بفضول ازداد و هي ترى جمود ملامحهما و الغموض الذي يكلل نظراتهما!
«خير إن شاء الله..
أهناك مشكلة؟»
يهتف سليم بحنق لم تفهمه، لكن أدرك الاثنين الآخرين السبب وراءه!
«كل خير سيدتي، أنا فقط قلِق على براءة و هي لا توافق على مرافقتي لها إلى المشفى»
قلِق على براءة!
لِمَ، ماذا بها ابنتها؟
أي مشفى يريد سليم أخذها إليها و هي لا تحمل أي مرض!
توقع جلال الدين ما ستقوله زوجته، و كيف أنه سيثير ريبة سليم و ربما يفضح كل شيئ فهتف مسرعاً قبل أن تتفوه بحرف:
«كامي، أريدكِ في أمر هام حالاً»
لتزداد حيرة كاميليا و هي لا تفهم ما يدور حولها، فيتوقف جلال الدين بعد أن كاد أن يسحبها إلى الداخل، تتجه عيناه بخوف تلقائي إلى ابنته غير راغب بتركها بمفردها مع سليم، رغم يقينه الشديد أن الأخير لن يأذيها في بيته!
«براءة حبيبتي، اذهبي إلى غرفتكِ و ارتاحي»
و كلماته كانت طرد فعلي لسليم، و إن كانت بطريقة غير مباشرة!
لكنه لم يهتم، لم يبالي سوى بحماية ابنته!
و وسط عجب كاميليا نهضت براءة مستجيبة و كأنها كانت تتوق للتخلصّ من هذه المقابلة، لتزجرها كاميليا بعينيها ملاحظة وجه سليم الذي ساده السواد بطريقة تثير الرعب، فوجدت نفسها تبرر بارتباك مؤكدة حديث زوجها و ابنتها دون أن تعلم!
«اعذرنا بنيّ و لكنها حينما تتعب لا تفارق السرير»
أومأ سليم برأسه و ملامحه مازالت محتفظة بوحشيتها، يميل برأسه قائلاً إلى براءة بابتسامة ساخرة:
«حسناً حبيبتي أتمنى أن تكوني بخير..
سأهاتفكِ ليلاً للاطمئنان عليكِ..
المعذرة سيدتي»
ثم غادر دون أن يوجه لجلال أي كلمة، عقله يدور في آلاف الجهات، يتساءل عمّا حدث و سر معاملتهم الغريبة له!
تضيء شاشة هاتفه موجهه أفكاره إلى منطقة أكثر خطراً.. على حياته!
صعد إلى سيارته ليلقي بهاتفه على المقعد المجاور له بضيق، فبالتأكيد لن يرد على الباشا و يتلقى وصلة من التهزيء لا شك أنها ستنتهي بتهديد حياته، لذا من الأفضل الاختفاء و عدم الظهور إلا عندما تنتقل براءة إلى العالم الآخر!
**********
نصيحة شريف بالتكتم على الموضوع و عدم إخبار أي أحد به مهما كان ترن في أذنيه..
يزداد تصميماً -بعيداً عن رغبة شريف- بإخفاء الأمر عن زوجته، فبالإضافة إلى شدة تعلقها الشديد بابنتها و خوفها عليها الذي من الممكن أن يؤدي إلى تهورها، فهي أحياناً تكون ساذجة بدرجة كبيرة تقحمها في المخاطر.. كابنتها تماماً!
لذا عندما استمع إلى تذمرها من معاملته لسليم و أبدت تساؤلها عن سر تعامله معه التزم بالصمت!
«جلال أنا أتحدث معك»
هتفت بنبرة حادة نادراً ما تستخدمها معه.
يتجاهل ما تفوهت به، يتجه إلى غرفة مكتبه و هو يقول:
«لديّ عملاً هام عليّ إنجازه»
تنكمش ملامح كاميليا بحنق نابع من جهلها لما يحدث حولها، تتحرك نحو غرفة ابنتها أملاً أن ترضي الأخيرة فضولها!
حاولت فتح باب غرفتها إلا أنها لم تنجح في ذلك، فتعالت نبرتها بنفاذ صبر:
«براءة افتحي الباب»
يجيبها الصمت، لم تصلها أي حركة توضح استجابة ابنتها إليها..
تعالت نبرتها مرة أخرى و طرقاتها تزداد على الباب، لكن نفس النتيجة وصلتها!
قالت بحنق بالغ رافقه تورد وجهها:
«اعلم أنكِ مستيقظة يا براءة..
كما تشاءا، افعلي ما يحلو لكِ أنتِ و والدكِ، لكن ثقا أنني في النهاية ساعلم ما تخفياه عنّي و لن أسامحكما»
**********
أغلق شريف الخط متأففاً، لقد أبلغه جلال الدين بلقاءه مع سليم و ما نتج عنه..
لقد أخطأ.. أخطأ خطأً جسيماً بمعاملته الباردة معه و التي بالتأكيد ستثير ريبة الأخير..
ربما لم يكن عليه إفصاح الأمر له!
نفضّ راسه طارداً هذه الفكرة عن عقله، لقد كان يجب أن يعلم.
لأنه والدها أولاً..
و مَن سيحميها في عدم وجوده ثانياً..
و رئيسه وافق على ذلك، أي أنه لم يخطئ..
لقد سيطرت مشاعر جلال الدين عليه فقط، و يأمل أن يسيطر عليها في الأيام القادمة كما يتوجب على رجل القانون!
ضاقت عيناه بإحباط و صوت جلال الدين يتردد في عقله مجيباً على تساؤله الصامت عندما كان يحادثه:
«لم أخبرها بالأمر الثاني بعد يا شريف، لم يكن هناك وقت..
لكنني بالتأكيد سأتحدث معها فيه في أقرب وقت، و ستعرف رأيها»
ينقبض قلبه خوفاً من رأيها الذي من الممكن أن يعيده إلى انهياره السابق!
لكن لا لن يسمح بذلك، و لن تضيع براءة منه، هي حبه الوحيد و سيحصل عليه!
**********
في مكان هادئ بعيداً عن صخب المدينة الذي يزعجهما، يتقابلان وجهاً لوجه..
يستند كمال على مقدمة سيارته، تقف حورية قريبة منه، تستند على فخديه بكفيها الناعمين..
أغمضت عينيها و أصابع يده تتحرك على وجنتها برقة مسببة اختناق أنفاسها داخل رئتيها، لتطلقها ببطء مثير لحواسه و أنامله تصل إلى عنقها فتتوقف على آخره دون الكفّ عن العبث!
أمالت وجهها محاولة إيقافه عمّا يفعله بها و يثيره بداخلها من مشاعر، فلم تشعر به و هو يجذبها إليه لتقف بين ساقيه، تقترب شفتاه من أذنها.. تكاد تلمسه، هامساً:
«حوريتي»
همهمت بخفوت دون أن تفتح عينيها..
ترتسم ابتسامته الجذابة المثقلة بمشاعره اتجاهها على وجهه، يهمس بنبرة يعلم تأثيرها عليها:
«ما رأيكِ أن نحدد موعد زفافنا؟
لقد طال أمر الخطبة حتى بات مملاً»
فتحت عينيها و تأثير المفاجأة يظهر في مقلتيها الشفافتين، فيقول كمال بتوسل لا يخلو من الوقاحة:
«لا استطيع التحمل أكثر حوريتي، أريدكِ بين ذراعاي، في أحضاني، أتمتع بدفء جسدكِ و...»
تسارع بمقاطعته و وجهها يتورد خجلاً: «توقف كمال، ما هذا الذي تقوله؟»
تتحرك يده من على عنقها و تهبط حتى آخر ظهرها، ينعقد ذراعاه ضاماً إياها أكثر إلى أحضانه، لتستشعر حرارة جسده، يقول بنبرة لا تقل حرارةً:
«ألا تشعري بي، برغبتي التي تؤرقني و تحرمني من النوم؟!
يكفي حوريتي..
أريد أن اغفى بين أحضانكِ، استيقظ ليكون وجهكِ أول ما أراه، أريد أن أعييييييش»
و مد حروف كلمته الأخيرة و كأنه لا يحيا بدونها..
كأنها الراحة التي ينشدها بعد إرهاق يوم طويل..
الطاقة التي تمده للاستمرار..
المياه التي تمنحه الحياة!
ترمش حورية بعينيها و جسدها يستجيب له دون أن تجد القدرة للسيطرة عليه، خجلها يمنح بشرتها احمراراً زاد من حرارتها.
حاولت فتح فمها و الحديث و لكنها لم تستطع، فلم تجد غير التنفسّ بقوة لتهدأ قلبها النابض بعنف.
ثم هتفت بتلعثم: «لازال الوقت مبكراً كمال، نحن لم نُخطب سوى لشهرين»
يقاطعها بعتاب عاشق: «بل واحد و سبعون يوماً يا جبارة، و هذا يكفي و يزيد..
ارحمي قلبي المتيّم بحبكِ يا نبضي»
تغمض عينيها باستسلام بعد أن سيطر على كل خلية في جسدها و أفقدها كل مقاومتها.. الواهية!
«كما تريد حبيبي، لنحدد الموعد»
يعبر لها عن سعادته بموافقتها بقبلة عميقة بثها خلالها حبه الكبير و فرحته، فأحاطت بعنقه مقربة إياه منها أكثر، متمنية ركض الأيام بسرعة حتى لا تفارق أحضانه.
**********
لطالما أثبتت أن الأصدقاء لا يجتمعوا للمذاكرة أبداً مهما ادّعوا ذلك!
