الفصل الثالث والثلاثون

9.3K 365 56
                                    

هخلصلكم الرواية عالفجججر، بس خلونا نعدي ٢٠٠٠ فوت قبل ما نخلص باليز باليز باليييييييز

يقود السيارة في صمت تام، يخشى الحديث فتنهار.. تبيع.. تترك، خاصة وهو لا يجد ما يخبرها به ويبرر اقتراب الأخرى منه!
وهي تتململ في مكانها بعدم صبر، ترغب في معرفة حقيقة ما رأته، قلبها يؤكد لها كلام صديقتيها، مروان ليس بخائن، مروان ركض ورائها، توسّل قربها في أشد حالاتها ضعفاً، إلا أن عقلها لا ينفك عن تذكيرها بما رأته بعينيها، ملحاً عليها بخاطر أن لا رجل يتحمل إمرأة مثلها..
لابد سيأتي يوم ويبحث عن أخرى كاملة!
يتلوى فؤادها ألماً ويدها تمتد لساقها الصناعية، معترفة أنها أبداً لن تكون كاملة في نظر نفسها لتكون في نظر الآخرين، فلا لوم على مروان إن ذهب لأخرى!
ارتجف كفها ويد مروان تحيط به.. تضمه بحنو، تتحرك أصابعه على ساقها الصناعية بلمسات جعلت الدموع تلتمع في مقلتيها.
«أنا لم ولن أخونكِ، لا تملأ عيناي إمرأة سواكِ»
التفتت إليه، نظراتها ترجوه التأكيد، أنوثتها تستأمنه على نفسها وقد أضحت لا تتأثر بسواه، قلبها يصرح بتسليمه حصونه وخوفه من الفراق!
أوقف مروان السيارة على جانب طريق خالي، يلتفت إليها، تلتقط كفه الأخرى كفها، يضغط عليها بقوة مشاعره لتصدقه ولا.. تسأل.
«صدقيني حبيبتي الموضوع كله سوء فهم، أنا لم انظر إلى تلك المرأة أو اقترب منها»
تحاصره بسؤالها: «لكنها كانت قريبة منك، على وشك تقبيلك، وأنت كنت مستسلماً لا تتحرك، وكأنك ترحب بذلك!
هل لك أن تخبرني عمّا كنتما تفعلانه؟»
صمت ثقيل حلّ عليهما أكد للمياء شعورها، فهتفت بمرارة: «لا بأس، كنت اعلم أن هذا اليوم قادم لا محالة، ليس عليك الحرج أو التبرير، سأنهي أنا كل شيء وأتحدث مع والداي..
على كل حال هذه ليست أول مرة افعلها!»
غضب كبير تسلل إلى قلبه وهي تشير لآخر بطريقة غير مباشرة..
أمسك ذقنها يرفع وجهها إليه، يحدق فيها بنظرات قوية لا تخلو من التحذير، يقول ضاغطاً على حروف كلماته:
«لا تقارنيني به»
ترمقه بنظرات ميتة تفضح مشاعرها الباردة في هذه اللحظة، تظهر في ابتسامتها الخالية من المرح:
«لماذا؟
في النهاية كلكم رجال تبحثون عن المرأة الكاملة التي ترضي رغباتكم، وأنا لم أعد كذلك»
تأوهت بألم ويده تضغط على عظام فكها، شفتاه تكرر بحدة:
«لا تقارنيني به!»
تنتفض مبعدة وجهها عنه، تصيح بنبرة تقطّر ألماً: «فسّر لي إذاً ما رأيته، لِمَ كانت تلك المرأة قريبة منك؟»
أسبل أهدابه كي لا تكتشف كذبه، هتف مخفياً الحقيقة المرة: «كانت تحاول إغوائي، لكنني لم أعطِها ما تريد»
تضحك عالياً حتى دمعت عيناها من شدة الضحك أو.. البكاء!
«أنت تكذب، نبرتك فضحتك»
نعم هو يكذب، لكن ليس كما تظن!
«والله لم أخونكِ لمياء، صدقيني حبيبتي»
«إذاً؟»
سألته بترقب وشيء بداخلها يصدقه، بل يتوسل أن يكون صادقاً حقاً، فقلبها لن يتحمل المزيد من الأوجاع!
تنهد مروان بقوة، التفت إلى الجانب الآخر هامساً: «لا يمكنني إخباركِ، الموضوع ليس متعلقاً بي»
وقلبه يرجوها أن تتفهم، تصفح، تثق، ولكنها لم تفعل ذلك!
«نحن انتهينا يا مروان، لتهنأ بفتاتك الجديدة»
وترجلت من السيارة قبل أن يرى دموعها.
يبقى في مكانه ثابتاً.. متماسكاً ظاهرياً، ولكن بداخله صراع عنيف لا ينتهي..
يا الله، كيف يخبرها بحقيقة الأمر؟
«والدي متزوج من أخرى كانت تشعر بالشماتة اتجاهي ظناً منها أنني نادم على صد محاولاتها للاقتراب مني!»
كيف ستخرج هذه الكلمات من بين شفتيه؟
بل ماذا سيحدث إن وصل هذا إلى والدته؟
أغمض عينيه بعجز لا يعرف كيف ينتصر عليه، فوالدته من جهة و حبيبته من جهة أخرى!
وكأن لمياء كُتِبت ألا تكون من نصيبه وستظل عذابه الأبدي!
**********
أسفل منزل لمياء
يجلس ماهر على مقدمة سيارته في مكان خفي، عيناه متعلقة بنافذة غرفتها..
يا الله كم يشتاق لها، لضمها، ضحكتها، حديثها، دلالها..
يستحق، يستحق كل ما يشعر به من ألم وعذاب، هو مَن أضاعها من بين يديه بأنانيته وتهوره، ليبكي على الأطلال!
تسللت رائحتها التي لم ولن ينساها إلى أنفه..
اتجهت نظراته إلى مصدرها، يعتدل في جلسته بصدمة وهو يراها على أول الطريق، يحتل الخوف قلبه وهو يرى دموعها التي تغرق وجهها..
يسرع اتجاهها بدون تفكير!
وقف أمامها يتأملها بشوق كبير، يكبح رغبته في ضمها بين ذراعيه والشعور بقلبها قريباً من قلبه.
«لمياء»
وقفت بصدمة وهي تراه أمامها، السبب في كل ما يحدث لها، انطلقت صرختها عالية:
«أكرهك»
ارتد للخلف بمفاجأة، لم يتوقع أن يكون هذا أول ما تقوله له، توقع عتاباً، صمتاً، تجاهلاً، لكن أن تقابله بهذه الكلمة..
يا إلهي لو تعرف كم آلمته، لو تعلم أنها قضت على المتبقي من قلبه وروحه بكلمتها الوحيدة تلك!
ومع ذلك لم يستسلم، لم يكفّ عن الاعتذار، لعّل وعسى!
أمل ما زال يحتل فؤاده، بينما يكرر بلا ملل: «سامحيني حبيبتي، اخطأت في حقكِ اعلم، لكنني نادماً، أقسم أنني نادم على تلك اللحظة التي تركتكِ فيها، كان يُقطَع لساني قبل أن انطق كلمة الطلاق»
بجمود استمعت إلى كلماته وندمه لا يؤثر فيها!
لم تكن تراه كماهر الحبيب.. الزوج السابق، بل كانت تراه السبب في إقحام مروان إلى حياتها بطلاقه لها وجعلها تعاني الآن!
صاحت مكررة بكل ما يملأ قلبها من ألم، بما لا يفهمه!
«أكرهك يا ماهر أكرهك، أنت السبب، أنت السبب»
وركضت من أمامه ولسانها يردد هاتين الكلمتين..
ركض خلفها، يسحبها إليه، يرمقها بتوسل لم تخفِه نبرته:
«أرجوكِ لمياء عودي إليّ، أنا لا استطيع العيش من دونكِ حبيبتي»
تدفعه بعيداً عنها، ترميه بنظرة أخيرة كارهة، ثم تسارع إلى منزلها؛ حيثُ الآمان وعائلتها التي لن تتخلى عنها!
**********
ومن بعيد كانت شاهدة على هذا اللقاء، تشعر بالألم على حال حبيبين افترقا، قلبها يوجعها على انهيار الرجل أرضاً!
تتحرك قدماها بلا وعي اتجاهه، كأن روحه الهائمة تناديها!
«أنت بخير؟»
**********
«يا نهار أسود»
«اخفضي صوتكِ»
أمرت فريال شقيقتها ببرود، بينما تريح جسدها بجانب والدتها.
تصلها نبرة شقيقتها المتحسّرة: «هذا النعيم سيزول وسنعود للفقر مرة أخرى؟
وحسرتاه على هذه الأيام»
وضعت فيفي قدماً فوق الأخرى، قالت بثقة بثت الاطمئنان إلى قلبي والدتها وشقيقتها:
«بالطبع لا، ثابت لن يتركني، إنه يعد الثواني والدقائق ليكون بين أحضاني، لن يتخلى عن المتعة التي يحصل عليها معي، كما أنه وعدني سابقاً أنه لن يتخلى عنّي»
تلوي شقيقتها شفتيها، تقول بعدم اقتناع: «كلام يا حبيبتي كلام، وكلام الليل يمحيه النهار»
ترفع فيفي أكتافها بلا مبالاة، تقول ببرود: «حتى لو، أنا الآن لديّ بدل من الشقة اثنتين، حساب بنكي بمبلغ خيالي، لن يؤثر بي فراقه كثيراً»
تهتف والدتها باستهزاء: «وعندما تنفذ الأموال يا ذكية؟»
ترفع شقيقة فيفي أحد حاجبيها بخبث، تقول: «حينها ستكون شقيقتي الغالية وقعت على رجل آخر لا يختلف عن العجوز الغبي كثيراً..
أليس كذلك فيفي؟»
تنهدت فيفي دون رد، عقلها يشرد في لحظاتها مع مروان، لولا الشرع وحدود الله لم تكن لتتركه اليوم إلا وهو على سريرها..
هي أكثر من قادرة على ذلك، وإن كانت فشلت فيه سابقاً بسبب سذاجتها، فاليوم أصبحت تمتلك من الخبرات ما يفقده عقله ويجعله تحت سيطرة أنوثتها!
لو لم تتزوج والده فقط!
هزت رأسها منفضّة عن نفسها هذه الفكرة، ثابت كنز بالنسبة لها، مصباح علاء الدين الذي حقق لها أحلامها!
ومَن يعلم؟
ربما إن كانت نجحت في إغواء مروان سابقاً لمّا كانت امتلكت كل هذا الآن!
في النهاية السيطرة على عجوز لا يرغب سوى في جسد يفرغ فيه رغباته وإمرأة تدلله كطفل صغير، تختلف عن السيطرة على شاب مفعّم بالأمل والحياة، آلاف من الحسناوات تركضنّ خلفه!
ومع كل اقتناعها بذلك كانت سعيدة بإفساد العلاقة بين مروان وخطيبته، ليتذوق مرارة الرفض كما تذوقتها من قبل!
**********
عيناها جالت على القصر الذي لم تدخله منذ سنوات بضياع، لا تستوعب حتى الآن وجودها هنا، بالكاد عقلها يستوعب كل ما مرت به في اللحظات الأخيرة من الأساس!
«مرحباً بكِ يا حورية»
انتفضت وصوت ريناد يخترق مسامعها، تلتفت متأملة إياها ببطنها المنتفخ الذي يسبقها، ملامحها المرتاحة، الابتسامة المرحبة التي تزيّن وجهها..
تملأ الحسرة قلبها رغماً عنها، فبينما ريناد تملك كل شيء، لا تملك هي أي شيء!
نفضّت هذه الأفكار عن رأسها، هتفت بحرج: «بشار أصّر عليّ للمكوث عندكم لبضعة أيام، لكن أعدكِ أن الوضع لن يطول»
تربت ريناد على كتفها بمحبة أخوية، تقول بنبرة صادقة: «لا تقولي هذا حبيبتي، البيت بيتكِ ونحن ضيوفكِ»
ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتي حورية شاكرة.
يهتف بشار مقترحاً على زوجته: «ما رأيكِ أن تأخذيها لترتاح حتى يتم تحضير العشاء؟
بالتأكيد هي مرهقة بعد أحداث اليوم»
وافقته ريناد، أشارت إلى حورية لتتقدمها..
استجابت الأخيرة بخطوات واهنة..
تتوقف عند أول الدرجات، تلتفت قائلة بضياع:
«بشار، والدي قُتِل في السجن، ماذا عليّ أن أفعل؟»
لم يتألم بشار بمفرده على حالها، بل ريناد أيضاً أشفقت عليها كثيراً، فهذه ليست حورية الفاتنة.. الواثقة.. المفعمّة بالنشاط، القادرة على اتخاذ القرارات..
مَن أمامها الآن تبدو شاحبة.. ضعيفة.. ضائعة، لا تعلم كيف تتحرك بمفردها أو ماذا تفعل!
«سأهتم بهذا»
تشكره حورية بخفوت وتتجه إلى الأعلى..
يشير بشار إلى زوجته بأن تهتم بها، فهي في أشد الحاجة إلى الاهتمام هذه الأيام!
**********
بخطوات بطيئة، ملامح متجهمة، روح تعانق الألم، دخل مروان منزله داعياً الله ألا يصطدم بأحد؛ خاصة والده!
إلا أن أمنيته لم تتحقق!
اقتحم والده غرفته بعد ثواني قليلة من دخوله، يسأله باقتضاب:
«ماذا فعلت مع فريال؟»
بسخرية التفت إليه مروان، بعينين غائتمين بالجرح هتف:
«تسألني عن فريال ولا تهتم بوالدتي التي تهملها منذ أيام!
تسألني عنها دون ملاحظة الألم الذي يبدو على محياي!
وماذا بعد؟
نحن لا شيء في حياتك إلى هذه الدرجة يا أبي؟»
انتفض ثابت وكلمات ولده تخترق قلبه مثيرة مشاعر كان قد نسيها منذ زمن، اقترب منه، يحيطه بحنان أبوي خالص، يهتف بصدق لم.. يؤثر في مروان!
«بالطبع اهتم، أنت وشقيقتك أغلى ما لديّ في هذه الدنيا، لكن موضوع فريال يشغل عقلي من الصباح..»
ابتعد مروان عنه رافضاً الحنان الذي يغدقه عليه، قاطعه بنبرة ميتة: «لا داعي للتبرير أبي، ما حدث وضّح مكانتنا لديك فعلياً وليس بمجرد أقاويل..
وواضح أيضاً أن فريال هانم تدرك هذه المكانة جيداً لذا أتت بكل عين وقحة إلى المكتب اليوم وتحدتني!
لكن أتعلم ماذا؟
هذه المرأة أرخص مما كنت أتصّور، لا اعرف كيف استطاعت خداعك أو.. ربما هذا لم يكلفها الكثير!»
وخرجت كلماته الأخيرة ساخرة ممعناً في إهانة والده بقسوة تسيطر عليه في الأيام الأخيرة، وثابت يكبح غضبه بقوة؛ فأي تصرف سيتخذه تجاه ابنه سيزيد من سوء علاقتهما!
أطلق مروان تنهيدة طويلة، قبل أن يضع والده أمام الأمر الواقع!
«عليك بالاختيار أبي؛ إما والدتي أو تلك المرأة، لن أقبل أن تعيش أمي مخدوعة مع رجل يخونها..
والآن من فضلك غادر غرفتي، عليّ التفكير في حل للمشاكل التي وقعت فيها بسبب اختياراتك!»
كاد ثابت أن يسأله عن معنى كلماته الأخيرة، إلا أن دخول زوجته منعه، والتي مع دخولها شحب وجه مروان فزعاً من أن تكون استمعت لحديثهما، خاصة وهي تحدق فيهما بنظرات مبهمة!
«خير يا أمي؟»
تشهق راوية مزيدة من خوفه، تقترب منه في غمضة عين، تلمس وجهه وشعره بقلق.
«أنت بخير يا حبيبي؟
لِمَ تبدو شاحباً؟»
يزفر مروان أنفاسه بارتياح، تتجه نظراته إلى والده، يخبره بعينيه:
«أترى الفرق بينكما؟»
ثم يلتقط كف والدته ويقبله بحنو، قبل أن يرفع وجهه المبتسم لها، هاتفاً بكذب: «لا تقلقي حبيبتي أنا بخير»
تستشعر راوية عدم صدقه، تهتف بإصرار: «أبداً، أنت لست بخير، أخبرني بما بك»
تلتفت إلى زوجها، تسأله بخوف: «ماذا يحدث مع ولدنا يا ثابت؟»
أبعد ثابت نظراته عنها وشعور بالخجل يداهمه!
يهتف مروان بجزء من الحقيقة: «تشاجرت مع لمياء»
تعقد حاجبيها بعدم تصديق، فروح ولدها معلقة بتلك الفتاة، لن يتشاجر معها إلا إذا كان الموضوع كبيراً!
قبّل مروان كفها مرة أخرى، وهمس يطمئنها: «لا تقلقي، سيُحل الموضوع بمشيئة الله»
إلا أن قلبها لم يطمئن!
**********
دخلت راوية خلف زوجها غرفتهما، تسأله بينما تلتقط سترته وتضعها في مكانها الخاص: «ألا تعلم سبب شجارهما؟»
بشرود أجابها ثابت: «مَن تقصدين؟»
كان عقله منشغلاً بحديث ولده الأخير وضرورة حسمه للاختيار!
مَن يختار؛ راوية أم فريال؟
أصدر تنهيدة طويلة محمّلة بما يشعر به في هذه اللحظة..
نست راوية ابنها ومشكلته، ربتّت على كتف ثابت، تسأله
«ماذا بك يا ثابت؟
ألم تنتهي مشاكل العمل بعد؟»
يتجه إلى السرير بعد أن بدّل ملابسه، يهتف: «لا، ليس بعد»
تجلس بجانبه، تستمر في سؤاله: «وهذه المشاكل هي السبب في توتر العلاقة بينك وبين مروان؟»
رفع نظراته إليها بصدمة.
«بالتأكيد لاحظت ما يحدث بينكما، لكنني لا اعتقد أن مشكلة عمل ستتسبب بكل هذا الخلاف»
فضّل ثابت الهرب من المواجهة التي لا يعلم إلى ماذا ستنتهي، استلقى مولياً إياها ظهره، وقال:
«لا تشغلي عقلكِ بالتفكير، هي مجرد مشكلة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً»
ولم يسمح لها بالمزيد من النقاش وتظاهر بالنوم!
تبقى راوية ساهرة.. شاردة فيما حلّ بعائلتها!
**********
«مَن هنا؟
أجننت؟»
عضّت ريناد شفتها السفلى ناظرة إلى أعلى خشية هبوط حورية واستماعها إلى حديث حماتها..
زفر بشار أنفاسه بضيق، يهادن والدته برقة: «يا أمي، يا حبيبتي، الفتاة أصبحت وحيدة لا أحد لها، حتى شقيقها الله وحده يعلم أرضه من سماه»
«لم نفتح منزلنا كسبيل للقتلة وتجار المخدرات يا سيد بشار!»
هتفت ثريا بنزق رافضة وجود حورية في بيتها.
ترمق ريناد زوجها بتوسل لينهي الأمر قبل هبوط حورية.
«هي ليست كعائلتها يا أمي، وأنتِ بنفسكِ أشدتِ بها و بأخلاقها من قبل!»
تعقد ثريا ذراعيها بتذمر، تعترف بخفوت: «خُدِعت فيها»
«استغفر الله»
تمتم بنزق..
تدخلت ريناد قائلة بشفقة: «والله الفتاة مسكينة يا ماما، لو ترين حالتها سيتألم قلبكِ عليها»
تلتفت إليها ثريا، تقول بعدم رضى: «سأضع وجهي في الأرض أمام صديقاتي وأنا أستقبل واحدة مثلها في بيتي!»
تجز ريناد على أسنانها وتصمت تماماً، أكثر ما تكرهه هو نظرة الوسط المخملي وحديثهم؛ هذان اللذان أبعداها عن حبيبها من قبل!
واليوم حورية مكانها، تواجه نفس الرفض الذي واجهته هي منذ أكثر من سنة، وإن اختلفت الأسباب!
هذا المجتمع لا يرحم كباقي مجتمعها أجمع والذي ينتظر ذلة لشخص ما ليأكل لحمه فيتركه ضعيفاً بلا أي طاقة!
حتى وإن كان ذلك الشخص لم يرتكب الخطأ بنفسه!
والنهاية أن لا أحد مرتاح، الكل في انتظار لحظة يذوق فيها من الشماتة والاحتقار ما أذاقه لغيره!
ضمّ بشار والدته من الخلف، يرجوها: «بالله عليكِ يا أمي تقبلي وجودها لعدة أيام فقط، أعدكِ ألا يعرف أحد بوجوها لدينا»
رمقته ثريا باستنكار، ما يقوله ولدها المستحيل بذاته!
لا تستبعد في هذه اللحظة معرفة الجميع بمكوث حورية لديها!
«هي بنفسها أخبرتني أنها ستغادر في أقرب وقت، تقبليها بيننا هذين اليومين من أجلي»
وأمام ملامحه المستعطفة أعلنت استسلامها موافقة على استقبال حورية ليومين أو ثلاث، تقسم على ألا تطول المدة عن ذلك!
دقائق وانضمت لهم حورية، ومن الثانية الأولى استشعرت ضيق ثريا من وجودها إثر تعامل الأخيرة الجاف معها، فعزمت على الرحيل في أقرب وقت..
لكن إلى أين؟
تنهدت والهمّ يملأ قلبها، متمنيّة وجود شقيقها بجانبها!
**********
«أنا أسفل منزلكِ، إن لم تردي عليّ سأقف في منتصف الطريق واصرخ عالياً أنني أحبكِ، أنكِ أوقعتني في هواكِ بسحركِ الأسود..
أنتِ لم تعرفيني بعد، مجنون وافعلها!»
انتفضت مرام بهلع قارئة رسالة أشرف مرة بعد مرة بعدم تصديق، تقفز من على السرير مسرعة إلى شرفة غرفتها، تتطلع إلى الطريق الشبه خالي في هذا الوقت من الليل، وبينما نظراتها تمشط الشارع باحثة عنه، صدح رنين هاتفها مفزعاً إياها!
فتحت الخط دون انتظار، لتصلها قهقهته العالية!
«أين أنت؟»
وبعد موجة ضحك أطربت أذنها، جاءت نبرته المشاكسة: «في منزلي»
«ماذا؟»
هتفت بذهول لم يدوم كثيراً، تتابع بلوم: «أنت لا تكفّ عن خداعي!»
يهتف أشرف ببساطة: «لم يكن لديّ حل آخر لتردي على مكالماتي!»
تسأله بحنق يخالف قلبها المحلق بسعادة لسماع صوته: «ماذا تريد يا دكتور؟»
التوت شفتا أشرف بابتسامة عابثة، هتف بجدية أتقنها: «أردت الاستعلام عن إن كنتِ ستتابعي التدريب لدينا، وأي قسم تريدين؟»
«والله!»
رددت بصدمة واضحة تعالت لها ضحكاته مرة أخرى..
قبضت على هاتفها بغيظ من سماجته، قالت مهددة: «سأغلق الخط!»
يعاجلها بهمسه: «أحبكِ يا مغرورة»
تتلاعب بخصلات شعرها بدلال أنثوي، تهتف بضيق: «لكنك خدعتني!»
يهتف ببراءة مستفزة: «استغفر الله، متى خدعتكِ أنا؟»
يرتفع حاجباها دون التعقيب على كلماته.
«تذكّري أنكِ لم تسأليني من قبل عن دراستي، عائلتي ولا أي شيء، كوّنتِ فكرتكِ عنّي من خلال نظرتكِ فقط»
«وتصرفاتك؟»
سألته بنبرة أقرب للاتهام.
«ما بها تصرفاتي؟
أنا لا أحب التباهي بمكانتي وما أمتلكه من أموال..
ما المشكلة في ذلك؟»
تأففت معترفة أنه على حق، لم يخدعها أبداً كما تتهمه!
«والآن؟»
هتف بعبث.
قطبت حاجبيها منتظرة بقيّة حديثه، ترتسم ابتسامة سعيدة على شفتيها بينما يتابع: «هل تقبل المغرورة أن تكون زوجتي؟»
تضحك بخفوت، وتنهره: «لا تقل مغرورة»
يكرر عرضه بطريقة مضحكة: «هل تقبل التي ليست مغرورة أن تكون زوجتي؟»
تتعالى ضحكاتها بلا إرادة منها باعثة الابتسامة إلى شفتيه، يقول بخفوت وكأنها وافقت!
«سأتصل واحدد موعداً مع والدكِ»
**********
في آخر الليل
دخل هيثم غرفة شقيقته بعد ساعات طلبت فيها البقاء وحيدة دون تحديد سبب!
وأمام إصرارها أذعن والداها إلى قرارها..
تفاجأ بعينيها المتورمتين، الدموع التي تغطي كامل وجهها، أسرع ليضمها إلى أحضانه؛ ملجأها الدائم، وهتف بحنو يخالف القلق العاصف به:
«حبيبتي، ماذا بكِ؟»
تمسكت بأحضانه، دموعها تشكيه العذاب الذي تعيشه..
لِمَ ذهبت إلى ذلك المجمع التجاري؟
لِمَ تعرضت هي تحديداً إلى تلك الإصابة؟
لِمَ تركها ماهر ولم يتحمل؟
ولِمَ دخل مروان حياتها؟
لِمَ خانها بعد أن سقط قلبها صريع هواه؟
لِمَ أعطى الأمل لأنوثتها ومن ثم قتلها بكل دم بارد؟
«لمياء»
حثها هيثم بتوتر لإخباره.
«أنا ومروان.. انتهينا»
لم يفهم ما تعنيه!
بل فهم ولكنه لم يستوعب!
«أنتهيتما، كيف؟»
رمشت بعينيها المليئة بالدموع، قالت بعد تفكير دام لثواني: «انتهينا وفقط، أرجوك لا تسأل»
متساءلة بداخلها عن السبب في عدم إخباره بفعلة مروان.. خيانته لها!
ألا ترغب في تشويه صورته أمام عائلتها، أم قلبها الخائن لايزال يتمنى أن يكون بريئاً من اتهامها؟
نهرها عقلها بقوة: «لقد رأيتِه بعينيكِ، ماذا تريدين أكثر من ذلك دليلاً؟!»
أبعدها هيثم عن أحضانه محدقاً في عينيها محاولاً سبر أغوارها.
«كيف وفقط؟
ما السبب وراء ذلك؟
لابد وأن نعلم!
أجرحكِ؟
أهانكِ؟
خانكِ؟»
ومع آخر كلماته انفجرت باكية..
تتوسع عيناه بعدم تصديق، يردد: «مستحيل»
أمسكها من ذقنها بقوة، يسألها بصدمة: «كيف؟»
تهمس تحت إلحاح قلبها: «لا تخبر أحد»
أزالت دموعها بكفيها، تابعت بأسى: «عموماً هذا حقه، أن يبحث عن امرأة كاملة ترضي رجولته لهو حقه»
عقد حاجبيه بعدم استيعاب، كيف يخون مروان شقيقته بعد كل هذا الحب؟
كيف وهو عشقها واختارها وهي في أسوأ حالاتها؟!
«كيف عرفتِ؟»
تهتف منهية الموضوع، لم يعد لديها القدرة على المزيد من النقاش: «رأيته بعيني، وعندما واجهته راوغ في الحديث وكذب عليّ!»
«اتركني من فضلك يا هيثم، أرغب في النوم»
وبالفعل استلقت على سريرها بعد إنهائها لكلماتها..
غادر هيثم ممتثلاً لطلبها، عقله يفكر ويحلل ما قالته بعدم تصديق!
**********
اتصل به كثيرا، إلا أنه لم يحصل على أي رد!
لم يجد أمامه سوى جنان ليتصل بها!
وصله صوتها المرح: «هيثم بنفسه يتصل بي!
هل تشعر بالمرض؟»
لم يكن في حال يسمح له بمبادلتها المزاح، هتف بجدية أثارت ريبتها: «أين مروان؟»
تلوي شفتيها بخيبة، تقول بعصبية: «هذا هاتفي، إن كنت ترغب في محادثة مروان اتصل به على هاتفه!»
وتابعت بغيظ وأصابعها تتجه لزر إغلاق الخط: «ومن دون وداعاً!»
تصلها كلماته قبل أن تفعل ما نوته: «اتصلت به أكثر من مرة ولم يرد عليّ»
تهتف من بين أسنانها بغيظ: «نائم إذاً، كفّ عن إزعاجه!»
ارتفع حاجبا هيثم حتى كادا يصلا إلى منابت شعره..
هل أصبح هو المزعج؟!
تجاهل التعليق على كلماتها، على الأقل حتى ينتهي من مشكلة شقيقته، وبعدها يعرف كيف يحاسبها!
«أريده في موضوع هام، لا يؤجل»
اعتدلت جنان في جلستها وفضولها ينتصر على غيظها منه، تسأله: «ماذا حدث؟»
ولأنه يدرك مدى فضولها وعنادها، لم يجد مفر من إخبارها بما قالته لمياء له..
ومَن يعلم، ربما ساعدته في معرفة الحقيقة!
**********
أمام مقابر عائلة الغالي
لم يتردد لحظة في الذهاب إلى هناك بعد معرفته بمقتل جمال الغالي..
بالتأكيد هي هنا..
وأخيراً سيراها!
وقف على مسافة منها، قلبه ينبض بعنف، عيناه تتجول عليها بشوق..
أما هي؛ تجمدت في مكانها عند رؤيته، تتأمله حدقتاها بوله لا يقل عن خاصته!
تخرج همستها متزامنة مع همسته:
«كمال»
«حورية»
ولم تعي بنفسها بعدها إلا وهي بين أحضانه!
ينسحب بشار بصمت تاركاً لهما الحرية للحديث.. مطمئناً لخلو المكان الذي سيهيء لهما ذلك!
«اشتقت إليكِ، يا الله كم اشتقت إليكِ»
همس بصدق بينما يضمها إليه أكثر، يعتصر جسدها بين ذراعيه، يتشمم رائحتها، وهي تفعل المثل!
تظن أنه حلم فتقرر الاستمتاع به!
دقائق مرت عليهما وهما على هذا الحال، حتى أبعدها كمال، إلا أنه احتفظ بها بين ذراعيه، إحدى يداه تحيط بخصرها، والأخرى تتحرك على وجهها بلمسات حانية..
تغمض حورية عينيها مستسلمة له تماماً!
«لا، افتحي عينيكِ، اشتقت إليهما»
همس وأصابعه تتحرك على عينيها، استجابت له، تنظر في عينيه بهوى..
تُقابل نظراتها باللوم.. العتاب.. الشفقة.. الحب!
تنتفض فجأة متذكّرة وضعها، عائلتها التي أحالت حياتها إلى جحيم، أجبرتها بأفعالها على التخلي عن حبيبها!
بصمت أبعدت يديه عنها وخطت مبتعدة عنه..
خرجت نبرة كمال ساخرة:
«إلى أين؟»
تجيبه بهدوء دون أن تنظر إليه: «لا دخل لك»
برودها استفزه، اقترب منها يحيط كتفيها، أدارها إليه لتتواجه نظراتهما، هتف بشراسة: «أنا زوجكِ، من حقي معرفة النفس الذي يدخل رئتيكِ وليس وجهتكِ فقط!»
ترفع أكتافها بلا مبالاة تخالف الجرح الساكن قلبها: «وأنا طلبت الطلاق»
غُرِزت أصابعه في كتفيها من فرط عصبيته..
تكتم تأوهها داخلها، تحتفظ بوجهتها الباردة.
«لن أطلقكِ، انسي هذا تماماً لأنه لن يحدث إلا في أحلامكِ!»
خرجت ضحكة من بين شفتيها أثارت دهشته، ضحكة مليئة بالمرارة، وبابتسامة العالِم بالأمور هتفت:
«ربما لن تطلقني اليوم، ولا غداً، ولا حتى بعد غد..
لكن بعد شهر، ربما شهرين، أو سنة، عندما يصيبك الملل من أحاديث الناس عنّي، ينفر قلبك من اسمي، تجد روحك مَن تمتلك مفاتيحها، يقّر عقلك أنها المناسبة لك؛ ستفعلها بنفسك دون أن اطلب منك!»
رمشت بعينيها محاولة طرد الدموع التي ملأت مقلتيها، أطرقت برأسها حتى لا يرى الألم على ملامحها.
«لا أظن أن زوجتك القادمة ستقبل أن تكون على ذمتك فتاة أخرى!»
ثم سارعت بالابتعاد عنه ولم تعد تملك القدرة على السيطرة على دموعها..
تصلها نبرته العالية بينما تتحرك اتجاه سيارة بشار:
«لن يحدث يا حورية، لن تمتلك قلبي فتاة غيركِ، لن يدفىء أحضاني جسد سوى جسدكِ!»
صعدت إلى سيارة صديقها، هامسة بصوت لا يسمعه سواها: «ستأتي مَن تجعلك تنسى كل هذا؛ أما أنا.. فلن أنساك!»
تحرك بشار بسيارته وخلفه رجل حُرِم من حب حياته رغماً عنه!
**********
«يا الله، وأخيراً عدت إلى بيتي، عملي، حياتي»
دارت براءة حول نفسها فور عودتها إلى منزلها، صائحة بهذه الكلمات.
يغلق جلال الدين باب منزله، يتطلع إلى ابنته بحنو، يحمد الله على نجاتها من تلك اللعبة التي كادت تودي بحياتها..
عقدت كاميليا ذراعيها أمام صدرها متأملة فرحة براءة بعودة حياتها إلى ما كانت عليه.
«نرجو ألا نضطر لمفارقة المنزل مرة أخرى بسبب إحداهنّ!»
تجاهلت براءة حديث والدتها وكأنه لا يعنيها!
أبداً لن تترك عملها، لن تخاف أو تتهاون في الكشف عن أي فساد، في كل الأحوال هناك مَن يحميها بحياته!
ابتسمت بمشاكسة متذكّرة أخرى لقاءتهما سوياً والضغط الذي كاد يُصاب به بسببها!
حتى أنه منذ ذلك اليوم لم يحادثها!
«حمّام منعش، وبعده زيارة مفاجئة إلى مكتبه تتلاعب بقلبه و....!»
عضّت على شفتيها وأفكارها تأخذها إلى منحنى وقح يزيد من حماستها للذهاب إليه، ستتلاعب به، ستجعله يموت شوقاً لقربها، لقد اشتاقت لذلك معه!
يأتي صوت كاميليا محبطاً آمالها: «هيا بدلي ثيابكِ وإلى العمل»
قطبت حاجبيها بعدم فهم، أي عمل هذا الذي ستذهب إليه، لقد أخبرت الجريدة أنها ستعود غداً!
«سيلزمنا الكثير من الوقت لتنظيف الشقة»
توسعت حدقتاها بهلع، هتفت بجسد متخشب: «شقة، سننظف الشقة؟»
وقبل أن يأتي التأكيد من كاميليا، التفتت إلى والدها تسأله بأمل: «ألم تبعث إحداهنّ للتنظيف قبل مجيئنا؟»
تتولى كاميليا الرد بالنيابة عنه، تقول بنبرة مستفزة: «وما وظيفتكِ أنتِ لنأتي بأخرى؟
ألستِ السبب في رحيلنا عن المنزل من الأساس؟»
تمتمت براءة بعدة كلمات غير مفهومة، قبل أن تنظر إلى والدتها باستعطاف، تقول مشيرة بإصبعها بطفولية: «حسناً أمي، لكن اسمحي لي بساعة واحدة، لدي مشوار هام وأعدكِ لن أتغيّب سوى ساعة»
يكتم جلال الدين ضحكته وكاميليا تقلد طفلته، ترفع إصبعاً واحداً، وهي تقول: «والله ولا دقيقة واحدة قبل أن تنظفي الشقة»
تضرب براءة الأرض بقدمها باستياء وقد ضاع مخططها اتجاه شريف!
**********
بعد عدة ساعات استُنزفت فيها طاقة براءة تماماً، لم تعد قادرة على الوقوف على قدميها حتى، ارتمت على الأريكة بتعب..
لوت كاميليا شفتيها بعدم رضى، قالت باستفزاز: «ما شاء الله على الدلال، كل هذا التعب من تنظيف شقة صغيرة!
والله لا أعلم كيف ستفتحي بيتاً، ليعين الله سيادة الرائد عليكِ!»
نظرت لها براءة بطرف عينيها، وهتفت بغيظ: «ستقفي في صفه من الآن يا أمي!»
تجاهلتها كاميليا وعادت إلى المطبخ، تتأفف براءة بنزق ازداد ورنين الباب يصدح..
نهضت بكسل لترى مَن الطارق.
تجمدت بصدمة وشقيقة شريف تقف أمامها، والأخيرة تقول بخجل:
«اعتذر عن قدومي بلا موعد، شريف أخبرني بعودتكِ أنتِ ووالداكِ إلى بيتكِ، أحببت أن آتي وأهنئكما على زوال المحنة»
تنحنحت بحرج وبراءة ترمقها ببلاهة.
«ألن تسمحي لي بالدخول؟»
شهقت براءة مستوعبة أنها لم تدعو زائرتها للدخول بعد، أفسحت لها الطريق قائلة باعتذار: «أوه يا إلهي بالطبع، تفضلي تفضلي»
دخلت وفاء بصحبة طفلتها إلى الداخل، أغلقت براءة الباب، تشهق مرة أخرى مستوعبة ما ترتديه -ملابس التنظيف- ورائحتها المريعة، سارعت بالقول:
«دقيقة واحدة فقط بعد أذنكِ»
ركضت اتجاه غرفتها لتبدّل ثيابها..
تتوقف وتعكس الاتجاه راكضة نحو المطبخ، تقول لوالدتها على عجل:
«أمي شقيقة شريف بالخارج»
وقبل أن تستوعب كاميليا أو تستفسر؛ كانت عادت بأدراجها إلى الغرفة..
تقهقه الطفل، وتقول:
«انظري إليها أمي تبدو كالمجنونة»
تعنفها والدتها بصرامة، ثم تبتسم مستقبلة ترحيب كاميليا بها.
**********
بعد عدة دقائق
عادت براءة إليهما بهيئة مختلفة، اقتربت الطفلة من أذن والدتها، تهمس:
«إنها تشبهني فعلاً كما قال خالي»
زجرتها وفاء بعينيها، تقول بصرامة: «اصمتي رؤى، يكفي شقاوة»
اعتدلت الصغيرة في جلستها تزمّ شفتيها بضيق.
تسألها كاميليا بحنو: «أتريدين شيئاً صغيرتي؟»
تتولى وفاء الرد نيابة عنها: «لا أبداً شكراً سيدتي»
تتبادل الحديث مع براءة مستعلمة عن علاقتها بشقيقها وكيف تقابلا..
تشعر براءة وكأنها خاضعة للتحقيق!
شاكستها وفاء عن طبيعة عمل شريف الخاصة، أنها كانت تفضّل له زوجة لا تعمل..
تعقد براءة حاجبيها، تزمّ شفتيها كما فعلت الصغيرة منذ قليل!
تقفز الأخيرة في مكانها، صائحة بنبرتها الطفولية: «إنها تشبهني، تشبهني»
حدقت فيها براءة وكاميليا بحيرة، توضح الصغيرة بحماس: «خالي أخبرني أنكِ تشبهينني، لذا هو يحبكِ»
انطلقت ضحكات كاميليا عالية، ووفاء تزجر ابنتها بعدم رضى؛ أما براءة فجزت على أسنانها بغيظ لا يتناسب مع الحمرة التي زيّنت وجنتيها، هاتفة لنفسها أن ما ستفعله فيه يستحقه!
«اعذراها هي»
حاولت وفاء الاعتذار بحرج..
تهتف كاميليا بحنو بينما تسحب الصغيرة نحوها: «لطيفة للغاية»
وشردت براءة فيما ستفعله مع شريف، مصّرة على مقابلته اليوم!
**********
ارتدت السالبيت الجينز؛ ذاك الذي يُطير بعقله، وتأكدت من هذا عندما رأت ابنة شقيقته ترتديه..
ألم يقل أنها تشبهها؟
لن تجعله كاذباً إذاً!
تركت شعرها القصير مسترسلاً يتأرجح على كتفيها، سحبت هاتفها وانطلقت للخارج متجاهلة الحقيبة كعادتها!
نصف ساعة أو أكثر وكانت أمام إدارة مكافحة المخدرات، تهرول بخطواتها اتجاه مكتبه.
**********
مسح على وجهه بتعب، كما توقع قضية جمال الغالي لم تكن سهلة على الإطلاق، وما زادها صعوبة هو تورط أكبر رجال البلد معه، أعمالهم المعلنة ما هي إلا غطاء للمشبوهة منها!
أغلق ملف القضية وقد أنهاه تماماً بعد القبض على آخر فرد من هؤلاء المجرمين ومواجهته بالأدلة التي لا يختلف عليها اثنين..
ترتسم ابتسامة سعيدة على ملامحه متذكّراً إشادة رئيسه به، تأكيده على ثقته أنه كان قادراً على تخليص البلد من المجرمين أمثالهم، ليس هذا فقط، بل توقع له ترقيّة قريبة جداً نتيجة نجاحه في عمله!
لا ينكر أن كل هذا بـ.. فضلها بعد فضل الله سبحانه وتعالى!
براءة جلال الدين!
لولاها لمّا كان التقط طرف الخيط (سليم الغالي) وتتبعه حتى أسقطهم جميعاً!
استرخى في مقعده، مغمض العينين، عقله يأخذه إليها..
البراءة التي سلبت لُبه وسيطرت على عقله بشقاوتها..
بعد آخر مرة رآها لم يتحدث معها بسبب ضغط عمله، وكم اشتاق لها!
ضحكة صغيرة صدرت من بين شفتيه متذكّراً آخر حديثهما ومشاكستها له.
«وإن كنت ترى عدم قدرتك على ذلك فالأفضل لك الانسحاب قبل أن تتورط مع متهورة مثلي!»
الغبية، الحمقاء، تعتقد أنه سيتركها بهذه السهولة!
ألا تعلم مدى حبه لتهورها واستمتاعه عند التفكير في كيفية السيطرة عليه!
وها قد عاد إلى تلك المنطقة المحرمّة!
مسح على وجهه محاولاً طرد الأفكار التي تعبث بخياله وتزيل سطوته على نفسه.. مستنكراً تفكيره في هذه الأشياء وهو رجل أمن محترم!
زفر أنفاسه بقوة مستعيداً سيطرته على نفسه، يلتقط إحدى الملفات ليلهي بها نفسه!
لكنه لم يفلح!
طرقات ناعمة.. مشاغبة على باب مكتبه جعلته يعقد حاجبيه بارتياب!
«مستحيـ»
ولم يتَبع كلمته ومَن توقعها، كانت تشغل أفكاره منذ قليل تظهر أمامه بهيئتها.. المدمرة!
كأنها ترتدي فستاناً قمة في الإغراء وليس سالبيت ترتديه ابنة شقيقته الصغرى!
تحتل الصدمة ملامحه ونبرتها الرقيقة تخترق مسامعه: «كيف حالك سيادة الرائد؟»
ارتفع حاجباه بدهشة بينما هي تقترب منه، تجلس على المقعد المقابل لمكتبه، ذراعاها تستندان على سطح المكتب واضعة رأسها عليهما، فيصبح وجهها قريباً من وجهه!
تراجع بمقعده للخلف في حركة ملحوظة، بينما هي تزمّ شفتيها في حركة تجيدها وأشادت بها الطفلة ووالدتها منذ بعض الوقت.
«لِمَ تتجاهلني؟»
يرمقها بصدمة وهي تتابع: «منذ لقائنا الأخير ولم تتصل بي!»
يبرر بتوتر ليس من خصاله: «كان لديّ ضغط عمل»
أمالت رأسها فتحرك شعرها إلى أحد الجانبين، ظهر عنقها واضحاً لعينيه، همست بإغواء متعمد:
«العمل يأخذك منّي، ألم تشتاق إليّ؟»
فطن لما تفعله، إنها تتلاعب به كعادتها السابقة!
عادت لشقاوتها المحببة و التي كانت قد تخلت عنها إثر ما عانته في الفترة الأخيرة..
لكنه والله لا يحتمل هذه المشاكسة الآن، خاصة وأن بعض الأفكار -الوقحة- تسيطر على عقله!
«شريف»
ونطقها لاسمه بهذه الطريقة المدللة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
نهض بلا إرادة وقلبه يتسّلم مقاليد تصرفاته..
خطى اتجاهها ليُشرف عليها من علوّ، يميل عليها حتى لفحت أنفاسه الساخنة بشرتها البيضاء، يهمس بصوت أجش:
«ماذا تريدين؟»
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تراه بهذا القرب، فشلت في الهروب منه وجسده يحاصرها، التصقت في المقعد وكأنها جزءاً لا يتجزأ منه.
«ابتعد قليلاً»
ابتسامة ملتوية ظهرت على شفتي شريف، لطالما أخبرها ألا تلعب معه، هي ليست أهّلاً به، لكنها لا تقتنع!
دنى منها أكثر حتى لم يعد يفصل بينهما شيء، وبراءة تكاد تبكي على ما وضعت نفسها فيه، تسب نفسها على تهورها وعدم قدرتها على مجابهته!
«لِمَ ابتعدتِ؟
ألم تشتاقي إليّ؟»
تمسكت يداها بالمقعد وكأنه سيحميها منه، تعالى صوت أنفاسها إثر توترها، مما جذب أنظار شريف إلى.. شفتيها!
تعلقت نظراته بها لعدة ثواني، قبل أن تتجه إلى صدرها الذي يعلو ويهبط بطريقة ملحوظة، يظهر العرق على جبينه والشيطان يحركّه..
تحاول السيطرة على حالتها بـ.. فشل!
شفتاه أمام شفتيها، جاهدت براءة ليخرج صوتها وتمنعه عمّا هو مقدم عليه، لكنها لم تنجح في ذلك!
أغمضت عينيها مستسلمة، شيء بداخلها يتوّق لهذه اللحظة!
تفتح عينيها بصدمة وشفتاه تجاور أذنها، يهمس بصوت أجش: «عقد قراننا الأسبوع القادم»
رمشت بعينيها محاولة استيعاب ما قاله..
وسارع شريف بالخروج من مكتبه هرباً من مشاعره!
**********
وضعت أمامه المزيد والمزيد من الطعام، ملاحظة لعبه بالملعقة وعدم دخول قطعة خبز فمه..
عندما فقدت الأمل، هتفت بضيق: «لِمَ لا تأكل حبيبي؟»
انتبهت جنان وثابت إليها، إلا مروان؛ كان شارداً في المشكلة التي حلّت على رأسه، غير منتبه لوالدته!
«مروان»
صاحت جنان بصوت مرتفع..
ينتفض في مكانه رامقاً إياها بضياع أثار حزنها وإصرارها على إعادته لحبيبته!
أشارت بنظراتها إلى والدتهما، قائلة: «والدتي تناديك من ساعة!»
التفت مروان بنظراته إلى والدته.
«ماذا بك يا حبيبي؟
لِمَ لا تأكل؟»
يكذب بشبه ابتسامة: «آكل أمي»
تظاهر بتناوله الطعام، إلا أن راوية لاحظت ادعاءه لذلك، ازداد ضيقها على حال ولدها الذي انقلب رأساً على عقب منذ شجاره مع لمياء، لم تكن تعلم أنه يحبها كل هذا الحب، أنها تمتلك قلبه ومشاعره بكل هذه القوة، بُعدها سيؤثر عليه إلى هذه الدرجة!
عليها الاحتفاظ برأيها عن الفتاة بداخلها، والتدخل لإعادة البسمة إلى وجه ولدها، هي لا تقوى على رؤيته بهذا الحال!
أما هو فاستأذن بخفوت بعد عدم قدرته على الصمود أكثر، التقط هاتفه ليتصل بحبيبة قلبه للمرة التي لم يعد يعرف عددها، إلا أنه لم يحصل على رد كالمرات السابقة!
وآه ماذا يفعل؟!
لا يرغب في الذهاب إلى منزلها حتى لا يعلم والداها بالأمر ويفقد سيطرته على الموضوع، وفي نفس الوقت يرغب في رؤيتها و....
وماذا مروان؟
هل ستخبرها بالحقيقة؟
ستفضح والدك وتلقي بكرامة والدتك؟
لا يستطيع، للأسف لا يستطيع ذلك، ولا يعرف كيف ينهي هذا الموضوع لتعود حبيبته له!
**********
تمر الأيام ما بين سعيد وتعيس، متفاءل وفاقد الأمل في الحياة، معد لحياته الجديدة بكل حماس، ومنزوي في غرفته يرثي حظه..
هكذا هي الدنيا، ساعة تجعلنا نلمس النجوم، تأخذنا إلى الجنة، وساعة أخرى تلقي بنا إلى سابع أرض لنواجه واقع أليم، نصطدم بمجتمع قاسي لا يعرف الرحمة!
ونحن كجنود الله في الأرض، علينا مواجهتها بكل حالاتها، محسنين الظن بالله وواثقين أنه يفعل الأفضل لنا.
**********
يوم زفاف عزام ومروة
انطلقت الزغاريد من حولها، والدتها، صديقاتها، حتى العاملات في صالون الحلاقة النسائي شاركوها فرحتها..
ترمق نفسها من خلال المرآة بعد أن انتهت الفتاة من تزيينها، تتأمل فستانها الأبيض بفرحة، فستان من قماش الدانتيل بلا أكمام، يلتصق بجسدها مبرزاً منحنياته، ويغطي ذراعيها قماش الشيفون الأبيض..
أما شعرها فعقصّته مصففة الشعر على هيئة كعكة، وضعت في مقدمته تاج صغير انسدلت منه الطرحة حتى منتصف ساقيها، أغمضت عينيها المزيّنة بالكحل العربي بسعادة لا تصدق نفسها، حركت شفتيها المطلية بأحمر شفاه أحمر قاني متمتمة لنفسها:
«وأخيراً أنا زوجة عزام رسمياً»
انتفضت والزغاريد تتعالى من حولها مع إعلان وصول العريس، تقبض على باقة الورود البيضاء بتوتر.
**********
تجمد في مكانه حينما ظهرت أمام عينيه بطلتها البهيّة، جالت نظراته عليها بشوق متأملاً كل أنش في جسدها بسعادة بالغة وتوق رجولي لضمّ هذا الجسد بين أحضانه والاستمتاع بقربه!
لكزه باسم بخفة ليتحرك بعد أن تعالت الهمسات الوقحة من حولهم على وقفته ونظراته من قبل عاملات الصالون..
خطى عزام اتجاه الشوكولاتة الخاصة به ونظراته لا ترحمها..
تطرق مروة برأسها المتورد، تعضّ شفتيها بخجل مع كل خطوة يخطوها نحوها.
وقف أمامها، تغمض عينيها وإصبعه يتحرك على وجنتها بخفة، يدنو أكثر ناسياً نفسه ومَن حوله!
وبهمس لا يسمعه سواها، أثار فضول مَن حولها، قال:
«الجمال لا يصفكِ، تبدين كقطعة شوكولاتة شهيّة..
الفتنة تغار منكِ، وقد سرقتِها كلها بطلتكِ»
ثم يتحرك إصبعه ليحرر شفتها، متابعاً: «لا تؤذِها، يكفي ما سأفعله أنا بها»
تعلقت نظراتها الوجلة بنظراته..
يشفق على حالها وتوترها، يبتسم لها بحنوّ..
تزفر نفساً طويلاً يعبر عن مخاوفها من الليلة!
حثه باسم على الحركة، يقف بجانبها يتأبط ذراعها، ثم يسيرا سوياً وسط الزغاريد والفرحة تعمّ الأجواء.
**********
تولى باسم القيادة بالعروسين حتى استوديو التصوير..
بعد دقائق طويلة استغرقتها العائلة في التصوير معهما وسط نفاذ صبر عزام وفرحة مروة، طلب المصور إفساح المجال للعروسين لالتقاط بعض الصور الخاصة!
وبالفعل ما هي إلا ثواني حتى اختلى عزام بعروسته، لا يكبل رغباته سوى وجود المصور!
ترتسم ابتسامة واسعة على شفتيه ووجود الرجل يخدمه!
اقترب من زوجته، سحبها إليه ليلتصق ظهرها بصدره، أحاطت ذراعاه خصرها بحميمية، فيشعر بارتجاف جسدها..
بخجل نفذت مروة أوامر المصور، التفتت بوجهها لتتقابل نظراتها بنظرات زوجها، ارتفعت يدها لتحيط بعنقه من الخلف، تتسارع نبضاتها أمام ابتسامته الجذابة.. الواعدة بالكثير، تجفل والضوء الأبيض يسطع في الغرفة الصغيرة!
صورة تلو الأخرى، وكل واحدة أكثر جرأة من التي قبلها، إلا أن واحدة منهنّ لم تكن مثل الأخيرة!
«لا مستحيل»
اعترضت بصوت مرتفع والمصور يطلب منهما أن يقفا متقابلين، يحتضنها عزام وشفتيه تلامس جانب شفتيها!
رفع المصور أكتافه بعدم اهتمام، فهو معتاد على مثل هذا الرفض من بعض العرائس..
أشار له عزام بالتريّث، همس لمروة برجاء:
«هيا شوكولاتي، إنها الصورة الأخيرة»
هزت رأسها برفض.
«هيا، ستندمي مستقبلاً على إهدار هذه اللحظات»
وبالفعل سحبها إلى أحضانه، شفتيه تحطّ على جانب شفتيها، هامساً: «من أجلي شوكولاتي»
تصّلبت بين ذراعيه مصدومة..
يستغل المصور الفرصة ويسارع بالتقاط الصورة، فيبتسم عزام بانتصار وقد حقق غايته!
**********
حضر إلى القاعة مبكراً وكأنه من أصحاب الزفاف، فقط كي يراها!
تململ في جلسته وبين كل ثانية وأخرى ينظر في ساعته بنفاذ صبر..
تهتف جنان بهدوء مقدّرة حالته:
«لن تأتي الآن»
التفت مروان إليها بضيق.
«في المعتاد تصل العروس في وقت متأخر، لذلك أمامنا الكثير من الوقت..
نحن أتينا مبكراً جداً»
أشاح مروان بوجهه عنها، قائلاً باقتضاب: «لم يطلب أحد منكِ المجيء، أنتِ مَن أصريتِ!»
«كأنني سأتركك بمفردك، أو أفوّت على نفسي رؤية هيثم!»
هتفت جنان بداخلها متعجبة.
وكما قالت، انتظر لأكثر من ساعة حتى تعالت الزغاريد بوصول العروسين..
اتجهت أنظاره إلى مدخل القاعة باحثاً عنها بشوق، حتى التقطتها عيناه..
فغر فاهه بذهول وعيناه تمسحها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها، تأكل كل ما تقع عليه!
وبلا شعور تحركت قدماه نحوها ناسياً شقيقته تماماً!
**********
لم تغفل عن وجوده وهي التي بحثت عنه منذ أن خطت قدماها للداخل، قلبها يخبرها أنه هنا.. بانتظارها!
كتمت أنفاسها وذراعاه يحيطا خصرها، يسحبها معه إلى زاوية هادئة..
يقف مقابلاً لها، تكاد تكون في أحضانه، يده تحيطها خشية هربها!
تطرق بنظراتها لتنجو من عنف مشاعره.
«لومي»
تعالى وجيب قلبها ليماثل دقاته المتسارعة.
«يا الله، كنت أظن أنني سأموت قبل أن أراكِ مرة أخرى»
شهقت بفزع وكلماته تزلزلها.
«بعيد الشر عنك، ليحفظك الله ويرزقك بالعمر الطويل»
تعالى تأوهه بينما يميل على الجدار المجاور لهما حتى لا يفقد سيطرته على نفسه.
«وأخيراً سمعت صوتكِ، كم اشتقت إليه»
وآه وألف آه من شوقها هي إليه، اشتاقت إلى كل ما فيه، نظراته المحبة، همساته المداوية، ابتسامته المهلكة..
لم تكن تدرك أن بعدها عنه سيشكّل كل هذه الصعوبة، لن تبالغ إن قالت أنها كادت تموت الأيام الماضية وهي تمتنع عن الرد على اتصالاته..
تحمد الله أنه لم يتهور ويأتي إلى منزلها فيعلم والداها بالمشكلة التي لم تخبرهما بها حتى الآن!
«لا تصمتي تحدثي، اصرخي في وجهي إن كنتِ غاضبة منّي، لكن لا تحرميني من صوتكِ»
أبعدت خصلة من شعرها خلف أذنها، قالت بأسى: «إن كنت اشتقت إليّ كما تدّعي، لِمَ فعلت ما فعلته؟»
بأطراف أصابعه لمس الخصلة الشاردة من شعرها، يهمس بعتاب: «أتصدقين أنني قد أخونكِ؟»
حركت رأسها بنفي ويدها تشير إلى قلبها، موضحة: «مع أنني رأيتك بعيني، إلا أن هذا الخائن لم يصدق، لا زال يمتلك الأمل!
وذلك الأمل هو ما جعلني لا أخبر والدي حتى الآن!»
وضع كفه على كفها محركاً إياه على قلبها، فانتفض جسدها خجلاً وتأثراً.
«لا تقولي عنه خائن، هذا حبيبي»
خطت مبتعدة عنه، بينما هو يتابع بصدق: «أنا والله لم أخونكِ، برضا الله ووالداي عنّي، بحياتي وحياة شقيقتي لم أخونكِ»
أمالت رأسها ونظراتها تسأله عمّا رأته.
«لا استطيع الشرح، الموضوع ليس متعلقاً بي بمفردي، لكنني آمل أن تصدقيني»
ترمقه بخيبة أمل، تبتسم ساخرة بينما تتحرك من أمامه.
**********
عاد إلى شقيقته بملامح ازدادت تجهماً وحزناً، فتفهم أنه لم يفلح في إصلاح ما فسد!
فقط لو تفهم ما حدث، هي واثقة أنه لم يخُن لمياء، لكن كيف تثبت للأخيرة ذلك وهي ليس لديها أية معلومات عمّا حدث!
«هيا جنان سنغادر»
مطت شفتيها ناسية مروان ومشكلته، لا تفكر سوى بحبيبها الذي لم تراه حتى الآن.
«لنجلس قليلاً، الزفاف لازال في البداية»
إلا أن مروان لم يكن في مزاج رائق لحضور حفلات من الأساس، صاح من بين أسنانه لافتاً بعض الأنظار إليه: «قُلت سنغادر، ألا تفهمي؟»
تبتسم جنان بحرج والدموع تلتمع في مقلتيها، تلتقط حقيبتها الصغيرة وتنهض مستجيبة لأمره.
تحركت بينما هو لازال في مكانه، يلوم نفسه على عصبيته عليها، خاصة وهذه أول مرة تخرج منذ وقت طويل، تحديداً منذ إنهاءها لاختباراتها!
زفر أنفاسه بضيق، سحبها قبل أن تتخطاه لتجلس على المقعد مرة أخرى، مال مقبلاً رأسها، معتذراً بخفوت، فتبتسم له جنان بحنو.
ابتعد ليجلس بجوارها، عيناه تتابع خطيبته الغاضبة بكل شوق، وعيناها تبحث عن سارق قلبها!
**********
بعد أن أدى العروسان رقصتهما الخاصة، انطلقت الأغاني الشعبية مزلزلة القاعة، الجميع يرقص ويصيح بسعادة من شباب وأطفال..
جلست مروة على المقعد المخصصّ لها لاهثة، مشيرة لصديقاتها وفتيات عائلتها بعدم قدرتها على متابعة الرقص؛ عظامها تؤلمها.
تسللت نظراتها إلى كلدائرة الرجال التي تحوي عزام بداخلها محاولة رؤيته وهو يرقص، وعندما فشلت في ذلك، اتجهت نظراتها إلى الشاشة الكبيرة المعلقة في جانب القاعة والتي تعرض كل ما يحدث، ومن حظها كانت حينها تتركز على عزام..
نست العالم ومَن حولها وعيناها تتأمله، ابتسامة سعيدة تزيّن شفتيها وهي تراه يجاري مَن معه في الرقص ببراعة!
استمرت في متابعته لدقائق لا تدركها، حتى أتت لارا ولمياء ليأخذاها إلى ساحة الرقص مرة أخرى!
**********
واقفة وسط الفتيات، تصفق باستمتاع تارة وتتمايل بجسدها تارة أخرى، غير غافلة عن باب القاعة وانتظار حبيبها!
شهقت بسعادة وعيناها تلتقطه أخيراً بجانب شقيقها، لا تعلم متى دخل وكيف وصل إليه، الأهم أنه جاء!
سارعت بخطواتها اتجاههما، تجلس بجانب شقيقها مقابلاً له، نظراتها لا تنزاح من عليه!
تجاهلها هيثم وكأنها غير موجودة، يتابع حديثه مع مروان وسط الموسيقى الصاخبة، يؤكد له أن الأمور ستصبح بخير في القريب العاجل!
استأذن مروان منه بعد أن شعر باهتزاز هاتفه، يشير إلى شقيقته بصرامة ألا تتحرك من مكانها حتى يعود، وكأنها ستفعل!
لاحظت تجاهل هيثم المتعمد لها فبادلته إياه بإباء، تمايلت مع الموسيقى الصادحة وهي في مكانها
يأتيها أمر هيثم صارماً: «اعتدلي في جلستكِ»
رمقته رافعة أحد حاجبيها باستنكار، تجاهلت أمره، ليكرره بصرامة أكبر، مضيفاً:
«ما الذي ترتدينه؟
الفستان قصير للغاية، كيف سمح مروان بخروجكِ بهذا المظهر؟»
تميل عليه كي يصله صوتها، تهتف بصوت مرتفع قليلاً وقد جاءتها الفرصة على طبق من ذهب!
«مَن أنت لتتدخل؟
زوجي؟
خطيبي؟
شقيقي؟»
يسارع هيثم بالتأكيد ناسياً تهديده لها من قبل: «نعم خطيبكِ»
ترفع أكتافها بلا مبالاة مخفية الابتسامة الماكرة التي تجاهد للظهور على شفتيها!
«لم تخطبني من والدي بعد!»
حينها عاد مروان إليهما، يجلس في مكانه..
تنسحب جنان وتتجه إلى حلقة الفتيات مرة أخرى، إلا أن عينيها لم تغفل عن هيثم الذي مال على مروان هامساً له بعدة كلمات، تقسم أنه يحدد مع شقيقها موعد للزيارة!
وها قد استغلت الفرصة أحسن استغلال!
**********
توقفت الموسيقى فجأة، تتعالى الهمسات المتعجبة من قِبل المدعوين، قبل أن يعلن منسق الحفل:
«الأغنية القادمة إهداء من العريس إلى العروس»
تعالت الصيحات من حولهم، والموسيقى تصدح مرة أخرى، يستمعوا إليها بفضول.
التفتت مروة إلى عزام بسعادة، تتفاجأ به يبتعد عنها بعد أن غمزها بمرح!
ووسط عدم فهمها وحيرة المدعوون، التقط الميكروفون، غنى:
«حواسي قبلك خمسة... وحبك بقلبي السادس»
غير معقول، هل سيغني لها؟!
تساءلت بصدمة والتصفيقات تتعالى من حولها بحماس.
«للدنيا اربع فصول... وعينيكِ الفصل الخامس»
تعالى الصفير من حوله، بينما هي تتأمله بقلب يرتجف عشقاً، عينان تمتلأن بالدموع من فرط تأثرها.
أشار لها وصوته يصدح:
«حلاكِ تخطى المعقول... بده علم ومدارس...
شو مابيحكي وشو مابقول... بحروف بحبك حاسس»
يخطو باتجاهها، عيناه في عينيها، شفتاه تتحرك بعشق:
«الباء: بعشق عينيكِ..
والحاء: حياتي ليكِ..
والباء: بغار عليكِ..
والكاف: كل يوم بحبك»
يقف أمامها، يضمها إليه ليتمايلان بخفة، وهو يكرر بتأكيد:
«الباء: بعشق عينيكِ..
والحاء: حياتي ليكِ..
والباء: بغار عليكِ..
والكاف: كل يوم بحبك..
بحبك بحبك..
كل يوم بحبك»
يقف خلفها، يجذبها إليه، يلتصق ظهرها بصدره، يده تستقر على خصرها بأريحية..
تضع مروة يدها عليها، تضمها بعشق، تتمايل بجسدها بحركات تتناسب مع حركاته، وصوته يملأ القاعة:
«يا حلوة بكل الاوقات... وغيركِ لا ما بيحلالي»
تفاجئت رشا بمَن يضمها من الخلف، ترفع نظراتها إلى زوجها الذي أخذ يتمايل معها على صوت ابن عمه.
التفتت مروة بوجهها إلى عزام، تتأمله وهو يغني..
يتركها ويشير إلى أعلى مؤكداً مكانتها في قلبه، مثيراً غيرة الفتيات من حولهما:
«لو مهما يزيدوا النجمات... وحدكِ القمر العالي»
ثم دار حولها، وعيناها تتابعه بسعادة.
«رح غنيلك غنيات... وخلي اسمكِ موالي...
ولو سكتت كل الكلمات»
يقف أمامها، يصدح صوته عالياً:
«بقول بحبك بالعالي»
يصيح الجميع من حوله باستحسان..
تغطي مروة فمها بكفها، وبعض الدموع تتسرب من عينيها بالفعل!
يزيلها بأطراف أصابعه، يغني بابتسامة صادقة:
«الباء: بعشق عينيكِ..
والحاء: حياتي ليكِ..
والباء: بغار عليكِ»
يقف مروان بجانب لمياء، يكرر وراء عزام بهمس:
«والكاف: كل يوم بحبك»
تركض جنان اتجاه هيثم، تهدده بحماس: «أتعلم إن لم تغني لي هكذا يوم زفافنا، ستكون ليلتك سوداء»
وكما ظهرت أمامه فجأة اختفت فجأة، وهيثم ينظر في أثرها ببلاهة!
توقفت الموسيقى معلنة انتهاء الأغنية، إلا أن عزام لم يتوقف، أخذ يكرر بتأكيد وعيناه في عين زوجته، ويده ممسكة بيدها:
«الباء: بعشق عينيكِ..
والحاء: حياتي ليكِ..
والباء: بغار عليكِ»
تحرك مروة شفتيها مرددة معه بعشق:
«والكاف: كل يوم بحبك..بحبك بحبك..
كل يوم بحبك»
يلقي بعدها الميكروفون بلا مبالاة، يلتقطه أحد القريبين منه..
يضم عزام مروة إلى أحضانه ويدور بها وسط القاعة..
يتوقف عند شعورهما بالدوار، يستند بجبينه على جبينها، ويهمس:
«أحبكِ»
والمدعوون لا يتوقفوا عن الصياح والتصفيق.
**********
هدوء عمّ القاعة بعد الإعلان عن افتتاح مائدة الطعام..
أحضر باسم صحنين له ولزوجته، يجلس بجانبها بعد أن وضعهما على طاولتهما.
تمسك رشا كفه، تسأله: «أنت بخير؟»
كان يدرك عمّا تسأل، لم يراوغ في الإجابة، فهو أكثر مَن يعلم بخوفها على حزنه.
«بألف خير»
إلا أن رشا لم ترتَح، خاصة والنظرات المشفِقة، المستحقرة تحيط بزوجها.
«ماذا كان سيحدث إن أجريت الجراحة قبل الزفاف لا افهم؟!»
لامته بعتاب.
«لن نعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى، كلها ساعات وأعود كما كنت..
واخفضي صوتكِ لا أريد لأحد أن يعلم»
صمتت مجبرة، فلن يجدي الحديث فيما مضى وانتهى!
مال باسم عليها، يهمس بوقاحة: «أكثر ما أنا نادم عليه هو تحديد موعد الجراحة بعد حفل الزفاف..
لِمَ يتمتع عزام الليلة بمفرده؟
احقد عليه»
ابتسمت مستمتعة بكلماته و.. حسرته!
يعضّ على شفته السفلى، يتابع برغبة: «كما أن هذا الفستان الناري يغريني لفعل الكثير!»
تغمزه بعينها بوقاحة اكتسبتها منه، تهمس مستفزة إياه: «لتستمتع بالفستان وصاحبته بعد أن يتم تخديرك»
يلتقط الطعام بغيظ، يسب الساعة التي حدد فيها موعد العملية!
أين كان عقله حينها؟
**********
أمسكت مروة بيده تمنعها من تقدمها نحو شفتيها.
«سآكل بمفردي»
ولغرض في نفس يعقوب وافقها عزام، إلا أنه لم يتمالك نفسه في التصريح عن أسبابه:
«سأوافق فقط لتأكلي جيداً، لا وقت لدينا في المنزل لتتناولي الطعام»
ويرمقها مستمتعاً بخجلها.
تهمس لنفسها: «وكأنني ساستطيع تناول الطعام بعد ما قاله!»
أما هو فكان يتضّرع لينتهي هذا الحفل، لم يعد يمتلك الصبر!
**********
وأخيراً انتهى الزفاف!
زفر عزام أنفاسه بحماس بينما يساعد مروة على الصعود إلى السيارة، ينطلق بهما باسم مرة أخرى، ولكن هذه المرة متجهاً إلى منزلهما!
وعدة سيارات تتبعه، أبواقها تتعالى، باعثة السعادة في كل شارع يمرون به..
أمام المنزل
التفت عزام إلى والديه وعمه وزوجته، يقول بوقاحة: «ها قد وصلنا بسلام، شكراً لتوصيلكم»
حدقوا فيه بريبة.
«سأدخل لأسـ...»
يقاطع عزام والدة مروة: «لا داعي يا زوجة عمي، مروة من الآن مسئوليتي..
أعِدهم إلى المنزل يا باسم من فضلك»
وأمام إصراره القاطع، وكلمات باسم، استجاب الجميع له وغادروا!
«لِمَ فعـ»
شهقت بذعر وهو يلتفت ليحملها، تسأله بفزع ويدها تحيط بعنقه بتلقائية:
«ماذا تفعل؟»
دلف بها إلى المنزل، يتركها في منتصف الصالة.
«مبارك عليّ أنتِ شوكولاتي»
يطبع قبلة طويلة على جبينها وأنفاسه تلفح بشرتها.
تتحرك مروة من أمامه بسرعة فور أن ابتعد، تتجه إلى غرفتهما دون حديث!
يتبعها برغبة، وأخيراً قد بدأت ليلته!
**********
قطعة كبيرة من الشوكولاتة مغلفة بفستان أبيض يخفي جمالها..
وكم تبدو شهيّة!
تجعلك تريد التهامها على مهل للاستمتاع بحلاوة مذاقها!
نظراته الجريئة التي تمسح جسدها جعلتها لا تستطيع رفع عينيها..
عقدت كفيها واقفة أمامه كطفلة مطيعة.. منتظرة تقدّمه منها بتوتر!
خطوة منه تسارعت معها نبضاتها..
خطوة أخرى تعالى معها صوت دقات قلبها فصمّت أذنيها..
وخطوة أخيرة كانت الفاصلة؛ ليغمرها عزام بين أحضانه شاعراً بنعومة جسدها وطراوته..
«وأخيراً أنا وأنتِ بمفردنا»
يرتجف جسدها بين ذراعيه بخوف أنثوي لذيذ أثار رجولته، يلمس أذنيها بشفتيه، هامساً:
«لا تخافي، لن أؤذيكِ»
يتحرك ذراعاها تتمسك بقميصه بقبضتين ضعيفتين، تهمس بنبرة تتوسّله الرفق:
«عزام»
يقبّل أذنها، ويهمس: «روح وقلب وكيان عزام»
يبتعد وينظر في عمق عينيها، يتأمل شوكولاتة حدقتيها الذائبة بعشق، يهتف بوعد رجولي:
«أعدكِ أن تكون ليلة لا تُنسى، سأجعلها أسعد ليلة في حياتكِ شوكولاتي»
تنفسّت بقوة مُغمضة عينيها بتوتر..
تتحرك يده، تلمس أصابعه سحاب فستانها وتحركه ببطء.. مثير..
ينتفض جسدها، تفتح عينيها رامقة إياه بخوف.
«اهدأي»
يميل ملتقطاً شفتيها في قبلة رقيقة.. ناعمة، يبثها من خلالها الأمان الذي ترجوه..
تبادله مروة بخجل، ذراعاها يتحركا ليحيطا بعنقه مقربة إياه منها أكثر..
يترك عزام سحاب الفستان لينسدل كاشفاً عن جسدها الأسمر بلونه الذي يشبه الشوكولاتة، رائحته الذكية، وطعمه اللذيذ!
تتحرك شفتاه عليه، يؤكد لها بين كل قبلة وأخرى أنه لن يؤذيها، يعدها بالاستمتاع!
ثم يحملها بين ذراعيه ويتجه بها إلى السرير، يفعل معها ما حلم به ليالي طويلة دون أن يتخلى عن رفقه بها..
يستسلم جسدها له، يتحرر خجلها مع مرور الوقت؛ فتبادله عشقه بشغف!
**********
دفنت وجهها في صدره بخجل لا تقوى على رؤية عينيه بعد ما فعلته!
يطبع قبلة صغيرة على أذنها، ثم يهمس بعدة كلمات جعلتها تعضّ على شفتيها بحنق، تضربه على صدره معنفة.
«ما بالكِ؟
أليست هذه الحقيقة؟»
بنظرات مشتعلة رمقته..
يقهقه عالياً، يدفن وجهه في عنقها متشمماً رائتحها بعمق..
تتحرك بجسدها مبتعدة عنه.
«ابتعد»
رفع حاجبيه باستنكار..
تنهض مروة من على السرير متلحفة بالغطاء، تتجه إلى الحمام..
استدار ليستلقي على ظهره بسعادة، شعور بالاكتفاء يكتنفه، قلبه ينبض بسعادة جمّة لم يتخيّلها في أقصى أحلامه!
بل في أجمل أحلامه لم تكن مروة بهذا الجمال والروعة!
إنها بالفعل شوكولاتة، شوكولاتة سويسرية شهيّة للغاية، لا يشبع المرء منها!
ملسّ على بطنه وقد بدأ يشعر بالجوع..
تذكّر (عشاء العرائس) الذي لم يمسّاه بعض، ينهض بنشاط، يقف أمام الحمام، يفصله عن شوكولاته الباب المغلق، يقول:
«بسرعة حتى نتناول الطعام، أكاد أموت من الجوع»
**********
وقف أمام مائدة الطعام المحضّرة مسبقاً يتأملها بانبهار..
حمام وبط، محاشي ومشويات، خضراوات وفواكه، كل ما لذ وطاب!
دعى لوالدته وزوجة عمه بداخله، ثم التهم قطعة من الفاكهة، وصاح:
«هيا يا مروة، الطعام لا يُقاوم»
ينسى الطعام وجوعه وهي تظهر أمامه بقميص نوم أبيض يبرز جمال بشرتها الناعمة، قصير بالكاد يصل إلى ركبتيها، بفتحة صدر واسعة تذكّره بما أسفلها وكان ملكه منذ قليل!
«ارفقي بي قليلاً، لن احتمل كل هذا»
ابتسمت بخجل بينما تقترب منه، تجلس بجانبه، ويتناولا الطعام سوياً، والذي لم يخلو من مداعبات عزام!
بعد أن انتهيا، مال عليها، هامساً:
«ماذا ينقص هذه الوجبة؟»
تنطلق ضحكاتها مدركة ما يقصد.
«شوكولاتة»
يلوح عزام يده أمامها، قبل أن يختطف لوح كبير من الشوكولاتة من حيثُ لا تعلم ويقدمه لها..
تقفز في مكانها كالطفلة، تسارع في التهامه.
«لذيذة جداً»
تعلقت نظراته بشفتيها الملطخة ببواقي الشوكولاتة، مال بجذعه العلوي ليتذوقها على.. مهل!
«ليست ألذ من شوكولاتي»
ثم يدفعها بخفة، لتستلقي على الأريكة، ويتابع معها الليلة التي لن تنتهي!

الفصول الجاية في نفس الطول ده، يعني ختام ودلع ومفيش زي كده
بس حطوا فوت وكومنت باليز وقولولي رأيكم في الرواية

روحكِ تناديني (كاملة)Where stories live. Discover now