جيون جونغكوك: سجن الغراب

By kim_luna1

697K 37.4K 64.6K

《يلقبونه بالغراب، يقال أنه صاحب إبليس في قعر جهنم ثم لفظته النيران على شكل أرض جافة قاحلة...المشاعر؟!..لا مكا... More

00
01:الغرابي الغامض
02:سجينة الغراب
03: ومضات من الماضي
04: ليست سوى البداية
05: فرصة
06: لعبة المشاعر
07: مكر الغراب
08:من أنت؟
09: صراع الإخوة
10: أعطني حريتي
11: تجربة
12: بلا أجنحة
13: خدعة
14: لوسيفر
15: دموع الملائكة
16: غضب الغراب
17: زهرة الحب
18:نبضات القلب
19: عواصف و عواطف
20: الجريمة و العقاب
21: دم، عرق ودموع
22 : عازف المزمار
23: البجعة السوداء
24: الحسناء و الوحش
26: همسة ولمسة
27: شبح الماضي
28: دفء الغراب
29: رياح عاتية
30:أشرق الحب
31: سهم كيوبيد
32: بداية اللعبة
33: الحقيقة المخفية

25: أزرق و رمادي

17K 961 2K
By kim_luna1


' أشعر بالبرد الشديد فهلا غمرتني ببعض الدفء؟

يبدو الجميع سعداء من حولي فلما لست مثلهم؟

هل هذا جشع مني ؟

هل يمكنك النظر إلي ؟

فأنا حزين و كئيب '

-BTS Blue and gray-

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

أنفاس متسارعة، جبين متعرق و قبضة مشدودة تعتصر مقود السيارة

داست أقدام المحقق على المكابح بهمجية وسواد مقلته يكاد يكتسي الأحمر القاني و يختفي خلف احمرار العروق حول عدستيه

يزيد سرعته أشواطا يكاد يحلق لبلوغ وجهته في وقت قياسي

" تمهل هوسوك ستقتلنا"

توسلت زوجته بتعابير باكية تشعر أنه فقد صوابه

ما كان عليها ترك هاتفها متاحا بإهمال فعند توصلها برسائل متتالية قام المحقق بالاطلاع عليها ظنا منه أنها بالأمر الهام ولم يرد لسونا الانشغال بشيء آخر عدا والدها المريض

فإذ بعينيه تقع على محادثتها مع إيما التي كانت تعلمها أن جوهان أصيب بنزلة برد وتطمئنها على حاله وما أفقده صوابه أنها أخبرتها أن الصغير بخير فالكل يعتني به

جن جنون المحقق و عينيه اكتسبت بريقا من الشرار المشتعل وقد كانت زوجته

أول ضحية لاحتراق أعصابه وقد لامها لخداعه وقسي عليها للغاية

بالكاد لحقت به وهو يسير كذئب غاضب لسيارته وقد فضلت الالتصاق به حتى لا يرتكب ما يذيقه مرارة الندم لاحقا

" لن أتمهل سونا واللعنة لما فعلت هذا؟ كيف استطعت خداعي هكذا؟ "

" لما تتصرف كأن طفلنا مخطوف أو رهينة؟ جوهان بأمان مع جدته عمه وعمته أيضا، إنهم عائلته هوسوك، لما تحرمه من هذا الدفء؟ لما تمنع عليه هذا الحب؟ لن يقوموا بأذيته فلما كل هذا العزوف و الغضب"

نظر لها بصدمة وكلامها يزيد فتيل نيرانه ثم زمجر بوجهها أكثر

" هل جننت؟ هل فقدت عقلك سونا أنت والجحيم أرسلت طفلي لجحر الشيطان، وضعته بين براثن عدوي على طبق من فضة كيف فرطت بابننا؟ سلمته لهوانغ المجرم للرجل الذي أذاني ويتوق لإلحاق المزيد من الضرر بي"

" لكن عمه هناك، جونغكوك هناك وسيحميه، هل تظن أن هوانغ ذاك قد يتجرأ ويلمس شعرة من طفلنا و شقيقك هناك؟"

"عن أي حماية تثرثرين؟ جونغكوك لا يجيد سوى حماية نفسه، تظنين أن ذلك الجبان سيؤمن طفلي؟ بعدما دمر عائلتنا وصار عبدا لذلك المجرم، هل نسيت ما فعله بي؟ هل أذكرك بكيف حاول قتلي؟ أخبريني أين كان جونغكوك حينها؟"

لم يبدو أن المحقق الثائر سيهدأ تحت أي ظرف كان وخمنت سونا أن غضبه وانفجاره لن يهدأ مهما حاولت مخاطبة عقله فهذا الأخير غائب عن وعيه تماما ولا مفر من المواجهة

حينها فضلت الصمت و انتظار حلول الكارثة بقلب يتآكل

دعس الفرامل بقوة حتى أصدرت صريرا عاليا وبملامح وجهه المتجهمة اقتحم البوابة الخارجية لفيلا هوانغ والحراس يركضون خلفه في محاولة للاستفسار

صرخ على الخادمة التي استقبلته و قاوم طلباتها في الانتظار خارجا بهمجية مما دفع الحراس لمحاصرته وإبعاده فنشب صراع كبير بينهم

تعالت الضوضاء حول المكان جاذبة انتباه سكان المنزل وكان الحالك أول من انقشعت هيأته من المبنى الضخم

تراجعت أنفاس المحقق تدريجيا وهو يلمح شقيقه متقدما نحوه على خطى رزينة

كان يسير بشموخ كعادته، كفاه مختفية داخل جيوب بنطاله الداكن، صدره منفوخ للأعلى بكبرياء و ثقبه الأسود ينظر نحوه بحدة وبرود بينما ابتسامة جانبية صغيرة تعتلي ثغره

"ما كل هذا الضجيج حضرة المحقق؟"

أمال برقبته جانبا و نبرته الباردة تضرم شعلة الاستفزاز بالأكبر الذي صرخ في وجهه

"أريد طفلي حالا أسمعت؟ "

" أنت من جلبته عندي بنفسك فلما الصراخ؟"

جز المحقق على أسنانه ولم يشعر بنفسه إلا وهو منقض على ياقة فحمي الشعر و يحشر وجهه بملمحه الهادئ مهسهسا بين أنفاسه الثائرة وقد كسبت هذه الحركة شهقة من سونا التي تقف خلفه بأعين دامعة فنادته بصوت مرتجف

"هوسوك توقف فحسب لنأخذ جوهان ونرحل بهدوء"

تجاهل انتحابها ومظهرها البائس بل لم يلتفت للخلف أبدا

ظل متسمرا على وضعه و حدقتيه لا تبارح خاصتي شقيقه التي تحمل لمعة غريبة

مزيجا من البرود والحزن و الغضب المكبوت رغم ما يبديه من هدوء عظيم

"ألم أحذرك همم ؟ ألم أقل إياك والاقتراب من عائلتي؟"

"أي عائلة فيهم؟" يجيب الأصغر محافظا على ابتسامته الجانبية

"لا أملك عائلة غير زوجتي وطفلي وسأعاقب كل من يحاول مسهما أو حتى الاقتراب منهما أسمعت؟ بما فيهم أنت؟ إياك و الظهور لجوهان ثانية وإلا .."

حذر الأصغر بانفعال شديد ولم يخفى على الآخر ارتجاف قبضته ضد ياقته فشاهده يزفر بحنق قبل استكمال جملته

"وإلا ماذا؟ "

" ابتعد عن طريقي" يرخي يديه متراجعا للوراء ثم تحرك بنية تجاوز الغرابي إلا أن هذا الأخير اعترض طريقة ثانية فرمقه بحنق

"وإلا ماذا؟" كان الحالك من تقدم هذه المرة مسلطا ثقبه الأسود نحو الأكبر متحديا ملمحه الممتعض

يعلم الغرابي أنه سيتلقى ردا مسموما؟ سيسمع ما يقتل روحه للمرة المليون و يحرق أوصاله

لكنه أراد ذلك

رغب في تجرع ما ينخر عظامه و يحفر أعمق بجرحه الدامي

" سأدمرك بلا رحمة"

انكمشت جفونه حينما لبى الأكبر طلبه وبصق سمه في منتصف وجهه يطعن أعماقه بنصله الحاد

"هوسوك!"

تتحول أنظار المعني لهيأة ذات أعين الربيع التي تقترب والشحوب يستوطن محياها

ظلت تشاهد ما يدور بين الشقيقين من بعيد بكل هدوء، غير راغبة في التدخل

لقد كانت فرصة للمواجهة ، ظنت أن وقوفهما وجها لوجه سيزرع الشجاعة بقلب واحد منهما فيفشي بمكنونات قلبه

ظنت أن الشوق سيتأجج و الحنين يزهر فإذ بالأكبر يلقي بقسوته دون رحمة

تعلم أنه بذلك يغرس سيفا عميقا بقلب الحالك وربما يصنع جرحا يستحيل شفاؤه

ندبة أكبر من الموجودة سابقا

حينها ستنقطع الروابط و المشاعر التي كانت حبا ستحرق كليهما وربما الغرابي من سيتناثر رماده أولا

لأنه محروق فعلا

"أرجوك إيما لا تتدخلي"

تبتلع بقلق حينما أبعدها هوسوك ثم أضاف مخاطبا زوجته بعدما أدار بظهره لأسود الهيأة الذي لا زال متمعنا بالبقعة بين منكبيه

"سونا، أحضري جوهان ولنذهب"

أومأت مسرعة نحو إيما تمسك يديها حتى تدلها على مكان الصغير لكن صاحبة الخصلات العسلية امتنعت عن الحراك

"هوسوك، جوهان لا زال مريضا دعه يرتاح قليلا، سونا ستظل برفقته إن رغبت "

بدت سونا موافقة أيضا لما اقترحته إيما لكن هوسوك رمقها ببعض الحدة متشبثا بعناده

"إيما رجاء هذه مسألة عائلية"

"حسنا" ارتسم عبوس حزين على شفتيها ثم نظرت لسونا بأسف

"مهلا سونا"

جذبت نبرة الحالك الخشنة انتباه الثلاثة وخضراء إيما غلفها قلق عظيم، متوترة من تحركات الغرابي المفاجئة ورد فعل هوسوك لا يبشر بالخير

"أنت من تظن نفسك لتأمر زوجتي؟"

يعود المحقق أدراجه مهاجما شقيقه من جديد فارتجفت الفتاتان في تلك البقعة خشية تفاقم الوضع

" جوهان لن يبارح هذا المنزل حتى تتجاوزني"

" ما الذي تقوله يا هذا ؟ هل تمنعني من أخذ طفلي؟"

"تقول أنك ستعاقب كل من يمس ابنك أيها المحقق أليس كذلك؟ لقد عانقته طوال الليل و لم أبارح جانبه ما رأيك في هذا همم؟"

يمنحه الحالك ابتسامة ساخرة أثناء حديثه، يلاحق سوداء الأكبر التي تتسع تدريجيا حتى كادت تنفجر من الامتعاض

الأصغر يستدرج شقيقه لنقطة ما و إيما تدري بالفعل أن نهاية الأمر لن تكون بالحسنة

"ما بالك صامت ؟ لا أراك تعاقبني؟"

ينفث الأكبر أنفاسه بحدة وقد تكورت قبضته بقسوة و بات فكه مشدودا

" ليكن في علمك، إن أردت جوهان، تجاوزني أولا"

"أتظنني لا أستطيع فعلها؟"

"أجل، لا تستطيع، كل ما تجيد فعله هو الهرب كالجبان دائما"

"من الجبان يا هذا؟ من غيرك الجبان؟ من تخلى عن رجولته وأصبح عبدا لذلك القذر؟ من لوث يديه بالدماء وأضحى كالدمية المتحركة لذلك العجوز؟ كيف تسمح لجلد المتعفن أن يمس روح طفلي النقية؟"

"هوسوك!!" انتحبت سونا غير مصدقة للقسوة التي تفوه بها الآخر و نظرت لصاحبة الخصلات العسلية بعينيها الخائفة لكن الصغرى كانت ترمق ظهر الحالك بأعين ذابلة

تشعر بكلمات المحقق تخترق روحها و تثقب قلبها بقسوة فما بالك بفؤاد الحالك

هوسوك يدمر شقيقه دون رحمة تماما كما توعد له ويا له من فعل أحمق فلن يبارحه الندم مهما مر الزمن

"إذن أثبت لي، أثبت لي أنك لست بالجبان، عاقبني، دمرني وإلا لن تأخذ طفلك، لن أعطيك جوهان حتى تطرحني أرضا و تدوس علي هل سمعت؟"

ينقر الغرابي على صدر الأكبر مشعلا براكين حامية بداخله

"هيا أيها المحقق، أخرج ما بقلبك أراك تكتم الكثير"

"هل تتحداني؟ تظنني غير قادرا على هزيمتك؟ كن صريحا وقلها، قل أنك تراني ضعيفا، لطالما فعلت، تظن نفسك الأقوى والأذكى، جونغكوك من يتولى الحماية دائما، جونغكوك الأفضل ، جونغكوك لا يمرض، جونغكوك لا يكذب، جونغكوك لا يهزم "

ابتسم فحمي الشعر منصتا لانفجار شقيقه ولم تغب عن هذا الأخير الطبقة الشفافة التي غلفت الثقب الأسود فابتلع بارتباك

" معك حق، لست قادرا على هزيمتي، لست ندا لي ولن تكون أبدا"

ينقض المحقق مباشرة على ياقة الأصغر للمرة الثانية وهنا إيما انقبض خافقها سامحة لشهقة خائفة بمغادرة ثغرها

" ماذا تريد مني يا هذا عما تبحث؟"

"دمرني دون رحمة، هذه فرصتك، إن لم تفعلها لن ترى طفلك ثانية، هيا أيها المحقق افعلها هيا"

تحتد نبرة الأصغر ينظر في عمق عيني هوسوك الذي تجمعت العبرات داخل محجريه وقد أضحت العروق متضخمة على ظهر يديه حيث يخنق ياقة الحالك بقوة

"هوسوك لا تفعل" تصرخ سونا ببكاء و تجد نفسها محاطة بسومين ووالدة الرجلين التي تحطمت روحها وهي تشاهد كلا طفليها يتصارعان كالأعداء

يتجاهل الحالك نداء الإناث خلفه ويزيد إشعال كيان المحقق و استفزاز جوارحه

"هيا أيها المحقق لا تكن ضعيفا كعادتك، هيا دمرني"

"أوه سأفعل صدقني"

"إذن افعلها هيا وإلا لن تقابل طفلك، وإلا سألحق الضرر بأسرتك اللطيفة"

تختنق أوصال هوسوك فيفقد زمام السيطرة على أعصابه، دون وعي منه حلقت قبضته في الهواء وحطت بعنف على وجنة الحالك

لكمه بقوة حتى ارتد جسده الضخم بعنف للخلف ولم يسمع حينها سوى بكاء الفتيات وصراخ هي سو المتوسل بالتوقف بينما سومين شهقت بحرقة تطالب بالمساعدة من الحراس إلا أن جونغكوك أشار لهم بالانصراف بعدما استقام باعتدال ممسكا وجنته حيث تركت قبضة المحقق كدمة محتمة

"أهذا كل ما عندك؟ هذه هي قوتك؟"

تبدو ملامح الذعر على المحقق حينما لكم شقيقه بقوة لكن غضبه يشتعل وهو يلمح الحالك يعود لتحدي مقلتيه وهذه المرة اقترب كثيرا

ألصق جبينه على خاصة الأكبر و كفه الكبير أمسك خلف رقبته مهسهسا بين لهاثه

"أنت ضعيف حقا، هل ستحمي زوجتك وطفلك بهذه اللكمات الضئيلة؟ افعلها جيدا بقوة أكثر"

شعر هوسوك بالمرارة تستوطن جوفه وكافة شرايينه، انكمشت ملامحه وهو ينظر للكدمة الحمراء على وجه الأصغر سنا ويتألم صدره لما ألحقه به من أذى فتساقطت العبرات عن عينيه

"هيا هيا اضربني أخي لا تجعلني أصدق كونك جبانا، افعلها"

صرخ جونغكوك في وجه الأكبر وسرعان ما تلقى لكمة ثانية أقوى بكثير لكن غير كافية لطرحه أرضا

متيقن أن هذه أذت فكه بشدة فابتسم ممسكا بموضع الألم

"جيد، جيد أخي لكن غير كافية، هيا افعلها مجددا "

يشير بأنامله لشقيقه بالاقتراب والمعني استمرت المياه المالحة في مغادرة عيناه دون توقف بينما صدره يعلو ويهبط بسرعة هستيرية

"هوسوك توقف أرجوك، أرجوك" تنفجر سونا باكية فزوجها يدمر نفسه

تعلم أنه بعد هذا سيبكي في حضنها كالطفل، لقد انتحب وشهق لأنه أذى جونغكوك بكلامه السام فقط فكيف سيكون بعدما فعل به هذا

"جونغكوك" تهمس ذات أعين الربيع بصوت مرتجف فكل لكمة هوت على خافقها كالجمر وقلبها يعصر نفسه بقوة لمشهد الغرابي وهو يتلقى الأذى هكذا باستسلام من شقيقه

كم يهوى هذا الرجل جلد روحه باستمرار

كم هو عاشق للعذاب و القهر

تشهق مجددا حينما هوى المحقق على الأصغر بلكمة ثالثة وهذه المرة أردته أرضا بينما هو يشجعه بمنحه المزيد و ضربه أكثر حتى انقض عليه الأكبر و جلس فوقه يسدد لكمات متتالية لوجهه حتى انبثقت الدماء عن فمه وأنفه بينما هو فقط مستسلم أسفله لا يدافع ولا يقاوم بل يبتسم بأسنانه الدامية ويرخي عضلاته دون أي جهد يذكر

"أخي توقف ستقتله، أمي افعلي شيئا يا إلهي"

تتوسل سو مين بقهر ، ترى شقيقها يكاد يقتل الآخر، يزيد جرحها ألما واتساعا

"جونغكوك!" تركض ذات أعين الربيع والدموع تتسابق للانزلاق عن محجريها

"ابتعد عنه هوسوك، توقف قلت توقف" تلهث بشدة جاثية على الأرض بجانب جسد الحالك الذي يتلقى الضرب المبرح

حاولت دفع المحقق بقوتها الضئيلى وبفعلتها تلك شجعت سونا التي همت للمساعدة بدورها وقد لحقتهما هي سو بينما سو مين سقطت أرضا باكية بحرقة

تشبثت سونا بظهر الأكبر و انضمت والدته حتى نجحتا في سحبه بعيدا عن الأكبر وهو يلهث بقوة بين دموعه الحارقة وعيناه لا تفارق وجه شقيقه المدمر على الأرض

"جونغكوك!!" يجذب انتحاب إيما انتباه المعني ليشيح بعينيه عن أخيه المبتعد أخيرا و ينظر لخضرائها الدامعة وأهدابها المبللة رفقة عبوس ثغرها الحزين

سحبت منديلا قماشيا من جيب ثيابها تمده بأنامل ترتعش نحو وجهه وقد تساقطت دموعها بغزارة وهي تشاهد الدماء تهطل كالشلال عن أنفه و شفاهه

ضغطت بخفة فوق ثقب أنفه المتضرر وعدستها تلاحق آثار الأذى على محياه بقلب ينبض ألما

"هل تتألم كثيرا؟" تسأل بنبرة رقيقة ضعيفة وتستمر أصابعها الرقيقة في الارتعاش بقوة ليمسك الحالك بالمنديل و يشيح بنظره عن وجهها بعدا علم أنها كشفت انكسار عينيه و كادت تلمح الطبقة الشفافة التي تجمعت بجفونه

"إنه شقيقك، إنه جونغكوك كيف فعلت به ذلك؟"

بكت هي سو معاتبة ابنها البكر تزيد دواخله اعتصارا فلم يعد قادرا على النظر باتجاه ما خلفته فعلته

أدار ظهره مستعدا للفرار بعدما أمر زوجته بإحضار جوهان واللحاق به

"أنا آسفة، آسفة جدا"

تعتذر سونا للمطروح أرضا ولإيما كذلك فهي تلوم نفسها

تظن أن ما حدث بسببها فلو لم تحضر جوهان لهذا المنزل لما وقعت الكارثة

استقبل الغرابي اعتذارها بصمت وهدوء

هو فقط حمل ضخامة بنيته و سار بعيدا بينما خضراء إيما معلقة على ظهره

"إيما أنا..."

"اعذريني سونا لنتحدث فيما بعد حسنا؟"

لحقت الصغرى بطيف الحالك الذي يسير نحو الفناء الخلفي بخطى متسارعة

ولحسن الحظ وافته قبل صعوده لسيارته فاعترضت طريقه قبل فتحه الباب الأمامي

"إلى أين أنت ذاهب؟ " حدقت بوجهه المدمر بحزن

"ليس من شأنك"

" أنت تنزف دعني أعالجك أولا"

"لا يهم"

عضت شفاهها بقهر، تعلم أنك الحالك مدمر، لا تغييب عنها كسرة سوداويته إلا أنه يكابر

"أنت تتألم، أنا أرى ذلك "

"منذ متى أصبحت تهتمين لأمري؟ منذ متى جروحي تعنيك؟"

يخاطبها بحدة فابتلعت تشعر بثقبه الأسود يحفر عميقا بروحها فتراجعت للوراء حينما صعد سيارته السوداء و أغلق الباب بقسوة مشغلا المحرك وانطلق بسرعة كبيرة أصدرت صوت عال لاحتكاك العجلات بالأرض

تركها تتأمل الفراغ ببقعتها ولا تدري لما عقلها يفكر بشيء واحد فقط

لقد غادر بثياب خفيفة في هذا الطقس البارد !!

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

ǀ الثامنة مساء ǀ

حل الليل و تدثرت السماء بثوبها الأسود المخملي، إلا أنها كانت ليلة كئيبة

ليلة توارى فيها لمعان النجوم عن الأعين و اضمحل قرص القمر خلف أطنان السحب الداكنة

كانت ليلة ماطرة، انسكبت فيها المياه العذبة و ذرفتها الغيوم بغزارة تغسل الأزقة و الأركان

تنظف الآثام و تطهر الخبث عن ذوي القلوب المؤذية

تسقي بذور العشق بين الحدائق الخضراء تزيدها ازدهارا و توهجا

على أريكة الغرفة الواسعة تقبع ذات أعين الربيع محتضنة ذات الكتاب لصدرها ، أناملها متمسكة بحوافه السميكة بينما خضراؤها لم تقرأ حرفا واحدا طوال ساعات جلوسها فقد ظلت معلقة على زجاج النافذة

لاحقت قطرات المطر وهي تصنع خطوطا طويلة تشوه شفافية الزجاج و أحيانا تنكمش لضربات الرعد القوية و ترمش ببعض الخوف من وميض البرق المتتالي

زفرت بحنق

لماذا لا تتوقف عن التفكير بنفس الشخص؟

الغراب يأكل دماغها منذ مغادرته صباحا ولا تدري أي خبر عنه ولا تكف عن القلق بشأنه فقد تأخر الوقت ولم يعد

سألت روني إن كان يعلم بموقعه فنفى تماما ولا تدري متى ستتوقف الأفكار عن قرع رأسها كالمسامير

'وما شأني فليذهب إلى الجحيم'

تتنهد بعمق مجددا

مشهده وهو أسفل المحقق يتلقى الضرب دون أدنى مقاومة لا ينفك عن العبث بذاكرتها

كيف يكون بهذا القدر من القوة ؟ كيف كتم تفتت كيانه وهو يتحمل كره أكثر شخص يحبه في العالم

فكرت

ماذا لو كانت هي وتايهونغ في ذات الموقف؟ هل كانت لتتحمل ؟ هل كانت لتتمكن من أخذ أنفاسها حتى؟

"هل أتصل به؟"

خاطبت نفسها بحيرة، في النهاية قلبها اللعين لن يتوقف عن الانقباض ولن تتخلص من عذابها هذا حتى تفعل شيئا

تناولت هاتفها تخط اسمه بجهة الاتصال ثم وضعت السماعة على أذنها مترقبة بحماس

انتظرت لوقت طويل ويبدو أن الحالك لا ينوي الرد فقطعت الخط بخيبة ثم رمت الهاتف بعيدا بعدما استسلمت

ربما عليها الاستسلام فقط، لما تقلق بشأن رجل بالغ لقد اعتاد العودة متأخرا

لكن اليوم ليس كباقي الأيام، هو محطم ومدمر

'سحقا' تضرب الأريكة بانفعال ثم تعود للتفكير

أعادت الاتصال بروني تتبين أي خبر جديد لكنه أجاب بذات الجملة، لا يدري وقد عاد لبيته مسبقا فقررت عدم إزعاجه أكثر

'لم يبق لي حل آخر'

همست تبحث في جهة الاتصال عن رقم معين ثم ضغطت عليه وقد رسمت على ملامحها بعض الحدة

"لا يرد اللعين، حسنا"

بحثت مجددا عن رقم آخر وهذه المرة أتاها الرد أخيرا

"مرحبا إيما"

"أهلا سونا؟ هل المحقق قريب منك؟"

"أجل هو في المنزل"

"جيد أعطيه الهاتف"

"هل هناك خطب ما ؟"

"لا تقلقي فقط ناوليه الهاتف "

"اممم حسنا نحن متشاجران لذلك إن لم يكن أمرا هاما عزيزتي هلا أجلته لبعض الوقت؟ أنا آسفة حقا "

"رجاء سونا"

توسلتها فتنهدت الكبرى باستسلام تدوس على كبريائها وتمد بالسماعة لهوسوك الذي نظر للهاتف بتفاجؤ ثم فهم ما تشير إليه

"ماذا هناك إيما؟"

"جد لي موقع جونغكوك"

تنبس كلماتها ببعض الغضب المكبوت وقد شعر الآخر ببعض القلق ظنا أن مكروها أصاب الأصغر

"هل هو بخير؟ هل أصابه مكروه؟"

ابتسمت ذات أعين الربيع بسخرية،حقا؟ أي ضرر قد يصيبه أقسى مما فعله به

"أنت هو المكروه الوحيد الذي أصابه لذلك جد موقعه وابعثه برسالة لي، هاتفه مشغل تتبعه"

"آسف إيما هذا مخالف للقانون"

"أنت لا تنفذ سوى ما يحلو لك بالقانون، ألم يخبروك أن الاعتداء على شخص آخر بالضرب جريمة أيضا؟"

تنفست بعمق بعدما زاد انفعالها لتختم كلامها بحزم قبل أن تقفل الخط

"جد لي موقعه هوسوك، سأنتظرك"

كانت متيقنة أن الأكبر سينفذ طلبها لذلك ذهب لتغيير ثيابها استعدادا للذهاب والبحث عن الحالك

كانت فقط تتبع ما يملي عليها خافقها و لم تبدي اهتماما لأصوات عقلها اللعينة التي تلعنها في كل خطوة

كان قلقها أضخم من التردد

ارتدت تنورة شتوية دافئة تحمل خطوطات من تدريجات البني، ضيقة حول خصرها تلتف حوله بانسيابية بينما أسفلها ينسدل باتساع وينتهي أسفل ركبتيها بينما جذعها اكتسى بقميص قطني بالبني الفاتح ذو تفصيلة أنيقة يلائم رشاقة جسدها ويمنحها الطبعة الفرنسية الأنيقة التي تعشقها وبالتأكيد لم تتخلى عن قبعتها الدافئة بعدما صففت شعرها العسلي و نظمت غرتها بعناية

بعدما انتهت من الاعتناء بمظهرها سمعت هاتفها يهتز لتتفقده مبتسمة حينما وجدت المحق يبعث لها بموقع هاتف الغرابي على الخريطة فارتدت معطفها الصوفي الطويل و تناولت حقيبتها

توقفت في منتصف السلالم

الموقع يبدو بعيدا وخارج المدينة لن تقلها أي سيارة أجرة إلى هناك

"آسفة روني"

تهمس بينما تتصل به مجددا، أخبرته أنها بحاجة للذهاب لمكان ما وقد أتى مسرعا إليها فاعتذرت منه

"آسفة حقا، كل ما أحتاجه هو السيارة، هلا منحتني المفاتيح"

"لا عليك سيدتي سأقلك إلى حيث ترغبين"

"كلا" صرخت ترفع يديها

"لن أستغرق وقتا فقط ربع ساعة فلتعد لمنزلك رجاء"

"كلا سيدتي، السيد جيون لن يسمح بذلك"

"سأتحدث معه بنفسي لا تقلق"

"لا يمكن سيدتي أنا آسف"

تنهدت بإرهاق روني هذا حتما شيء ما

ينفذ كلمات الغراب باستماتة يا له من مخلص

"يا إلهي روني أنت حقا ألم في المؤخرة"

يوسع المعني عينيه ببراءة هل زوجة رئيسة تشتمه بلغة صريحة الآن

استغلت إيما صدمته لتنقض على المفاتيح المتدلية من يده ثم انتشلتها وركضت بسرعة بينما روني يلحقها صارخا

"وداعا روني وشكرا لك"

لوحت له من خلال النافذة بينما تدور بالسيارة حوله وتتجاوزه مغادرة بعدما تركته مبللا في بقعته كالعصفور الخائف أسفل المطر

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊
◊◊◊◊◊◊◊◊

"إنه هذا المكان"

أردفت بعدما أطفأت المحرك

الآن استوعبت لما الطريق كانت معرقلة وقد واجهت صعوبة كبيرة للقيادة أسفل المطر

اكتشفت أن الموقع يعود لذات منزل الجبل الذي قضت فيه تلك الليلة العاصفة رفقة الحالك

وبالفعل لمحت سيارته السوداء مصفوفة هناك بينما النافذة تشع بنورها لتتيقن أنه موجود هناك

استنشقت نفسا عميقا قبل أن تحمل حقيبتها وتنزل من السيارة ورغم المسافة القصيرة التي تفصلها عن الباب إلا أن البلل قد نال منها

وقفت أمام البوابة الخشبية تقرع بقبضتها بضع مرات ثم تمسك قبعتها تمنعها عن التحليق بينما أطرافها ترتجف فالبرد قاتل

أعادت الطرق مرات متتالية حينما لم يأتها الرد وبدأت تصدق أن الآخر غير متواجد فضمت كفيها نحو ثغرها تنفث الهواء الدافئ قبل أن تتجمد وآنذاك صدر بعض الضجيج خلف الباب ثم فتح تدريجيا لتكتم أنفاسها بقوة

استقبلتها هيأة الحالك الضخمة، بهالته السوداء الطاغية، خصلاته المجعدة مبعثرة فوق جبهته و ملامح وجهه المليئة بالكدمات نظرت نحوها بتفاجؤ

عيناه المحمرة تسلطت بحدة على جسدها الضئيل، يراقب شفاهها المرتعشة والتي تنفث دخانا أبيض دافئا اخترق برودة الجو ثم صعد بقاتمتيه نحو خضرائها البريئة و أهدابها التي ترمش نحوه

"ما الذي تفعلينه هنا؟"

كان صوته ثقيلا للغاية وأشبه بالخامل

تفقد السارة خلفه بشك ثم عاد بعينيه إليها ينتظر جوابا بعدما تيقن أنها قادت إلى هناك بمفردها

"أيمكنني الدخول أولا؟ أنا أتجمد"

رأى ارتجاف أطرافها فأفسح الطريق لتمر من أمامه تاركة عبق رائحتها يتسلل لهدوء قلبه ويشعل الحروب هناك مجددا

سارت نحو منتصف القطعة حتى تبلغ المدخنة إلا أنها تجمدت في بقعتها حينما لمحت العديد من القنينات الزجاجية الفارغة الملقاة بإهمال على الأرضية الخشبية فانفرج ثغرها بصدمة

"هل شربت كل هذا؟ لوحدك؟"

أٍردفت بصدمة وقد طالعت خطواته بقلق، بالنظر لشكله فهو يبدو مترنحا قليلا أيضا صوته لم يكن ثابتا وحازما كعادته لا بد أنه ثمل

لكن كيف ما زال محافظا على رزانته بعد شربه لهذه الكمية ؟ تتذكر أنها فقدت عقلها من ثلاث قنينات صغيرة الحجم فكيف هو واقف على قدميه حتى

"هل تلمحين شخصا آخر غيري؟"

"هل أنت ثمل؟" ترمقه بشك ليسير متجاوزا جسدها ويرمي بثقل ضخامته على الأريكة فتنهدت

نزعت معطفها وقبعتها تضعهما قريبا من المدفئة حتى يجفا ثم جثت أرضا هناك تقرب أناملها المثلجة ليلفحها بعض الدفء المنبعث من الأعشاب المحترقة

"لم تجيبيني بعد، ما الذي تفعلينه هنا أيتها الفرنسية؟ لما لحقت بي؟"

يطرق أيسر صدرها بسرعة لا تدري ما عليها قوله

أي رد لا يجعلها تبدو غريبة و غبية أمامه

التفت نحوه ثم غلف الامتعاض محياها حينما وجدته يرتشف من قنينة أخرى

تيقنت أنه ثمل بالفعل

"هذا يكفي"

انتشلت الزجاجة من يده

"أعيديها"

"لن أعيدها، توقف عن تدمير نفسك هكذا"

"ليس من شأنك"

"هذا كل ما تجيد قوله"

"لست بحاجة لشفقتك" زمجر في وجهها بحدة

"هذه ليست شفقة"

"ماذا إذن؟" استقام يعترض نحولة جسدها ببنيته الضخمة وثقبه الأسود يبتلع ثبات روحها و يصيب أوصالها بالارتعاش

'ليتني أعلم' يتحدث صوتها الداخلي بينما ثغرها لم يمنحه سوى الصمت

فقط حدقتيها ذات لون الربيع تلاحق تعابير وجهه بكثافة، كان هناك سرب من الأحرف العالقة بين رموشها إلا أنه فشل في استقطاب كلمة واحدة تشفي غليله

أضحت تتبع مسار الكدمات بين صفاء بشرته فتقوست سفليتها حزينة لما خلفته يد المحقق

كيف لم يرف له جفن وهو يطبع علامات الحقد دون رحمة

"اجلس" همست بخفة ثم انصرفت لوهلة قبل أن تعود حاملة حقيبتها الكبيرة فوجدته ما زال واقفا في ذات المكان

"اجلس، لن أعضك"

حدق بها بضع ثواني إضافية قبل أن ينفذ فقلبت حدقتيها فالحالك سيجعلها تعاني لا محالة

"ما هذا؟"

"أيمكنك الصمت لدقيقة فقط؟ هل تصبح ثرثارا حين تثمل؟"

جثت على ركبتيها مقابلا له ثم تناولت قطعة قطن بعدما بللتها بمحلول ما خمن الغرابي أنه مطهر للجروح

مررت أناملها النحيلة برقة على آثار الجرح أسفل شفتيه و بمدخل أنفه ولم يعي على صدره الذي تبعثرت أنفاسه بعدما مالت بمحياها الفاتن نحوه

كانت قريبة بما فيه الكفاية حتى يلمح النمش المتناثر على خديها و يستنشق رائحتها المميزة

كانت تزم ثغرها و تنكمش تعابيرها كلما لمست إحدى جروحه أو كدماته

"كيف استطاع فعل ذلك؟ كيف فرط بك؟" عبرت عن ألم قلبها لما تراه من ضرر

استلمت مرهما تضع القليل على حافة أصبعها ثم برفق بالغ مسحت على كدمات وجهه المحمرة حتى لا تترك أثر ويخف التورم عنها

أغمض الحالك عينيه يستشعر لمساتها الخفيفة الدافئة على بشرته و قد انبعث إحساس غريب بفؤاده حينما رفعت الخصلات المتساقطة على جبينه حتى توزع المرهم هناك أيضا

"كان يحمل الكثير في قلبه، وقد باح بالقليل" يجيب بصوته العميق الخامل وتنظر سوداؤه الذابلة نحوها بانكسار عظيم

لا تعلم لما اجتاحها غضب هستيري ورغبة في تحطيم وجه هوسوك آنذاك

" ماذا عنك؟ ماذا عن قلبك أنت؟ وروحك؟ ماذا عما ارتكبوه في حقك؟ لما تواصل الصمت أمام لعناتهم، أنت لست اسفنجة، كف عن امتصاص خطاياهم و ذنوبهم"

"أمثالي أيتها الفرنسية لا يملكون هذا الحق"

تجتمع الدموع بمقلتيها فحتى وهو تحت تأثير الشراب يستمر في قمع مشاعره

كأنه مروض بقسوة على جلد روحه بسوط من لهيب

" بل تملك ألست إنسانا أيضا؟ اكرههم قليلا يستحقون ذلك"

استقامت عن وضعيتها في الأرض لتحتل جانبه على الأريكة ثم أكملت مستسلمة للغصة بحنجرتها

" يستحقون لأنهم لم يفهموا، يستحقون لأنهم ألقوا بك في الجحيم و لفوا ظهورهم عنك، لما لم تضربه أيضا ذلك المحقق الغبي، ماذا يظنك كيس ملاكمة ليفرغ غضبه؟ "

أرخى الحالك رأسه للوراء مواجها سقف المنزل وقد انسدلت جفونه وكل ما تستقبله حواسه هو صوت إيما الناعم وهي توبخ عائلته أو بالأحرى شقيقه

"أخي ليس سيئا"

"توقف عن الدفاع عنه" تحتج دون تصديق تنظر لجانب وجهه وفكه الحاد بينما محياه المسالم لا يبارح السقف

" اللعنة لقد شوه وجهك وانهال عليك بالضرب كأنك عدوه اللذوذ، هو من تركك تغرق في الوحل وحيدا، أدار ظهره بقسوة بينما كنت صغيرا، كنت صغيرا أكثر منه وكنت بحاجة للحماية أكثر منه لكنه دفعك دون رحمة أتخالني لا أدري ما حدث في الماضي؟ هذا يصيبني بالجنون"

انتفضت من مكانها واقفة بانفعال وليتها تجد مبررا واحدا معقولا لانفجارها هكذا كأنها من تعرضت للضرب المبرح

مسدت صدغيها تشعر بالوهن ففضلت ترك الحالك بمفرده قليلا فحتى وهو هادئ هكذا تعي أن داخله متفحم

استوقفتها اليد الباردة التي التفت حول معصمها تمنعها عن الابتعاد فنظرت لقبضة الحالك التي تضغط عظام يدها بشدة وقد برزت العروق حولها

تضاعفت طرقات صدرها وانحبست أنفاسها لوهلة حينما جذبها قريبا، حتى باتت تتوسط ساقيه المفرقة وقد وقفت هناك تنظر بضياع

وكل الحيرة والأسئلة التي داهمت عقلها اضمحلت وحل محلها صخب عظيم فقد سحب الغرابي سلامها و ثباتها و فكرها و أنفاسها حينما تقوس جذعه للأمام و حط برأسه على معدتها ثم التفت ذراعه حول خصرها معانقا جسدها بقوة

دفن وجهه عميقا بثيابها وقد استشعرت أنفاسه الحارة هناك وهي متسمرة بين يديه عقلها لا يهضم أفعاله الغريبة ظنته عناقا عاديا، ظنته بحاجة لبعض الأحضان الدافئة ولم تتوقع رؤية أكتافه تهتز بهستيرية

مهلا هل يبكي؟

استشعرت دموعه الساخنة تبلل القماش فوق معدتها حيث يحشر وجهه كأن لا حياة له بعيدا و لم تغب عن مسامعها بعض الشهقات والأنات الصغيرة المنفلتة عن ثغره فانقبض خافقها وأضحى ما بأوصالها يصرخ حزنا وعطفا

لقد كان يكتم كل ألمه داخل صدره وهي من ظنته قويا للغاية بسبب هدوئه

كان عليها أن تعلم

هو قصد ما قاله حرفيا حينما طلب من المحقق أن يدمره

حبه لشقيقه ما دمره بقوة هذا اليوم

فكيف لا تنشرخ روحه و يموت قلبه

وضعت يدها أعلى كتفه تربت يلطف

"هون عليك" وبخت نفسها لما صدر عنها فارتباكها يجعلها تفسد الأمر لكن يبدو الحالك غير مبال فقد أفلت معصمها و طوق خصرها بذراعه الثانية أيضا يتشبث بجذعها بقوة مستمرا في النواح كطفل صغير فذاب قلبها كالشمعة لما تراه من بؤس و كآبة

ربما أخطأت حينما أعادت صفحات الماضي، جعلته يعيش شعور التخلي من جديد ولعله أحس بكونه دون قيمة مجددا، ربما ذكرته بكيف رماه الجميع خلفه أو ربما ضاق ذرعا من عدم رؤيتهم لما بداخله

أنامله اعتصرت ثيابها بقوة حتى ابيضت أطرافها ولم تدري كيف تهدئ من روعه فلفت ذراعيها حول كتفيه وقد هاجرت إحدى يديها لخلف رأسه تداعب خصلاته الفحمية بعطف بينما الثانية تمسح على ظهره بحنان

"هشش، سيمضي، سيمضي جونغكوك"

لم يفلتها الأكبر إلا بعد دقائق وظل يحبسها في ذات الوضعية لكنها لم تتذمر أو تبعده بل منحته ما يحتاجه من دفئ حتى بعد اختفاء أصوات شهقاته الخافتة

إيما لم تفكر بشيء حينها

أرادت جعله يتحسن، لم يكن مشهده محطما بالسار لفؤادها بل فضلت نظراته الحادة و شموخ رأسه

لم يكن انكساره بالمحبب لمشاعرها

نظرت للأسفل حيث رأسه المختبئ بين ذراعيها ثم لفحها النسيم البارد حينما أبعد وجهه ثم لم يرفع رأسه للأعلى أبدا بل فك قيده عن وسطها و منحها الحرية ليمتد على الأريكة مستديرا حيث يخفي أثر حطامه عن عدستيها

حتى وهو مخمور يتصرف بانعزال ولا يرضى انفضاح جانبه الضعيف فتنهدت بأسى لحاله وفضلت منحه بعض الخصوصية لا بد أن الوضع محرج بالنسبة لرجل كتوم مثله

نظرت حول المنزل ثم نال المطبخ اهتمامها

كانت جائعة و ربما الغرابي لم يتناول شيئا أيضا فكل ما تراه هو زجاجات الخمر الفارغة ولا أثر لطعام حقيقي

ظلت تبحث بين الرفوف وداخل الثلاجة عن ما يصلح للطبخ ولم تجد سوى بعض النودلز سريعة التحضير و بعض المعلبات الأخرى فاستسلمت للأمر الواقع ووضعت المياه على الموقد

أثناء ذلك هي تأملت المدخنة حيث يقبع الآخر منسدحا على الأريكة وقد سافرت ذكرياتها لليوم العاصف حين ظلا حبيسين هنا بسبب العاصفة

تذكرت كيف تفاجأت بالجانب المراعي لفحمي الشعر،حين أدرك ألمها و أحضر لها ما يعالجها و قد ابتسمت حينما استردت مظهر بندق اللطيف الذي كان يسير خلفه بقوائمه الصغيرة و ينام على صدره براحة

بعد دقائق كانت تنكز كتف الغرابي مرددة:

"أترغب ببعض الطعام؟"

"الحقني للمطبخ إن غيرت رأيك"

تهمس بخفوت ثم عادت حيث وضعت الصحون على المنضدة وباشرت بتناول النودلز الساخنة

وجدت الحالك يقترب هو الآخر بعض برهة فخمنت أن الرائحة الشهية قد أيقظت عصافير بطنه فمن القادر على مقاومة النودلز

أضحت آثار الثمالة أكثر وضوحا على تحركاته فقد كان يخطو بميلان غريب وأصابعه تضغط بين خصلاته الفحمية بقوة وتعيدها للخلف حتى لا تعيق بصره

"تفضل"

تقرب الصحن منه بعدما وضعت الأكل لأجله وقد باشر في تناوله دون أية كلمة

بدا جائعا للغاية و متسرعا أثناء مضغه بينما خضراؤها تتابع حدة معالمه و رسمة فكه التي تبرز أكثر أثناء طحنه الطعام بين أسنانه

"أنت تحدقين كثيرا أيتها الفرنسية"

اتسعت حدقيتها من صوته النعس الذي قاطع شرودها فابتلعت بخجل محرجة من كشفها

"من أين تأتي بهذه الخزعبلات؟"

تنهض من مكانها بعجالة ، أناملها المرتجفة تحمل الصحن وتلقي به في المغسلة

تشعر بعينيه تثقب جسدها عن بعد مما يجعلها تبتلع ريقها بارتباك

"تصبح على خير" ودعته دون لقاء عينيه بينما أقدامها تخطو بعجالة ناحية السرير الأرضي

كل ما تمنته في تلك اللحظة هو بلوغه في أقصى سرعة وإخفاء جسدها كاملة تحت الملاءة حتى يغادرها الشعور بذلك الثقب الأسود وهو يخترق روحها

غير أن الغرابي الثمل كان يملك رأيا آخر مختلفا تماما فعلى بعد إنشات قليلة من تحقيقها أمنيتها البسيطة يده الكبيرة بلغت ذراعها النحيلة تلتف حولها كثعبان عاصر قم تسحبها للخلف فاصطدمت بصدره وخضراؤها توجهت نحوه استفسارات حائرة

"إلى أين؟"

"إلى النوم؟" كان جوابها أقرب إلى سؤال وهي ترمش في وجهه مستغربة تصرفه العجيب على غير عادته

"ليس دون الرد على سؤالي"

"أي سؤال؟"

"مالذي تفعلينه هنا؟ لما أتيت ولحقت بي لهذا المكان؟"

هذا الغرابي لا ينسى شيئا صحيح؟ مهما راوغته وحاولت الفرار يحاصرها بقاتمته التي غلفها الخدر الشديد

"الأحرى أن تسألني كيف وجدتك وليس السبب لمجيئي"

" لا يهمني كيف عثرت علي"

يرد بهدوء، الخدر استوطن ملامحه و عيناه الحادة ترفرف بثقل كصدره الذي يعلو ويهبط ببطء فتداعب أنفاسه الدافئة محياها بعد أن دنا مقتربا أكثر

" لما أنت هنا أيتها الفرنسية ؟ "

"أنت ثمل" تموضعت كفاها الرقيقة على صدره تدفعه بلطف علها تهرب من تحديقاته العميقة

شعرت به مجددا، ذلك الانعقاد الغريب بمعدتها والفقاعات المنفجرة بقفصها الصدري ثم انطلق سرب من الفراشات الطائرة حول خافقها تزامنا مع ذراعه التي أحاطت خصرها وأنامله التي ضغطت هناك تجعلها تعيد النظر في محاولة الابتعاد مجددا

"جونغكوك" تلفط حروف اسمه بنبرة ضعيفة وصوت مرتجف كأن جبالا شاهقة حطت على صدرها تعيق انبثاق الهواء داخله

"أنت غريبة جدا"

يهمس بثقل صوته ثم يزلزل كيانها أكثر

"ادفعيني "

نظرت نحوه بضعف فالخدر غلف أطرافها هي الأخرى، يديها هناك فوق صدره بإمكانها التقاط نبضاته المنتظمة هناك إلا أنها تأبى دفعه بعيدا

ارتسمت ابتسامة ساخرة على ثغره ليهمس مخترقا المزيد من المساحة قرب ملمحها الضائع

"أتدرين كيف نبدو الآن؟"

"كالحسناء والوحش تماما"

ابتلعت ريقها منصتة لهذيانه ولم تدري ما عليها قوله، لسانها عجز عن التدخل كأن شللا ما قد أصاب عضلاتها كافة

"لكنك إيما"

"أنت إيما ولست بيل"

باتت حائرة فيما ينطق به، سوداؤه تحفر عميقا وسط مقلتيها

"أما الوحش، الوحش ليس له اسم، تلك هويته، مثلي"

"أنت لست وحشا جونغكوك أنا كنت مخطئة"

" لعنتي ليست كلعنة الوحش، لعنتي تدعى الغراب، شيء بشع لن تتحمله هذه الخضراء الصافية"

"لما تقول عن نفسك هذا؟"

"لأنك قابلت جونغكوك وليس الغراب"

"هراء، انظر إلي جيدا جونغكوك، أنا لست هوسوك حتى تنطلي علي خدعتك هذه، ولست سومين ولست والدتك أو هوانغ، لازلت أكرهك بشدة لما سببته لي من أذى، إلا أنني أرى، أرى وأفهم ما حولي، بنظرتي الخاصة بقلبي ومشاعري، أنت مهما ادعيت لن تشوش صفاء عيني"

فسرت لعقله اليائس أن جانبه الأسود السيئ ليس هويته كما يظن، يحاول إقناعها أن كل ما به قاحل و فاسد ولا تعلم ما الذي يجنيه حين يحاول إنكار إنسانيته و تلك البقعة الهشة بداخله

"لقد تغيرت كثيرا أيتها الفرنسية"

يهمس أمامها بخمول بينما عدسته تتبع فمها المتورد كصقر جائع كل حرف تفوهت به حبات الكرز تسلب عقله نحو الهاوية

"لم أتغير، أنا فقط أرى الأمور بوضوح أكثر لكنني لا أسامحك"

"لا تسامحيني"

"إياك مسامحتي، اكرهيني إلى الأبد"

"لماذا؟" تسأل مرتعشة بعدما أحست بأنامله تزيد الضغط فوق خصرها وتسحبها أكثر حتى التصقت بجسده وشعرت بدفئهما يمتزج ونبضاتهما الصاخبة تتناغم في سمفونية مخملية

زفرت بارتجاف وكاد يغشى عليها حينما شعرت بكفه الحرة الباردة تتمرد على رقبتها وتلتف حولها كأنه راغب بخنق أوصالها إلى أنها لم تشعر سوى بضغط خفيف و بعض من أنامله السميكة تثبت ذقنها

كان رجوليا للغاية ومسيطرا على كافة أجزائها حتى باتت كالريشة تحت قبضته تشعر بتفاصيل جسده قريبا جدا و أنفاسه الحارة باتت تلفح ثغرها ولولا تشبثه بجذعها لكانت منصهرة على الأرض فاقدة للوعي

"أصابني شيء ما أيتها الفرنسية"

تحدث بنبرة عميقة بينما تعلق بريق سوداويتيه على ثغرها يغرق معدتها بذلك الشعور العميق الذي انفجر بقوة

تراصت غيوم قانية على خديها تغطي حسن محياها بطبقة مائلة للاحمرار، لا تدري أهي نتيجة ارتفاع الحرارة بجسدها أم إثر أنفاسه الحارة و مقلتيه التي تتبع فتنة الكرز أمامه

"ماذا؟" ضعيفة، ضعيفة للغاية

صدرها يعلو ويهبط بسرعة وشفاهها تفرقت مجاهدة لسب بعض الأكسجين قبل الاختناق من هول أحاسيسها

"أصابني إدمان"

ينطق بخدر وشفاهه على بعد إنشين من خاصتيها فأغمضت عينيها بقوة حينما ضغطت أنامله على رقبتها بخفة ثم يجذبها نحوه أكثر حتى انعدمت المسافات بين ثغريهما فاستسلمت بكل جوارحها منتظرة حدوث ذلك التلامس السحري

طالع تفاصيل محياها الفاتن وحسن ملمحها الملائكي بثقبه الحالم

كانت مستسلمة تماما بين ذراعيه، خضراءها متوارية بخجل عنه، وتلك الكرزية التي تفقده صوابه متاحة له تماما كفاكهة طازجة لكنها ورغم هذا القرب العظيم ورغم استشعاره لأنفاسها المهتزة تغادر إدمانه كانت فاكهة محرمة

ظل يتأمل كل شبر على وجهها لثواني معدودة قبل أن تتراجع شفاهه للخلف دون أن يلمس ذاك النسيج الشهي، بعيدا عن إثمه اللذيذ، ثم وعلى حين غفلة أزاح كفه عن نعومة عنقها وغادرها دفئ جسده حولها كما الذراع التي كانت تسند ثباتها

لم تدري ذات أعين الربيع ما أصابها

رفرفت أهدابها بخدر كأنها للتو استيقظت من غيبوبة حلق فيها عقلها عميقا

سمعت باب الحمام يقفل فالتفت لتلك الجهة تنظر بضياع

لم تفهم ما حدث

عانقت يديها لصدرها تهدئ نبضاتها الصاخبة وتواسي روحها المبعثرة

كان قربه خطيرا للغاية وقد شتت أوصالها جميعا ثم تراجع في آخر لحظة تاركا البرد يلفح عظامها و الأفكار تنخر دماغها بقوة

سارت بساقيها الهلامية نحو السرير ثم دفنت نفسها بين الفراش تحجب رأسها كاملا ولم يضمحل الصخب بداخلها ولو لثانية

لم تذكر أن النوم زارها سوى بعد ساعات طويلة استرقت أثناءها النظر للحالك الذي اتخذ الأريكة مقبعا له ويبدو أن ثمل بما فيه الكفاية حتى يسقط في نوم عميق

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

ǀ التاسعة صباحا ǀ

كان صباحا مشرقا

تكتسي السماء بالأزرق الصافي محيطة قرص الشمس الذهبي ، تغزل خيوطها الذهبية و تنثر دفئها بين صقيع أواخر يناير

اخترقت الأشعة المنيرة زجاج النافذة العريض ليعبر حيث الجسد المتكور على الفراش براحة

تدغدغ الأضواء الصباحية أهدابها فتتراقص برقة قبل أن تنقشع عدستها المتلألئة و تنفرد أطرافها مستقبلة نشاط يوم جديد

جلست وسط السرير الأرضي الضخم ثم تفقدت ما حولها باحثة عن شخص معين بينما ترتب خصلاتها العسلية المبعثرة

"أين ذهب؟"

بحثت عنه في الأرجاء ولم يكن موجودا في أي مكان ولا حتى في الخارج كما أن سيارته اختفت

"هل تركني ورحل؟"

احتلت غصة حنجرتها و غمرتها الكآبة لأنه تخلى عنها في مكان منعزل وموحش فعادت للداخل بسرعة

أرادت استعمال الحمام والمغادرة فانفرادها هنا يزرع الخوف بقلبها ولا يشعرها بالأمان

"يا له من قاسي" تمتمت بعبوس فور خروجها من الحمام ثم اتجهت نحو معطفها وقبعتها

هناك لمحت ورقة صغيرة على الطاولة الزجاجية الصغيرة وبجانبها مسدسه الأسود يجعلها تتنهد بعمق

'سأعود قريبا' قرأت الكلمتين على القطعة الورقية قبل أن تبتسم براحة

بعد تصرفاته الغريبة وهو مخمور ظنته هرب كالجبان حتى يتفادى مواجهتها وعلى ما يبدو فقد ظلمته بحكمها المسبق

أعادت الورقة بجانب السلاح الذي لم تلمسه أبدا ثم أخذت تفكر فيما تفعله ريثما يعود الآخر وبالنظر لحالة المنزل الفوضوية وجدت بعض التنظيف أنسب مؤنس لها

رتبت أرجاء المكان بعناية بينما تدندن ببعض الألحان العالقة برأسها حتى بلغت السرير الذي كان مرتبا بالفعل إلا أن هناك ما أثار انتباهها

كان هناك شيء ما يطل من الأسفل، كأنه كيس بلاستيكي أو ما شابه

"ما هذا؟"

أمسكت بطرفه تسحبه للخارج ثم تفقدت ما بداخله تخرج قطعا قماشية كثيرة خمنت أنها ثياب

و لم تكن مجرد ملابس عادية

أفلتت ما بين يديها بذعر شديد حينما رأت البقع الحمراء الداكنة تغرق كل قطعة تلمسها ثم تراجعت للخلف حتى تعثرت بالعدم وسقطت بقسوة على الأرض الخشبية

"يا للهول! يا للهول!"

ظلت تردد بنبرة مذعورة وعدستها المتسعة تقطر بخوف لما رأته عيناها حتى تعالت شهقاتها المختنقة و انتفض جسدها الضئيل على الأرض بلا قوة فاحتضنت نفسها بذراعيها تقاوم ارتجاف دواخلها

عاد الحالك أخيرا ودخل المنزل محملا بأكياس الطعام بعدما غادر صباحا لجلب الإفطار قبل الرحيل للمدينة مجددا

تسمر جسده عند البوابة فورما التقط شهقات الصغرى وبكاءها الهستيري فألقى ما بيده بإهمال وعقله يصور أكثر السيناريوهات بشاعة

" إيما !!"

صرخ أثناء اندفاعه بجنون للداخل فوجدها متكورة على الأرض معانقة جسدها تنتحب بذعر

اشتعلت البراكين بداخله يخال أن مكروها أصابها فجثي قربها ينادي اسمه بقلق

" ما بك؟ ما الذي حدث؟ أجيبي واللعنة"

"لا تلمسني، ابتعد عني ابتعد" زحفت للخلف برعب أكبر

لم يفهم الغرابي شيئا ولا تساعده لتوقع الخير فكل ما باغت عقله حينها أن هناك من حاول أذيتها مجددا بينما هو غائب

"هل مات؟ هل قتلته؟"

"عما تتحدثين بحق الجحيم؟" صرخ في وجهها بانفعال بعدما قادته للجنون

اتبع سبابتها التي تشير للثياب الملقاة على الأرض لتهدأ أنفاسه و يتنهد براحة عندما فهم أخيرا

كان عليه التخلص منها في وقت سابق لكنه نسي أمرها تماما

"اهدئي"

"أجبني هل قتلته؟"

"لم أقتل أحدا"

"هل هي دماؤك إذن"

"لا"

"كف عن التلاعب بي" تعلو شهقاتها أكثر وتشعر أنها على وشك التعرض لنوبة اختناق لتضع يدها على صدرها محاولة سحب الهواء بانتظام

يرى الحالك تبعثر أنفاسها و السعال الصادر عن ثغرها فاستوعب سوء حالتها ثم هرع باحثا عن حقيبتها حيث تضع البخاخ الصغير خاصتها

"خذي، تنفسي، تنفسي" قرب الجهاز الصغير من ثغرها فاحتضنت يده بكفيها تسحب الهواء لرئتيها بشهيق عميق سامحة لذرات الدواء بالتوغل داخل تشعبات قصبتها الهوائية

لم ترى القلق داخل قاتمتيه وهو يشاهدها تصارع أنفاسها بحدة حتى تحسن وضعها وهدأ انتفاض جسدها فظلت تلهث لبعض الوقت قبل أن تستعيد راحتها الكاملة وترخي عضلاتها بوهن

"لمن تلك الدماء؟"

"شخص استحق العقاب"

"أنت لم تسلب روحه أليس كذلك؟"

"كلا، للأسف"

"للأسف؟" رمقته بصدمة وغضب

"أجل لو لم تقفي بطريقي حينها لمزقت أطرافه إربا إربا وتركتها تتعفن حتى تأكلها الديدان"

"ما هذا الهراء؟"

"ألم تتوسلي حتى أسلمه لك؟ ألم تطالبي به حتى تسلميه للعدالة؟"

اتسعت حدقتيها حينما استوعبت أنها دماء ذات الرجل الذي اختطفها وحاول الاعتداء عليها

فعندما داهمت المنزل رفقة المحقق حينها كان الغرابي مستعجلا وألقى بملابسه الملطخة أسفل السرير

"تخلص منها رجاء"

استقامت تسحب جسدها المنهك لتسمعه يقول بسخرية:

" ماذا لو رأيت ما فعلته به "

"مهما كان فقد استحقه"

" أين اختفى الملاك الطيب أيتها الفرنسية؟ "

تعلم أنه يسخر بطريقته الخاصة، لكن على الرغم من كرهها الشديد لذلك القذر و تمنيها بأشد أنواع العقاب له ما زال أثر دمائه الغزيرة على ملابس الحالك تشعرها بالدوار والغيثان وتغمرها بإحساس مهول فسرعان ما انكمشت تعابيرها بتقزز

"سأستفرغ" صرحت ثم هرولت نحو الحمام وكفها موضوعة على ثغرها

'أخبرتك أيتها الفرنسية، تلك الخضراء الصافية لن تتحمل'

تخلص الغرابي من آثار جريمته الصغيرة كما يظن فمهما فعل بذلك اللعين لم يكتفي ولم يرتوي فحتى بعدما أحرق أصابعه فقط لأنها لمست ذات أعين الربيع، أراد اقتلاع عينيه و عضوه الذكري وكل جزء فاسق من جسده لكن الدموع المنهمرة من تلك اللآلئ اللامعة جعلته يخفض أسلحته بغتة ويستسلم في منتصف الطريق

غادرت الحمام بوجه يستوطنه الإرهاق وقد كانت يدها متشبثة بمعدتها التي عانت لاستخراج هول ما رأته

وجدت الأكبر عند الطاولة الصغيرة قرب المدفئة يرتب ما جلبه بالأكياس البلاستيكية وقد حدق بها بسودائه العميقة ثم أردف بهدوء:

" تناولي سنغادر بعد قليل"

أومأت بخفة ثم انضمت لمكانه مستريحة على الأريكة وقد أخرج الحالك كوب عصير لأجلها وآخر يحتوي قهوته الساخنة

مدت يدها لأخذ الكأس ودون وعي منها ارتطمت عن طريق الخطأ بالقهوة خاصته فسقط الكوب و انسكبت معظم القهوة الحارقة على يد الحالك التي لا زالت تخرج الطعام و تضعه على الطاولة

شهقت بفزع وانتفض جسدها ناظرا بقلق للذي سحب يده بهدوء دون رد فعل يذكر إلا أنها لمحت الاحمرار الشديد على جلده

"يا إلهي هل أنت بخير؟ أنا آسفة، أنا حقا آسفة لم أقصد"

"لا بأس"

التقط بعض المناديل الورقية يمسح المنطقة التي تحرقه بشدة

"لقد تأذيت" أردفت ممسكة بيده المتضررة

"انظر إنها محمرة بشدة، تبدو مؤلمة"

كان الحالك يتأمل حسن وجهها عن قرب وهي تطالع الحرق على يده بحزن وقلق، عدسته الداكنة تتبع طول أهدابها و خصلاتها الناعمة التي تتراقص بانسيابية مع كل إيماءة ينفذها رأسها

سحب يده يفقد الشعر بدفء أناملها حوله ثم يقول بصوته الخشن

" ستشفى سريعا"

لم تقتنع بكلماته ولم تنتظر احتجاجه تعلم أنه مهمل حينما يتعلق الأمر بنفسه فقد ترك وجهه مهشما ليوم كامل دون اهتمام

ذهب للمطبخ وعادة سريعا تحمل قماشا كانت ملأته بمكعبات ثلجية ثم دون إذن منه سحبت يده المحمرة وأخذت تربت فوقها مرات عديدة

"اشتري مرهما للحروق في طريق عودتنا"

الأكبر ظل شاردا في تفاصيلها البريئة و الكف الدافئة التي تعانق خاصته تبعث مشاعر كثيرة لفؤاده

كانت تعامل يديه برقة وأحيانا تنفخ فوق بشرته بشفاهها الكرزية تنفث أنفاسها الدافئة حول الضرر الذي سببته

"كيف حال جوهان؟" باغتها بسؤاله المفاجئ كاسرا الصمت بينهما

"لا أعلم" هزت كتفيها بينما تصب تركيزها كاملة على ما تفعله بيد الآخر

"أولست صديقة لزوجة المحقق؟" استطعمت بعض السخرية بين كلماته

كيف تخبره أنها نسيت أمر جوهان والجميع وكل ما نخر عقلها طول اليوم هو التفكير بحاله وموقعه وما خلفه شقيقه من انهيار بروحه

"انتهيت" تركت يده متراجعة للخلف ثم أكملت :

"إن كنت قلقا للغاية بشأن ابن أخيك فبإمكاني الاتصال بسونا و الاطمئنان عليه، هل أفعل؟"

ظل صامتا لبرهة يتناول ما جلبه من أكل

"اعترف أنك قلق عليه"

"لا يهم"

"واو لما لست متفاجئة يا ترى؟" سخرت لتمسك كوب العصير بدورها وترتشف منه القليل

"ليس و كأنك ستدفع ضريبة إن أجبت بجملة كاملة، يجعلني هذا أبدو ثرثارة"

« Le corbeau en toi a besoin de se libérer »

تشكلت عقدة حول حواجبه حينما نطقت بلغة غريبة عنه

"ما الذي يعنيه ذلك"

"هذا تماما ما أشعر به حينما تجيبني بنصف كلمة" ارتسمت ابتسامة رقيقة على ثغرها فارتشفت العصير تصنع ملامح لعوبة حينما أتاها صوته الهادئ وقد كان يحمل نبرة غريبة، لم تعتد على سماعها من ثغره

"هل تلقين النكات أيتها الفرنسية؟"

رفعت حاجبيها نحوه وقد اتسعت ابتسامتها حتى انقشع صف اللؤلؤ المصطف بإتقان وهناك ضاع فحمي الشعر تماما في رقة ملمحها و تورد الشفاه المبتسمة كوردة مزهرة

لاحظت مقلتيه المتعلقة بثغرها، كان غارقا تماما هناك يجعلها تسترجع الحرارة الغريبة لكلماته وهو يعتصرها داخل جسده

'أصابني شيء أيتها الفرنسية، أصابني إدمان'

استعادت خدر عينيه ، دفء أنفاسه، وسكون بنيانها بين ذراعيه لتتبدد ابتسامتها و تتصاعد الغيوم الوردية حول خديها فهربت عن حرب حالكتيه وأخذت تتجرع العصير بلهفة

"لنرحل" يقول فورما أكملت طعامها فهمهمت بخفوت لاحقة به

"ما عن السيارة التي أتيت بها؟"

" سيتكلف بها روني" يجيب بملامح متجهمة فاندفعت قائلة

" أرجوك لا توبخه، لقد سرقت المفاتيح دون أن يدري"

"لا تكرريها" حذرها بحدة، يصنع ملامح جادة فالخطر يداهمهم من كل جانب ولم يكن عليها التهور أو الاستخفاف بالأمر

"حسنا"

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

ǀالخامس والعشرون من يناير - الحادية عشر صباحا ǀ

صوت كمان مجروح يصدح بين جدران القطعة الجميلة

يحتض الشاب العشريني الآلة أسفل ذقنه كوسادته المريحة بينما أنامله الرشيقة تحرك العصا الرقيقة على الأوتار بدقة تسمح لألحان المشاعر بالتحليق و ملأ المكان بالنغمات البديعة

ترتفع جفون الفتى الوسم و ينفصل عن نشوة روحه عندما صدرت نغمة الجرس معلنة قدوم زبون جديد فوضع آلته الثمينة جانبا ورسم ابتسامة صغيرة

"مرحبا بكم"

انحنى باحترام لمجموعة الشباب الذين غمروا المكان بالصخب، كانوا يضحكون ويتدافعون بصوت عالي وقد استنتج أنهم طلبة كونهم منذ دخولهم يشتمون أستاذا ما و يلقبونه بأقذر الأسماء

اقتربت منه فتاة منهم وقد نظر لها بحيرة يحاول استرجاع الوجه المألوف للشابة ذات الهيأة الفريدة، الحلق حول شفاهها الغامقة وأنفها وألوان شعرها العجيبة

"إنه أنت، شقيق الفرنسية"

تخاطبه دون رسميات تزيد حيرته قبل أن تتوسع حدقه متذكرا تلك الفتاة "بورا"

"أوه كيف حالك آنستي"

"آنستي؟" ضحكت بعلو تتصرف بغرابة كأنها مخمورة

"بما أخدمكم؟" يتابع مخاطبتها باحترام بالغ بينما طرف عينيه يلاحق رفاقها الذي اختاروا إحدى الطاولات، كانوا أربعة شبان وفتاتين باحتساب بورا و جميعهم ذوي مظهر غريب وملابس بقصات عجيبة

"ماذا تريدون يا رفاق؟"

صاروا يصرخون بطلباتهم التي دونها تايهيونغ ثم سار يحضر القهوة لأجلهم

ظلوا يضحكون بصوت عال و يتلفظون بكلمات نابية وقد اتضح الانزعاج على بعض الزوار الآخرين فطلب منهم تايهيونغ إخفاض أصواتهم بأدب لمرات عديدة لكنهم تجاهلوه في كل مرة

"هي أنت، أحضر لنا بعض البيرة"

"عذرا سيدي هذه مقشدة خاصة بالحلويات والعصائر فقط لا نقدم مشروبات أخرى"

"غبي" يصرخ أحد الفتية بغضب فلاحظ بورا التي ربتت على ذراعه حتى يهدأ

ظل يتابعهم بغرابة، لا يعلم إن كانوا سيئي التربية فحسب أم أنهم تحت تأثير لعنة ما

حمل أحدهم سيجارة يشعلها متجاهلا اللافتة الضخمة حيث كتب ممنوع التدخين بخط أحمر عريض، تضايقت زبونة أخرى وغادرت بعدما ألغت طلبيتها

زم شفاهه بينما عدسته البنية تتابعهم يتبادلون استنشاق السم المميت وهو يضحكون بهستيرية وقد كان لبورا أيضا نصيب من الدخان القاتل

وقف فوق رؤوسهم منظفا حلقه:

"اعذروني لكن ممنوع التدخين هنا، تلك اللافتة هناك في حال لم تروها"

"أنت أيها اللطيف، توقف عن إزعاجنا في كل دقيقة وإلا حطمت وجهك الوسيم هذا"

" اهدأ يون" نهرت بورا الشاب الموشوم على عنقه

"انصرفوا من فضلكم، لا داعي للدفع" قال تايهيونغ بهدوء

"وماذا لو لم نفعل ؟ هل تطردنا أيها اللقيط؟ أتعلم من نكون؟"

صرخ أحدهم وانضم الآخرون ثم أضحى شجارا حادا رغم أن تايهيونغ ظل هادئا في معظم الوقت

"لا يهمني من تكون، غادروا محلي وإلا اتصلت بالشرطة"

"هل يهددنا هذا العاهر؟" ضحك أحدهم بجنون لينهض من مكانهم راكلا الكرسي بعيدا

"مثير للشفقة" هسهس تايهيونغ قرب وجه الآخر الذي ينفخ صدره ملتصقا به يستعرض عضلاته

"رفاق، أرجوكم لنرحل بهدوء" اقترحت بورا بعدما نشب القلق بداخلها ترى قتالا حادا قادما في الطريق وهي الأدرى بخطورة أصدقائها حين يفقدون أعصابهم

"ليس قبل أن نلقن هذا الصوص درسا"

دفع أحدهم تايهيونغ والثاني حمل الكرسي يلقي به نحوه فتجنبه الأكبر وسرعان ما أضحى القتال حادا ولأنهم كانوا أربعة شباب أقوياء ضد واحد، خصوصا وأن هذا الأخير لم يكن بالمتقن لطرق القتال، ومرضه سابقا لم يسمح له في التفكير ببناء عضلات قوية

حاولت بورا وصديقتها منع البقية عما يرتكبونه بحق المسكين الذي بات مطروحا على الأرض يتلقى الركلات المتتالية

"يون كلا !!"

شهقت بورا بخوف ثم ساد صمت عميق حينما ضرب يون ذاك رأس تايهيونغ عميقا بإحدى سيقان الكرسي المكسورة ليفقد الأكبر وعيه مباشرة وأصبحت الدماء تفيض بغزارة من رأسه

"ماذا فعلت؟"

"سحقا لنهرب "

شاهدتهم يفرون واحدا تلو الآخر بينما تركوها وحيدة مع جثة تايهيونغ المرتخي على البلاط كمن فقد حياته

جثت قربه بخوف تتفقد أنفاسه ثم زفرت براحة حينما علمت أن الحياة ما زالت تدب بأوصاله

اتصلت بالإسعاف فورا وقبل وصولهم كانت قد فرت هي الأخرى بعدما اعتذرت كثيرا لجسده المستسلم تصلي حتى لا يفقد حياته وتزج في السجن مع رفاقها للأبد

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

تقبع ذات أعين الربيع بين أسوار المطبخ

تستغل يوما آخر من عطلتها في خبز المزيد من الحلويات ودعم شقيقها

كان اليوم جميلا، والمنزل هادئا فأغلبهم غادر لقضاء أشغاله الخاصة سامحين لها بالاستمتاع بنعيم الهدوء

أخرجت آخر صينية حلوى أعدتها لليوم مبتسمة بسعادة لشكلها المثالي ثم أخذت ترتبها بعناية داخل العلب فقد قررت زيارة شقيقها ومفاجأته في المحل

"parfait "!

صفقت لنفسها ثم نزعت المريلة والقبعة البلاستيكية مهرولة لغرفتها بحماس

اغتسلت سريعا ثم ارتدت ثيابها اللأنيقة اختارت فستانا ورديا من القطن الدافئ ذو أكمام طويلة، ضيق عند خصرها يلفه برشاقة ثم يتسع من الأسفل

صففت شعرها وغرتها ووضعت بعض المساحيق الخفيفة لتبدو كأميرة ناعمة

رن هاتفها فتراقصت بأقدامها الحافية أثناء اتجاهها إليه

وجدته رقما غريبا لكنها أجابت رغم ذلك

"مرحبا"

"عفوا من معي؟"

"هل أنت السيدة جيون إيما؟"

"أجل؟" تسأل بشك من المخاطبة الرسمية والصوت المجهول

" نحن نتصل بك من مستشفى سيؤول العمومي، أنت شقيقة كيم تايهيونغ أليس كذلك؟"

كاد يقع الجهاز من أصابعها المرتجفة و أصابها الدوار فور سماع الاسم المميز

" ما-ما - ما خطب شقيقي؟"

" تعرض شقيقك للاعتداء بالضرب، هو حاليا بقسم المستعجلات لدينا نحتاج لتوقيع أحد أفراد أسرته حتى يخضع للعملية"

تسمرت بمكانها ترى ما حولها يدور دون توقف كلما تحدثت المرأة أكثر، تشعر وكأنها محبوسة بكابوس بشع وتأبى العودة للواقع

"سيدتي؟ سيدتي هل تسمعينني؟"

"قادمة"

بالكاد نبست شفاههما بكلمة يتيمة، انهمرت دموعها لتركض للأسفل بكل سرعتها، ناسية ارتداء حذائها و معطفها، كل ما يجول داخلها هو تايهيونغ وسلامته

فإن تأذى شقيقها أو أصابه مكروه ستفقد حياتها

يستحيل الاستمرار دون تايهيونغ

"سيدتي؟ مابك؟" اندفع روني إليها مستفسرا بقلق فقد لمحها من بعيد تدور بفناء المنزل بينما تشهق وتنتحب بقوة

"روني، خذني لشقيقي، أرجوك" تمسكت بذراعيه تبكي وتتوسل تزيد قلقه

"هوني عليك سيدي سآخذك إلى حيث تريدين فقط تنفسي و أخبريني"

"خذني للمشفى أرجوك"

صعدت السيارة واستمرت شهقاتها طوال الطريق بينما تضم يديها لصدرها وتبكي بحرقة

"احمي شقيقي يا إلهي! لا تجعلني أخسره! ليس هو ليس تايهيونغ أتوسل إليك"

قفزت للخارج فور وصولها دون الالتفات لروني الذي يركض خلفها بخوف

بلغت مكتب الاستقبال ليدلوها على مكتب أحد الأطباء فوجدته منتظرا هناك بعدما أبلغته السكرتيرة مسبقا

أخبرها أن تايهيونغ يعاني من نزيف حاد برأسه وقد سبب له ذلك ضغطا داخل الجمجمة لذا هم مضرون لفتح رأسه وإخراج النزيف حتى يبعدوا الخطر عن حياته

طمأنها أيضا أن هذه الحالات شائعة وغالبا ما يستعيد المرضى عافيتهم الكاملة لعلا تهدأ قليلا لكن مجرد فكرة أن الأصغر سيكون هناك بقاعة العمليات بجمجمة مفتوحة تزرع الذعر بداخلها و تحرق روحها بقسوة

منحتهم الموافقة الخطية لإجراء العملية ثم راحت تنتظر على الكراسي بإحدى الممرات المؤدية لغرف العمليات بينما استمرت في الشهيق وإسقاط العبرات الغزيرة

ظل روني واقفا بعيدا يراقب جسدها النحيل يصارع الأحزان على الكراسي وحيدا وقد اتصل على الغراب يعلمه بالحادثة المؤسفة فأخبره الآخر أنه قادم بعد قليل

"أين هي؟" أردف الحالك بعدما بات بداخل المشفى الكبير يطالع أفواج الناس الغفيرة تتدافع بكل مكان

"هناك، تنتظر انتهاء العملية" أشار بإصبعه على أحد الممرات ليومئ بخفة

"ما الذي حدث؟"

"لا أعلم حقا كانت السيدة في حالة هستيرية ولم أتمكن من سؤالها، لكنني سمعت الموظفة تقول اعتداء"

"ابحث في الأمر حالا" ينصرف روني بعدما وعد رئيسه بأخبار قريبة ثم اتجه الحالك حيث الممر ليلتقط جسدها النحيل على الكراسي الزرقاء

رآها تضم يديها لصدرها وتبكي بمرارة وقد بلغه انتحابها المؤلم و حلها البائس

طالع أقدامها الحافية، عارية تماما في هذا الجو البارد وقد تكورت قبضته دون شعور

أضحى يقترب نحوها بخطى بطيئة وقد جذبتها أصوات تحركاته لترفع رأسها وتنظر حيث يقبع

عندما لمحت الهيأة الغامقة والوجه المألوف الذي يطالعها بهدوء، انكسرت ملامحها وتقوست شفاهها أكثر

"جونغكوك" نادت اسمه بضعف، ونبرتها تلك سكنت أعماق روحه و دمرت دواخله

استقامت تتجه نحوه بعدما ظل متصنما ببقعته وكلما اقتربت اتضحت خضراءها التعيسة و ملامحها الملائكية لطختها دموع الألم

وقفت على أصابع قدميها و ببكاء مرير لفت ذراعيها حول رقبته و حشرت وجهها على كتفه بعدما عانقته بقوة و استوطنت أحضانه

"جونغكوك!! أخي تايهيونغ إنه..." انفجرت باكية وقد تسمر ببقعته يستشعر كل جزء يرتعش من جسدها و أنينها يصب قرب أدنه وفوق كتفه العريض

"يا إلهي" تزداد شهقاتها المريرة وقد فر منها الكلام

كل ما تفعل هو التشبث بعنقه أكثر وتوسل بعض الدفئ لجسدها المرتجف، شعرت بذراعيه القويتين تطوقان جذعها يغمرها بصدره حتى كاد يدخلها بأضلعه

"أخبرني، قل أنه سيكون بخير" تشد العناق أكثر إن أمكن ذلك و تنفث أنفاسها الحارة برقبته تبللها وترسل ذبذبات صوتها الخائف لأوصاله

"سيكون بخير" همس قرب أذنها وقد هاجرت إحدى يديه لمؤخرة رأسها يحشرها بكتفه أكثر ويرسل لها لمسات من الاطمئنان فيهدأ ارتعاشها تدريجيا و تشعر بقليل من الهدوء بين ذراعيه ووسط صدره الواسع

شعر بذراعيها ترتخي حوله ثم رفعت رأسها تنظر لوجهه قريبا

كان محياها متصبغا بالحمرار من شدة البكاء و خضراءها تغرق بفيضانات وفيرة بينما صدرها لا زال يصعد ويهبط بشهقات متقطعة تطعنه من الداخل

تيقن أن هناك ما هو أشد حدة من نصل حديدي مصقول، دموع ألمها كانت أكثر سما و أكثر قتلا لخلايا عقله و كل ما أراده آنذاك هو أن تتوقف

"ما الذي حدث؟" يسألها بهدوء لتستنشق بصعوبة ثم تقول بصوت متقطع

" لقد ضربوه بقوة، لا أعلم من هم، ق قال الطبيب أن هنالك نزيفا برأسه وعليهم إيقافه وإلا س-سيموت شقيقي"

عبست مجددا ثم خاضت نوبة بكاء أخرى بينما تنتفض بقوة

"اهدئي لن يصيبه مكروه"

"ماذا لو فقدته؟ سأموت متحسرة، سأموت من قهري"

سحب رأسها لصدره فتشبثت بثيابه تستمع لصوته الحادث بينما يضمها إليه قريبا

"هشش، لن يحدث اهدئي"

بعدما استرجعت قليلا من ثباتها سارا معا نحو كراسي الانتظار وجلسا هناك بصمت يترقبان ظهور شخص ما ومنحهم بعض الأخبار السارة

استغرقا ساعتين كاملتين وهما بذات البقعة

نال الوهن من صاحبة الخصلات العسلية ، حدقت بفحمي الشعر فوجدته ينظر للفراغ أمامه بهدوء ثم مالت للجانب تسند رأسها على كتفه وتغمض عينيها براحة

أصابته حركتها بالرعشة، رغم صلابة جسده إلا أن ما خلف قفصه الصدري اهتز بقوة

لم يعتد على احتواء أحدهم، أن تكون كتفه ركيزة داعمة لانهيار الآخرين أو حتى أحضانها ملاذا للأرواح المتفتتة

لكن ها هي ذات أعين الربيع تتوسل الأمان و الطمأنينة من روحه المتفحمة رغم درايتها التامة ببشاعة وسواد عالمه

ظهر الجراح أخيرا فتستقيم الصغرى بلهفة ثم زفرت بعمق عندما وجدت وجهه البشوش يطمئنهم بنجاح العملية

"هل يمكنني رؤيته"

"ليس الآن، هو حاليا لا يزال تحت التخدير سننقله لغرفته بعد استيقاظه وإجراء بعد الفحوصات ثم نوافيك بإمكانية مقابلته"

تنهدت براحة بعدما شكرت الطبيب ثم ارتخت على الكرسي شاكرة الرب بامتنان

"هو بخير" نظرت للحالك باطمئنان فأومأ بصمت

أتت إحدى الموظفات تدلهما على غرفة الانتظار الأخرى ريثما ينقلون تايهيونغ إلى هناك

تركها الحالك بعد برهة وبقيت وحدها اعد الثواني و الدقائق بغير صبر

مرت نصف ساعة تقريبا وهي لا تزال منتظرة بذات البقعة

عاد الغرابي مرة ثانية حاملا بيده معطفا صوفيا و علبة كرتونية كبيرة وضعها على الأرض أمامها تحت عدستها الحائرة

أخرج حذاء شتويا أسود اللون فاتسعت حدقتها ورمشت بدهشة

للتو أردت أنها حافية القدمين

"انتعليه"

"شكرا " همست بخفوت قبل أن تنحني و تدخل قدما بعد الأخرى لتتفاجأ من القياس المثالي فقد لاءمها تماما كأنه صنع من أجلها

"أوه إنه مناسب تماما " صرحت بانبهار قبل أن يضع المعطف الدافئ على كتفيها ولم تدري كيف تتفاعل مع الانعقادات بمعدتها فربتت أمامها حتى يحتل المقعد جانبها

"ممتنة لك جونغكوك"

"مجرد ملابس" يجيب باقتضاب دون الالتقاء بعينيها

"ليس لأجل الملابس فحسب، كل شيء، شكرا لبقائك معي"

حدقت قاتمتيه بمحياها الجميل لجزء من الثانية قبل أن تهرب مجددا

آنذاك جاءت نفس الموظفة تعلمهم باستيقاظ شقيقها ولم يرى سوى طيف جسدها الذي هرول بعيدا

"تاي"

نادت بلهفة محدقة بالجسد المرهق على السرير، رأسه ملفوف بضمادات سميكة غطت جانبه كاملا وقد التفت بصعوبة حتى يلاقي ملمح شقيقته العابس

"إيما اقتربي"

"عزيزي، أميري هل أنت بخير؟ كيف تشعر أيؤلمك"

"لا تبكي" يواسيها بثقل لسانه فلا زال يعاني أثر ما بعد العملية

" خفت عليك كثيرا" تقول محتضنة يده الباردة تقربها لفمها وتطبع قبلات عميقة فوقها سامحة بمياه عينيها بالتسرب وتلطيخ بشرته

"أنا بخير الآن إيما أرجوك"

"حسنا، حسنا لست أبكي أنظر" مسحت عينيها بعنف فضحك على أنفها المحمر و أصابعها التي تركت أثرا على وجهها

"تبدين بشعة"

" أنظر لنفسك أولا، ملفوف كشطيرة لحم رخيصة" اختنق الأصغر بلعابه أثناء ضحكه فبدأ يسعل بقوة

"يا إلهي تاي، اشرب اشرب"

قربت الماء من ثغره ليرتشف قليلا

" لا تشرب كالأبقار ستختنق مجددا"

"يا إلهي إيما"

"ماذا؟"

"لقد فقدت شعري"

"ماذا تقصد؟ أصبحت أصلعا؟"

" لا تكوني غبية احتاجوا لحلق رأسي حتى تجرى العملية"

ظلت تحدق به بصدمة ثم وضعت كفها على فمها

"تاي هل ذهب شعرك الحريري ذو الرائحة الجميلة" همهم يصطنع عبوسا لطيفا

"اللعنة عليهم " صرخت بصوت عالي تزامنا مع فتح الباب وبروز بنية الغرابي من خلفه لكنها استمرت

"سأقاضيهم"

"لا تكوني سخيفة إيما"

" كيف فرطوا به؟ وحوش"

"إيما هل تبكين على شعري؟" يقول الأصغر بصدمة وقد أومأت تسمح لدمعة بالفرار وقد كان الحالق يحدق بينهما بهدوء ينظر لذات أعين الربيع التي ترثي شعر شقيقها بحرقة

"سيكبر آخر بحق السماء"

"أعلم، أعلم لكنني أحببت السابق كثيرا"

"سيكون نفسه إيما أنت مختلة عقليا"

"ربما" تمسح دموعها القليلة وترى الحالك يقترب من سرير شقيقها

" شفاء عاجلا"

"شكرا" يقول الأصغر باقتضاب ولا يبدو مسرورا جدا برؤيته

" هل تعرفهم؟ " يسأل الأكبر مباشرة دون مراوغة فروني قد أرسل له مقطعا من تسجيل الكاميرا قبل دقائق وشاهد ما حدث بالمحل لكنه لم يميز بورا فلم تلتقط الكاميرا سوى ظهرها

"لا" نفى الأصغر دون ذكر الفتاة المعلومة، لسبب ما لم يرغب في إقحامها في المشاكل

"مهلا مهلا ما الذي تتحدان عنه؟" قاطعتهم إيما بشك

" لا شيء أختي، كانوا فقط مجموعة من الفتيان الطائشين، تسببوا في بعض الفوضى و حينما حاولت طردهم هجموا علي هذا كل ما حصل"

"وهل نحن في الغاب؟ لقد حاولوا قتلك بكل شفافية عليهم نيل عقابهم "

" سيفعلون إيما، فقط اهدئي ستتسببين لنفسك بنوبة"

زفرت بحنق ثم عاودت الجلوس قرب الأصغر لكن إحدى الممرضات دخلت بغتة وطلبت منهم المغادرة حتى يرتاح المريض

"أراك قريبا تاي تاي" انحنت تطلع قبلة حنونة على خده ليبتسم بحب ثم شاهدها ترحل رفقة زوجها ويتنهد بعمق متذكرا الفتاة الغريبة

لسبب ما رأى نفسه القديمة بين عينيها، رغم قناع السوء والطيش الذي ترتديه استطاع قراءة لمعة الخوف بمقلتيها

كانت تائهة و تستنجد خلف ابتسامتها المزيفة

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

مرحبا ألماساتي كيف حالكم

كيف البارت ؟

كثير فكرو انو البارت محزن لكن في الحقيقة المومنتات بتبكي 🤭

على العموم، جون كان راح يقبل إيما لكن تراجع في آخر لحظة وبظن واضح السبب

أيضا إذا لاحظتو هوسألها ليش متغيرة معاه هالفترة لانو طبعا مب غبي وذكي بما فيه الكفاية لحتى يلاحظ ليونتها معاه فحاول انو ما يخليها تقرب أكثر لهيك كان بيحكي عن نفسه كغراب، بيعتقد إنها في النهاية رح تهرب من جانبه الأسود والسيء مثل الكل

سؤال شخصي نابع من فضولي : كيف اكتشفتو سجن الغراب؟ وشو الحافز الي خلاكم تقروها ؟

كانت معكم لونا

أحبكم ♥️♥️

Continue Reading

You'll Also Like

523K 21.6K 58
لَمً آحًبًکْ لَآنِکْ آلَآجّمًلَ رغُمً آنِکْ آلَآجّمًلَ لَمً آحًبًکْ لَآنِکْ آلَآوٌفُﮯ بًآلَرغُمً مًنِ آنِکْ آلَآوٌفُﮯ آحًبًبًتٌکْ بًلَ عٌ...
5.4K 829 23
- عِندَما تَجِدُ القِيثَارة لَحنَهَا المَنْشُود . - قِيثَارَة 1960 . ~نشرت تامة يناير 2020 ~فصول قصيرة
16.3K 1.5K 27
كان مجيئك حنوناً بشكل مفرط وكأنك تعتذر نيابة عن كل ما أذاني و بينما انا أرفض كل العالم بشدة كنت أنت قبولي الوحيد ✨️ " أعِدُكِ أن أبقى أحُبك بِـ أسوء...
128K 14K 29
مَن قالَ اننا كبشرٍ الكائنات الوحيده علي الأرض؟ بارك جيمين هانا مواعيد التنزيل: كل خميس و جمعه Started:11/11/2021 Ended:11/2/2022 ○الرواية مليئه بكل...