الفصل السادس والأربعون( تكملة الجزء الثاني )

1.9K 155 20
                                    

مساءا ..
تقدمت ليلى حيث صالة الجلوس لتجد والدتها تجلس مع كل من والدها وشقيقتها ينتظرونها لتنهض فاتن من مكانها تتأملها بسعادة كبيرة وهي تردد :-
" ماشاءالله ... تبدين رائعة للغاية يا ليلى .. حفظك الله يا ابنتي ووفقك ..."
ابتسمت ليلى وهي تحتضن والدتها بحب بينما أخذت مريم تراقبهما بصمت تحاول أن تصطنع السعادة التي لا وجود لها ..
إبتعدت ليلى من بين أحضان والدتها لتلتقي عينيها بعيني والدها الذي نهض من مكانه يسألها بجدية مجددا :-
" هل أنت واثقة من قرارك يا ليلى ..؟!"
ابتسمت ليلى وهي تهز رأسها بصمت ليجذبها والدها ويعانقها بحب وفرحة لا تخلو من القلق على إبنته التي عانت طويلا وهو ما زال يخشى عليها بشدة فهو الآن سيمنحها مجددا لرجل لا يعرف عنه سوى أشياء عامة ...
تنهد بصوت مسموع وهو يبتعد عنها يربت على جانب وجهها فيرتجف قلب ليلى بسبب تلك النظرة التي رآتها داخل عينيه ..
نظرة تحمل مزيجا من القلق والتردد ...
حاولت طمأنته أو ربما طمأنت نفسها أيضا فإبتسمت له بهدوء تخبره من خلال نظراتها ألا يقلق عليها مهما حدث ...
تحركت بعدها نحو المطبخ تتبعها مريم حيث تحدثت مع الخادمة عن بعض الأمور  ومنحتها بعض الوصايا بينما أخذت مريم تتأملها بذلك الإهتمام والإستعداد الغريب لهذه الخطبة التي حدثت بين ليلة وضحاها فلم تفهم ما يجري وكيف بدت أختها هكذا .. مستعدة تماما وراضية كليا بهذه الخطبة ..!!
هل هي سعيدة فعلا أم تدعي السعادة ...؟!
تسائلت مريم داخلها عن مدى سعادة شقيقتها بهذه الزيجة لتتجه نحو شقيقتها تجاورها وتهمس لها :-
" أنت متأكدة من قرارك .. أليس كذلك ..؟!"
نظرت لها ليلى لوهلة ثم هزت رأسها وهي تجيب :-
" نعم يا مريم .. انا متأكدة من قراري .."
نطقت مريم :-
" ولكن ما حدث في الماضي ونديم .."
قاطعتها ليلى بحزم :-
" حياتي لن تتوقف بسبب قصة حب فاشلة ..."
أكملت بقوة وثقة :-
" حياتي سوف تستمر .. بالشكل الذي أريده ويجعلني سعيدة ومرتاحة حتى لو دون حب ..."
أضافت وعيناها تلمعان ببريق مختلف هذه المرة :-
" الحب ليس أساس كل شيء .."
همست مريم بقلق :-
" انا فقط قلقة يا ليلى ... "
قاطعت شقيقتها وهي تربت على وجهها بحنو خاص :-
" لا تقلقي يا مريم .. صدقيني لا داعي للقلق .. ما أفعله هو الصحيح .. "
تنهدت وهي تضيف بحسم :-
" لقد نضجت بما يكفي لأدرك إن أفق الحياة الواسعة لا يمكن حصرها داخل قصة حب فاشلة ... انا الآن أسير في درب جديد .. درب مختلف تماما .. أسعى لبداية جديدة وحياة جديدة .. حياة إخترتها بنفسي وسأسعى بكل جهدي لتنجح فأنا أستحق أن أحيا بسعادة وأن أحقق الحياة التي طمحت لها يوما ..!!"
" انت بالطبع تستحقين كل السعادة يا ليلى .."
قالتها مريم بصدق ثم توقفت عن الحديث وهي تشعر بألم أكبر يجثم فوق صدرها ..
شقيقتها تبدو سعيدة بهذه الزيجة ..
يا لها من ورطة ... لو فقط تمتلك الجرأة وتخبرها بحقيقة كنان .. !
إبتلعت حسرتها داخلها وهي تمنحها إبتسامة مرتعشة لتنتفض من مكانها وهي تسمع صوت جرس الفيلا يرن فتهمس لها ليلى بتوتر طبيعي :-
" لقد وصلوا يا مريم ..."
ثم ما لبثت أن تحركت خارج المكان بخطوات خجول مترددة ..
....................................................
بعدما دلف كنان مع عائلته الى الداخل أشارت فاتن لليلى أن تدخل ..
تقدمت ليلى الى الداخل بخجل عفوي فتأملها كنان بلهفة غريبة وجديدة عليه متأملا إياها بذلك الفستان الأنيق بلونه الرصاصي المميز وتصميمه الناعم جدا والبسيط جدا لكنه يليق بها بشكل خاطف للأنفاس ...
شعرها الأشقر المسترسل كان حكاية أخرى وتلك النعومة التي تتمتع بها ملامحها تمنحها هالة من الجمال والرقة والأنوثة والبراءة في آن واحد ...
لطالما سحرته بجمالها الذي يدرك جيدا إنه لم يسحره وحده بل سحر الكثير غيره ...
جمالها الذي يشعره بإنها لا تنتمي الى هذا العالم وكأنها أتت من عالم الخيال البعيد لتزين واقعهم بجمالها ..!!
كان يتأملها بعينيه .. نظراته تحتضنها وهي تتقدم بخطوات مترددة فينهض هو يستقبلها غير منتبها لنظرات والدتها التي كانت مرتكزة عليه ورأت فيهما ما طمأن قلبها أكثر من الأول وجعلها تسترخي في جلستها أخيرا...
مدت ليلى كفها نحو ليلتقطه ويقبله برقة جعلت وجنتيها تتورد فهمس لها بصوت لم يسمعه سواها :-
" تبدين أجمل من أي شيء في هذا الكون .. "
إبتسمت بحرج وشكرته بصوت خافت ليقبض على كفها وهو يتقدم بها نحو والدته لتتأمل ليلى المرأة التي تجلس أمامها بملامح هادئة لكنها تحمل من القوة والحزم ما يوازي سنوات عمر المرأة فأشار كنان لوالدته :-
" ماما يا ليلى .. شريفة هانم نصار .."
إبتسمت لها برقة تردد :-
" أهلا شريفة هانم .."
نهضت شريفة من مكانها بتثاقل ثم رسمت إبتسامة كاذبة فوق شفتيها وهي تصطنع الترحيب بها :-
" أهلا يا ليلى .."
أكملت عن قصد :-
" ماشاءالله .. أنت جميلة للغاية ... كنان معه حق أن يسارع لخطبتك .."
ثم منحت نظرة خاصة لكنان تخبره إنها أدت واجبها وفعلت ما تفعله أي أم مكانها فيبتسم برضا ليشير الى والده قائلا :-
" والدي .. كمال نعمان .."
نهض كمال يهتف بفرحة شعرت بها ليلى :-
" أهلا بك يا إبنتي .. ماشاءالله .. ما كل هذا الجمال ..؟!"
أضاف يحدث زوجته عن قصد :-
" معك حق يا شريفة ..الآن فهمنا سبب عجلة إبنك  الغير مفهومة ..."
أكمل وهو يخبر ليلى :-
" كنت أعلم إن ذوقه عالي وإنه حينما يقرر الزواج سيختار عروسا مميزة للغاية لكنه فاق توقعاتي فأنت ماشاءالله تبدين كشمس مشرقة تخطف الأنظار .."
احتقنت ملامح شريفة بتجهم وهي تستمع حديث زوجها وإحتقنت ملامح ليلى كذلك خجلا ليشير كمال الى شقيقته علياء وزوجها ماجد :-
" وهذه شقيقتي علياء... وزوجها ماجد نصار والذي يكون ابن خالي في نفس الوقت .."
رحبت بها علياء بسعادة وهي تخبرها :-
" لو تدركين مدى سعادتي اليوم .. كنت أنتظر هذا اليوم منذ سنوات .. ليبارك الله لكما بهذه الخطبة ..."
ثم همست لشقيقها بينما كانت ليلى تحيي ماجد الذي كان يبارك لها الخطبة :-
" إنها جميلة للغاية .. وتبدو لطيفة أيضا وعائلتها محترمة ..."
أكملت وهي تربت على ذراعه بحب :-
" مبارك لك يا كنان .."
شكرها كنان الذي أشار بعدها الى سيف الذي نهض يستقبلها ليخبرها :-
" وهذا سيف يا ليلى .. شقيقي الوحيد .. ضابط برتبة رائد في الشرطة .."
ابتسم سيف يرحب بها فبادلته ليلى التحية ليشاكس كنان بينما ليلى إتجهت تجلس جانب والدتها :-
" مبارك يا شقيقي .. عسى الله أن يحميك فقط من عين الوالدة ويتمم زيجتكما على خير.."
منحه كنان نظرات محذرة قبل أن يجد ماجد زوج شقيقته يكتم ضحكته وقد سمع ما قاله سيف فمنح الأخير نظرة معاتبة ليهز رأسه بإستسلام فيعاود كنان الجلوس في مكانه عندما تقدمت مريم تلقي التحية بهدوء فتلتقي عينيها للحظة بعيني كنان فتشيح عينيها بعيدا عن عينيه بسرعة عندما قام أحمد بتعريفها لهم فتبادلوا التحية ثم جلست مريم بجانب شقيقتها ووالدتها بملامح جامدة ..
بدأ كمال حديثه المعتادة في هذه المناسبة حيث تحدث عن رغبة ولده في خطبة ليلى ليسأل أحمد ليلى أمام الجميع عن رأيها كما هو المعتاد لتهز رأسها بصمت فيهتف كمال بسعادة :-
" على بركة الله .. لنقرأ الفاتحة إذا ..."
قرأ الجميع الفاتحة عندما تحدث كنان أخيرا بعدما تمت قراءة الفاتحة قائلا :-
" من فضلك يا عمي ومن فضلك أنت يا ليلى .. أريد أن نحدد موعد الخطبة ..  لقد فكرت أن نجعلها يوم السبت القادم .."
نطقت ليلى بذهول :-
" السبت القادم ..؟! أي بعد خمسة أيام ..؟!"
قال كنان ببساطة :-
" نعم ، هل هناك مشكلة ..؟!"
أجابت ليلى بتردد :-
" يعني لا أعتقد إننا سنلحق أن ننهي كافة الأمور التي تخص حفل الخطبة في خمسة ايام فقط .."
أيدتها علياء :-
" معها حق يا كنان .. فستان الخطبة وحده يحتاج الى مدة طويلة كي يتم تصميمه .."
قال كنان بجدية :-
" هذا أمر بسيط جدا .. ستختار ليلى التصميم الذي يناسبها وأنت سأطلب من مصمم العائلة الخاص تصميمه خلال يومين ..."
قالت فاتن بجدية .-
" ولكن خمسة أيام قليلة جدا يا بني ... نحتاج ما لا يقل عن إسبوعين ..."
نظر كنان الى أحمد يسأله :-
" ما رأيك أنت يا عمي ..؟!"
رد أحمد بجدية :-
" انا بالنسبة لي لا مانع لدي لكن النساء كما ترى يمانعن فهم يحتجن الى وقت كبير لتجهيز الملابس وترتيبات الحفل ..."
قالت ليلى بتردد :-
" أساسا لا داعي أن يكون هناك حفلا ضخما .. حفلا بسيطا بوجود العائلتين والمقربين فقط .."
هتفت شريفة ببرود :-
" كيف يعني حفل بسيط ...؟! كلا بالطبع ... سيكون حفلا ضخما يليق بولدي وحفل الزفاف سيكون أضخم منه بكثير ... "
ثم أشارت تسأل زوجها :-
" أليس كذلك يا كمال ..؟!"
رد كمال بهدوء :-
" ما يريده الأولاد سيحدث .. هذا قرار خاص بهما ..."
منحته شريفة نظرات حانقة تجاهلها عندما هتف كنان بسرعة ينهي الحديث الذي ربما سيأخذ مسارا لا يريده :-
" سنتحدث بخصوص الحفل فيما بعد يا ليلى .. ولكن الأفضل أن نحدد موعده اليوم .."
نظرت ليلى الى والدتها بحيرة قبل أن تنطق أخيرا :-
" ليكن بعد إسبوعين ..."
هتف كنان على مضض :-
" كما تريدين .."
أضاف بعدها بجدية :-
" إذا سمحت لي يا عمي فأنا سأجلب شيخ يعقد قراننا مبدئيا يوم الخطبة ..."
توترت ملامح ليلى وتفاجئ أحمد بما قاله لكنه أجاب بتروي :-
" حسنا ، لا مشكلة .. "
ابتسم كنان بجدية وهو يضيف :-
" نعم ، وأساسا لا فرق كبير .. بكل الأحوال الزواج سيكون بعد الخطبة بفترة قصيرة ..."
نظرت فاتن إليه وقالت بجدية :-
" موعد الزفاف يخصكما ... تحدثا وإتفقا على موعد مناسب .. "
" بالطبع .. كل شيء سيكون كما تريده يا ليلى .."
أكمل بجدية :-
" موعد الزفاف ومكان إقامتنا بعد الزفاف .. "
سألته فاتن بجدية :-
" هل تعيش في منزل عائلتك..؟!"
قاطعتها شريفة ببرود مقصود :-
" إطمئني يا هانم .. كنان غادر منزل العائلة منذ سنوات وإستقر لوحده في قصر خاص به .."
أضاف كنان بجدية:-
" لدي قصر خاص بي أسكن به منذ سنوات .. ولكن إذا أرادت ليلى فلتختر المكان الذي تريده لنعيش به...."
هتفت ليلى بتروي :-
" في الحقيقة كنت أفضل أن يكون مكان إقامتنا قريبا من هنا ..."
سألت شريفة بتبرم :-
" لماذا ..؟! ما الفرق إذا كان المكان قريبا او بعيدا عن هنا ..؟!"
ردت ليلى بهدوء :-
" أريد البقاء قرب عائلتي .."
لوت شريفة ثغرها وهي تردد :-
" بعد الزواج زوجك سيكون هو عائلتك ... أنت ستبدئين محطة جديدة في حياتك أساسها سيكون زوجك وأولادك مستقبلا ... "
نطقت ليلى ببرود :-
" لم أكن أعلم إن الزواج يعني ترك عائلتي الأولى التي قضيت طفولتي وشبابي بأكمله معهم .."
قالت شريفة بتجهم :-
" لم أقل هذا .. ولكن من غير المعقول أن تختاري مكان إقامتك بناء على مكان إقامة عائلتك .. "
أضافت عن قصد :-
" إذا كنت تنوين أن تفعلي كما يفعل بعض الزوجات ويقضين أغلب وقتهن في منزل والدهن فالأفضل أن تعيشان هنا بدلا من مشقة المجيء والذهاب يوميا حيث منزل عائلتك .."
" عفوا ... مالذي تعنيه ..؟! بالطبع الأمر ليس هكذا .. كوني متعلقة بعائلتي وأريد أن أكون قربهما فهذا لا يعني إنني سأترك منزلي وأجلس قبالتهم طوال الوقت .. حضرتك يجب أن تعلمي إنني الإبنة الكبيرة هنا ومن الطبيعي أن أكون قرب عائلتي خاصة إن لدي أخين صغيرين يحتاجان الى وجودي حولهما وهذا شيء آخر يجب أن تعلمه يا كنان .."
أنصت كنان لها لتضيف بتعمد :-
" أخوتي انا مسؤولة عنهم بشكل أو بآخر .. هذا لا يعني إنني سأترك منزلي طوال الوقت ولكنني أحتاج أن أكون قريبة منهما وأتواجد بسرعة عندهما ما أن يحتاجناني .."
قال أحمد بتردد :-
" ليلى ابنتي .. هذا الكلام لا داعي له ... أخوتك جميعنا حولهم .."
هتفت شريفة تتسائل :-
" عفوا أنا لا أفهم .. لكن لماذا أنت مسؤولة عن أخويك ..؟! والدتك موجودة والحمد لله .. أليس من المفترض أن تعتني هي بأولادها ..؟!"
بهتت ملامح فاتن وتجمدت ملامح أحمد بينما كتم كنان إنفعاله داخله عندما نطقت ليلى بهدوء وثبات :-
" هؤلاء أخواني من زوجة أبي ..."
إرتسمت الدهشة على ملامح شريفة التي تسائلت مجددا بضيق خفي :-
" لم أكن أعلم إن والديك منفصلان ..."
قاطعتها ليلى بجمود :-
" والدي ليسا منفصلين ... والدتي تزوج وأنجب أخي عبد الرحمن وهو ينتظر القادم من زوجته ولكنه لم ينفصل عن والدتي ... "
أضافت وهي تشير الى كنان :-
" كنان بالطبع يعرف ذلك .. نحن لا نخفي هذا الأمر عن أحد ..."
هزت شريفة رأسها بتجهم عندما هتف كنان بجدية :-
" حسنا يا ليلى .. لك ما تريدين بالطبع .. أنا أتفهم مسؤولياتك وأقدرها .. سنختار فيلا قريبة من هنا .. وكما قلت قبل قليل .. أنت من ستختارين منزلنا بنفسك ..."
شكرته ليلى بإبتسامة باهتة بينما قال كمال بإبتسامه يحاول تبديد الأجواء المتوترة التي سيطرت على المكان :-
" كل شيء سيكون كما تريد عروسنا الجميلة بالضبط .. هي تأمر وكنان ينفذ ..."
" شكرا ..."
نطقتها ليلى بخجل ليهتف كمال بجدية :-
" لا شكر يا إبنتي ... بعد زواجك من ولدي ستصبحين واحدة من العائلة وفي مكانة علياء ابنتي ..."
قالت علياء بصدق :-
" بالطبع يا بابا ... نحن ننتظر هذا اليوم على أحر من الجمر .. وكما قال بابا .. أنت ستكونين واحدة منا بإذن الله .."
ابتسمت لها ليلى بلطف وقد شعرت بالراحة الشديدة اتجاه والد كنان وشقيقته التي تمتلك ملامح مرحبة ودودة للغاية لكن عاد حديث والدته يؤرقها مجددا فحاولت أن تتجاهل ما حدث وتستمع لأحاديث من حولها وتشاركهم فيها ..
يتبع

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن