الفصل الخامس

8.7K 350 17
                                    

٥٠ فوت وكومنت، ينزل بكرة فصلين بدل فصل، غير كده ينزل فصل واحد

#روحكِ_تناديني

الفصل الخامس
في المشفى
في غرفة لمياء
زال مفعول المخدر من جسدها، فصدر منها أنين ضعيف، رأسها تتحرك لليمين و اليسار بوهن.
تجمع عائلتها حول سريرها فور سماعهم لصوتها، الارتباك و القلق يحتلا وجوههم.
«ماء.. ماء»
صدرت الكلمة من شفتيها الجافتين غير واضحة، إلا أن قلبي والديها التقطاها بسهولة.
أسرعت والدتها مستجيبة، ليحذرها هيثم و هو يخطف إناء الماء منها:
«انتظري أمي، علينا استشارة الطبيب أولاً»
يؤيده والده، و يسرع إلى خارج الغرفة:
«نعم صحيح»
ثواني مرت و حامد في الخارج، تأمل فيها هيثم و والدته هيئة لمياء المزرية..
وجهها شاحب، شفتاها المكتنزتان بيضاء مشقوقة، جسدها ملفوف برداء أزرق تابع للمشفى.
«أرأيت ما حدث لشقيقتك؟»
هتفت السيدة ببكاء.
يقول هيثم بحزن: «أرجوكِ أمي يكفي، إنها بحاجة أن نكون أقوياء كي تجتاز هذه الكارثة»
عاد والده إلى الغرفة مرة أخرى، يقول: «لا يجب أن تشرب، رطب شفتيها فقط»
نفذ هيثم ما قاله والده، لتأن لمياء باعتراض، فيقول هيثم بلطف:
«تحملي قليلاً حبيبتي، من أجلي»
تهمس لمياء بتعب: «آه هيثم ساقي تؤلمني..
آه لا، أنا لا اشعر بها، لا اشعر بساقي اليمنى..
ماذا يحدث؟»
سألت لمياء والديها بضياع، شعور غريب يسيطر عليها، حاولت تحريك ساقيها فشعرت باليمنى خفيفة للغاية..
كذّب عقلها إحساسها رافضاً تصديق ما يحدث..
لكن في غفوة منه، حاولت لمياء تحريك أصابع قدميها، إلا أنها لم تشعر باليمنى من الأساس!
ارتفع صوتها على الرغم من تعبها:
«أبي، أمي، أنا لا اشعر بساقي، أجيبوني بالله عليكم..
ماذا يحدث؟!»
ترافقت كلماتها مع تحريك ذراعها اتجاه قدمها اليمنى.
ليقف والداها أمامها بقلة حيلة..
والدتها تنوح بألم و رفض لما يحدث لصغيرتها..
والدها فقد كل الكلمات التي أعدها سابقاً لمساندة حبيبة قلبه..
وحده هيثم من ضغط على نفسه، بث القوة إلى قلبه، فلا وقت للضعف الآن!
«استدعي الطبيب بسرعة أبي»
ثم أسرع بالتقاط كف شقيقته، يمنعه من الوصول إلى هدفه، يقبّله بحنو، ثم يدنو منها هامساً بكذب:
«لا شئ حبيبتي، إنه فقط مفعول المخدر يجعلكِ تفقدين الاحساس بأطرافكِ»
إن كانت بكامل وعيها لكانت اكتشفت كذبه فوراً، فكيف لا تستطيع الشعور بأطرافها و هي بالفعل حركت ثلاثة منها!
لكن تعبها، بالإضافة إلى رغبتها في عدم تصديق ما يحاول عقلها إقناعها به جعلاها تومئ موافقة.
يدخل بعدها والدها و الطبيب، و بتفهم أعطاها الأخير مخدر آخر، لتذهب لمياء في نوم عميق لا تعلم ما ينتظرها عند الاستيقاظ منه!
**********
صباح اليوم التالي
بترقب يجلس في مكتبه، ينتظر تطفلها المعتاد على عمله و مهماته، فلقد بات يستمتع بذلك!
نظرة إلى الساعة التي تطوق معصمه جعلته يزفر أنفاسه بضجر، ثم تسلل الإدراك إلى عقله!
أيعقل أن تكون هنا في مكان ما، تتجول بين العساكر و المخبرين بحثاً عن الأسرار؟!
نعم، لقد فعلتها من قبل!
قفز من على مقعده، خرج من مكتبه، يمشّط الممر بعينيه بحثاً عنها، إلا أنه للأسف لم يجدها!
عاد إلى مكتبه بإحباط، يهبط على مقعده، ثم طرق على سطحه بقوة موبخاً نفسه:
«ما بك يا سيادة الرائد؟
لِمَ تبحث عنها و تنتظرها؟!
اهتم بعملك افضل لك»
خرجت من بين شفتيه هذه الكلمات، و كأنه يدرك للتو أنه ينتظر وجود براءة جلال الدين!
التقط الجريدة الملقاه بإهمال على جانب المكتب، ينظر إلى عناوينها بسرعة و لا مبالاة.. حتى!
وقعت عيناه على اسمها الذي يعلو الصفحة، تحركت حدقتاه على الكلمات التي كتبتها بشغف سرعان ما تحول إلى ذهول!
«يا إلهي، هذه الفتاة لا تخشى أحداً حقاً!»
قالها و هو يقرأ مقالها الذي تحدثت فيه عن انفجار أحد المجمعات التجارية الشهيرة، واصفة مَن قاموا بفعل هذا بأفظع الكلمات -التي يستحقونها- و مهاجمة الداخلية في فشلها على القبض عليهم حتى الآن و تلقينهم العقاب الذي يستحقونه!
تباً، الداخلية مرة أخرى!
ألا تستطيع تلك الفتاة نشر مقال دون ذكر اسمهم؟!
أتريد أن ترى ماذا تستطيع الداخلية أن تفعل بها؟!
و مع كل غضبه من مقالها و تهورها، إلا أن جزءً بداخله كان معجباً بشجاعتها.. جداً و أراد.. حمايتها!
و بالفعل خرج من مكتبه بسرعة متجهاً إلى مكتب رئيسه، ليأخذ أذنه فيما ينويه!
**********
جالسة في منتصف سريرها، تضم ركبتيها إلى صدرها، شعرها البني منسدل على ظهرها و يغطي معظم وجهها، عيناها قد أصبحت حمراوتين من السهر و التفكير!
أحداث الليلة الماضية تتراءى أمامها، عرض كمال للزواج.. بتهور!
نعم هذا الوصف الصحيح لعرضه، فلقد طلب الزواج منها دون تفكير نتج عنه الندم!
و الدليل على ذلك انقلاب ملامحه فور تفوهه لكلماته، بل هو لم يتابع عشاءه و طلب منها الرحيل إثر تذكّره عمل عاجل، و طوال طريق العودة و حتى وصلا إلى منزلها لم يتحدث معها بكلمة!
إن كان لا يرغب في الزواج منها لِمَ عرض عليها؟!
لِمَ منح قلبها سعادة سرعان ما تحولت إلى ألم؟
ملسّت على قلبها بضعف..
آه يا قلب كيف أحببته؟
كيف تعلقت به و أنت لم تراه سوى لمرات تعد على أصابع اليد الواحدة؟
كيف تغلغل إلى أعمق أعماقك دون أن تدري؟!
عيناه!
نعم عيناه هي السبب، بنظراتها الغامضة التي فحصتها أول مرة في الحفل الذي أقيم هنا في منزلها..
لتتحول بعدها إلى دافئة أحاطتها فاشعرتها بالأمان في المرتين اللاتين ذهبا فيهما إلى الأحياء العشوائية..
و أمس، أمس كانت غريبة، نظرة لم تستطع تفسيرها طوال سهرتهما و حتى بعد عرضه ذاك..
نعم، لقد تسلل إليها عبر نظراته بطريقة لم يدركها قلبها البرئ، و على هذا القلب أن يتحمل نتيجة خفقانه..
فبعد بحثه الطويل عن الحب، ندم على ذلك!
**********
منذ السادسة صباحاً و هو في مكتبه يعمل، يحاول إلهاء نفسه عن التفكير!
يا إلهي، كيف طلب منها الزواج بهذه الفظاظة؟!
كان عليه أن يكون أكثر رقياً، أكثر رومانسية!
حورية مثلها بالتأكيد محبطة جداً الآن من طريقته، تباً لو كان طلب وجبة طعام كان سيطلبها بطريقة أفضل من تلك التي عرض بها الزواج عليها!
و لكن هي المخطئة، فلقد أثارت غيرة لم يكن يعلم بوجودها اتجاهها عندما لم تجب عن سؤاله بشأن مشاعرها تجاه بشار!
فكر بجدية، عليه البحث عن طريقة مميزة، مرضية لفاتنة مثلها ليعوضها بها فور الحصول على موافقتها..
ألقى القلم من بين أصابعه بإهمال، ماذا إن رفضت؟
هز رأسه بعنف طارداً هذه الفكرة من عقله، لقد كان انجذابها له واضحاً، انجذاب أدركته كل خلايا جسده، لذا هي بالتأكيد ستوافق..
التقط هاتفه، و بلا تفكير ارسل لها رسالة قصيرة:
«ساترككِ ليومين حتى تفكري جيداً، و بعدها أتوق لسماع رد أحدد مع عائلتكِ على أساسه موعداً لزيارتهم»
و فور أن ارسل الرسالة سب نفسه على تسرعه، فهو لن يكون قادراً على الانتظار ليومين لمعرفة ردها!
حثه عقله على الصبر و إعطاءها مساحة للتفكير و عدم الضغط عليها، و بامتعاض استدعى شخصيته الهادئة لتسيطر عليه، مع أن قلبه كان يموت خوفاً من الرفض!
**********
رنين هاتفها بالنغمة المخصصة للرسائل لفت انتباهها، التقطته بكسل، لترى رسالة من كمال..
اعتدلت في جلستها و هي تنظر إلى اسمه بتركيز، نعم هذه هي حروف اسمه، و لكن لِمَ ارسل إليها؟!
هل سيعتذر عن عرض الزواج؟
بالتأكيد هذا ما تنص عليه رسالته، و على الرغم من استيعابها للأمر و تفكيرها فيه منذ ساعات الصباح الأولى، إلا أنها دعت من كل قلبها أن يكون ارسل أي شئ آخر سوى هذا، حتى لو تحدث عن عملهما الخيري متجاهلاً أمر الزواج من الأساس، سيكون أفضل من سحب عرضه!
فتحت الرسالة بتردد، لتمر على كلماتها بسرعة، تتوسع عيناها بدهشة و تعيد قرائتها مرة أخرى بهدوء..
«ساترككِ ليومين حتى تفكري جيداً، و بعدها أتوق لسماع رد أحدد مع عائلتكِ على أساسه موعداً لزيارتهم»
أعادت قراءة الرسالة للمرة الثالثة، نظراتها تقرأ كل حرف بتركيز شديد..
سيتركها لتفكر، و بعدها يرغب في تحديد موعد، هل ما فهمته صحيحاً؟!
أعادت قراءة الرسالة للمرة الرابعة، قلبها ينبض بعنف في صدرها، يرقص فرحاً لأن كل أفكارها كانت خاطئة..
بينما عقلها ينهره بقوة، يطلب منه الصبر حتى يتأكد تماماً، و إلا من الممكن أن يموت مصدوماً!
لذا اتصلت به بأصابع مرتعشة، لوضع النقاط على الحروف!
**********
دقائق بالكاد استطاع فيها إزالة الحورية من تفكيره و التركيز في عمله، ليأتي رنين الهاتف و يقطع تركيزه..
سحب الهاتف، ليفتح الخط دون أن ينظر إلى الاسم..
مرت دقيقة تقريباً و لم يصله أي صوت، فبادر بالقول:
«السلام عليكم»
و دقيقة أخرى مرت، قبل أن تصله نبرتها الهامسة: «و عليكم السلام»
صوتها جعل عينيه تتسعان بعدم تصديق، فأبعد الهاتف عن أذنه ليتأكد أنها هي المتصلة به!
«حورية»
وصلتها نبرته المتوترة، لترد بتوتر مماثل، بينما هي تفرك أصابع يدها الحرة ببعضها.
«وصلتني رسالتك»
يسارع بالقول: «حورية، اعلم أن طريقتي في عرض الأمر كانت غير لائقة أبداً، بل أنا متأكد أنها كانت محبطة جداً لكِ»
توسعت عيناها دهشة، هذا يعني أنه كان جدياً في عرضه!
ندمه كان على الطريقة التي طلبها بها، يا إلهي..
تقافزت نبضات قلبها فرحاً، بينما تسمعه يضيف:
«عندما تحدثتِ عن خطيبكِ السابق لقد.. لقد»
غار عليها، لقد شعر بالغيرة من بشار..
لم تعد قادرة على السيطرة على نبضات قلبها، بينما وجهها احتلته ابتسامة كبيرة واسعة توضح مدى سعادتها..
أما هو؛ فلم يستطع التعبير عن مشاعره، فقال واعداً إياها:
«أعدكِ بتعويض امممم.. سأحاول أن يكون رومانسياً بقدر ما استطيع..
فقط وافقي على الزواج منّي»
توقفت عن التنفسّ لدقيقة أو أكثر، فاغرة فمها ببلاهة، تلتمع عيناها بفرحة.
يأتيها صوته مخرجاً إياها من حالتها تلك:
«حورية، أنتِ معي؟»
أومأت دون رد و كأنه يراها!
يعتدل كمال في جلسته، هاتفاً: «حورية؟»
«نعم»
خرج صوتها منخفضاً.. متوتراً.
يقول كمال بتفهم: «اسمعي أنا لن اضغط عليكِ، ساترككِ يومين لتفكري كما اخبرتكِ في الرسالة..
و أرجو أن يأتيني الرد الذي يسعد قلبي في النهاية»
غبي.. غبي..
أمس أوصل إليها انطباع أنه نادم على عرضه، و جعلها تقضي ليلتها باكية..
و اليوم يخبرها أنه سيتركها يومين لتفكر!
ألا يعلم أنها تتمنى الصراخ الآن و إعلان موافقتها بكل سعادة و لكن خجلها ما يمنعها!
تسيطر على قلبها و تفكر بجدية، فترى أنه على حق، عليها التفكير بعقلانية، فهناك أسس أخرى إلى جانب الحب يُبنى عليها الزواج!
«حسناً»
تأوه بخفوت و أصابعه تفرك جبينه بقوة، لقد كان يتمنى سماع شيئ غير هذه الكلمة العقيمة، ربما إعلان موافقتها دون انتظار!
يعود و يعنف نفسه، يستدعي شخصيته الرزينة، فيقول بهدوء لا يمتلكه:
«حسناً سانتظر ردكِ، مع السلامة»
«مع السلامة»
همست بخفوت، لتقفز بعدها على السرير كطفلة صغيرة صائحة بسعادة!
**********
لفت انتباهه صياح غريب خارج من غرفة شقيقته، فتوقف عندها، يطرق بابها منتظراً إذنها له بالدخول..
إلا أنها لم تجِبه من الأساس، و لم يتوقف الصياح الخارج من غرفتها، مما اضطره للدخول، تتوسع عيناه بدهشة فور أن وقعت نظراته عليها!
«حورية ماذا تفعلين؟»
توقفت حورية عن القفز و قد توردت وجنتاها بخجل، تبعد عينيها عن نظرات شقيقها المذهولة بحرج، تجلس على السرير بهدوء يخالف دقات قلبها الصاخبة.
«لِمَ لم تطرق الباب قبل أن تدخل سليم؟»
ترتسم ابتسامة متسلية على ملامحه، يخطو اتجاهها ليجلس بجانبها، يقول بمرح:
«طرقت الباب أكثر من مرة، لكن من الواضح أنكِ لم تسمعي!»
أجابته بخجل و مازالت عيناها لا تتلاقى مع عينيه: «أوه نعم يبدو ذلك»
يميل سليم بوجهه مقترباً من وجهها، ينظر إليها بمشاكسة و الضحكة تحتل كامل ملامحه، و يقول:
«ريري، ماذا يحدث معكِ؟»
تحاول إبعاد وجهها عن وجهه بإخفاق، خجلها منه و من تصرفاتها الطفولية قبله يزداد.
«سليم ابتعد، ماذا تفعل؟»
يجيبها بمرح، عيناه تبحث عن عينيها لتكتشف أسرارهما: «أنا كسليم لا أفعل شيئاً..
و لكنكِ كحورية أشك أنكِ مثلي!»
ضحكت بتوتر على طريقة حديثه، و قالت مستغلة شقاوته: «كفّ عن التحدث كالأطفال و اخرج هيا»
يرفع حاجبيه باعتراض، و يقول مدعياً الصدمة: «اخرج!
لن أكون سليم ابن جمال إن فعلتها قبل أن تعترفي»
«اعترف بماذا؟!»
قالتها و هي تنهض، لتلتقط أغراضها الملقاة بعشوائية، تتظاهر بترتيبها.
يقول سليم و هو مازال في مكانه، و لكن نبرته الممازحة تحولت إلى الجدية:
«بما جعلكِ تتخلين عن هدوءكِ و تقفزين فرحة كالأطفال»
هل تصارحه الآن أم تنتظر حتى تحدد موقفها؟
مع أنها متأكدة أنها ستوافق في كل الأحوال، فقلبها هو مَن سيتخذ القرار!
