الفصل التاسع والثلاثون ( الجزء الثالث)

3.3K 176 15
                                    

كانت تجلس بكآبة فوق سريرها وعقلها لا يكف عن التفكير بما حدث مساء البارحة والحديث الذي دار بينها وبين زاهر وكيف إنتهى بهذه الطريقة المزعجة ..
أفاقت من أفكارها على صوت طرقات على باب غرفتها فسمحت للطارق بالدخول ..
" صباح الخير .."
قالتها مريم وهي تتقدم نحوها لترد ليلى بخفوت:-
" صباح النور .."
اتجهت مريم نحوها وجلست جانبها عندما قالت بتردد :-
" كيف حالك اليوم ..؟!"
تنهدت ليلى وهي تجيب :-
" بخير ..."
سألت مريم :-
" ألن تخبريني عما يحدث معك يا ليلى ..؟!"
رمقتها ليلى بنظراتها وهي تردد :-
" ماذا يحدث معي مثلا يا مريم ..؟!"
غمغمت مريم بجدية :-
" البارحة لاحظت عليك شيئا غريبا .. جميعنا لاحظنا لكننا إلتزمنا الصمت .."
" من تقصدين بجميعا ..؟!"
سألتها ليلى بريبة لترد مريم بخفوت :-
" ماما مثلا ..."
همست ليلى بتعب :-
" انا بخير يا مريم .. لا تقلقي وأخبري ماما ألا تقلق .."
قالت مريم بسرعة :-
" كلا لستِ بخير ... "
أضافت بجدية :-
" أنا أعرفك جيدا يا ليلى .. ماذا حدث البارحة ..؟!"
أكملت بتروي :-
" إنظري لقد فرحت بسبب أمر خطبتك في البداية ولكن سرعان ما لاحظت تبدل ملامحك بل مزاجك كليا .. انت لست راضية عما حدث ولكن لماذا وافقتِ يا ليلى ..؟!"
ردت ليلى تفضفض عما يدور داخلها :-
" لم يكن أمامي حل آخر يا مريم .. لم يكن بوسعي الرفض ..."
" ماذا يعني هذا ..؟! لماذا لم يكن بوسعك الرفض ..؟!"
سألتها مريم بعدم تصديق لتلتفت ليلى نحوها تخبرها بهدوء :-
" الأمر كان محرجا جدا يا مريم .. من الصعب أن أرفض زاهر امام الجميع .. عائلته وعائلتي ..."
" ولكن من السهل أن تقبلي بإرتباط وخطبة لا ترغبيها .."
رددتها مريم بتجهم لتبتسم ليلى بمرارة وهي تتسائل :-
" ماذا حدث ..؟! ألم يكن زاهر ملائما لي وكنتِ تشجعيني على منحه فرصة ..؟!"
قاطعتها مريم :-
" نعم هذا كان رأيي به وما زال كما هو ولن يتغير .. ولكن هذا لا يعني أن توافقي عليه مجاملة ومنعا للإحراج ..."
تمتمت ليلى بصوت مرهق :-
" لقد حدث ما حدث .."
قالت مريم بحزم :-
" أخبري ماما وبابا عما حدث وإنك وافقت مجبرة .."
قالت ليلى بسرعة :-
" كلا لن أفعل .."
أضافت بهدوء :-
" زاهر سيفعل ..."
" ماذا سيفعل ..؟!"
سألتها مريم بعدم فهم لتجيب ليلى بشرود وهي تتذكر كلماته :-
" هو سيتصرف ويوضح سوء الفهم الذي حدث .."
سألت مريم بعدم إستيعاب :-
" هل زاهر يعلم إنك وافقتِ لهذا السبب وليس رغبةً بالإقتران به ..؟!"
اومأت ليلى برأسها وهي تجيب :-
" نعم ، لقد تحدثنا بعدما حدث ..."
قالت مريم بضيق :-
" بالتأكيد أحزنه هذا كثيرا .."
قالت ليلى بتجهم :-
" وتشاجرت معه ايضا .. "
" لماذا ..؟!"
سألتها مريم بدهشة لتجيب ليلى :-
" بسبب ما حدث .. لإنه وضعني أمام الأمر الواقع وهو يعلم بظروفي وعدم رغبتي في الدخول بأي علاقة حاليا .."
" ولكن زاهر لم يكن يعلم .."
قالتها مريم بجدية وهي تضيف :-
" والدته من تحدثت بالأمر وهو كان مصدوما مثلك تماما حتى أنا لاحظت الدهشة تسيطر عليه ولكنني لم أهتم لإنني أعلم إنه يحبك ففهمت إن زوجة خالي تعمدت وضعكما أمام الأمر الواقع ..."
" زوجة خالي هي من تحدثت ..؟!"
سألتها ليلى بصوت متحشرج لتجيب مريم بجدية :-
" نعم والجميع كان مدهوشا مما قالته رغم سعادتهم .. "
سيطر الألم على ملامح ليلى عندما قالت مريم بتأنيب :-
" كيف تتهمين زاهر بشيء كهذا يا ليلى ..؟! نعم زاهر يحبك بل يعشقك ولكنه لا يمكن أن يفعل شيئا كهذا ..؟! زاهر آخر رجل قد يفرض نفسه على إمرأة مهما بلغ عشقه لها .. انا أعرفه جيدا .."
توقفت عن حديثها وهي تسمع ليلى تغمغم :-
" لا أصدق ما فعلته ..."
أكملت وهي تنظر الى مريم :-
" لقد تصرفت بحماقة شديدة ..."
أضافت بحزن :-
" جرحته يا مريم ..."
قالت مريم بضيق :-
" لماذا يا ليلى ..؟!"
قالت ليلى بصوت مبحوح :-
" كنت منفعله وتحدثت بلا وعي ..."
" انا لا اصدق حقا .. انت في العادة تحكمين عقلك ولا تتسرعي في أي تصرف أو كلمة تصدر منك ..."
قالت ليلى بخفوت :-
" ولكنني إنسانة وقد يغلبني الموقف أحيانا ويتحكم بي غضبي .."
قالت مريم بجدية :-
" يجب أن تعتذري منه وتصالحيه ..."
تمتمت ليلى بعدم إستيعاب :-
" أصالحه ..؟!"
هزت مريم رأسها بتأكيد لتقول ليلى :-
" سأتحدث معه وأعتذر منه ... "
" فقط ..؟!"
سألتها مريم بضيق لترد ليلى بحزم :-
" نعم يا مريم فقط ..."
سألتها مريم بوجوم :-
" لماذا تقسين عليه بهذه الطريقة ..؟! لماذا لا تحاولين منحه فرصة يا ليلى ..؟!"
ردت ليلى بعقلانية :-
" هكذا أفضل.. أنا لا أريد أن أؤذيه .."
رددت مريم بدهشة :-
" أن تمنحينه فرصة يعني ستؤذيه .."
قالت ليلى بحشرجة :-
" فرصة يعني أملا .. أملا لشيء غالبا لن يحدث ..."
"ربما لإنك لا تريدنه أن يحدث .."
قالتها مريم وهي تنظر نحوها بقوة لتهمس مريم بترجي :-
" إنسي الماضي يا ليلى .. إنسيه ارجوك وابدئي من جديد ..."
أخذت ليلى نفسا عميقا ثم قالت :-
" حتى لو نسيت الماضي .. ماذا سأفعل بالحاضر يا مريم ..؟!"
أكملت وهي تنظر نحو شقيقتها :-
" ماذا سأفعل بما يحدث حولي أخبريني ..؟! انت تظنين إنني أرفض زاهر أو أرفض الدخول في علاقة مع أي شخص بسبب الماضي ونديم .. حسنا لن أنكر الماضي ما زال يتلبس روحي ومشاعري نحو نديم ما زالت موجودة وإن لم تعد كالسابق ولكن لا تظنين إنني أرفض الإرتباط او الدخول في علاقة بسبب هذا فقط ... كلا يا مريم .. انا لست مستقرة في حياتي حتى الآن .. هناك مئة مشكلة تدور من حولي .. كل شيء حولي عبارة عن فوضى .. انا لا أصلح للدخول في أي علاقة الآن ولن أصلح لذلك حتى تنتهي جميع الفوضى المحيطة بي ..."
أكملت تثرثر بعفوية :-
" يكفي عمار وموضوع الشيكات .. يكفي إنني أعيش في قلق مستمر من عدم قدرتي على تسديد تلك الشيكات خلال المدة المحددة ... عمار لن يرحمني حينها .. أنا أعرفه جيدا ..."
سيطر الجمود على ملامح مريم وهي تستمع لكلمات شقيقتها عندما نهضت من مكانها تنسحب خارح الغرفة بسرعة تاركة ليلى جالسة في مكانها بصمت حتى تنهدت بتعب ثم إتجهت تحمل هاتفها تنظر إليه بتردد قبل أن تحسم أمرها وتتصل به ..
جاءها صوته الهادئ القوي يرد عليها :-
" نعم يا ليلى .."
تمتمت بتردد :-
" ظننتك لن تجيب على مكالمتي ..."
سمعت صوت تنهيدته وهو يسألها :-
" ماذا تريدين يا ليلى ..؟!"
همست بخفوت :-
" أريد الإعتذار منك ... أنا آسفة على كل ما قلته البارحة .."
صمت للحظات قبل أن يجيب ببرود :-
" ليس مهما ..."
همست مجدداا بإرتباك :-
" زاهر انا .."
لكنه قاطعها :-
" إعذريني يا ليلى .. يجب أن أنهي المكالمة الآن فأنا أنتظر مكالمة مهمة تخص العمل بعد دقائق .."
قالت بنبرة متحشرجة :-
" حسنا مع السلامة .."
أغلق الهاتف لتعتصر هاتفها داخل قبضة يدها وقد خيم الحزن عليها كليا وبروده الواضح معها آلمها بشدة ...
..................................................................
فتح عينيه أخيرا وهو يشعر بصداع شديد في رأسه بسبب تأثير مشروب البارحة ...
تنهد بتعب وهو يعتدل في جلسته فيتأوه بوجع بسبب ألم جسده من نومته بتلك الطريقة ..
زفر أنفاسه بضيق وهو ينهض من مكانه ببذلته يعبث بخصلات شعره وهو يتثائب مجددا ...
تأمل باب غرفتها المغلق ليتذكر لقطات مما حدث البارحة فيشعر بالضيق يملأ كيانه ..
غمغم ببعض الكلمات الغاضبة مع نفسه وهو ينظر الى الباب بتردد ...
عليه أن يأخذ ملابسه من الداخل ..
أخذ نفسا عميقا ثم طرق على الباب بخفة ليتفاجئ بها تفتح الباب له فورا بملامح ناقمة ..
كانت ترتدي بيجامة محتشمة تمامامن الستان الناعم وشعرها الأشقر بخصلاته الطويلة مرفوع عاليا بكعكة بسيطة وملامحها بدت بائسة تماما رغم جمودها ..
قال بتردد :-
" أريد ملابسي .."
أزاحت جسدها جانبا تسمح له بالدخول ليدلف الى الداخل بخطوات بطيئة ويتجه نحو الخزانة فيبحث عن ملابسه التي أتى بها الى هنا فيجذب بنطالا وقميصا متجها بهما نحو الحمام عندما توقف في طريقه مرددا وهو ينظر إليها :-
" سآخذ حماما سريعا ..."
إبتسمت بقليل من التهكم على طريقته المؤدبة معها فظهر الإنزعاج على ملامحه عندما سمعها تهمس بقوة :-
" أنتظرك خارجا لنتحدث ..."
هز رأسه ببطأ وهو يتحرك نحو الحمام بينما وقفت هي مكانها تبث الدعم والقوة الى نفسها وهي التي ستخبره بكل شيء بعد خروجه ...
اتجهت الى الخارج وجلست على الكنبة تعقد ذراعيها أمام صدرها وتهز قدمها بحركة تدل على توترها ...
