الفصل الحادي عشر

7.5K 330 19
                                    

هاااااي
اتأخرت عليكم؟
طيب بلا مش هتأخر اكتر وهنزل الفصل الجديد من غير رغي
بس حطوا فوت قبل ما تقرأوا علشان متنسووووش

اضطربت حدقتاها بصدمة، تراجعت بخطواتها أكثر بينما تنظر له ببلاهة..
استغل سليم وضعها ذاك، و قال بمرح:
«و أرجو ألا تجرحي قلبي الصغير برفضكِ»
تهتف براءة بتفاجئ: «أنت تمزح!»
ترتسم ابتسامة واسعة على وجهه، ابتسامة مليئة بالمكر.. الخبث.. الانتصار، و الذين لم تلاحظهم براءة إثر صدمتها بطلبه، قبل أن يسحبها معه إلى.. والديه!
توقفت خطوات براءة، حاولت سحب كفها الصغير من كفه المُحكم عليها بقوة، و هي تقول:
«اتركني سليم، إلى أين تأخذني؟»
يلتفت إليها سليم بابتسامة وديعة لا توضح أهدافه، و يهتف: «اهدأي ماذا بكِ؟
لن اخطفكِ بالتأكيد، نحن لازلنا بالحفل»
ثم يسحبها مرة أخرى، و براءة لا تفهم ما يحدث!
توقف أمام والديه، ليقول و هو يشير إليها:
«أبي، أمي، أقدم لكما الصحفية براءة جلال الدين..
عرضت عليها الزواج من توّي، و إن وافقت ستكون زوجة ابنكما المستقبلية»
لم تكن براءة بمفردها المتفاجئة مما يحدث، بل كانت والدة سليم أيضاً تنظر لابنها بعدم رضى، فهذه ليست طريقة مناسبة ليقدم لها فتاة يحبها، كما أنه لم يخبرها عنها من قبل!
أما والده، الوحيد الذي كان يستوعب ما يحدث، يفهم السر وراء رغبة سليم في الارتباط من براءة، و على الرغم من عدم رضاه التام عن تصرفات ولده، فهو يرى أنها تحكمها بعض التهور؛ و يخشى من ذلك!
إلا أنه رحّب ببراءة بفحاوة، فطالما ولده بدأ بالفعل في تنفيذ خطته، فعليه أن يكون بجانبه و يسانده ليتفادا خطر هذه الفتاة!
شعرت براءة بالخجل من ترحيب والد سليم بها، و في نفس الوقت عدم تقبّل والدة سليم لما يحدث وصل إليها واضحاً، فهتفت بارتباك:
«أنا.. حقاً لا اعلم ما يحدث، لقد فاجئني سليم بطلب يدي، اعتذر»
يهتف جمال -والد سليم- باستنكار: «علام تعتذرين ابنتي؟
الخطأ كله من سليم لأنه لم يعلمنا من قبل برغبته في الزواج، على العكس كان يتهرب إذا فتحنا معه هذا الموضوع»
ثم يرمق براءة بإعجاب واضح، و يردف: «لكن من الواضح أن حاله انقلب منذ أن رآك، و للصراحة لديه كل الحق، فمَن يرى كل هذا الجمال و يظل على حاله؟!»
كلماته زادت من خجلها حتى تمنت أن تختفي من أمامهم، في حين أن شريفة -والدة سليم- قررت الترحيب بالفتاة الآن كما ينبغي، و بعدها ستفهم من ولدها ما يحدث معه!
«أهلاً حبيبتي، اعذريني على تصرفي و لكن سليم فاجئني بالموضوع، فهو لم يتحدث معي عنكِ من قبل..
على كل حال طالما هو اختاركِ فبالتأكيد يحبكِ، لذا أتمنى أن افرح بكما قريباً»
تهمس براءة بحرج: «حتى أنا فاجئني بعرضه، و لم...»
يقاطعها سليم دون أن تتابع كلماتها: «فاجئتكِ صحيح و لكنكِ ستوافقين، أليس كذلك؟»
تضطرب براءة من جرأته و ضغطه عليها، ترأف شريفة بحالها، تعنف ولدها:
«سليم لا تتعامل معها بهذه الطريقة، من حقها أخذ بعض الوقت لتفكر بحريتها..
و كفّ عن وقاحتك، فالفتاة ستفقد وعيها من الخجل»
تتعالى ضحكات سليم المستمتعة بينما ينظر إلى براءة ذات الوجه الأحمر، يقول بوقاحة:
«من الرائع أن نرى الفتاة التي تهاجم الجميع بلا أدنى خوف، و أكبر ناس في البلد يخافون منها خجلة هكذا و لا تستطيع قول جملة مفيدة»
و كانت نبرته تهكمية، زجره عليها والده بنظراته، و انتبهت لها براءة، فقالت ببساطة:
«إنه عملي، و أنا أؤدي واجبي»
ينتبه سليم لإخفاقه لأول مرة معها، فقدانه لسيطرته على نفسه، يحاول إصلاح الموقف بقوله:
«و هذا أكثر ما يعجبني فيكِ، شجاعتكِ و قوتكِ و ركضكِ وراء الحق»
تصدقه براءة بحماقة، تصمت بخجل..
يسحبها سليم من يدها مرة أخرى، و هو يستأذن والديه:
«بعد أذنكما، سنذهب إلى العروس، فأنا متأكد أنها ستجعل براءة توافق عليّ في التو و اللحظة»
تتوسع عينا شريفة حينها باستيعاب، تلتفت إلى زوجها.. تطلب منه بنظراتها أن يؤكد لها ما فهمته، و هو لم يبخل عليها بذلك!
سارت براءة خلف سليم شبه راكضة إثر خطواته الواسعة، و فستانها الطويل يعيق حركتها.
«على رسلك سليم، ساسقط هكذا»
يتوقف مستجيباً، يلتفت إليها و ابتسامته الجذابة تزيّن ملامحه، يقول بجرأة:
«لا تقلقي، بالتأكيد لن أجعلكِ تسقطين على الأرض، ستكون أحضاني أكثر من مرحبة بكِ»
رمشت بعينيها محاولة فهم الشخصية التي أمامها، لا تعلم كيف يجمع سليم بين كل هذه الصفات..
فهو جدي في عمله، مرح.. مشاكس مع أصدقائه، و للتو اكتشفت أنه يملك قدر كبير من الجرأة، تصل إلى حد الوقاحة!
تخرج كلمتها دون أن تعي: «أنت وقح»
يضحك باستمتاع، يقترب منها و يهمس بوقاحة: «وقح لأنني طلبت حضناً!
يا لكِ من بريئة..
و كم سأكون سعيداً و أنا أعرّفك على أصول الوقاحة»
تجحظ عيناها بعدم تصديق لما تسمعه، تتحرك من أمامه و هي تتمتم بعدة كلمات غير واضحة.
يلحقها سليم و هو يضحك عليها، و يقول: «حسناً لا تغضبي، اعتذر»
يقف أمامها و يعيد كلماته، بينما براءة تنظر له بنصف عين و جسدها يشتعل من الخجل.
يعود و يسحبها تجاه شقيقته، يخبرها بما فعله، فتصيح حورية بسعادة، و تبدأ في الضغط على براءة كي توافق، موضحة رغبتها بأن تكون الصحفية زوجة شقيقها!
**********
يصعدان الدرج على أطراف أصابعهما حتى لا يشعر بهما أحد؛ تحديداً والدي طارق!
وقفت أسيل أمام شقة عمها، تقول باعتراض على أفعال زوجها: «لا يصح مانفعله يا طارق، على الأقل نخبرهما أن أثير ستقضي الليلة معهما، لا نتسلل هكذا حتى لا يعرفا بوصولنا»
يقترب منها طارق هامساً بصوت لا يسمعه سواها، حتى لا يدركا والداه وصولهما و يؤخراه عما يريد فعله!
«أولاً والدي لا يشعرا بالوقت و أثير معهما، يتمنيا أن تقضي الليلة برففتهما، فأنتِ تعلمين مدى سعادتهما بوجودها..
ثانياً أنا لم اتركهم هكذا، لقد أرسلت لأبي رسالة و أخبرته فيه أنني لن أمر لأخذ أثير..
فهيا لنصعد و لا تهدري المزيد من الوقت»
«و لكن»
كادت أسيل أن تتابع اعتراضاتها، إلا أن طارق منعها و هو يحملها إلى أحضانه، يهمس بعدم صبر: «لنتناقش في هذا الموضوع في شقتنا»
سارع بخطواته صاعداً غير مبالي باعتراضات أسيل و تذمراتها!
دخل شقته، ليتجه فوراً إلى غرفة النوم، فتتحول تذمراتها إلى ضحكة مثيرة.
وضعها على السرير، ليُشرف عليها بقامته الطويلة مُتفحصاً جسدها المُغطّى بفستان أرجواني يُظهر جمال بشرتها، و يلتصق على جسدها مُبرزاً تفاصيله التي يحفظها..
«و الآن؟»
خرج صوته الأجش ليتلاعب بها.
قالت بدلال: «الآن؟»
يميل طارق عليها، يهمس: «انتهى وقت الحديث»
تضحك بدلال و تنهض من على السرير مُبتعدة عنه قبل أن يلمسها، تقول و هي تتلاعب بخصلة من خصلات شعرها: «و لكننا لم نتحدث بعد، على أساس أننا سنتناقش!»
يخطو طارق باتجاهها، و هو يقول: «و مَن قال أننا لن نتناقش!
سنتناقش في كل ما تريدينه حبيبتي، و سأكون أكثر من سعيد و أنا أوضح لكِ وجهة نظري»
ترفع حاجبيها بعدم تصديق، هيئته و تحركاته لا تتناسب مع كلماته مطلقاً!
«حقاً؟»
يومئ برأسه مؤكداً، يهتف: «بالطبع، و سنبدأ الآن»
ثم و في أقل من الثانية أحاط خصرها مُقرباً إياها من صدره، تتعالى ضحكات أسيل مرة أخرى، و تقول: «أيها المراوغ، كنت اعلم أنك لست جدياً في حديثك»
يهمس في أذنها: «و مَن قال هذا؟
أنا جدي جداً، و سأريكِ مدى جديتي عملياً»
ثم يتناقش معها كما تريد، و لكن بطريقته!
**********
صباح اليوم التالي
في دار الأيتام
رأتها من بعيد تجلس بمفردها و الحزن مازال مرتسماً على ملامحها..
تتأفف لارا بحنق من صديقتها الغبية و سذاجتها، و مع ذلك قررت مساعدتها، قائلة لنفسها:
«صحيح أنها غيية و ستُصيبني بالجلطة، و لكنني لا انكر أنني في يوم من الأيام كنت في نفس مستوى غباءها و أكثر، تقريباً نحن لا نرى مَن يحبونا بصدق إلا بعد أن نتعذب؛ لنعرف أهميتهم في حياتنا!»
و بعد هذه الكلمات تحركت نحو صديقتها، مفكرة فيما ستفعله عندما تعلم بالمفاجأة التي ستخبرها بها!
