الفصل السادس والثلاثون

3.3K 288 20
                                    


عذرًا على التأخير نظرًا لتواجدي يوميًا في معرض بورسعيد السادس للكتاب


الفصل السادس والثلاثون

(بذرة الشـــــــرور)

بحركة اهتزازية رتيبة، ظل الصغير "أوس" يحرك ساقه اليسرى للأمام والخلف، وهو ينتظر خارج مكتب مدير مدرسته الداخلية، حيث تلتقي والدته به بعدما تم استدعائها لاستلام أوراقه لنقله من هذا الصرح التعليمي. للغرابة تفاجأ بها تدافع عنه بضراوة، وتختلق له الحجج والأعذار لتبرر سلوكياته وتصرفاته المتجاوزة، فصوتها المرتفع قد وصل إليه، وجعله على دراية بما يدور بالداخل، دون الحاجة للتواجد فعليًا معهما. لم يتوقع منها أن تفعل ذلك خاصة بعد أن ازدادت الفجوة بينهما، وأصبح تواصلهما كأم مع ابنها محدودًا ومقتضبًا، حينئذ شعر بشيء من السرور ينتعش بداخله، يا ليتها استمرت على ذلك النهج، لما صار بهذا العِناد!

تصلب في جلسته، وتوقف عن هز ساقه عندما فُتح الباب فجــأة، نظر إلى الجانب فوجد والدته تخاطب المدير في لهجة متشددة:

-أكيد مش هغلب وهلاقي لابني مكان يقدر يفهم طبيعة شخصيته، ويساعده يبقى أفضل، مش يحمله الذنب ويرميه كأنه نكرة.

جاء صوته جادًا حينما علق عليها بما يشبه النصيحة:

-اللي بنعمله ده لمصلحته، والأهم إن سلوكه يتغير، لأنه لو فضل على كده صدقيني مافيش مكان محترم هيقبل بيه.

تحدته قائلة بضيقٍ:

-هنشوف...

ثم استدارت برأسها نحو ابنها لتنظر إليه وهي تأمره:

-يالا يا "أوس" علشان نمشي.

نهض من مكانه ساحبًا معه حقيبته التي امتلأت بكافة متعلقاته الشخصية، أخذتها منه والدته، وقالت كنوعٍ من المواساة:

-معلش يا حبيبي، هما خسروك.

لم يبدُ مباليًا بالمرة بشـأن فصله، بل شعر وكأنه أزاح ثقلًا عن صدره بالتخلص من ذلك المكان، استمع إليها وهي تؤكد له:

-بكرة تروح مدرسة تانية أحسن من دي بمليون مرة.

اكتفى بالإيماء برأسه، فطلبت منه بصوتٍ ترقرق إلى حدٍ ما:

-بس ممكن أطلب منك طلب؟

نظر لها بعينين متسائلتين، فأوضحت له وهي تضع على شفتيها ابتسامة صغيرة:

-يا ريت ماتحكيش عن اللي حصل ده لعمو "ممدوح"؟

تعكرت ملامحه وأشاح بوجهه بعيدًا عن نظرتها المهتمة، فاستمرت في سرد أسبابها:

-مش حباه يفضل فاكر إنك لسه مشاغب وبتعمل مشاكل، وده مش حلو علشان علاقتكم سوا، أنا عايزاكم تبقوا زي الأصحاب، كأب وابنه.

رحلة الآثام - الجزء السابع - سلسلة الذئاب -كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن