وللسخرية.. ها هو الآن، يشهد على خروجه مهزومًا من بعد أن فعله كل ما بوسعه ليستحوذ عليها .. ربما قد شب معها وقضى برفقتها سنوات أكثر مما قضاها أدهم، لكنه لم يفقه مطلقًا حقيقة أن فريدة غير قابلة للتملك والاحتكار بأي شكلًا كان إلا إذا أردت هي ذلك .. وماذا بعد؟! .. يلقي بجملته السمجة في استعراض رخيص ليحفظ ماء وجهه أمامه ويبتز عواطفها كمحاولة أخيرة لاسترجاعها!!

لا يعرف حقًا كيف فعلها .. فبمعجزة ما خالف أدهم شياطينه ولم يستجيب لها حينما أمرته بقتل مراد، أو على أقل طحن عظامه على ما هرَأ به .. ومن أجل فريدة فقط، تجاوزه بجسده الضخم وكأنه غير مرئي متقصدًا دفعه بكتفه أثناء العبور وأشار للحرس بأن ينتظروا بالخارج وألا يسمحوا لأحد بالدخول .. ليقف أمامها، ويتأمل هيئتها الشاحبة بينما لاتزال جالسة على الفراش مُسهبة العين فيما تحتوي راحة يدها..

أشبع روحه من رؤيتها، وسمح لنفسه بالتقرب منها والجلوس جوارها ليملئ صدره بأنفاسها من جديد .. كانوا أربعة أيام فقط جملة المدة التي فصلت بينهما إلا أنه شعر بروحه تغادر جسده تحرُّقًا لرؤيتها والاطمئنان عليها .. أن يختار بنفسه الفراق عنها شيء وأن يُباعد بينهما القضبان كان شيئًا آخر لا يطيق مذاقه .. كان التعريف الخالص للاحتضار!!

وليخرج من تلك اللعنة، لم يكن أمامه سوى استدعاء أفضل وأحنك محاميه من الخارج، المصري الوحيد ضمن هيئة الدفاع لدى المنظمة التي تتولى كامل شئونهم القانونية .. الحقيقة، أدهم هو مَن اختاره وأدرجه ضمن تلك الهيئة، ومع الوقت استطاع أن يثبت مهاراته في خدع القانون أمام المنظمة بأكملها لذلك لم يكن يعتمد على أحدٍ سواه في المسائل الشائكة، ولم يشك مطلقًا في قدرته هذه المرة .. وهذا ما كان، فلم يتطلب الأمر منه أكثر من حضوره لمدة ١٥ دقيقة في غرفة النيابة وكان أدهم يمضي على قرار إطلاق صراحه المشروط .. لم يلقب بـ (الحاوي) من فراغ!! .. ليتضح لأدهم فيما بعد أنه قد تم تكليفه مباشرةً من الكابو بهذه المهمة أولًا، وثانيًا، ليوصل له رسالة مخصوصة تحوي كلمتين لا أكثر:

"آخر فرصة!!"

لم يحتاج لأن يعرف انه لم يعد أمامه متسع من الوقت أو المماطلة مع المنظمة وأنه على شفا خطوة ويكون خارج رقعة الشطرنج .. ليس هو فقط، بل ومن قبله فريدة، وربما عائلته بالكامل .. طالما كان هذا قانون اللعبة، مَن يُخِلّ بقواعدها يُباح دم سلالته بأكملها .. فالأولوية دائمًا وأبدًا للعائلة..

والعائلة هنا تعني .. لامارا!!

انتهز فرصته الأخيرة فور أن غادر مبنى العدالة، ليشرع في حل أكبر عقدة في معضلته قد تُكسبه بعض الوقت للتفاوض من أجل حياته .. وأكبر عقدة لم تكن إلا فريدة .. والتي بالمناسبة كانت هادئة للغاية منذ دخوله .. وطالما كان هدوءها يشعل فتيلة حذره أكثر من أي شيء!! .. ارتاب بحالتها إذا كانت كذلك بسبب ما قاله ذلك البغل أم لم تشعر بوجوده من الأساس .. وتلقائيًا نزلت عينه لما تقبض عليه براحة يدها لتتجمع اجزاء الحوار بعقله بعد أن سمع بعض الكلمات من الخارج قبل لحظات من دخوله.

After Burn بعد الاحتراقWhere stories live. Discover now