جلست بجانب مروة دون أن تتحدث، لتنظر الأخيرة إليها، تقول بنبرة بائسة:
«أنتِ غاضبة منّي، صحيح؟»
تزمّ لارا شفتيها، و تقول متذمرة: «على الرغم من أنكِ ستصيبيني بالضغط و السكر و ستأتيني الجلطة من تحت رأسكِ، إلا أنكِ صديقتي و لا استطيع الغضب منكِ، بل مضطرة أن اتحمّل حماقتكِ و أقف بجانبكِ و أساعدكِ حتى تحصلين على حبكِ»
ثم ترمق مروة بتحذير، تقول رافعة سبابتها بتهديد: «لكن أقسم يا مروة إن لم تعتدلي و تكفي عن غباءكِ هذا الذي سيقتل الرجل قبل أن يقتلني، لأذهب أنا إليه و أزوجه لمرام، و وقتها سيكون هناك سبب لتبكي و ترثي حالكِ»
تفغر مروة فاها بذهول، تنظر إلى صديقتها بعتاب..
تقول لارا دون أن تتأثر بحالتها: «لا تنظري إليّ بهذه الطريقة، لقد تعبت معكِ، و عزام سينهار بسبب غباءكِ»
تعقد مروة ذراعيها بضيق من هجوم صديقتها عليها، و مع ذلك تقول بخضوع: «حسناً ماذا تريدين منّي أن أفعل؟»
تتنهد لارا براحة، تدعو الله أن تتخلصّ صديقتها من غبائها المتمسكة به!
«تعلمين أن الطبيبة المشرفة على الأطفال سافرت إلى الخليج مع زوجها، و أننا لم نتفق مع طبيب آخر حتى الآن..
أنا تحدثت مع الفتيات اليوم و اتفقنا أن يحلّ عزام مكانها»
اتسعت حدقتا مروة بسعادة و هي تستمع إلى كلمات صديقتها، فعمل عزام هنا سيتيح لها فرصة أكبر لرؤيته و الحديث معه..
و بالفعل هتفت لارا بما تفكر مروة فيه: «هكذا سيأتي كل يوم إلى هنا، ستستطيعي الجلوس معه و التقرب منه»
ابتسامة جميلة ارتسمت على وجه مروة مُزيلة الحزن الذي كان يغلفه..
تشعر لارا بالسعادة لأنها استطاعت مساعدة صديقتها..
إلا أن هذه الابتسامة لم تدم كثيراً، سرعان ما تلاشت و نبرة مروة المترددة تتعالى:
«و ماذا إن رفض؟!»
«رفضه يعني أنه لا يرغب في التقرب منكِ، فإن كان يريدكِ حقاً سيستغل الفرص ليكون بجواركِ!»
صمتت لارا قليلاً لا تريد التصريح بأفكارها حتى لا تقتل آمال مروة..
لتهتف بعد تفكير: «إن وافق فوراً فهو يعشقكِ و أنتِ غبية لا تفهمي»
تدعو بداخلها أن يحدث هذا لتسهل مهمتها و يتزوج عزام من صديقتها قريباً!
ثم تابعت: «و إن تردد أو رفض فأخبريه أن هذا عمل خيري أولاً، أن بمساعدته لهؤلاء الأطفال سينال أجراً عظيماً»
تومئ مروة برأسها دلالة على استيعابها لحديث صديقتها..
ترفع لارا حاجبيها باستنكار، و تقول: «لِمَ لازلتِ تجلسين أمامي؟!
هيا اذهبي إليه»
ترمق مروة صديقتها بفزع، تقول باعتراض: «أنا مَن سأذهب إليه!
لا مستحيل»
تجز لارا على أسنانها بحنق، ثم تصيح: «و ماذا أقول أنا من الصباح!
هيا اذهبي من أمامي و افعلي ما أخبرتكِ به»
تنتفض مروة على صيحة صديقتها، التي من الواضح أنها فقدت صبرها، فتركض من أمامها دون نقاش حتى لا تعنفها لارا أكثر!
**********
في المشفى
هتف عزام بإعجاب فور أن خرج أحد المرضى: «رائع، لم أكن أتوقع أنكِ بهذه البراعة»
تقول مرام بمرح: «و ماذا كنت تظن يا دكتور؟
أنا اعشق مهنتي كثيراً أيضاً، لذا استعد لأنه ستكون لك منافسة في المستقبل»
يبتسم لها عزام، و يقول: «سأرحب بذلك»
تنفسّت مرام بسعادة، فخطتها تسير على نحو جيد، و الدليل على ذلك إعجاب عزام بأدائها في التدريب، و غداً بالتأكيد سيُعجب بشخصيتها و سينتبه لجمالها الذي يتهافت عليه الكثيرون، و أولهم أطباء هذه المشفى الذين لا تنزاح نظراتهم من عليها!
«صبراً يا عزام، غداً ستركض خلفي طالباً رضاي، صبراً!»
طرقات على باب الغرفة قطعت خلوتهما، ليوجه عزام نظراته إليها، يسألها:
«مريض جديد، هل أنتِ مستعدة؟»
تومئ بحماس زال حينما وقعت عيناها على مَن دخلت العيادة، في حين ارتسمت ابتسامة سعيدة على وجه عزام.
«مروة!
ما هذه المفاجأة؟
أهلاً أهلاً، أنرتي»
رمقتها مرام بسخرية، هتفت لاوية شفتيها: «ابنة العم، لم أتوقع رؤيتكِ هنا أبداً!»
صمتت مروة دون رد، ليبادر عزام بالقول: «لِمَ تقفين؟
اجلسي»
تستجيب مروة له و تجلس على المقعد المقابل للمكتب، تأكلها الغيرة و هي ترى مرام تجلس على المقعد المجاور لعزام..
كم يناسبان بعضهما!
قطع عزام أفكارها عندما هتف بابتسامة: «حسناً ما السر وراء هذه الزيارة السعيدة؟»
تنتقل مروة بنظراتها بين عزام و مرام، تقول: «ارغب في التحدث معك بمفردك إذا أمكن»
لا تعلم أي شجاعة واتتها للتفوه بهذه الكلمات، ربما لعدم تقبّلها لجلوس مرام بجوار عزام هكذا..
