12: بلا أجنحة

15.9K 1K 1.4K
                                    

يقول جبران خليل جبران :

'عندما يأتي الموت، ويمثل آخر مشهدٍ من رواية الحياة نسمع الموسيقى المُحزنة ونراها تملأ الجو بأشباح الأسى، في تلك السَاعة الموجعة إذ تودّع النّفس ساحل هذا العالم الجميل وتسبح في بحر الأبدية، تاركة هيكلها الهيوليَّ بين أيدي النَّدَّابين، فيتأوَّهون بنغمات الحزن والأسف ويلحفون تلك المادّة الثَّرى ويشيّعونها في ألحان مفادها الضَّيم وأناشيد معناها الكمد واللَّوعة، نغمات يحيونها ما بقي التّراب فوق التّراب وإن بليت يبقى صداها في خلايا الجوارح ما دام القلب يذكر مَن مضى'

أوتار الكمان كانت تنسج لحنها الحزين بانسجام مع نغمات البيانو الدافئة

العازفان الصغيران يدمجان روحهما اليائسة مشكلان صرخة صامتة امتزجت بشهقات الأسى وبكاء الفؤاد

مشهد أثري مثقل بالآلام تشكل بين جدران القاعة الموسيقية التي أضحت كئيبة وسط الضوء الخافت والمعزوفة الثقيلة

كان ذو الطلة المظلمة مستندا بظهره الوسيع ضد الجدار يصوب عدستيه للأمام بشرود

خصلاته الفحمية المجعدة تراخت مرهقة على أنحاء وجهه تحجب جزءا من أعينه الثاقبة، محجريه الواسعين احتضنا سواد أحجار اللؤلؤ قاتمة اللون والتي تتحرك بثبات بين الأجساد التي تشاركه المكان

احتضن ذراعاه لصدره مراقبا ارتجافات الأنامل الرقيقة التي تقرع بقسوة فوق الآلة الضخمة وخضراءها اللامعة تمطر بغزارة بين شهقاتها المكتومة

لاحظ تفاعل الشاب مع شقيقته، كيف عانق الكمان على كتفه بكل مشاعره و انفعلت أطرافه تعزف على الأوتار كأنها حلبة مصارعة وليست نوتات متفاوتة الحدة

علت الأنغام الكئيبة وانتشرت آهات الألحان ولم يكن من الصعب التخمين أن ما خلف الأخوان ليست إلا قصة عظيمة

ما هي إلا حرب قاسية قصفت أرواحهم ونهشت الأفئدة حتى تساقطت بقاياها على شكل نغمات أخيرة تؤرخ ما دمر أرضهم المسالمة حتى أضحت بيداء قاحلة

شاهد الشاب يرخي كتفيه باستسلام جاثيا أرضا يعلن مرارة خسارته وقد ألقى بآلته بجانبه سامحا لدموعه بافتراش الأرض ثم ذات الخصلات العسلية التي لم تقطع للحظة تواصلها مع عيني شقيقها حاملة نفس الابتسامة الدافئة رغم سيل الأمطار الذي أغرق وجهها الباكي

كأنها تخبره 'وإن سقطت يا أخي لأسفل الأرض السابعة سأقفز نحوك وأمسك يدك دائما'

جملة لطالما عانقت روح الغرابي الميتة لكنها لم تظهر يوما على محياه، جملة لم تتجسدها عيونه ولم ينبس بها لسانه قط

إلا أن نفس الجملة ونفس الأحرف كانت تتدفق بحرية من دفئ عينيها، ابتسامتها الحنونة التي احتضنت شقيقها و إيماءات رأسها الخفيفة التي تشجعه في كل قرعة انسابت من أناملها على المفاتيح الملونة

جيون جونغكوك: سجن الغرابWhere stories live. Discover now