الفصل السابع الجزء الثاني

7K 326 10
                                    

«هل ستظلين في المقعد الخلفي بينما أبدو أنا كسائق لكِ؟!»
قال عزام و هو ينظر إليها من خلال المرآة.
لتترجل مروة ببطء، أصابعها تفرك عينيها بقوة حتى لا تهبط دموعها..
صعدت إلى المقعد المجاور له، مبعدة عينيها عنه..
اضطرت للالتفات إليه عندما لم يتحرك بالسيارة.
يبادر عزام بالقول: «لا تحزني، إنها إنسانة تافهة ذات لسان سليط»
تقوصت شفتا مروة و دموعها تتحرر من عينيها، و قالت بحسرة: «هي معها حق»
ظهر الاستنكار على ملامحه، التفت إليها بكامل جسده مصدوماً ببساطة كلمتها، ليردد بخفوت
«معها حق!»
أيقن أن هذا هو السبب وراء صمتها و عدم ردها على سخرية مرام اللاذعة.
و عن مروة، تحدث قلبها قبل لسانها، بألم.. وجع، صرخت أنوثتها المُهانة دائماً بدموع، فخرجت كلماتها مُثقلة بالمعاناة و الحسرة على شكلها:
«أنا اعلم أنني بشعة، مظهري منفر..
و لست الوحيدة التي تعلم ذلك، بل كل العائلة تدرك أنني أقل الفتيات جمالاً، و أن باسم تركني لأنني لا أملأ عينيه»
مشاعر عدة.. متناقضة سيطرت عليه هذه اللحظة..
غضب من حديثها و رؤيتها لنفسها بهذه الطريقة..
غيرة من ذكر باسم و علاقتهما السابقة التي كانت من المفترض أن تتوج بالزواج..
و رغبة في ضمها إلى أحضانه، إزالة دموعها بشفتيه، التربيت على قلبها الحزين بحنو..
و ما زاد من اشتعال غضبه أن رغبته تلك مستحيلة، على الأقل في الوقت الحالي!
و من جانب مروة، ازدادت دموعها مؤنبة قلبها على بثه لحزنه للشخص الوحيد الذي كانت ترى بعينيه نظرات إعجاب لها، تعترف لنفسها أن ضعفها أمامه لن يشكل فارقاً، فحديث مرام ضيّع كل شيء، كلماته لها كانت مجاملة للتخفيف عنها..
«مروة أنتِ»
قاطعته بسرعة، فلا رغبة لها بسماع كلمات لا فائدة منها: «من فضلك عزام خذني إلى البيت»
يسألها بحيرة: «ألن تذهبي إلى المشفى؟»
تجيبه بينما تعتدل في جلستها، تلتفت إلى نافذة السيارة: «لا، ارغب في العودة إلى المنزل»
و عليه قاد سيارته متجهاً إلى منزلها، آلاف من الأفكار تموج في عقله، الكثير من الكلمات يرغب في قولها لها، يريد أن يصف لها كيف تراها عيناه، و لكنه للأسف لا يستطيع؛ لأنها لا تحق له، و لأنه متأكد أنها لن تتقبّل كلماته الآن!
**********
«لم ترد أيضاً؟»
سألت لمياء صديقتها و هي تحاول الاعتدال بصعوبة.
تترك لارا هاتفها لتساعدها، و هي تجيبها: «لا، مع أنها أكدت عليّ أنها ستزور جديها و ستأتي إلى هنا»
قالت لمياء بشرود: «ربما حدث ما منعها من المجيء»
حلّ الصمت بعدها لعدة دقائق..
ضغطت لارا على يد صديقتها بدعم، و قالت: «أنتِ بخير؟»
تنهدت لمياء بهمّ، السؤال لا يفارق عقلها من كثرة تردده على مسامعها..
هل هي بخير؟
لا ليست بخير، فلقد فقدت إحدى ساقيها، أصبحت في نظر الجميع عاجزة لا أهمية لها!
هل هي بخير؟
نعم، فوجود عائلتها بجانبها و عدم تخلي زوجها عنها يبعثان إلى قلبها شعور بالأمان و الاطمئنان، حتى إن كانت مشاعرها تلك لا تظهر للمحيطين بها..
«أيام و ستعودي كما كنتِ»
هتفت لارا بابتسامة متفائلة، تبادلها لمياء بأخرى ساخرة، و تقول: «و كيف هذا؟
هل ستعيدي لي ساقي المبتورة؟»
ظهر التأثر على ملامح لارا، حاولت إخفاءه بصعوبة، و هي تقول بأمل: «الساق الصناعية»
تقاطعها لمياء بصياح حاد، منفسّة عن اليأس الذي يملأ قلبها: «الساق الصناعية، الساق الصناعية، الساق الصناعية..
كلكم ترددون هذه الكلمة مع أنكم لا تدركوا معناها..
لا تدركوا معنى أن أحيا طوال اليوم بساق لا تنتمي لجسدي، أتحرك بحرص حتى لا آذي نفسي، أتصرف بحذر حتى لا يكتشفوا المحيطين بي طبيعتها و أنني عاجزة"ك»
صمتت للحظة لتأخذ أنفاسها، دموعها أنهار على وجنتيها، تشاركها ألمها و معاناتها، لتتابع بخفوت:
«و في نهاية اليوم أعود إلى بيتي لأزيل هذه الساق عن جسدي، أواجه عجزي و أشجع نفسي على التعامل معه في اليوم التالي»
كلماتها قضت على القوة التي كانت لارا تتسلح بها، فانهارت و هي تسحبها لأحضانها، تربت على ظهرها بحنو، تهمس لها بكلمات غير مفهومة، و لكنها كانت ترجو أن تواسيها..
دقائق مرت على هذا الوضع، حتى ابتعدت لمياء عن حضن صديقتها، مفصحة عن السبب الثاني الذي يؤرقها، و قد وجدت في صديقتها القلب الذي تستطيع الشكوى إليه و بثه مخاوفها:
«حتى ماهر يثير قلقي، فعلى قدر ما أنا سعيدة بتمسكه بي و أنا بوضعي هذا، إلا أنني خائفة من أن يأتي يوم و يتركني»
تنفست لارا بقوة مستدعية قوتها من جديد، تقول بتصميم: «مَن يحب بصدق لا يترك حبيبه مهما حدث»
«و لكنني أنانية، يجب أن ادفعه ليبتعد عني، اجعله يعيش حياته التي يحبها، لا أن يتقيد بعاجزة مثلي ستقوم بأقل احتياجاتها بصعوبة!
أنا أنانية أنانية»
مالت بجسدها تدفن رأسها في كفيها، و هي تكرر الكلمة ببكاء.
أثارت كلماتها غضب لارا، أمسكت ذقن لمياء بقوة لترفع رأسها فتتواجه نظراتهما، تسألها بحدة حتى تسيطر على انهيارها:
«إن كان ما حدث لكِ حدث لماهر..
هل كنتِ ستتخلي عنه؟»
إلا أن انهيار لمياء كان أقوى، فلم تستمع إلى سؤال لارا من الأساس، و ظلت تردد نفس الكلمة (أنانية).
تضغط لارا على ذقنها، يعلو صوتها: «أجيبيني، هل كنتِ ستتخلي عنه إن كان مكانكِ؟»
تنفي لمياء بهزة من رأسها، فتبتسم لارا و تقول: «و هذا ما فعله أيضاً، لذا لا تشغلي بالكِ بهذه الأفكار و فكري فيما ستفعليه الأيام القادمة، أهم شيء صحتكِ و أن تعودي لنا كما كنتِ، اتفقنا حبيبتي»
تومئ لمياء بموافقة، بينما عقلها لايزال حائراً!
**********
عيناه مرتكزة على هاتفه لا تتحرك.. لا ترمش، ينتظر ردها بنفاذ صبر، قلبه ينبض بترقب، عقله يتساءل بفضول..
هل ستقبل أم ترفض؟
قلبه يخبره أنها ستوافق، بينما عقله يتعامل بحذر..
رفض سابق يداهم ذاكرته، فيخاف تكراره!
يعود القلب و يصرخ أن حورية مختلفة، أنه استشعر حبها له!
رنين هاتفه زاد من سرعة نبضات قلبه، ليلتقطه بأصابع مرتجفة و يفتح رسالتها..
ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيه، تنهيدة عميقة مليئة بالراحة خرجت من صدره، و الكلمة الوحيدة التي أرسلتها حورية تظهر على شاشة الهاتف..
(موافقة)
يتجه فوراً إلى والديه ليفاتحهما في الموضوع و يتواصلوا مع عائلة حورية.
**********
ليلاً في المتشفى
وحيدة بعد أن غادرت عائلتها، أفكارها تتمحور حول أمر واحد.. وضعها الجديد!
لا تستطيع استيعاب الأمر، لا تتخيّل أن تنهض من على هذا السرير فلا تستطيع الوقوف، أن تنظر إلى المرآة فترى نفسها بساق واحدة!
دموعها التي لم تجف منذ أن علمت بحالتها عادت لترطب وجنتيها من جديد؛ مستغلة عدم وجود أحد من عائلتها ليمنعها!
إلا أن أطراف أصابع حانية حطت على وجنتها صعوداً إلى عينيها مزيلة هذه الدموع..
اتجهت حدقتاها إلى صاحب الأصابع، لتهمس بعدم استيعاب:
«ماهر!»
«عيون ماهر»
قالها، ثم تحرك من على المقعد المتحرك ليجلس بجوارها على السرير..
رفعت وجهها إليه، تسأله بحيرة: «لِمَ جئت إلى هنا؟
و كيف؟»
حاول حشر جسده بجانبها، فتابعت بضيق: «ماهر ماذا تفعل؟»
«اصمتي قليلاً، يا إلهي ألا تكفي عن طرح الأسئلة؟»
قالها بتذمر مرح بعد أن نجح أخيراً في الاستلقاء بجانبها؛ رغبة منه في إضفاء المزاح على جلستهما حتى تنسى حزنها و تزول دموعها
تتذمر هي الأخرى باعتراض، و تقول: «ابتعد لا تلتصق بجسدي هكذا»
«أوف منك أوف، لازال عقلكِ صلباً كما هو»
«نعم و سيظل هكذا، ابتعد»
قالتها و هي تزيحه بكل قوتها التي لا تمتلك منها الكثير من الأساس..
إلا أنه استغل ما تفعله ليصيح متألماً!
توسعت عيناها بخوف، و بعد أن كانت تدفعه أصبحت تلمس جسده بحنو، و هي تقول:
«هل أوجعتك؟»
التقط كفها الناعمة بكفه الخشنة، يقول مبتسماً بمشاغبة: «أمسكت بكِ..
تريدين دفعي أليس كذلك؟
أريني الآن كيف ستدافعي عن نفسكِ؟»
تعالت ضحكاتها و هي تحاول تحرير كفها، يتنهد ماهر بداخله بارتياح، فها قد استطاع أخيراً اقتناص ضحكة من شفتيها!
و إثر حركته الكثيرة ألمته عضلاته، فتأوه بخفوت و هو يحاول الاعتدال.
تحدثت لمياء من بين ضحكاتها: «لا تحاول، لن اقع في الفخ مرة أخرى، و اعلم أنك ممثل فاشل»
إلا أن انقلاب ملامحه أقلقها، فسألته بخوف: «ماهر، أنت بخير؟»
زفر نفساً قوياً قبل أن يلتفت إليها مبتسماً، و يقول: «بخير حبيبتي لا تقلقي»
ثم سحب رأسها لتستقر على صدره..
اعترضت بشدة و حاولت الابتعاد، فقال بحزم: «اثبتي، الحركة الكثيرة ستؤلمني و تؤلمكِ»
و للعجب، استجابت له و استكانت حركتها!
يعقد حاجبيه بدهشة لم يطول، حيث سألته لمياء:
«أنت متأكد من قرارك؟»
لم يفهم ماذا تعني، فسألها بحيرة: «أي قرار؟»
تخرج نبرتها مليئة بالحزن و المرارة: «أن تظل بجانبي و أنا...»
توقع كلماتها، فوضع أصابعه على شفتيها يمنعها عن المتابعة، و قال بصدق: «أبداً، و لن أندم في حياتي، أنا اعشقكِ لمياء و لن استطيع العيش بعيداً عنكِ»
و لإزالة الجو الحزين الذي عاد ليهيمن عليهما، قال بمرح: «انظري إلى الجانب الإيجابي في الموضوع، أنا الآن قادر على تقبيلكِ و احتضانكِ و فعل كل ما أشاء معكِ دون أن تمنعيني»
جرحها بجملته دون أن يدري!
نعم!
و لكنه في نفس الوقت أثار استفزازها، فضربته على جانب صدره بخفة، قائلة: «لطيف، لا تحلم بذلك أبداً، سواء كنت بساق واحدة أو ساقين لن تستطيع نيل ما لا أريد»
و هذا هو الإحساس الذي كان يرغب في بثه إياها، أنها قوية تستطيع فعل ما تشاء حتى لو بساق واحدة!
و لكنه أيضاً لم يكن ليفوّت فرصة كهذه، فقال بصبيانية: «أريني إذاً كيف ستمنعيني»
و تحرك بصعوبة ليميل عليها و يقتنص قبلة من شفتيها، بينما هي تهمس ضاحكة: «أنت وقح»
يضحك و يقول: «و هل هناك أجمل من الوقاحة؟!»
اختارت الممرضة هذه اللحظة لتطرق على باب الغرفة و تدخل على ماهر و لمياء، فتورد وجهها خجلاً و هي ترى وضعهما!
تنحنحت بخفوت، و قالت بأعين زائغة: «اعتذر، و لكن يجب أن تعود إلى الغرفة الآن، المريضة تحتاج إلى الراحة، و أنت أيضاً»
اعتدل ماهر متأففاً، عاد إلى مقعده المتحرك بصعوبة، و هو يقول:
«اقسم أن أمي غير راضية عني، يا إلهي قبلة واحدة لا استطيع اقتناصها، كل مرة يمنعني أحد!»
صدرت ضحكة خفيفة من لمياء و هي تستمع إلى تذمره الطفولي، يرمقها بحقد، و من ثم يتحرك إلى خارج الغرفة و الممرضة تتبعه..
فتعالت ضحكات لمياء أكثر و قد استطاع ماهر امتصاص حزنها لدقائق!
**********
في غرفته، يجلس على المكتب الصغير المواجه لسريره، ورقة بيضاء تناقض لون المكتب الداكن مستقرة عليه، و لكنها تتناسب معه بالخطوط السوداء المرسومة عليها..
كان عزام يتأمل المعضلة التي أمامه بحاجبين منعقدين حيرة!
في وسط الورقة البيضاء رُسِمت دائرة بداخلها اسم مروة، تخرج منها عدة أسهم ينتهي كل منها بدائرة أخرى تحتوي على مشاكله مع حبيبته!
أول سهم ينتهي بدائرة بداخلها؛ ترى نفسها قبيحة..
الثاني؛ لا تثق في نفسها..
الثالث؛ و الذي يعبر عن أكبر مشاكله معها؛ كانت دائرته تحمل اسم باسم!
تنهد بقوة و هو يفكر من أين سيبدأ معها، فالمشوار سيكون طويلاً و صعباً، يحتاج إلى الكثير و الكثير من الجهد و الصبر..
تباً، ألم يجد غير تلك السمراء ذات الغمازة ليحبها!
**********
حركات خفيّة، إشارات حذرة، رجال يكادون لا يروا بعضهما، و مع ذلك يتحركون بحرفية عالية؛ ناتجة عن سنوات قضوها في تدريبات مكثفة..
إشارة صدرت من القائد، تحرك على إثرها بقيّة العناصر..
و خلال ثواني و بسرعة البرق، نفذ الجميع الخطة الموضوعة، تم القبض على رجال بحوزتهم كمية كبيرة من المخدرات..
و بعد تمشيط الموقع أكثر من مرة، اطمئن شريف أن المهمة تمت بنجاح كبير..
كاد أن يغادر مع رجاله، إلا أنه لمح شخصاً يتحرك بالقرب منهم!
أخرج سلاحه، بإشارة من يده توقفوا رجاله في مكانهم و صمتوا عن الحديث..
تحرك شريف بحذر اتجاه هذا الشخص، ليرفع سلاحه مستعداً حينما اقترب منه..
تتوسع عيناه بصدمة و هو يراها تضع آلة التصوير حول رقبتها، ابتسامة كبيرة مرتسمة على وجهها الدائري الصغير..
ضغط على سلاحه بقوة و الغضب يشتعل بداخله، آلاف من الأفكار تدور في عقله..
لِمَ هي هنا؟
ألم يتفق معها على ألا تتواجد في أي مداهمة؟
ماذا لو كان الأمر تطور بينهم و بين المجرمين و تبادلوا إطلاق النار؟
كانت من الممكن أن تتأذى!
رفعت براءة رأسها بعد أن ثبتت آلة التصوير على رقبتها..
تشهق بخوف و هي ترى السلاح موجه إليها.
«مَن أنت؟
ماذا تفعل؟»
خرجت نبرتها متوترة.. خائفة، خاصة و الظلام لا يتيح لها فرصة التعرف على مَن أمامها بسهولة..
«ألم نتفق على عدم تواجدكِ في أي مداهمة!
ماذا تفعلين هنا؟»
تنهدت براحة فور أن تعالى صوته و تسللت كلماته إلى عقلها..
«شريف هذا أنت؟
اخفض هذا السلاح أولاً، لِمَ توجهه عليّ؟»
إلا أن شريف لم يستجب إلى طلبها، بل جعل السلاح في وضع الاستعداد، قائلاً بتهديد:
«من الواضح أن عقلكِ الصلب هذا لن يفهم إلا برصاصة»
ابتسمت بسماجة، تعلم أنه مجرد تهديد لا أكثر، تحركت بعفوية لتبعد السلاح عن مرمى وجهها، ملامحه الخشنة قد باتت واضحة لها عن قرب..
يضغط بكفه على كفها في أول تلامس بينهما، فترتجف يد براءة و تبعدها بسرعة.
«لقد كان بيننا اتفاق، و أنتِ لم تنفذيه»
ماذا تفعل و قد سيطر عليها فضولها المهني، فلم تستطع الصمود؟!
ففور أن جائتها معلومات عن هذا الموعد وجدت نفسها تتحرك دون شعور إليه، توثق بآلة التصوير الخاصة بها كل ما يحدث!
رسمت البراءة على ملامحها، ابتسامة طفولية احتلت شفتيها فأربكته، قالت بنبرة غريبة عن براءة التي يعرفها:
«اعتذر على عدم تنفيذي للاتفاق، كما أنك في كل الأحوال قبضت عليهم، أي أنني لن أهاجم الداخلية و لن تحدث مشاكل»
يصيح دون شعور، يتردد صدى صوته في أذنها: «أيتها الغبية، هل تعتقدين أنني أفعل هذا من أجل عملي فقط؟
اخبريني عما كان من الممكن أن يحدث لكِ إن تم تبادل إطلاق النار، لو أصابتكِ رصاصة عن طريق الخطأ؟»
اتسعت ابتسامة براءة و هي تستشعر خوفه عليها من كلماته، فتقول بمرح: «ها أنا ذا أمامك بخير و لم يصِبني مكروه، لذا ليس هناك داعي لكل ما تفعله»
مرحها لم يؤثر عليه، ملامحه مازالت متجهمة.. صارمة، و مع ذلك لم يؤثر ذلك فيها، و قد باتت تدرك أن كل ما يقوله لها مجرد تهديد لتبتعد..
حتى أنها لم تهتز خوفاً كعادتها من كلماته: «ستعاقبي على عدم تنفيذكِ لاتفاقنا..
هيا تحركي أمامي»
تتحرك بلا مبالاة، كل ما يدور في عقلها أنه سيعطيها كلمتين كالمعتاد!
أشار شريف لرجاله ليصعدوا إلى السيارة، و تحركوا عائدين إلى مقر عملهم و براءة معهم!
**********
أغلق شريف باب مكتبه عليهما، ثنى أكمام قميصه و هو ينظر إلى براءة بنصف عين، لتفكر بتسلية أنه سيقول الآن ماذا أفعل معكِ، ستبدأ في استفزازه لينتهي الأمر بها هاربة!
«لقد كان بيننا اتفاق!»
و مع أنه لم يبدأ بالجملة التي توقعتها، إلا أنها كانت متأكدة أن مقابلتهما ستكون ككل مرة..
إلا أن أفكار شريف كانت أبعد عن ذلك، فلقد حان الوقت لمعرفة مصادر الصحفية!
«أمامكِ خيارين؛ إما أن تخبريني عن كيفية معرفتكِ لموعد تسليم الشحنة اليوم؛ و إما ساضعكِ في السجن حتى تنطقي»
تحركت براءة لتجلس على المقعد المواجه لمكتبه بأريحية، تتأوه بخفوت من ألم قدميها إثر وقوفها لمدة طويلة..
راقبها بنفاذ صبر و قد سيطرت عليه شخصيته القوية فكان عمله أهم شيء في هذه اللحظة، حتى أنه لم يتأثر بمظهرها المرهق!
«انطقي»
ثواني مرت قبل أن تقول براءة بنبرة ممطوطة ذكّرته بأول مرة قابلها فيها، دون الحاجة أن تذكّره كلماتها بذلك!
«ها نحن عدنا إلى سبب مقابلتنا أول مرة..
كنت أظنك نسيت أن لي مصادر خاصة»
«كيف أنسى و أنتِ تقفزين أمامي كفرقع لوز»
أثارت كلماته الأخيرة ضحكاتها، و قالت من بينها: «فرقع لوز!
لم أكن اعلم أن الضباط لديهم جانب مرح»
ضحكتها جلبت الابتسامة إلى شفتيه، يرفع حاجبيه معترضاً و هو يسمع كلماتها، يقول: «لِمَ؟
ألسنا بشر؟»
تهتف بعفوية، و أثار ضحكتها على وجهها: «من المفترض ذلك، و لكنكم في أغلب الأوقات تكونون متجهمين الملامح بحاجبين معقودين غضباً، فننسى أنكم مثلنا قادرين على الضحك و المزاح»
هل حانت الفرصة ليتحرك نحوها خطوة؟
«سيكون عليّ مقابلتكِ بعيداً عن العمل إذاً، لتكتشفي جانبي المرح و لا تظلميني»
نهضت بابتسامة، و قالت ممازحة: «يتوجب عليك ذلك، حتى أتأكد أنك مثلك مثلي»
تعجب شريف من وقوفها، فسألها بحذر: «ستغادري؟»
ألقت نظرة سريعة على ساعتها، قبل أن تقول: «نعم لقد تأخرت كثيراً، بالتأكيد قلق والداي عليّ»
ينسى تأثيرها عليه، يعتدل في جلسته و شخصيته الجدية تعود لتتلبسّه، و يقول:
«ليس قبل أن تخبريني كيف عرفتِ بموعد اليوم؟»
تأففت براءة بنفاذ صبر، و قالت بنزق: «أنا حقاً تأخرت كثيراً و يجب أن أغادر»
يقول بنبرة لا تقبل النقاش: «ليس قبل أن تخبريني»
تقول بتحدي: «و إن لم أخبرك؟»
هتف بتحدي مماثل، يذكّرها بما قاله لها فور وصولهما إلى المكتب: «سأكون مضطراً لإلقاءكِ في السجن»
ظنت أنه مجرد تهديد واهي لن يُنفذ كعادة تهديداته لها، فقالت بلا مبالاة، و ابتسامة ساخرة مرتسمة على شفتيها: «و أنا مستعدة لأُسجن»
تفاجئت باستدعائه لأحد العساكر ليأخذها إلى السجن!

وبراءة هتبقى رد سجون اوه ياااااه 😂😂💃💃💃💃
الفصل الثامن ان شاء الله هينزل على الفجر، بس انتوا اتفاعلوا وبلاش تحسسوني ان الرواية بتنزل ليا 😂😂😂😂

روحكِ تناديني (كاملة)Where stories live. Discover now