و الدليل أنها منذ أن وصلت إلى منزلها بصحبة صديقاتها لمذاكرة ما شرحه لهنّ هيثم، لم يفتحنّ الكتاب سوى لربع ساعة أو أقل!
و بعدها ألقت جنان تعليق مازح، فردت عليها إحداهنّ بأخر متذمر، لتشاركهنّ الأخرى بمرح، يتنقلنّ بين المواضيع بيسر غريب و لا يشعرنّ بمضيّ الوقت!
«أوووه يا إلهي إنها الثامنة، أمي ستقتلني»
جمعت نيّرة أغراضها بسرعة و هي تهتف بتلك الكلمات.
تتذمر جنان بطفولية و لم تكتفي من الجلسة بعد: «لا زال الوقت مبكراً نانا، ليس من بُعد منزلكِ عنّي..
اجلسي معنا قليلاً»
تنهض نيّرة بعد أن جمعت أغراضها، وتقول بأسف: «لا استطيع، من المفترض أن نزور خالتي اليوم و لقد حذرتني أمي من التأخير»
ثم تقبّل الفتاتين قبل أن تغادر مُسرعة.
تلتفت جنان إلى صديقتها الأخرى (سالي) و تسألها:
«إذاً، ماذا سنفعل الآن؟»
تجمع سالي أغراضها هي الأخرى، و تقول بابتسامة مرحة: «ستعتكف كل واحدة منّا على المذاكرة في غرفة منزلها، لأننا إن استمرينا على هذا الحال لن ننهي صفحة حتى، و ستضيع المادة و قبلها مجهود الشاب الذي ساعدنا على الرغم من ظروفه الصعبة»
تتذمر جنان بطفولية: «لا ظلي، و نحن معاً سنذاكر أفضل»
تتعالى ضحكات سالي، و تهتف باستنكار: «من كل عقلكِ!
هل تعتقدين أنني إن تابعت السهرة معكِ سنذاكر؟
بالله عليكِ لقد قضينا ثلاث ساعات و لم نقرأ حرفاً، أفضل حل أن أغادر»
و بالفعل غادرت وسط اعتراضات جنان، لتعود الأخيرة إلى كتبها ناظرة إليهم بمقت، فهم مَن يفسدون عليها أوقاتها السعيدة!
تأففت بقوة ثم فتحت أولى الصفحات و بدأت المذاكرة..
دقائق قليلة مرت قبل أن تتأفف مرة أخرى و ما تقرأه لا يستوعبه عقلها، أغمضت عينيها محاولة التركيز و تذكّر ما قاله هيثم عن هذا الجزء، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل!
حسمت قرارها و التقطت هاتفها لتبعث له برسالة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي!
لم تبذل كثيراً من الجهد للوصول إلى صفحته الشخصية، فهو دائم النشر على جروب دفعتهم..
«مرحباً هيثم، أنا جنان، كنت ضمن الطلبة الذين شرحت لهم اليوم..
هل لي بسؤال من فضلك؟»
أرسلت الرسالة و انتظرت الرد، ليطول الانتظار و هيثم لم يرى رسالتها حتى!
رفعت أكتافها بلا مبالاة، و قالت مستغلة الفرصة:
«يشهد الله أنني كنت سأذاكر و لكن الظروف مَن وقفت ضدي..
و أنا فتاة لطيفة وديعة لا أقوى على مواجهتها، لا استطيع متابعة المذاكرة دون فهم هذا الجزء»
تخرج من غرفتها ناوية على مشاكسة شقيقها أو والديها!
وجدت ما أرادت -كما تعتقد- فزامن خروجها خروج مروان من غرفته..
تفحصته بتركيز، يبدو به شيء مختلف، بالتأكيد لا يكمن في مظهره و الذي من الواضح أنه حرص عليه أكثر من أي مرة مضت، بل يبدو في روحه!
روحه متألقة بشكل سطع في مقلتيه اللامعتين..
تُرى ماذا يحدث معه؟
«ما شاء الله ما شاء الله، ما كل هذه الوسامة؟
أخبرني أيها الوسيم إلى أين ستذهب؟
هل لديك موعد غرامي، أم ستخطب من ورائنا؟»
شحب وجه مروان بذهول سرعان ما سيطر عليه، مقسماً بداخله أن شقيقته لو كانت تقرأ أفكاره ما كانت لتبرع في توقعها بهذه الطريقة، لقد أصابت بنسبة مائة في المائة، و آه لو تعلم!
«ها ها ها ظريفة»
تعقد جنان حاجبيها و تقول بحزم مضحك: «من الأفضل أن أكون ظريفة، لأنه إذا كنت على صواب ستقتلك والدتي لا محالة»
تنقلب ملامحه و هي تذكّره بما سرق النوم من عينيه منذ أن علم بطلاق حبيبته، رد فعل والداه..
يعلم أنهما لن يوافقا، سيبديان اعتراضهما بكل قوتهما، و هذا ما يجعله يؤجل الحديث معهما في الموضوع..
فتارة ينتظر حتى يتحدث مع والد لمياء، فمن الممكن أن يرفض الأخير و يكون حديثه مع والديه بلا فائدة!
و عندما اطمئن قلبه من هذه الناحية، عانى التوتر طوال اليوم ترقباً لرد فعل لمياء عندما تراه -بعد دقائق-، و عليه أجّل الحديث مع والديه لحين عودته!
خائف هو من رفضهما، و لكنه لن يستسلم، سيحارب بكل قوته للحصول على حبه الذي كان يظنه مستحيلاً، و أولاً و أخيراً والداه لا يرغبا له سوى بالسعادة، لذا بالتأكيد سيقفان بجانبه في النهاية!
حركت جنان يدها أمام وجهه، قائلة بفضول: «هاي مروان أين ذهبت؟»
رمش بعينيه خارجاً من أفكاره التي تثير قلقه إلى توتره الذي يحتل قلبه و موعد لقاءه مع حبيبته لم يعد يتبقى عليه الكثير..
ألقى على شقيقته نظرة لا مبالية و غادر بصمت!
ترفع جنان حاجبيها بارتياب، و تهمس: «أقسم أن وراءه كارثة!»
تعود إلى غرفتها و هي تقول بحماس غريب: «ستنطلق الزوابع في بيتنا خلال أيام»
**********
أوقف سيارته أسفل منزلها الذى أتى إليه ثلاث مرات خلال يومين، و لكنه لأول مرة سيدخله!
أخذ نفساً عميقاً ضابطاً انفعالاته؛ متذكّراً اتفاق حامد معه:
«من المستحيل أن توافق لمياء عليك إن أخبرتها، حالتها ستعوق ذلك»
ظهر الإحباط حينها على وجهه، ليمحوه حامد بكلماته:
«أنت ابن صديق لي، ستأتي لزيارتي في المنزل من حين لآخر، و هكذا ستجلس مع لمياء و أنت و.. براعتك!»
ترتسم ابتسامة واسعة على وجه مروان، ابتسامة مليئة بالتصميم و الوعد، يقسم بداخله على الحصول على قلبها!
أغلق سيارته ثم ترجل منها مستعداً بكل قوته للبداية..
دعوة عشاء ظاهرية؛ خلفها هدف كبير عليه تحقيقه!
**********
ألقى حامد نظرة خاطفة على ابنته دون أن تلاحظ، و لأول مرة لا يتآكل الألم قلبه عليها، بالعكس كان متحمساً!
ينتظر التعويض الذي سيأتيها، السعادة التي سيحصل عليها قلبها الملكوم..
مروان سحره في دقائق، اكتسب ثقته من عدة كلمات و هو المشهور بعدم الثقة في الناس بسهولة!
جعله يؤمن أن الأيام الصعبة التي تعيشها ابنته ستنتهي، و ستحلّ محلها أيام وردية!
يعترف أنه بعد مغادرة الشاب ظن أنه أصابه الجنون، فليس من الطبيعي أن يمر الأمر بهذه السلاسة و الغرابة..
يعود و يذكّر نفسه أن الأمر ليس سهلاً أبداً، بل أمامه عائق كبير لن يتزحزح بسهولة.. ابنته!
و من طريقة تعامله معها سيستطيع كشف دواخله!
تململت لمياء في جلستها لافتة أنظاره، ليسألها و هو يراها تجذب عكازها:
«إلى أين لمياء؟»
تجيبه بضيق يسيطر على كل خلاياها: «للنوم أبي، اشعر بالنعاس»
يرفع حامد حاجبيه متسائلاً بداخله عن رد فعل مروان عندما يصل و يجدها نائمة..
يبتسم بتسلية و هو يتخيّل وجهه الوسيم مليء بالإحباط!
«ليس قبل تناول العشاء»
«لست جائعة...»
حاولت لمياء الاعتراض بضعف أصبح ملازماً لها، ليقاطعها حامد بتصميم:
«لن تنامي قبل تناول طعامكِ، انتهى»
دقت الساعة التاسعة؛ الموعد الذي اتفق عليه مع مروان، ليقول لأفراد أسرته المحيطين به ببرود:
«نسيت أن أخبركم أنني دعوت شخصاً للعشاء.. ابن صديق لي»
تتباين ردات الفعل على حديثه..
شهقت والدة لمياء بصدمة، و قالت:
«و تخبرنا الآن!
ليسامحك الله، لم استعد أو أجهز شيئاً»
في حين ارتفعا حاجبا لمياء بارتياب و تعريف والدها (ابن صديقي) يثير قلقها، معقول أنه يخطط لـ...؟
تهز رأسها بنفي ساخرة من الاتجاه الذي تسلكه أفكارها..
فمَن ذا الذي سيفكر في واحدة مثلها و يأتي ليراها؟!
و في نفس الوقت صدح رنين الباب معلناً وصول الضيف.
فتح هيثم له و خلفه حامد في استقباله، بينما لمياء انتبهت إلى الوضع فسارعت للهرب من نظرة شفقة سيلقيها عليها عندما يراها!
و لكنها لم تنجح في ذلك، و وصل مروان إلى مجلسها هي و والدتها قبل أن تختفي.
«السلام عليكم»
ما بال نبرته يحتلها القلق، أم هي مَن تظن ذلك؟
رفعت نظراتها إليه لتستكشف إن كانت صائبة أم لا، تتوسع عيناها بصدمة عندما التقت بنظراته الـ.. غريبة!
نظراته التي احتوتها من قبل دون أن تشعر..
التي لم تنجح في تفسير إن كانت مُشفقة.. حزينة.. أم.....؟
لم تنساها حتى اليوم، على الرغم من أنها أجبرت نفسها حينها على طردها من تفكيرها، فهي متزوجة و تفكيرها في رجل آخر يعد خيانة، إلا أن نظراته ظلت محفورة في مكان ما في عقلها، و كأن قلبها يدرك أنه سيكون هناك لقاء آخر مع صاحب النظرات الغريبة فأرسل الإشارات إلى عقلها ليحتفظ بها لسهولة التعرف عليه فيما بعد!
«أنت؟»
همست بصدمة ناسية عائلتها المحيطة بها، و حامد يراقب رد فعلها بتركيز.
حلق قلب مروان بسعادة، فلم يكن يتوقع أبداً أنها ستتذكّر لقاءه الوحيد بها و الذي لم يدم سوى لثواني لم يتحدث فيها معها..
و معنى أنها تتذكّر أنها.. تهتم!
تظاهر هو بالعكس، يقول بحيرة مصطنعة: «عفواً، هل تقابلنا من قبل؟»
ابتسامة واسعة ارتسمت على وجه حامد كادت أن تنقلب إلى ضحكة مجلجلة لولا سيطرته عليها، فمروان يتقن دوره ببراعة!
تتغضّن ملامح لمياء بتفكير، متأكدة أنه نفس الشخص الذي رأته من قبل في عيادة طبيبها، لكن من الواضح أنه نساها!
«مع أن نظراته يومها كانت تقول أنه سيظل يتذكّرني لوقت طويل!»
همست بداخلها بيأس لم تفهم سببه.
يسأل حامد بمكر خفي: «هل تعرفا بعضكما؟»
تسارع لمياء في التبرير قبل أن يحرجها مروان أكثر: «أظن أنني رأيته من قبل في عيادة طبيبي»
تقدّم مروان للجلوس بعد إشارة حامد، ليختار مقعداً مواجهاً لها، عيناه في عينيها يبثهما حنان خاص و عشق صادق، ثم قال و كأنه تذكّر للتو:
«أوه نعم أشرف، لقد تذكّرت»
للمرة الثانية يجاهد حامد لكتم ضحكته..
يرمقه هيثم بفضول، ابتسامته الواسعة تشير إلى خطط غير متوقعة!
أومأت لمياء برأسها مؤكدة على حديثه..
أدهشها تحرك مروان ببساطة وجلوسه أمامها دون الاهتمام بساقها المبتورة!
دون أن تلمح في عينيه نظرة شفقة!
تبادل حامد مع مروان بعض الأحاديث الودية..
انضم إليهم هيثم مبدياً إعجابه بمروان وأراءه، فيما انسحبت والدة لمياء لتحضير العشاء.
مستمعة لحديثه، عيناها مثبتة على ابتسامته الجذابة التي تخطف الأنظار، تململت لمياء في جلستها وحالة غريبة تسيطر عليها..
استغل مروان ذلك، وهو الذي لم يحبذ صمتها الذي يحول بينه وبين هدفه!
«واضح أن الآنسة لا ترحب بزيارتي!»
توقف هيثم ووالده عن الحديث ونظراتهما تتجه للتي رمشت بعينيها غير مستوعبة كلماته.
«أبداً بالعكس شرفتنا»
كلمات قليلة لا تكاد تُذكر إلا أنها جعلت السعادة تتسرب إلى أوردته وقلبه يدق بعنف..
صوتها وحده كان قادراً على فعل الأفاعيل به!
سأل نفسه عمّا سيحلّ به عندما تمنحه الأكثر؟
كابتسامة مثلاً..
همسة عاشقة..
أو.. حضن ينسى فيه نفسه ويستمتع بقربها..
عيناه كالمرآة تفضح ما يجول في خاطره..
تتعلق نظرات لمياء بها ويتملكها الخجل ورسائله الغرامية تصلها فتستحوذ على كيانها..
وحامد يتابع كل هذا والرضا يملأ قلبه، خاصة وهو يلمح استجابة لمياء لمروان..
من الواضح أن الشاب لم يسحره وحده!
«منذ أتيت و أنتِ صامتة، والآن تتململين في جلستكِ واعتقد أنكِ تقولين داخلكِ متى يغادر هذا الغليظ ويرحمنا»
ورافقت كلماته الأخيرة ضحكة زادت من وسامته و.. خجلها..
تهز رأسها بنفي، تقول بتبرير: «لا و الله، لكنني لا أجد ما أقوله»
وها هي فرصة أخرى تتاح له، وسيكون أحمقاً بامتياز إن لم يستغلها!
تحدث معها بنفس المرح: «أوووه، هل أنا ممل لهذه الدرجة؟
من الواضح أن عملي أثر على شخصيتي سلبياً»
ينعقد حاجباها رافضة لكلماته، تعود لتحريك رأسها بالنفي؛ لا تدرك الطريقة الصحيحة لإيصال قصدها..
تسأله بفضول متبادلة معه الحديث -كما أراد-:
«ماذا تعمل؟»
يعدّل مروان ياقة قميصه بغرور مصطنع، وهيثم يراقبه رافعاً حاجبيه.. مندهشاً من بساطة تعامله مع شقيقته، والأدهى صمت والده على ذلك، بل واستمتاعه!
«أنا رئيس مجلس إدارة شركة... للإستيراد والتصدير»
أمالت لمياء رأسها زامّة شفتيها بتفكير..
ينطق لسانها فيما تفكر فيه دون أن تدري:
«و لكنك صغيراً على منصب كهذا»
تشهق بعد استيعابها لما نطقت به..
تتعالى ضحكات مروان، ثم يهتف باستمتاع:
«ألا أعجبكِ؟!»
تهز رأسها بالنفي للمرة الثالثة، تقول بصدق:«لا والله لم اقصد، صدقني»
يمنحها نظرة متفهمة أربكتها وجعلتها تتساءل عمّا يحدث لها!
انضمت لهم والدة لمياء تدعوهم للعشاء، وصدح رنين الباب في نفس الوقت.. منهياً الحلم سريعاً!
**********
منعزلة في غرفتها، تفكر في حياتها التي انقلبت رأساً على عقب خلال أربع وعشرين ساعة فقط!
لطالما تمنت في صغرها أن تحيا إحدى المغامرات العجيبة التي كانت تراها في الأفلام وتقرأها في الروايات البوليسية التي تعشقها، لكنه كان مجرد حلم، لم تتوقع أبداً أن يتحول إلى واقع!
دخل جلال الدين ليراها على حالها.. شاردة.. هشة وقد سقط قناع القوة الذي تتظاهر به..
تغضّنت ملامحه بشفقة على قدرها الذي أوقعها وسط هذه اللعبة!
اقترب ليجلس بجانبها، ثم سألها منبهاً إياها إلى وجوده:
"خائفة؟"
انتفضت براءة شاهقة بخوف، مجيبة على سؤاله دون أن تعلم!
مسح على شعرها بحنو، هتف بدعم: «لا تقلقي حبيبتي، أنا معكِ.. سأظل بجانبكِ دائماً، وليس أنا بمفردي، بل شريف أيضاً أقسم على حمايتكِ بحياته»
شبه ابتسامة ارتسمت على شفتيها عند ذكر شريف، فاللجوء إليه أيضاً كان من الأشياء التي لم تتوقع حدوثها من قبل.
استغل جلال ذلك، وأفصح عن نصف الحوار الذي دار بينه وبين شريف، فبالتأكيد هذا سيشغل عقلها ويجعلها تكفّ عن التفكير في القادم والخوف.
«براءة، شريف عندما أتى لم يكشف لي حقيقة سليم فقط!»
استرعى انتباهها بكلماته، رمقته بتركيز منتظرة ما ستتفوه به شفتيه.
«لقد أفصح لي عن مشاعره اتجاهكِ، ووضح أنه سيأتي لطلب يدكِ فور أن تنتهي هذه المهمة»
ترمش بعينيها بعدم استيعاب، تسأل بذهول: «كيف؟»
**********
تتوالى الأيام دون أن تشعر، ربما من سعادتها البالغة أو لهفتها لليوم الذي تكون فيه ملكاً له!
وها هو حلمها يتحقق وستحصل على أمنية قلبها، ستكون له.. زوجته، لا يفرق بينهما سوى الموت.
وقفت أمام مرآتها.. صديقتها التي لطالما شاركتها معاناتها وألمها، لتشاركها اليوم سعادتها وفرحتها..
ابتسامتها المتألقة، عيناها اللامعتان بعشق، جسدها المشتعل بخجل وإثارة للقاءه وهي زوجته..
حركت رأسها يميناً وشمالاً مستمتعة بمداعبة شعرها لعنقها، شعرها الذي أصّر عليها أن يكون حراً.. طليقاً، ولم تعرف حتى الآن السبب وراء هذا الإصرار!
تأملت فستانها الطويل الذي يغطي كل جسدها، هديته التي فاجأها بها أمس وأصّر أيضاً ألا ترتدي سواه!
وبالطبع هذا لم يعجب صديقتها التي صرحت منذ قليل أنها تستسلم لأوامره وتجعله يستحوذ على كل ذرة في كيانها..
أو لم يفعل ذلك؟
ألم يمتلك قلبها وروحها وقريباً.. جسدها؟
لقد ملكها بالفعل، وهي سعيدة بهذا، بل لو تستطيع لحلقت فرحاً!
دخلت والدتها عليها، تطلق زغرودة عالية، ثم تتجه إليها تحتضنها بحنو، وتقول يعينين تدمعان من السعادة:
«مبارك يا حبيبتي، لو تعرفي كم أنا سعيدة اليوم»
ترتسم ابتسامة واسعة على شفتي مروة ووالدتها تطلق زغرودة أخرى، قبل أن تأخدها معها للخارج، حيثُ الحفل البسيط المقام لها.
جلست بجوار عزام متلقين التهاني من العائلة والأصدقاء المقربين، فهذا الشيء الوحيد الذي أصّرت عليه مروة ولم تسمح بتغييره، أن يكون الاحتفال في المنزل وسط المقربين فقط.
تجاهلت نظرات الاستنكار التي تعلو محيا البعض، وقد قررت ألا يعكر عليها أحد سعادتها!
وبجانبها كان عزام جالساً على نار، ينتظر اللحظة التي سينفرد فيها بها دون تطفل من أحد، فلقد أصبحت زوجته أخيراً ولن يلومه أحد على أفعاله!
طال الوقت، توالت التهاني عليهم حتى شعر بالملل..
أشار إلى أحمد بعينيه ليقترب منه، وعندما فعل الأخير همس له:
«يكفي هكذا، أريد أن اجلس معها بمفردنا»
يرفع أحمد حاجبيه بمشاكسة، يقول بابتسامة مستفزة: «ولِمَ بمفردكما؟»
يجز عزام على أسنانه بحنق، ومروة تتابعهما بعينيها بحيرة، لا تسمع ما يقولاه بسبب الموسيقى العالية.
«وما شأنك يا سخيف؟
تأكد فقط أن غرفة الضيوف خالية لنذهب إلى هناك»
يعقد أحمد ذراعيه على صدره، يقول بسماجة: «لا، ولا تعتقد أن عقد القران سيسمح لك بالانفراد بشقيقتي كما تشاء..
ستكون هناك مواعيد محددة لرؤيتها، ولن يحدث هذا إلا في وجودي»
قبض عزام على كفه مانعاً نفسه من لكم أحمد بقوة حتى يعتذر الأخير نادماً على كلماته، ليس لشيء سوى أنها ستكون فضيحة لو قام بذلك!
عوّض عن الفعل بالقول: «ذكّرني أن اضربك بعد أن ينتهي الحفل»
يقهقه أحمد باستمتاع يزيد برؤية نفاذ صبر عزام، ثم يقول مرقصّاً حاجبيه:
«حينها سأخفي شقيقتي ولن تستطيع الوصول إليها»
أغمض عزام عينيه يعد للعشرة للسيطرة على غضبه الذي يتنامى بسبب اللزج الذي أمامه، والذي لا يقدّر أن الليلة من أهم ليالي حياته.
ثم يتنهد براحة وصوت عمه القلِق يصدح متخللاً صوت الموسيقى العالي.
«أريد الجلوس مع مروة بمفردنا يا عمي من فضلك»
يقول والد مروة بلا تردد وعيناه تتألق سعادة: «بالطبع بنيّ، خذهما إلى غرفة الضيوف يا أحمد»
ينفذ أحمد أمر والده دون نقاش، وعزام يبتسم له بانتصار!
**********
جلس بجانبها لا يفصل بينهما شيء، ساقه ملتصقة بساقها، أصابع يده تتلاعب بكفها مزيدة من توترها وخجلها.
أطرقت برأسها أكثر غير قادرة على النظر في عينيه، والصمت المخيّم على الغرفة لا يساعدها.
«ستظلي ناظرة إلى الأرض طوال الوقت؟
على ما أظن أن هذه ليست أول مرة ترين فيها سجاد الغرفة، أم أنه اليوم فقط نال إعجابكِ؟»
ضحكة صغيرة صدرت منها كتعليقاً على كلماته، جعلته يظن أنها سترأف بحاله وتجعله يذوب في عينيها الغنيّة بالشوكولاتة..
لكن أمله خاب ولم ترفع عينيها له.
ومع ذلك لم يستسلم، فلقد كان يتوقع خجلها هذا، يعلم كيف يقضي عليه بل ويجعلها تتصرف بعفوية ودون تفكير!
أخرج الشوكولاتة التي أحضرها لها خصيصاً، لوّح بها أمام وجهها سالباً عقلها..