«حورية صارحيني بما يحدث معكِ، أنتِ شقيقتي و أنا لا ارغب سوى في رؤيتكِ سعيدة»
حسمت قرارها، أخذت نفساً قوياً، و قالت بخجل: «هناك مَن تقدم لطلب يدي»
لا يعلم ماهية المشاعر التي سيطرت عليه فور أن نطقت كلماتها..
فرحة.. حزن.. ضيق، و أغلب مشاعره كانت غيرة!
مع أنها ليست المرة الأولى التي يطلب فيها رجل الزواج منها، و لكنها المرة الأولى التي يرى فيها سعادة شقيقته بهذا الأمر!
حاول التحكم في غيرته، بينما يقول: «و مَن ذا الذي دعت والدته له في ليلة القدر؟»
أمالت رأسها مفكرة، و هي تقول: «لا اعلم إن كنت تعرفه أم لا، هو يدعى كمال الهاشم»
كمال الهاشم..
لقد سمع عنه من قبل بالطبع، و لكن السمع وحده لا يكفي، فطالما هذا الرجل يريد أخذ جوهرته الغالية، فعليه التحري عن أدق تفاصيل حياته.
«و متى سيأتي ابن الهاشم ليطلبكِ رسمياً؟»
توردت وجنتاها أكثر، بينما تجيبه: «هو ينتظر ردي، و أخبرني أنه سيأتي مع عائلته إن اعلنت موافقتي»
رمقها سليم بنظرات ذات معنى، ثم قال بنبرة متسلية: «إذاً سيأتي قريباً جداً»
أعطته ظهرها، بينما تنهره برقة: «سليم كفّ عن هذا»
قفز من على السرير، ليضمها إلى أحضانه بحنو، ثم يطبع قبلة طويلة على جبينها، و يهمس بشجن يفضح مكنوناته:
«أنا سعيد من أجلكِ ريري»
ضمته بقوة مستشعرة حزنه.
يبتعد سليم عنها، و يقول بجدية.. رافعاً أحد حاجبيه: «لكن نبهيه أن الأمر لن يكون سهلاً، فجوهرة عائلة الغالي لا تُعطى لأي رجل»
تضحك بخفوت، و تقول بمرح خجول: «واضح أنك ستعذبه»
يضيّق سليم عينيه، يسألها بغيرة: «و هل ستوافقي أنتِ على هذا؟»
عضت شفتيها ممتنعة عن الرد، فنظر إلى ساعته الجلدية، ليقول راحماً إياها: «لقد تأخرت بسببكِ أيتها الحورية، سارحل الآن»
التفتت لتلقي نظرة سريعة على الساعة، قبل أن تسأله: «ستذهب إلى الشركة؟»
هز رأسه نافياً، و قال و هو يغادر الغرفة: «لا، ساذهب إلى المزرعة، لدي بعض الأعمال هناك»
تقفز بسرعة واقفة أمامه، تمنعه من الخروج، و تقول: «انتظر سآتي معك، لقد اشتقت لجو المزرعة كثيراً»
يوافق دون تفكير: «حسناً جميلتي، تجهزي و أنا انتظركِ في الأسفل»
**********
يسير مع صديقه بين أروقة المشفى، يلقي نظرة سريعة على الأقسام و الغرف، ليتعرف على المشفى التي سيبدأ في العمل فيها..
توقف فجأة و هو يراها أمامه، لا مستحيل ليست هي!
ماذا ستفعل ابنة عمه هنا؟!
«عزام، هل من مشكلة؟»
سأله صديقه متعجباً من وقوفه المفاجئ..
و عندما لم يتلقى منه رداً، التفت ليرى ما يشغل صديقه هكذا، ثم سأله مرة أخرى:
«هل تعرف هذه الفتاة؟»
يجيبه عزام بينما يركض في اتجاه مروة: «نعم، لحظة واحدة و سآتي»
وقف أمامها يتفحصها ملياً، القلق يراوده من أن تكون مريضة أو تشعر بالتعب، دموعها الممتلئة بها وجنتيها تبعث إلى قلبه أسوأ الظنون!
«مروة هل أنتِ بخير؟
ماذا بكِ؟
لِمَ أنتِ هنا؟»
**********
لم تتحمل مظهر صديقتها، شحوب وجهها، أصوات الأجهزة المتصلة بجسدها..
لم تتحمل رؤيتها في أكثر لحظات ضعفها فسارعت بالخروج من الغرفة..
وقفت أمامها، و هبطت دموعها بغزارة، و بين كل لحظة و أخرى تدعي أن يحفظها الله و يلهمها الصبر..
حتى جاء هو!
«لا يا إلهي، ليس مجدداً!»
رفعت رأسها ببطء، لتقع عيناها الباكيتان عليه، مَن يظهر في أشد لحظاتها حزناً!
مسحت دموعها بسرعة، ثم قالت و هي لا تنظر في عينيه: «أهلاً عزام»
أهلاً!
أهذه الكلمة رد على كل أسئلته؟!
ستطمئن قلبه؟!
«مروة، اخبريني ما بكِ»
أخذت نفساً عميقاً لتهدأ نفسها، تزيل يداها دموعها الهابطة دون إرادة منها، و هي تجيبه:
«أنا بخير»
كيف بخير و هي منهارة هكذا؟
كيف؟!
سب بداخله بانفعال، ثم تعالى صوته:
«بخير!
اخبريني بما يحدث معكِ، لا تخفين عني شيئاً بحق الله»
ألم تقل أنه يظهر في أشد لحظاتها حزناً فيجعلها تتناساه للحظات!
و ها هي الآن تقف أمامه بفاه مفتوح ذهولاً، ترى قلقه عليها الواضح في عينيه و نبرة صوته..
لكن هل هذا القلق نابع من مشاعر أبعد عن مشاعر رجل لابنة عمه؟
هزت رأسها بقوة طاردة هذه الفكرة من عقلها؛ حتى لا يتعلق قلبها بها!
«مروة»
صاح بنفاذ صبر عندما لم يتلقى أي إجابة منها.
تنتفض خارجة من أفكارها، تجيبه باختصار: «صديقتي هنا»
يسألها باستغراب: «و أنتِ منهارة من أجلها!
لِمَ؟
ماذا حدث معها؟»
عادت دموعها للهبوط، بينما تجيبه: «كانت في المجمع الذي انفجر»
تغضنت ملامحه بحزن، فهذا أسوأ ما يمكن سماعه.
«و ماذا حدث معها؟»
«أرأيتِ يا غبية؟
هو أيضاً حزين عليها، الأمر لا يتعلق بكِ فقط، قلبه الحنون يشفق على الجميع!»
نبهها عقلها إلى هذا، فألمها قلبها على حالها!
«بُتِرت ساقها»
تعالى صوتها الحزين، تتساءل إن كان هذا الحزن على لمياء فقط!
«لا حول و لا قوة إلا بالله»
تمتم عزام بشفقة.
ثم وجّه حديثه إليها: «و كيف حالها الآن؟»
حاولت التخلصّ من المشاعر الغريبة التي تسيطر عليها، ذكّرت نفسها بصديقتها التي تحتاجها حالياً، لتجيبه برسمية:
«لم تستيقظ حتى الآن»
أومأ بتفهم، ثم قال بنبرة عملية لا تخلو من الشفقة: «كوني بجانبها حينما تستيقظ، و حاولي تهوين الأمر عليها..
أها و أيضاً اخبريها بشأن الساق الصناعية و أنها ستجعلها تبدو طبيعية تماماً، بالتأكيد هذا سيساعدها نفسياً»
هزت مروة رأسها بموافقة، بينما تقول: «سافعل بالتأكيد»
استشعر قلبه عدم رغبتها في وجوده، فزفر أنفاسه بضيق، و قال:
«حسناً إن احتجتِ لأي شيئ اخبريني، فأنا بدأت في العمل هنا»
تهز رأسها مرة أخرى بلا مبالاة، فيزفر أنفاسه و يغادر ليرى صديقه و يبدأ متابعة عمله.
تشيّعه بنظراتها، ثم تدخل إلى غرفة صديقتها لتكون بجانبها.
**********
حركات مثيرة واضحة، كلمات بنبرة ناعمة تعد بالكثير مما تدركه رجولته، و مع ذلك كان مروان يرمقها بلا مبالاة أغاظتها و جعلتها تشك في قدراتها!
أغلق مروان الملف زافراً أنفاسه بنفاذ صبر..
رفع نظراته للجالسة أمامه بثقة، إحدى ساقيها فوق الأخرى؛ مما أدى إلى انحسار تنورتها القصيرة إلى ما فوق ركبتيها، بينما تعقد ذراعيها على صدرها...!
تأفف بداخله و هو يبعد نظراته عنها، يقول: «رائع، و لكنني كنت أفضّل مناقشة الأمر مع السيد طاهر»
مالت الفتاة على المكتب، تستند بذراعها على حافته، و ذقنها ترتكز على كفها..
أنفاسها الناعمة تجعله يشعر بالقلق!
«أبي ملازم الفراش منذ أسبوع و لا يستطيع الحركة، لذا توليت أنا جميع أعماله»
تنفسّ مروان بقوة محاولاً التغلب على الرسائل التي تبعثها إليه الفتاة بكل جرأة، ثم نهض لينهي هذه المقابلة الثقيلة على قلبه، قائلاً بنبرة رسمية:
«تمنياتي له بالشفاء العاجل، قريباً سيتواصل شخص من طرفي مع سيادتكِ للبدء في المشروع»
نهضت الفتاة بدورها، تعبس بملامحها بعد أن استمعت إلى كلماته، و تسأله بضيق: «ألن يكون التواصل مباشر بيننا؟»
هز رأسه بنفي و ابتسامة جانبية ترتسم على ملامحه، و قال:
«للأسف أنا مشغول بأمور أكثر أهمية في الفترة القادمة..
مع السلامة»
قال كلمته الأخيرة و وضع يده خلف ظهره في إشارة واضحة لعدم مصافحته لها..
تقبلت الفتاة الأمر على مضض، و غادرت مكتبه و هو يتابعها بهدوء..
ثم عاد للجلوس على مقعد مكتبه و هو يتنهد بقوة، ليهتف بعدها باشمئزاز: «فتيات آخر زمن!»
دقائق قضاها في العمل، قبل أن يلقي الملف بإهمال و تركيزه مشتتاً!
الأيام تمر و هو لا يستطيع تقبّل الفكرة، أن يتزوج من فتاة لا يحمل لها أية مشاعر، فتكون علاقتهما باردة خاوية..
صاح عقله معترضاً: «و هل كل مَن يتزوجون دون حب يعيشون هكذا يا مروان؟
ألم تسمع بالحب الذي يأتي بعد الزواج؟
الذي يكون أساسه المودة و الاحترام بين الزوجين»
«و لكن هذا احتمال ضعيف، كما أنه لا يريد حياة روتينية بعد الزواج!»
نبهه قلبه باقتناع.
ليزفر أنفاسه بضيق و الصراع بين قلبه و عقله لا ينتهي، فيسب تلك الفتاة التي لم تظهر أمامه و تخطف قلبه حتى الآن، يتساءل أين تختبئ!
**********
أخذت نفساً قوياً متنعمة بهذا الهواء النقي الذي يملأ رئتيها، المساحة الخضراء تحيط بها فتسترخي أعصابها..
استلقت على العشب شاكرة وجودها في هذا الجو لتستطيع التفكير و اتخاذ القرار..
و مر الوقت و هي تفكر، حتى عاد سليم إليها قائلاً:
«يبدو أنكِ مستمتعة»
أزالت نظارة الشمس من على عينيها، و أجابته: «فوق ما تتصور»
يستلقي بجانبها، و يقول بغيرة لا يستطيع السيطرة عليها: «أرجو ألا يكون هذا الجو في صالح كمال»
تضحك برقة، تلتفت مستلقية على بطنها، فيصبح وجهها مواجهاً لوجهه، و تقول:
«أعتقد أن كمال سيعاني كثيراً معك»
يعيد جملتها التي قالتها منذ دقائق: «فوق ما تتصوري»
أمالت رأسها متظاهرة بالتفكير، مضيّقة عينيها، ثم هتفت: «و ماذا يمكننا أن نفعل لنخلص المسكين من يديك؟»
يعبس سليم بملامحه بطفولية، و يردد: «مسكين!
بهذه السرعة أصبح هو المسكين و أنا الوحش القاسي!»
تتظاهر بالصدمة، و تقول و عيناها تتفحصّ ملامحه الوسيمة: «وحش و قاسي أيضاً!
هذا ظلم لوسامتك و جمال روحك حبيبي، على العكس أنت أفضل شقيق في الوجود»
ترتكز بذقنها على ذراعيها، و تقترح بحماس: «لكنني ارى أن نبدأ في البحث عن عروس لك، عروس صغيرة جميلة تشغلك عن كمال و الغيرة منه»
ينتفض قافزاً قائلاً بذعر: «عروس و زواج!
من كل عقلكِ تتحدثين؟!»
تتحرك جالسة، و تقول زامّة شفتيها: «و ما المشكلة في ذلك؟»
يقول بمرح: «المشكلة أنكِ بتِ تجلسين كثيراً مع والدتي في الفترة الأخيرة، فانتقل هوسها بزواجنا لكِ..
لذا ساضطر مرغماً التسريع من زواجكِ من كمال حتى اتخلصّ منكِ»
«تتخلص مني!
ليسامحك الله»
قالتها ثم نهضت مبتعدة.
تتعالى ضحكاته و ما يريده قد حدث، فلقد أُغلِق موضوع الزواج تماماً!
ركض خلفها و هو يقول: «سيسامحني الله لا تقلقي»
تلتفت إليه، و تقول رافعة حاجبيها: «عموماً ستأتي مَن تُسقطك في هواها، و أنت مَن لن تستطيع الخلاص»
وًترّقص حاجبيها بشقاوة.
يقول بعدم اقتناع: «سنرى!»
تحركت حورية خارجة من المزرعة، إلا أنها توقفت باستغراب عندما لم تشعر بسليم يتبعها، فالتفتت إليه قائلة:
«ماذا هناك؟»
وضع هاتفه في جيب سرواله، و هو يجيبها: «لا شيئ، رسالة خاصة بالعمل»
و تحرك معها مغادرين المزرعة.
صعدا إلى السيارة، و بدأ سليم في القيادة، و قال موضحاً: «هناك طريق مختصر ساسلكه»
تومئ حورية بلا مبالاة، تخرج هاتفها من الحقيبة لتعبث به..
قاد سليم لبعض الوقت، قبل أن يبدأ في تهدئة السرعة و هو يرى ما أمامه!
شعرت حورية أن سرعة السيارة تقل، فتركت هاتفها لتنظر إلى شقيقها مستفهمة، فيقول الأخير:
«انظري»
**********
في طريق عودتها، بعد أن وثقت بالصور كعادتها كمية كبيرة من الأسلحة تدخل إلى البلد، و ما أراحها هذه المرة أن رجال الشرطة كانوا موجودين و قبضوا على الجميع..
فكرت براءة بتسلية أنها ستمتدح جهودهم في مقالها في ظاهرة لا تحدث كثيراً!
صدرت حركة غريبة من السيارة، فزمّت شفتيها بضيق داعية الله ألا يكون ما في بالها صحيحاً!
ألقت نظرة على عداد الوقود لتغمض عينيها بيأس و هي ترى المؤشر يشير إلى الانتهاء..
أوقفت السيارة على جانب الطريق، تفكر فيما ستفعله، المنطقة نائية، و خلال رحلة ذهابها صادفت القليل من السيارات..
أخرجت هاتفها لتحاول الاتصال بوالدها أو أي من أصدقائها ليأتي لأخذها، لتزفر أنفاسها بإحباط و هي ترى عدم وجود شبكة، لذا لم يعد لديها حل سوى انتظار أي سيارة تمر و تأخذها.
مرت سيارة بعد عدة دقائق، و توقف بالفعل سائقها عارضاً عليها المساعدة، لكن هيئته و نظراته التي تتفحصّها بجرأة جعلاها ترفض بحسم.
«إن وقفتِ هكذا سيطول انتظاركِ و لن يساعدكِ أحد، اصعدي معي و سآخذكِ إلى المدينة»
التفتت براءة حولها برعب، داعية الله أن يأتي أي أحد ليمنع هذا الرجل عما ينويه، لكن الطريق كان خالياً تماماً؛ مما شجع الرجل للهبوط من سيارته و الاقتراب منها!
التفتت بسرعة لتسحب من السيارة الصاعق الكهربائي، لتعود بنظراتها إلى الرجل و تهدده:
«إياك و الاقتراب مني»
يضحك الآخر باستخفاف و يستمر في الاقتراب منها، بينما يقول:
«هل ستُخيفيني بهذه الآلة التافهة يا صغيرة؟»
و لم يكد يتقدم أكثر حتى صاح بوجع و ألم لا يحتمل يشعر به في ذراعه، تزامناً مع قول براءة:
«هذه الآلة التافهة ستكون المرة القادمة على قلبك إن لم تبتعد»
يسارع الرجل في الابتعاد و صوت سيارة يصله، فصعد إلى سيارته بسرعة و انطلق في طريقه.
تنهدت براءة بارتياح فور أن غادر ذلك الحقير، و ازداد ارتياحها عندما وقفت أمامها سيارة أخرى، بداخلها رجل و امرأة!
«هل تحتاجين إلى المساعدة يا آنسة؟»
سألها سليم بعد أن ألقى عليها نظرة خاطفة، فارتاحت براءة لابتعاد نظراته عن جسدها، و اطمئنت لوجود المرأة معه، فأشارت إلى سيارتها قائلة:
«لقد انتهى وقود السيارة، و لا توجد شبكة على الهاتف»
يبتسم سليم ابتسامة غريبة لم تلاحظها سوى حورية، فبادلته بأخرى مثلها!
عرض على براءة المساعدة: «إذا توافقين يمكننا إيصالك إلى المدينة، كما أن مزرعتي قريبة من هنا، سأتحدث مع رجالي ليهتموا بالسيارة»
توافق براءة بحرج: «سيكون هذا لطفاً منك»
و بلباقة ترجل سليم من سيارته، ليفتح لبراءة باب المقعد الخلفي، فصعدت الأخيرة شاكرة إياه بخفوت..
يعود سليم إلى مكانه و يتابع قيادته.
التفتت حورية إلى الفتاة، لتسألها بود: «مرحباً، أنا حورية الغالي و هذا شقيقي سليم، و أنتِ؟»
بادلتها براءة التحية و عرفتها على نفسها، لتعقد حورية حاجبيها محاولة تذكّر أين سمعت هذا الاسم من قبل!
تريحها براءة من التفكير بقولها: «صحفية اعمل في جريدة ....»
«نعم نعم لقد قرأت لكِ بعض المقالات من قبل»
قالتها حورية.
و تبعها سليم قائلاً: «أحييكِ على مقالكِ الأخير يا آنسة، هذا الذي يخصّ انفجار المجمع، لقد كان رائعاً بحق، مع أنه قد يسبب لكِ بعض المشاكل»
شكرته براءة للمرة الثانية، قبل أن تقول بشجاعة: «استطيع مواجهة أي أحد يقف أمامي يا سيد، فأنا لم ارتكب أي خطأ»
«صحيح»
قالها باقتناع.
تتبادل بعدها حورية الحديث مع براءة، و سليم يتدخل كلما تطلب الأمر.
«هل أنتِ متأكدة من أنكِ تريدين الذهاب إلى الجريدة؟»
سأل سليم براءة حالما دخلت السيارة المدينة.
تجيبه براءة بتأكيد: «نعم، لدي الكثير من الأعمال عليّ إنهاءها»
و عليه تحرك سليم بسيارته وسط ازدحام العاصمة، يتخذ طريقه إلى الجريدة التي تعمل فيها براءة.
أوقف سيارته عندها، لينظر إلى براءة من خلال المرآة، و يقول:
«اعطيني عنوان منزلكِ لأبعث السيارة مع أحد رجالي إلى هناك»
لم تستغرق براءة الكثير من الوقت لاتخاذ قرارها، حيث قالت بتلقائية: «شكراً لك، و ارجو أن ترسلها إلى هنا»
يرفع سليم كتفيه باستسلام، قائلاً: «كما تشائين»
فيما التفتت حورية إلى براءة، قائلة بابتسامة ودودة: «هيا يا فتاة أعطيني رقم هاتفكِ، فلابد أن نتقابل مرة أخرى»
و بترحيب كبير و ارتياح من قبل براءة لحورية، أعطتها رقم هاتفها على وعد بلقاء قريب.
ثم ترجلت من السيارة متجهة إلى جريدتها بعد أن ودعت الشابين.
«أخذتِ رقم هاتفها و تودين رؤيتها هاه!»
ضحكت حورية بقوة، ليشاركها سليم الضحك بغرابة!
**********
«الحمد لله، حالته تتحسن مع الوقت، و قريباً جداً سيكون كالسابق و أفضل إن شاء الله»
قالها الطبيب بمهنية، لينشر السعادة في قلب والدي ماهر، اللذان أخذا يشكرا الله بفرحة.
بعد خروج الدكتور، مال والد ماهر عليه ليقبل جبينه، ثم قال براحة:
«أسمعت حبيبي؟
قريباً جداً ستعود لييتك و حياتك كما كنت»
نعم كما كان، لكن حبيبته ليست هكذا!
رُباه هل حقاً فقدت لمياء إحدى ساقيها؟
«ماهر، ماذا بك حبيبي؟
منذ أتينا و أنت صامت لا تتحدث!»
رفع ماهر عينيه إلى والدته، لتراها الأخيرة حزينة، شاردة!
«اخبرني بنيّ ما بك، هل تتألم؟
تحدث معي يا ماهر بالله عليك، قلبي لم يعد يحتمل المزيد»
«ماذا حدث للمياء؟»
سألهما ماهر بجمود.
ينظر والداه إلى بعضهما بتصميم، و يستمر والده في كذبه قائلاً: «اخبرتك أنها بخير حبيبي لا تقلق»
إلى متى سيظلا يكذبان عليه؟
هو متأكد من أنهما يعلمان الأضرار التي لحقت بها إثر الحادث!
«ما حجم إصابتها؟»
يتنهد والده بقوة، ثم أجابه بمراوغة: «بعض الإصابات مثلك»
ثم تابع مغلقاً الموضوع حتى لا يطرح ابنه المزيد من الأسئلة التي لن يستطع الإجابة عليها: «اهتم بصحتك الآن حبيبي، لتنهض لنا بألف سلامة»
ينظر ماهر إلى والده بمقلتين تلتمعان بإصرار، و يقول: «أريد رؤيتها، الآن»
تفاجأ والداه من رغبته، فسألته والدته بحذر: «رؤية مَن؟»
«لمياء»
أجابها ماهر بقوة لا تتناسب مع مرضه.
ينظر والداه إلى بعضهما بتوتر، فيقول والده محاولاً إثناءه: «و كيف هذا يا ماهر؟
أنت غير قادر على تحريك عضلة واحدة من جسدك»
يصيح ماهر بنفاذ صبر و قد تحكم فيه خوفه على حبيبته فنسى أنه يتحدث مع والديه: «لا اعلم تصرفا، المهم أنني أريد رؤيتها حالاً، و إن لم تأخذوني إليها سأذهب أنا»
و تأكيداً لكلماته، حاول إزالة الأسلاك الموصلة إلى جسده، لتشهق والدته بذعر و والده يحاول إيقافه، تزامناً مع دخول الممرضات إلى الغرفة بسبب صوت المريض العالي.
حاولنّ تهدئته و فهم المشكلة، لتلتقط إحدى الممرضات كلماته:
«أريد رؤية زوجتي»
فقالت بسرعة: «حسناً حسناً اهدأ و ساجعلك تراها»
و بالفعل بعد استشارة الطبيب المسئول عنه أحضرت له مقعداً متحركاً ليذهب به إلى غرفة لمياء!
**********
طبقاً لما أخبرهم به الطبيب أن المريضة من المفترض أن تستيقظ خلال دقائق..
تجمعت عائلة لمياء و صديقتاها في الغرفة منتظرين استيقاظها ليكونوا بجانبها حينما تواجه وضعها الجديد، فلن يعطيها الطبيب المخدر للأبد، و لابد من مواجهة الأمر.
و ما هي إلا دقائق و بدأت لمياء في الاستيقاظ، لتضع والدتها يدها على قلبها خائفة مما من الممكن أن يحدث لابنتها حينما تعلم بفقدها لإحدى ساقيها!
همهمت لمياء بصوت ضعيف، ليقترب منها هيثم، و يهتف:
«الحمد لله على سلامتكِ حبيبتي»
«آه هيثم جسدي، اشعر بألم في كل جسدي، و ساقي»
توترت الأجواء في الغرفة فور أن نطقت بكلمتها الأخيرة، و الكل يدعو بداخله أن تمر هذه اللحظات على خير.
اقتربت لارا من صديقتها، تقول بابتسامة جاهدت ألا تظهر مرتجفة:
«تحملي حبيبتي، أيام و يزول الألم و تعودين لنا إن شاء الله»
أغمضت لمياء عينيها بتعب، أطرافها متخدرة لا تشعر بها، و مع ذلك تشعر أن هناك شيئاً خاطئاً.. ناقصاً، خاصة و لحظات من استيقاظها السابق تهاجم عقلها الشبه واعي!
و على غفلة من الموجودين، تحركت يدها اليمنى بصعوبة اتجاه ساقها، لتتوسع عيناها بذعر و عقلها يستعيد وعيه الكامل بسبب الفراغ الذي تمر يدها فوقه.
كانت مروة أول مَن لاحظت نظراتها، فهتفت بقلق: «لمياء ماذا بكِ؟»
ينتبه الجميع إليها تزامناً مع صيحتها المستنكرة: «ساقي، أين ساقي؟»
يدها تتحرك بعنف على الرغم من ألم الإبرة المغروزة فيها، تبحث عن ساقها!
التقط هيثم كفها ليمسكه، بينما يهمس بجانب أذنها: «اهدأي حبيبتي، اهدأي»
لكن همساته لم تؤثر فيها، اهتز جسدها بعنف و صيحاتها تتعالى، الدموع تذرف من عينيها بعد أن أدركت الحقيقة!
«لا لا، ساقي، أين هي؟
أين هي أجيبوني؟»
شاركتها مروة البكاء بحزن، حتى لارا التي كانت تعد نفسها بالقوة انهارت باكية..
في حين أن والدي لمياء كانا متجمدين في مكانهما غير قادرين على التصرف، انهيار ابنتهما و وضعها الجديد يؤلم فؤادهما..
و حتى هيثم الذي كان خير داعم لها المرة الماضية، انهار بجانبها، دموعه تهبط على حال شقيقته!
استوعب أخيراً والد لمياء ما يحدث حوله و انهيار الجميع، ليقترب من ابنته بخطوات تظهر مدى ضعفه، يحتضنها محتوياً جسدها بحنو حتى لا يؤلمها، يردد في أذنها بإيمان:
«إنا لله و إنا إليه راجعون..
رددي ورائي يا ابنتي، لا تعترضي على قدر الله»
تبكي لمياء في أحضانه، تهتف من بين شهقاتها: «آه أبي، ساقي لا»
في هذه اللحظة دخل ماهر الغرفة، لتتوقف القلوب ترقباً!
**********
«طمئني يا باشا..
هل نلت رضاك؟»
سأل أحد الرجال رئيسه بلهفة.
يضحك الآخر بقوة بينما يلتف بمقعده بانتشاء، يقول برضى:
«بالكامل، لقد أحسنت التعامل معها و نجحت في تأخيرها حتى اصل»
يلتف بمقعده مرة أخرى حتى يواجه الرجل الذي يعمل تحت يده، و يقول بابتسامة:
«و لهذا ساصرف لك مكافأة»
ابتسم الرجل بسعادة بالغة، في حين كانت ابتسامة سليم ماكرة، يفكر أن الصحفية قد اقتربت من المصيدة و قريباً ستقع فيها!

🙄🙄🙄🙄🙄🙄🙄
ايه اللي بيحصل ده؟
سليم ظهر هنا ليه وازاي 🤔🤔🤔
متخافوش اللي فهمتوه مش صح، او صح يعني ايهما اقرب 😂😂😂😂
لاًواوعى ده ماهر طلع رجل وفضل جنب لمياء اهوه، حبوه واشكروه بقى 😂😂😂😂
وعزام وسر اهتمامه بمروة يا ترى ايه؟

حطوا فوت وكومنت لو الفصل عجبكم ❤️❤️

روحكِ تناديني (كاملة)Where stories live. Discover now