الفصل الرابع

5.9K 214 26
                                    

الفصل الرابع
في صباح اليوم التالي ...
عاد الى منزله منهكا يشعر بأثقال الدنيا كلها محمولة فوق جسده ...
دلف الى الداخل بعدما فتحت الخادمة له الباب ترحب به بينما هو لا ينظر إليها حتى ...
سار بخطواته نحو غرفته في الطابق العلوي تتبعه الخادمة حيث سارعت لإخبار والدته عن عودة إبنها بعد غياب ليلتين كاملتين ...
دلف الى غرفته وأغلق الباب خلفه ثم سارع في خلع سترته ورميها أرضا ...
اتجه نحو الحمام الملحق بالغرفة حيث وقف أمام المرآة من جديد يتأمل ذاته .. يرى في نفسه شخصا آخرا لا يشبه الشخص الذي كان عليه إطلاقا ...
أغمض عينيه مستندا على حافة المغسلة لتزوره ذكرى ما حدث البارحة بسرعة فيفتح عينيه بنفس السرعة وهو يشعر بشيء ما ثقيل يجثم على صدره ..
عيناه الزرقاوان احمرتا بقوة وذكرى ليلة البارحة تقتحم فكره تدريجيا منذ إستسلامه المخزي ونومه مع تلك العاهرة ..
لأي مستوى منحط هبط هو وأي مستنقع قذر أغرق نفسه فيه ..؟!
كان الذنب يقيد روحه بقسوة يفاقمه حقيقة إنه إستسلم لرغبته فيها بكامل وعيه وإرادته ..!
ماذا كان ينتظر مما فعله ..؟! الشعور بالراحة ..؟! الشعور بالسعادة ..؟!
لا يعلم لمَ فعل هذا وكيف انحدرت تصرفاته على هذا النحو لكنه يعلم إن خطيئته كبيرة وإن الأخلاقيات التي تربى عليها ذهبت سدى ..
لقد كان أضعف من أن يقاوم شيطانه ويسيطر على إنفعالاته ورغباته ...!!
فتح صنبور المياه وبدأ يغسل وجهه عدة مرات بقوة حتى أغلق الصنبور وحمل المنشفة يجففه عندما سمع صوت والدته وهي تقتحم الغرفة بلهفة ...
أعاد المنشفة إلى مكانها وخرج إليها بملامح ذابله لتقترب منه بسرعة وتسأله بلهفة وعيناها تتفحصانه بقلق :-
" هل أنتِ بخير يا نديم ...؟! أين ذهبت يا بني ..؟! كدت أن أموت من خوفي عليك .."
كان ينظر إليها بضعف شديد وملامح تملؤها الهزيمة فهتفت بسرعة وقد شعرت بمدى ما يعتمل داخله من عذاب :-
" ماذا حدث يا بني ..؟! ما بالك تبدو هكذا ..؟! أخبرني يا نديم .. بمَ تشعر يا بني وماذا يحدث معك ..؟! أنا أمك وأكثر من يفهمك ..."
" أريد الموت ..."
شهقت بعنف ثم جذبته نحو أحضانها تهتف بترجي :-
" بعيد الشرك عنك .. لا تقل هذا يا بني .. لا تفعل بي هذا يا نديم.. أرجوك يا بني ..."
إبتعد عنها وجلس على السرير بوهن مرددا :-
" لم يعد لدي رغبة بأي شيء يا أمي ... لقد فقدت كل شيء ... تدمرت حياتي وانتهى مستقبلي ..."
أردف بصوت ضائع :-
" كل شيء من حولي يخنقني ... لا أستطيع التعامل مع كل شيء ... ليتني بقيت في سجني .. كان سيكون أفضل من وضعي وما أشعر به الآن .."
" لماذا تشعر هكذا يا بني ...؟! أعلم إن خسارتك كبيرة ولكن عليك تجاوزها ... نحن جميعنا حولك ومعك "
" كيف سأتجاوزها وأنا أعلم جيدا إنني لن أستطيع العمل في مجال دراستي الذي أحببته كثيرا الى الأبد ..؟! وماذا عن نظرات الناس التي ستتوجه نحوي بكل تأكيد ..؟! كيف سأتجاوز نظراتهم الموجهة نحوي والمليئة بالإزدراء ... ؟! وكيف سأتجاوز حقيقة إنني سجنت بقضية مخجلة لن يتقبلها الناس ..؟!"
جلست بجانبه تربت على كفه وهي تقول محاولة التهوين عليه :-
" لست اول من يسجن ظلما يا نديم ولن تكون الأخير .... هل جميع من حدث معهم ما حدث معك سيفعلون مثلك .. ؟! سيفكرون بالإختفاء او يتمنون الموت ..؟! لا يا نديم .. انت رجل تجاوزت الثلاثين من عمرك .. رجل يستطيع الإعتماد على نفسه وتجاوز عقباته .. الحياة ما زالت طويلة وأنت عليك أن تحارب نفسك قبل أي شيء كي تتجاوز مشاعرك هذه وماضيك الذي لم يكن لك ذنبا فيه ..."
نظر إليها بعينين موجوعتين لتكمل بتعقل :-
" أعلم إن طريقك ليس سهلا على الأطلاق وإنه ينتظرك الكثير من الصعاب لكن أعلم أيضا إنك قوي وستهزم كل ما يقابلك من عقبات ... "
وعندما لم تجد ردا هتفت بجدية :-
" إجلس قليلا مع نفسك يا نديم وفكر جديا في الطريقة التي ستهزم خلالها ضعفك هذا .. حاول أن تفكر فيما ستفعله لإحياء ذاتك من جديد يا بني .. فكر في عملٍ مستقل .. فكر بما ينتظرك وكيف ستنظم حياتك من جديد .. اسمع كلامي يا بني .. أعطي لنفسك فرصة كي تتجاوز كل ما مررت به .."
وبعد لحظات من الصمت هز رأسه بصمت لتبتسم والدته بحنو وهو تربت على كتفه بدعم ...
......................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن