الفصل الرابع والثلاثون ( الجزء الثاني )

2.7K 177 41
                                    

" لا يمكنني قبول طلبك .. أعتذر حقا .."
قالتها فجأة وانسحبت راكضة وكأنها تهرب من شيئا مخيفا .. تهرب من ظلام يبتلعها بقوة .. تهرب من مشاعر رجل شديدة لا تريدها أبدا .. تهرب من عشق جارف تكره فكرة وجوده .. هي تهرب من كل شيء وأي شيء دون أن تعي .. دون أن تستوعب إن هروبها لا يعني سوى تمسكها بكيانها الذي بات يهمها أكثر من أي  شيء ..
هي تفتش عن ذاتها المفقودة وتحاول مداواة روحها المجروحة لوحدها دون حاجة لشخص في حياتها ..'هي ليست بحاجة لمن يعالج جروحها ويشفى قلبها كما إنها ليست بحاجة لإيذاء قلب غيرها ومشاعره لذا فالهرب كان هو الحل .. عفوا الرفض ..
دلفت الى الفيلا وهي تضع يدها على قلبها ..
لا تعلم لماذا جاء طلب زاهر كصفعة مدوية فوق وجهها .. ربما لإنها إستوعبت أخيرا إنها حرة وإنها لم تعد زوجة لرجل لا تطيقه وربما لإنها عادت تتأكد مجددا من إستحالة عودة نديم إليها رغم إنها تعترف داخلها إنها لا تريد عودته حتى لو كانت تحبه بقوة لكنها لا تريده ..
حقا لا تريده فما فعله بها وما تسبب له من آلام وخذلان جعلها تنأى بنفسه عنه فنديم بعد خروجه من السجن لم يعد نديم الذي عرفته .. لم يعد العاشق الحنون .. الإنسان المحب .. اللطيف للمحترم .. لم يعد نديم الذي عشقته لسنوات وكانت تراه رجلا مثاليا بحق ..
لقد إنقشعت تلك القشرة المثالية التي كانت تظهر عليه وظهر منها نديم آخر جديد تماما .. نديم لا يمكن أن تتفق معه أبدا مثلما لا يمكن أن تغفر له خطاياه في حقها ولا خطاياها في حق نفسها عندما دمرت حياتها وضحت بسنوات عمرها لأجله ...
...................................................................
اندفعت الى داخل غرفة مريم التي كانت تقوم بتسريح شعرها لتتوقف الأخيرة مكانها وهي تسأل بدهشة :-
" منذ متى وأنت تقتحمين غرفة أحد دون إستئذان ..؟! انا حقا لم أعد أستوعبك ... دائما ما كنتِ تؤنبيني بسبب هذا التصرف والآن تتصرفين هكذا و .."
قاطعتها ليلى بقوة :-
" مريم يكفي ..."
توقفت مريم عن حديثها لتضيف ليلى بوجع :-
" مريم انا متعبة .. "
" حسنا اهدئي .."
قالتها مريم بقلق وهي تحاول الإقتراب منها مضيفة :-
" ماذا حدث معك ..؟!"
لكن ليلى تجاوزتها وألقت حقيبتها على السرير ثم قالت بألم كتمته داخلها لسنوات :-
" لم يعد يمكنني التحمل .. والله لم يعد يمكنني ذلك .. "
أكملت وهي تستدير نحوها بعينين دامعتين وصوت مبحوح :-
" تعبت يا مريم.. تعبت من كل شيء ..."
" اهدئي من فضلك اولا .."
قالتها مريم بجدية محاولة تهدئتها لتضيف متسائلة :-
" أخبريني ماذا حدث وأين كنتِ ..؟! أساسا لقد تأخرتِ بالعودة و .."
قاطعتها ليلى بعنفوان :-
" ليس مهما أين كنت .. المهم هو ما أشعر به ويرهقني للغاية .."
" بلى مهم .. لإن حالتك هذه نتجت بسبب شيء ما حدث وأدى بك لهذا الوضع .."
قالتها مريم وهي تتحداها بنظراتها أن تنكر فجلست ليلى على السرير بتعب وهي تغطي وجهها بكفيها ..
جلست مريم بجانبها تلمس كفها وهي تهمس برقة لا تشبهها :-
" أخبريني ماذا حدث ..؟! أخبريني يا ليلى .. انا أختك وسأفهمك جيدا .."
رفعت ليلى وجهها المحتقن نحوها تردد بوجع خفي :-
" كنت مع زاهر .. "
هتفت مريم تتسائل بريبة :-
" حسنا ، وماذا بعد ..؟!"
ردت ليلى بدموع مكتومة :-
" لقد عرض على الزواج .. زاهر يريد التقدم لخطبتي ..."
حاولت مريم السيطرة على الصدمة التي ظهرت على ملامحها وإخفائها والتعامل مع الأمر وكأنه شيء عادي حيث بنبرة عادية :-
" حسنا ، أين المشكلة في هذا ..؟؟"
سألت ليلى بعدم تصديق :-
" حقا لا ترين مشكلة في هذا .."
ابتسمت مريم تردد ببساطة :-
" أين المشكلة في أن تتلقى شابة عزباء عرضا للزواج من رجل أعزب ..؟!"
" بلى توجد مشكلة .."
قالتها ليلى بعناد قبل أن تضيف بقوة :
" توجد ألف مشكلة وأهمها إن هذا العرض جاء في وقت غير مناسب على الإطلاق .. في وقت لم أكن بحاجة الى شيء من هذا النوع تحديدا .."
" حسنا ، انت غير مستعدة للإرتباط مجددا .. أتفهم هذا جدا .."
قالتها مريم بجدية لتنهض ليلى من مكانها وتقف أمامها تواجهها وتردد :-
" نعم لست مستعدة ولن أستعد لفترة طويلة .. انا ما زلت في مرحلة التحرر من الماضي ومداواة جروحي لذا لست مستعدة لشيء من هذا النوع الآن تحديدا بل ربما لسنوات قادمة .."
نهضت مريم بدورها تهتف :-
" حسنا أتفهم هذا .. سأقولها مجددا .. أتفهم ذلك جيدا وهذا أمر طبيعي ...أخبريني الآن .. ماذا قلت له بعدما عرض عليك الزواج ..؟!"
ردت ليلى بحنق :-
" رفضت بالطبع يا مريم .. ما هذا السؤال ..؟!"
هزت مريم كتفيها تردد ببساطة :-
" حسنا ، انا لا افهم أين المشكلة بعد .. لقد عرض عليك أحدهم الزواج وانتِ رفضتيه .. رفضتيه كونك لست مستعدة للدخول في علاقة عاطفية حاليا وهذا برأيي تصرف منطقي وحكيم ، لكن كونك لا ترغبين في الإرتباط حاليا .. كونك لست مستعدة لدخول علاقة عاطفية فهذا لا يعني ألا يقترب الرجال منك ويحاولون الإرتباط بك فأنتِ بالنهاية حسناء عزباء تستطيعين جذب من الكثير من الرجال حولك وهذا أمر طبيعي لأي أنثى في وضعك .. انت لن تمنعي الرجال من إبداء إعجابهم او محاولاتهم للتقرب منك كما لن تمنعي الرجال من التعبير عن رغبتهم بالإرتباط بك لكنكِ تستطيعين أن ترفضي عرضهم بكل رقي كونك لست مستعدة لهذا الآن ودعيني أخبرك إنك لستِ الوحيدة التي تمر بفترة كهذه .."
" هل ترين الأمر بهذه البساطة حقا ..؟!"
سألتها ليلى بعدم إستيعاب لترد مريم بجدية :-
" اخرجي من كلامي شيئا واحدا خاطئا .. الأمر بهذه البساطة بالفعل وانت تضخمينه لأسباب مختلفة لا أظن إنه بإمكانك التحدث عنها .."
ردت ليلى معاندة :-
" كلا انا لا أضخم الأمر .. قد يكون الأمر بسيطا بالنسبة لك .. لكن ليس بالنسبةلي .. زاهر ليس رجلا عرض الزواج علي فقط .. زاهر يحمل مشاعرا نحوي تخيفني من قوتها .. انتِ لم ترِ كيف يتحدث عني وكيف يراني وكم يحبني .."
" جيد ، انت محظوظة إذا .."
قالتها مريم بخفة قبل أن تضيف :-
" ولكن هذا لا يجب أن يتسبب بتعاستك بل يجب أن يجعلك سعيدة كون رجل بمواصفات زاهر يعشقك لهذا الحد .."
كزت ليلى على أسنانها وهي تردد :-
"
ماذا يحدث بالضبط يا مريم ..؟! هل تتعمدين قول هذا ...؟! انت تحبين زاهر جدا وكنت سعيدة عندما علمتِ بمشاعري نحوي .. منذ متى وانت تملكين هذه الحكمة والعمق الشديد .؟!"
" عفوا ، انا حكيمة بالفعل ولكن حكمتي لا تظهر سوى في المواقف التي تستحق ذلك .. اختي تأتي منهارة وتبكي لإن هناك رجل يعشقها بجنون ... "
أضافت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تسألها عن قصد :-
" حسنا زاهر يعشقك وعرض عليك الزواج ايضا وانت رفضتي عرضه والأمر انتهى الى هنا ، مالذي يزعجك الآن ..؟! لماذا انتِ غاضبة لهذا الحد ..؟!"
هتفت ليلى بسرعة :-
" انا لست غاضبة ولكن ..."
