الفصل الثامن - الجزء الأول

Start from the beginning
                                    

-معلش، أنا مش بشرب.

ضحك في لطافةٍ، وتكلم من بين ضحكاته الصغيرة مدهوشًا:

-ده عصير فواكه، كوكتيل، إنتي فكرتيه حاجة تانية؟

زاد شعورها بالخجل، وردت معللة وهي ترمش بعينيها بعدما أخذت الكأس منه:

-أسفة، أصل افتكرت دكتور "مهاب" لما عزم عليا بشمبانيا.

تعمد وضع هذا الطابع الجدي على ملامحه وهو يسألها بنوعٍ من الترقب:

-وعملتي إيه؟

في التو أخبرته بلا تفكيرٍ:

-رفضت طبعًا.

جلس مجاورًا لها، وأردف في إيجازٍ:

-كويس...

أحست من طريقته المقتضبة أنه ما زال يريد إضافة المزيد، وصدق حدسها عندما استأنف مسترسلًا بغموضٍ محير:

-أصله متعود يعمل دايمًا كده مع اللي يعرفهم...

من موضعه نظر إليها عن قربٍ، فرأى كيف تغيرت ملامحها، وغلفتها سحابة من الغمام، وإن ظلت هادئة، لا تعلق بكلمة. ابتسم وأكمل بنبرة موحية:

-وخصوصًا الجنس الناعم، ما هو معجباته كتير بقى.

شعرت بدمائها تحنقنٍ، بقدرٍ من الغليل يسري في عروقها، ويحتل كل ذرة في كيانها، ليجعلها على أهبة الاستعداد للانتفاض والثورة ضد ما تسمعه، تضاعف ذلك الشعور الحانق بقوله المستفيض:

-وهو الصراحة مايتسابش، ألف مين تتمنى ترتبط بواحد زيه، مركز، وسلطة، ومال، وعيلة.

امتلأ جوفها بذاك المذاق المرير، فقربت الكأس من فمها لترتشف منه القليل؛ لكنه كان كالعلقم السقيم، و"ممدوح" لا يزال يخبرها بما زعزع أمنياتها:

-بس هو مش بتاع جواز، أخره يقضي يومين حلوين مع بنت جميلة، شوية ويزهق، ويرجع يدور على غيرها، ومش فارق معاه إن كانت مشاعرها هتتأذى ولا لأ.

خفضت الكأس ويدها ترتعش، حاولت النظر إلى الأفق الأزرق الممتد على مرمى بصرها، وصوته يتخلل إلى أذنها ليخبرها بما أجج بداخلها مشاعر الضيق، والحنق، والغيظ:

-هو معذور، اتعود ياخد اللي عاوزه، طالما حط ده في دماغه، وبيقدم كل المغريات عشان يضمن إنها متفلتش من إيده.

أحست بتورية خفية في ختام جملته، ربما كانت هي المقصودة بهذا، فالتفتت تنظر إليه وهي تحتج على مقصده بانفعالٍ ملحوظ:

-وأنا مالي، هو حر في تصرفاته، أنا مش هحاسبه...

ازدادت أصابعها إطباقًا على الكأس وهي تواصل الحديث بعصبية بائنة رغم خفوت صوتها:

رحلة الآثام - الجزء السابع - سلسلة الذئاب -كاملةWhere stories live. Discover now