ظلت تنتظره لوقت طويل فسيطر عليها الملل عندما تمتمت بضيق :-
" ماذا يفعل كل هذا ..؟! "
عادت بظهرها الى الخلف وهي تزفر أنفاسها بضيق لتمر حوالي عشر دقائق قبل أن يخرج من الحمام منتعشا وهو يجفف شعره الكثيف بالمنشفة ...
تقدم نحوها مبتسما بخفة لتمنحه نظرات جامدة فيسألها بتردد :-
" هل تتناولين القهوة معي ..؟!"
ردت بجمود :-
" شكرا لا أريد .. أريد فقط التحدث معك ..."
قال بجدية :-
" سأعد القهوة أولا ثم نتحدث ..."
هزت رأسها على مضض عندما اتجه هو نحو ماكينة إعداد القهوة ليبدأ في إعدادها ..
تقدم نحوها بعد مدة وهو يحمل كوبا كبيرا من القهوة الثقيلة عندما جلس أمامها يتسائل :
" ألن تطلبي طعام الفطور لك ..؟!"
ردت بخفوت :-
" لا أريد .. لا شهية لدي ..."
وضع كوبه على الطاولة أمامها وهتف بجدية :-
" ماذا يحدث يا نانسي .. ؟! منذ البارحة وانت غير طبيعية .."
ردت بنبرة مقصودة :-
" من الجيد إنك تتذكر ما حدث البارحة .."
تمتم معتذرا :-
" يؤسفني ما فعلته لكنني لم أكن بكامل وعي حينها .."
منحته نظرات لائمة وهي تردد :-
" لم يكن عليك تناول المشروب يا صلاح .. على الأقل راعي وجودي .."
هتف معتذرا :-
" آسف حقا يا نانسي .. تصرفت بطيش كعادتي ..."
غمغمت بأسف :-
" الطيش هو سبب كل ما نحن به أساسا ..."
رأت التجهم يسيطر على ملامحه عندما أضافت :-
" طيشنا نحن الإثنين .. لست وحدك المسؤول .. "
قال بملل :-
" حسنا يا نانسي .. لقد تصرفنا بشكل خاطئ وها نحن نتحمل عواقب تصرفاتنا .. ما المطلوب أكثر ..؟! هل علينا أن نعاقب أنفسنا للأبد على لحظة طيش حدثت دون وعي منا ..؟!"
قالت بقوة :-
" كلا ، ليس علينا أن نعاقب أنفسنا للأبد ولكن يجب تحمل جميع عواقبها دون إستثناء .."
قال بجمود :-
" وها أنا تحملت نتاج تصرفي وتزوجتك .. ماذا أفعل بعد ..؟!"
همست بنفس الجمود :-
" لا تحملني جميلا بسبب ما فعلته .. "
قال بعصبية خفيفة :-
" انا لا أفعل .. على العكس تماما .. انا معترف بخطأي وسارعت لإصلاحه وبالفعل أصلحته .."
" حقا ..؟!! هل تظن إنك أصلحته بالفعل ..؟!"
سألته بملامح متألمة لينهض من مكانه مرددا بضيق :-
" تزوجتك يا نانسي ...تزوجتك وأعدت لكِ شرفكِ الذي ضاع بسببي وسببك .. ماذا يجب أن أفعل أكثر ..؟!"
نهضت من مكانها بدورها تردد بملامح محتقنة :-
" انا حياتي تدمرت تماما .. تدمرت تماما يا صلاح .."
مسح على وجهه قبل أن يردد :-
" انا أتفهمك .. بالطبع ما حدث ليس هينا .. لا الزواج هينا ولا مقاطعة والدتك لكِ هينة ولكن صدقيني جميع هذا الأيام ستمر .. ستمر وكل شيء يعود كما كان والمياه بينك انت ووالدتك ستعود الى مجاريها ..."
تمتمت بتعب :-
" ليت الأمر يتعلق بوالدتي فقط .. الأمر أكبر من هذا بكثير .. تجاوز هذا بمراحل .."
" يا إلهي كم تعشقين المبالغة ... "
قالها بضجر لتصيح بتعب :-
" انا لا أبالغ .. انت تتحدث هكذا لإنك لا تعرف شيئا .. لا تعرف أي شيء ..."
سألها بوجوم :-
" ومالذي لا أعرفه بالضبط يا نانسي ...؟!"
إبتلعت ريقها بقوة قبل أن تجيب بصوت متحشرج :-
" انا حامل ..."
ظهرت الصدمة على ملامح وجهه للحظات قبل أن تتفاجئ به يضحك بخفة ...
ضحكاته إستمرت قليلا قبل أن يردد بإستهزاء :-
" ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ..؟!"
ردت وهي تكتم دموعها :-
" هذا ليس هراء .. انا بالفعل حامل .. أحمل طفلك .."
صرخ بغضب :-
" ماذا تقولين انت ..؟! هل جننت ..؟! ماذا تعنين بحامل ..؟! "
صرخت بدورها منفعلة :-
" حامل يا صلاح .. ما الشيء الغير مفهوم في قولي .. ؟! انا حامل منك .. هل علي تكرارها مئة مرة كي تستوعبها .."
قال بعينين جامدتين تماما :-
" هذا مستحيل .. من المستحيل أن يحدث شيء كهذا .."
" لكنه حدث .. المستحيل حدث يا صلاح .."
قالتها وهي تشعر بنفسها على وشك الإنهيار عندما تقدم نحوها يجذبها من ذراعيها يهزها وهو يردد :-
" انت تكذبين .. قولي ذلك .. إعترفي إن هذه مجرد كذبة .."
تساقطت دموعها على وجنتيها وهي تهز رأسها نفيا ليدفعها بقوة وهو يسألها :-
" متى حدث هذا ..؟! متى ..؟!"
ردت باكية :-
" لقد علمت بأمر الحمل مؤخرا و ..."
قاطعها بقسوة :-
"ليس ابني .."
شهقت بعنف وتساقطت الدموع من عينيها أكثر لتهمس بصوت متحشرج :-
" كلا إنه ابنك .. انت تعلم ذلك جيدا .."
صمتت لوهلة تحاول أن تسيطر على أنفاسها المتهدجة لتهمس مضيفة بصوت مختنق :-
" انت تعلم إنك الرجل الاول في حياتي .. لم يلمسني سواك .."
حاول ان يصدق لكن هناك شك كبير داخل قلبه ..
يتذكر جيدا ما حدث ليلتها وحسب ما رآه فهو الأول بالفعل ..
لكن كيف ..؟! كيف تحمل منه نتيجة ليلة واحدة حدثت بالخطأ ودون وعي منهما ..؟!
" هل كانت هذه خطة منك ..؟!"
نظرت اليه بعدم استيعاب ليقبض على ذراعها مجددا يهدر بها بعنف مخيف :-
" هل كنت تخططين لتلك الليلة كي تجعلني أتزوج منك وتورطيني بطفل ليس من صلبي ..؟!"
ابتعد عنها قليلا وهو يقبض على خصلات شعره بأنامله :-
" ولم لا ..؟! انا لا استغرب شيئا منك ... قد يكون هذا بأكمله مخطط .. مخطط وانا تورطت به .. "
هطلت دموعها بغزارة أكبر حتى أغرقت وجهها كليا وهي تصرخ باكية بعدم تصديق :-
" والله ابنك .. من صلبك .. انت اول رجل في حياتي والوحيد ايضا .."
" ليس ابني ولن اعترف به .. هل فهمت ..؟!"
قالها بنبرة حارقة لتتطر إليه بعدم تصديق وهي تهمس :-
" انا لم أعتقد يوما إنك بهذه الحقارة أبدا ...!!"
ردد هازئا :-
" حقارة ..!! هل هذا جزاء ما فعلته لك .. ؟! نعم انا حقير وانت الملاك الطاهر .. رجل آخر غيري ما كان ليفعل ما فعلته ويتورط في زيجة لإنقاذ سمعة فتاة لم تحافظ على نفسها بل طوال عمرها وهي تتصرف بطيش وقلة تربية .. هل تتذكرين نديم الذي كنت تلاحقينه مثل ظله وتلتصقين به دون خجل ..؟! أم نسيتِ ماضيك المخجل نانسي هانم ..؟!"
تقدمت نحوه بسرعة شديدة وصفعته على وجهه ليتجمد مكانه للحظات غير مستوعبا ما فعلته فتهدر به :-
" نذل وحقير .. ستبقى هكذا طوال عمرك .."
قبض على كفها بقوة يصيح بها بشكل مخيف لم تظن إنه سيظهر عليه يوما :-
" انت تجاوزت كافة حدودك يا نانسي .. من تظنين نفسكِ لتصفعين صلاح الخولي يا هانم ..؟! من انت لتفعلي ذلك ..؟!"
حاولت تحرير كفها من كفه ليهمس من بين أسنانه بغضب مضاعف :-
" قسما بربي لن أمرر صفعتك هذه مهما حدث أما عن طفلك اللعين فسارعي للتخلص منه لإنني لن أعترف به مهما حدث .."
تحررت من قبضته بقوة تمسك كفها بألم قبل أن تقول بحرقة :-
" لقد فات الآوان يا صلاح .. لا يمكنني التخلص منه ... تجاوزت الأشهر المسموحة لإجهاضه .."
اتسعت عيناه وقد نسي كل شيء بإستثناء شيء واحد .. هي إستغلته وتريد تحميله مسؤولية طفل لم ولن يريده ...
قال بملامح كارهة :-
" أيتها اللعينة ... تعمدت فعل هذا .. إنتظرت مرور الأشهر الأولى لتوريطي ..."
أضاف وعيناه تلمعان بشكل مخيف وجبروت ملامحه ونبرته أرعبتها :-
" ستجهضينه يا نانسي وإن لم تفعلي ذلك سأفعله أنا بنفسي .."
هزت رأسها نفيا وهي تردد برعب :-
" لا يمكن .. لا يمكن ذلك .. ألا تفهم .."
جذبها من ذراعها لتصرخ بفزع فيهمس بنظرات حادة :-
" أقسم بربي إن لم تسارعي للتخلص منه سأفعل هذا بنفسي فلم تخلق من بعد من تجبرني على شيء لا أريده ..."
دفعها بكل قوته لتسقط أرضا وتحرك خارج المكان بعنف بينما بقيت هي متجمدة مكانها لا تصدق ما حدث ..
هل هذا هو نفسه صلاح ..؟! صلاح اللطيف العابث ..؟! من أين جاء بكل هذه القسوة والجبروت ..؟؟ العنف والإجرام ..؟؟ كلا هذا لم يكن صلاح الذي تعرفه جيدا .. هذا شخصا آخرا .. شخصا لا علاقة له بصلاح الذي تعرفه منذ مدة طويلة ...
هزت رأسها نفيا بشكل متواصل وهي تخبر نفسها إنه ليس هو .. إنها تتهيأ أشياء لم تحدث .. إن كل ما حدث وما رأته كان من وحي خيالها فقط لا غير ..!!
...................................................................
فتحت عهد باب شقتها لتجده أمامها يتأمله بهدوء مريب إستمر للحظات قبل أن يسألها :-
" هل يمكنني رؤية تميم ...؟!"
هزت رأسها دون رد وهي تفسح له مجالا للدخول ليردد بتهكم مقصود :-
" يبدو إن والدتك هنا لهذا سمحتِ لي بالدخول .."
ردت بحيادية :-
" نعم هي في الداخل ..."
أضافت وهي تشير نحو الكنبة المقابلة لهما :-
" تفضل إجلس وأنا سأنادي تميم ..."
ثم تحركت بسرعة دون إنتظار رده ليجلس مكانه يتأمل الشقة البسيطة بملامح متجهمة عندما جاء ابنه بعد لحظات فيمنحه إبتسامة خاصة وهو يفتح له أحضانه مرددا :-
" تميم حبيبي .."
تقدم تميم نحوه وإندس داخل أحضانه ليربت فراس عليه بحب فتتأملهما عهد للحظات ثم تقول مقررة الإنسحاب تاركة الأب وإبنه لوحديهما :-
" سأترككما لوحدكما ..."
هز فراس رأسه بتفهم دون أن ينظر نحوها عندما غادرت فينظر إلى إبنه يسأله بإهتمام :-
" كيف حالك يا حبيبي ... ؟!"
رد تميم مبتسما بهدوء :-
" بخير بابا .."
عاد فراس يسأله :-
" وما أخبار الدراسة ..؟!"
رد الصغير :-
" لقد بدأت منذ إسبوع ... لم نأخذ سوى القليل من الدروس ..."
قال فراس بجدية :-
" أريد علامات كاملة كعادتك .."
ابتسم ابنه مرددا بثقة شديدة :-
" لا تقلق يا بابا .. سأكون الأول على دفعتي بالتأكيد ..."
ابتسم فراس مرددا بفخر وهو ينظر الى إبنه شديد الذكاء والثقة بنفسه :-
" احسنت يا تميم .. انا فخور بك حقا .. انت رائع يا وحيدي ..."
ابتسم تميم بسعادة فهو يحب أن يعززه من حوله بهذه الطريقة ليقول متفاخرا بنفسه :-
" لقد تفوقت على الجميع في تدريبات السباحة أيضا .."
أضاف وهو ينطلق متحمسا نحو غرفة نومه :
" سأريك بعض الصور .."
تأمل فراس حماسه ورغما عنه إعترف إن هناك شيء ما تغير داخل إبنه ناحيته نحو الأفضل ..
يبدو إن مكوثه مع والدته جعله يتصرف بهذه الطريقة ...
عاد ينهر نفسه رافضا الإعتراف إنه مخطأ وإن تصرفاته السابقة جعلت ابنه بعيدا عنه رافضا التواصل معه كنوع من العقاب على حرمانه له من والدته ..
عاد تميم وهو يحمل جهازه اللوحي الضخم والذي إشتراه له والده قبل ثلاثة اعوام رغم عدم موافقة عهد التي كانت ترفص وبشدة تصرفات فراس مع ابنها وطريقته معه وهو الذي يشتري له الغالي والنفيس بشكل لا يرضيها ولا يشبه التربية التي تريده أن ينشأ عليها ..
أخذ تميم يريه الصور عندما توقف عند إحدى الصور تجمعه بفتاة من نفس عمره جميلة للغاية فقال بفخر :-
" وهذه مايا.. صديقتي ..."
ابتسم الأب مرددا بخفة :-
" صديقتك إذا ..."
هز رأسه موجبا وهو يضيف :-
" أنا صديقها الوحيد .. لا تلعب ولا تجلس ولا تتحدث مع أحد سواي.."
عقد فراس حاجبيه متسائلا بتعجب :-
" لماذا ..؟!"
رد تميم ببرود :-
" لإنني أمنعها من ذلك .. "
" تمنعها .."
قالها فراس مدهوشا ليرد تميم بقوة وسلاطة :-
" مايا  تخصني ولا أسمح لأي شخص سواي أن يقترب منها ..."
هز فراس رأسه بصمت ورغما عنه تذكر نفسه وهو صغير فإنتبه للمرة الأولى إنه إبنه يشبهه كثيرا بل يتفوق عليه من ناحية السلطة والهيمنة والتحكم فهو لم يكن مثله عندما كان صغيرا أما تميم فهو يمتلك كل هذه المواصفات وغيرها من ثقة بالنفس لا تخلو من الغرور والعنجهة رغم سنوات عمره التي لم تصل عشرة سنوات بعد ..
قال وهو يسيطر على أفكاره :-
" حسنا حبيبي .. هل يمكنك أن تنادي والدتك .. أريد التحدث معها .."
" حسنا .."
قالها تميم وهو يندفع بسرعة نحو والدته عندما عاد وعهد خلفه لتهتف بخفوت :-
" أردت التحدث معي ..؟!"
اومأ فراس برأسه قبل أن يشير الى ولده :-
" إتركنا لوحدنا قليلا يا تميم ..؟!"
ظهر الرفض على ملامح تميم ليقول والده بجدية :-
" سنتحدث في أمور خاصة قليلا .."
حمل تميم جهازه اللوحي وخرج من المكان مرغما عندما جلست عهد أمامه تسأله بجدية :-
" ماذا هناك يا فراس ..؟!"
وضع فراس قدما فوق الأخرى مرددا بهيمنة :-
" يجب أن نتحدث بشأن تميم يا عهد .."
سألته بقلق :-
" ما به تميم ..؟!"
رد بجدية :-
" نتحدث بشأن وضعه القادم ومستقبله .."
قالت بسرعة :-
" تميم معي .. قانونيا هو معي .."
قال ببرود :-
" وانا لا أنوي أخذه منك ... هو بالفعل أصبح معك بعرف القانون .. "
" إذا ..؟!"
سألته بحيرة ليقول مبتسما ببرود :-
"تميم ابني الوحيد واهم شخص في حياتي .. حبي له لا يقل عن حبك له حتى وإن إختلفنا في طريقة حبنا .."
صمت قليلا ثم أكمل وهو يتأمل ملامحها المترقبة لبقية حديثه :-
" وصايته أصبحت لك وهذا أمر مفروغ منه ولكن انا والده ولي الحق في تقرير كل شيء يخصه ولن أتنازل عن هذا الحق ابدا .."
" ماذا تقصد يا فراس ..؟!"
سألته بنفاذ صبر ليرد بقوة :-
" مبدئيا ابني لن يعيش هنا .. ابن فراس الطائي لا يعيش في شقة متواضعة كهذه .."
تمتمت بضيق :-
" هذه شقتي ومكان إقامتي يا فراس وانت لا يمكنك تغيير هذا .."
" كلا يمكنني .. طالما ولدي يعيش معك .."
سألته بتعب :-
" مالذي تريده يا فراس ..؟!"
أجاب بجدية :-
" ابني سوف يعيش في منزل يليق به وبمركز والده وانت ستوافقين ...؟!"
سألته بعدم إستيعاب :-
" ولم سأوافق ..؟!"
رد ببرود :-
" لأجل مصلحته يا عهد .. لأجل مصلحة الطفل ستوافقين ..."
رددت بعدم تصديق :-
" انت تعتقد إن مصلحته تعتمد على مدى الرفاهية التي سوف يعيش بها ... "
أضاف بذهول :-
" ألن تكف عن طريقة تفكيرك هذه ..؟! هل تظن حقا إن هذا ما يحتاجه طفل في عمره .. ؟! تميم يحتاج الى الحب والرعاية والإحتواء وليس إلى هذه المظاهر المادية الفارغة .."
قاطعها بملل :-
" حسنا توفقي .. لقد مللت من إسطواناتك التي لا تنتهي .. مثالياتك الزائدة .. لا مانع أن نمحنه كل ما ذكرتيه مسبقا ومعها حياة مرفهة تليق به وبالعائلة التي ينتمي اليها .. لن أترك إبني يعيش في شقة عادية في حي بسيط كهذه وأنا بإمكاني أن أشتري له فيلا بل قصرا حتى .."
نهض من مكانه مرددا بحسم غير آبها بالرفض الظاهر في عينيها :-
" أخذتِ حضانته ورضيت .. ولكن لا يمكنك أن تقرري حياة تميم لوحدك .. انا أبحث حاليا عن فيلا مناسبة تليق بي وبه .. سأجلب له الصور وربما أخذه ليختر بنفسه المكان الذي يرغب أن يعيش به ... سأشتري له الفيلا التي يريدها وسينتقل للعيش بها وانت بالطبع معه .."
أنهى كلماته وخرج دون سماع ردها وكأنه يخبرها من جديد إن ردها لا يهمه وإن قرار الحضانة لن يغير شيء ...
هو سيظل المتحكم الأول والأخير في حياة إبنها وبالتالي في حياتها هي الأخرى فحياتها دائما وأبدا مرتبطة بحياة إبنها ..
...................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن