الفصل الأربعون ( الجزء الثاني )

3.3K 173 24
                                    

" إذا كان هذا يرضيك سأقولها ... أحبك .."
لم يكن يعلم إن تلك الجملة البسيطة والتي خرجت بإنفعال شديد ولا وعي منه هي بداية النهاية بالنسبة لهما ...
لمح الخيبة في عينيها ..
خيبة شديدة يغلفها الألم ...
دموع صامتة داخل عينيها وشفتاها ترتجفان بخفوت ...
كان يقرأ تفاصيلها في تلك اللحظة وعقله يخبره إنه أخطأ ...
إرتكب خطئا جسيما رغم إنه كان مجبرا على ذلك ..
لم يكن أمامه حل آخر ..
كان يحاول أن يرضيها أو يرضي نفسه هو ببقائها معه ..
لا فرق ففي كلا الحالتين أخطأ وخسرها ..
إنقبض قلبه داخل صدره وهو يفكر إنه سوف يخسرها حقا .. سوف تغادر حياته نهائيا .. سيعيش بدونها ...
لو أقسم لها ألاف المرات إنه فعل هذا كي يتشبث بها ليس إلا فهل ستصدق ...؟!
نعم ستصدق ولكنها لن تغفر ...
حياة التي يعرفها لن تغفر إعترافا كهذا ..
حياة التي يعرفها لن يتحمل كبريائها أن يلقي كلمات الحب في وجهها وكأنها واجب مفروض عليه ...
كبريائها الذي جعلها تريد الإنسحاب من حياته هو نفسه الذي سيجعلها عاجزة عن الغفران ..!!
همس بنبرة متشنجة كليا :-
" حياة ..."
همست بتعابير جامدة :-
" أخبرتك إنني سأكرهك إذا فعلتها .. إذا تفوهت بها كذبا وإجبارا ..."
أضافت والدموع الحبيسة لمعت داخل عينيها لكنها كبحتها بحزم :-
" لستُ أنا من تستجدي الحب منك يا نديم ولا من أي شخص .. "
" كلا انتِ لست كذلك ..."
قالها وهو يحاول التقدم منها لكنها صدمته وهي تبتعد بسرعة تنأى بنفسها عنه فيهمس مترجيا :-
" حياة .. ارجوكِ .."
قالت ووهي تشعر بعدم قدرتها على الوقوف أمامه أكثر والتماسك :-
" شكرا لإنك دمرت آخر شيء كات موجودا بيننا .. المودة والصدق .. "
كرر ندائه بإسمها بخفوت وتوسل فمنحته نظرات ثابتة رغم الألم الذي ينحر قلبها دون رحمة :-
" نحن إنتهينا بالفعل هذه المرة يا نديم ..."
كان هذا آخر ما قالته قبل أن تحمل حقيبتها وتنسحب خارج المكان بينما وقف هو مكانه متسمرا ..
لم يتبعها ولم يركض خلفها متوسلا أن تعود ..
لم يفعل أيا من هذا ..
بقي مكانه واقفا دون حركة ..
هكذا فقط وصدى ما قالته يتردد داخل رأسه ..
هما إنتهيا حقا .. إنتهت قصتهما وهي ما زالت في طور البداية ..!!
........................................................................
كان يقود سيارته بملامح جامدة كليا لا توحي بشيء وهي جانبه تتأمله بين الحين والآخر والقلق يسيطر عليها تماما ..
لم تفهم ما حدث بالضبط سوى إن هناك من خطف غالية .. هذا ما أخبرها عمار به بإختصار شديد وهو يندفع نحو سيارته ..
ملأ القلق كيانها على غالية بشدة ...
أخذت تدعو ربها أن تكون بخير وأن يكون هناك خطأ ما وهي ليست مخطوفة وإذا كانت كذلك بالفعل فلينقذوها من أولئك الخاطفين ..
لم تكن تفعل شيئا سوى الدعاء وتأمله بين الحين والآخر بملامحه الثابتة التي لا توحي بشيء من مشاعره ...
أوقف سيارته داخل كراج منزل والده وهبط منه تتبعه هي بسرعة عندما إقتحم المكان وهو يسأل الخادمة التي فتحت له الباب :-
" أين الجماعة ..؟!"
أشارت الخادمة بخوف بديهي :-
" في صالة الجلوس ..."
إندفع مسرعا حيث أخبرته الخادمة ليجد شريف في إستقباله بينما زوجة أبيه تجلس على إحدى الكنبات تبكي بخوف وجانبها تجلس إمرأة تقاربها عمرا والتي لم تكن سوى زوجة أخيها بينما يقف أخيها جانبا يجري إتصالاته ..
سأل شريف بسرعة متجاهلا البقية :-
" ماذا حدث ..؟!"
رد بقلق :-
" لقد خطفوها من أمام الفيلا .. حارس الفيلا وجد سيارتها متروكة في منتصف الطريق مع أغراضها .. "
أضاف بجدية :-
" كانت قد إتصلت بي صباحا وكنت مشغولا حينها ثم عاودت الإتصال بها فلم تجب وعندما إتصلت بزوجة عمي كانوا قد علموا بأمر خطفها فجئت مسرعا وإتصلت بك .."
" أين الحارس ..؟!"
سأله بضيق ليرد شريف :-
" في الأسفل ... لقد تحدثنا معه وهو لا يعرف شيئا ..."
قاطعه عمار وهو يشير الى الجميع بنبرة آمرة :-
" لن يتصل أي أحد بالشرطة ..."
قال جمال خالها بصوت حانق :-
" ماذا يعني هذا ...؟! بمن نتصل إذا ..؟! الفتاة مخطوفة منذ ثلاث ساعات وأكثر .. "
أكمل بضيق :-
" نحن لم نقم بأي تصرف حتى تأتي أنت وتقرر كونك أخيها بناء على إصرار إبن عمك الذي رفض أن نتصرف ونبلغ الشرطة دون مشورتك فإكتفينا ببعض الإتصالات والتحقيق مع الحارس والبحث في الكاميرات ولكن يجب أن نتصل الآن ..."
قال عمار بحزم :-
" لا أحد سيتصل .. انا سأتصرف وأجدها .."
لكن خالها بدا ممتعضا من الوضع بأكمله وقد ضاعف غرور هذا الشاب وفظاظته من ضيقه فردد بسخط :-
" كيف ستتصرف يعني ..؟! أليس من الطبيعي أن نتصل بالشرطة كما يفعل جميع من يتعرض لموقف كهذا ...؟!"
رد عمار ببرود :-
" أنا لست كالجميع .. لا تقلق .. سأجدها دون الحاجة للجوء الى الطرق التقليدية التي يلجأ إليها الجميع ..
"
هم بالتحرك عندما قال جمال متهكما بغضب :-
" بالطبع فمن مثلك يدرك جيدا كيف يتصرف بهذه الأمور .. الإجرام والخطف تخصصك أنت أساسا .."
إلتفت عمار نحوه يهدر بعينين تشعان غضبا :-
" لا تتجاوز حدودك يا هذا ولا تنسى إنك في منزلي .."
لكن الرجل الدي يكبره سنا بدا كارها له بشدة وهو يضيف بتحدي :-
" أنا في منزل شقيقتي وأولادي ..."
أطلق عمار سبة صريحة فقبضت شيرين على ذراعه تهمس إسمه بتوسل أن يتوقف عندما قال عمار بقوة وهو بالكاد يسيطر على إنفعاله :-
" هذا منزلي قبل أن يكون منزل شقيقتك وأولادها .."
أكمل وعيناه تشتغلان غضبا :-
" وإذا لم تلتزم حدودك وتحترم كبير هذا المنزل فلتغادره حالا ..."
" عمار من فضلك .."
قالها شريف برجاء وهو يقف جانبه عندما صاح الخال :-
" انت حقا ولد قليل الأدب .."
صاح عمار وهو يهم بالتقدم :-
" مع من تتحدث هكذا يا هذا ..؟! من تظن نفسك ..؟!"
نهضت نهاد نحو زوجها تتوسله أن يتوقف بينما هدر شريف بصرامة هذه المرة مدافعا عن إبن عمه :-
" من فضلك جمال بك .. لا تنسى إنك في منزل عمي رحمة الله عليه ومن تتحدث عنه بهذه الطريقة هو إبنه البكري .. لا يحق لك أن تقلل من إحترام صاحب المنزل وكبيره ..."
رمق جمال أخته بنظرات تعرفها جيدا وهو يهتف بها هازئا :-
" هكذا إذا .. أصبح إبن تلك المرأة كبيركم يا صباح .."
انتفض عمار من مكانه وهو يهم بالإنقضاض عليه مرددا :-
" ما بها تلك المرأة أيها ...؟!"
بدأ يرميه بأبشع الألفاظ غير مهتما بفرق السن بينهما فهو قد ضغط على أكثرنقطة حساسة بالنسبة له بينما وقفت شيرين في وجهه تحاول تهدئته ..
لحظات وإنتفضت صباح تصرخ باكية :-
" يكفي حقا يكفي ..  إبنتي مخطوفة وأنتما تتشاجران ... "
أضافت وهي ترمق أخيها بعتاب وبكائها يزداد لا يقل :-
" إبنتي مخطوفة يا جمال .. إبنتي تم خطفها ولا أعلم ما حل بها وأنت تتشاجر متناسي كل هذا ..."
إحتقنت ملامح جمال يردد بجمود :-
" انا سأغادر حالا فلا يمكنني البقاء مع ابن زوجك لحظة واحدة .."
ثم اندفع خارجا تتبعه زوجته التي سارعت تحمل حقيبتها وتركض خلفه مندفعة عندما تمتم عمار ببرود :-
" الى جهنم الحمراء ..."
أضاف وهو يشير الى زوجته :-
" إحلسي من فضلك يا شيرين وإرتاحي ..."
منحته شيرين نظرات خائفة بسبب المواجهة التي حدثت قبل لحظات فربت على وجهها يطمأنها بإبتسامة باهتة قبل أن يشير الى ابن عمه مرددا :-
" تعال معي يا شريف .."
.............................................................
كانت شيرين تجلس أمام صباح تتأملها وهي تبكي على إبنتها بحزن ...
كانت تشعر بالتردد .. هل تقترب وتواسيها أم تبقى مكانها فربما لن يعجب تصرفها هذا عمار الذي تدرك مدى كرهه لزوجة والدها ...؟!
لكن في النهاية وكالعادة إنسانيتها من إنتصرت عندما نهضت بجانب صباح تواسيها وتحاول التخفيف عنها ...
بعد لحظات جاء عمار يتبعه شيرين ومعهما نادر الذي جاء مع والدته وأختيه بعدما علم بما حدث مع إبنة عمه عندما إتصل به عمار يطلب منه رقم أحد أقارب والدته الذي يعمل في الداخلية فعرف منه ما حدث ليسارع للمجيء ومعه عائلته لأجل المساندة ...
تقدم عمار وهو يرمق شيرين بنظرات صامتة غير واضحة يتبعها نادر الذي تقدم نحو زوجة عمه يواسيها ويحاول تهدئتها تتبعه والدته رحاب وإبنتيها أروى ونرمين ...
تبادلوا التحية سريعا مع شيرين التي نهضت بجانب زوجها تحيط ذراعه بدعم واضح عندما تلاقت عينيها بعينيه فرأت الجمود يحتلهما كالعادة عندما همست له وهي تبتسم بتعاطف :-
" ستعود سالمة ان شاءالله ..."
هتفت صباح بلوعة :-
" ماذا سيحدث الآن ...؟! لماذا لا يبحث أحد منكم عنها ..؟! "
قالت رحاب بسرعة تهدئها :-
" يبحثون بالطبع .."
أضافت وهي تنظر الى عمار :-
" لقد إتصل عمار بإبن خالي الذي يعمل في الداخلية وهو وعده إنه سيتصرف وعمار أيضا يبحث بدوره ... أليس كذلك يا عمار .؟!"
هز عمار رأسه ببطأ قبل أن يقول وهو يهم بالتحرك خارج المكان :-
" عن إذنكم .. "
لكنه توقف قرب الباب وهو يسمع نداء زوجة والده فإلتفت نحوها بملامح شديدة الوجوم لتتقدم نحوه وتقف أمامه قبل أن تهمس له :-
" أريد الحديث مع قليلا ..."
رمقها بنظراته قليلا قبل أن يتحرك خارج المكان تتبعه هي عندما فوجأ بها تقبض على كفيه تردد بتوسل :-
" أخبرني يا عمار .. أنت لست وراء هذا .. أنت لم تفعل هذا أليس كذلك ...؟!"
صاح بحنق وهو يبعد كفيه من قبضتيها :-
" ما هذا الهراء ..؟! بالطبع كلا .."
أكمل وعيناه تحتقنان غضبا :-
" انا لن أفعل شيئا كهذا بالضبط ..."
همست بذعر :-
" ولكنك سجنت نديم مسبقا وربما جاء دورها ..."
قاطعها بحزم :-
" لم أفعل ... "
همست صباح بصوت مبحوح :-
" إذا من فعلها ..؟! غالية لا أعداء لديها ..."
رد ببرود :-
" لا أعلم لكنني سأجدها وأجده ..."
همست بتوسل :-
" جدها أرجوك ... "
أكملت برجاء باكي :-
" مهما حدث تبقي هي أختك وأنت أخيها ... جدها من فضلك يا عمار .. انا لا يمكنني تحمل خسارتها .. بالله عليك أرجعها إلي ...."
هتف بجمود :-
" سأجدها .. سأعيدها الى هنا ... ليس لأجلك ولا لأجلها بل لأجل كرامتي التي لا تتقبل أن يمس أحد ما أي إمرأة تخصني .. وكما قلت منذ لحظات .. رغم كل شيء تظل غالية أختي ... رغما عني هي كذلك وما يصيبها يمسني مجبرا لا مخيرا ..."
................................................................
كانت شيرين تنظر نحو باب الصالة بقلق منذ خروج زوجها مع زوجة أبيه ..
تخشى أن يتصرف عمار بطريقة تؤذي المرأة المسكينة فيكفيها ما يحدث معها ...
نهضت من مكانها تستأذن وهي تخرج من المكان بعدما عاد شريف الى الداخل ...
بحثت بعينيها عن زوجها وصباح فلم تجدهما فهمت بالتوجه نحو المطبخ تطلب من الخادمة كوبا من الماء عندما رن جرس الباب فسارعت تتجه نحوه تفتحه عندما صدمها وجود غالية أمام الباب بملامح صامتة حزينة ..
" غالية .."
قالتها بلهفة وعدم تصديق عندما تقدمت غالية الى الداخل فسارعت تقبض على كفها تسندها وقد بدت غالية مجهدة من جميع النواحي تسألها بقلق :-
" هل أنت بخير .."
أكملت وقد تذكرت أمر الجميع فصاحت بلا وعي :-
" غالية أتت .. غالية أتت يا عمار ..."
لحظات وكان الجميع حول غالية التي تمسكت بأحضان والدتها بينما يحاول الجميع الإطمئنان عليها ..
كان عمار يقف بعيدا قليلا بملامح صامتة يتأملها مدققا النظر في وجهها وجسدها يبحث عن أي آثار للإعتداء غير ذلك الإحمرار الذي يظهر بوضوح فوق وجنتها البيضاء مشيرا الى أثر صفعة وشعرها المبعثر قليلا ...
وأخيرا إبتعدت غالية من بين أحضان والدتها تردد بثبات جاهدت للتحلي به :-
" انا بخير ... لا تقلقوا .."
هتفت والدتها بقلق :-
" كيف يعني بخير ..؟! أخبريني ماذا حدث .. ؟! من خطفك ...؟! وماذا فعلوا بك ..؟!"
إبتلعت غالية ريقها وهي تردد :-
" قاطع طريق .. كان يريد الأموال ولكن الحمد لله جاء من أنقذني منه .."
قالتها وهي تتذكر فادي عندما سألتها والدتها مجددا بعدم إستيعاب :-
" كيف يعني هذا ..؟! كيف يمكن لقاطع الطريق أن يفعل ذلك ...؟!"
قاطعها عمار منهيا الحوار :-
" يكفي الآن .. من الواضح إنها متعبة وتحتاج الى الراحة .. نتحدث لاحقا بشأن ما حدث .. الأفضل أن ترتاح الآن .."
سألتها شيرين برقتها المعهودة :-
" أنتِ بخير يا غالية ..؟! هل تحتاجين الذهاب الى المشفى للإطمئنان على وضعك الصحي ..؟!"
ردت غالية وهي تبتسم بشحوب :-
" كلا ، لا أحتاج فأنا بخير .. أحتاج فقط أن أرتاح في غرفتي فالإرهاق يسيطر علي بشدة .."
" حسنا حبيبتي .. هيا بنا الى غرفتك .."
قالتها والدتها وهي تجذبها من ذراعها تسيرها جانبها بحرص بينما تقدمت شيرين نحو عمار تسأله وهي تلمس ذراعه بحذر :-
" هل أنت بخير ..؟!"
نظر لها وهز رأسه دون رد لتبتسم له تطمأنه :-
" هي بخير .. لا تقلق ..."
رد بفتور :-
" ليس هذا ما يشغلني حاليا .."
وبالفعل ليس هذا ما يشغله .. ما يشغله حقا هو من تجرأ وخطف غالية ..؟! من تجرأ وفعل هذا ..؟!
.....................................................................
في صباح اليوم التالي
وقفت على مسافة منه تتأمله وهو يرتشف قهوته بشرود ..
ليلة البارحة لم يكن طبيعيا على الإطلاق وهي تعي هذا جيدا ...
شيء ما إختل به ولمسته هي منذ عودتهما الى منزلهما ...
شيء لا تفهم ماهيته لكنها تتمنى أن يكون ما تخلخل داخله جزءا يخص غالية وخوفا بديهيا عليها ...
تتمنى لو تتحرك مشاعره ناحية أخوانه ويدرك جيدا كم وجودهم قيم في حياته ..
تعلم إن حدوث هذا الأمر مستحيل مع نديم ولكن مع غالية ما زال هناك أمل ..
فهو لم يفعل بها كما فعل مع شقيقها وهي ما زالت تكن له محبة خفية وإن أظهرت عكس ذلك ..
كم تتمنى لو يتغير وينسى ... أن يصحح اخطائه ويبدأ من جديد ويفهم إن الحقد والإنتقام لن يجلبان له سوى التعاسة ..
تنهدت بتعب وهي تتمنى لو تستطيع فعلها ...
لو تستطيع إنتشاله من كل هذا الكره والحقد اللذين يحيطان به ..
تقتل رغبته الدائمة في الإنتقام دون توقف ..
سارت نحوه ببطئ فشعر بها هو ..
إلتفت نحوها فإبتسمت برقة :
" صباح الخير ..."
رد بخفوت وعيناه تتأملان ملامحها الجميلة الرقيقة بشوق :-
" صباح النور .."
ثم عانقها بسرعة يتنفس عبق رائحتها الذي يمنحه هدنة خاصة كما يمنحه وجودها الراحة والسعادة التي لا ينالها سوى منها .. هي وحدها فقط ..
إبتسمت له بحب بعدما إبتعدت قليلا من بين أحضانه بينما جسده ما زال يحاوط جسدها ليقبلها من وجنتها بلطف قبل أن يهمس لها :-
" ما حدث البارحة لا ذنب لي به..."
أوقفته وهي تضع أناملها فوق فمه فقبلها برقة بينما تهمس بدورها :-
" لن نتحدث في هذا الأمر .."
إنفرجت أساريره براحة عندما أضافت بجدية :-
" الآن فقط .. لكننا سنتحدث فيما بعد ..."
" لقد أخبرتك إن لا علاقة لي فيما حدث .."
قالها بإنزعاج لترد بحزم :-
" لكنني لا أصدقك ولن أفعل ..."
أكملت بقوة رغم الهدوء التام الذي يسيطر على ملامحها :-
" لا يمكنك أن تخدعني يا عمار ..."
هم بالتحدث لكنها أوقفته بإشارة منها تضيف بنفس الثبات :-
" لكننا سنتحدث فيما بعد .. لإنني أعلم جيدا إن الوقت اليوم ليس مناسبا على الإطلاق .. "
أردفت بجدية :-
" أنت بالك مشغول بأمور عديدة وأنا مرهقة للغاية .. موضوع كهذا يحتاج إلى ذهن صافي عند كلينا كي نستطيع النقاش بهدوء وتروي ..."
أنهت الموضوع بحسم :-
" لا أنا ولا أنت نمتلك الطاقة اليوم تحديدا لحديث كهذا ..."
سألها مدهوشا :-
" كيف يمكنك أن تكوني بكل هذا الهدوء والثبات ...؟! كيف يمكنكِ أن تتحلي بهذا الكم من الصبر ...؟! تحملين هذا المقدار من السكينة ...؟! كيف يمكنكِ أن تكوني قوية وثابتة بقدر ما أنتِ حنونة ومعطاءة ...؟!"
إبتسمت وهي تردد :-
" تتحدث وكأنك لا تعرفني ... هذه أنا .. دائما كنت هكذا وما زلت ..."
هتف بصدق :-
" كلا يا شيرين .. انا بالفعل لم أكن أعرفك جيدا .. لكنني كلما تعرفت إليك أكثر كلما إنبهرت بك أكثر .. كلما غرقت بك أكثر ... "
ضحكت برقة عندما إنحنى نحوها يلثم وجنتها مرددا برغبة :-
" إشتقت لك ..."
شعر بجسدها يتخشب قليلا بين أحضانه فسألها بتوتر :-
" ماذا حدث يا شيرين ...؟!"
ردت بحذر :-
" ليس الآن يا عمار ..؟!"
سألها حذرا :-
" لماذا ...؟!"
عاد مشهد البارحة يغزو مخيلتها فأجابت بصراحة :-
" لم أتخطَ ما رأيته البارحة بعد ..."
" ولكنني أخبرتك ..."
قاطعته بجدية :-
" أخبرتك إنه لا يمكنني تصديق ذلك ... "
تنفست بقوة ثم قالت :-
" لنؤجل هذا الحديث فيما بعد من فضلك ..."
شعر برجائها الشديد في تأجيل الأمر لما بعد من خلال ملامحها ونظراتها المتوسلة فهز رأسه متفهما عندما سألته بإهتمام :-
" هل تتناول الفطور معي ..؟!"
رد مبتسما رغم تعجبه من تحولاتها التي لم يستوعبها بعد :-
" بالطبع .. لا يمكنني تفويت فرصة كهذه .."
بعد حوالي ثلث ساعة كان يجلس جانبها يتناولان طعام الإفطار عندما سألته وهي ترتشف القليل من عصيرها :-
" البارحة كان يوما عصيبا ..."
أضافت وهي تضع العصير فوق الطاولة مجددا :-
" ما رأيك أن نذهب اليوم مساءا للإطمئنان على غالية ...؟!"
رد بجدية :-
" حسنا ، أساسا يجب أن أتحدث معها .."
إبتسمت تهتف بحماس :-
" حسنا ، لنذهب مساءا إذا ..."
هز رأسه بتفهم عندما سألته مجددا بقليل من التردد :-
" البارحة .. يعني عندما كنت بجانب زوجة أبيك .. عندما كنت أواسيها .. نظرت إلي بطريقة لم أفهمها ... ماذا كنت تعني بنظراتك تلك ..؟!"
صمت قليلا وعيناه مثبتتان فوق طبقه عندما أجاب بعد لحظات من الترقب :-
" كنت أتخيل والدتي مكانها ..."
تشنجت ملامحها عندما أضاف وعيناه الحمراوان تنظران الى عينيها بعمق :-
" كنتما ستشكلان ثنائيا رائعا أنتِ وهي .. "
أكمل يفصح عما يدور داخل قلبه دون تردد :-
" في تلك اللحظة تمنيت لو كانت ما زالت حية .. لو كانت بيننا ..."
أضاف وعيناه تشتعلان حقدا :
" عندما نظرت الى صباح فكرت إنها نالت جميع ما فقدته والدتي .. والدتي من كانت يجب أن تكون مكانها .. هي من كانت يجب أن تكون سيدة هذا المنزل .. هي من كانت يجب أن تجلس جانبك وتتحدث معك ... هي من كانت يجب أن تعيش هذه الحياة وليست صباح ..."
وضعت كفها فوق كفه تكبح دموعا تهدد بالإنهيار تهمس بخفوت :-
" هذا قدرها يا حبيبي .. "
قاطعها بحدة :-
" لم يكن قدرها .. لا يمكن أن نتهم القدر بكل شيء يحدث .. "
أكمل وهو ينظر الى أمامه بحقد ما زال يشتعل داخله بقوة :-
" لولا دخول تلك المرأة حياتها بل حياتي أيضا ما كان ليحدث كل هذا .. لولا زواجها من أبي وضعفه وإنصياعه ما كان ليحدث كل هذا ... لولا صباح وأبي وجدتي وما إقترفاه بحق والدتي ما كانت لترحل .. لكن لا بأس .. جميعهم دفعوا الثمن بشكل أو آخر .. جدتي وأبي وصباح ...جميعهم دفعوا الثمن والآن جاء دور نسلهم لينالوا من أفعال أبائهم ...!!"
.....................................،....................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن