الفصل الرابع والأربعون ( الجزء الثالث )

2.6K 159 13
                                    

في صباح اليوم التالي ..
دلف الى مكتبه لينهض كنان يستقبله مرحبا به عندما قال وهو يحييه :-
" الحمد لله على سلامتك ..."
رد نديم عليه وهو يتجه جالسا على الكرسي الجانبي للمكتب بينما إتخذ كنان من الكرسي المقابل له مكانا للجلوس فدلفت كارين تسأل نديم عما يتناوله ليرفض نديم أن يتناول شيئا بينما يصرفها كنان وهو يخبرها ألا تقاطع جلستهما مهما حدث ...
غادرت كارين المكان ليهتف كنان :-
" إذاً نفذت ما تريده وعدت الى هنا رغم تحذيري لك بالعكس ..."
رد نديم بجدية :-
" لم أكن لأتحمل أكثر .. إلى متى سأبقى هناك بعيدا أنتظر حتى يأتي الوقت المناسب للعودة ... ؟! أنا أريد حقي ..."
قاطعه كنان :-
" وستأخذه ... ستأخذ حقك يا نديم .. مثلما سآخذ أنا حقي ولكن ليس بهذه الطريقة .. كل شيء يجب أن يكون مدروس بما يكفي ... كل تصرف يجب أن يكون محسوب ..."
أضاف بتعقل :-
" وجودك هناك كان أفضل لنا ... بعودتك أنت جعلت عمار يشهر أسلحته ضدك مجددا فهو كان يعتقد إنه إنتصر عليك بهروبك بعيدا مثلما إنتصر عليك بإنفصالك عن زوجتك .."
تغضن جبين نديم مرددا :-
" وبسبب هذا يجب أن أبقى مدعيا الإستسلام والضعف كي يتوقف عمار عن محاولة إيذائي ..."
هتف كنان بحزم :-
" أنت قلتها .. كان عليك أن تدعي .. تدعي فقط يا نديم وتعمل في الخفاء ..."
هتف نديم بجموح شديد :-
" لم يعد يمكنني التحمل .. ليس بعد كل ما فعله ... حتى عندما تركت البلاد وسافرت الى أبعد نقطة على وجه الأرض لم يتركني وشأني .. لحق بي هناك .. طوال الفترة التي قضيتها هناك كنت أحاول التجاهل .. أتحدث مع نفسي بنفس الطريقة التي تتحدث بها الآن .. أطلب منها الصبر حتى أصل الى غايتي ولكنني لم أتحمل في النهاية .. لم يعد يرضيني بقائي هناك وإدعاء الهروب ... ها أنا عدت وسأواجه أيا كانت النتائج .. سأواجه عمار ولا يهمني ما هي النتائج حتى لو قتلته وحوكمت بالإعدام بعدها ... على الأقل سأكون نلت حقي منه قبل موتي .."
هتف كنان بقوة :-
" لا تتهور يا نديم ... هذا ما كنت أخشاه .. إندفاعك الذي إتفقنا على ترويضه منذ إجتمعنا وإتحدنا سويا ضده .. تعقل يا نديم .. لا تجازف بحياتك ... ولا تنسى إنك لست لوحدك ... يوجد والدتك وشقيقتك .. وزوجتك ... هل ستتخلى عنهن يا نديم ..؟! ألم تفكر فيهن ..؟!"
نهض نديم من مكانه يجيب :-
" هذا أفضل مما قد يصيبهن بسببي ... ربما عمار يستغل إحداهن كي يبتزني .. وربما يقتل إحداهن أو يؤذيها بطريقة ما كي يكسرني أكثر ..."
أضاف ملتفا نحو كنان مجددا يردد :-
" انا كنت سأطلق زوجتي يا كنان ... كنت سأخسرها من خوفي عليها ...."
زفر كنان أنفاسه بضيق فهو رغم كل شيء يدرك إن كلامه صحيح ... عمار لا يعرف حدودا لشره ولا يمانع أن يستغل زوجته ضده ...
أكمل نديم بتعب :-
" ماذا سأفعل لو آذاها ..؟! كيف سأسامح نفسي حينها ..؟! ماذا لو تلقت مصير ليلى ولكن بشكل مختلف ...؟!"
أضاف وعيناه تشردان بعيدا :-
" أنت تعلم إن ذنب ليلى ما زال يطوق عنقي لكنني أمني نفسي إنني سآخذ حقي منه يوما ما وحقها أيضا .."
حاول كنان ألا يظهر أي إنفعالات على وجهه عند سماعه إسمها بينما إسترسل هو :-
"  لن أتحمل ذنب حياة أو غيرها ... لن أتحمل ذنوبا جديدة .."
هتف كنان بإقتضاب :-
" لا تضغط على نفسك يا نديم .. ما حدث مقدر ومكتوب .. "
أضاف يحاول إقناعه :-
" تخطى هذه الأمور حاليا لإنك طالما ستبقى معلقا بماضيك لن تنجح في حاضرك ولن تنال ما تتمناه مستقبلا ..."
هتف نديم بصلابة :-
" لا أريد سوى شيئا واحد يا كنان .. أريد تدميره ... أريد رؤيته وهو يخسر كل شيء ... وليحدث ما يحدث بعدها .."
نهض كنان من مكانه يردد بجدية وهو يسير نحوه :-
" وهذا ما أريده أنا أيضا ..."
أضاف والحقد ملأ عينيه :-
" لن أرتاح أو يهدأ لي بال حتى أدمره تماما ... عمار يجب أن يدفع ثمن جرائمه كاملا .... "
أضاف وعينيه إشتعلتا بلهيب الثأر والكراهية :-
" أنت تعرف إنني لا يمكن أن أتركه يحيا بسلام ... وإذا كنت تعتقد إنني سأتراجع يوما ما عما أريده فأنت مخطأ .. انا لن أتراجع حتى لو تراجعت أنت وحتى لو وقف الجميع ضدي ..."
أردف وعيناه تغيمان بنظرة سوداوية هذه المرة :-
" ما بيني وبينه دما .. دم شقيقتي ... شقيقتي التي توفيت  بسببه .. وانا لن أرتاح حتى أخذ حقها منه ... بأي وسيلة كانت ..."
كان نديم عرف إن عمار من تسبب بموت ياسمين شقيقة كنان الصغيرة لكن دون أن يعرف كيف حدث ذلك فقد إكتفى كنان بالتحدث عن الأمر بشكل مختصر كي يخبره عن سبب رغبته بالإنتقام من عمار مثله هو ..
وحتى الآن هو لا يدرك كيف تسبب عمار بموت الفتاة المسكينة ....!
تنهد نديم وهو يسأل :-
" ما العمل الآن يا كنان ...؟!"
رد كنان وهو ينظر إليه بقوة :-
" سنبدأ في أولى ضرباتنا له ...."
سأله نديم :-
" وماهي تلك الضربة..؟!"
إبتسم كنان مرددا :-
" سأخبرك ولكن قبلها دعني أسألك سؤال ..."
نظر له نديم بإهتمام عندما سأل كنان :-
" ما هي نقطة ضعف عمار الخولي في هذه الحياة برأيك ..؟!"
صمت نديم للحظات بدا وكأنه يفكر قبل أن يهمس بهدوء:-
" شيرين تأثيرها قوي عليه .. "
أكمل وعيناه تنظران الى عينيه بقوة تخبره بالجواب الذي ينتظره :-
" جيلان ..أخته  .. هي اهم شخص لديه في هذه الحياة .. هي نقطة ضعفه الوحيدة .."
ابتسم وهو يردد بقوة :-
" جيد ... وأنا أتفق معك عند هذه النقطة .."
" علامَ تنوي ..؟!"
سألته بحيرة ليرد بغموض :-
" الطعنات ستبدأ قريبا .. وأول طعنة قادمة أسرع مما تتخيل .."
" سوف تستخدم أخته ...؟!"
سأله بجدية ليبتسم وهو يردد بمكر :-
" على العكس تماما .. جيلان سأتركها للنهاية .. ستكون هي الضربة القاضية والتي ستنهيه دون شك ..."
لكن نديم هتف معترضا :-
" كلا .. "
رفع كنان حاجبه يكرر ما قاله :-
" كلا ..!!"
اومأ نديم برأسه يردد :-
" نعم يا كنان ... انا لست موافقا على إدخال أخته في مخططاتنا ..."
سأله كنان وهو يكز على أسنانه :-
" لماذا يا بك ...؟!"
رد نديم بجدية :-
" النساء خارج هذه المعادلة ... انت تعرف رأيي في هذا الموضوع ..."
منحه كنان نظرة ساخرة تجاهلها نديم عندما تحدث كنان :-
" ليت أخيك كان يتحلى بنفس هذه الصفات النبيلة ووضع النساء خارج معادلته ..."
رد نديم بثبات :-
" لا شأن لي به ... قراري في هذا الأمر لا جدال فيه.... لا أخته ولا زوجته ولا أي شخص من طرفه لا ذنب له بأفعاله سيدخل في هذه المعادلة .."
زفر كنان أنفاسه محاولا السيطرة على أعصابه المشدودة بسبب هذا المثالي الذي يقف أمامه :-
" إنظر إلي ... مثاليتك لا تناسب وضعنا الحالي .. ضعها جانبا من فضلك .."
تجاهل نظرات نديم التي إحتدت وهو يضيف :-
" لماذا هو إذا لم يترك شخصا يخصك وإلا حاول إستغلاله ..؟! "
هدر نديم :-
" انا لست مثله ولن أكون .. "
قاطعه كنان :-
" يجب أن تكون مثله حتى تأخذ بثأرك منه وبعدها يمكنك العودة الى مثاليتك وتتمسك بها كما تريد ..."
أكمل وهو يبتسم ساخرا :-
" أمثال أخيك لا تناسبهم الأخلاق الفاضلة يا عزيزي .... إذا أردت أن تحاربه وتننصر عليه فعليك أن تتنازل عن بعض مبادئك وتتخلى عن فضيلتك ولو مؤقتا كي تنتصر إليه وإلا ستجد نفسك خاسرا في هذه الحرب خسارة لا يعوضها شيء .."
تأمله نديم بصمت ...
عقله يخبره إن كلامه صحيح ولكن داخله يرفض ذلك ..
يرفض أن يستخدم أبرياء في إنتقامه ..
يرفض وبشدة ...
فمن سينتصر ...؟!
فضيلته أم رغبته في الثأر مهما كانت النتائج ...؟!
......................................................
تجمدت مكانها للحظات وهي تشاهده يغادر المصعد وهي التي تقف على بعد مسافة منه أمام المصعد الآخر تنتظر وصوله كي ترتقيه ...
شاهدته وهو يغادر المصعد ومنه الى خارج الشركة دون أن ينتبه لها ولو كان نظر جانبه لرآها بكل سهولة ...
لم تستوعب ما يحدث ...
مالذي أتى به هنا ...؟!
ماذا يفعل نديم في شركة كنان نعمان ...؟!
إنتبهت الى المصعد الذي وصل وفُتِحت بابه فدلفت الى الداخل وملامحها ما زالت شاردة وعقلها يفكر في سبب وجوده ...
زفرت أنفاسها بضيق وكأنه لا يكفيها مدى ثقل هذه الزيارة على قلبها لترى نديم هنا فتتخبط مشاعرها بل وأفكارها أيضا عن سبب وجوده هنا ...
حاولت أن تزيح أفكارها جانبا وتركز في مقابلتها مع كنان نعمان وعندما تعود يمكنها أن تفكر في الأمر كما تريد ولكن حاليا ستواجه ذلك الذي تكره رؤيته لسبب لا تفهمه فوجوده أمامها يزعجها ويشوشها رغما عنها ..
خرجت من المصعد متجهة الى مكتبه وصوت طرقات كعبها العالي يصدح في أرجاء المكان الواسع عندما وصلت الى مكتب سكرتيرته فنهضت كارين تستقبلها بنفس الإبتسامة السابقة تطلب منها أن تستأذن كنان قبل دخولها فهي أتت بلا موعد ...
هزت ليلى رأسها بتحفظ عندما أجرت إتصالا سريعا برئيسها قبل أن تطلب منها الدخول وهي تسير أمامها وتفتح لها الباب تفسح المجال لها بالدخول ...
دلفت ليلى الى الداخل وهي تتأمل المكان بنظرات ثابتة عندما نهض كنان يرحب بها بعملية ويطلب منها الجلوس على الكرسي المقابل لكرسيه لتفعل ذلك عندما سألتها كارين عما تريد أن تتناوله فطلبت قهوة معتدلة الحلاوة كالعادة ..
غادرت كارين تاركة إياها مع كنان لوحدها ....
حاولت ألا تشعر بالتوتر ولا تهتم وتتناسى ما قاله في آخر مقابلة بينهما عندما نطقت مقررة أن تبدأ هي في الحديث :-
" أعتذر عن عدم قدرتي على مرافقة السيد جمال إجتماع البارحة ... كنت مرهقة قليلا ... "
لم يبدُ على وجهه أي تعبير وهو يرد ببساطة :-
" لا بأس .. سلامتك يا هانم ..."
أرادت أن تضرب نفسها بقوة وكأنها لم تكتفِ من لعن نفسها مئات المرات لإنها لم تحضر إجتماع البارحة فأرسلت النائب مع بقية الموظفين متحججة بإنفلاونزا داهمتها وكم ندمت بعدها وهي ترى نفسها لأول مرة بهذه الطريقة .. تتصرف بإنهزامية لا تشبهها ولا تليق بها ..
ولم تفعل كل هذا ..؟! لأجل عرض زواج أرعن لا يجب أن يشغل بالها من الأساس ..؟!
تجنبت أفكارها مجددا وهي تهمس :-
" أشكرك ..."
أضافت وهي تتذكر إنها عقدت العزم على أن تأتي اليوم صباحا بحجة الإعتذار عن عدم قدرتها على المجيء لكن واقعيا هي أرادت أن تثبت له إنها لم تهرب من مواجهته :-
"أتيت اليوم لنتحدث قليلا وأفهم إذا ما كان هناك شيء ما يجب أن أعلمه كما إنه لدي بعض علامات الإستفهام حول بعض النقاط .."
كانت تكذب فما تقوله ليس سوى حجج فارغة تبرر بها مجيئها الذي كان بدافع تكذيب سبب تهربها من إجتماع البارحة ..
كانت تتحدث وفي داخلها تسخر من نفسها وهي تقسم إنه يدرك كذبتها مثلما يعلم إن عدم مجيئها البارحة لم يكن سوى رغبتها بعدم رؤيته بعد عرضه ذاك ...
تأملت ملامح وجهه وهو يتحدث بإعتيادية ويخبرها عن بعض الأمور التي علمتها أساسا من السيد جمال عندما دلف موظف البوفيه يحمل القهوة لكليهما ...
توقف عن الحديث والموظف يتقدم نحويهما ويضع القهوة أمامها أولا ثم أمامه بينما كانت هي تتذكر حديثه منذ لحظات وتصرفاته التي لم توحي بأي شيء مختلف ...
بدا وكأنه لم يحدث ما حدث بينهما قبل ثلاثة أيام ..
كانت ملامحه عادية تماما وحديثه عملي بحت ...
حملت فنجانها ترتشف منه القليل عندما وجدته يسألها بنفس العملية :-
" ما هي الأشياء التي أردت الإستفسار عنها ليلى هانم ..؟!"
أعادت الفنجان الى مكانه وبدأت تتحدث بآلية وهي التي أعدت بعض الاسئلة مسبقا ...
بدأ الحديث هادئا جدا وأخذا يتناقشان في الكثير من الأمور لأكثر من نصف ساعة عندما أنهت ليلى الحوار قائلة :-
" حسنا يكفي الى هنا .. أشكرك حقا وأعتذر مجددا عن غيابي البارحة .."
رد بيساطة :-
" على الرحب والسعة ليلى هانم .."
إبتسمت ليلى بإقتضاب عندما هتف بعدها :-
" هناك شيء ما أريد قوله ..؟!"
نظرت لها بإهتمام تخفي خلفه توترها عندما قال بصوت رزين :-
" انا شخص لا يخلط الأمور الشخصية في العمل نهائيا ... ما حدث قبل ثلاثة أيام لا دخل له بما يجمعنا من عمل مشترك ... أتمنى أن يكون الشيء نفسه بالنسبة لك ...!!"
ردت بثبات :-
" لا يوجد شيء من الأساس يمكن أن يمس العمل المشترك بيننا لإنه أساسا أنا وأنت لا يجمعنا سوى العمل ... وما حدث قبل أيام كان مجرد عرض منك وأنا منحتك إجابة حاسمة لذا إنتهى الأمر قبل أن يبدأ ..."
إبتسم بهدوء وهو يسأل :-
" إذا إجابتك كانت حاسمة ..؟!"
أجابت بجدية :-
" نعم ..."
قال وهو ينظر إليها بطريقة أربكتها :-
" أليس من الطبيعي أن تفكر المرأة في عرض كهذا قبل رفضه ..؟! أن تفهم وتبحث وتستفسر كأي فتاة يتقدم لها رجل بعرض كهذا ..؟! "
أكمل وعيناه تحاوطنها كليا :-
" أنت إمرأة ذكية يا ليلى .. ذكية وقوية وذات شخصية عاقلة ... لم أتوقع منك رفضا مباشرا دون أدنى تفكير .. هذه الطريقة لا تناسبك ولا تشبهك ..."
أضاف يحسم حديثه المدروس :-
" رفضك لمجرد الرفض .. لمجرد الهرب تصرف لا يليق بإمرأة قوية وذكية مثلك ..."
إنتفضت من مكانها وللمرة الثانية ينجح في زعزعة ثباتها عندما هدرت به :-
" ومن أين علمت إنني رفضتك دون سبب لمجرد الهرب وما شابه ...؟! أنت كيف تتحدث عني بهذه الطريقة وكيف تحكم على تصرفاتي ببساطة وكأنك تعيش معي او داخلي ..؟! ما أدراك إنه لا يوجد لدي سبب محدد وأساسا لماذا تتحدث بهذه الطريقة وتحشر أنفك في أمور لا تعنيك ..؟!"
إسترخى في جلسته يتابعها بصمت بينما هي تتحدث بهذا الإنفعال الذي جعلها تبدو أكثر جمالا وإشراقا من تلك الهيئة المتحفظة التي تتمسك بها أمامه ..
هذه المرأة تمتلك جوانب عديدة دفنتها أسفل رماد الماضي وذكرياته وهو يقسم إنه وحده من سيزيل هذا الرماد ويحيي المرأة التي أخفتها بعيدا داخلها ويحررها من هذه الواجهة التي تتمسك بها ...
سألها بعدما أنهت كلماتها بهدوء :-
" وما هو هذا السبب ..؟! ما سبب رفضك لي ...؟!"
ردت وهي تشمخ بذقنها :-
" ليس من شأنك ... أحب أن أحتفظ بأسبابي لنفسي ..."
هز رأسه مرددا بتفهم :-
" كما تريدين .. ولكن طالما لا يوجد سبب محدد يجعلك ترفضينني فعرضي سيبقى قائما حتى تمنحيني سببا واضحا ..."
منعها من الحديث وهو يضيف بحسم :-
" صحيح .. نحن يجب أن نسافر الى أيطاليا بداية الأسبوع القادم كما تحدثنا مسبقا ..."
سألته تخفي ضيقها :-
" هل يجب أن أسافر معك ..؟!"
هتف بسلاسة :-
" ألسنا شركاء ..؟! هل يعقل أن أسافر وأختار التصاميم دونك ...؟!"
تمتمت مرغمة وهي لا ترغب برؤيته من جديد فكيف بالسفر معه :-
" حسنا .."
نهض من مكانه يخبرها وهو يسير نحوها بنية توديعها :-
" سأرسل لك تفاصيل الرحلة مساء اليوم ..."
هزت رأسها على مضض وهي تودعه وتخرج من المكان تتابعها نظراته وعلى شفتيه إرتسمت إبتسامة غامضة لا يدرك ما يدور خلفها سواه ..
..........................................
مساءا ...
دلفت ليلى الى غرفة أخيها ليبتسم لها وهو ينهض من مكانه مرددا بسعادة :-
" لي لي ..."
ضحكت وهي تستقبه تحتضنه بحب باتت تغدق عليها بشكل عفوي فهو إمتلك قلبها ما إن سمحت لنفسها أن تقترب منه وتتعامل معه عن قرب ..
الطفل الصغير الذي يشاركها إسم والدها ودماءه ...
كانت اتخذت قرارا منذ ذلك اليوم الذي تحدثت به معه بوجود مربيته أن تهتم به وتراعيه فهو وحيدا لا أحد يهتم به سوى مربيته ووالدها الذي بدوره أصبح متباعدا عن الجميع دون إستثناء ...
ربما في البداية كان تقربها منه بدافع الشفقة بعد تخلي والدته عنه لكن الآن باتت تعلم جيدا إنها أحبته وهذا شيئا ليس مدهشا بتاتا فهو أخيها رغما عن إختلاف الأمهات ...
هو أخيها البريء الذي لا ذنب له بذنب والدها في حق والدتها مثلما لا ذنب له في حقارة والدته وإنعدام ضميرها ...
حملته وهي تتتقدم به نحو الكنبة تجلسه جانبها فتسأله وهي تعبث بخصلاته الشقراء الناعمة كخصلاتها تماما :-
" ماذا تفعل يا بيدو أخبرني ..؟!"
رد وهو ينهض من مكانه بحماس يحمل الجهاز الألكتروني خاصته وهو يخبرها عن إحدى الألعاب الألكترونية التي يحبها ويربح بها دائما فتابعته وهو يشرح لها اللعبة مدعية الإهتمام عندما هتفت تشجعه :-
" أحسنت يا بيدو ... "
أضافت وهي تلاعبه مجددا :-
" سأجلب لك هدية جميلة غدا ..."
هتف بحماس طفولي :-
" أريد كرة يا لي لي ..."
ضحكت وهي تهمس له :-
" سأجلب لك كرة ولعبة أخرى ستعجبك أيضا ..."
تأملت المربية التي دخلت وهي تحمل صينية الطعام فنهضت ليلى من مكانها وهي تخبره :-
" عليك أن تتناول عشائك الآن .."
اومأ برأسه بطاعة لذيذة قبل أن تتفاجئ به يقبض على طرف فستانها يخبرها :-
" ستعودين إلي بعدما أنتهي من عشائي ..."
ابتسمت له وهي تنحني جواره تسأله مشاكسة :-
" هل تريد أن أعود  ..؟!"
هز رأسه وهو يشير الى سريره :-
" وتنامين جانبي أيضا ..."
تأملت سريره وقد إحتقنت ملامحها حزنا على هذا الطفل المسكين عندما تجاهلت أفكارها وهي تبتسم له تخبره إنها ستعود إليه مجددا بعد قليل فتتفاجئ به يحتضنها بعفوية لتضمه نحوها بحنو ورغما عنها كانت تتسائل عن المستقبل وما يحمله لهما ورغما عنها لاحت أمامها ذكرى أخوين تعرفهما تمام المعرفة ما زالا يتقاتلان وأحدهما لا يمانع أن يقتل الآخر بلا مبالاة وكأنه ليس أخيه إبن أبيه ..
نظرت الى عبد الرحمن بفزع من مجرد فكرة أن تصبح العلاقة بينهما يوما على هذا النحو فهمست بسرعة له :-
" أنا أحبك يا عبد الرحمن ..."
أضافت بخفوت :-
"سأحرص دائما على إشعارك بذلك مثلما سأحرص على زرع محبة أخوية خالصة بيني وبينك أنت وشقيقك القادم وبين مريم العنيدة أيضا ..."
أكملت وهي تجذبه نحو صدرها تردد :-
" نحن سنكون أخوة متحابين ..؟! لن نسمح لأي شيء أن يفرق بيننا طالما نحمل نفس الدماء ... أعدك بهذا ..."
ثم خرجت بعدما منحته قبلة دافئة فوق وجنته لتهبط الى الطابق السفلي عندما إهتز هاتفها فجذبته تتأمل رسالة من المدعو كنان ..
زفرت أنفاسها بضيق وسارعت تفتح الرسالة لتجده يخبرها بموعد السفر والذي سيكون بعد ثلاثة أيام يسألها إذا ما كان لديها أي مانع يمنعها من السفر في ذلك اليوم ...
أجابته برسالة مختصرة إنه لا مانع لديها وأغلقت هاتفها تتجه نحو والدتها عندما تقدمت نحوها تبتسم لها قبل أن تطبع قبلة على وجنتها وهي تردد :-
" كيف حالك ماما ..؟!"
ردت فاتن بإبتسامة هادئة :-
" انا بخيرر.."
أكملت تسألها :-
" كنتِ عند أخيك ، أليس كذلك ..؟!"
هزت رأسها بصمت لتربت والدتها على كفيها تخبرها :-
" أحسننت يا ليلى .. إعتني به .. إنه وحيد تماما ..."
أضافت وهي تتنهد بصوت مسموع :-
" ورالدك لا يهتم به بتاتا بل لا يهتم بأي شيء ..."
تمتمت ليلى بخفوت :-
" يبدو غريبا هذه الفترة .. ألم تلحظي ذلك ..؟!"
اومأت فاتن برأسها وهي تردد :-
" رغم تباعدي عنه عن قصد لكنني لاحظت ذلك .. هو متباعد عن الجميع حتى عن طفله المسكين الذي لم يعد لديه سواه ..."
هتفت ليلى بجدية :-
" انا موجوده يا ماما .. عبد الرحمن ليس وحيدا ..."
ابتسمت فاتن بحنو تردد :-
" أعرف حبيبتي ولكنه والده وواجب عليه أن يكون جانبه ... ألا يكفي إن سيحرم من والدته الى الأبد وهي على قيد الحياة ..."
هتفت ليلى بتردد :-
" أنت تعلمين إن ولادة سهام إقتربت ..؟!"
هزت فاتن رأسها  بصمت قبل أن تلحظ ملامح القلق على إبنتها فسألتها بإهتمام :-
" لماذا تبدين قلقة بسبب هذا الأمر ..؟! ألم يتفق والدك معها على كل شيء وعلى تسليمه الطفل بعد ولادته مقابل بقية المبلغ المتفق عليه ...؟!"
هزت ليلى رأسها دون رد فسألها والدتها بحيرة :-
" لم القلق إذا ..؟! "
ردت ليلى بخوف غريب :-
" لا أعلم ولكنني أشعر بعدم الراحة إتجاه تلك المرأة .. أخشى إنها تخطط لأمر ما وتسغل طفلها القادم .. بعدما فعلته أصبحت أتوقع منها كل شيء ..."
نظرت لها فاتن بحيرة وقد شعرت بالقلق هي الأخرى لتسألها :-
" وماذا ستفعلين ...؟! إنظري لا أعتقد إنها ستفعل شيئا .. هي كل ما يهمها الأموال .. ستمنحكم الطفل وتأخذ المال مقابله ..."
قالت ليلى بعينين شاردتين :-
" اتمنى أن يحدث هذا ولا تقم بأي تصرف مجنون .."
أكملت ونظرات عينيها  تقسو هذه المرة :-
" وإلا هذه المرة سأقف بنفسي في وجهها ولم يخلصها أي أحد مني .."
تنهدت فاتن بصمت قبل أن تتحدث محاولة تغيير الموضوع :-
" عائلة خالك سيغادرون البلاد بعد ثلاثة أيام ..."
نظرت لها ليلى بصمت عندما أكملت والدتها :-
" وزاهر سيغادر معهم ..."
أكملت عن قصد :-
" سيعود الى عمله ..."
ردت ليلى بإقتضاب :
" جيد ..."
سألتها والدتها بحذر :-
" ألا يوجد أمل بينكما يا ليلى ..؟!"
تأملتها ليلى للحظات بصمت تفكر به وبحبه الصريح وبكل شيء عندما أجابت بحزم :-
" كلا ..."
سألت والدتها بتروي :-
" لماذا يا ليلى ...؟! انت حتى لم تحاولي التجربة ..."
قاطعتها ليلى بجدية :-
" مشاعر الناس ليست محل تجارب يا ماما ..."
" ألا تشعرين ولو بإنجذاب بسيط نحوه ...؟!"
سألها فاتن بحيرة لتهز ليلى رأسها نفيا عندما تنهدت فاتن بصمت وقالت :-
" حسنا حبيبتي .. كما تريدين .. أساسا هذه الأمور لا يناسبها الضغط والإصرار .. المشاعر تأتي بعفوية دون تخطيط ومحاولات ..."
أكملت وهي تقبض على كف ابنتها :-
" أخبرتك ذلك مسبقا مثلما أخبرتك ألا تحاولي الهرب من مشاعرك القديمة ودعيها تأخذ وقتها ..."
ابتسمت ليلى بضعف عندما أكملت والدتها تدعمها :-
" والأهم ألا تكتمي مشاعرك ووجعك داخلك ... تحدثي يا ليلى وأنا سأسمعك دائما وربما أساعدك أيضا ..."
قالت ليلى بخفوت :-
" لم يحدث شيئا معينا أتحدث به .."
أكملت وجبينها يتغضن بحيرة :-
" هل تصدقيتني لو أخبرتك إنني لم أعد أعرف حقيقة مشاعري ولا ما أريد ..؟!"
أخذت فاتن نفسا عميقا ثم قالت :-
" هل تعلمين إن نديم عاد مع زوجته ..؟!"
أجابت ليلى وهي تبتسم بتهكم :-
" لست أعلم فقط .. بل تحدثت مع زوجته أيضا .."
هتفت فاتن بعدم إستيعاب :-
" تحدثتِ مع من ..؟! هل تمزحين ..؟!"
هتفت ليلى ببساطة :-
" لم لا ..؟! لقد تحدثنا .. كان حديثا ودودا .. هل تصدقين هذا .. الفتاة جيدة ولطيفة .."
قاطعتها فاتن :-
" انا لم أقل إن هذا خطأ او ما شابه ولكنني لا أفهم كيف إجتمعتما ...؟!"
ردت ليلى كاذبة :-
" بالصدفة .. وتحدثنا قليلا ..."
سألتها والدتها بحذر :-
" وماذا حدث ..؟!"
ردت ليلى بإعتيادية :-
" لم يحدث شيء ... تحدثنا بشكل عادي جدا وسلس ثم غادرت كلا منا الى وجهتها ..."
هزت فاتن رأسها بتفهم وقد فهمت إن إبنتها لا ترغب بالتطرق الى هذا اللقاء أكثر عندما سألتها ليلى بتردد :-
" ماما ، هل تعتقدين إن رفضي لأي إرتباط في الوقت الحالي بسبب مشاعري ناحية نديم هي نوع من الهروب ...؟!"
نظرت لها والدتها بتمعن للحظات قبل أن تسألها :-
" هل هناك من أخبرك بهذا أم أنت فكرتِ بهذا لوحدك ...؟!"
سألتها ليلى بحيرة :-
" وهل يفرق الجواب ..؟!"
هزت والدتها رأسها وهي تردد :-
" لإنك لو فكرت من ذاتك بهذا الأمر فهذا يعني إنك على بداية الطريق ..."
" انا لا أفهم ..."
سألتها ليلى بحيرة لتهتف فاتن بعقلانية :-
" بداية طريق التشافي ... البحث عن أسباب المشكلة الأساسية هو دليلنا الى طريق التعافي وإيجادها هي بداية هذا الطريق ..."
" هل تقصدين إنني أهرب من الإرتباط بسبب مشاعري ..؟!"
سألتها ليلى بإرتباك لتهتف فاتن بوعي :-
" هذا السؤال إجابته عندك ... أنت وحدك من تمتلكين الإجابة ... إبحثني داخلك عن مشاعرك الحالية نحو نديم وعن أسباب رفضك لأي شخص بعده ... حاولي أن تجدي السبب الحقيقي وتفهمي هل سبب رفضك بدافع الهرب بسبب حبك لنديم الذي ما زال كما هو .."
أكملت والدتها وهي تلمس خصلاتها الشقراء بأناملها :-
" ولكن تذكري يا ليلى شيئا مهما .. الحياة لا تتوقف عند شخص ما ... الحياة تستمر والمشاعر يمكن أن تنتهي يوما ... لا يوجد شيء ثابت للأبد .. ربما سيأتي يوم وتنتهي مشاعرك ناحية نديم وربما سيأتي يوم وتحبين غيره وربما ستبقى مشاعرك ناحيته لكن بشكل مختلف عن السابق .. بشكل لم يعد يؤثر بك .. ستبقى كذكرى جميلة بحلوها ومرها .. لا تعتقدي إن حياتك ستقف عند مشاعرك نحوه مهما بلغت قوتها ..."
إبتسمت ليلى لها وهي تهز رأسها بتفهم قبل أن تقبلها على وجنتيها وتنهض بنية النوم ..
وهناك دلفت الى عبد الرحمن الذي إستقبلها بسعادة فأخبرته أن ينام في غرفتها اليوم وأخذته معها بعدما أخبرت المربية إنها ستتولى تغيير ملابسه ...
دلفت الى غرفتها وسارعت تغير ملابسها أولا تاركة الصغير يعبث بإحدى ألعابه عندما خرجت من الحمام ترتدي قميص نومها الرقيق المحتشم لتجذبه وتغير له ملابسه بعدما سحبت منه لعبته ..
وأخيرا جذبته على الفراش وإحتضنته بعدما أطفئت الأضواء بإستثناء ضوء خافت تتركة دائما مفتوحا فهي تكره الظلام الدامس عندما همست له :-
" والآن سننام ..."
إستسلم الصغير لأحضانها وغفي بعد قليل ذاهبا في نوم عميق بينما ظلت هي تفكر بحديث والدتها ورغما عنها عادت تفكر في كنان وعرضه بينما ما زالت تحتضن عبد الرحمن تضمه نحو صدرها ...
تنهدت بتعب وهي تغمض عينيها مبعدة تلك الأفكار عن رأسها ورغما عنها شعرت بالآمان لوجود الطفل بين ذراعيها فإبتسمت بخفوت قبل أن تغط في نوم عميق ...
..........................................................
صباحا ..
كانت تجلس على مكتبها تتابع عملها بتركيز عندما فوجئت بسكرتيرة عمار تدلف إليها وهي تخبرها بإرتباك :-
" غالية هانم .. عمار بك ليس موجودا وممثلي شركة المقاولات سيصلون بعد أقل من ساعة ... نحاول الإتصال به منذ الصبح وهو لا يجيب .."
نهضت غالية من مكانها تهتف بعدم إستيعاب :-
" ماذا يعني لا يجيب ...؟! البارحة لم يكن موجودا واليوم أيضا وهناك موعد مهم كهذا ..."
هزت الفتاة رأسها بلا حول ولا قوة عندما هتفت غالية بها :-
" عودي الى مكتبك وانا سأحاول الوصول إليه ..."
ثم حاولت الإتصال به فوجدت هاتفه مغلقها ..
زفرت أنفاسها بضيق وقررت الإتصال بشيرين التي أخذت رقمها ليأتيها صوت شيرين يرحب بها فتسألها غالية بعدما ردت تحيتها :-
" أين عمار يا شيرين ...؟! أحاول الإتصال به لكن هاتفه مغلق ..."
ردت شيرين :-
" لا أعلم يا غالية ... لم يأتِ الى المنزل منذ ثلاثة أيام ..."
سألت غالية بقلق :-
" ماذا يعني هذا ..؟! أين هو الآن ...؟! "
هتفت شيرين بنفس القلق :-
" لا أعلم يا غالية .. أنا قلقة جدا عليه ولا أعلم أين أبحث عنه ..."
زفرت غالية أنفاسها وقالت :-
" حسنا يا شيرين .. يجب أن أغلق الآن فلدي عمل مهم ولكن سأتحدث معك مجددا .. إذا عاد عمار فطمئنيني عليه ولو برسالة .."
ثم أنهت مكالمتها وإتجهت خارج مكتبها تخبر السكرتيرة إنها ستحضر الإجتماع بدلا من عمار وطلبت منها ملف المشروع كي تقرأه سريعا قبل وصول ممثلي الشركة ...
مر الوقت سريعا حيث إستقبلت غالية ممثلي الشركة هي ومجموعة من مدراء شركتها وبعضا من موظفيها حيث إستطاعت أن تدير الإجتماع بشكل جيد حتى إنتهى الإجتماع بسلام وهي تعتذر منهم مجددا عن غياب عمار متحججه بظرف طارئ إضطره لعدم المجيء ...
غادرت غرفة الإجتماعات متوجهة الى مكتبها حيث حملت أغراضها وتوجهت الى الخارج بعدما إنتهى دوامها عندما قررت أن تزور فرحة وتطمئن عليها قبل ذهابها الى منزلها ...
ذهبت عند فرحة وتحدثت معها لفترة عندما قررت المغادرة فوجدت أحد الضباط يقف ويتحدث مع الممرضة قبل أن يستدير نحوها فتسأله :-
" مرحبا .. هل هناك مشكلة ما ..؟!"
رد الضابط بعملية :-
" لقد أرسلني سيادة المقدم فادي لأبقى بجوار غرفة  المريضة حتى تشفى تماما وتخرج من هنا بسلام .."
سألته بقلق :-
" هل حدث شيء ما ...؟!"
رد بتحفظ :-
" لا تقلقي يا هانم .. كل شيء بخير .. هذه مجرد إحتياطات ليس إلا .. أوصاني سيادة المقدم بذلك خاصة إنه سيرقد في المشفى الأيام المقبلة .."
سقط قلبها بين أضلعها وهي تردد بفزع :-
" المشفى ...؟! لماذا ..؟! ما حدث معه ..؟!"
هتف الضابط محاولا طمأنتها :-
" لا تقلقي .. إنه بخير .. أصيب برصاصة أثناء إحدى المهمات لكنه نجا منها بسلام .."
بالكاد كتمت غالية شهقتها مما سمعته عندما سألته بقلق :-
" يعني هو بخير ..؟!"
ابتسم الضابط يطمئنها :-
" نعم الحمد لله .."
هزت رأسها وهي تتمتم بالحمد قبل أن تسأله بتردد عن عنوان المشفى فيخبرها الضابط عن المشفى التي يرقد بها فادي حاليا لتشكره وهي تغادر المكان بصمت وترتقي سيارتها وتقودها متجهة الى المنزل بنفس الصمت ...
بالكاد ألقت التحية على والدتها وصعدت الى الطابق العلوي حيث غرفتها ..
بدلت ملابسها وعقلها مشغولا تماما به ...
تريد زيارته والإطمئنان عليه لكنها تعود وتنهر نفسها فلا توجد صفة معينة تسمح لها بذلك ...
جلست أمام المرأة بعدما إرتدت قميص نومها تنظر الى وجهها في المرأة وتتسائل إذا ما سيكون ذهابها تصرفا صحيحا أم خاطئا ..؟!
وإذا ذهبت فكيف ستفسر سبب ذهابها ..؟!
رغما عنها كانت تريد الذهاب وقلبها يصر عليها أن تراه وتطمئن عليها ..
وضعت كفها على قلبها الذي ينبض بعنف فهمست لنفسها بيقين بات لا مجال للفرار منه :-
" لقد سقطت في الحب وإنتهى أمرك .. لا مجال للإنكار بعد الآن ..."
أكملت وهي تحدث نفسها بضوت خافت :-
" لم ألجأ في حياتي لإنكار أي شيء مهما كان ولن أفعل ..."
تنهدت بتعب وعقلها يخبرها إن هذه العلاقة مجهولة المعالم فإبتسمت سخرية وهي تخبر نفسها إنه لا يوجد علاقة من الأساس لكنها تتذكر من جديد نظراته وحديثه وكل شيء وهي تكاد تقسم إنها شعرت به يحمل شيئا خاصا نحوها .. شيء لا يمكن أن يكون وهما أو محض خيال ..
هي تعرف نفسها جيدا .. هي لم تتوهم يوما أشياء لا وجود لها ولن تفعل ..
هي شعرت بذلك .. رأت في عينيه الحب مهما حاول السيطرة على نظراته وترويضها لكن تبقى هناك لحظات تتغلب مشاعره عليه وتظهر للعلن وهي ذكية وإستطاعت أن تنتبه لتلك المرات القليلة ..
لا يمكن أن يكون هذا وهما ..
ولكن حتى لو كان حقيقيا ، فما نهاية هذه المشاعر ..؟؟
صحيح لم يمر سوى فترة قصيرة على تعارفهما ولكنها تشعر إنه يتعمد الإبتعاد تارة ويتعمد القرب تارة أخرى وكأنه خائف من مشاعره وقربها أو ربما غير راضي ..
ربما لإنها كانت خطيبة أخيه ..؟! ربما هو لا يتقبل هذا الأمر ..؟!
إبتسمت بسخرية وهي تردد ؛-
" وهل يوجد سببا آخر غير هذا .. ؟! وهل تعتقدين إنه لن يهتم بهذا الأمر ..؟! وماذا عن عائلته ..؟! "
تدرك إن هذا الأمر واقع حال ... وإن هذه العلاقة سيقابلها الرفض مثلما تدرك إن أحد أسباب هروبه هو تلك الحقيقة المرة ..
تسائلت عما ستفعله .. هل تهرب هي الآخرى وتنسى مشاعرها وتنساه هو تماما وتحمي نفسها من التورط في علاقة متعبة كهذه أم تترك العنان لمشاعرها وتحارب في سبيلها ...؟!
هل تتحذ قرارا حازما وتنسى كل هذا وتقطع علاقتها به تماما أم تواجه الحقيقة وتتقبلها وتحارب لأجلها ..؟!
هل الهروب هو الحل ..؟! هل الطريقة المناسبة للحفاظ على قلبها الذي تورط بالفعل في حبه ..؟؟
عادت تنظر الى نفسها في مرآتها وتتسائل مجددا عندما هتفت بينها وبين نفسها :-
" منذ متى وأنتِ تهربين يا غالية ..؟! لطالما كنت قوية محاربة تحبين المواجهة بل تلجئين إليها دائما دون تردد .. الآن ستهربين .. "
أكملت تنهر نفسها :-
" الهروب لا يليق بك يا غالية ..  الهروب لا يليق بك أبدا ... من إعتاد على المواجهة لا يليق به الهرب .."
أكملت وهي تبتسم بإدراك :-
" قلبك يستحق أن تحاربين لأجله .. مشاعرك تستحق والأهم إن فادي نفسه يستحق ..."
وفي نهاية المطاف أخذت قرارها دون تردد ..
ستواجه ولن تهرب ولو قضى الأمر ستحارب أيضا في سبيل مشاعرها الوليدة ...
ليحدث ما يحدث لكن المهم ألا تهرب فالهروب ليس من شيمها ...
...............................................
في صباح اليوم التالي نهضت بحماس ...
إرتدت ملابس تجمع بين الأناقة والبساطة ...
صففت شعرها وتركته ينسدل بنعومة على جانب وجهها ووضعت مكياجا خفيفا ..
غادرت المنزل مكتفية بإلقاء تحية الصباح على والدتها ..
وفي طريقها الى المشفى إشترت باقة ورد جذابة خاصة بورودها التي تجمع بين اللونين الأزرق والأبيض ...
وصلت الى المشفى وهبطت من سيارتها وهي تحمل باقة الورد معها عندما سألت موظفة الإستعلامات عن مكان غرفته وغادرت بعدها متجهة نحو الغرفة ...
وهناك ما إن وصلت الى الغرفة حتى سألت إحدى الممرضات إذا ما كان أحدهم عنده فهي لن تدخل قبل أن تتأكد من عدم وجود فرد من عائلته وإذا كان هناك أحدهم فسترسل باقة الورد مع الممرضة وتغادر ..
من حسن حظها إنه كان لوحده عندما طرقت على الباب ودخلت بخفة بعدما أتاها صوته الرجولي الرخيم يسمح لها بالدخول ...
تقدمت نحوه وهي تلقي التحية بإبتسامة ناعمة :-
" صباح الخير ..."
نظر فادي لها بدهشة مرددا بعدم إستيعاب لوجودها هنا :-
" غالية ..."
حافظت على إبتسامتها وهي تقف جانبه تخبره :-
" الحمد لله على سلامتك .."
ثم وضعت باقة الورد جانبه ...
رد تحيتها بخفوت قبل أن يسألها بإهتمام :-
" كيف عرفتِ إنني هنا ..؟!"
ردت بجدية :-
" من الضابط الذي أرسلته لحراسة فرحة ...."
أشار الى الكرسي الموضوع قربه :-
" تفضلي إجلسي .."
إبتسمت  قائلة بتردد :-
" لا داعي .. سأغادر بعد قليل ..."
أكملت :-
" أتيت فقط لأطمئن عليك .. تبدو صحتك بخير ..."
هز رأسه وهو يجيب برزانة :-
" الحمد لله ... كانت إصابة بسيطة ..."
" عملك صعب ... يعني حياتك دائما في خطر ..."
قالتها بخفة ليهتف مبتسما :-
" هذا ما يجعله ممتعا أكثر ..."
هتفت بإستنكار :-
" أي متعة في كونك معرض دائما للمخاطر ..؟!!"
ابتسم بنفس الطريقة وقال :-
" هذه متعة لا يعرفها سوى من جربها ..."
هتفت بجدية :-
" من الواضح إنك تحب عملك كثيرا .."
قال بصدق :-
" أكثر مما تتخيلين ..."
أضاف :-
" عملي أحب شيء لقلبي ... إخترته رغما عن إعتراض الجميع من الأهل والأصحاب والأقارب ... "
ابتسمت تردد :-
" كم هو جميل أن يعمل الإنسان في مجال يحبه ...!!"
قال يسألها :-
" وأنت .. هل تحبين مجال عملك ..؟!"
ردت وهي تبتسم بإتساع :-
" كثيرا .. منذ أن كنت صغيرة وأنا مهتمة بهذا المجال .. الحاسوب والإلكترونيات ..."
هز رأسه مرددا بتفهم :-
" جيد .. هذا واضح أساسا .."
سألته بإستغراب :-
" ماذا تعني بواضح أساسا ..؟!"
رد موضحا :-
" يعني شخص مثلك لن يدرس مجالا لن يحبه ... شخصيتك تدل على كونك شخصية واضحة ومستقلة وصاحبة قرار ..."
هتفت بخفة :-
" هذا صحيح ...."
تنحنحت بحرج وهي تقول :-
" حسنا يجب أن أغادر الآن ..."
قال وهو يمد كفه نحوها :-
" سعدت كثيرا بزيارتك يا غالية ..."
مدت كفها نحو كفه ترد عليه بإبتسامة هادئة قبل أن تغادر المكان يتابعها هو بعينيه ...
خرجت من الغرفة وأخذت تسير متجه نحو المصعد عندما وجدته أمامها ..
رمقها بنظرات مندهشة سرعان ما تحولت الى اخرى ساخرة قابلتها هي بنظرات جامدة تماما ...
همت بالإستمرار في حديثها عندما وجدته يتقدم نحوها بتصميم فوقفت مكانها ترمقه بنظرات باردة لا مبالية ...
" اهلا غالية هانم ..."
قالها بتهكم ظهر على ملامحه وفي نبرة صوته لترد ببرود :-
" ألا تخجل من نفسك ..؟! تتقدم نحوي وتحييني بكل صلافة ...؟!"
هتف عن قصد :-
" وماذا عنك ..؟! ألا تخجلين من نفسك وأنت تحاولين الإيقاع بشقيق خطيبك السابق ..."
تقدمت نحوه خطوتين تهتف بملامح قوية ونبرة حادة رغم خفوتها :-
" أنت كيف تجرؤ .. ؟! من تظن نفسك لتتحدث هكذا معي ..؟! كيف تسمح لنفسك أن تتطاول علي ...؟!"
منحها نظرة باردة وهو يقول :-
" انت من سمحت لي بذلك من خلال تصرفاتك يا هانم .. كيف تفعلين شيئا كهذا ..؟! ألم تجدي سوى شقيقي ..؟!"
ضحكت هازئة وهي تقول :-
" ما بالك مهتم بأمري الى هذا الحد ..؟! يبدو إنك لم تتخطَ بعد ما فعلته بك ..!!"
هذر من بين أسنانه :-
" إبتعدي عن فادي يا غالية .. انا لن أسمح لك بالإقتراب منه .. لن أسمح لهذه العلاقة أن تستمر ..."
قالت وهي تتشدق قوة وغرورا بعينيها :-
" من أنت لتسمح أو لا تسمح ..؟! من أنت لتقرر شيئا كهذا ..؟! من تظن نفسك ...؟! أنت مجرد زير نساء أرعن .. أنت لا تستحق حتى كلمة رجل بعدما فعلته بتلك المسكينة وما حاولت فعله بي ... لو كنت مكانك ما كنت لأستطيع النظر الى وجهي في المرآة بسبب تصرفاتي المخجلة ..."
" إسمعي يا هذه .. هذا الكلام لن يغير الحقيقة .. انت وفادي لن تكونا لبعضكما .. وها أنا أحذرك يا غالية .. انت لن تستطعين الوقوف بوجهي  ولا  شقيقي العزيز الذي تستندين عليه يستطيع ..."
عقدت ذراعيها أمام صدرها تخبره بتحذير مقصود :-
" إذا إسمعني جيدا يا فراس ... انت من يجب أن يتوخى الحذر ... صحيح نسيت أن أخبرك .. لقد علم عمار بإنك من خطفتني وهو يستحلف لك منذ ذلك اليوم .. بالتأكيد أنت تعرف عمار الخولي جيدا وما يمكنه أن يفعل .. صدقني عمار بالذات لا تفكر حتى في مواجهته لأنك ستخسر دون شك .. يمكنك أن تسأل عنه وعما يفعله بكل شخص يمسه بسوء .... "
أضاف وهي تلوي ثغرها :-
" انا حاولت إقناعه أن يبتعد عنك ويتركك وشأنك .. لم أفعل هذا لأجل سواد عينيك بالطبع بل لخاطر شقيقك الذي أنقذني منك ، بالله عليك لا تجعلني أتراجع عن محاولاتي وأشحنه ضدك .. حسنا عزيزي فراس ..."
منحته نظرة أخيرة ساخرة مستهينة وتقدمت تسير أمامه برأس مرفوع تاركة إياه واقفا مكانه والحقد يتفاقم داخله دون توقف ..
..................................................
ثلاثة أيام وعقله لا يتوقف عن التفكير ..
ثلاثة أيام والألم ينهشه والخوف لأول مرة يزور قلبه ...
ثلاثة أيام عاشها في جحيم لا ينتهي ...
ثلاثة أيام مرت كان معزولا فيها عن العالم مبتعدا عن الجميع ولكن جحيم العالم بأكمله كان حوله وفي قلبه ...
وهاهو قد خرج أخيرا من عزلته مقررا النهوض مجددا...
راميا ألمه خلفه كعادته مفكرا في القادم وما ينتظره وما ينتظرها هي ..
هي الأهم .. جيلان ... أخته الحبيبة ...
الليلة الماضية غرق في نوم عميق ..
وهناك زارته والدته في حلمه ..
لم تتحدث بكلمة واحدة .. فقط كانت تنظر إليه .. بصمت و وجوم ..
لم تكن راضية .. كانت حزينة .. وكأنها تعلم ما يدور .. لاحظ عدم الرضا في عينيها ورأى اللوم رغم الصمت التام ليستيقط بفزع وعقله يترجم ما رأه فيخفق قلبه بعنف وينتفض من مكانه يسير ذهابا وإيابا بلا وعي ودون وجهة محددة ..
عاد وسقط فوق سريره وشرد مجددا .. شرودا لا نهاية له .. شرودا استمر حتى الصباح لينهض ما إن سطع نور الشمس وغير ملابسه وغادر وكانت وجهته هذه المره الى طبيبتها النفسية ..
عليه أن يتحدث معها ويفهم منها ما يجب أن يفعله ..
وهاهو يجلس أمامها بعدما قص عليها ما حدث ...
بعدما أخبرها بتلك المصيبة التي سقطت فوق رأسه هو قبل البقية ..
يطلب منها حلا .. وسيلة إنقاذ ... يبوح لها بخوف لا نهاية له عليها .. على أخته .. خوف من صدمتها عند معرفة الخبر وما يتبع تلك الصدمة ...
ظلت منى صامتة لوهلة .. كان الخبر صادما لها ... لم تفهم سبب تغيب جيلان عن جلستهما المفترضة هذا الأسبوع لتعتقد إنها  ربما مريضة قليلا او مشغولة في دراستها ليتبين لها إن السبب آخر سبب كانت تتوقعه وأسؤهم ..
لماذا حدث الآن ..؟!
لماذا بعدما بدأت جيلان تتجاوب نوعا ما معها ..؟!
لماذا بعدما بدأت نظرتها تتغير قليلا ..؟! وبدأ الأمل يشع داخلها ...؟!
لم تعرف ماذا تقول وشعور الألم والشفقة على تلك الصغيرة ملأ روحها ..
أي حظ تمتلكه تلك الفتاة لتتعرض لسقطة كهذه في الوقت التي بالكاد كانت تشد به جسدها لتنهض بنفسها من جديد ..؟!
أي حظ تمتلكه لتتعرض لنكسة كهذه وهي لم تنتهِ من إولى خطواتها بعد ..؟!
" ما حدث سيدمر كل شيء .."
قالتها بنبرة متألمة وهي تضيف :-
" نحن لن نعود فقط الى نقطة الصفر بل سننزل أسفلها أيضا ... !!"
هتف عمار وملامحه ترتدي قناع الجمود الزائف :-
" ماذا أفعل يا دكتورة ...؟! كيف أتصرف ..؟!"
ولأول مر تشعر بالعجز ... تفقد قدرتها على الإجابة ...
ترى صورة جيلان أمامها .. تلك الصغيرة البريئة التي تعرضت لأشياء لا تناسب عمرها أبدا ...
كيف ستتقبل خبرا كهذا ..؟! كيف ستتحمل مسؤولية كهذه ..؟! كيف ..؟!
" أنت تعلم إننا ما زلنا في خطوتنا الأولى في العلاج مثلما تعلم إننا لم نتطرق حتى آخر جلسة جمعتنا الى تلك الحادثة ... لقد تعمدت ألا أضغط عليها وأن أعالجها خطوة خطوة بالتدريج ... راعيت سنها الصغير وعدم قدرتها على البوح .. لقد رسمت خطة علاج معينة و سرت وفقها ... وهي بدأت ترتاح ... تسترخي وتتحدث .. بدأت أرى التغيير وإن كان طفيفا ... صحيح كنا نتجاهل تلك الحادثة عن قصد لكنني أردت أن أصل الى تلك النقطة في الوقت المناسب .. في الوقت الذي تكون به جيلان مستعدة نفسيا للتحدث ومعالجة الأمر ... كنت أعلم إن رحلة علاجها سوف تستغرق وقتا طويلا وربما أعوام لكنني كنت أمني نفسي بإن نتائج هذا العلاج ستبدأ منذ الأشهر الاولى وتظهر تدريجيا حتى لو ببطء .. لكن بعدما حدث لا يمكنني تخيل ما سيحدث وما يحمله القادم .. لقد تدمر كل شيء حرفيا قبل أن يبدأ ..."
زفر عمار أنفاسه بصوت مسموع قبل أن يهتف بصوت ظهر التعب فيه جليا :-
" تصرفي يا دكتورة ... انا لا أعرف كيف أتصرف وهي حتى هذه اللحظة لا تعرف شيئا ..."
" لكنها ستعرف .. والله وحده يعلم كيف ستتعامل مع الموقف .. ستكون صدمة قاسية جدا عليها ..."
مسح عمار على وجهه بإرهاق لتتنهد منى بصمت عندما رفع وجهه ينظر إليها يخبرها برجاء :-
" ساعديني من فضلك .. انا لا يمكنني تحمل أن يصيبها أي مكروه .. لا يمكنني أبدا ..."
زفرت أنفاسها بصمت ثم قالت :-
" انا لن أتركها يا عمار .. جيلان مريضتي .. وفي الحقيقة هي ليست كذلك فقط ...  أنا أحببتها حقا ... لذا بكل الأحوال انا لن أتركها أبدا وسأفعل كل ما بوسعي لأحاول إحتواء الموقف لكنني يجب أن أحذرك ... النتائج غالبا لن تكون جيده وردة فعلها ستكون أصعب مما تتخيل ..."
إحتقنت ملامحه تماما فأكملت وهي تعاود إرتداء قناع الطبيبة بكل عملية :-
" مبدئيا لا أريدها أن تعلم بالأمر حاليا .. إمنحني يومين او ثلاثة لدراسة الموضوع جيدا وإيجاد الطريقة المناسبة لتمهيد الخبر لها ..."
هز رأسه مرددا بتفهم :-
" حسنا .. لن أتصرف دون علمك بالطبع .."
منحته إبتسامة مؤازرة عندما نهض من مكانه يودعها ويخرج من العيادة ومنها الى سيارته ..
قاد سيارته بشرود حتى وصل الى الفيلا التي يقطن بها مع زوجته ...
هبط من سيارته ودلف الى الفيلا عندما وجد شيرين تتقدم نحوه بلهفة وقلق قبل أن تتوقف للحظات وهي تتأمل وجهه المنهك ولحيته النامية ...
كل شيء بدا به محطم ....
إندفعت نحوه تقبض على كفه وتهمس بلهفة :-
" أين كنت ..؟! هل أنت بخير ..؟؟ كنت سأموت من قلقي عليك ..."
تأمل عينيها المتلهفتين .. وجهها المليح بتقاسيمه المليئة بالحب والسلام .. ذلك الحنان الذي يفيض من نظراتها ويتدفق في نبرة صوتها ..
همس وإحتياجه لها بلغ ذروته :-
" عانقيني ..."
نظرت له بعدم إستيعاب ليكمل بتوسل :-
" عانقيني يا شيرين ..."
كتمت دموعها داخل مقلتيها وهي ترى التوسل في عينيه والضعف ظاهرا بوضوح عليه فجذبته نحو أحضانها تعانقه فتجده يتشبث بأحضانها كطفل صغير يعانق والدته بعد سنين فراق ...
" عانقيني يا شيرين ولا تتركيني أبدا ..أنا أحتاجك .."
أغمضت عينيها بقوة وهي تستمع الى همسه المؤلم فشددت من عناقها وهي تهمس له بعدما فتحت عينيها المحتقنتين تماما بالعبرات :-
" انا هنا ... معك ولن أتركك .."
ثم هطلت دموعها فوق وجنتيها بغزارة فمالت بوجهها فوق كتفه تكتم شهقاتها بالقوة وهي تشعر بألمه يغزو روحها وقلبها وكيانها بأكمله فتتألم مثله تماما وكأنه كُتِب عليه أن تشاركه آلامه كما شاركته كل شيء بإرادتها أو غصبا عنها ...
انتهى الفصل

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن