الفصل الحادي والعشرون

Start from the beginning
                                    

-أنا كلمت واحدة زميلتي هبات عندها كام يوم لحد ما أشوف هتسرى الأمور على إيه.

اقترح عليها بخبثٍ:

-لو ينفع أسيبلك شقتي تباتي فيها، وآ...

رفضت مقترحه بشكلٍ قاطع:

-لأ طبعًا، إنت بتقول إيه؟ استحالة أوافق بده.

برر لها مقصده بنفس الابتسامة الليئمة التي يخفي خلفها شيطانه الماجن:

-أنا حابب أشوفك بخير، ومش متبهدلة.

وضعت "تهاني" يدها على قلبها، مستشعرة نبضاته الموجوعة، وأخذت تدعو في عجزٍ:

-منك لله يا "مهاب"، هتعمل فيا أكتر من كده إيه؟

تجرأ "ممدوح" ووضع راحة كفه على ظهرها ليمسد عليه في رفقٍ، قبل أن يكرر طلبه عليها:

-من فضلك اهدي، أنا وعدتك إني هتصرف.

لم تبدُ منتبهة بقدرٍ كافٍ لتمانع ما يفعله، بل رجته باستجداءٍ أكبر:

-عشان خاطري روحله واتكلم معاه.

هز رأسه قائلًا بتأكيد:

-حاضر.. ماتشليش هم ...

ثم سحب ذراعه ليمسك بكأس العصير الموضوع أمامها، وأصر عليها وهو يبتسم ابتسامة صغيرة:

-اشربي بس العصير ده وروقي دمك.

....................................................

صارت الأيام متشابهة عليه، لا جديد فيها، ولا مكان متاح له ليعمل فيه، يئس من ضيق ذات اليد، ومن انعدام مصادر الدخل، نضب ما في جيبه، ولم يعد لديه ما ينفق به على بيته. سار متخاذل الأقدام، بالكاد يحبس دموعه، إلى أن بلغ منطقته الشعبية، رفع "عوض" بصره للأعلى فوجد المسجد أمامه، التجأ إليه، فخلع نعليه، وولج إلى الداخل قاصدًا الوضوء أولًا ليتطهر، كان محيط المسجد خاليًا، لا يتواجد به أحد، فمشى ببطءٍ إلى أحد الأركان، وافترش الأرضية جالسًا على ركبتيه، ورافعًا كفيه للسماء. انهمرت عبراته بتتابع وهو يشكو إلى المولى ما أصبحت عليه أحواله:

-يا رب كل أبواب الدنيا اتقفلت في وشي، ومافيش غير بابك اللي دايمًا مفتوح ليا.

نكس رأسه في خزي قبل أن يدفن وجهه بين راحتيه متابعًا شكواه:

-أنا مبقتش عارف أعمل إيه.

استمرت عيناه تبكيان، وقلبه يتألم وهو لا يزال يبوح بما يطبق على صدره:

-محدش راضي يشغلني، وأنا قليل الحيلة، مابفهمش في حاجات كتير.

عاد ليرفع وجهه للأعلى مناديًا في رجاءٍ وتضرع:

-يــــا رب أنا ماليش غيرك، وإنت الكريم الوهاب..

استفاض في مناجاته قائلًا:

رحلة الآثام - الجزء السابع - سلسلة الذئاب -كاملةWhere stories live. Discover now