الفصل الرابع عشر

7.2K 300 17
                                    

يارب مكونش اتأخرت 🙈🙈🙈
ويارب تحطوا فوت وكومنت 😂😂😂

انتفض هيثم عندما استمع إلى صيحة شقيقته، ترك الكتاب الذي كان يذاكر فيه و أسرع إلى غرفتها..
يلتقي في طريقه بوالديه اللذين كانت تحمل ملامحهما نفس الفزع..
فتح باب غرفتها ليجدها مرتمية على وسادتها تبكي بحرقة..
ضربت والدته على صدرها بصدمة متساءلة عما حدث لها، بينما والده ينظر إليها بخوف..
جلس بجانبها ليسحبها إلى صدره محاولاً تهدئتها و معرفة ما لمّ بها، إلا أن لمياء كانت في حالة انهيار كامل و لم تتح له الفرصة لفهم شيء، فاكتفى بالتشديد على احتضانها و تهدئتها..
مرت الدقائق دون أن تهدأ لمياء، على العكس كان بكاؤها يزداد مع كل ثانية تمر مرددة كلمات غير مفهومة لم ترح قلب والديها و شقيقها..
تبتعد عنه بعنف و عيناها مرتكزة على عكازها المستقر بجانب سريرها، تزحف حتى وصلت إليه وسط نظرات عائلتها المصدومة، تدفعه بكل قوتها التي لا تمتلك منها الكثير في هذه اللحظة، تهتف وسط شهقاتها:
«لا أريده، أريد أن أعود طبيعية، العودة كما كنت»
تجحظ عيون الجميع متساءلين عما أوصلها إلى هذه الحالة..
أما هي فمالت زاحفة نحو العكاز، فأصبح نصف جسدها الأعلى قريباً من الأرض، بينما ساقها الوحيدة مستقرة على السرير..
يدرك هيثم ما تحاول فعله، يسحبها معيداً إياها إلى حضنه..
ضربته لمياء بضعف طالبة منه تركها، صائحة بانهيار: «اتركني يا هيثم اتركني، أريد العودة كما كنت، أريد ساقي..
وقتها لن أُحبس في البيت..
لن المح نظرات الشفقة في عيون الناس عندما يروني..
لن.. لن يتركني ماهر»
لم تبالي العائلة بجملتها الأخيرة، فقد ظنوا أنها تهذي إثر انهيارها، ربتّ هيثم على ظهرها بحنو و هو يهمس لها بعدة كلمات يحاول أن يخفف بها ألمها، مع أنه يعلم استحالة ذلك!
تبتعد لمياء عن أحضانه، تجول نظراتها بين عائلتها بضياع، تستقر على الجدار المقابل لها، تقول بشرود و دموع تغرق وجنتيها:
«لكنه لديه حق، كيف يستمر مع فتاة مثلي لا تستطيع السير خطوتين، فتاة فقدت معالم الجمال بفقدها لإحدى ساقيها، أصبح مظهرها مثيراً للسخرية..
كيف يرفع رأسه بين الناس فخراً و زهواً و هي معه؟!
ثم أنني كنت أشعر، منذ أدركت حقيقة وضعي الجديد و أنا اشعر به يبتعد تدريجياً، فبت أعد نفسي للانفصال، لكنني لم أتخيّل أن هذه اللحظة ستمر عليّ بهذه الصعوبة..
آه اشعر أن شخصاً يغرز خنجراً في قلبي، يخرجه ثم يغرزه مرة أخرى بكل قوته، مرة بعد مرة و لا يكتفي»
و جملتها الأخيرة ترافقت مع ضغطها على قلبها بقوة مميلة بجسدها..
يتناثر شعرها على وجهها مخفياً ملامحها المتألمة و دموعها التي تشاركها حزنها.
يزداد اضطراب والداها و الشك يراودهما..
يسيطر الغضب على هيثم و شقيقته تؤكد انفصال ماهر عنها، يقبض على كفه بقوة و التوعد يظهر في نظراته!
في حين اقترب والده من شقيقته، آملاً أن يكون كل ما قالته من محض خيالها!
«لِمَ تقولين هذا حبيبتي؟
لا تخافي، ماهر لن يترككِ و لا يرغب في سواكِ، لقد أكد هذا بنفسه»
ترفع له لمياء عينيها بتعب و قد استنزفها انهيارها تماماً، تهمس بخفوت و إرهاق: «كاذب أبي، لقد هاتفني و طلقني..
أخبرني بكل بساطة أنه لن يستطيع التحمّل و أنني طالق!»
تستلقي على سريرها دافعة شقيقها بضعف، تغمض عينيها مرددة بدموع:
«وعدني أنه سيبقى معي و لن يتركني، و لكنه أول مَن تخلى عنّي، لم يستطع مواجهة المجتمع بامرأة عاجزة مثلي فطلقني»
ظلت تردد هذه الكلمات حتى فقدت الإحساس بمَن حولها!
تضرب والدتها وجهها حزناً على حال ابنتها، تصيح بخوف:
«ابنتي.. لمياء»
يطمئنها زوجها بإشارة من يده: «لا تقلقي أنفاسها منتظمة، لقد غفت»
«أو هربت من واقعها الأليم»
هتف هيثم من بين أسنانه، و قبل أن يعلق والداه على كلماته غادر المنزل!
يهرع والده خلفه ليمنعه من أي تهور من الممكن أن يرتكبه، فهو يعلم مدى تعلق هيثم بلمياء، و بالتأكيد لن يمرر ما فعله ماهر معها دون عقاب!
بينما تابعت زوجته بكاءها حزناً على فتاة فقدت سعادتها و آخر من الممكن أن يضيع مستقبله إثر تهوره!
**********
دخل منزله بضياع، عيناه بلون الدم و الدموع تغرقهما، ملامحه شاحبة و كأنه على وشك الموت، قلبه ينهره بقوة على ما فعله!
يا إلهي كيف طلقها؟
ما الذي دهاه ليفعل ذلك؟
لقد فقد عقله حينها، يقسم على أنه فقد عقله!
جالت عيناه المنزل ليرمش بحيرة، ما الذي جاء به إلى هنا؟
عليه أن يكون هناك.. عندها.. يركع تحت قدميها و يطلب منها مسامحته و العودة إليه!
التفت ليخرج ذاهباً إليها ليصلح ما أفسده بغبائه!
«أتيت يا ماهر»
صوت والدته استوقفه قبل خروجه، التفت إليها بوجه يحمل الكثير من الحزن و الندم..
ذعرت والدته من مظهره، أسرعت بخطواتها إليه لتضمه إلى أحضانها، تصيح بخوف:
«ماذا حدث لك يا حبيبي، لِمَ وجهك هكذا؟»
و كأن ماهر كان في انتظار حضن أحد يحتويه و يشاركه ندمه، أفرج عن دموعه كلها دون خجل، عقله يصور له حالة لمياء بعد ما فعله..
أغمض عينيه متألماً.. متخيّلاً انهيار لمياء، يتململ في حضن والدته و يبتعد عنها متمتماً:
«اتركيني أمي، عليّ العودة إليها، يجب أن أصلح ما أفسدته»
قطبت حاجبيها و سحبت ولدها غير مبالية باعتراضاته، تقول بحزم:
«لن اتركك إلا عندما تخبرني عمّا حدث لك و أوصلك إلى هذه الحالة»
يحاول الابتعاد عنها، بينما يهتف بنبرة مخنوقة و دموعه تزداد هطولاً: «لقد طلقتها أمي، جرحتها بغبائي و أنانيتي، يجب أن اذهب إليها و اطلب عفوها»
غير مبالية بحالة ابنها، لمعت حدقتا السيدة برضى و قلبها يغرد فرحاً..
ابنها الحبيب لم يخذلها و فعل ما كانت تتوقعه منذ علمت بوضع لمياء، و دون تدخلها!
في ظل قلقه على حالة لمياء و رغبته في استعادتها؛ لم ينتبه ماهر إلى السعادة التي سيطرت على والدته، يستغل تراخي قبضتها عن ذراعه، يبتعد عنها راكضاً للخارج.
تصيح والدته حينما انتبهت إلى مغادرته: «انتظر يا ماهر، لابد أن نتحدث»
لم يهتم، فتح الباب ليغادر فاستقبلته لكمة عنيفة أسقطته أرضاً!
هرعت والدته نحوه، صائحة بذعر..
يسبقها هيثم الذي سحب ماهر من على الأرض من تلابيب قميصه..
يقف الأخير ليواجهه دون أي مقاومة!
يصيح هيثم من بين أسنانه: «أنا تفعل بشقيقتي هذا، تجرحها بهذه الطريقة!
سأقتلك أيها الحقير، سأحاسبك على كل دمعة ذرفتها عيناها»
يزداد انهمار دموع ماهر و كأنه يشارك لمياء!
يهمس بصوت مبحوح دون أن يحاول إبعاد هيثم عنه: «لا اعلم كيف اتخذت هذا القرار صدقني، لقد جرحت نفسي و قتلت قلبي قبل أن أجرحها، لكننا سنحل الأمر، ساذهب إليها الآن و أركع تحت قدميها حتى تسامحني و تقبل العودة إليّ»
تقترب والدة ماهر منهما، تحاول إبعاد ابنها عن هيثم، و هي تعنف الأخير: «اترك ابني اتركه، لقد...»
دفع هيثم ماهر بقوة قبل أن تتابع حديثها، و هو يصيح: «على أساس أنتي ساسمح لك، سأجعلك تقترب منها!
لقد أخطأت عندما استسلمت من قبل و وافقت على زواجها من أناني مثلك، و لكنني لن أكرر هذا ثانية، لن اسمح لك بالاقتراب من شقيقتي مرة أخرى»
يزداد غضبه، تشتعل النار في صدره و هو يتذكّر بكاء شقيقته و انهيارها، يتجه إلى ماهر ليلكمه مرات متتالية بكل عنف، كأنه بضرباته يداوي جروح شقيقته!
تصيح والدة ماهر بخوف و هي ترى ابنها يستقبل اللكمات باستسلام تام، تستدعي كل قوتها لتدفع هيثم بعيداً عنه، يرتد الأخير للخلف عدة خطوات قبل أن يتوازن في وقفته، بينما يسمع صوت السيدة:
«أخبرتك أن تبتعد عن ابني، ألا تسمع؟
بم أخطأ هو؟
هل عليه التقيّد بفتاة عاجزة.. ناقصة.. مشوّهة لترضى عنه؟»
يصيح ماهر معارضاً: «أمي ماذا تقولين؟
إنها لمياء»
تزجره والدته بنظراتها، في حين أن هيثم قبض على كفه بقوة، يذكّر نفسه أنها امرأة في عمر والدته لا يستطيع التطاول عليها..
رد بثبات: «شقيقتي التي تهينيها بكل قسوة لها رب هو مَن فعل بها ذلك، و هو أيضاً القادر على إسعادها و رزقها حياة كريمة مع رجل يستحقها.. رجل بحق»
انتقل الغضب إلى صدر السيدة و هي ترى الفتى الذي لم يُنهي تعليمه بعد يهين ابنها، و من أجل مَن؟
العاجزة!
يتابع هيثم بإيمان: «و قادر أيضاً على أن يذيقكِ مرارة الألم التي أذاقها إياها ليأخذ بحقها منكِ و من ولدكِ»
دخل حينها والد هيثم -و الذي وجد الباب مفتوحاً- ليجد ابنه يواجه والدة ماهر بصلابة، في حين أن زوج ابنته -السابق- مُلقى على الأرض في حالة يُرثى لها.
«هيثم»
التفت هيثم إلى والده ليجد في نظراته الخوف عليه و الغضب منه، يرسم شبه ابتسامة على شفتيه ليطمئنه.
تهدر والدة ماهر بغضب: «أيعجبك ما فعله ابنك يا أبا هيثم؟
هل يصّح أن يهجم على بيتنا بهذه الطريقة و يضرب ماهر؟»
يسدل حامد -والد هيثم- أهدابه متحكماً في أعصابه، فحتى هو غير راضٍ على الطريقة التي طلّق بها ماهر لمياء، و يود لو يشبعه ضرباً على جرحه لصغيرته.
يهتف بتلميح: «بالطبع لا يعجبني يا أم ماهر، كما لم يعجبني ما فعله ماهر مع لمياء..
فكان عليه إخباري أنا برغبته في الانفصال عن لمياء، لا أن يتحدث مع الفتاة من نفسه»
ينهض ماهر متأوهاً بتعب، يقف أمام والد حبيبته، و إن كانت عيناه بعيدة عن عينيه، يقول بتوسل: «اعتذر عمي لقد أخطأت، ليس بطريقتي في طلاق لمياء و لكن لاتخاذي للقرار نفسه»
يردف بتلعثم محاولاً التبرير: «هناك الكثير من الضغوطات عليّ في الفترة الأخيرة، لذا اتخذت القرار بتهور، و لكنني نادم و أتمـ...»
يتوقع حامد الكلمات القادمة، يقاطع ماهر بإشارة من يده: «لا يا ماهر، أنت من داخلك لا ترغب في استكمال حياتك مع ابنتي و هي بهذا الوضع، قرارك لم يكن في لحظة تهور كما تدعي»
تتوسع عينا ماهر بذعر مستشعراً عدم موافقة الرجل على عودته إلى لمياء، يتوسل بندم: «لا عمي أقسم لك أنني تهورت و أنني نادم على ما فعلته، أنا أحب لمياء و لا استطيع العيش من دونها»
رمقت والدة ماهر ابنها بغيظ، فبدل من أن يسعد لتخلصّه من فتاة عاجزة لا تُقارن ببقيّة الفتيات، يتوسل عائلتها للعودة إليها!
يتنهد حامد بهمّ، بينما ابتعد هيثم عن مجرى الحوار تاركاً إدارة الموضوع لوالده.
«تحبها نعم، و لكن الحب ليس كل ما في الحياة، لن تبنى حياتكما على الحب فقط، فهناك الكثير من الأسس اللازمة لبناء زواج ناجح، و من الواضح أن علاقتك مع ابنتي كانت تفتقر لهذه الأسس..
لأول مرة أندم لأنني لم استمع إلى هيثم و أفكر في رأيه عندما قال أنك غير مناسب للمياء..
فها أنت تتخلى عنها عند أول اختبار يواجهكما»
التفت ماهر إلى هيثم بحدة و كأنه المسئول عن ابتعاده عن حبيبته..
ترتسم ابتسامة ساخرة على وجه هيثم، نظراته تنطق بأنه كان على حق!
في حين تابع والد لمياء بحزم: «انتهى كل ما بيننا و بينك يا ماهر، ابنتي لن تعود إليك مهما فعلت»
قتله، هذا ما يشعر به ماهر، يشعر أن قلبه يحتضر و والد لمياء يحكم عليه بالإعدام برفضه لعودته إلى حبيبته.
التفت حامد إلى هيثم قائلاً: «هيا بنا، لم يعد لوجودنا داعي، لقد انتهى كل شيء»
يتحرك معه هيثم، يهتف قبل أن يغادر منزل ماهر للأبد:
«و عسى أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم، ربما تعرضت أختي لهذا الحادث ليظهر معدنك الحقيقي و تتخلصّ منك قبل أن تتورط معك أكثر»
يغلق الباب خلفه، فيهبط ماهر على الأرض معاتباً نفسه على تهوره الذي أدى إلى خسارة أغلى ما يملك في حياته!
و والدته تنظر له بغرابة، لكنها في نفس الوقت سعيدة لأن ابنها تخلصّ من لمياء، مقسمة على البحث عن عروس مناسبة له في أقرب وقت!
**********
فحصت الطفل الذي أمرها برؤية ما به، ثم التفتت إليه رافعة حاجبيها بارتياب، فحاله أصبح غريباً في الأيام الأخيرة، شارد دوماً و التفكير يظهر على ملامحه، و كأنه في معضلة يصعب عليه حلها!
اقتربت منه برقة، تملسّ على كتفه..
ينتفض عزام إثر لمستها، يتمالك نفسه سريعاً و يهتف بهدوء: «فحصتِ الطفل؟»
تومئ برأسها و توضح: «نعم، و ذهب لإجراء بعض التحاليل»
تتابع برقة محاولة معرفة ما يحدث معه، لتشعره بأنها قريبة منه دائماً!
«إن كانت هناك مشكلة تواجهك يمكنك قصّها عليّ، بمشيئة الله ستجد الحل لدي»
يزفر عزام أنفاسه بضيق مفكراً فيما سيخبره بها..
هل يخبرها أنه يحب ابنة عمه.. يعشقها، لكنها تعشق باسم، صديقه المقرب؟!
يا لها من سخرية!
«لا توجد أية مشاكل يا مرام، شكراً لكِ»
تضيّق مرام عينيها بعدم تصديق، تجلس على مقعدها و تعاتبه بمرح:
«تكذب عليّ يا دكتور، ألهذه الدرجة الموضوع خاص جداً، أم أنك تشكك في قدرتي على مساعدتك؟»
يبعد عينيه عن نظراتها الثاقبة، يهتف بهدوء: «بالتأكيد لن اخفي عليكِ يا ابنة العم، صدقيني ليس هناك شيئاً»
تزمّ شفتيها بضيق و محاولتها تفشل لمعرفة سبب شروده الأيام السابقة، و ما هي إلا ثواني حتى برقت حدقتاها بإدراك، تفكر أنه منذ أيام يذهب إلى دار الأيتام و يعود سريعاً، لا يقضي الكثير من الوقت هناك كما اعتاد!
«هل تشاجرت مع مروة؟»
شحوب ملامحه مع ذكر اسمها أكد لها ظنونها..
لمعت عيناها بانتصار، بدأت في التفكير فيما ستفعله معه الفترة القادمة..
لابد من استغلال فرصة ابتعاد البشعة عنه!
«الأمر ليس كما تظنين»
هتف بتوتر..
ترتسم ابتسامة جانبية على شفتي مرام، متمنية أن يكون ما تظنه صحيحاً، و أن خلافاً كبيراً نشأ بينهما سيؤدي إلى ابتعادهما لفترة طويلة، أو ربما للأبد!
فتحت فمها لتستفهم منه عمّا حدث..
و من الممكن أن تسنح لها الفرصة لتزيد الأمر سوءً!
تمنعها عن الحديث نبرة مرحة.. بغيضة على قلبها!
«السلام عليكم، كيف حالك يا طبيبنا الماهر؟»
رفع عزام نظراته إلى صديقه شاكراً إياه بداخله على انتشاله من استجواب كان سيخضع له من ابنة عمه، أسئلة لا يملك لها إجابة كانت ستحاصره بها!
«و عليكم السلام، أهلاً يا أشرف»
حيّاه أشرف بود و جلس على المقعد المواجه لصديقه و ابنة عمه، متجاهلاً الأخيرة و كأنها ليست موجودة!
تجز مرام على أسنانها بحنق، تسب وقاحته و عدم تهذيبه!
تبادل أشرف مع عزام بعض الأحاديث حول المشفى و العمل، قبل أن ينظر إلى مرام الجالسة بجوار عزام تنظر له بضيق و نصف عين.
يهتف بمكر: «صحيح لم تخبرني، متى ستنتقل الآنسة إلى قسم آخر؟
فكما تعلم يجب ترتيب الأمر مع الطبيب الذي سيتولى تدريبها أولاً»
جحظت عينا مرام بفزع و هي تستمع إلى آخر كلماته، أي انتقال الذي يقصده هذا المجنون؟
هي مستحيل أن تبتعد عن عزام في هذه الفترة!
«لكنني لا أريد الانتقال إلى قسم آخر، أرغب في التواجد هنا مع عزام»
يعلق أشرف باستخفاف، و كأنه يعرف ما يدور بداخلها و ما تهدف إليه!
«و هل ستظلي هنا إلى الأبد؟
عليكِ الانتقال إلى باقي الأقسام لرؤية العمل كيف يكون»
يوجه حديثه الصائب إلى عزام: «هذا سيفيدها جداً يا عزام، سيساعدها على تحديد الاختصاص الذي ستختاره مستقبلاً»
وافقه عزام لمنطقية حديثه، يلتفت إلى ابنة عمه، و يقول: «أشرف لديه حق يا مرام، لقد أخبرني عمي أنكِ لم تتدربي من قبل..
كيف ستختاري الاختصاص الذي ستتابعي العمل فيه إن لم تلقي نظرة على كل الأقسام المتاحة و ترين المناسبة لكِ؟»
اشتعل الغضب في عيني مرام، قلبها يعلن كرهه لأشرف الذي يتدخل في حياتها فيُفشل جميع مخططاتها.
إلا أن عزام لم يبالِ للاعتراض الواضح على ملامحها، عاد بنظراته إلى صديقه ليخبره: «هل توافق أن تبدأ مرام التدريب معك أولاً؟
فأنا لم أتحدث مع أي طبيب آخر بعد»
يبتسم أشرف بانتصار، يقول ببساطة: «بالطبع يا صديقي، لا تخشى عليها سأحرص على تدريبها جيداً و إمدادها بكل ما تحتاجه»
يبتسم له عزام بامتنان، قائلاً بثقة: «أنا متأكد من ذلك»
تقبض مرام على كفها بقوة متوعدة أشرف بداخلها، بينما هو يبتسم بمكر و قد سقطت المغرورة بين يديه، و لا فرار لها منه إلا بعدما تدرك أن الله حق و أن الناس سواسية لا فرق بينهم سوى في الأخلاق.
انتبه عزام إلى الساعة، نهض قائلاً: «حسناً يا مرام يمكنكِ المغادرة الآن، و غداً إن شاء الله اذهبي لأشرف لتبدأي تدريب معه»
ثم يلتفت إلى صديقه، و يقول: «أنا مضطر للمغادرة الآن يا أشرف فلدي موعد هام، إن احتجتوني اتصلوا بي»
يومئ أشرف موافقاً..
يغادر عزام تاركاً إياه خلفه مع ابنة عمه.
رمق أشرف مرام بانتصار، يقول بحزم: «غداً الساعة الثامنة تكونين هنا، فأنا لا أقبل أي تأخير خاصة من أول يوم»
ثم يتركها و يغادر هو الآخر، لتطرق المكتب بعصبية، صائحة: «تباً تباً، من أين خرج لي هذا السمج؟»
**********
يتطلع في كوب القهوة الذي أمامه بضيق يحاول ألا يظهره للجالس أمامه، يفكر في صعوبة هذه الجلسة عليه و ثقلها على قلبه؛ مع أنها لم تكن هكذا من قبل!
على العكس، كان يستمتع بكل لحظة يقضيها مع ابن عمه و صديقه المقرب، بل أنه بالكاد كان يفارقه!
لكن منذ أحبها و كل شيء تغيّر، أصبحت رؤيته لباسم تشعل نار الغيرة في قلبه.
«أنا عاتب عليك يا أخي»
هتف باسم بحزن؛ مستخدماً لفظ (أخي) لتذكير عزام بما بينهما.
يقّر عزام أن الحق معه، أنه سمح لغيرته و وساوسه الخاصة بالتأثير على علاقتهما.
حاول التبرير بكذب: «اعذرني يا باسم، لكن منذ عودتي و أنا لا ارتاح، بداية من ترتيب مواعيد عملي و...»
يقاطعه باسم بعتاب آخر: «لم تكذب عليّ من قبل أبداً، بل كانت أسرارك معي و أسراري معك، و لكن الآن..!»
ترك بقيّة جملته معلقة، ليفهم عزام عدم تصديق باسم له، يدلك جبينه بحيرة و ضيقه يزداد.
يميل باسم مستنداً بمرفقيه على الطاولة، يرمق عزام بنظرات ثاقبة، يسأله: «لا تخبرني أن سبب ابتعادك عنّي هو ابنة العم!»
نبرته خرجت حادة، تثير الشكوك داخل قلب عزام..
تُرى هل باسم يحب مروة؟
ينفضّ هذا الخاطر عنه سريعاً، فباسم يعشق رشا، و هو بنفسه شهد على حبه لها!
عاد لاتخاذ الكذب كوسيلة للهروب و إخفاء مكنونات قلبه: «لا تدخل مروة بيننا، فهي ليس لها ذنب في أي شيء»
تلمع حدقتا باسم بعدم رضى، يقول من بين أسنانه: «إذاً ما شعرته بينكما يوم العشاء صحيحاً، أنتما على علاقة!»
يتنهد عزام ناظراً إلى الخارج من خلال زجاج المقهى الذي يجلسان فيه، يقول بشرود: «لا نحن لسنا في علاقة، على الأقل حتى الآن»
لم يكد باسم يبتسم عندما سمع جملته، حتى عبس بملامحه حينما وصلته آخر كلمات صديقه..
يقول بحدة دون أن يعي كيف سيفسر عزام كلماته!
«لا الآن و لا لاحقاً، لا يجب أن تكون بينكما علاقة من الأساس!»
يرتفع حاجبا عزام استنكاراً و الشك يعود ليطرق قلبه، تنهشه الغيرة و لا يرى أمامه، يسأله بتهور:
«هل تحبها؟»
يشحب وجهه عندما استوعب السؤال الذي انطلق من بين شفتيه، معترفاً أنه غير مستعد لسماع الإجابة، خاصة أن هذه الإجابة من الممكن أن تبعده عن الإنسانة الوحيدة التي خفق لها قلبه!
من غير الممكن أن يرتبط بفتاة قلب ابن عمه متعلق بها، فهذا سيؤثر على علاقتهما و على العائلة!
تعلقت عيناه بابن عمه مترقباً لإجابته..
يتفاجأ بضحكة الأخير التي جلجلت عالية لافتة إليهما الأنظار، ينعقد حاجباه بارتياب!
هدأت ضحكات باسم مع مرور الوقت، لتنتهي بابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيه، و هو يهتف:
«أنا أحب مروة!
هل تتحدث من كل عقلك؟»
و على الرغم من سخريته الظاهرة في نبرته، إلا أن رد فعله أراح عزام و خلصّه من غيرته التي تأكل قلبه.
ينتبه باسم إلى الراحة التي ارتسمت على وجه صديقه، يردف باحتقار متعمد:
«لا يوجد رجل يملك عقلاً و يحب مروة يا ابن العم، هي من الفتيات اللاتي لا تناسبهنّ إلا الشفقة أو السخرية، لا ثالث لهما»
تنقلب ملامح عزام إلى الانزعاج، بينما باسم يتابع ببساطة: «حتى أن لفظ فتاة لا يليق بها، فهي لا تملك جمالهنّ و لا رشاقة قوامهنّ..
حتى المستوى الثقافي و الذي من الممكن أن يشفع لها و يجعلنا ننظر لها على أنها شخصية ذات قيمة لا تملكه!»
قبض عزام على كفه مسيطراً على أعصابه الثائرة و وجهه قد اكفهر من الغضب، يهتف من بين أسنانه بتحذير:
«أنت تتحدث عن ابنة عمك يا باسم، لا تنسى ذلك»
يشيح باسم بيده بعدم مبالاة، يقول بسخرية: «صدقني صلة القرابة التي بيننا هي التي تجعلني احترمها حتى الآن، أما غير ذلك فهي لا شيء»
«باسم»
نهره عزام بحدة و قد فقد سيطرته على أعصابه، إلا أن باسم لم يبالِ بغضبه، فلابد أن يفتح عزام عينيه و يرى مَن تناسبه حقاً!
«باسم ماذا يا عزام؟
أنا حقاً لا افهمك، هل تحب مروة و تركض ورائها؟!
مروة!
ما بها و يسحرك بهذه الطريقة؟
إنها لا تملك أي ميزة جذابة!»
يضرب عزام الطاولة بكل غضب فتهتز الأكواب التي عليها و ينسكب بعضاً منها.
«هذا آخر تحذير لك يا باسم، إن لم تحترم نفسك و تكفّ عن الحديث عنها بهذا الأسلوب سيكون لي معك تصرف آخر»
يتمالك باسم نفسه؛ ليس خوفاً من عزام، لكن ليستطيع إيصال وجهة نظره له و تفتيح عينيه.
«لننظر للموضوع من زاوية أخرى..
لِمَ لا تفكر في مرام بدلاً من مروة؟
أنا أرى أنها مناسبة جداً لك و قادرة على إسعادك»
يرمقه عزام بصدمة، يردد خلفه: «مرام!
هل تتحدث من كل عقلك؟»
يحاول باسم إقناعه بكلماته: «نعم مرام، فهي تملك قدر عالٍ من الجمال، كما أنها طبيبة مثلك، أي أن مستواكما الثقافي متقارب، و هي أكثر المناسبات لك من فتيات العائلة»
لم بجد عزام كلمات يرد بها على باسم، فظن الأخير أنه بدأ يقتنع بحديثه، تابع بحماس: «أنت تعلم غلاتك لديّ، نحن لسنا أولاد عم أو أصدقاء، نحن شقيقان من رحمين مختلفين، و أنا لا أفكر سوى في سعادتك و ابحث عن فتاة ستكون واجهة مميّزة لك و ترضي رجولتك..
صدقني مروة لا تملك ذلك، فالأفضل لك أن تفكر في مرام»
يهز عزام رأسه بقلة حيلة، يهتف بشرود: «على الرغم من علاقتنا الوثيقة التي تتحدث عنها أنت، إلا أننا لطالما اختلفنا في شيء واحد؛ نظرتنا للأشخاص، فبينما أنت لا تبالي سوى بالمظهر و المستوى الاجتماعي، أتعمق أنا في داخل الشخص محاولاً اكتشاف معدنه»
ضغط باسم على أسنانه بحنق و عزام يتفوه بالشعارات -كما يظن-
يتابع عزام بنبرة صادقة، عشق فضحته نظراته:
«مروة، و إن كنت اختلف معك في نظرتي لجمالها، إلا أنها أرق فتاة قابلتها في حياتي، فتاة شفافة لا تخدع و لا تكذب، و بالنسبة لي هي الفتاة المناسبة كزوجة»
كاد باسم أن يتحدث، إلا أن إشارة من عزام منعته من ذلك، يتابع بأمل:
«و ما يسعدني أنك لا تحمل لها أية مشاعر خاصة، فهذا كان يثير قلقي و غيرتي على حد سواء، أما الآن»
أطلق تنهيدة راحة تعبر عما يجول بداخله.
يهتف باسم بعدم رضى: «كما تريد يا عزام، و لكن تذكّر أنني نصحتك، لا تندم مستقبلاً»
ينهض عزام تاركاً باسم في أفكاره، فها هو تأكد أنه لا يهتم بمروة، و تبقى الأصعب؛ أن ينتزع حبه من قلبها و يحتل مكانه!
**********
رمقت دعوة حفل الزفاف التي تلقتها للتو بعبوس، مشاعرها تداعبها لرؤية ابنها عريساً، تطمئن عليه مع فتاة تسعده.
«لِمَ تعبسين و كأنكِ تلقيّتي خبراً سيئاً؟»
سألها زوجها بارتياب و هو يرى الدعوة الممسكة بها.
تجلس بجانبه، عيناها معلقة على الدعوة.
«أبداً، فقط اشتاق لرؤية عزام عريساً، أحضّر لزفافه و ادعو الناس إليه»
يبتسم والد عزام بحنو، يهتف بغموض: «قريباً ستفرحي به إن شاء الله، لا تقلقي»
تتوسع حدقتاها بعدم تصديق، تهتف بلا توقف: «صحيح يا حج؟
أنت متأكد أم تتحدث هكذا حتى لا اضغط عليه؟
إن كان هكذا فلا تقلق أنا لن أجبره على ما لا يريد، هي أمنية داعبت قلبي عندما تلقيّت دعوة الزفاف»
ترتسم ابتسامة هادئة على ملامح زوجها و هو يضغط على كفها الغضّ، يقول:
«اهدئي قليلاً و استمعي إليّ»
يردف باستسلام: «سأخبركِ بكل شيء، مع أن عزام لم يكن يرغب في ذلك إلا بعد أن يتأكد من مشاعر..»
تقاطعه زوجته بلهفة تمنعه عن متابعة حديثه: «هل يحب إحداهنّ، يضع عيناه عليها؟»
تفلت ضحكة من بين شفتيه إثر حماسها الواضح، و يقول مؤكداً: «نعم، هو غارق في عشق ابنة عمه، حتى أنه لم يتمالك نفسه و خطبها في حفل يوم ميلاد..»
تعود و تقاطعه مرة أخرى باستنكار: «يا الله، يخطبها دون أن أدري..
كيف استطعتما فعلها؟»
يهز والد عزام رأسه بيأس، يهتف: «لو تصمتي و تستمعي لي!
هو لم يخطبها فعلياً، فقط تحدث مع جده و عمه ليضمن أنها له، حتى هي لا تعلم بالأمر، لا يريد مصارحتها إلا بعد التأكد من أنها تحبه كما يحبها»
تهتف باستنكار: «كيف لا تحبه؟
إنها غارقة في هواه، اسألني أنا يا حج»
يرتفعا حاجباه بدهشة، يخشى أن تتدخل زوجته في الأمر فتفسده، يقول بحزم:
«لنترك الأمر لعزام ليفعل ما يريده، هو قادر على معرفة إن كانت الفتاة تحبه أم لا، نحن لن نتدخل إلا إن طلب منّا ذلك»
تؤيده بهزة من رأسها، إلا أن عقلها كان بعيداً عنه، و ما أكد له ظنونه تمتمتها مع ابتسامتها السعيدة: «الولد يحب و يتفق دون أن أدرى!
و لكن ليس مهماً، المهم أن افرح به..
يا الله، ابني سيصبح عريساً قريباً»
يصفق هاتفاً: «لا حول و لا قوة إلا بالله»
ينهض تاركاً إياها في أفكارها التي سرعان ما اختفت عندما تعالى رنين الهاتف، أسرعت لترد عليه، تثرثر مع شقيقتها عن حفل الزفاف القادم، فتردد الأخيرة دعوة عفوية (الفال لعزام)..
تتسع ابتسامة والدة عزام، تخبرها بكل حماس عن عشق عزام لابنة عمه.. مرام!
**********
أنفاسه الساخنة التي لفحت بشرتها البيضاء، رائحة عطره التي اخترقت أنفها باعثة التوتر إلى قلبها أنبآها لوجوده..
ترفع عينيها فتتعلق بحدقتيه اللامعتين، يتورد وجهها من نظراته الجريئة، همسه الأجش يرتجف له قلبها:
«مساء الخير يا خطيبتي العزيزة»
أطرقت بوجهها مبتسمة عند سماعها للقبه لها..
لم تشعر باقترابه منها حتى أصبح يجاور المقعد الجالسة عليه واقفاً، يميل بجرأة فتلمس أنفه خصلات شعرها القصيرة، يهمس:
«لا تبتسمي هكذا، فهذا اللقب لن يدوم كثيراً»
التفتت له بارتياب، تتوتر و يزداد تورد وجهها إثر قربه الشديد منها، تحاول الابتعاد بمقعدها عنه، إلا أنه لا يسمح بذلك، يقبض على ذراعي المقعد مانعاً إياه من التحرك، يردف بنبرة يدرك تأثيرها على الفتيات:
«قريباً ستكوني زوجتي.. ملكتي، تزيّنين بيتي بوجودكِ»
احتقان وجهها أكد له أن كلماته تأتي بالتأثير المطلوب، يتابع بجرأة أكبر.. تصل إلى حد الوقاحة!
«فراشي سيضمكِ و جسدي سـ..»
تشهق بصدمة و كلماته تتخذ منحنى خطير، تمنعه عن المتابعة مزمجرة:
«اصمت يا سليم»
تتعالى ضحكاته المستمتعة، يميل عليها أكثر و هو مازال محاصراً إياه، فلم يكن منها سوى الالتفات بوجهها إلى الجهة الأخرى لتهرب منه..
تكاد شفتيه تلمس أذنها و هو يهمس:
«أممم حسناً ساصمت، لكن لتعلمي أنني لن اصمت كثيراً، كما أنني لن أتحدث بالكلمات!»
لم تكن بحاجة لسؤاله عما يقصده بكلماته الأخيرة، فنظراته قامت بالواجب و أخبرتها بكل شيء!
تتحرك بالكرسي إلى اليمين و اليسار موضحة رغبتها بابتعاده عنها و ترك مقعدها..
يستجيب لها و يفك حصارها..
تلتقط أنفاسها براحة، تهتف معاتبة إياه على تصرفاته و أفعاله، و إن كانت نبرتها المتلعثمة فضحت تأثرها به!
«التزم في الحديث معي من فضلك يا سليم، فنحن لم نخطب رسمياً بعد، كل ما بيننا حديث ودي بين عائلتي و عائلتك»
يرتفع حاجباه مندهشاً من تصريحها الذي يدل على شجاعة فائقة، على الرغم من تأثرها الواضح به و الذي يمكنه من الاقتراب منها في هذه اللحظة و أخذ كل ما يريد، إلا أنها تواجهه بشجاعة و كأنها غير متأثرة به، تضع حدوداً له تحت مسمى (لا توجد علاقة رسمية بينهما!)
تُرى هل ستحتفظ بشجاعتها المزعومة إن سحبها الآن إلى أحضانه و قبلها، أم ستستسلم له مبادلة إياه بشغف؟!
لمع الخبث في مقلتيه و السؤال يتبادر إلى ذهنه، و مع ذلك لم يقم بفعل ما يفكر فيه خشية أن يأتي رد فعلها معاكساً لما يتوقعه فتنشأ بينهما مشكلة لا يرغب في حدوثها بينهما، عليه استمالتها لصفه، لا أن يجعلها تبتعد عنه بسبب أفعاله!
صمته الذي دام لدقائق جعلها تستعيد سيطرتها على نفسها، تردد بداخلها: «لن يستطيع الاقتراب منّي طالما أنا لا أرغب في ذلك، أنا قادرة على مواجهته و منعه!»
تنتبه إلى صوته: «ألن نذهب لتناول الغذاء إذاً؟»
تملكتها الراحة لعدم مواصلته لما كان يفعله، تعترض بهمس:
«لا، لن استطيع الذهاب معك»
يعبس بملامحه ظناً منه أنها تعترض بسبب تصرفاته، يسب نفسه على تسرعه و عدم تقديره للأمر بشكل صحيح، لقد كان يعتقد أن جرأته معها ستجعلها تتأثر به أسرع و تصبح كالخاتم في إصبعه، لأن جرأته هذه لطالما أتت بثمارها و أكثر مع فتيات أخريات، لكن من الواضح أن الأمر مع براءة مختلف!
«إن كنتِ انزعجتِ من تصرفاتي فأنا..»
تسارع بمقاطعته حتى لا يعود و يتواقح معها مرة أخرى: «لا أبداً، أنا لدى عمل في مكافحة المخدرات، عليّ الذهاب إلى هناك»
تلمع حدقتاه بنظرة غريبة لم تفهمها، ترتسم على شفتيه ابتسامة مخادعة، بينما يهمس برقة: «لا مشكلة، سأقلكِ إلى هناك و انتظركِ حتى تنتهي ثم نذهب لنتناول الطعام سوياً، اتفقنا؟»
«اتفقنا، و لكنني ساطلب الأذن من والدي أولاً»
يخبرها أنه سيتولى فعل ذلك، و عليه يذهبا سوياً إلى إدارة مكافحة المخدرات!
**********
طرقات رقيقة على باب مكتبه جعلته يعقد حاجبيه بارتياب، هذه الطرقات من المستحيل أن تكون لأحد ممن يعملون معه!
تتأكد ظنونه و هو يرى الباب يُفتح و تدخل بوجهها الطفولي ذا الابتسامة المشاكسة..
ينتفض قلبه داخل صدره مرحباً بها، تتسارع دقاته دليلاً على اشتياقه لها، تظهر لهفته في نظراته..
يرتفع أحد حاجبي براءة و هي ترى ملامحه الغريبة، يتنحنح بخفوت، يعود بنظراته إلى الملف الذي بيده و كأنها غير موجودة!
يذكّر نفسه أنه لا يحبها، مع أنه اشتاق إليها!
لا يحبها، مع أنه لا يرغب سوى في التحديق فيها إلى آخر العمر!
يجز على أسنانه بغضب ناهراً نفسه على ضعفه الذي يعود ليداهمه، و الذي من الممكن أن يفقده عمله، آخر ما تبقى له!
ردد بتصميم هذه المرة، يقنع قلبه بكلماته فيكفّ عن الخفقان لها:
«أنا لا أحبها»
ازداد ارتفاع حاجب براءة و هي ترى صمته.. عدم ترحيبه بها، تهتف بحذر و هي تشعر أن هناك شيئاً به، أنه مختلف:
«مساء الخير»
يزفر أنفاسه قبل أن يرد عليها باقتضاب: «مساء النور»
تتحرك بعفوية و تجلس على المقعد المقابل لمكتبه..
يعبس شريف بملامحه و عفويتها التي اكتسبتها بعد خطبتها لآخر لا ترضيه!
تُخرج جهاز تسجيل صغير و تضعه على مكتب شريف، تبعته بورقة و قلم، ثم تقول بحماس: «أنا جاهزة»
يسدل أهدابه، و مع أنه كان يعلم ما تقصده، إلا أنه سألها: «جاهزة لماذا؟»
تضيّق براءة حدقتيها، تسأله: «ألم تنجز الإدارة عملية أمس، قبضت على أحد موردي المخدرات؟»
يتظاهر بالانشغال بالملف الموضوع أمامه، و يهمس دون أن ينظر إليها: «أها نعم، لكنني لست متفرغاً، يمكنكِ الذهاب إلى الرائد محمد و هو سيمنحكِ ما تريدين»
تميل برأسها بتفكير، فضولها يُثار إلى معرفة ما يشغله بهذه الطريقة، و بدل من أن ترحمه و تغادر مكتبه، استطالت بجسدها لتصبح رأسها قريبة من رأسه، عيناها تتسلل لرؤية ما بداخل الملف، و هي تسأله بمرح:
«ماذا تفعل؟»
يتوقف قلبه للحظة، قبل أن يسيطر على مشاعره التائقة لها، يبعد الملف عن أنظارها، يبتعد بمقعده للخلف، و هو يصيح بحدة:
«ماذا تفعلين؟»
تعود براءة إلى مكانها مملسّة على شعرها بحرج، تهمس: «اعتذر، إنه فضولي الصحفي»
يشير إليها بصرامة مستغلاً حرجها النادر، و يهتف: «لا مشكلة، و لكن من فصلكِ غادري فأنا حقاً مشغول»
تتنفسّ بقوة و من داخلها غير راضية على اللجوء لغيره لمنحها المعلومات، فمن الأساس الاتفاق كان معه هو!
«و لا حتى لعشر دقائق، فلا اعتقد أنه سيمنحني ما أريد»
يهتف شريف ببساطة: «لا، لا تقلقي هو يعرف كل شيء»
استشعرت عدم رغبته في وجودها..
تزمّ شفتيها و تغادر دون أن تشكره أو تودعه!
يغلق شريف الملف الذي أمامه بعصبية، يتمتم من بين أسنانه بضيق!
**********
بحثت عن مكتب الرائد محمد -كما أخبرها- لتعثر عليه أخيراً، تطرق على بابه عدة طرقات قبل أن تدخل، و تهتف بنبرة رسمية:
«مساء الخير، أنا الصحفية براءة جلال الدين، الرائد شريف أخبرني أن..»
يقاطعها الرائد بعجرفة: «نعم نعم شريف أخبرني، تفضلي اجلسي»
أعطاها ورقة بها عدة معلومات عن آخر عملية قاموا بها، هاتفاً بسخرية:
«كما ترين، لقد استطعنا القبض على الشبكة بأكملها، أي أننا لسنا فاشلين!»
تلوي براءة شفتيها مدركة سبب عجرفته معه، فمن الواضح أن شريف أرسلها إلى رائد يعزها كثيراً!
حدقت في الورقة التي أعطاها لها لتعبس بملامحها، المعلومات تافهة للغاية -من وجهة نظرها- أي صحفي مبتدأ يمكنه الحصول عليها.
حاولت طرح بعض الأسئلة عليه..
يقاطعها الرائد بغرور مخبراً إياها أن هذه المعلومات المتاحة له لمنحه إياها!
تركت الورقة بلا مبالاة، نهضت قائلة بثقة و غرور لا يقل عن غروره:
«شكراً لك يا سيادة الرائد، لكن هذه المعلومات لا احتاجها، أنا قادرة على الوصول إلى ما أريد بنفسي»
و دون أن تترك له فرصة الرد غادرت مكتبه!
يلتقط محمد سماعة هاتفه الداخلية، و يحادث شريف ليخبره عما حدث.
يتنهد شريف على الطرف الآخر بضيق.. متسائلاً عن رد فعلها بعد تصرفات صديقه معها، فهو الأعلم بعنادها فيما يخصّ عملها!
يا ليته لم يبعثها إليه، و لكنه معذور، فهو غير قادر على الجلوس معها، روحه تتشتتّ و يفقد سيطرته على نفسه، و الدليل ما حدث منذ قليل!
حسم قراره، الأهم بالنسبة إليه هو سلامتها، حتى لو على حساب سعادته، لذا غادر مكتبه بحثاً عنها.. متوقعاً ما ستلجأ إليه، و لكن ظنونه خابت و هو لا يجدها.
**********
صعدت سيارة سليم صافقة الباب خلفها بغضب..
يرفع حاجبيه بارتياب، يسألها بحذر:
«ماذا حدث؟»
تثرثر براءة بضيق و الحنق يخرج من مقلتيها: «الأستاذ مشغول و غير متفرغ لإعطائي المعلومات اللازمة، بعثني لآخر يتضح كرهه الشديد لي و لم يمنحني ما أريد»
تساءل سليم إن كانت تقصد بحديثها شريف أم ضابط غيره، سألها بعفوية مصطنعة:
«شريف؟»
تهتف بحنق: «و هل أتعامل مع غيره؟»
يطرق سليم المقود بأصابعه مفكراً، الرائد لم يكن ليمنح أي معلومات لبراءة من الأساس، لكنه أخبرها بذلك للسيطرة عليها، و هو الساذج سقط في الفخ و خطبها أملاً في زيادة عيونه في الداخلية!
إن كان فكر قليلاً كان سيكتشف ذلك بنفسه، و عليه سيتخلصّ منها دون أي جلبة؛ فيعمل براحة، و لكنه اندفع وراء هدفه دون تفكير!
يتراجع عن تفكيره، فمن الممكن أن يكون شريف حقاً مشغولاً، عليه بالانتظار قليلاً للتأكد، و إن صدقت ظنونه و أصبحت براءة بطاقة محروقة بالنسبة له، يمكنه التخلصّ منها ببساطة و لن يشك فيه أحد، فهو خطيبها العاشق الولهان!
يبتسم بخبث عندما رتب خطواته جيداً، يلتفت إليها قائلاً:
«انسي الأمر، لنذهب لتناول الغذاء»
تومئ براءة برأسها شاردة، كما لم يلتزم شريف باتفاقهما ستفعل المثل، لكنها لن تخبر سليم بما تنتويه خشية أن يمنعها كما يفعل والدها!
**********
تعالت ضحكات حورية و هي تستمع إلى الطرف الآخر على هاتفها، قبل أن تقول بمرح: «لا، لا تقلقي لم يلاحظ، لقد أبعدت الأوراق عن أنظاره قبل أن ينتبه لما بداخلها»
تزمّ شفتيها بطفولية و تأنيب الطرف الآخر يصلها، تبرر: «أنا لست معتادة على البدأ في أي شيء إلا بعد التخطيط على الورق حتى تنتظم أفكاري و أقرر كيف أعمل..
ثم أن الموضوع مر على خير و لم يكتشف شيئاً»
تقاطع الطرف الآخر و الذي مازال يلقي عليها التأنيب بجملتها: «ساغلق الآن فكمال يتصل..
أراكِ قريباً»
تفتح الخط مستقبلة كلمات كمال العاشقة..
تتنهد بحالمية و قلبها ينبض بسعادة.
**********
ألقت لارا حقيبتها بإهمال على سرير مروة، بعد أن اقتحمت غرفة الأخيرة رغماً عنها بعد عناء لرؤيتها و الحديث معها الأيام السابقة.
رفعت مروة المستلقية على سريرها نظراتها إلى صديقتها دون اتخاذ أي رد فعل..
تتكتف لارا في وقفتها، تهتف بحدة:
«أريد معرفة ما يحدث، هاتفكِ مغلق، أتيت لكِ أكثر من مرة و لكن أحمد منعني من الدخول إليكِ قائلاً أنكِ ترغبين في البقاء لحالكِ..
و لِمَ تبدين شاحبة هكذا؟»
تهتف مروة بشرود و كأنها بدأت في الاستسلام لواقعها، فبعد أيام قضتها في التفكير اعترفت لنفسها أن باسم على حق، أنها حتى إن نجحت في استمالة قلب عزام فوالدته لن توافق على زواجه من فتاة بشعة مثلها، لذا قررت الابتعاد!
«أنا بخير لا تقلقي، لكنني كنت أحتاج لقضاء فترة بمفردي للتفكير جيداً»
تسألها لارا بعدم ارتياح و حال صديقتها يثير رييتها: «تفكرين في ماذا؟»
«علاقتي مع عزام»
أجابتها مروة بشفتين مرتجفتين.
يرتفع حاجبا لارا و هي تسألها بحذر: «و إلى ماذا توصلتي؟»
تهبط دموع مروة دون أن تعبأ بها، تهمس: «سابتعد عنه، فأنا غير مناسبة له»
تزفر لارا أنفاسها بحنق، و تسأل مروة من بين أسنانها: «و مَن ردد على مسامعكِ هذا الحديث التافه؟»
تنظر مروة إلى صديقتها ببراءة، تسألها بخفوت: «ماذا تقصدين؟»
تجيبها لارا بحدة: «اقصد أن كل قراراتكِ الحمقاء تكون نابعة من استماعكِ لشخصين تافهين لا يباليا سوى بما سيرتديا غداً، فأي منهما السبب هذه المرة؟»
تسدل مروة أهدابها معترفة أن صديقتها على حق، فهي كثيراً ما تتأثر بأراء باسم و مرام عنها، و لكنها هذه المرة لم تستمع لباسم من فراغ، فهو على حق!
«باسم»
تمتمت باسمه بخفوت.
تجز لارا على أسنانها، تقرر مغادرة منزل صديقتها قبل أن ترتكب فيها جريمة ستقتل مَن سيحاسبها عليها!
تقول قبل أن تخرج من غرفتها: «كفّي عن السخافات و ارحمي المسكين المتيّم بكِ، أنتِ لم ترين حاله في اليومين الماضيين كيف كان..
ليكن في علمكِ إن لم تعودي لعملكِ الذي أهملتيه في الفترة الماضية دون تقديم أي أعذار مقنعة غداً ستُفصلي..
و إن لم تعتدلي مع عزام سأزوجه بنفسي إلى مرام، فهو حقاً يستحق فتاة أفضل منكِ، فتاة تحارب من أجل حبه و الحصول عليه، لا تستسلم و تتخاذل»
خرجت دون الشعور بتأنيب ضمير، لابد من استخدام الحزم مع صديقتها حتى تستيقظ إلى نفسها!
**********
بقت مروة على حالها لساعة أو أكثر.. مفكرة في حديث صديقتها و الذي بدأ يؤثر فيها، يتعالى صوت قلبها:
«هل انقلب حال عزام بغيابها و عدم تواصلها معه، أم أن لارا تبالغ؟»
تهمس لنفسها بضعف: «لو كان كذلك لِمَ لم يحاول الاتصال بي أو المجيء؟
لا، هو بالتأكيد اقتنع بحديث باسم، أو ربما لم الفت أنا نظره من الأساس!»
انقلبت إلى الجهة اليمنى و الفكرة تثير ضيقها، تتراءى أمامها لحظاتهما سوياً، نظراته اللامعة، تلميحاته..
تهمس بضعف:
«لكن تصرفاته كانت توضح أنه يحمل بداخله مشاعر لي، و لارا أكدت على ذلك بنفسها»
(أنا واثق أن زوجة عمي ستسعد كثيراً بهذا الخبر و ستبدأ في البحث لك عن عروس.. مناسبة)
تعود و تهمس بيأس و حديث باسم يتردد في أذنها: «لكن ماذا عن زوجة عمي؟
هل ستقبل بي زوجة لابنها مفضّلة إياي على الفتيات الأخريات؛ كمرام مثلاً؟»
تتنهد بقوة و هي تنقلب إلى الجهة الأخرى، قلبها يردد: «إن كان يحمل لكِ مشاعر سيواجه الجميع و يقف أمام أي شخص لتصبحي ملكه»
تتحرك شفتيها: «أيُعقل أن يقف بوجه والدته من أجلي؟»
أغمضت عينيها و الفكرة لا تدخل إلى عقلها، تنكمش في نومها ضامة نفسها بقوة، مرددة بضعف: «لقد تعبت.. تعبت، لِمَ لا أحيا مثل بقيّة الفتيات، أحِب و أُحب دون خوف أو تردد؟
لِمَ عليّ التفكير في رد فعل مَن ستتحرك له مشاعري، و إن كان سينظر لي أم لا؟»
تُذرف دموعها، تهمس بتوسل و كأنها تخاطب عزام!
«أحبني أرجوك، قلبي لن يحتمل ألا تبادله عشقه»
عدة دقائق أخرى قضتها حائرة بين كلمات تتردد في أذنها، و حديث لارا و حزمها يبعث الأمل في قلبها..
ينتهي كل شيء عند مَن يملك كل شيء؛ عزام..
تطلب منه أن يريحها مما هي فيه!
احتاجت إلى بعض الماء، نهضت لتأخذ من الزجاجة التي تجوارها، تتأفف بضيق و هي تراها فارغة، تنهض بكسل لتحضر واحدة من المطبخ!
حرصت ألا يراها أحد من أفراد عائلتها، فهي غير مستعدة للخضوع إلى أسئلتهم؛ و التي حاصروها بها الساعات السابقة، و لم يتركوها بمفردها إلا عندما علموا بمجيء لارا و موافقتها على رؤيتها، و بعد مغادرة صديقتها بالتأكيد سيعودوا لمحاصرتها!
تتوقف في منتصف الطريق و الدم يتجمد في أوردتها، يشحب وجهها من الصدمة و هي تستمع إلى حديث والدتها:
«ماذا تقولين يا أم عزام؟
عزام يحب مرام و سيتزوجها!»
تغمض عينيها بانهيار، لسانها يردد بحسرة: «باسم على حق!»

مشكلة لما الامهات تتدخل في حاجة، بتخربها 😂😂😂😂😂
يا ترى عزام هيتصرف ازاي في المأزق ده، خصوصاً ان عايلته كلها تقريبا بقيت عارفة ان عزام لمرام ومرام لعزام 😂😂
استنوني الساعة ١٢ علشان تعرفوا
وفوت وكومنت ان شاء الله يخليكم

روحكِ تناديني (كاملة)Donde viven las historias. Descúbrelo ahora