ترفع نظراتها إليه دون شعور، تلتقط الشوكولاتة منه بعفوية جعلته يبتسم برضى.
حدقت بانبهار في اللوح الذي بيدها..
فهم ما يدور في عقلها، ليقول: «إنها شوكولاتة مستوردة من سويسرا، لن تجديها هنا بسهولة»
تزيل غلافها بلهفة وابتسامتها من الأذن إلى الأذن، غمازتها الوحيدة التي يعشقها تظهر بوضوح لنظراته الجائعة!
وقبل أن تختفي مال ليحط عليها قبلة خفيفة لم تتجاوز الثانية، جعلت مروة تشهق بخجل وتبتعد بجسدها عنه.
"لطالما تمنيّت ذلك..
والآن وأنتِ زوجتي لم استطع المقاومة أكثر»
عادت لطرق رأسها، تتلاعب بلوح الشوكولاتة الذي بين يديها دون أن تأكله.
يلتقطه منها، يُجاهد لإزاحة الخجل عنها.
«الشوكولاتة يا.. شوكولاتة»
وضع إحدى القطع أمام فمها..
تمد يدها وتأخذها منه، وضعته داخل فمها، ثم سرعان ما أصدرت صوتاً متلذذاً يدل على نجاحه في سلبه لعقلها!
قطعة تلوها أخرى، تأخذها منه لتضعها في فمها مباشرة، ثم تغمض عينيها مستمتعة بطعمها، غير مدركة للذي يكاد يموت بجانبها مما تفعله به، ومع ذلك ظل يتسلح بالصبر!
وهكذا حتى لم يعد يتبقى من اللوح الكبير شيء..
زمّت شفتيها بحزن طفولي، تقول بخفوت:
«انتهت»
يسألها بهمس: «أعجبتكِ؟»
تجيبه والعبوس مرتسم على محياها..
عبوس نافس في جماله غمازتها التي تتلاعب به!
يزحف بجسده مقترباً منها.. ماحياً المسافة القصيرة التي وضعتها بينهما من قبل، وهو يسمعها تقول:
«جداً، من أجمل الأنواع التي تذوقتها في حياتي»
تحركت أصابعه على عقدة حاجبيها بخفة، فعاد خجلها ليسيطر عليها، ولكنه هذه المرة لم يبالي به، فلقد حان وقت تذوق شوكولاته الخاصة!
«و الآن؟»
همس بصوت أجش مشحون بالعاطفة يفضح مشاعره الجيّاشة.
حاولت الهرب منه، إلا أنه كان أسرع منها وأحاط خصرها بذراعيه، قائلاً برغبة:
«كما تذوقتي شوكولاتك يجب أن أتذوق شوكولاتي..
هذا هو العدل، أم أنكِ لستِ عادلة؟»
وحقق العدالة دون أن ينتظر ردها..
التقط شفتيها في قبلة عميقة.. شغوفة.. متطلبة، تذوق فيها شوكولاته، ليكتشف أنه فشل في تخيّل طعمها، أنها أجمل مما كان يتصور!
وذابت هي بين يديه، تتعلم أولى أبجديات الحب منه، تذوب في أحضانه كشوكولاتة حقيقية!
استمر الوضع لعدة دقائق دون أن يكتفي، ولكنه ابتعد مرغماً لحاجة كلاهما للهواء..
أسند جبينه على جبينها لاهثين.
يهمس من بين أنفاسه بشغف: «جميلة جداً.. جداً.. جداً»
أغمضت عينيها إثر العاطفة الجامحة التي أغرقها فيها، أعصابها متراخية لا تشعر بها، دقات قلبها تعتقد أن كل مَن بالخارج يسمعها!
كأن إعصار قوي هاجمها سالباً كل سيطرتها على نفسها!
أفعلت بها قبلته كل هذا؟!
ماذا سيحدث لها إذاً عندما...؟
ضغطت على عينيها أكثر بخجل ازداد وهي تشعر بشفتيه على موضع غمازتها.
«افتحي عينيكِ شوكولاتي»
لكن خجلها منعها من الاستجابة له..
أطلقت شفتيها تنهيدة طويلة مخرجة ما في صدرها، ولم تعلم أنها بذلك أعادت انتباهه إليها!
عادت شفتيه إلى الشوكولاتة الخاصة به راغباً في تذوق طعمها مرة أخرى..
لكن هذه المرة كان القدر رحيماً بها وأرسل لها مَن ينقذها من هجوم مشاعره الضاري!
طرقات عالية ذات نغمات عشوائية تطفلت على خلوتهما وجعلت عزام يتأفف بإحباط، وهذه المرة توعد الطارق بقسوة، والذي لم يكن سوى أحمد!

تحسوا ان عزام مرزق أووووي 😂😂
آخر فصل معانا النهاردة هيكون عالفجر
اوعوا تناموا 🙄🙄🙄

روحكِ تناديني (كاملة)Where stories live. Discover now