أو حتى لا يُصيبها الإحراج أمامها إن رفض عزام العمل في الدار..
في كل الأحوال لقد شعرت بالسعادة و هي ترى ملامح مرام تنقلب بسبب حديثها..
و من جانب عزام، قرر استغلال هذه الفرصة، فمروة لن تأتي إليه كل يوم!
«أنا لم أتناول الغذاء بعد، ما رأيكِ أن تشاركيني؟»
دعوة بسيطة مثل هذه أدخلت السعادة إلى قلبها المثقّل بالحزن، فتومئ برأسها بحماس.
يلتفت عزام إلى ابنة عمه الأخرى، قائلاً: «يمكنكِ أنتِ أيضاً الذهاب لتناول الغذاء مرام، و إن أحببتِ أن تغادري إلى بيتكِ فيمكنكِ ذلك، فأنتِ من الصباح هنا و بالتأكيد تعبتِ»
تفاجئت مرام مما قاله، فلم تكن تتوقع أن يطردها بهذه اللباقة، و بسبب مَن، بسبب مروة البشعة!
و ليس هذا فقط، بل إنه سيخرج مع هذه الحمقاء و يتركها هي لتتناول الطعام بمفردها!
لم تنتبه في خضم أفكارها أن عزام أخذ مروة و غادر بالفعل، لتجز على أسنانها بغضب، و تتمتم:
«حسناً يا مروة؛ إما أنا أو أنتِ، و سنرى مَن ستفوز!»
نزعت البالطو الأبيض، لتأخذ حقيبتها و هاتفها و تغادر العيادة!
سارت و الغضب مازال مسيطراً عليها فلم ترى ما أمامها، اصطدمت بجسد بشري، لترتد إلى الخلف عدة خطوات و العصبية تظهر على وجهها:
«ألا ترى أمامك يا أعمى؟»
خرجت نبرتها حادة.. مُتحفزة للشجار، راغبة في تفريغ غضبها من عزام..
يرفع الشاب حاجبيه مستنكراً، يقول بسخرية: «أنا الأعمى أم أنتِ!
تسيرين دون النظر أمامكِ»
ترمقه مرام من أعلى إلى أسفل باشمئزاز، و تقول: «أنت كيف تتحدث معي بهذه الطريقة!
ألا تعرف مَن أنا؟»
تسير دون أن تسمح له بالتعليق، و هي تتمتم: «يا إلهي، لا اعرف كيف يسمحون لهذه الأشكال بالدخول إلى مشفى راقٍ كهذا!»
تتوسع عينا الشاب بصدمة، يتملكه الغضب من حديثها، يتساءل عن هويّة هذه المغرورة!
**********
أخذ عزام مروة إلى أحد المطاعم القريبة من المشفى..
أزاح المقعد إلى الخلف قليلاً لتجلس عليه، ثم تحرك ليجلس على المقعد المقابل لها، يعبر عن سعادته بقوله:
«لم أتوقع زيارتكِ هذه، لا استطيع التعبير عن مدى سعادتي بها»
تضم كفيها بخجل، و تقول: «في الحقيقة أنا.. جئت لأطلب منك طلباً، و أتمنى أن توافق»
يستند عزام على الطاولة بذراعيه، يقول بصدق: «أنتِ لا تطلبي مروة، أنتِ تأمرين و أنا عليّ التنفيذ»
«إن وافق فوراً فهو يعشقكِ و أنت غبية لا تفهمين»
تعود و تتساءل للمرة التي لا تعلم عددها، هل حقاً يعشقها؟
«الطبيبة المشرفة على حالة الأطفال في الدار سافرت إلى الخارج، ففكرنا أن تحلّ أنت محلها إن لم يكن لديك اعتراض»
و بالتأكيد هو لن يضيّع فرصة كهذه ستساعده على الاقتراب منها، قضاء الكثير و الكثير من الوقت معها.
«حسناً إذاً، سأباشر معكنّ من الغد إن شاء الله»
ترمش مروة بعينيها بعدم تصديق، و كأنه لم يؤكد منذ لحظات تنفيذه لطلبها بدون تفكير!
«هل هذا يعني أنك موافق؟
ألا ترغب في معرفة بعض التفاصيل، مواعيد العمل أو الراتب أو»
يضع أصابعه أمام شفتيها دون أن يلامسهما ليمنعها عن متابعة الحديث، و يتحدث عن نفسه:
«أنا استمتع بقضاء وقتي مع الأطفال مروة و هذا السبب الأول لاختياري مجال طب الأطفال، حيث ساستطيع التعامل معهم و مساعدتهم، و أي تفاصيل أخرى مما تتحدثين عنها لا تشغل بالي»
«كما أنه يكفي أنني سأكون بجواركِ»
تابع بداخله، يعد نفسه بالتصريح بهذا قريباً!
تقول بتوتر: «لم أتوقع ذلك، اقصد أنني لم ألاحظ اقترابك من الأطفال من قبل»
يقول عزام بتفكير: «لا اعلم، ربما اكتشفت هذا أثناء دراستي»
ثم تابع: «كفي عن هز قدميكِ بحق الله أنا لن آكلكِ!»
خرجت كلماته بحنق بعد أن لاحظ تحريكها لقدميها باستمرار، و أزعجه توترها من الجلوس معه.
تتوقف مروة عن تحريك قدماها و العبث في أصابعها، و كأنه لاحظ ذلك أيضاً!
تقول بخفوت: «اعتذر، لم اقصد إزعاجك»
اعتذارها لم يزده إلا ضيقاً، معاملتها الرسمية له لا تعجبه! نهض قائلاً بضيق:
«حسناً لا مشكلة، هيا بنا»
ترفع مروة عينيها إليه بحيرة، تهتف بتردد: «و لكننا لم نتناول الغذاء بعد»
زفر أنفاسه بقوة ليسيطر على غضبه، ثم قال بشبه ابتسامة: «نتناوله مرة أخرى»
نهضت مُستجيبة.. مُتساءلة بداخلها عما فعلته و قلب حاله بهذا الشكل..
راجعت كل ما قالته خلال جلستهما أكثر من مرة، لتزمّ شفتيها عندما لم تتوصل إلى السبب!
و ما أزعجها أكثر صمته خلال الطريق، تسأل نفسها بغيرة إن كان هذا الصمت يسيطر عليه في حضرة مرام أيضاً!
في حين كان هو يفكر فيما يتوجب عليه فعله معها، يبحث عن طريقة يستطيع بها اختراق حواجزها التي تحمي بها قلبها..
«آه كم الحب صعباً!
لِمَ عليّ أن أعاني للوصول إلى قلبها؟
لِمَ لا تبادلني عشقي بسهولة و من دون أي معاناة؟»
تتجه أفكاره إلى منطقة أخرى.. مليئة بالغيرة!
«لِمَ عشقت باسم؟
ماذا وجدت به و لم تجده بي؟!»
يُخرجه صوتها المتردد من أفكاره: «عزام..
هل أنت غاضب منّي؟»
يلتفت إليها مبتسماً، ففي كل الأحوال هي لم تخطئ، فقط اعتذرت لأنها أزعجته!
لكنه هو مَن يضخم المواضيع، ربما هذا يرجع إلى توتره و خوفه من عدم الحصول على حبها!
«لا أبداً، لماذا سأغضب؟»
تهتف بتلعثم: «لا اعلم، و لكن ملامحك انقلبت فجأة، حتى أمر المغادرة دون أن نتناول الغذاء..
انسى الأمر»
هتفت بإحباط بعدما لم تجد كلمات مناسبة للتعبير عن مشاعرها.
يقول عزام بمرح: «لا تشغلي بالكِ مروة، فأنا لقبي غريب الأطوار، فجأة أكون سعيداً و فجأة انزعج و ينقلب وجهي»
ترفع حاجبيها بدهشة، و تقول: «و لكنك لم تكن هكذا من قبل!»
يركز عزام في القيادة، و هو يقول: «ربما لم نكن متقاربين في الماضي بشكل كافٍ لنعرف كل شيء عن بعضنا»
توافقه مروة بداخلها، فهي أبداً لم تكن مقربة لأي من أولاد عمها، على العكس كانت علاقتها بهم سطحية جداً و لا تتعدى الزيارات العائلية المتبادلة، فقط باسم مَن استطاع احتلال تفكيرها و دخول قلبها، أو ربما هي تظن ذلك بسبب حديث عائلتها المستمر عن ارتباطها به!
«نعم صحيح»
همست بخفوت، في نفس الوقت الذي قال فيه عزام: «لقد وصلنا»
تلتفت ناظرة إلى الشارع، ثم تعود و تنظر إليه و كأنها لا ترغب في تركه، تهتف بعد تردد:
«ما رأيك أن تتناول الغذاء معنا، بما أننا لم نتناوله في المطعم»
تلمع حدقتاه بلهفة، فهي لأول مرة تتخذ خطوة نحوه!
يقول بمشاكسة: «ماذا طهت والدتكِ؟»
تتنهد براحة، فلقد كانت خائفة من رفضه، ثم تقول بمرح: «صراحة لا اعلم، لم أهتم بسؤالها صباحاً..
في كل الأحوال إن لم يعجبنا الطعام يمكننا الطلب من أقرب مطعم»
يقهقه عزام على كلماتها، و يترجل صاعداً معها إلى منزلها.
**********
دخل جلال الدين -والد براءة- منزله، يلتفت حوله باحثاً عن زوجته أو ابنته، و عندما لم يلاحظ وجود أحد منهما تعالى صوته:
«كاميليا، براءة، أين أنتما؟»
تخرج زوجته من المطبخ، و هي تجيبه: «نعم جلال أنا هنا»
يلتفت جلال إليها، يسألها بحيرة: «و أين براءة؟»
تتأفف كاميليا بحنق من تصرفات ابنتها و دلالها، و تقول بتذمر: «ابنتك لم تستيقظ حتى الآن، حاولت إيقاظها أكثر من مرة بلا فائدة، و هاتفها من الصباح لم يكفّ عن الرنين و مع ذلك لم تهتم!
اذهب و تصرف معها ريثما أضع الطعام»
يرفع جلال حاجبيه متوقعاً سبب خمول ابنته!
«حسناً ساذهب لإيقاظها..
و بعد الغذاء أريدكِ في موضوع هام»
يسيطر الفضول على كاميليا، تسأل زوجها: «خير إن شاء الله..
ماذا هناك؟»
يهتف بينما يتجه إلى غرفة براءة: «بعد الغذاء سأخبركِ إن شاء الله»
تعود إلى المطبخ و هي تتمتم بعدم رضى: «بعد الطعام سأخبركِ، حسناً لِمَ أخبرني أنه هناك موضوع من الأساس!
هو يعلم كم أنا فضولية، كيف سانتظر؟»
بدأت في صنع الأرز و هي تتذمر بقهر، لتتسلل رائحة حريق إلى أنفها، فتشهق بقوة و هي تنتبه إلى لون الأرز الذي تحول إلى البني المحروق!
تقول بغضب: «تباً لك يا جلال، لقد انحرق الأرز بسببك!»
تلقي الأرز المحروق و تبدأ في صنع آخر، تحاول الانتباه و التوقف عن التفكير فيما سيقوله جلال!
**********
في غرفة براءة
دخل والدها عليها، ليجدها غافية على بطنها، الوسادة على وجهها، الغطاء نصفه أسفل قدميها و النصف الآخر على الأرض!
هز رأسه بيأس من وضعها، اتجه نحوها ليوقظها.
«براءة، براءة هيا استيقظي»
انقلبت براءة إلى الجهة الأخرى متأففة بانزعاج، و هتفت: «كل دقيقة براءة براءة، اتركوني أنام»
يرفع جلال حاجبيه بعدم رضى، يقول مؤنباً: «إن كنتِ تلتزمين بمواعيد العودة إلى المنزل و النوم، لم تكوني لتتأخري في الاستيقاظ لهذا الوقت..
هيا أخبريني متى عدتِ أمس؟»
تلقي براءة وسادتها بإهمال، تنهض قائلة بضجر: «أبي أنا أمس كنت مدعوة لحفل خطبة، لم أكن في العمل أو في مكان أتعرض فيه للخطر..
لذا لا داعي لتبدأ شجاراً معي»
يتفحصّ جلال ملامح ابنته بتركيز، يقول ببطء: «من الواضح أنها لم تكن خطبة عادية، فأنتِ أيضاً تلقيّتِ عرضاً بالزواج»
تجحظ عيناها متسائلة كيف علم والدها بالأمر!
«ماذا؟»
رد فعلها لم يساعد جلال لاستشفاف أي شيء، فقال موضحاً: «لقد تحدث معي سليم الغالي، و طلب منّي تحديد موعد ليأتي هو و عائلته و يطلبون يدكِ»
هل تحدث سليم مع والدها بهذه السرعة؟
هل يُعقل؟
ألهذا لم يلح عليها أمس لمعرفة رأيها بعد مقابلتها لوالديه و شقيقته؟
«اتصل بك؟»
سألت براءة بعدم تصديق.
يومئ جلال مؤيداً.. حانقاً من ملامح ابنته المبهمة.
يسألها مباشرة: «ما رأيكِ؟»
تهتف براءة بمراوغة اكتسبتها من عملها: «أوه أنا جائعة جداً، هل تم تحضير الغذاء أم لا؟»
ثم أسرعت لخارج غرفتها دون أن تنتظر رد والدها، تهرب منه!
«أمي.. حبيبتي، أنا أتضور جوعاً، متى سنأكل؟»
يتابعها جلال بعينيه، يفكر فيما ستقرره ابنته بشأن سليم.
يهمس لنفسه: «لا تتعجل، مازال الوقت مبكراً لمعرفة رأيها، فعليك أولاً السؤال عنه و الجلوس معه رجل لرجل، لتعرف كل صغيرة و كبيرة عن حياته»
يصله صوت زوجته تتعجله لتناول الغذاء، فيتجه إليهما و موضوع سليم يشغل باله.
**********
بعد الغذاء
دخلت كاميليا خلف زوجها غرفة نومهما و الفضول يسيطر عليها، لتسأله:
«ها أخبرني، ماذا حدث؟»
يلتفت إليها مدركاً فضولها جيداً، يقول بابتسامة مشاكسة:
«أنا اشعر بالإرهاق، سأنام قليلاً و عندما استيقظ نتحدث»
تزمّ شفتيها بحنق طفولي، تقول متذمرة: «أنت قُلت أنك ستخبرني بعد الغذاء..
هيا أخبرني و بعدها نام كما يحلو لك، فأنا لن استطيع الانتظار أكثر»
يضحك باستمتاع، و يقول بمشاكسة لا تخلو من الغموض: «تبدين كطفلة صغيرة و أنتِ تتحدثين بهذا الشكل..
مَن يصدق أنكِ بعد سنتين أو أقل من الممكن أن تصبحي جدة!»
تقطب كاميليا حاجبيها بارتياب و الكلمة تثير عدة مشاعر متناقضة داخلها، تسأل زوجها بحذر:
«ماذا تقصد؟»
يتجه جلال إلى السرير ليستلقي عليه وسط دهشة كاميليا، يقول موضحاً: «ما فهمتينه، لقد طلب أحدهم يد ابنتكِ للزواج»
تتسارع نبضات قلبها قلقاً.. فرحاً.. حزناً!
تفهم ذلك الشعور الذي تحكي عنه الأمهات!
فعلى الرغم من أنها لم تعرف حتى الآن مَن يكون أو ماهية وضعه المادي و أخلاقه، إلا أن العديد من الأسئلة هاجمت عقلها..
هل سيحافظ ذلك الرجل عليها؟
هل سيحميها؟
هل ستكون ابنتها سعيدة معه؟
و العديد و العديد من الأسئلة التي صدّرت لها شعور القلق..
مع أنها كانت فرِحة لأن صغيرتها التي حملتها لتسعة أشهر و سهرت من أجل راحتها قد باتت أنثى تجذب الرجال إليها و يُسارعون لطلب يدها، و أنها قريباً ستراها بفستانها الأبيض الذي تخيّلته عليها منذ كنت طفلة رضيعة..
و في نفس الوقت كانت حزينة لأن صغيرتها ستُفارق المنزل.
«لم تسأليني مَن هو!»
سألها جلال بحيرة عندما لاحظ صمتها والمشاعر المتناقضة التي تظهر على ملامحها.
تنتبه كاميليا أنها أهملت أهم جزء في الموضوع، تتحرك لتجلس على السرير -بجوار زوجها- و تسأله بحماس.. مُزيحة قلقها و حزنها جانباً:
«مَن هو؟
ماذا يعمل؟
متى تحدثت معه؟
هل قابلته؟»
يضحك جلال على حماسها الواضح و الذي ينتاب أي أم في وضعها، يقول بمشاكسة مازالت مسيطرة عليه:
«على أي سؤال تريديني أن أجاوب أولاً؟»
تعبس بملامحها بحنق، تتذمر قائلة: «هيا جلال تحدث، لا تكن سمج»
«سمج!»
ردد الكلمة ورائها بصدمة.
تعضّ شفتيها ببراءة، تحاول التأثير عليه بعفويتها.
إلا أن جلال قال بحنق: «و السمج لن يخبركِ بشئ، و انتظري حتى يأتي العريس مع عائلته لتتعرّفي عليه»
ثم سحب الغطاء إلى وجهه و انقلب إلى الجهة الأخرى مستعداً لأخذ قيلولة وسط اعتراض كاميليا الصامت..
تتحرك نحوه بعد تفكير، تحيط خصره بيدها الناعمة، تهمس بدلال:
«جلال، هل غضبت منّي؟»
يبتسم دون أن تدرك ذلك، و يستمر في دلاله عليها!
تتابع كاميليا مُسترضية إياه: «أنت تعلم أنني لم اقصد، و أن الكلمة خرجت بعفوية إثر فضولي»
يستمر جلال في صمته، يترقب حركتها القادمة التي سترضيه بها!
«يكفي جلال أنا كامي حبيبتك، ألم تعتاد على جنوني بعد؟»
يستسلم و يلتفت لها مبتسماً، فتضحك بانتصار، و تقول:
«هيا أخبرني عنه»
يقصّ عليها جلال ما حدث معه: «سليم الغالي، رئيس مجلس إدارة مجموعة الغالي، لم أراه من قبل و لكنني سمعت عنه»
تلتقط كاميليا الكلمة، فتسأله بفضول: «و ماذا سمعت؟»
يشد جلال خصلة من شعرها بممازحة، و هو يقول: «آه لو تتخلصي من هذا الفضول، سوف نرتاح»
تعبس بملامحها زامّة شفتيها، يهتف جلال بيأس: «صدقاً اشعر أنني والد لفتاتين لا واحدة، لا فرق بينكِ و بين ابنتكِ»
تميل كاميليا على صدره بدلال، و تقول: «ألا يعجبك دلالي؟»
تبرق عينا جلال بنظرة خاصة تحكي مدى عشقه لزوجته و والدة ابنته.
«كيف لا يعجبني و هو مَن أوقعني في حبكِ!»
تبعد عيناها عنه بخجل، فيقول جلال باستمتاع: «ابنتكِ ستتزوج و أنتِ مازلتِ تخجلين منّي!»
تتذكّر كاميليا موضوع ابنتها، فتُنهي ما يحدث بكلمتها: «لم تخبرني عن هذا السليم؟»
يعبس بملامحه لهذه المقاطعة، و قد كان على وشك الاستمتاع!
«أهذا وقته؟»
تقول كاميليا بتصميم: «نعم، هذا مستقبل ابنتي و لابد من الاطمئنان عليها»
يتنهد جلال بعدم رضى، و يقول: «سمعت أنه شخص ذكي، لا يستطيع أحد أخذ شيء منه إلا برضاه، و لا يجبره أحد على شيء»
«و كيف طلب يدها و أنت قُلت أنك لم تراه من قبل؟»
سألته بفضول.
يجيبها جلال بصبر: «هاتفني و طلب تحديد موعد، و لكنني طلبت منه أن اجلس معه بمفردنا أولاً»
«و أنا ساجلس معكما»
هتفت كاميليا بحماس.
يرفع حاجبيه باستنكار، يقول: «بالطبع لا»
و طالما قال لا، سيكون لا!
عبست بملامحها بحنق، و نهضت من جانبه قائلة: «حسناً لا مشكلة، سيأتي و أراه و اعرف عنه كل شئ، و وقتها لن تستطيع منعي!»
ثم خرجت من الغرفة صافقة الباب خلفها..
اتجهت إلى غرفة ابنتها لتستفسر منها عن سليم..
فتهرب الأخيرة منها متعللة بأنه يتوجب عليها الذهاب إلى عملها.
**********
أغلقت الكتاب الذي تقرأه بضجر، صحيح هي تحب القراءة و تجد في الكتاب خير صديق، و لكن ليس لهذه الدرجة، لقد بدأت تشعر بالملل من وضعها و عدم قدرتها على الحركة كما يحلو لها، خاصة و أنها لم تعتاد على العكاز بعد.
هزت رأسها بقوة مانعة نفسها من التفكير في وضعها و رثاء حالها، فلم يعد في قلبها مكان لمزيد من الحزن!
التقطت هاتفها لتتصل بزوجها، علّه بمرحه و مشاكسته لها يزيل عنها الملل الذي تشعر به.
انقطع الخط دون أن يأتي الرد، لتعيد الاتصال مرة أخرى، و أخرى!
حتى جاءها رده أخيراً.
«حبيبتي»
«ماهر أين أنت؟
لِمَ لا ترد على هاتفك؟»
أجابها و الأصوات العالية المحيطة به تصلها بوضوح: «أنا مع أولاد عمي، لقد قرروا الاحتفال بي بمناسبة نجاتي من ذلك الحادث»
«أها حسناً»
تمتمت بخفوت و عيناها تتجه تلقائياً إلى قدمها المبتورة، قلبها الذي ظنت أنه لم يعد فيه مكان لمزيد من الحزن يمتلأ بالمزيد!
يعرض ماهر عليها: «ما رأيكِ أن أمر عليكِ و تقضين السهرة معنا؟»
تجيبه فوراً و عيناها مازالت مثبتة على قدمها: «لا، أنا اشعر بالإرهاق و ارغب في النوم»
لم يلح عليها تقديراً لوضعها الصحي، هتف: «حسناً حبيبتي، سأمر عليكِ غداً، يجب أن أغلق الآن فأولاد عمي ينادوني»
«في أمان الله»
هتفت ثم أغلقت الخط، خيالاتها تعود لتهاجمها!
هزت رأسها مرة أخرى، معنفة نفسها: «يكفي لمياء، أنتِ تختلقين الأسباب لتعيشي دور البائسة الحزينة منذ ذلك الحادث..
ماهر وقف و يقف بجانبكِ، كفّي عن هذه الأفكار التي تظلمه»
تنهدت مغمضة عينيها، تفكر في أي شيء يساعدها على التوقف عن التفكير في وضعها و استمرار ماهر معها من عدمه، ولكن أفكارها تحالفت ضدها و دارت و دارت حول نفس النقطة، لتهبط دموعها بيأس..
طرقات على باب غرفتها جعلتها تتوقف عن البكاء تمسح دموعها بسرعة راسمة ابتسامة على وجهها، و إن كانت بائسة.
ظهر هيثم من خلف باب غرفتها بابتسامته التي تُريحها، هاتفاً:
«طوال اليوم و أنتِ في غرفتكِ، ماذا تفعلين؟»
أشارت لمياء إلى الكتاب الذي أغلقته منذ دقائق، و قالت: «اقرأ»
يقترب هيثم منها، و هو يقول بإغراء: «و ماذا ستستفيدي من القراءة؟
أليس فيلم كوميدي مع بطاطس مقلية و فشار، و ربما بعض التسالي و البيبسي أفضل؟»
تلمع عيناها بحماس، تومئ برأسها بموافقة و قد نست كل ما كان يعكر مزاجها..
تحركت لالتقاط عكازها لتخرج من الغرفة، فأوقفها هيثم بكلمته: «ماذا تفعلين؟»
تجيبه بعفوية: «انهض، أم ستأتي بالحاسوب المحمول إلى هنا؟»
يقول و ابتسامته مُرتسمة على وجهه: «لا هذا و لا ذاك»
يحملها إلى أحضانه قائلاً: «ساحملكِ إلى الخارج بنفسي»
تضحك لمياء بسعادة، تحمد الله بأن رزقها بشقيق مثل هيثم.
**********
«مع مَن كنت تحكي كل هذا الوقت؟»
انتبه ماهر إلى سؤال أحد أولاد عمه.
يجيبه بمشاكسة: «كل هذا الوقت!
لم أتعدى الدقيقتين يا رجل»
يحذره نفس الرجل بإشارة مرحة: «لا تتهرب من السؤال..
مع مَن كنت تتحدث؟
أم أنه سر؟»
و أرفق سؤاله الأخير بغمزة وقحة.
تتعالى ضحكات ماهر، ثم يقول بأسى مصطنع: «يا ليت يا رجل، و لكنني دخلت القفص و انتهى أمر اللعب..
كنت أتحدث مع زوجتي»
يصمت الجميع فجأة ناظرين إليه بحذر..
تجول حدقتا ماهر بينهما بارتياب، يسألهم:
«ماذا بكم؟
لِمَ هذا الصمت المفاجئ؟»
يتولى أحد أولاد أعمامه الرد، يقول بارتباك: «جيد أنك فتحت هذا الموضوع يا ماهر، فنحن كنا نرغب في التحدث معك فيه»
«أي موضوع؟»
سألهم ماهر بقلق و الشك بدأ يراوده.
يقول آخر: «موضوعك أنت و زوجتك»
التفت إليه ماهر بحدة.
يضيف الآخر بسرعة: «اهدأ، نحن نريد أن ننصحك لا أكثر»
يقول ماهر بعصبية: «بم تريدون أن تنصحوني؟
هيا تحدثوا»
يهتف أكبرهم بهدوء: «عن علاقتك بزوجتك، فمن الواضح أنك ترغب في الاستمرار معها»
«و ما المشكلة في ذلك؟»
سأله ماهر رافعاً حاجبيه.
يجيبه ابن عمه بنفس هدوءه: «ليس هناك أي مشكلة، فلمياء فتاة خلوقة و لم نرى منها سوى كل خير..
و لكن مع وضعها الجديد سيكون من الصعب أن تستمر معها»
«لماذا؟»
سأله ماهر بحنق.
يجيبه ابن عمه بحنق مماثل.. متخليّاً عن هدوءه: «أتسأل!
أخبرني كيف ستعيش معها بوضعها الجديد؟
كيف ستتأقلم؟
هل ستتحمل شفقة الناس و حديثهم عليكما؟»
«نعم، سأتأقلم مع وضعها و ساتحمل أي شئ من أجلها، أنا أحبها»
يزفر ابن عمه أنفاسه بقوة، ثم يقول: «و لأنك تحبها تظن أنك ستستطيع تحملها..
و لكن العكس ما سيحدث، فبعد شهور ستمل منها و من حياتك معها..
هذا ما يحدث مع أي رجل يقابل نفس وضعك، يظن أنه قادر على التحمل إثر الحب، و لكنه سرعان ما يكتشف الخطأ الذي أقحم نفسه فيه و القيد الذي أحاط به عنقه»
«قيد، لمياء قيد!»
ردد ماهر بذهول لا يستوعب ما يقوله ابن عمه.
يوضح الأخير بحكمة: «بالنسبة لك ستكون لمياء أكبر قيد، فأنت شخصية منطلقة مُحبة للحياة، لن تستطيع التأقلم مع حالتها و الجلوس معها في البيت معظم الوقت..
و إن خرجت و تركتها ستبدأ المشاكل بينكما..
أي أنه في كل الأحوال ستكون حياتكما فاشلة!»
و يصمت ماهر مفكراً في كلماته!

وانتوا مالكم يا شوية عيال مالكوش لازمة، تدخلوا في حياة الرجل ومراته ليه 🙄🙄🙄
ربنا يستر بقى علشان اخر جملة دي مش مريحاني، وقلبي ابتدى يتوغوش ناحية ماهر 😱😱😱
حد زيي؟
وايه رأيكم في الفصل؟
الاجابة عن طريق فوت وكومنت 😂😂😂❤️
وخليكم هنا علشان الفصل ١٢ هينزل على الفجر إن شاء الله

روحكِ تناديني (كاملة)Where stories live. Discover now