جيون جونغكوك: سجن الغراب

By kim_luna1

696K 37.3K 64.6K

《يلقبونه بالغراب، يقال أنه صاحب إبليس في قعر جهنم ثم لفظته النيران على شكل أرض جافة قاحلة...المشاعر؟!..لا مكا... More

00
01:الغرابي الغامض
02:سجينة الغراب
03: ومضات من الماضي
04: ليست سوى البداية
05: فرصة
06: لعبة المشاعر
07: مكر الغراب
08:من أنت؟
09: صراع الإخوة
10: أعطني حريتي
11: تجربة
12: بلا أجنحة
13: خدعة
14: لوسيفر
16: غضب الغراب
17: زهرة الحب
18:نبضات القلب
19: عواصف و عواطف
20: الجريمة و العقاب
21: دم، عرق ودموع
22 : عازف المزمار
23: البجعة السوداء
24: الحسناء و الوحش
25: أزرق و رمادي
26: همسة ولمسة
27: شبح الماضي
28: دفء الغراب
29: رياح عاتية
30:أشرق الحب
31: سهم كيوبيد
32: بداية اللعبة
33: الحقيقة المخفية

15: دموع الملائكة

17.1K 1K 1.8K
By kim_luna1

تحذير: يحتوي هذا الجزء من القصة على مشاهد حساسة وألفاظ وإيحاءات مخلة رجاء تجنبوا هذا الفصل في حالة ما إذا كانت مثل

هذه المواضيع تهدد صحتكم النفسية!!!

ما في أغلى من ألماساتي

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

'يا من دفعتني لأعماق المحيط، هل لك بانتشال جثتي؟'

ǀالسادس عشر من ديسمبر- 07:02 صباحا ǀ

خيوط الشمس الذهبية اكتسحت ظلام القطعة المعتمة

تكسر مثالية الأسود المنتشر في كل شبر من الغرفة الضخمة معلنة عن انقضاء فجر يوم جديد لترحب بصباح آخر من شهر ديسمبر الشاعري

دافئ بمشاعره

قاس جدا ببرودته

أصوات الحياة التي ذبت من جديد وسط المدينة تخللت صمت المكان الهادئ

لتتهلل أجراس المنبه مصرة على بث الروح اليقظة داخل صدر من تنام بعمق شديد متكورة على نفسها وسط الفراش الدافئ

أصدرت ذات أعين الربيع انتحابا صغيرا متذمرا لانقضاء الليل بهذه السرعة

لا زالت عظامها بحاجة للمزيد من الراحة والنوم

والغريب في الأمر أن هذا الإحساس و الاحتياج العظيم لبضع سويعات إضافية من النعيم لا يزورها سوى صباحا مهما كانت المقدار الذي ظفرت به من النوم

لم يبد يوما كافيا

تنهدت بعمق معتدلة بجلستها على السرير

خصلاتها العسلية مبعثرة بشكل لطيف و بشرتها الحنطية اكتسبت توردا ناعما من الدفئ الذي يهديها إياه فراشها المريح و المكيف الذي يمنح الغرفة جوا دافئا

مخالفا تماما للسم الفتاك في الخارج

كانت إحدى عينيها لا تزال مغلقة بينما الأخرى تتفقد بها عقارب الساعة لتجد أنه الوقت المناسب تماما لتحضر نفسها من أجل يومها الثالث في الجامعة

فجأة تبخر كل حماسها السابق للدراسة

خاصة وأنها اكتشفت أن عليها الدراسة وبذل مجهود مضاعف لأجل استدراك ما فاتها من دروس

جامعة سيؤول الوطنية كانت كما توقعت تماما

مكان يعج بالطلاب الأذكياء و الأساتذة ذوي الكفاءة العالية

كانت جودة ما يقدمونه من تكوين مثالية للغاية حتى أن ما درسته في جامعتها السابقة لم يكن كافيا لمواكبة مستواهم الخارق

لذلك كان الحصول على قدر كاف من النوم صعبا للغاية مؤخرا

وها هي الآن بالكاد تحرك جفنيها و تجاهد لتبقي خضراوتيها يقظتين

'عظامي مكسرة'

تذمرت ببكاء ثم تثاءبت بكسل بالغ لتنهض بخطوات متثاقلة نحو الحمام بالكاد ترى ما أمامها جيدا

بعثرت غرتها تعدل وضعيتها بينما ساقاها تقودانها ببطء

لم تكن مركزة فيما حولها

حتى أنها لم تنتبه للضوء المشع من النافذة الزجاجية أعلى بوابة الحمام

ولا لخرير المياه الذي توقف منذ زمن قصير

أدارت المقبض بهمجية ثم اقتحمت المكان الذي كان دافئا بشكل غريب جدا

إلا أنها لم تكن في وعيها الكامل لاستيعاب وجود شخص آخر يشاركها ذات البقعة

في المقابل كان ذو الخصلات الفحمية قد انتهى من أخذ حمامه اليوم كالعادة بعد حصته المعتادة من الركض اليومي

ولكون الشقة الصغيرة مصممة أساسا لشخص واحد كان جونغكوك مضطرا لاستعمال الحمام الوحيد والذي يقبع بالأعلى حيث الغرفة الوحيدة التي تحتلها ذات أعين الربيع

لف المنشفة حول خصره ليتناول أخرى ممررا إياها على خصلاته الغرابية الطويلة بينما يحتل ذات البقعة قرب حوض الاستحمام

كان منهمكا في ما يفعله بهدوء إلى أن التقط ثقبه الأسود الجسد الضئيل الذي اقتحم خلوته وغزى الهدوء الذي كان سائدا

رمق ذات الخصلات العسلية التي تبدو كمن يسير أثناء نومه بأعينها النصف مغلقة تجر ساقيها كالعجوز بجسدها النحيل الغارق بثياب النوم القطنية ذات اللون الوردي الناعم

لم يصدر صوتا بل اكتفى بمشاهدتها تعكف جذعها مديرة ظهرها نحوه ثم تضرب وجهها بالمياه ويبدو أن المرآة الضبابية لم تساعدها لاكتشاف الحالك الذي يقبع خلفها مباشرة

إيما كانت منهمكة في تنظيف وجهها ثم أسنانها بكسل إلى أن استعاد جسدها بعض النشاط و تفتحت عيناها بشكل كامل وحينها فقط لمحت خيالا ما بين ضباب المرآة لتعقد جاجبيها

"ما هذا؟"

نبرتها صدرت مهتزة لتمرر كفها بخوف على الزجاج

ويا ليتها لم تفعل

انتفض جسدها بفزع و توسعت حدقتاها كأنها رأت شبحا ولم يكن سوى الغرابي عاري الصدر الذي انقشع انعكاسه على المرآة

واقف كالصنم يراقبها بعيني الصقر الحادة وذات الملامح الباردة تكسو ملامحه

هادئ و ثابت كالجليد

"يا إلهي"

صرخت ملتفتة نحوه وأقسمت حينها أن خافقها تجاوز معدل الضربات الطبيعية لإنسان

وجدته واقفا دون أدنى ردة فعل و فورما وقعت عيناها على عري جسده و القطرات الغزيرة التي لا زالت تتصبب من أطرافه التفتت للأمام مجددا تبعد أنظراها عنه و خافقها يقرع بشدة

بصقت ما في ثغرها بسرعة ثم نظفت فرشاتها وهي تصرخ

"ماذا تفعل يا هذا؟ ألا تستحي؟ ما خطبك؟"

الغرابي رفع حاجبه باستنكار قائلا بهدوء

"أنت من اقتحم خلوتي"

أدركت إيما أنه محق إلا أن حرجها نال منها تماما وتصبغت وجنتاها بالوردي الغامق

"ولما لا تقفل الباب؟"

"أو على الأقل أصدر ضجيجا بينما أنت هادئ هكذا كالثعبان حتى صوت أنفاسك منعدم، من أين لي أن أعلم أنك هنا؟"

استمرت بالتحدث بانفعال ولم تدري أنها استدارت نحوه لا إراديا حتى قابلها صدره الضخم مرة أخرى لنتقطع أنفاسها من شدة الخجل ثم حملت نفسها للخارج متذمرة

"ارتدي شيئا على الأقل"

"عديم التربية"

سمعها تردد ذلك وهي تصفع باب الحمام خلفها بعدما أضخت خارجا ليستهل ما كان يفعله بهدوء كامل متجاهلا كونها شتمته للتو

ثم ارتدى ملابسه السوداء بثبات ليسمع الباب يقرع وصوتها الرقيق يردد بهدوء هذه المرة

"أسرع قليلا سأتأخر عن المحاضرة"

فتح الباب أخيرا لتقابله خضراوتيها القابعتين وسط أهدابها الكثيفة

كان محياها قريبا لطفل ضائع عندما قابلها بجسده الضخم و سودائه الغامقة شاهدها تكتم أنفاسها بتوتر متيحة له فرصة العبور

وعندما أفسح لها المجال أخيرا سمعها تشتمه للمرة الثانية بصوت خافت

"حقير"

إلا أن آذانه التقطته جيدا

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

ثلاثون دقيقة هو الوقت الذي استغرقته ذات أعين الربيع لتجهيز نفسها

كانت تعدل خصلاتها بينما تتفقد مظهرها للمرة الأخيرة

وضعت القبعة الصوفية الدافئة ثم أضافت المزيد من مرطب الشفاه كون بعض التشققات قد غمرتها بسبب البرد الشديد

"لم يكن علي شتمه"

أردفت معدلة حزامها فوق البنطال البني الواسع وخضراوتيها غلفهما بعض القلق

"ستكونين هادئة، لن تنفعلي، لن تصرخي في وجهه حسنا؟"

كانت تملي على نفسها كيف تواجه الغرابي بطريقة مثالية حتى لا يرفض طلبها الآت

على الرغم من كون جزء كبير من دواخلها يخبرها برفضه مسبقا

رشت عطرها المعتاد ذو رائحة جوز الهند الناعمة

لتأخذ نفسا عميقا ثم حملت حقيبتها إلى الأسفل

وجدته يحتل الأريكة بعرض جسده

يرتشف من فنجان الاسبريسو اللاذع بوجه فارغ وأعين ثابتة تستطلع أوراق الصحيفة بين يديه

حوله هالة من السواد الدائم و السكينة المطلقة

جيون كان الاسم الآخر للهدوء قبل العاصفة

يبدو مسالما للغاية و رزينا كقطعة سكر

هادئ و خفيف لا تشعر بوجوده ما إن لم تكن مركزا بما حولك

حتى الطريقة التي يتنفس بها كانت خافتة مثله

صدره يعلو ويهبط بوتيرة بطيئة ومنتظمة وأعينه لا تتزعزع عن ثباتها مطلقا

من الصعب أن تصدق أنها ذات الأحجار السوداء التي تنفث نارا وتحرق ما حولها حينما تستيقظ روح الشيطان بداخله

أو على الأقل هكذا تراه إيما

لا ينفك عقلها عن المقارنة بين الرجل أمامها و ما خلفه من ذكريات مريرة محفورة بأعماق قلبها

مدى الرعب الذي زرعه بين شرايينها حتى باتت تتنفس سما لا هواء

نفضت أفكارها لتتقدم نحوه على غير عادتها

فهي كانت تتوجه مباشرة لتناول شيء ما بعيدا عنه بل حتى تشيح ببصرها عن هيأته

إلا أن إيما اليوم تحمل بين أوصالها رغبة ملحة لن تتنازل عنها

جلست على الأريكة الأخرى بجانبه تواجه هيأته التي لا زالت على حالها

لا يبد ردة فعل على وجودها حتى لو كان عطرها قد تخلل أنفاسه قبل وقت طويل من استقرارها قربه

"لقد اتصلت بالمصحة"

أردفت بنبرة هادئة بينما تبصره بمقلتيها الواثقتين

آنذاك التفت يلاقي عينيها بتعابير فارغة

"سيخرج أخي بعد أيام قليلة"

"إذن؟"

أمال برقبته قائلا

تخلل صوته العميق لمسة من السخرية

"أريد العيش رفقة شقيقي"

"لا"

أجاب باختصار لتتصفح عدستاه الأوراق بين يديه مجددا

ضغطت الأخرى قبضتها بحنق شديد وقد كسا محياها بعض العدوانية إلا أنها أصرت على تمالك لسانها اللاذع

"أنا لا أطلب الإذن منك، أنا أعلمك"

حينها رفع الآخر حاجبه باستنكار لترتسم على شفتيه ابتسامة جانبية صغيرة كتلك التي اعتاد رسمها بحقارة

"أنا وأنت، كلانا يعلم أن هذا لن يحصل"

"لقد طفح الكيل فعلا، تايهيونغ لن يستطيع الإكمال بمفرده هل تفهم؟ علي أن أكون بجانبه"

فشلت كل محاولات الصغرى في الحفاظ على هدوئها

لكن الحالك بنبرته المستفزة لا يساعدها أبدا، تعابيره باردة بينما يجيبها بكل حقارة أنه سيمنعها عن شقيقها الوحيد وكل ما تبقى لها من من يشاركها ذات الدماء تعبث بأوصالها جيدا

لقد جربت معه اللطف و الصراخ و النظرات المتحدية و الهدوء لكن لا شيء ينفع

داخله متصلب كالجليد

"و هل تايهيونغ هذا في عمر الرابعة؟"

قال مستفزا ما تبقى من دمائها

ابتلعت غصتها بصعوبة مغمضة جفنيها

تداري عنه انكسار لمعان مقلتيها إلا أن الألم الظاهر على محياها كان كافيا للغرابي لمشاهدة ما يفتك دواخلها بلؤم

"كلا لكن تايهيونغ هذا فقد حياته وهو لا زال مراهقا صغيرا بل طفل، ذلك الشاب كافح أفكاره السوداء لست سنوات وظل متمسكا بحبل الحياة"

"لا يهمني"

ثغرها ظل منفرجا وهي ترمق تصرفاته بغير تصديق

كيف يكون خاليا من المشاعر هكذا؟

"لكنه أخي الوحيد، أنا لن......"

بترت جملتها العقيمة ليسود صمت غريب أثار استغراب جيون الذي يستمع لحربها الصغيرة ضده من أجل تايهيونغ مرة ثانية وثالثة ورابعة

التفت نحوها مجددا ليجد محياها الملائكي يحمل تعابير مصعوقة

لؤلؤتاها لا تفارقان ظهر الصحيفة بين يديه وقد شحب وجهها وغادرته الحياة فجأة

"لماذا؟"

همست بانكسار شديد

نبرة تحمل بين طياتها نكهة الموت وتترجم ما اخترق خافقها من ظلام دامس

شعرت بالغثيان الشديد والدوار داهم رأسها للأحرف التي قرأتها أعينها صدفة

ويا لبشاعة الصدف كهاته

الغرابي لف الأوراق بين يديه عاقدا حاجبيه

حائرا في الشيء الذي انتشل الأحرف من حلقها وجعلها تغدو هكذا كالجثة بملامحها المنكسرة

حتى وقع ثقبه الأسود على ما يشفي غليل فضوله

حينما التمست عدسته الصورة الكبيرة التي تحمل لحظة تؤرخ يوم زفافهما والعنوان الذي كتب فوقها بالخط العريض

'الفرد الجديد لأسرة هوانغ هي في الحقيقة ذات سوابق؟'

لا شيء يصف كيف اندلعت الحرائق في دمائه آنذاك

أنامله غاصت وسط الأوراق الهشة تدمرها بخشونة بينما مقلتاه تتحركان ذهابا وإيابا بين الأسطر تتحرى ما يحتويه المقال

لم يكن في الحقيقة يحمل معلومات كبيرة فقط بضع كلام فارغ ولا جزء منه يكشف عن ماضي إيما الحقيقي و علاقتها بوفاة شقيقه المزيفة أو شيء من هذا القبيل

واضح أن صاحب المقال، والذي من المحتمل أن مراسم تأبينه ستقام قريبا، لا يعلم الكثير

أراد فقط اللعب بذيله أمامه وربما هذا من فعل فاعل

فمن الذي سيتحدى الغراب

وهو بذاته كان قد أمر بإخفاء كل ما يتعلق بإيما ومنع معلوماتها من مغادرة سجلات المحكمة مهما كان

"كيف حدث هذا؟"

استفسرت بصوت شبه مخنوق تجاهد لمنع الطبقة المالحة التي غلفت محجريها من السقوط علنا

"لا أدري"

"كيف لا تدري؟ متى ستكف عن إلحاق الأذى بي متى ستكتفي من تعذيبك لي ألم تشبع من تدميرك لحياتي ماذا تريد أكثر؟ لم يبقى سوى روحي هل تريد أخذها أيضا؟"

"قلت لا أدري، لا علاقة لي"

رمقها بحدة لتنهض من مكانها بانفعال

"لا يهمني كل هذا حدث بسببك، أنت من أجبرني على هذا الزواج اللعين"

"لا تصرخي علي"

لم تتحمل أكثر لتنفلت شهقة صغيرة عن ثغرها لتكتمها بصعوبة مبتعدة عنه

استقرت خلف الجدار الزجاجي تراقب الشارع بضياع وعقلها لا يكف عن التفكير بكون العالم بأكمله سيعلم عاجلا أم آجلا بسرها الصغير الذي حاولت جاهدا إخفاءه

كيف لم يخطر ببالها أن أسرة خاطفها كانت مشهورة بما يكفي لجعل الصحافة تنبش بماضيها الأسود

كيف صدقت أن محاولات محاميها و أصدقاء والدها سابقا في ستر قضيتيها عن أعين الإعلام ستكون كافية أمام قوة عائلة هوانغ

ماذا لو سارت في الشارع ولم تفارقها أعين الناس المميتة

ماذا لو رمقوها بما يخشاه خافقها

ماذا لو تدمر مستقبلها مرة أخرى ولم تجد كيف تلملم أشلاءها المتناثرة

اضطرب تنفسها بشدة لحالة الذعر التي تملكتها لذلك هي بحثت عن البخاخ الخاص بها كي يسعفها فورا

لكنها تذكرت أنها وضعته في حقيبتها

جرت خطواتها عائدة إلى الغرابي بخيبة ثم جلست تبحث عنه مجددا وفورما وجدته أخذت تستنشق محتواه بلهفة

كان الحالك يشاهدها بأعين محمرة يفكر بمن ذا الذي يحاول اللعب معه بقذارة؟

رن جرس المنزل ليفتح الباب بملامح متجهمة فقابله وجه جيمين القلق

"صباح الخير"

قال الأصغر بابتسامة متكلفة فهو بدوره استيقظ على اسم عائلتهم بين صفحات الجرائد اليومية وقد تكهن بردة فعل الغرابي دون الحاجة ليراه بعينيه

أومأ الآخر مفسحا لجيمين المجال لدخول بيته وعاد مكانه إلى ذات الصحيفة يكاد يأكل محتواها بأعينه المشتعلة

جيمين انضم إلى الاثنين ليجد إيما هادئة بشكل مثير للتعاسة

كانت تحدق بالفراغ فحسب وقد شعر بالكثير من الحزن لأجل الفتاة البريئة التي لا تنفك لعنات الحياة عن مطاردتها

"صباح الخير إيما"

كما توقع

رمقته بسخط ثم أشاحت بصرها عنه كأنه مسخ ما ليتنهد بيأس

متى ستتقبله ولو قليلا ؟

اختار لنفسه مكانا قرب الغرابي الهادئ بشكل مخيف

قبضته التي يعتصرها وعروقه البارزة وحدها تحكي عن البركان داخله

ربت على كتفه بخفة قائلا:

"ماذا ستفعل؟"

"ماذا في رأيك؟"

قال بسخرية ليقضم الأصغر شفاهه بقلق فهو يشك في شيء ما و يخشى صحة ما يفكر به

"خالي غاضب للغاية، هذا لن يكون في صالحه في الانتخابات"

"وهل هذا همي؟"

أردف الأكبر بسخرية

"حتى والدتك لم تتقبل الأمر جيدا و لا تكف عن الاستفسار حول القضية"

"أقسم لك جيمين أن الذي تجرأ و حاول العبث معي مصيره في الجحيم"

"حسنا اهدأ سنجد الفاعل قريبا"

"بالتأكيد سأجده، حتما سأفعل"

ردد بنبرة خشنة وقد عادت ملامح المختل العقلي تكتسي برودة تعابيره وحينها جيمين فقط ظل يصلي لعل أفكاره تظل وهما إلى الأبد

"وماذا سيحدث إن وجدته؟"

رددت إيما بهدوء بالغ بعدما استعادت رباطة جأشها ولملت حطام عينيها

"سيعاقب"

أردف بذات الهدوء بثقة بالغة وضع سوداءه داخل مقلتيها وحينها هي حافظت على ذات تشابك الأعين

"إذن عاقب من كان السبب الأول في كل هذا أساسا"

حملت نفسها مغادرة إلى جامعتها حيث كان روني ينتظرها كعادته

تركت الشابين أحدهما ينظر للفراغ بينما الآخر لا زال يستوعب القوة التي تحملها فتاة بهذا الحجم الصغير

كانت تقصف الغراب ولا تبالي بغضبه دون أن تتزعزع شعرة واحدة من رأسها

"لما أنت هنا؟"

"ها؟"

نظر جيمين للآخر ببلاهة قبل أن يستعيد وعيه قائلا

"فكرت بأن نذهب معا إلى الاجتماع، كما أنني اشتقت لصديقي إن لم أسأل أنا عنك فربما لن تتذكر وجودي طيلة حياتك"

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

ǀالحادية عشر صباحا- جامعة سيؤول الوطنيةǀ

كانت ذات أعين الربيع قابعة بإحدى المقاعد الخاصة بالمدرج الضخم

في صدد حضور محاضرتها الأخيرة لهذا اليوم

عقلها بالكاد يلتقط معلومة مفيدة بين كل التشويش الذي يفتك بخلاياه العصبية

تشعر بتعب شديد يتغلغل في أعماقها

شيء ينمو داخل روحها ويحولها لورقة يابسة تتدلى أعلى غصن فائق الهشاشة

مهما حاولت التحلي بالمزيد من الإيمان والقوة، تتلقى صفعة قاسية من الجهة الأخرى

كانت تعيش بين الحياة والموت

ضائعة في المنتصف ولا علم لها بماهية المشاعر المتضاربة التي تفتك بها

أحيانا تجد قلبها متعلقا بآمال زائفة عن الحرية و عن أحلامها الصغيرة

وأحيانا تتمزق أوردتها لفكرة كونها عالقة بمستنقع لا يرحم

يسحبها للغرق ببطء

نحو الأسفل

نحو الظلام

نحو الأسود كمقلتي الغراب

لم تدري أنها استغرقت زمنا طويلة داخل دوامة أفكارها المعتمة حتى شاهدت الجميع يقف ململما حاجياته و ارتفاع الضجيج معلنا عن نهاية المحاضرة الأخيرة لهذا اليوم

تنهدت داعكة جبينها بتعب ثم فعلت المثل بدورها مغادرة القاعة يسرعة

شيء ما يجعلها غير مرتاحة منذ أول يوم هنا

تشعر بأعين تراقبها دائما وعندما تلتفت حولها تجد كل فرد منهمكا في أشغاله الخاصة لا أحد يعيرها ذرة اهتمام

حتى أنها بدأت تتساءل حول صحتها العقلية

هل ربما مامرت به جعلها تصبح هكذا؟

كل تلك التجارب المرعبة ربما زرعت بداخلها ما يكفي من الذعر حتى باتت تضطرب من وجودها وسط وابل من الأعين الغريبة

'جيد، الآن أصابك الجنون إيما'

همست داخل عقلها بينما تستدير خلفها بتوتر

تشعر بذات الإحساس الفظيع

بذات الأعين تخترق ظهرها كلما التفتت للخلف

إلا أن جزءا منها يجاهد لطمأنة خافقها المبعثر و يخبرها أن الحرم الجامعي مكان آمن بما فيه الكفاية ليحميها من أي خطر وهمي قد يداهمها

هكذا بقيت تتخبط في الممر الطويل حتى بلغت الحمامات أخيرها

لعل صفع وجهها ببعض المياه الباردة قد يعيد إليها ثباتها

وذلك ما فعلته حتما

أخذت تجفف بشرتها ببعض المناديل الورقية بعد انتهائها ثم عدلت خصلاتها بعجالة

تكره الاعتراف بذلك لكنها تود الاتحاق بروني في أسرع وقت ممكن

خاصة وأن الجامعة اكتسبت طابعا من الهدوء كونه وقت الزهيرة والجميع يغادر في هذا الوقت، حتى الحمامات كانت خالية، وحدها من يلتقط أنفاسه بالمكان

كانت ستغادر

لولا الجسد الذي اخترق المكان بضخامته المرعبة وهالته الخطرة

كان يرتدي قناع وجه و نظارات سوداء تخفي ملامحه وما من صفة به توحي بانتمائه للجامعة أو بكونه ارتاد حمام السيدات عن طريق الخطأ

إيما حينها تيقنت أن مخاوفها تتحقق على أرض الواقع

وسعت عيناها بذعر جديد و لم تشعر سوى بساقيها يسحبانها بسرعة نحو إحدى الغرف الخاصة بالحمام لتدير القفل بأيدي ترتجف

"يا إلهي كلا كلا"

رددت بفزع تكتم أنفاسها وتعتصر جفناها بقوة

كل شيء حدث بسرعة أشبه بالحلم بل كابوس

للتو حدسها لم يكن مطمئنا وفي الدقائق التي تليها وجدت رجلا غريبا يتقدم ناحيتها بأسلوب مخيف

ظلت تصلي بداخلها أن يكون مجرد إنسان طبيعي

من يدري حارس، طالب تائه، أيا كان رغم أن مظهره يحكي ماهيته بالفعل والطريقة التي سار بها نحوها كذئب جائع

"طق طق طق"

صدرت طرقات على بوابة الحمام الصغير مصحوبة بصوت عميق

لحن حروفه بطريقة مرعبة جعلتها تنتفض من مكانها وتغلق فمها بكفها بشدة

كأنه لم يراها فعلا وهي تركض إلى هناك

"من أنت؟"

"أنا موتك"

قال بنبرة خبيثة خمنت فيها ابتسامة شريرة تلتف حول كلماته، كان اللعين مسمتمعا جدا بزرع الرعب بين أوصال الشابة الضعيفة

"اذهب، ارحل من هنا وإلا..."

"وإلا ماذا هل ستشين بي لزوجك العزيز؟"

أردف بسخرية وهو يحرك مقبض الباب للأسفل والأعلى يحضرها للمفاجأة القادمة

إيما ضاعت منها أنفاسها لتشهق باكية

كان جسدها يرتجف بالكامل و عقلها يصور لها أسوأ السيناريوهات الممكنة

ليتها لعبة من الغراب

ليته يفعل هذا انتقاما منها على شتمها له في الصباح ووقاحتها وأي شيء

أيا كان ما سيفعله فقط ليكن هو مدبر ما يحدث لها حاليا ؟

هذا كل ما كانت تتمناه

"أرجوك ابتعد عني، ما غرضك؟"

"إما أن تخرجي من هناك بهدوء كفتاة مطيعة، أو أخرجك بطريقتي"

لم تجبه بل بقيت تفرغ عبراتها بحرقة صامتة

حاولت جمع ما يكفي من قوتها حتى تقاوم ارتجاف يديها و تلتقط هاتفها من جيب البنطال

من الجيد أنها لم تضعه بحقيبتها فقد نستها خارجا عندما فرت هاربة

أناملها المرتعشة كانت تبحث عن رقم روني في جهة الاتصالات و كاد يسقط الجهاز من قبضتها لمرات عديدة

"اممم أرى أنك عنيدة أيتها الصغيرة، حسنا إذن باب صغير كهذا لن يمنعني عنك أليس كذلك"

سمعته يتمتم بسخرية ثم قهقهة صغيرة تخللت حديثه

ضغطت رقم روني بالفعل وبقيت تنتظر إيصالها بخطه بقلب ينتفض

الرجل على الطرف الآخر عقد حاجبيه من هدوئها الغريب ثم وسع عينيه بريبة

حينها فقط قرر استعمال كافة قوته ثم كسر الباب بسهولة

صدحت صرخة إيما في الأرجاء ليسقط الهاتف من يدها

"النجدة"

تجهمت ملامح الآخر ليضع كفه الخشن على ثغرها بسرعة و في غضون ثواني كان له كافة التحكم بجسدها الضئيل مهما حاولت مقاومته و ركله لم تحرك شعرة واحدة من ثباته

"أنت أغضبتني فعلا ونحن لم نبدأ حتى"

اعتصر جسدها بعنف هامسا قرب أذنها كفحيح أفعى سامة حتى انكمشت أطرافها و انهمرت قطرات حارقة من خضراوتيها لتغلقها بقوة مستشعرة صدر الرجل الصلب ضدها بتقزز

كان يسحبها للخلف وهي تئن بقاومة بكل ما تملك

وقد انكسر خافقها وهي تشاهد قدمه تدوس على هاتفها بل تدعسه بقوة

"اصمتي أيتها العاهرة"

شد على فمها بعنف أكبر بسبب أنينها المستمر حتى طفح كيله و استخرج خرقة بيضاء من الجيب الخلفي لبنطاله سامحا لذراعيها بالتحرر و التشبت بمعصميه لعله يعتق تثغرها ويتيح لها فرصة استنشاق بعض الأوكسيجين

وضع القطعة على وجهها يسد مسالكها التنفسية

ثم ثواني قليلة وبدأ وعيها في المغادرة تدريجيا حتى ارتخت عضلاتها بالكاملة واختفى أنينها، استسلمت بالكامل للمخدر القوي حتى أضحت كدمية فاقدة الروح بين ذراعيه

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

ǀالثانية عشر والنصف زوالاǀ

"أخبرتك لا يمكن، أنا آسف"

يقول الرجل الكهل لروني الذي يتوسل له بأكثر الطرق تهذيبا حتى يسمح له بالدخول و البحث عن صاحبة الخصلات العسلية

من المفترض أن تكون برفقته قبل نصف ساعة لكنها لسبب مجهول لم تأتي إلى الآن

وقد شاهد أسراب الطلبة يغادرون قبل مدة بالفعل

ظن أنها ربما تملك عملا آخر هناك، لكنها تأخرت أكثر من اللازم و ذلك جعل القلق يتسلل لدواخله

حتى أنه حاول الاتصال بها لمرات عديدة إلا أن خطها مغلق

"حسنا لا بأس، ما رأيك أن تبحث أنت إذن أو أرسل شخصا ما؟"

"أوه لا داعي للقلق يا رجل، ربما تأخرت رفقة أحد الأساتذة تستفسر عن شيء ما، كثيرا ما يفعل بعض الطلبة ذلك"

زفر روني بقوة ليستدير عائدا لسيارته

كان يقضم أظافره تزامنا مع مراقبته لأرقام الساعة تتبدل

لكن لا أثر لإيما

مرت نصف ساعة أخرى وحينها كان حارس البوابة قد اقتنع بالذهاب للبحث في الداخل

"هل وجدتها؟"

نفى الرجل جاعلا من ملامح الخيبة تحتل وجه الآخر

"ماذا عن الحمامات؟"

"لا أثرلها"

مرر روني يده على خصلاته بقوة يلعن تحت أنفاسه

جيون حتما سيخنقه حد الموت لقد أوصاه بمراقبة أدنى تحركاتها حتى أنفاسها بينما ما فعله هو أخذ غفوة طويلة داخل السيارة و لم يستيقظ سوى بعد مغادرة الجميع

ماذا لو هربت ؟

بل ذلك ما حدث على الأرجح

تطلب منه الأمر بضع دقائق ليستسلم للأمر الواقع ويتصل برئيسه محملا بالأخبار الرائعة

على الجهة الأخرى كان الحالك يحتل كرسي مكتبه يدرس بضعة أوراق المتعلقة بالشركة رفقة مساعدته ،جيمين و بعض الرجال ذوي المناصب المهمة أيضا

"سيدي هاتفك"

قالت المرأة ملاحظة إضاءة الشاشة الخاصة بالجهاز كونه على وضع صامت

"حسنا أظن أن هذا يكفي لليوم لنكمل في وقت لاحق"

أردف جيمين يسمح للآخرين بالانصراف وأخذ قسط من الراحة

وحينها التقط الغرابي هاتفه متحدثا بنبرته الهادئة كالعادة

"ماذا هناك؟"

"سيدي أنا حقا لا أعلم كيف أقول هذا لكن.."

كان صوته مرتجفا بطريقة استفزت الآخر

"ماذا روني؟ هل أكل القط لسانك؟"

"اممم السيدة، أقصد السيدة إيما اختفت"

صمت الآخر لوقت معين قبل أن يسأل بذات البرود

"ماذا تقصد؟"

"أنا أنتظرها منذ ساعة أمام جامعتها لكن لا أثر لها، كما أن الحارس بحث عنها بالداخل و أخبرني بذات الشيء"

"ما بك؟"

يستفسر جيمين بحيرة من صمت الغرابي الغريب و ملامحه التي لمعت بشيء من الرعب

فقط أعينه كانت كافية لمعرفة أن هناك خطبا ما

"ابحث عنها مرة أخرى، أنا قادم"

أقفل الخط لينهض بهدوء من مكانه ارتدى معطفه بملامح ثابتة و تناول أغراضه من المكتب

"هي ما بك يا رجل؟"

لوح جيمين أمام عينيه لعله يكتشف ما الذي غزى الغراب لينبثق الشرار من عينيه هكذا كأنه يحترق بصمت

"أجبني كوك من عمن سيبحث روني؟"

ثواني لتضرب الصواعق عقله قائلا بفزع

"مهلا هل تقصد إيما؟"

أدرك أنه على صواب فور أن تلقى نظرات كالجمر، كل ما فكر فيه حينها أن الصغرى ربما فرت من قبضته مجددا وهذه المرة متأكد أن صديقه لن يعفو عن تهورها

ابتلع ريقه وهو يشاهد الأكبر يدس بمسدسه داخل حزامه وهالة مظلمة تدور حوله

حدقتاه تثقب اليابس بحدة و يداه بزرت عروقها، تحركاته الهادئة والرزينة مخالفة تماما للرصاص المتطاير من خشونة ملمحه

"اسمعني رجاء، حاول أن لا تكون قاسيا معها هذه المرة"

ربت الأقصر بتردد على كتفه لكنه صدم بشدة مما آل إلى مسمعه

"لا أظن أنها فعلتها جيمين، لا أظن"

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

"سيدي لا أعلم كيف حدث هذا أنا آسف حقا"

ينهال السائق البائس بوابل من الاعتذارات فورما انضمت هيأة ذو الخصلات الفحمية إليه، لا علم له باستمرار حياته بعد هذا الخطأ الفادح

"فيما بعد روني فيما بعد"

يقول الغرابي سائرا نحو بوابة الجامعة بخطى ثقيلة، عقدة حاجبيه لا تفارق محياه و فكه لا ينفك يضغط بشدة على صفوف أسنانه

أيا كان من يلعب معه بهذه القذارة سيحطم رأسه حتما

لقد كان واثقا من أن ذات أعين الربيع لن تفعلها مجددا

لم تكن لتعيد ذات الفعل المتهور للمرة ثالثة باستهتار هكذا دون التفكير بشقيقها أو بنفسها

لقد رأت كيف لم يكن مترددا في إفراغ رصاصاته برأسها ذلك اليوم

لم تكن لتستهزئ بالفرصة الأخيرة التي منحها إياها

صحيح أنها عنيدة و تحب اللعب بأعصابه واستفزازه جدا

لكنها لم تكن غبية في النهاية

كانت تدري عند أي نقطة تنتهي حياتها

في النهاية سمح لهما الحارس بالدخول بعدما تطلع على هوية من يقف أمامه

لم يكن له سبيل لرفض إحدى أفراد أسرة هوانغ خاصة وهو على علم بكونهم مستثمرين أساسيين بالجامعة

تفرق الرجلان يبحثان في كل ركن و زاوية

لا يوجد أثر لروح تتنفس

الغرابي أضحى بآخر مكان أمامه وهو الحمامات

اخترق الغرف واحدة تلو الأخرى حتى بلغ الأخيرة

حينها تحققت شكوكه كافه عندما وقعت عدسته على الجهازالمحطم الملقى بإهمال

أدرك أن إيما بين يدي خاطف يهوى اللهو بحبل حياته

بعدها وجد حقيبتها وسط سلة المهملات ليلتقطها بين يديه يعتصرها بقسوة شديدة

فتحها يلقي نظرة على محتواها الداخلي

ولم تغب عنه رائحة عطرها المميزة التي كانت ملتصقة بها تصرخ بانتمائها لها

وكما توقع وجد هناك ورقة مستطيلة تنظره ليتحرى ما كتب عليها

'بما أنك بلغت هذه المرحلة فأجزم أنك على علم الآن بأنك فتاتك الجميلة بين يدي، خائفة، ناعمة و رقيقة للغاية'

انقبضت أنامله تعتصره القطعة الهشة بينما صرخ راكلا السلة المعدنية بغضب كبير

"حقير"

احمرت مقلتاه بشدة و برزت عروق رقبته ليلهث بجنون

كان مستعدا تماما لنحر عنق صاحب الرسالة، كان متقطعشا لاقتلاع أصابعه و إطعامها للكلاب الجائعة

خاصة عندما وجد البخاخ خاصتها لا زال داخل الحقيبة أي أنها الآن بدونه

خرج ثائرا كأن الجنون أصابه

ينظر أمامه ككائن مفترس متجها مباشرة لسيارته

حتى لحقه روني لاهثا

"ماذا وجدت؟"

كان قد أرسل الآخر مسبقا للنظر في سجلات كاميرات المراقبة إلا أن روني نفى بخيبة

"قيل لي أن الكاميرات معطلة منذ يومان وقد تأكدت بنفسي"

"اصعد"

أمره بالصعود رفقته

"ماذا سنفعل الآن؟"

"اجمع عددا كافي من الرجال وليتسلحوا جيدا"

يقول بهدوء بينما يلتقط حاسوبه المحمول من المقاعد الخلفية و روني فقط ينفذ غير مستوعب لما يجول برأس الغراب

يشاهده يعبث بلوحة المفاتيح ويستخرج طلاسم غريبة

ظل يقرع على الأزرار بتركيز

أجل، لقد كان يحاول الاتصال بجهاز التعقب الموجود بخاتمها

الغراب كان أذكى من أين يعتمد على روني وحده لمراقبتها، لم يكن يثق بما حوله أراد ما هو أكثر من مجرد مرافق

لطالما وضع احتمالا لمثل هذه الحوادث ففي النهاية هو يمتلك الكثير من الأعداء ومن من يضمرون الشر له

كان يحتاج لبضع دقائق حتى يحدد مكان الخاتم بدقة

خلال تلك المدة هو التزم الصمت مركزا بما بين يديه، بارعا في إخفاء أفكاره الشيطانية ومخططاته الإبداعية للنيل من الجرذ الذي تجرأ و اخترق مساحته الشخصية

رن هاتفته ليلمح رقما مجهولا حينها هو استقبل الاتصال ينتظر الطرف الآخر ليتحدث

"جيون جونغكوك"

أردف الرجل بنبرة لعوبة و صفوف أسنانه تبرز ضحكته الخبيثة

"من تكون؟"

ضحك المعني بعلو مستهزئا بصوت الحالك الذي كساه طعم الغضب

"أنا؟ أنا من يملك جوهرتك الثمينة"

مرر ظهر سبابته على بشرة إيما الفاقدة الوعي على السرير كجثة بلا روح

ثم قام بتعديل غرتها حتى تبرز تفاصيل محياها بشكل أفضل

"أنت ميت يا هذا"

"بارد كعادتك، تظن أنك تسير الكون تحت اصبعك، لنرى كيف ستخلص هذه الملاك من براثني"

"إن لمست شعرة واحدة منها، سأجعلها أبشع وفاة يتلقاها كائن في حياته"

سمع الغراب يهسهس بأذنه لكنه فقط ضحك بسخرية محدقا بوجه الفتاة قربه

كانت جميلة للغاية لدرجة جعلت أفكاره تنحرف وتنجرف بعيدا عن أوامر قتلها التي تلقاها من سيده

"أتعلم جيون، لم أتوقع أنك تملك كل هذا الجمال وحدك، لذلك ما رأيك أن نتشاركه؟"

بلغت أنفاس الغراب الحادة مسامعه ليقهقه مدركا أنه ربما يحترق ببقعته وهو عاجز عن إنقاذها

"رقيقة، فاتنة، جلدها ناعم كالحرير، يدي ترفض الابتعاد عنها و أنا رجل ضعيف الإرادة ماذا أفعل يا ترى؟"

مرر أصبعه على شفاهها بأعين تشع رغبة وقذاره ، بابتسامة تلقى كافة أنواع الشتائم من الحالك إلا أنه كان تيقنا في صميمه أن الآخر لن يجده مهما حاول

على الأقل ليس قبل أن يتخلص من صاحبة الوجه الملائكي

"ما رأيك أن أدنس ملاكك جيون؟"

كانت إيما تستعيد وعيها شيئا فشيئا لتصرخ بفزع حينما وجدت نفسها مقيدة و وجه الرجل المرعب قريبا منها للغاية ويده تتلمس وجهها بحرية وقذارة

"أوه لقد استيقظت جوهرتك؟ "

"أبعد يدك القذرة عني"

بصقت في وجهه صارخة ثم ظلت تتلوى في مكانها

"شرسة للغاية، مناسبة لك تماما....ولي أيضا"

"ما بك صامت جيون همم؟"

إيما وسعت عينيها باكية عندما سمعت حديثه واستوعبت أنه يتحدث إلى الغراب

"النجدة، أنقذوني"

قطع صراخها بكفه الخشنة لتمطر عيناها بقوة وقد غلف الحزن لؤلؤتيها مع كثير من الخوف

"أبعد يدك عنها"

هسهس الغرابي بعدما التقط أنينها الباكي و صرخاتها المذعورة

"أوه لم تحزر أبدا، هذه اليد لن تغادر كنزك الثمين"

"لنرى كم زوجة الغراب جيدة على السرير"

أقفل الخط ثم سمح للصغرى باستنشاق الهواء أخيرا

لكنها كانت اختنقت مسبقا من كلماته و تحديقاته المريبة نحوها

لا تريد تصديق أذنيها ولا عقلها ولا حتى عينيها

"أتعلمين أيتها الفاتنة، من المفترض أن تكوني ميتة الآن لكنني كريم بما يكفي حتى لا أسمح لهذه الوداعة بالضياع هباء منثورا"

أضحت سبابته تتجول على رقبتها لترتعش أطرافها و تضرب العواصف كيانها و قد تغلغل الذعر بكافة خلايا جسدها

"ابتعد عني، لا تلمسني"

خرج صوتها ضعيفا مرتجفها بالكاد تغادر الحروف حلقها المتورم

شعرت بأنفاسه قريبة جدا من وجهها لتجعد ملامحا تشعر بالقرف والاشمئزاز

حاول الابتعاد إلا أنه أمسكها جيدة وهي لا تكف عن النحيب و ركل الهواء بسيقانها المقيدة

"أيها الحقير قلت لك لا تلمسني"

"ششش"

انحنى أكثر يدفن أنفه برقبتها ثم استنشق رائحتها بعمق والأخرى تكاد تتقيأ ما بمعدتها و قد زاد ارتجاف جسدها

لم تتوقف للحظة عن النواح والبكاء حتى أنها توسلت بكثرة لكنه كان الشيطان يثبت جسدها ثم قبل رقبتها كالمجنون آنذاك انتفضت بكل قوتها تحاول ابعاده

تمنت لو تقتلع ذلك الجزء من جلدها و حرقه لمدى بشاعة الإحساس الذي تجربه مرة ثانية

ذكريات ذلك اللوسيفر تمادت داخل عقلها

وهي الآن تواجه ما هو أسوء، أبشع وأكثر فتكا بروحها

"اقتلني رجاء، فقط اقتلني أو دعني أقتل نفسي لكن لا تفعل، لا تفعل هذا بي أتوسل إليك"

ليتها تعلم أن أنينها و بكاءها و خضراوتيها المحكمتين كانوا يزيدون الوحش تعطشا لتلبية رغباته الحيوانية

"جميلة، جميلة للغاية"

همس قرب شفتيها وحينها هي عضت أنفه بكل ما تملك من قوة حتى تراجع للخلف متألما وقد لمحت بعض الدماء على أثر أسنانها

"عاهرة"

صفعها بقسوة جعلت الدماء تنبثق من شفتها السفلى ولم يمنحها فرصة النحيب فقد جر ساقيها وأخذ يفك قيودها بوجه غاضب

"سأربيك أيتها الساقطة اللعينة"

"دعني أيها الحقير ماذا فعلت لك"

كان يجر ثيابها بقبضته وهي تقاوم بنيته الضخمة التي تفوقها حجما وقوة بأضعاف

كان يسحب سترتها وهي تتمسك بها دون جدوى تتجرع ضحكاته الشريرة كالسم اللاذع

"آه اللعنة عليك"

زمجر بألم شديد عندما ركلت ما بين ساقيه وقد تلوى جسده بعيدا يداري الألم الحارق أسفله

حينها إيما استغلت الفرصة لتتسلل من قبضته و تحاول الفرار

ركضت نحو الباب بكل ما أوتيت من قوة إلا أن محياها زاد شحوبا حينما وجدته موصدا بإحكام

بصرها انتقل مباشرة إلى النافذة لتهرع إليها تشعر بخافقها يكاد يتوقف عن النبض

"إلى أين يا لعينة هاا؟"

يد خشنة اعتصرت خصلاتها بوحشية ثم سحبتها للخلف لتتأوه من الألم المبرح الذي يفتك بفروة رأسها

أقسمت أن خصلاتها غادرت رأسها لتستقر بين يدي ذلك المتوحش

"سألقنك درسا لن تنسيه"

زمجر بينما يجرها للسرير من جديد وهي تصرخ بآسفة و قد كان صوت حطام قلبها قد ملأ القطعة الصغيرة

كان كابوسا مرعبا للغاية وكم صلت بداخلها أن تستيقظ سالمة بأي مكان كان ولو كان سجن الغراب هي راضية به فقط لتتخلص من البشاعة التي تواجهها الآن

"لا لا لا"

وجدت نفسها تصارع أسفله وهو صفعها مجددا و مجددا فمقاومتها و صراخها الشديد بدأ يستفز أعصابه ويحفز غرائزه لقتلها وإغلاق هذا الثغر الفاتن في أقرب وقت ممكن

لكن ليس قبل أن ينال مراده

مزق قميصا والقطعة الوحيدة التي ترتديها بمخالبه الحيوانية ثم ابتسم لاعقا شفتيه بقذارة عندما انقشعت بشرتها المثالية لعينياه المفترسة

إيما كادت تختنق ببكائها وهي تحاول ستر ما يمكنها بذراعيها

لم تظل سوى ملابسها الداخلية غير كافية لستر جسدها وقد شعرت بما هو أسوأ من الموت

ما هو أسوأ من انتشال كرامتك والدعس عليها

ما هو أسوأ من الضعف الشديد و البؤس

كان ينتهك حرمة جسدها وهي غير قادرة حتى على زعزعة أصبع واحد منه

"أتوسل إليك، كلا، يا إلهي لا تفعل"

بكت تتمسك بمعصميه تحاول منعه من الوصول إلى بنطالها وهو كان فقط يبعدها ويقيدها بيديه حتى أنه خدش مناطق عديدة من جلدها

لكنها لم تشعر بحرقة تضاهي حرقة قلبها والنذوب التي طبعت عليه للأبد

كانت تدعو الرب كي يأخذ روحها حالا كي لا تشهد ما قد يدمرها حينها لن تستعيد أنفاسها

حينها لن تطمر جراحها ولن تتجاوز الأمر

حتى لومرت ست سنوات

حتى لو قضت حياتها كلها لن تتخطى بشاعة الأمر

ثم تطاير الرصاص في الأرجاء وغزى ضجيج الأسلحة المكان

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

ستغرق الأمر نصف ساعة حتى يصل الغراب للموقع المعلوم أخيرا

كانت منطقة خالية أعلى جبل مهجور

لا تحطيها سوى الغابات النائية و لا تستعمرها سوى الحيوانات البرية

كان مكانا مثاليا لمخبأ خاص بعصابة إجرامية

لكنه وجده

بفضل نظام التتبع العالق بالخاتم استطاع تحديد مكان إيما و الهرع لإنقاذها

حطت سيارته السوداء قرب المنزل الصغير المحاط بالرجال المسلحين

لكنه بدوره لم يأت خالي الوفاض بل تبعه أسراب من رجاله

وفورما وصلوا دخلت الجماعتان في عراك حاد تطاير في الرصاص و الدماء أيضا

أما الحالك فقط خطى إلى الداخل بأعين محمرة و قد التقطت مسامعه صراخا حادا أحرق دواخله كالجمر

كان صوتها هي

تصرخ وتستنجد بضعف كما لم يسمعها من قبل

جسده هرع إلى الباب الموصد ثم صوب سلاحه ناحية القفل لتتناثر أشلاءه و يركله بقوه جاعلا إياه يفتح على مصرعيه تزامنا مع الصمت الذي صدح في الأرجاء

ولم يلمح سوى الجسد الذي فر هاربا عبر النافذة وحينها هو ركض خلفه يفرغ سلاحه في الفراغ دون جدوى فالرجل اختفى بين الرجال المشتبكين خارجا ورصاصته لم تصبه

كاد يعبر النافذة ليلحق به

لكنه تذكر شيئا ما

بل شخصا ما

ولأول مرة بحياته لم يرغب الغراب بالمواجهة

لم يرغب بالالتفات خلفه

لكنه فعل

كان يجب عليه أن يفعل

رغم أن المشهد الذي قابل أعينه كان كافيا لسكب الحمم بداخله و اشتعال عينيه بالأحمر الدموي

كان جسدها النحيل مستلقيا على السرير بضعف

ثيابها العلوية ثم انتشالها وبشرتها مكشوفة للأعين لا تسترها سوى القطعة الصغيرة التي تغطي صدرها

أما خضراوتيها كانتا معلقتان بالسقف تنظران بفراغ وملامحها ثابتة شاحبة وخالية من الحياة

حينها هو تراجع مبتعدا عن النافذة لتشد قبضته على مسدسه

كان متعطشا لدماء ذلك القذر بشدة

أراده بين يديه الآن

أراد انتشال أمعاءه و دعس أصابعه

أراد اقتلاع عينيه و قضم جلده حتى يستنجد بالموت بدلا عنه

لكنه حافظ على ثباته ليقترب من هيأتها البائسة

كانت الدموع تغطي وجهها بالكامل و أطرافها لا زالت ترتعش بشدة

إلا أن صوتها ظل منعدما

منظرها جعله يضغط فكه مغمضة عينيه بقسوة ثم تنفس بحدة ينحني نحو ضآلة بنيتها و يسحب ذراعها بلطف شديد و هي كالآلة تتبع تحركاته و مقلتيها لا زالتا معلقتان بالفراغ لم تنظر لعينيه ولو لثانية

لف بصره يبحث عن ثيابها العلوية لكنها كانت ممزقة تماما تفترش الأرض

لم يكن يرغب بالنظر لكن الاحمرار على أجزاء رقبتها والخدوش الخفيفة هناك كانت تسحب عدستيه إليها و تروي بشاعة ما قاسته قبل قدومه مضرمة النيران بأوصاله

محياها كان جامدا، مصعوقا لا تبدي ردة فعل فقط هادئة تماما

بشكل مؤلم للغاية

"لنذهب"

قال بهدوء مراقبا جسدها الذي تحرك بتلقائية متوجها نحو الباب لكنه سحبها من ذراعها يعيدها أمامه

"إلى أين هكذا؟"

أشار إلى نصف جسدها المكشوف لتنظر أخيرا لسوداويتيه المشتعلتين بملامح مرهقة

انتزع معطفه الأسود الثقيل ثم أحاطه حول جسدها وقد دست ذراعيها داخل أكمامه بهدوء تام

تتصرف وتنظر نحوه كالدمية بينما هو تكلف بإغلاق الأزرار لأجلها

كان كبيرا للغاية وقد بدت كعصفور صغير بداخله لكنه لا يمتلك ما هو أفضل لستر جسدها و منحها بعض الدفئ

شيء بداخل الغرابي لم يكن راضيا عن صمتها

تمنى لو واجهته بخضراوتيها الغاضبتين أو حتى شتمته و صرخت في وجهه

أيا كان

أفضل من دور الآلة الذي تتقمصه ببراعة تامة

أمسك ذراعها يسير بها برفق للخارج حيث سيارته

وذات أعين الربيع أشاحت بوجهها بعيدا عندما قابلها منظر الدماء المتناثرة و الكثير من الجرحى يحتلون الأرضية الباردة

"سيدتي"

لم يتمالك روني نفسه لينقض عليه بلهفة فورما لمحها تخرج رفقة الآخر

"أنا آسف حقا"

اعتذر لعدم تمكنه من حمايتها و هي حدقت به لوهلة قبل أن تتراجع للخلف تحاول تجنب الاقتراب منه

أطرافها لا زالت ترتعش

"اجلب ذلك الجرذ إلي وإن كان أسفل الأرض السابعة، أريده حيا هل فهمت؟"

سمع جيون يهسهس و قد كان خائفا من النظر لعينيه حتى فقط أومأ بسرعة بينما عينيه تشاهد حالة إيما بحزن كبير

الغراب سحب زوجته وجعلها تستقر داخل السيارة ثم انطلق عائدا بأدراجه نحو المدينة

كان يقود بهدوء شديد أنامله تعتصر المقود بصمت

تترجم الأفكار الشيطانية التي تعبث بدواخله بينما صاحبة الخصلات العسلية كانت هادئة تماما تراقب ما خلف زجاج النافذة بذات الوجه الشاحب

عكس الغصة العالقة بحنجرتها منذ البداية والتي تخنق رقبتها تدريجيا حتى احمر وجهها وباتت غير قادرة على التنفس

"أوقف السيارة"

أردفت ليلتفت نحوها وجدعها تصارع اللاشيء كأن خضراءها تحتضر و أنفاسها رهينة للمجهول

"رجاء"

أضافت مجددا وحينها هو اختار المساحة الفارغة على طرف الطريق الفارغ ليستقر بها سامحا لجسدها بالفرار من ضيق السيارة

هو ظل بالداخل يراقبها ويتتبع تحركاتها

يشاهد أقدامها تستقر على بعد ضئيل جدا من الحافة المطلة على الهضبة العالية

لم يكن بالأسفل سوى أشجار كثيفة على بعد علو شاهق من الأعلى حيث تنظر إيما

لا يدري لما جسده ينقبض كلما زادت بخطواتها للأمام ولو تقدمت أكثر ستهوي للقاع حتما

لم تبد كأنها ستتوقف

وهو بدوره لم يهدر وقتا أكبر بل نزل مسرعا من السيارة يشاهد جسدها الصغير الغارق بمعطفه يوشك على السقوط فعلا

"ماذا تفعلين؟"

لم تكن نبرته صارمة كما يجب بل صوتا رزينا ثابتا ، لم يكن ينهرها أو يصرخ

"أتساءل"

أجابت بهدوء لتعود بخطوة إلى الخلف وعيناه لا تفارقان قدماها و أين تدوسان

"كم سيكون مؤلما لو سقطت من هنا؟"

قالت معلقة أنظارها بالقاع وهو حينها سار نحوها حتى يحول دون تهورها لكنها أشارت له بالتوقف

ثم ابتعدت من الحافة حتى أصبحت على بعد آمن منها

"لا تقلق لن أرمي نفسي من هنا"

سخرت تنظر إليه و كيف كانت ملامحه مبعثرة بين الغضب و الحدة

"مثيرة للشفقة، أهذا ما تريد قوله؟"

"رغم كل ما حدث لي لا زلت أريد هذه الحياة، لا زلت متمسكة بها بشكل مقرف أليس مذلك"

شد قبضته منصتا لكلماتها بصمت

فقد يراقب انكسار ملامحها و خضراءها التي لمعت خلف طبقة المياه التي أغرقتها

اقتربت نحوه بشده تحادثه

كأنه شخص آخر غير الرجل الذي أذاق روحها العذاب الشديد

لكنها لم تكن واعية بما يكفي حتى تميز من يكون الرجل أمامها

ما يثقل كاهلها يفوق ذلك وزنا و إرهاقا

"ما المميز بهذا الجسد همم؟"

جعدت ملامحها تفرك رقبتها تتذكر لمساته المقززة عليها والغرابي أغمض جفنيه بقوة يتمالك نفسه فقد فهم مباشرة ما ترمي إليه

"إلى أي مدى قد يصل إليه المرء من حقارة ليظفر بقطعة لحم بائسة، كيف يتحول لحيوان من أجل كتلة عظام هشة أهلكها البؤس"

كانت تمرر كفها بعنف على كل بقعة لمستها أصابع الرجل القذرة و شفاهها عابسة بشدة

فقط عبراتها تسقط إلى الما لا نهاية

"أجبني"

صرخت ببحة وقد غلفت الجراح نبرتها الميتة

والغراب يشد قبضته أكثر يستشعر ألسنة اللهيب تصفع جدرانه و تحثه على الرحيل الآن و إيجاد ذلك الوغد حيثما كان

أضحت مباشرة أمامه تنظر لوجهه منهارة تماما

ثم أخذت تضرب صدره بقبضتها الضعيفة

"من سمح له بلمسي"

"كيف يضع يده القذرة علي"

بكت بحرقة و لم تتوقف عن ضرب صدره مضيفة قبضتها الثانية وهو لم يعارض بل واقف ككيس ملاكمة تفرغ دمارها به

"لا أحد يلمسني هل فهمت؟ لا أسمح بذلك"

ظلت تنتحب مرددة ذات الجملة وقد انهارت تماما لتعلو شهقاتها المختنقة مخترقة هدوء المكان وأصوات الطبيعة اليتيمة

توقفت عن ضرب صدره أخيرا لتتمسك قبضتها بثيابه بقوة ثم دفنت وجهها بكتفه متجاهلة كونها الآن تعانق الرجل الذي تكرهه بشدة وتتمنى له الأسوء من الموت دائما

لكن عقلها أراد الراحة ولو لدقيقة

أرادت استرجاع بعض الأمان الذي غادرها منذ الأزل

"لما يحدث هذا لي دائما؟"

شهقت بصوت مكتوم جراء رأسها المغمور في ثيابه وهو فقط ضغط فكه بعنف أكبر موقن أن دماء جسدها كلها تغلي بشدة

"لماذا أنا؟"

كان أنينها يرسل ذبذبات حارقة لكافة جسده و جسدها الصغيرة التصق به مطالبا بعد الأمان لفتاة يتيمة تحطمت كل دروعها لحماية نفسها

"لو كان بابا موجودا لما سمح لهم بذلك"

وحينها جونغكوك شعر بسكين يطعن أوصاله بلا رحمة لحجم الألم الذي تحمله بضع كلمات

كانت بالفعل يتيمة، وحيدة دون حصن متين يقيها قسوة الحياة و يداري عنها الأعين الجائعة

مجرد التفكير أن شقيقته سو مين قد تواجه ذات الكابوس المرعب جعل أطرافه ترتجف لوهلة

وبتردد بالغ هو رفع يده مبتلعا ريقه بصعوبة

لم يكن يوما من متلقي العناق والدفئ

لذلك لم يكن متعودا على منحه بل لا يجيد ذلك حتى

إلا أن تشبتها بصدره ،ارتجافها القاسي وشهقاتها المكتومة وسط كتفه جعلته يقدم على ما لا يفقه به شيئا

حط بكفه الكبيرة على مؤخرة رأسها واكتفى بجعله يستقر هناك حتى تهدأ ذات أعين الربيع من انهيارها المؤلم

'أنا موجود وسأقتلع الحياة من أرواحهم قبل أرواحهم'

بقيا على ذات الوضع لفترة زمنية لا بأس بها

حتى دفعته عنها منتفضة بفزع

داهم الغثيان معدتها على حين غفلة واستشعرت رغبة كبيرة لإفراغ محتواها وقد فعلت

عكفت جذعها تلقي ما بداخلها بألم

وهو راح يجلب قنينة مياه من سيارته ثم قدمها لها

نظفت فمها مرارا وتكرارا ثم مررت كفها المبلل على بشرتها

كان البرد شديدا وللتو استشعرت عظامها تنخرها بفعل الرياح التي تسللت لجسدها بين ثغرات المعطف العريض لتعانق نفسها ثم تجاوزت الحالك نحو السيارة ليلتقط رسالتها مباشرة ويلحق بها

"هل ستأخذني لشقتك؟"

رمقها بصمت يشغل المحرك استعدادا للانطلاق

"لا أريد الذهاب إلى هناك، لا أريد البقاء وحدي"

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

مرحبا ألماساتي أتمنى تكونو بخير اشتقت كثيييير كثيييير

في عندي كلام كثير بس رح حاول اختصر

اولا اسفة البارت مو بالجودة المطلوبة ويمكن الأحداث والسرد مو حلوين في احتمال احذفه

ثانيا اسفة لاني تأخرت

بس توقعو يصير هالشي مرة ثانية لانو الواتباد ما يرضى يفتح حسابي حاولت معه كثير بس كان كل مرة يقول الباسورد غلط مع اني بكتبه صح حاولت غيره وبصعوبة نجحت وهلا حسابي ينفتح بس من اللابتوب أساسا من البارت 9 والتطبيق ما يرضى يشتغل وهلا صار أسوء

على كل شو رأيكم ؟

في شي ما حبيتوه؟

إيما المسكينة كل ما تقول رح ارتاح تجيها مصيبة أكبر

اشوفكم بالبارت القادم

أحبكم (لونا)

Continue Reading

You'll Also Like

65.4K 3.2K 12
"قلب مهووس' قلبه مهووس بها عقله لايستوعب أفعال قلبه و يعانده مما انشى حرب بين القلب و العقل متملك بشده ناحيتها يغار عليها يكره وجودها و يحبه ليله بي...
3.5K 296 26
حاولتُ محو آثـارَ ما دفنتهُ في غيـَاهب تلکَ ٱلْـليلةَ مـن عـقلي، لكنّ المـاضي يأبى هَجري. ألـمٌ ينخـرُ أنسجَـة قلبـيِ، دمغـةٌ تحتلُّ يسـارَ ظهـري، و...
5.4K 829 23
- عِندَما تَجِدُ القِيثَارة لَحنَهَا المَنْشُود . - قِيثَارَة 1960 . ~نشرت تامة يناير 2020 ~فصول قصيرة
287K 28K 19
{ B.BH / مكتملة } ...... ( #4 في الشهر الاول عام 2017 في الخوارق قبل النقل ) ........ " ٱنٌۂ خٌطٌأ .. كل شّيّء بّۂ خٌطٌأ ! " .......... ٱلسًٱد...