#18🌸

611 48 4
                                    

كانت جدارن الأوضة لونها أبيض متشبهش العالم براها أوضة هادية فيها سرير للحالة إللي هي أنا!، ستارة تقيلة بتمنع الضوء، دولاب دلفة واحدة، تلاجة، حمام، كومودينو عليه فازة بلاستك وجواها ورد صناعي، في برواز متعلق على الحيطة لفت انتباهي أوي برواز جواه لوحة لطريق طريق طويل كله صعوبات ونهايته مفتاح، مكنتش فاهمة معناها بس كنت بحب أبص عليها أوي بفضول، كنت قاعدة على السرير في الوقت إللي الباب فيه خبط، الممرضة قالت لي إن الدكتور إللي هيكون مسؤول عن حالتي هيدخل دلوقت، لابست حجابي، سندت ضهري على ضهر السرير ضميت رجلي ناحية قلبي وطوقت كلي بدرعاتي وفضلت مركزة أوي على اللوحة.
معقول بنت عندها ٢١ سنة تتحط في مصحة نفسية!، ليه؟
جاه خبط على الباب طوقت إيدي حواليا أكتر بصيت ناحيته وهو بيتفتح كان الباب بيزيق ومع الهدوء إللي في الأوضة الصوت كان أشبه لفيلم رعب بدأت أميل بجسمي الناحية التانية وأنا رامية طرف عيني ناحية إللي داخل وكان هو الدكتور إللي بيقولوا عليه بس ليه مش شعرة أبيض وعنده نضارة كبيرة ولابس ساعة في إيده شبه اللي بيطلعوا في التلفزيون كان شكله عادي شخص ممكن تقابله صدفة وترتاحله، دخل بهدوء ولسه هيقفل الباب وراه قولت بجمود
- متقفلهوش.
بصلي وابتسم فتح الباب على الأخر قرب شد الكرسي إللي جمبي وخلى بيني وبينه زي مسافة متر، رجعت عيني على اللوحة تاني، عدت دقيقة صمت وبعدين هو قال :
- تشربي إيه وإحنا بندردش؟
اتجهالت سؤاله بصيتله بطرف عيني وأنا على نفس وضعي وقولت :
- هو أنا مجنونة؟
- لا مش مجنونة.
- طب ليه أنا هنا؟
- لإنك جالك إنهيار عصبي جامد وكان لازم تفصلي من العالم وترتاحي شوية.
ضحكت هو ميعرفش حاجة ولا أي حد يعرف أنا بطلت أحكي من سنين، سألته بفضول :
- هو إيه المفتاح إللي مرسوم ده؟
- ده مفتاح الراحة.
- أنا محتاجاه، بس ليه هو بعيد كده ليه الطريق له طويل ومليان صعوبات؟
- عشان مفيش راحة بتيجي إلا بعد التعب.
- ولما أوصله؟
- هتفهمي الحياة كويس فهتقدري أنك تكملي بوجع أقل.
- يعني الوجع مش بيروح؟!
- بنفضل نحاربه لغاية ما حد منا يكون هو الأقوى.
- بس أنا وقعت في نص الطريق مقدرتش أوصل أنا جيت هنا عشان كده صح، جيت لإني أضعف من أني أتحمل شرور العالم لوحدي؟
- يمكن بس صدقيني مش هتخرجي من هنا إلا وفـ إيدك المفتاح.
- تقصد إني مش هخرج؟
- أقصد إنك هتلاقيه.
- إزاي منا هنا لوحدي برضو؟
- أنا معاكِ ومش هسيبك لحد ما تلاقيه.
- ولما ألاقيه هتمشي صح؟ وهكون اتعلقت بيك لإني مريضة، فهوصل للراحة بس بعد ما أكون حبيت الطريق الصعب ده عشان قابلتك فيه مش كده؟
ده لإنك هتكون المنقذ الشخص إللي عقلي الباطن رسمه عشان يجي ينقذني من كل ده!!!
عيوني أتسعت جدًا من الاستنتاج الرهيب إللي وصلتله، بصيت له وكان لسه هيرد بالهدوء المعهود عليه وصرخت حطيت إيدي على وداني عشان مسمعش وعد ولا كلمة ولا أي شيء قام من مكانه وضرب الجرس وبيحاول يهديني جسمي بدأ ينتفض برعب شفايفي كانت بترتعش ودموعي غرقتني الممرضة دخلت ومسكتني جامد لحد ما عطاني حقنة في دراعي تقريبًا مهدأ لإني محستش بالدنيا من بعدها، كنت كل إللي بفكر فيه هو أنا أتأذيت بالشكل إللي يوصلني لكده أني أخاف، أخاف حتى أتعالج لأتعلق، أخاف أثق بطوق نجاة لأغرق، هي إزاي الناس بترمي فينا شعور جميل ولما نيجي نحصده من قلوبنا يطرح فينا خوف!
معرفش عدا وقت قد إيه بس لما بدأت أفوق وأفتح عيوني بشويش زعجني الضوء أوي بدأت استكشف الأوضة من جديد وكإن دبت فيها الحياة، الورد البلاستك أتبدل بورد بلدي والفازة أتحولت لإزاز عادي يعني أنا مش مجنونة يعني مش خايفين إني أذي نفسي أهو، الدولاب أتلزق عليه نجوم وقمر وفراشات خلته شكله أتغير، بس ليه الضوء ده بصيت ناحية الشباك كانت الستارة مفتوحة وكان .. كان هو قاعد على تربيزة خشب بكرسين محطوط قدامه فطار وكوبيتين شاي وبيبص على الدنيا كأنه طالع من فيلم قديم، لما حس إني بلاحظه بصلي وابتسم :
- صباح الخير يا ورد، يلا بسرعة الشاي هيبرد!
- أنت .. أنت
- أدم اسمي أدم.
كشرت
- أنت إزاي لسه هنا لحد دلوقت؟
بص في الساعة بقلق وبعدين قالي :
- عندك حق إحنا أتأخرنا جدًا فعلًا.
- إحنا وأتأخرنا؟
- يلا يا ست ورد عشان ورانا إشراف على المرضى هنا.
- نعم !
شاور لي إني أروح له لاقيت نفسي بسمع الكلام وبقيت شطورة خالص روحت قعدت قدامك لمست الشاي كان دافي أخدت ساندوتش جبنة رومي معرفش عرف منين إني بحبها، وألا عرف منين إني بعشق السما بكل إللي فيها بذات النجوم، وألا عرف منين إني بحب الورد اللون ده، "دوقت الشاي" طب عرف منين إني بحب سكر الشاي يكون بظبط زي ما هو عامله كده!
- أنت عرفت منين أني بحب كل الحاجات دي؟
- صُدفة!
هزيت رأسي وسألته :
- بتقول عندنا إشراف؟
أتكلم بجدية
- أنا هنا مسؤول عن حالات كتير وكنت محتاج لحد يكون معايا عشان نشوف مشاكل الناس سوا ونحاول نحلها.
بصيت له بأعتراض :
- بس أنا حالة أصلًا!
- وأنا طبيب وبقولك إنك كويسة.
- أمال أنا هنا ليه؟
- يمكن عشان تريحي أعصابك شوية بس أنا مش هخلي الفرصة تفوتك لازم تشوفي العالم هنا كمان يشبه برة وألا لاء.
كملت الفطار وأنا ساكتة بفكر فكلامه بفكر إزاي إني معترضتش على شيء وإزاي مش خايفة إني أكلم معاه مع إني رفضت أي تواصل يجمعني مع أي بشر، وقفت تفكيري لما خطر على بالي سؤال مُلح جدًا
- هو أنت مش هتسألني أنا جيت هنا ليه؟
هز كتافه وهو بيمسك موبيله في إيد ونوت الملاحظات في الإيد التانية
- لما تحبي تحكي هسمعك، يلا عشان ورانا شغل إلبسي إللي في الكيس وحصليني.
فتحت الكيس كان الينيفورم بتاع الدكاترة وسماعة وبالطو الشغف زاد عندي أوي لابست وبصيت في مراية الحمام باستغراب على شكلي الجديد وروحتله، مشيت جمبه في الممر كان في أوض كتيرة، كان هو سابقني بخطوة وأنا كنت ماشية ببص على العالم بأمان من ورا كتافه، كان بيشاور بجدية وهو بيشرح
- بصي يا ورد كل أوضة من دول وراها سر مدفون جوه قلب صاحبها، سر مقدرش يقوله لحد وكتر الكتمان والوجع خلاه يضطر يجي هنا لان هنا المكان الوحيد إللي هيعرف يحكي فيه ده لإنه عارف إن الشخص إللي قدامه قاعد عشان يسمعه، تتلخص مهارة الدكتور هنا في أنه يخلي الشخص ده يحكي يحكي من غير ما يحس، معايا يا ورد؟.
- معاك يا دكتور.
- لا إحنا زمايل دلوقت.
- تمام يا أدم.
حط إيده على أوكرة أول باب ودخل وأنا بتبعه، باب ورا باب وشهر ورا شهر ياااااه أنا مكنتش متخيلة أن في ناس كتير بتعاني كده إللي أتخذل وإللي إتخان وإللي فقد عزيز وإللي فشل وإللي متحبش وإللى رغم كل محاولاته موصلش واللي ملوش حضن يدارى فيه وإللي... ياااه حاجات كتير، كل الناس دي جسمهم سليم وعقلهم سليم بس قلبهم هو إللي أتأذى، أنا كنت كل يوم أروح معاه بتقلي وأرجع أخَف كل يوم كل يوم لحد ما حسيت إني .. إني قادرة أحكي.
- أنا بصدق فبتعلق ده سبب إني أجي هنا!
كنا في جنينة المستشفى بنشرب ليمون المشروب الرسمي هناك، ابتسم وبصلي بتركيز فكملت
- المشكلة في قلبي أنه ديمًا بيصدق، يعني لما حد يقولي بحبك كنت بصدقه فبحبه فأتعلق بيه واستنى منه أنه يعمل عشان الحب ده فأتفأجأ أنه مفيش، كنت بصدق أنه يقصد الحب بجد مش مجرد كلمة بتتقال لحد مجاملة
كنت بصدق كل حاجة مثلًا لو أنت قولت لي أنا معاكِ في أي وقت تحتاجيه فبقيت بجيلك كتير واحكيلك بس بتقاجئ أنك مع مرور الوقت زهقت وأنك مكنتش تقصد إني أصدقك بالشكل ده! وحاجات كتير أوي أنا ديمًا كنت بصدق كل كلام يتقال لحد ما قلبي أتأذى فوقعت في نص الطريق لإني معرفتش أكمل، هو ده ذنب؟ إني أصدق أي حاجة؟
- مش ذنب، يمكن بس لإنك صادقة فاكرة إن العالم كله هيكون كده، فبتتعاملي على الأساس ده بس لازم تعرفي كويس إن الحياة مش كده وإن الناس معظم كلامها بيكون مجاملة.
- تقصد كذب؟
سكت مردش فكملت
- يعني أنا إيه فرحتى بإن حد يطيرني في السما بشعور جميل وأصحي الصبح متعشمة فألاقي نفسي وقعت على جذور قلبي!،
أنا جيت هنا لإني فقدت الثقة وأعتقد إني لما أمشي من هنا همشي لإني أتقبلت ده، همشي عشان فهمت إن أنا إللي كانت كل حساباتي غلط همشي لإني سمعت مشاكل الناس فهعرف أكون حذرة أكتر وواعية أكتر همشي وأنا لصّمت الجزء إللي فقدته جوايا،
هو أنا همشي أمتى؟
عينه لمعت
- زهقتي منا؟
- ضروري أخف ولا بد همشي.
- تقدري تمشي بكرة.
قلبي أنقبض
- شكرًا.
- على إيه؟
- على إنك معملتش حاجة .. سبتني أوصل لوحدي عشان أعرف أخرج لوحدي وأكمل لوحدي.
كانت الدموع هتفلت من عيني فاتحججت بإني محتاجة أريح وطلعت أوضتي لازم استعد عشان أمشي "أنا مش هعيط لاء" فتحت الشنطة وقعدت ألملم في الهدوم بس إزاي هلملم قلبي والنجوم والفراشات إزاي هشيل الورد وأوصل بيه لدنيتي من غير ما يدبل بصيت للمفتاح في البرواز وأنا بقوله أديني وصلتلك بس إللي كنت خايفة منه حصل إنى أتمنى أرجع للطريق من تاني!
فضلت حابسة نفسي في الأوضة لحد تاني يوم أخدت شنطتي وخرجت روحت لمكتبه خبطت على الباب ودخلت كان وشه مخطوف
- أنا همشي، تتهنى في كل تفاصيل حياتك يا رب.
اتنهد هز رأسه وهو بيقول
- هنفتقدك.
- معلش أنت دكتور وهتساعد نفسك والحالات.
لافيت وشي وبعدين حسيت بإنى عاوزة أقوله حاجة، حاجة مكنش ينفع أفكر أقولها ولا لاء لإني لو فكرت مش هقول
- أنا حبيتك .. مش حب معين! بس أنت قدرت تدخل قلبي، أنا وصلت للراحة بس صدقني أنا أتمنى أرجع للوجع من تاني الوجع كان هيكون أرحم من الوحدة!
خدت بعضي وجريت أنا مينفعش استنى منه رد هو مأذنيش ومخلانيش أتعلق، أعمل إيه غصب عني حبيته مش ذنبي أنه طلع على مقاس أحلامي بالظبط.
رجعت لحياتي من تاني بس بقلب مختلف قدرت أواجه الدنيا والناس قدرت أفصل بين طيبة قلبي وشرور العالم، عرفت إني ورد والورد بيتأثر فلازم لازم يبني بينه وبينهم سد، يوم ورا يوم وشهر ورا شهر الدنيا رتمها بقى بطيء الحياة لونها دبلان كل حاجة مملة أوي، هو هو ينفع إني أحس أنه وحشني؟
بصيت للسما
- يا رب أنا نفسي الحلم الوردي ده يكمل يا رب أنا حبيت وأتعلقت ودوبت متخلنيش أدوق الفقد من تاني أرجوك.
جرس الباب رن مسحت دموعي لابست الإسدال وفتحت كان عامل البريد
- أمضي هنا يا ست ورد.
مضيت وأخدت الجواب هو لسه في حد بيبعت جوابات لحد انهاردة!!
الجواب كان من مجهول مكتوب جواه
- أنا كمان حبيتك بس حب معين!
طُلي من شباكك.
قلبي انتفض جريت بصيت من الشباك كان واقف وماسك بوكيه ورد نفس اللون إللي بحبه نزلت جري بنفس لبسي كده
- أنت .. أنت هنا؟
- مش أنتِ هنا؟
- أه أنا .. أنا هنا.
- يبقى أنا لازم أبقى هنا.
- عرفت طريقي منين أنا مسبتش ورايا دليل؟
شاور على قلبه
- سبتي ده!
أتكسفت
- هما .. هما المرضى عاملين إيه صحيح؟
- هما بخير بس مفيش غير مشكلة واحدة بس.
- مشكلة! مشكلة إيه؟
- بيقولوا إني بقيت بسرح كتير..
- وهو لما الواحد يسرح كتير ده يبقى إيه؟
- يبقى بيحب حب معين!!
ارتبكت
- هاا بتحب طيب أنا .. أنا، أنا مضطرة إني..
- إنك توافقي.
- أوافق؟
- عليا.
عيني لمعت دموع
- أنت تقصد إني .. إني يعني هي إللي بتحبها؟
- حب معين؟
- آه هي أنا؟
- آه هي أنتِ.
- وعرفت منين إن هي أنا؟
- عرفت لما وجودك في حياتي خلاني محسش بإني ناقصني شعور كنت بدور عليه كتير قبل ما أشوفك، وعرفت أكتر لما أنتِ مشيتي ومشى معاكِ الشعور ده إللي كان مونسني، وعرفت أكتر وأكتر لما كنتِ بتيجي فبالي فأحس إني مش محتاج أي حاجة تاني من الحياة وقتها أتأكدت إني مش ناقصني غيرك أنتِ.
- بس أنا مريضة.
- مريضة إيه؟
- مريضة تعلق .. توعدني مش هتمشي يا أدم؟
- أوعدك مش همشي يا ورد.
- لحد الموت؟
- لحد الموت.

« ثمة أحلام وردية قُدِّر لها أن تُعاش »

#حكايات_بلون_الورد (١٨) 🌸
#آية_علي

حكايات بلون الورد 🌸Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang