الفصل الثالث والثلاثون

3.5K 295 43
                                    


قراءة ممتعة


الفصل الثالث والثلاثون

(الضــــحية)

عند المقابر، وقبيل وقت الظهيرة تقريبًا، في موعده الشهري، كان متواجدًا هناك، أبقى على ذراعيه مرفوعين للسماء، وهو لا يزال يدعو بأدعيته المهموسة، لعل وعسى يستجيب المولى له، ويغفر لها ما اقترفت من ذنوب، فمنذ أن فارقت الحياة قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر، وقلبه يلتـــاع لرحيلها بهذا الشكل المأساوي، ظلت الأسئلة والخواطر تطوف في رأسه بلا أجوبة محددة، ولم يسعَ لتحري الحقيقة، اكتفى بتذكر آخر كلماتها، وهي رغبتها في نيل غفرانه. مسح "عوض" على وجهه براحتيه، وتأهب للذهاب؛ لكن استوقفته إحدى السيدات بالنداء عليه، أخفض بصره، وسألها:

-خير يا ست في حاجة؟

بحركة لا إرادية شدت المرأة من حجابها على رأسها، وخاطبته في حزنٍ مبالغ فيه:

-قلبي عندك يا سي "عوض"، المرحومة كانت غالية عندي، ومكونتش بتأخر عنها في حاجة.

رد عليها بحذرٍ، ودون أن ينظر تجاهها:

-ربنا يكرمك.

همَّ بالتحرك؛ لكنها استوقفته بجملتها المريبة:

-هي في بس حاجة مضايقاني، ومحسساني بالذنب، ومش مخلياني أتهنى في نومة أبدًا.

لحظتها اضطر أن ينظر إليها متسائلًا بقلق:

-خير؟

أجابته بشيءٍ من التردد وهي تشير بيدها:

-والله العظيم، ولأجل الحلفان لو كنت أعرف إنها عايزة الزفـــــت ده عشان نفسها ما كنت جبتهولها.

حديثها إليه كان أشبه بحل قطعة من الأحجية، فسألها مستفهمًا:

-بتاع إيه؟

تلفتت حولها بنظرات قلقة، قبل أن تستجمع جأشها لتقول، في صوتٍ خافت، وكأنها تخشى سماع أحدهم لها:

-مياه النـــــار!

برقت عيناه ذهولًا من الصدمة غير المتوقعة، فاستمرت تستفيض في الشرح:

-أصل المرحومة، ربنا يبشبش الطوبة اللي تحت راسها، كانت طلبته قبل ما يجرالها اللي جرى بكام يوم، ومكونتش عارفة هي عايزاه ليه، فكرتها ناوية تنضف بيه البوتجاز ولا تشيل بيه جلخ الأرضيات.

من هول صدمته، لم يحاول "عوض" البحث عن تفسير آخر لسبب ابتياعها لتلك المادة الكــــــاوية، واكتفى بتصديق أنها كانت بحاجة إليه لتستخدمه في التنظيف، أطرق رأسه للأسفل، وردد:

-قدر الله وما شاء فعل.

كانت على وشك الكلام مرة ثانية، فرفع كفه ليمنعها من التفوه بشيء، وطلب منها في صوتٍ هادئ لكنه جاد:

رحلة الآثام - الجزء السابع - سلسلة الذئاب -كاملةWhere stories live. Discover now