توقفت عن حديثها وهي تأخذ نفسها بقوة قبل أن تقول :-
" نعم يا مريم .. انا غاضبة .. انا غاضبة جدا ايضا .. غاضبة من نفسي اولا ومن زاهر ثانيا .. زاهر الذي لم يتفهم وضعي ومقدار صعوبة ما مررت به فيحاول إقحامي في علاقة كهذه ... علاقة قائمة على مشاعر شديدة القوى من أحد طرفيها بينما الطرف الآخر لا يشعر بأي شيء .. عندما يتحدث هو بعشق جارف وأنا أقف أمامه دون أن يتحرك أي شيء داخلي .. دون أن يؤثر كلامه ولو حتى التأثير الطبيعي الذي تتعرض له أي فتاة في موقفي فهذا يجعلني غاضبة حقا مني ومنه ومستاءة للغاية .."
" لا تغضبي من نفسك .. ما شعرت به أمر طبيعي .. لقد مررت بتجربة عاطفية صعبة حقا ومؤلمة وتخطيها سيكون صعبا ويحتاج الى وقت طويل .."
هتفت وهي تجلس على سريرها تقاوم دموعها المهددة بالإنهمار :-
" ولكنني أريد أن أتخطى هذه العلاقة وأنساها تماما .. ليس لأجل الإرتباط ولكن لأجل نفسي .."
أضافت وهي تنظر الى عيني مريم بقوة :-
" هل تعلمين يا مريم ..؟! صحيح انا حزينة لان حب سنوات انتهى بهذا الشكل لكن حزني الأكبر على ما هدرته من سنوات لأجل هذا الحب .. أسوء شعور في العالم عندما تضحين بالكثير ولا تجدين مقابلا لتضحيتك .. تنتظرين أن يأتي اليوم الذي تحصدين فيه نتاج تضحيتك فلا يأتي أبدا ..."
" أعلم ذلك ولكن يجب أن تتجاوزي هذا الشعور .. انت ضحيت لأجل من لا يستحق .. تصرفت بناء على شخصيتك النبيلة وصدقيني بكل الأحوال كنتِ ستتصرفين بنفس الطريقة حتى لو كنت تعلمين النتيجة وحتى لو كانت تضحيتك تلك لشخص آخر غير نديم لإنك هكذا يا ليلى .. دائما ما تفكرين بالجميع قبل نفسك وقلبك لا يمكن أن يسمح لك بتجاهل شخص ما يحتاج الى المساعدة لذا فتضحيتك أمر مفروغ منه وانا واثقة انك بكل الأحوال كنت ستفعلين الشيء ذاته حتى لو أخبرك أحدهم بالنهاية مسبقا .."
قالت ليلى بقوة وثبات ظهر على تقاسيم وجهها الناعمة :-
" لكنني لن أكون هكذا بعد الآن .. سأتغير .. حقا سأتغير .. لإن هذه الحياة لا تناسب شخص بهذه الصفات .. بصفاتي هذه لن أستمر في هذه الحياة ولن أكون سعيدة أبدا ولا رابحة لذا يجب أن أتغير ..."
" تفكير جميل واتمنى ان يحدث لكن هل تغيير الطباع أمر سهل يا ليلى ..؟!"
قالتها مريم بعقلانية لتنهض ليلى من مكانها وهي تردد عاقدة العزم على التغيير :-
" سيكون سهلا .. بعد كل ما مررت به سيكون سهلا .."
" لو كان سهلا حقا لكنت حاولت الإستفادة من مشاعر زاهر مبدئيا .. ربما كنت ستجدين شيئا مختلفا معه .."
التفتت ليلى نحوها تنظر لها بشراسة غريبة عليها فكانت مريم تواجهها بالحقيقة المرة ..
حقيقة إن أخلاقها منتعتها من مجرد أن تعطيه أملا ضئيلا وهي لا تشعر بشيء نحوه ...
لم تفكر حتى في السماح له بالتقرب منها ولم تتأمل أن يغير عشقه لها شيئا ..
تصرفت بعادتها .. بكل صراحة .. رفضته بكل ثبات وأهم أسباب رفضها عدم تفكيرها في إيلام شخص لا ذنب له سوى إنه أحبها ..!!
قالت مريم ببرود :-
" لا يوجد رجل في هذا العالم يستحق أن تبكي لأجله أكثر من يوم .."
" وهل نسياني لرجل يستدعي أن ألقي بنفسي بين أحضان رجل آخر ..؟!"
" كلا ، لكنه يستدعي أن تستوعبي إن الحياة لم ولن تتمحور أبدا حول شخص واحد ... الحياة عبارة عن العديد من أشخاص .. يدخل البعض حياتنا ويخرج بعضهم الآخر .. والرجال عموما وجودهم في حياتنا ليس دائما فأغلب الرجال بطبعهم هوائيين ويعشقون التغيير .. يستطيعون أن يحبوا مرة ومرتين وثلاث وأكثر ويستطعيون التخلي ببساطة ويعالجون جروحهم بسرعة مريبة .. هكذا هم الرجال فلمَ علينا نحن النساء أن نبكي سنوات لأجلهم ولا نفعل مثلهم ونتخطاهم بسهولة كما يفعلون بالضبط ..؟!"
" انت مخطئة يا مريم .. المشكلة ليست في الرجال او النساء .. المشكلة في الشخص ذاته .. هناك أشخاص قادرون على التخطي والبدء من جديد والوقوع في الحب أكثر من مرة وهناك أشخاص على العكس تماما لا يستطيعون تخطي مشاعرهم أبدا مهما حدث .."
أضافت تنهي الحوار بعدما أطلقت تنهيدة طويلة :-
" أمنيتي الوحيدة ألا أكون من النوع الثاني ....!!"
..................................................................
بدأت تسرد على مسامعه ما حدث معها بالتفصيل ..
بدءا من تعرفها على ذلك الشاب عن طريق الفيسبوك وما جمعهما بأحاديث وانجذابها إليه ووقوعها في شباكه بعدما أغرقها بالإهتمام وكلمات الإعجاب حتى أرادت أن تلتقيه بشدة ليحدث ما أرادته ويحدث معها اسوء شيء في حياتها عندما خدرها وحملها الى شقته وصورها وهي عارية ثم هددها بتلك الصور ..
كانت تتحدث والدموع اللاذعة تسقط على وجنتيها بصمت بينما تسترسل هي في حديثها وبدت قد إنفصلت عن العالم الخارجي تماما ولسانها يتحدث دون وعي منها :-
" هددني إن لم أقابله في الموعد المحدد سينشر صوري .. لم أستطع الرفض .. لم أجد حلا سوى الذهاب .. والله لم أستطع أن أرفض فكيف يمكنني الرفض وصوري العارية معه .. ؟! ذهبت في الموعد المحدد وسلمني هو الى احد الرجال الذي نال مني ما أراد ثم أغمي عليها بعدها ولا أتذكر ما حدث سوى إنني إستيقظت في المشفى وعمار أمامي مصدوم بما حدث معي .."
توقفت عن حديثها الأخير والذي قالته دفعة واحدة تلتقط أنفاسها ..
كانت المرة الأولى التي تخبر بها أحدا عن تلك الحادثة ..
لقد إمتنعت تماما عن التحدث بما حدث فلا عمار يعلم التفاصيل الكاملة ولا حتى الطبيبة التي إحترمت صمتها بشكل غريب وعمار الذي لم يضغط عليها بسؤال فظل الأمر مكتوما داخل صدرها لا احد يعلم عنه شيئا مفصلا بإستثناء التفاصيل الأساسية التي أخبرت بها عمار وإمتنعت عن ذكر التفاصيل الدقيقة لكن اليوم تحدثت ..
قالت كل شيء بالتفصيل .. جميع ما حدث معها .. ربما لم تفضِ بعد بمكنونات صدرها كاملة ولا مشاعرها منذ تلك الحادثة لكنها على الأقل تحدثت بتفاصيل الحادث ..
تحدثت كيف إنجذبت لذلك الشاب الذي لا تجرؤ حتى على تذكر صورته بل تمنع نفسها من مجرد التفكير به وتذكر شكله بل ورسائله ..
اما الآن فهي بعدما إنتهت من حديثها تذكرته جيدا بل بدأ كل شيء يُعاد أمامها بشكل يحرق قلبها ...
" كيف يمكنني التصديق ..؟! ما تقولينه لا يمكن تصديقه .."
أفاقت من أفكارها المعذبة على صوته الحاد ففزعت من مكانها لا إراديا تهتف ببكاء يمزق القلب حيث تشعر بدموعها تحرق عينيها :-
" والله هذا ما حدث .. انا لم أكذب في حرف واحد ..."
" ولمَ يجب أن أصدقك ..؟؟"
سألها وهو يلوي فمي لترد بصوت حائر متردد :-
" لإن .."
توقفت عن حديثها وأغمضت عينيها بقهر فهي عاجزة عن الرد ..
لا تجد ردا مناسبا .. لا وسيلة تدافع بها عن نفسها بل هي أساسا لا تريد أن تدافع عن نفسها فكيف تفعل ذلك وهي ترى نفسها مذنبة بل تعاقب نفسها منذ ذلك اليوم بعزلتها عن الجميع وإنفرادها بذاتها ورفضها التحرر من قيد الألم الذي يحاوطها ..
" ماذا ..؟! ألا يوجد لديك جواب ..؟!"
سألها بتهكم مقصود لتبتلع دموعها وترد بشفاه مرتجفة ونبرة حائرة حقا :-
" انا لا أعرف ماذا أقول ... لا أجد شيئا أقوله .."
أضافت وقد عادت وإنفصلت عن الواقع مجددا وقد لاحظ هو ذلك عندما بدت وكأنها تهذي :-
" لكنني مذنبة .. انا السبب فيما حدث .. انا دمرت حياتي ..."
هطلت دموعها بغزارة وهي تسقط على ارضية الغرفة تحتضن جسدها المرتجف بين ذراعيها تردد مجددا بخفوت وصل إليه رغم إنخفاض صوتها :-
" انا مذنبة .. مجرمة .. عاهرة ... انا لا أساوي شيئا .. ليتني توفيت مع بابا قبل أن يحدث هذا .. ليتني لم أفعل ذلك بل ليتني لم أولد .."
بدت كلماتها غير مترابطة وهذيانها واضح فإندفع نحوها يرفعها من مكانها قابضا على كتفيها مرددا بهيمنة مخيفة :-
" أفيقي يا جيلان .. تصرفك هذا لن يجعلني أرحمك ..."
ردت بخفوت :-
" انا لا أنتظر منك الرحمة أساسا .. لا أنت ولا أي أحد سيرحمني .."
أنهت كلماتها وكانت نظراتها التائهة الضائعة المليئة بالخذلان معبرة للغاية عما يعتمل داخلها فنفض كفيه عنها وأخذ يدور داخل الغرفة وقد أصبح كقنبلة موقوتة تهدد بالإنفجار الحتمي يراجع كلامها وهو حائر بين التصديق من عدمه ..
لا يصدق أن يكون هذا تمثيلا ..
لا يمكن أن تكون جيلان تمتلك هذا الكم من الذكاء والحنكة لتؤلف مسرحية كهذه وتؤديها بإحترافية ..
الفتاة أصغر من أن تفعل كل هذا والبراءة والضياع واضحان عليها ..
نهر نفسه بقوة وهو يخبرها ألا ينخدع بمظهرها البريء ودموعها ولا يمنحها الحكم النهائي دون التأكد من حقيقة حديثها ...
كلا لن يصدقها حتى يتأكد اولا .. حتى يتأكد من حقيقة كل حرف نطقته .. حينها فقط سيصدقها .. وعندما سوف يصدقها سيفكر حينها ماذا سيفعل فهو حقا لا يستطيع تخيل تصرفه بعدها ..
ليتأكد أولا ثم يفكر في القادم ..
تقدم نحوها مرددا بقوة وهو يقف مواجها لها فإلتقت زرقاوتيه المشتعلتين بلهيب مخيف بعينيها الباكيتين :-
" لن أصدق حرفا واحدا مما قلتيه دون دليل .. والدليل سأبحث عنه بنفسي .. سأبحث وأعرف الحقيقة كاملة لكن صدقيني يا جيلان إن كنتِ تكذبين في حرف واحد مما قلته سأبرحك ضربا لدرجة تجعلك تتمنين الموت ولا تجدينه .."
أضاف وهو يميل نحوها بقوة :-
" وحتى لو كان حديثك صحيحا فهذا لا يعني إنني سأتركك دون عقاب .. سأعاقبك يا جيلان .. سأعيد تربيتك من جديد .. سأريكِ كيف تستهينين بسمعتك وشرفك .. كيف تعبثين مع شاب لا تعرفينه .. ستعاقبين على كل هذا لكن في الوقت المناسب بعدما أدرك تفاصيل الحقيقة كاملة .. ما زال هناك وقت يا عزيزتي فكوني مستعدة لعقابك في كلتا الحالتين .."
.........................................................................
بعد مدة من الزمن ..
كانت تجلس على طرف سريرها مخفضة رأسها نحو الأسفل وهي تقبض بكفيها على شرشف السرير اما هو فيقف خارجا في الشرفة يدخن سيجارته بشراهة شديدة وعقلة لا يكف عن مراجعة كلماتها بل نبرة صوتها ونظراتها وكافة خلجاتها وهي تتحدث يحاول إستنشاف الحقيقة التي سيبحث عنها منذ الغد ..
سمع صوت رنين هاتفه فسحبه ليجد تقى تتصل به. .
زفر أنفاسه بملل وهم بالرفض لكنه تراجع عن قراره في آخر لحظة ورد عليها مفكرا إنه يحتاج للصحبة بل لأي شيء يلهيه عن أفكاره المدمرة ..
" حبيبي .. اشتقت إليك .."
كان صوتها ناعما مثيرا للغاية كعادتها لا يمكن لأي رجل مقاومته كجمالها الساحر ..
" أين أنت ..؟! لماذا لم تأتِ مجددا ..؟!"
سألته بنبرة حزينة ليرد ببرود قاتل :-
" مشغول يا تقى .."
أضاف بلا وعي وإنفعال :-
" هناك مئة مشكلة فوق رأسي .. كل يوم شيء جديد بل مصيبة جديدة .."
سألته بإرتياب :-
" ماذا حدث يا مهند ..؟؟"
أضافت برقة شديدة :-
" أخبرني يا حبيبي .. مالذي حدث ..؟! انا هنا معك وسأساعدك في حل كافة مشاكلك ..."
رد وهو يأخذ نفسا عميقا :
" أعلم يا تقى لكنني حقا أكثر ما أحتاجه الآن هو الإنفراد بنفسي بعيدا عن أي شخص .."
سألت بنبرة غيورة :-
" حتى عنها ..؟!"
سألها بحنق :-
" تقصدين جيلان .. زوجتي الصغيرة .."
وقبل أن ترد كان يهتف بقوة :-
" هي أكثر شخص أرغب في الإبتعاد عنه وأكثر شخص لا أرغب برؤيته أمامي .."
سمع صوت تنهيدتها المطمئنة فتململ قائلا :-
" سأغلق الآن .. كما أخبرتك ... أحتاج الى الإنفراد بنفسي قليلا ..."
أغلق الهاتف دون أن ينتظر جواب منها وعاد ينظر أمامه وقد رمى سيجارته التي قاربت على الإنتهاء ارضا وأشعل غيرها ..
لحظات قليلة وشعر بأنفاس متقطعة خلفه فإلتفت بحدة ليجدها أمامه تناظره بعينين خجلتين وملامح مرتبكة ليسأل بعنف :-
" ماذا تريدين ..؟!"
أجابت بخوف :-
" الخادمة جائت تخبرني إن العشاء بعد نصف ساعة و ..."
دفعها عن قصد متجها الى الداخل مجددا لترتطم في الحائط خلفها شاعرة بألم في ذراعها فتأوهت بصمت اما هو فتقدم نحو الخادمة التي هتفت وهي تبتسم برسمية :-
" زهرة هانم طلبت مني إخبارك انت وجيلان هانم إن العشاء بعد نصف ساعة وهي تنتظر كليكما على طاولة العشاء مع بقية أفراد العائلة .."
هز رأسه مرددا بإقتضاب :-
" حسنا ، فهمت .."
انسحبت الخادمة خارجا وأغلقت الباب خلفها ليستدير نحو الخلف مجددا ليجدها تلتصق بالحائط خلفها بعدما دخلت الى الغرفة ليتقدم نحوها بملامح جعلتها تشعر بالرعب خاصة مع خطواته السريعة نحوها حينما وقف أمامها يسألها بقوة :-
" ما إسم المستشفى التي تم إيداعك بها بعد الحادثة ..؟!"
ردت بنبرة مرتجفة :-
" لا أتذكر .."
صاح بقوة :-
" لا تكذبي .."
هتفت بصوت باكي وقد أخافها بشكل مضاعف :-
" والله لا أعلم .. لم أكن واعية حينها لأي شيء .."
قبض على ذراعها بشدة يتسائل :-
" من يعلم بتلك الحادثة سوى أخيك ..؟!"
ردت باكية وآثار الألم ظهرت على ملامحها الباكية :-
" الطبيبة التي تتابع حالتي .."
سألها :-
" وراغب ..؟! ألا يعلم ما حدث ...؟!"
هزت رأسها نفيا مرددة :-
" لا أعلم .. انا لا أعلم أي شيء .."
دفعها بعيدا عنه بنفور وأدار ظهره لها يزفر أنفاسه عدة مرات بقوة عندما اتجه نحو هاتفها الذي كان معه منذ البداية وفتحه بسرعة يبحث عن أي شيء فلم يجد شيئا مهما بل إن الهاتف كان خاليا من مواقع التواصل الإجتماعي حتى بل لا يحوي سوى صورا معدودة لرسوماتها الأخيرة وقد لاحظ إن الهاتف يبدو جديدا ...
التفت نحوها يسألها وهو يرفع الهاتف في وجهها :-
" هل نفسه الهاتف الذي كنت تتواصلين مع ذلك الحقير خلاله ..؟!"
هزت رأسها نفيا بسرعة ودون رد ليسألها بعصبية :-
" أين ذلك الهاتف إذا ..؟!"
هتفت بخوف :-
" لا أعلم .. سرقوه مني حينها .."
زأر بغضب وهو يتجه نحو طاولة التجميل ويدفع بعض الحاجيات فوقها لتسقط أرضا وتتحطم فتتراجع الى الخلف أكثر وهي تحتضن جسدها بيديها وتبكي رعبا منه ومن حالته ..
صاح وهو يقف مواجها لها لكن هناك مسافة لا بأس بها بينهما :-
" توقفي عن البكاء ..."
أضاف بلهجة متسلطة :-
" اذهبي وأغسلي وجهك جيدا وغيري ملابسك .. سننزل لتناول الطعام مع العائلة .."
أكمل بتحذير :-
" إياك ثم إياك أن يشعر أحد من عائلتي بأي شيء .."
هزت رأسها بسرعة وبكاء مكتوم ليضيف بقوة :-
" وإذا سألوكِ عن سبب غيابك أخبريهم إنك كنت مريضة وخفتِ أن تتسببي بعدوى لأحد لكنك أفضل بكثير الآن .."
عادت تهز رأسها بسرعة دون ليزمجر بها بشدة :-
" تحركي هيا .."
انتفضت من مكانها تجري بسرعة نحو الحمام ليبقى لوحده يشد فوق شعره بقوة ولا يعرف ماذا عليه أن يفعل في تلك اللحظة لكن ما يعرفه جيدا إنه غاضب لدرجة تجعله يرغب في حرق كل شيء حوله وأولهم جيلان ..!!
................................................................
في جناح راغب الهاشمي ..
دلف الى جناحه بعد يوم عمل طويل وشاق ليجدها تجلس على حافة سريرهما تشبك كفيها ببعضيهما وشعرها يغطي وجهها المنخفض نحو الأسفل من الجانبين ..
ألقى التحية ببرود وهم بالتوجه نحو الحمام لكنه توقف على صوتها ينادي عليه فإستدار نحوها ليرى نظراتها التي تدل على عدم إرتياحها فسأل بجدية :-
" ماذا هناك ..؟!"
نهضت من مكانها وتقدمت نحوه حتى وقفت قربه ..
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بتردد :-
" جيلان .. "
سألها مهتما بحق :-
" ما بها جيلان ..؟!"
هتفت بخفوت :-
" أشعر إنها ليست بخير وإن هناك شيء ما يحدث بينها وبين مهند .."
" كيف شعرت بذلك ..؟! على أي أساس يعني ..؟!"
سألها مستفسرا لترد موضحة :-
" لإنها بقيت في غرفتها ليوم كامل وكان الجميع ممنوع من الدخول إليها .. طبعا مهند أخبر الجميع إنها مريضة ويخشى أن تعدي أحدا منا .."
" ربما بالفعل مريضة ...؟!"
سألها بجدية لتهتف بتفكير :-
" لا أظن ذلك .. لقد دخلت إليها اليوم وكانت تبدو صحيا بخير ولكن نفسيا ليست بخير أبدا ..."
زفر أنفاسه ببطأ مرددا بضيق :-
" اللعنة عليه إذا كان ما تقولينه صحيح .. ماذا سأفعل بمهند هذا لا أعلم ..؟!"
أضاف مرددا بشدة :-
" سأنتظر قدوم وقت العشاء وأرى إذا ما سيسمح لها بمشاركتنا العشاء أم لا ..."
هزت رأسها بتفهم وصمتت للحظة ثم هتفت بتردد ظهر على ملامحها :-
" هناك شيء آخر يجب أن تعرفه .."
سألها بجدية :-
" شيء ماذا ..؟!"
ردت بخفوت :-
" انا حامل .."
تجمد لوهلة غير مستوعبا ما سمعه .. همسة حامل .. كيف حدث ذلك ..؟!
ضحك داخل نفسه ساخرا مفكرا إن الأمر يبدو عجيب فهو لا يلمسها سوى مرات معدودة وبالتالي أمر حملها يبدو مفاجئا له وغير وارد ..
سمعها تهمس بخفوت :-
" لا أعلم كيف حدث ذلك .. انا عادة أخذ إحتياطاتي .."
سأل بهدوء مريب :-
" هل تشعرين بالضيق ...؟!"
رفعت وجهها نحوه ولم تجب لكن عدم الرضا كان واضحا على ملامحها فتجاهل ذلك وهو يردد بفخر وإعتزاز شاهدته على وجهه بنفس الطريقة في المرتين السابقتين :-
" هذا رائع .. سنحصل على طفل ثالث .."
ردت عن قصد :-
" نعم .. ستحصل على طفل جديد .. وريث جديد لك ولعائلتك .."
قال ببرود :-
" بالطبع .. وريث آخر يحمل اسم العائلة .. عائلتي التي أسعى لتكبيرها بإستمرار .. انا سعيد حقا يا همسة بهذا الخبر الذي غير مزاجي مئة وثمانون درجة .."
أضاف وهو يقترب منها منحنيا نحوها يقبل وجنتها بخفك :-
" شكرا على هذا الخبر الرائع .. مبارك لنا حملك يا همسي ..."
ثم ابتعد عنها يلتقط عينيها الجامدتين بعينيه المتحدتين لتهمس أخيرا :-
" تحضر بسرعة فالعشاء بعد أقل من نصف ساعة .."
وبالفعل خلال نصف ساعة كانا يهبطان حيث غرفة الطعام لينتبه راغب على وجود مهند وجيلان فيلقي التحية وهو يسير نحو كرسية وزوجته خلفه ..
جلسا في مقعديهما وكانا آخر الحاضرين عندما هتف راغب وهو يبتسم بهدوء :-
" هناك خبر مفرح يجب أن أشارككم به ..."
سأل عابد بإهتمام :-
" خبر ماذا ..؟! هل هناك شيءيخص العمل ..؟!"
رد وهو يرمق زوجته الجامدة بنظراتها :-
" بل شيء أهم من العمل بمراحل ..."
أضاف وهو يعيد بصره نحوه والده :-
" سيكون لديك حفيد جديد يا أبي .. همسة حامل وانت ستصبح جدا للمرة الثالثة .."
صرخت زهرة بفرحة حقيقية شاركتها بها توليب ابنتها بينما قال عابد بسعادة :-
" حقا .. ؟! مبارك يا بني .. لقد أسعدني هذا الخبر كثيرا ..."
أضاف وهو يشير الى همسة :-
" مبارك يا ابنتي .."
ردت همسة بخفوت :-
" شكرا عمي .."
نهضت زهرة نحو همسة تحتضنها وتقبلها من وجنتيها ثم احتضنت ابنها الذي وقف بدوره يبادلها عناقها اما توليب فباركت لهمسة التي ردت بإبتسامة مصطنعة مباركتها هي واخوة راغب البقية راجي وفيصل وطبعا مهند وجيلان...
هتفت توليب بسعادة بعدما عاد الجميع يتناول طعامه :-
" عليكما أن تأتيا بفتاة هذه المرة .."
قالت زهرة والفرحة ما زالت تنير وجهها :-
" كل ما يجلبه الله خير .. المهم أن يأتي سالما غانما وتنهض والدته بسلامة .. لكنني اتمنى أيضا أن تكون فتاة ..."
قالت توليب بسرعة :-
" إذا كانت فتاة سوف تسميانها على اسمي فأنا عمتها الوحيدة ..."
هتف راغب بجدية :-
" أظن إن كان هناك شخص سوف أسمي إسم ابنتي عليه فستكون والدتي ...."
ابتسمت زهرة بإمتنان وإحتقنت ملامح همسة بقوة ليهتف فيصل مازحا :-
" ربما يأتي صبي وحينها ستسميه فيصل ..."
" لا ارجوك .. لا نحتاج لفيصل جديد يأخذ طباعك .."
قالتها توليب ممازحة ليزجرها فيصل بضيق مصطنع بينما يهتف راجي بجدية :-
" توقفا عن شجاركما المعتاد .. صبيا أم فتاة لا فرق ... لكن بعدما أنجبا صبيين أظن إن جميعنا نريد فتاة جميلة تنير منزلنا .."
هتفت زهرة وهي تنظر له بجدية :-
" عقبالك يا حبيبي .."
آمنت توليب على دعوتها بينما تحدث راغب مشيرا الى جيلان :-
" كيف حالك يا جيلان ..؟! سمعت إنك مريضة ..."
التقط بعينيه ملامح مهند المتجهمة ليضيف عن قصد :-
" سلامتك .. ماذا حدث بالضبط ..؟!"
ردت بصوت مبحوح :-
" أشكرك ... إنفلاونزا خفيفة وأصبحت أفضل الآن الحمد لله .."
ابتسم راغب بتصنع مرددا :-
" الحمد لله ..."
نهض مهند من مكانه فجأة مرددا بعدما لم يعد يحتمل الجلوس أكثر وسط الجميع والتصرف وكأن لا شيء مهم حدث معه :-
" عن إذنكم .. لقد شبعت .."
أضاف يخبر جيلان عن قصد :-
" أنتظرك في جناحنا .."
تبادل راغب النظرات مع والده بينما اكتفت جيلان بهزة من رأسها عندما نهضت بعد قليل تستأذن الجميع وتتجه نحو جناحهما ..
دلفت الى الداخل لتجده ينهض من مكانه بسرعة مرددا بتهديد :-
" إذا علم أحد بما حدث وما أخبرتني به سأقص لسانك وخاصة أخيك .."
هزت رأسها بسرعة وخوف ليهتف بينه وبين نفسه :-
" الحقير .. يهددني أيضا وأخته إرتكتبت المصائب .. لكن لا بأس سأقتص منك ثأري يا عمار الخولي وأريك ماذا بإمكان مهند الهاشمي ان يفعل .. انت تحديتني وانا قبلت التحدي ...."
عاد ينظر اليها بقوة فتحركت مسرعة نحو الحمام تاركة إياه يتابعها بسخط وإبتسامة ساخرة تعلو ثغره ..
............................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن