الفصل الثالث والثلاثون

Start from the beginning
                                    

-هي عند اللي خالقها، ادعيلها بالرحمة والغفرة.

في التو علقت بعد زمة سريعة لشفتيها:

-ألف رحمة ونور عليكي يا ست "أم عوض"، دي كانت ست خيرة، والكل بيحبها، ومحدش عمره شال منه.

لم يحبذ البقاء مطولًا معها، فقال منصرفًا:

-معلش هستأذنك أنا.

تنحت للجانب، وقالت وهي تطالعه بنظرة آسفة ومتعاطفة:

-اتفضل يا سي "عوض".

خطا مبتعدًا عنها، ورأسه يعج بعشرات الأسئلة، طغى عليهم جميعًا واحد بعينه، فتساءل، كأنما يكلم نفسه:

-يا ترى كنتي ناوية تأذينا بيه والحق خد حقه قبل ما ده يحصل؟

ظل على حيرته المهلكة، فتابع في يأسٍ:

-ربنا وحده اللي عالم بنيتك يامه!

أكمل سيره المتخاذل وهو يهز رأسه للجانبين مُحادثًا نفسه:

-مافيش منه رجا، ربنا يرحمك يامه، ويعفو عنك.

...........................................................

فــــتكت بها موجات الصداع المتواترة، وكأنها تصـــارعها بلا معركة ظاهرية، جراء بكاء صغيرتها المتواصل، فمنذ مطلع النهار وهي على نفس الحالة الباكية، ورغم محاولتها بذل الجهد لتلبية احتياجاتها الأساسية، إلا أنها لم تكف أو تتوقف عن الصراخ، مما جعل أعصابها تتوتر للغاية، وتزداد انفعالًا وحنقًا منها. نظرت "فردوس" شزرًا لرضيعتها، وصاحت بها في استياءٍ عارم بعدما فاض بها الكيل وفشلت كل الطرق في إسكاتها:

-كفاية بقى، إيه مابتتعبيش؟

نهضت من جوارها، وتركتها بمفردها على الفراش، واستمرت تصرخ فيها:

-أنا دماغي صدعت، لا بقيت عارفة أنام، ولا أقعد، ولا أعمل أي حاجة؟

في لحظة طيش عابرة قذفتها بالوسادة، وهي تزيد من صياحها اللائم:

-عملت إيه في دنيتي عشان أفضل في الهم ده؟

تطلعت إلى نقطة بالفراغ، ودمدمت في صوتٍ محموم، وهذه الحمرة الناقمة تشتعل في حدقتيها:

-حتى "تهاني" من ساعة آخر مرة كلمتني فيها، ولا حس ولا خبر.

تحولت دفة العتاب تجاهها، فحملتها كل الذنب في كراهية راحت تتأصل في أعماقها:

-كأنها مصدقت تنساني زي ما نسيتنا زمان.

قست كامل تعبيراتها، واسودت نظراتها وهي تدعو في حــــرقـــة:

-ربنا يخلص منها، وتشوف الغلب والمرار في حياتها!

شعرت بوطأة حقدها عليها يتأصل بداخلها، وتركت تأثيره السيء يتغلغل فيها، مؤكدة لنفسها أنها تستحق هذه العداوة جراء ما ارتكبت من قطيعة وخصـــام.

رحلة الآثام - الجزء السابع - سلسلة الذئاب -كاملةWhere stories live. Discover now