الفصل السادس عشر

49K 1.5K 760
                                    

سجّل يا تاريخ ان لا امرأة سواها..
سجّل يا تاريخ انني لا اعترف بالعشق دون وصالها..
سجّل يا تاريخ الثواني والدقائق التي كنت في احلامها..
سجّل يا تاريخ..
سجّل بأكبر خط يقدر عليه قلمك انني اهواها..
سجّل ان القلب لا يدرك ما هو الحب الا بأحضانها..
سجّل ان بكائها وضحكاتها هما سيمفونية قلب يحبها..
سجّل يا تاريخ..
سجّل انني مغترب دون وطن شفتيها..
سجّل انني جلاد يلسع ولا يشفع امامها..
سجّل انني طفل يتيم يوّد امانها..
سجّل يا تاريخ..
سجّل بقلم ختّال انني برّ امانها..
سجّل ان دموعي رجولةً لأروي شوقي وشوقها..
سجّل ان لا مغيث سواي يقدر على هدم مخاوفها..
سجّل يا تاريخ..
انني اعشقها دون قيود ومع حروب..
دون عيوب ومع ذنوب..
ومع دموع ودون ورود..
سجّل يا تاريخ..

-------------------------
محتار ما بين الهرع ليطمئن على زوجته التي فقدت وعيها وما بين جسد صديقه فاقد الروح، الذي على حجره.. تيه عظيم يتفشى في اوبئة جسده يردع اي محاولة منه للتفكير بطريقة صحيحة.. دوت مؤلمة حد الاحتراق اصوات سيارات الاسعاف والشرطة..
تجمهر العابرون حولهم ودمعة مختنقة متوجعة تتصبب حارة، تفتت حجارة الصوان على خده.. اعز اصدقائه.. خسره..
اغمض عيناه، مبتعدا بصعوبة ليتوقف على قدميه الواهنتين التي تئن بؤسا وكمدًا كحال فؤاده المنهار..

حدق بعينين دامعتين محمرتين كيف يحاولون اسعاف وقاص دون فائدة.. لقد مات! يدري ان لوقاص اعداء كثيرون بسبب كونه محاميًا يتعامل مع اخطر المجرمين.. ربما احدهم قتله.. وربما لقضية سيلا يدًا فيما حدث لصديقه..
خفقات فؤاده المتسارعة بؤسا وشجنًا كادت ان تتوقف حالما ابتعدوا الإسعافيون عنه، فاقدين الامل..
وحينها رمق جسد زوجته الخائر بين ايدي ابنه باستنجاد.. هو بأمس حاجته اليها.. الى جوهرته الثمينة.. التي يشكو اليها احزانه والامه.. ويستمع الى نصائحها ويكتفي بدعمها.. ولكنها متأثرة اكثر منها ربما..

بدت الساعات وكأنها ثوانٍ.. لا يعرف كيف تتراكض الدقائق وراء بعضها ليجد نفسه في المقبرة.. يدفن صديقه بيديه.. اسعد الذكريات باتت الأكثر المًا.. ذكريات شبابهما.. مشاكلهما وصعوباتها..
سمع همسة صديقه الاخر المتحشرجة لوعةً:
- رحمه الله.. من كان يتخيل اننا سندفنه بأيدينا؟! بل من كان يتخيل اننا سنخسره؟! حرق قلوبنا!..

تدحرجت دمعة مريرة على خده الخشن خدشته بحدّة اشواكها، غير مكترثًا بالكم الهائل من الرجال والشباب والاطفال.. وغمغم بصوت شجي مرهق:
- آه ولله حرق قلوبنا.. قتلوه امامي ولم اقدر على انقاذه.. فليرحمه الله.

"ابي.."
تنهد ريس وهو يستدير ليطالع ولديه التوأم وهما يتقدمان نحوه ببنيتهما التي توحي بحزنهما على والدهما وصديقه..
احسّ بقبلة كل واحد من التوأم على جبينه ويده ليرغب في الهروب الى زوجته اكثر..
ومع ذلك ثارت روحه كراهيةً لعائلة وقاص التي لم تحضر العزاء.. ما زالوا حاقدين.. لم يغفروا له حتى في مماته..

وحينما تغار الذئابWhere stories live. Discover now