الفصل التاسع والعشرون ( الجزء الثالث )

3.8K 182 22
                                    

الفصل التاسع والعشرون
( الجزءالثالث )
منذ أن أخبرتها حنين بما عرفته عن نضال وهي تشعر بحيرة مما عرفته ...
كان من الواضح إن هناك شيء خاطئ في تصرفاته وإهتمامه المفاجئ بها من أول يوم رغم جفاءه مع البقية ..
لم تستوعب بعد ما سمعته فعقلها كان يفكر في سبب تصرفاته المريبة وإهتمامه المبالغ فيه والذي فسرته إنه ليس عفويا كما يبدو وقادتها أفكارها الى العديد من الإحتمالات عدا هذا الإحتمال ..!
كانت ما زالت في منزل والدتها لم تغادر كما قررت بعدما أصرت والدتها أن تبقى وتتناول طعام الغداء معها هي وأختها حيث قد سافر زوج والدتها في رحلة قصيرة ولا يوجد سواهما في المنزل ...!!
سمعت نداء والدتها لها ولأختها تخبرهما إن المائدة أصبحت جاهزة فتقدمت نحو طاولة الطعام مع حنين وجلست تتناول الطعام وعقلها رغما عنها شاردا يتذكر صورة تلك الفتاة التي بدت تشبهها قليلا ..!!
إنشغلت بعدها في تبادل الأحاديث مع والدتها وحنين حتى انتهين من تناول الطعام لتخبرهم بضرورة مغادرتها لأجل إنهاء بعض الأشياء الهامة بعدما وعدت والدتها أن تخرجان سويا غدا لتساعدها في شراء بعض مسلتزمات الزواج والتي ستحتاجها كعروس بالتأكيد ...!!
أثناء خروجها من المنزل قابلته في طريقها حيث كان يدخل الى منزله بعدما ركن سيارته في الكراج ..
توقفت للحظات أمامه تتبادل معه النظرات فبدت نظراته جامدة لا تعبر عن شيء بينما نظراتها مرتبكة قليلا ..!!
تحرك الى الداخل متجاوزا إياها لكنه توقف على صوتها وهي تناديه قبل أن تلتفت نحوه فتجده واقفا مكانه يوليها ظهره وتكاد تجزم إنه حائر بين تجاهلها والإستمرار في سيره الى الداخل وبين الإستدارة نحوها والرد عليها ..
إلتفت أخيرا نحوها يتأملها بنفس الجمود للحظات قبل أن يهتف بصوت بارد جاف :-
" نعم .."
هتفت بتردد :-
" مساء الخير اولا .."
أضافت وهي تتقدم نحوه خطوات قليلة :-
" في الحقيقة أردت إلقاء التحية ..."
صمتت تتأمل تغضن ملامحه برفض واضح فقالت بسرعة متراجعة عما نوت التحدث به معه :-
" حسنا لا عليك .. سأذهب .."
لكنها توقفت على صوته الحازم يقول :-
" توقفي ..!!"
استدارت نحوه تتأمل تجهم ملامحه وهو يضيف :-
" ماذا كنتِ تريدين مني ..؟!"
إبتلعت ريقها تردد بحرج :-
" لا أريد شيئا .. أردت إلقاء التحية فقط لا غير ..."
هتف بنفس البرود :-
" لم أعهدك ممن يتراجعن عن قول شيء ما او يخشين أحدا .."
قالت بجدية :-
" الأمر ليس خوفا بالتأكيد ولكن من الواضح عليك إنك لا ترحب بالتحدث معي وبالتالي التزمت الصمت ..!!"
سأل بجدية :-
" ماذا تريدين أن تقولي ..؟!"
ردت بهدوء محاولة السيطرة على غضبها الخفيف بسببه :-
" أريد التحدث معك قليلا .. انظر لا تستغرب ما سأقوله لكنك بتصرفاتك الأخيرة وحديثك معي بل وتجاوزك للعديد من الحدود بيننا منحتني الحق في قول هذا .."
رفع حاجبه يتسائل بتهكم مقصود :-
" قولي ما لديك يا آنسة حياة وتجاوزي الحدود إذا أردتِ كما فعلت أنا معك ..."
" ألا ترى إنك تجاوزت حدودك معي حقا ..؟!"
سألته بدهشة ليردد بعدم إهتمام :-
" انا قلت الحقيقة .. الواقع الذي ستعيشنه مع خريج السجون هذاك .. الواقع الذي مصرة أن تتغافلين عنه .."
تقدمت نحوه أكثر تهتف بملامح شديدة الغضب تدافع عن الرجل الذي تحبه بإستماتة :-
" أنت لماذا تصر على التقليل منه بهذه الطريقة..؟! لماذا تصر على الإساءة له بأي شكل ..؟! ما مشكلتك معه بالضبط ..؟! لماذا يزعجك نديم الى هذا الحد ...؟! ولماذا ترفض إستيعاب إن كل هذا لا يهمني حقا مثلما لا يهمني رأيك ورأي أمثالك ..؟!"
ضحك مرددا بسخرية :-
" رأيي ورأي أمثالي .. تقصدين رأي الجميع .. رأي الناس الواقعيين .."
هدرت بقوة :-
" انا انسانة واقعية جدا لكنني أمتلك إنسانية أيضا ... إنسانة واقعية لكنني أشعر بغيري وأتفهمهم ... أما أنت .."
صمتت قليلا تضغط على فمها وهي تلاحظ تشنج ملامح وجهه لتضيف بجدية :-
" انت تتكبر على الجميع وتسخر من الكثير وتظن نفسك أفضل من أي شخص .. تحاسب نديم على خطأ ربما لم يرتكبه وحتى لو فعله حقا فلا تمنحه حق إصلاح ما أفسده .. تتصرف وكأنك الحاكم ومالك الكون فتنظر الى الجميع بفوقية وترفض أن تمنح نفسك القليل من الضمير والإنسانية وأنت تنظر الى من حولك .."
أكملت بقوة وقد تحولت ملامحها البريئة الى ملامح مختلفة تماما مليئة بالقوة والتحدي :-
" يوما ما ستخسر كثيرا بسبب غرورك وإعتدادك بنفسك المبالغ به .. يوما ما ستعلم إن غرورك هذا لن يجلب لك الراحة ومكانتك مهما بلغت ومهما إرتفعت لم تمنحك السعادة ولا السكينة طالما داخلك أسودا الى هذا الحد ... "
أخذت نفسا عميقا ثم أضاف بهدوء هذه المرة :-
" لا أحد يعلم ما قد يحدث مستقبلا .. نديم يوما ما كان يمتلك كل شيء وفي لحظة واحدة خسر الكثير وانت ايضا معرض لذلك وانا والجميع .. الحياة لا تستمر على نمط واحد كما تظن وربما يأتي اليوم الذي تصبح فيه بالقاع بعدما أنت الآن ترى نفسك بالقمة وحينها تأكد لن ينتشلك أحدا من قاعك المظلم لإنك لم تفعل شيئا تستحق أن يساعدونك لأجله .."
توقفت عن حديثها أخيرا لترى ملامحه جامدة كصخرة لا حياة فيها ...
هتف أخيرا بنبرة لا حياة فيها هي الأخرى :-
" لكن نديم وجد من تنتشله من ذلك القاع ، أليس كذلك ..؟!"
كانت ما زالت تقف مواجهتهه دون رد عندما أضاف وهو يتقدم نحوها هذه المرة فأصبحت المسافة بينهما لا تتعدى سنتيمترات قليلة :-
" وجدكِ يا حياة ... "
" لإنه يستحق ذلك بالتأكيد .."
قالتها بقوة ليبتسم إبتسامة لم تصل الى عينيه وهو يردد :-
" اتمنى من أعماق قلبي أن يستحق فعلا كل هذا .. أن يعرف جيدا قيمه ما ناله .."
سيطر الوجوم على ملامحها ليضيف بجدية :-
" لقد ربح نديم حياة كاملة ... حياة جديدة مشرقة وأتمنى أن يمتلك الذكاء الكافي ليحافظ على هذه الحياة ولا يطفأ نورها مهما حدث ... "
" ماذا تقصد ..؟!"
سألته بإرتباك ليبتسم وهو يقول بهدوء وقد زال الجمود من ملامحه :-
" عديني فقط ألا تسمحي لأي شيء أن يطفأ الحياة داخلك .. لا تسمح لأي شخص مهما كان أن يمحي قوتك ونورك وعطائك والحياة التي تشع منك دائما وأبدا .."
أضاف وهو يمد كف يده نحوها قائلا :-
" مبارك زيجتك يا حياة واتمنى لك التوفيق معه من أعماق قلبي .."
نظرت إليه بعدم إستيعاب قبل أن تمد يدها ترد تحيته وهي تردد بخفوت وملامح باهتة :-
" أشكرك والعقبى لك .."
" عن إذنك .."
قالها وهو يهم بالتوجه الى الداخل عندما توقف مجددا على صوتها تناديه فإلتفت نحوها ليجدها تبتسم له بدفء لأول مرة وهي تقول :-
" هناك شيء في داخلك ما زال أبيضا صافيا يا نضال .. حاول أن تظهره ولا تصر على إخفائه بعيدا ... اتمنى ألا تتأخر أكثر من ذلك وتستوعب حقا إن الحياة أبسط من هذا التعقيد الذي تراه ..!!"
هز رأسه دون أن يبتسم ليقول أخيرا :-
" ربما انا لا أستحق سوى ذلك .. لا أستحق سوى أن أكون سيئا باردا معقدا .. ربما هذا ما يلائمني ويناسبني ..."
همت بالتحدث لكنه قاطعها برفق :-
" يوما ما هي أيضا كانت تنبض بالحياة مثلك تماما وتتحدث مثلك أيضا لكنني قتلتها .. قتلتها ومنذ ذلك اليوم ُقتلت إنسانيتي وصفائي بعدها ..."
انسحب تاركا إياها تتابعه بصدمة وعدم استيعاب لما قاله وكلامه الأخير بدا مظلما ومخيفا جدا مثله تماما ..!
......................................................................
كانت تسير في الشارع بعد مغادرتها منزل والدها وعقلها ما زال يحاول تحليل كلامه ..
نضال رجل غامض جدا بل ومخيف أيضا ..
تلك الفتاة بالتأكيد نفس الفتاة التي تحدثت حنين عنها ورأت صورتها ..!!
توقفت عندما سمعت صوت رنين هاتفها ففتحته لتجد نديم يتصل فعادت كلماته تتردد داخل أذنها :-
(لقد ربح نديم حياة كاملة ... حياة جديدة مشرقة وأتمنى أن يمتلك الذكاء الكافي ليحافظ على هذه الحياة ولا يطفأ نورها مهما حدث ... )
تأملت إسمه الذي يرن على شاشة هاتفها للحظات قبل أن تجيب بصوت متحشرج :-
" اهلا نديم ..!"
سألها بقلق دون أن يرد تحيتها :-
" ما به صوتك ..؟! هل هناك شيء ما ..؟!"
ردت بخفوت :-
" كلا لا يوجد ، أين أنت الآن ..؟!"
رد بجدية :-
" أنتظرك في المقهى الذي إتفقنا أن نلتقي به ... متى ستصلين ..؟!"
ردت بهدوء :-
" سأصل بعد قليل .. "
" حسنا .. انا أنتظرك .."
قالها بجدية قبل أن يتسائل مجددا :-
" أنتِ بخير ، أليس كذلك ..؟!"
ردت بهدوء :-
" انا بخير .. لا تقلق ..."
ودعته بعدها وأشارت الى احدى سيارات الأجرة المارة لتركبها وتخبر سائقها بعنوان المقهى .!!
بعد حوالي ربع ساعة وصلت الى المقهى لتجده في إنتظارها فتقدمت نحوه تبتسم بخفة وهي تجلس أمامه بعدما ألقت التحية ووضعت حقيبتها على الطاولة أمامها ..
" كنت مع حنين ..؟!"
سألها بإهتمام بعدما رد تحيتها لتجيب وهي تهز رأسها :-
" نعم في منزل ماما .. تناولنا الطعام سويا .."
أراد أن يسألها إذا ما كان نضال موجود هناك أم لا لكنه تراجع كي لا يثير ضيقها ..!!
أشار الى النادل بعدما سألها عن طلبها فأخبرته عما تريد تناوله ...
ابتعد النادل بعدما دون طلباتهما لتبتسم وهي تسأله :-
" ماذا فعلت اليوم ..؟!"
رد بجدية :-
" جهزت بعض الأشياء الضرورية للسفر .. انت تعرفين لم يتبقَ سوى أيام قليلة .."
ابتسمت بتوتر وعادت تتذكر حديث نضال ليلاحظ توترها فيسألها بإهتمام :-
" تبدين غير مرتاحة يا حياة .. تحدثي عما يحدث معك ولا تكذبي وتقولي إنك بخير ..."
تأملت النادل الذي يضع المياه الباردة أماميهما لتسحب قنينة المياه وتصب القليل منها في قدحها ثم تتناوله قبل أن تتحدث بجدية :-
" أبدا .. الأمر فقط إنني تحدثت مع نضال و .."
قاطعها بعصبية خفيفة :-
" تحدثتِ مع من ..؟!"
هتفت بجدية :-
" اهدأ يا نديم من فضلك .."
هتف بغضب مكتوم ظهر في عينيه المشتعلتين :-
" تحدثي يا حياة .. أسمعك .. "
أضاف يتسائل بإنفعال صامت :-
" لماذا تحدثت معه ..؟! ماذا كان يريد منك ..؟!"
ردت بصدق :-
" انا من بادرت الحديث .،"
قاطعها بعدم تصديق وإنفعال ظهر بقوة :-
" وأنتِ من بادرتِ أيضا ..!!"
" نديم من فضلك .."
قالتها بضيق ليتراجع الى الخلف وهو يأخذ نفسا عميقا محاولا تهدئة أنفاسه لتقول مكملة :-
" أنا أخبرتك لإنني لم أرغب أن أخفي عنك شيئا كهذا .. أحببت أن أكون صادقة معك في كل شيء كما انت صادق معي دائما ومثلما تقبلت إعترافك السابق بذنبك وتغاضيت عنه حاول أن تتقبل حديثي وتستوعبه خاصة إنني لم أرتكب شيئا خاطئا ..."
ضم شفتيه بقوة للحظات كي لا يتفوه بشيء غير لائق ليقول أخيرا بوجوم :-
" تفضلي ، أسمعك ..."
قالت بنبرة إعتيادية :-
" تحدثنا قليلا .. وهو بارك لي زواجي وتمنى التوفيق لنا .."
ضحك مرددا بتهكم :-
" حقا..؟! شكرا كثيرا له .. ممتن جدا لأمنياته تلك .. "
أضاف يتسائل بغضب خفي :-
" وأنتِ صدقتهِ بالطبع .. "
ردت بجدية وحزم :-
" نعم صدقته ولا تتعامل معي على إنني بلهاء لا أفهم في نفوس البشر .. "
أضافت تتأمل جمود ملامحه :-
" نضال ليس شخصا جيدا ولكنه ليس سيئا لهذه الدرجة .. هو فقط يحمل داخله الكثير من التعقيدات .."
توقفت تتأمل نظراته المشتعلة فسألته بنبرة مبحوحة :-
" لماذا تنظر إلي هكذا ..؟!"
رد من بين أسنانه :-
" أكملي ، لماذا توقفتِ ..؟! هيا دعيني أسمع تحليلك لشخصية نضال بك ودواخله ..."
" حاول أن تنحي غضبك منه جانبا وتتفهم كلامي .."
قاطعها بعصبية لم يستطع السيطرة عنها :-
" تجلسين أمامي تتحدثين عن رجل كان يريدك وتحللين شخصيته أيضا والمطلوب مني أن أسمعك بل أتفاعل معك أيضا .. ما رأيك أن نجلس ونحلل شخصية السيد نضال معنى فنحن لا يوجد لدينا أشياء كثيرة علينا إتمامها خلال أيام قليلة ...؟!"
" نديم غضبك أحيانا يصبح مستفزا .. وليكن في علمك نضال لم يكن يريدني كما تظن ... "
قالتها بنبرة صارمة ليردد بتهكم :-
" كان يريد خيالك إذا ..!!"
ردت بجدية :-
" بل كان يريد الفتاة التي فقدها مسبقا .. حبيبته التي تشبهني ... "
حل الصمت المطبق بينهما للحظات قبل أن يسأل نديم بجبين متغضن :-
" ماذا تعنين بكلامك هذا ..؟!"
أخبرته عن الحديث الذي جمعها مع حنين وعن تلك الفتاة التي تشبهها نوعا ما لتنهي حديثها قائلة :-
" أساسا الأمر كان واضحا .. إهتمامه بي غير منطقيا .. نضال لا يحبني يا نديم ولا يريدني لذاتي .. هو يريد حبيبته التي تحمل شيئا يشبهني والتي لا أعلم أين هي الآن لكنني أظن إنها ماتت وبسببه أيضا .."
" ماتت وبسببه ..؟! ماذا تقولين يا حياة ..؟! كيف يعني هذا ..؟!"
سألها مصدوما لتخبره بجملته الأخيرة فيصمت نديم لثواني يفكر في كلامه قبل أن يقول :-
" نضال هذا أمره غامض حقا ومريب جدا .."
أضاف بعدها بضيق :-
" ولكن أريد أن أفهم ، كيف وصل الحديث بينكما الى هذا المنحى أساسا ..؟! كم بقيتما من الوقت تتحدثان أصلا ..؟!"
ردت حياة بضجر :-
" أوف يا نديم .. حتى بعدما أخبرتك بكل هذا وبعدما تأكدت إنه لا يحبني كما كنا نظن .."
رد بقوة :-
" هذا الكلام بأكمله لا يهمني ... هو كان يريدك ... وهذا بحد ذاته يجعلني لا أطيق ذكر اسمه حتى وانتِ لن تتعاملي معه مجددا .."
همت بقول شيء ما لكنها توقفت على صوته الحازم :-
" سنتناول ما طلبناه ثم نغادر متجهين الى محل فساتين الزفاف حيث ستكون غالية أيضا هناك تساعدك في إختيار الفستان ..!!"
اومأت برأسها دون رد عندما حضر النادل أخيرا ووضع أمام كل منهما طلبه ثم غادر بعدها ..!!
...................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن