جيون جونغكوك: سجن الغراب

由 kim_luna1

689K 37.1K 64.5K

《يلقبونه بالغراب، يقال أنه صاحب إبليس في قعر جهنم ثم لفظته النيران على شكل أرض جافة قاحلة...المشاعر؟!..لا مكا... 更多

00
01:الغرابي الغامض
02:سجينة الغراب
03: ومضات من الماضي
04: ليست سوى البداية
05: فرصة
06: لعبة المشاعر
07: مكر الغراب
08:من أنت؟
09: صراع الإخوة
10: أعطني حريتي
12: بلا أجنحة
13: خدعة
14: لوسيفر
15: دموع الملائكة
16: غضب الغراب
17: زهرة الحب
18:نبضات القلب
19: عواصف و عواطف
20: الجريمة و العقاب
21: دم، عرق ودموع
22 : عازف المزمار
23: البجعة السوداء
24: الحسناء و الوحش
25: أزرق و رمادي
26: همسة ولمسة
27: شبح الماضي
28: دفء الغراب
29: رياح عاتية
30:أشرق الحب
31: سهم كيوبيد
32: بداية اللعبة
33: الحقيقة المخفية

11: تجربة

15.3K 1K 1.5K
由 kim_luna1

شغلو المقطوعة فوق بجزء تاتا وإيما رجاء

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

"وهذا لن يحصل إلا إن أصبحت زوجة الغراب"

لمعة احتلت خضار مقلتيها وانقباض مروع هاجم ما يقبع خلف قفصها الصدري نابضا بجنون

ثغرها توسع بصدمة والحروف علقت بحنجرتها تأبى التدفق إلى العالم

حملقت بصمت داخل مجرته المظلمة والتي لا تضمر خلفها سوى البرود و الكثير من القسوة

شعرت بحلقها يتيبس بينما تنقل عدستيها الجاحظتين بين سواد عيناه، تلبستها حالة من الذهول والإغماء العقلي لدرجة فقدانها الإحساس بماهية الوقت ولم تستوعب الثواني العديدة التي أمضتها واقفة تتأمل وجهه كالصنم

ولم يرشدها لصوابها سوى فوهة المسدس التي التصقت بطرف جبينها للمرة الثانية مسببة ارتجافا هائلا بساقيها

"ليس أمامك وقت العالم كله، أريد جوابا"

صوته العميق البارد اخترق سلام أذنيها لتسقط دمعة حارة على وجنتها الملطخة بالدموع مسبقا ثم ابتلعت ريقها الناشف بصعوبة

"أنا-أنا لا يمكنني فعل هذا"

"حسنا إذن"

سحب الزناد مرة أخرى دون مبالاة لاضطراب أنفاسها

تعابير وجهه الفارغة لا تتغير ولا يبدي أدنى تفاعل أو مشاعر اتجاه ما يجري حوله

"لا مهلا أرجوك"

صرخت مفزوعة ببكاء تمسك معصمه بأناملها المرتعشة ثم توسلته بصوت مخنوق

" ألا يوجد حل آخر؟ سأفعل أي شيء تطلبه مني إلا هذا"

بقي صامتا محدقا بخضرائها الدامعة

"أرجوك، لا يمكنني أن أتزوجك"

بل الأحرى بها أن تقول 'لن أتزوج مجرما مثلا'

لكن وضعها الحالي لا يسمح لها بالمجازفة بحياتها على حساب لسانها اللاذع

"ليس وكأنني أموت كي أتزوجك"

سخر بنبرته الخشنة مزيحا يدها عن معصمه بحدة

حينها تلألأت خضراءها وقالت بنبرة جاهدت لجعلها مسالمة ولطيفة إلى أقصى حد ممكن بالنسبة لرجل تمقت حتى أنفاسه

"أرأيت؟ لا أنا أريدك ولا أنت تريدني، لما لا تدعني أذهب في حال سبيلي؟ أقسم أنني لن أخالف الوعد الذي قطعته، إن وشيت بك أو ذكرت حتى اسمك بإمكانك حينها التخلص مني كما يحلو لك"

ظلت تراقب ملامحه بأمل، عله يرأف بحالها

عله يخلي سبيلها و يدرك مدى قبح ذنبه بحرمانها من حريتها لجريمة لم تكن أساسا من صنع يديها

لكنه ضرب توقعاتها عرض الحائط وصفع آمالها الصغيرة عندما ضغط السلاح على رأسها قائلا بقسوة

"سواء بقيت حية أو دفنت خلف هذه الغابة، وجودك أو عدمه لا يشكل فارقا بالنسبة لي"

ضغط حروفه بقسوة مقتربا جدا من وجهها حتى لفحت أنفاسه الحارة بشرتها وقد انكمشت أطرافها من ثقل نبرته و حدة سوداويتيه

"ويجب أن تعلمي، حتى لو أفلت قيودك و منحتك الخلاص من يدي، هوانغ ورجاله سيجدونك و إن بلغت أقصى بقاع هذا الكوكب"

"وإن أصبحت زوجة لك؟"

"لا أحد يقترب مني ومن هم تحت حمايتي"

ابتسامة منكسرة تشكلت على شفتيها وسط دموع قهرها وحرقة قلبها لترمي بربيعها الأخضر وسط ثقب عيناه

"ومن سيحميني منك أنت حينها؟"

"أعطني جوابا أو اخرسي للأبد"

زمجر في وجهها بقسوة وعلامات الغضب استوطنت وجهه الشاحب

"لا تصرخ في وجهي أنت السبب في كل هذا، أنت من اقتحم حياتي و دمرها، أخذت مني أملاكي، أحلامي،أحرقت روحي، والآن تريد سرقة حريتي إلى الأبد، ألا تخجل من نفسك؟"

صرخت هي الأخرى، والألم يغلف صوتها المحطم لكنها شهقت بفزع عندما اخترقت رصاصته السماء بعدما صوب سلاحه للأعلى لاهثا كالمجنون

"موتي إذن"

أعينه المحمرة ابتلعت محياها منفجرة كالبركان

وكم زلزل الطلق الناري كيانها حتى ارتعش جسدها الضئيل بقوة

حينها قطرات المطر أخذت تصب بغزارة تطهر الأرض من ذنوب مستعمريها

التفت ذراعاها حول جذعها تحتضن أشلاءها المنهارة

كأنها قطع أحجية تفككت أجزاءها وأخذت تحلق بعيدا عن موطنها

خصلات غرتها العسلية التصقت بجبينها واغرق البلل ثيابها سامحا للبرودة بنخر عظامها الضعيفة

أصبحت ترتجف كعصفور صغير وقد اختلطت عبراتها بقطرات الغيوم الباردة

"موافقة"

همست تنظر للأرض باستسلام وكفيها تشد على عناق جسدها بقوة

كأنها تعاقب نفسها على الانحناء لمجرم مثله

"ارفعي صوتك"

"قلت موافقة اللعنة عليك"

صرخت ترفع مقلتيها الذابلتين لوجهه

"تحركي"

أردف بحنق غير راض عن نبرتها العالية والتي تعاند في استخدامها مهما حذرها من غضبه المدمر

قوست شفتيها تكمل بكاءها المرير بصمت لتمضي أمامه بجسدها المرتعش

راقب تحركاتها المبعثرة بأعينه الحادة بعدما أعاد خصلاته الفحمية المبللة للخلف كونها تعيق رؤيته نظرا لطولها ثم أعاد المسدس حيث موضعه الأصلي وسار خلفها بخطواته الكبيرة

لم تدرك إيما أنها كانت غائبة عن الواقع حتى استقرت سيارة الغراب أمام الفيلا

لقد أمضت الطريق كله شاردة في الفراغ بالنافذة ولم ينبس أيهما ببنت شفة

"سيقام الزفاف غدا"

قال ببرود محدقا للأمام دون مشاعر

ولم يتلقى منها سوى الصمت، عكس دواخلها المشتعلة

"ولا أظن أن علي تحذيرك مجددا لأنك حفظت الدرس جيدا كما يبدو"

رمقته بحقد تشد على قبضتها بقوة

"ومن الآن فصاعدا لن تغادري هذا المنزل إلا برفقتي أو رفقة روني، مفهوم؟"

وصف مشاعر إيما في هذه اللحظة ليس بالأمر السهل، الغثيان الذي يداهم معدتها والطنين الذي يغزو أذنيها بينما صوته الثخين يتسلل لأعماقها ويضرب أوصالها كالسهم المسموم

بالكاد تتحمل وجودها قربه داخل نفس السيارة فكيف ستتحمل مشاركته ساعات يومها وهي تنظر لوجهه القاسي و تصبر لقلبه المتوحش؟

"عندي شرط"

"لست في موضع يسمح لك بإلقاء الشروط"

أجاب مستفزا مقلتيها المنطفئتين لكي تمسح على وجهها بتعب

"رجاء، أرغب بزيارة شقيقي"

"لا"

"لا يمكنني الزواج هكذا فجأة دون علمه"

استنكرت بانفعال تنظر له بغير تصديق

"لا يهمني" وكما العادة بروده العظيم يكاد يخنق أنفاسها حد الموت

"بل يهم، أنا لست مثلك، ليست لدي عائلة كالجحيم يتمنون دس السم بطعامي والتخلص مني ولا إخوة يتحرقون شوقا لرميي خلف القضبان، أنا لدي شقيق واحد أفديه بحياتي ولا يهمني غيره، لذلك هذا الزفاف لن يحصل دون علمه"

"لا تصرخي"

"لا تجعلني أصرخ إذن"

ظلا يتبادلان النظرات الحارقة لثواني وقد كانت عدستيها مفعمتان بالإصرار والتحدي

ضغط الغرابي فكه قائلا بين أسنانه

"أنت من قام بالاختيار"

"عن أي اختيار تتحدث يا هذا؟ لقد وضعت السلاح فوق رأسي ثم قلت تزوجيني أو موتي، أين الاختيار في نظرك؟ يا إلهي ماذنبي لأتحمل مختلا عقليا مثله؟"

شدت خصلاتها المبتلة تخلل أناملها الباردة بينها بحسرة

"ماذا تريدين مني؟"

شخرت بسخرية ترمقه بسخط ، تشعر بآخر الخلايا الحية المتبقية من دماغها قد تلفت وربما قريبا ستركض في الأحياء حافية القدمين ترمي الناس بالحجارة

هذا إن منحها بعض الحرية أساسا

"أريد زيارة أخي "

صرحت بحدة تشد على حروفها والعصبية تغلف صوتها الغاضب

"عند الرابعة عصرا"

رد بعد سكون دام للحظات

تنهدت براحة تستشعر اللسعات الحلوة التي احتلت فؤادها بعد مدة طويلة

لكم اشتاقت لرائحة أخيها و حضنه الدافئ

لعله يمد روحها ببعض الأمان بعدما تخبطت كثيرا تائهة بين جدران سجنها الأبدي

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

"جونغكوك ماذا تفعل تلك الفتاة هنا؟ لم تتخلص منها؟"

هسهس هوانغ تحت أنفاسه قرب أذن ذو الخصلات الفحمية

لم يصدق عيناه عندما رأى إيما بشحمها ولحمها حية ترزق تصعد سلالم منزله لذلك جذب الغرابي بانفعال يستجوبه بعيدا عن عيني أخته التي تراقبهما بامتعاض

"لم أتخلص منها"

أجاب الأصغر ببرود يميل برقبته بشكل مستفز

"لماذا؟"

"سأتزوجها.....غدا"

سقط فك العجوز مصعوقا بما ألقي على مسامعه للتو وقد رفع صوته بغضب

"هل جننت؟ لا يمكنك الزواج بها ولا تركها حية، تلك الفتاة قد تقضي علينا جميعا والانتخابات قد اقتربت"

"لا ترفع صوتك علي"

هسهس الآخر بدوره جاعلا من هوانغ يتراجع فورا مبتلعا ريقه بتوتر بالغ

"أعطني فقط سببا واحدا يجعلك تفعل هذا، هل أذهلت بها؟ هل أعجبتك؟"

"الكل يعلم أنها خطيبتي، حتى الشرطة،أعينهم علينا أينما كنا، ليس من صالحنا اختفاءها المفاجئ"

كلامه أو بالأحرى حجته الصغيرة ورغم الجزء الكبير التي تحمله من الصحة، إلا أنها لم تقنع عقل زوج والدته الذي حملق به بشك

بحق السماء، من يقف أمامه يكون الغراب، لطالما أزهق الأرواح دون الالتفات خلفه، والآن يتخذ مليون احتياط فقط لأجل فتاة صغيرة الحجم لا حول لها ولا قوة

لكنه ابتلع رأيه و حنقه الواضح فالصمت هو الخيار الوحيد الذي سيفيده حاليا

"حسنا سأفعل ما بوسعي لتجهيز كل ما يلزم لأجل الغد"

"لن تجهز شيئا، سنوقع العقد وننهي المسرحية"

"لا يمكنك فعل هذا بني، أنت قلت بنفسك، أعين الجميع علينا، ستصبح أخبارنا على كل لسان وهذا لن يكون لصالحي في الانتخابات، على الأقل حفلة صغيرة ستفي بالغرض"

رمقه الغرابي ببرود

"افعل ما شئت"

ثم استدار راحلا

"على الأقل غير ثيابك، انظروا للمنزل يسبح بالماء والوحل، مناسب تماما للمكان الذي تنتمي إليه"

سمع مي يونغ تلقي بكلامها المسموم طبقا لطقوسها المعتادة في إغاضة جونغكوك وعائلته

وكعادته تجاهلها ذاهبا لغرفته

توجه لغرفة والدته بعدما استحم وغير ثيابه المبللة، وقد أتاه صوت شقيقته آذنا له بالدخول

وجدها جالسة على السرير تقوم بقياس ضغط دم والدتهما المستلقية بتعب

فبعد عودة ابنها الآخر المفاجئة وتغيره بذلك الشكل القاسي على قلبها المشتاق، داهمها المرض و لم يتحمل فؤادها هول الصدمة

ولم يفارق جسدها الفراش بسبب الإرهاق

"جونغكوك، صغيري تعال إلى هنا"

ربتت جانبها بصوت متعب ترمقه بحنان رغم مقلتيها الذابلتين

أرادت سومين إفساح المجال لشقيقها لكنه أشار لها بالبقاء مقتربا نحوهما بوجهه البارد

"ما أخبار شقيقك بني؟ هل هو بخير؟ كيف كان حاله كل هذه السنوات؟ لما فعل بنا كل هذا؟ لما عذب والدته بهذه الطريقة البشعة؟"

انهارت باكية مجددا بعدما اعتدلت حالسة بمساعدة الابنة، سو مين ربتت على ظهرها تمنعها من البكاء مجددا خشية تفاقم وضعها الصحي متجاهلة ألم قلبها هي الأخرى

كلهم قابلوا هوسوك وحادثوه بينما هي لم تتح لها الفرصة حتى للنظر إلى وجهه، فقط تلقت الأخبار بصدمة

هي أيضا أختهم تتشارك معهم نفس الدماء، في طفولتها لم تكن تفارق ظلهم ولكن بعدما توفى والدهم تغير كل شيء و أضحت تائهة بعيدا عنهم بعدما دفعوها و ألقوا بها بعيدا عن أحضانهم الدافئة

لا تتذكر متى آخر مرة مسح فيها أحدهما على رأسها أو حتى استفسر عن حالها

واليوم أدركت أن شقيقها الأكبر لم يكن تحت التراب كما زعموا بل هو الآخر أدار ظهره عنها واختار إنكار انتمائه إليهم

"لا تخافي ابنك المفضل عاد خصيصا لتقييد يدي بالأصفاد أنا وزوجك"

أجاب ساخرا يسمع انتحاب هي سو الذي زاد علوا وشهقاتها التي انتشرت بالغرفة ثم أضاف بنفس النبرة

"والآن اختاري، النحيب لأجل طفلك المدلل أم التحضير لزفاف ابنك الآخر الذي لا فائدة منه"

"أخي هل ستتزوج؟"

"بني ماذا تقول؟ هل ستتزوج حقا؟"

أردفت كلتاهما بصدمة وهذا جعل من الأم تزيح دموعها بسرعة متستقيمة برمشة عين

انقضت عليه مكوبة وجهه تنظر لعينيه بفضول

"هل ستتزوج حقا بني؟ أجبني لا تتركني هكذا"

تعابيره الجامدة لم تتغير، هو فقط أزاح كفيها عن محياه مجيبا بنبرته الثقيلة

"ألست راغبة بالتباهي بأموال زوجك؟ أمامك اليوم بأكمله كي لا تخجلي أمام الناس غدا"

"مهلا غدا؟ بهذه السرعة؟"

"بني؟ جونغكوك عد إلى هنا"

لا حياة لمن تنادي، فالحالك قد غادر المكان دون ترك مجال لها لتستوعب حديثه حتى

كعادته يهب كالعاصفة ثم يرحل مسببا خلفه فوضى عارمة لمن قابلهم

"سو مين شقيقك سيتزوج غدا؟ يا إلهي لا أصدق أن أمنيتي تحققت أخيرا"

طغى الفرح على ملمحها واستبدلت تعابيرها الذابلة بأخرى نشيطة وحماسية عكس سو مين التي أومأت بابتسامة صغيرة حزينة تراقب والدتها التي انقضى مرضها في رمشة عين وأضحت تقفز هنا وهناك متوترة من ضيق الوقت وفي نفس الوقت سعيدة للغاية لأن طفلها سيستقر أخيرا

هذا يعني أنه لن يرحل بعيدا مجددا وستراه دائما

ناهيك عن قلبه المتحجر الذي لان أخيرا لأجل امرأة ما، وقد تكون هذه خطوة البداية لأجل كسب قلبه من جديد

ربما يوما ما سيسامحها ويناديها بأمي و سيتركها تستريح على صدره الدافئ

لما كل شيء في حالة من الفوضى؟

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

"هل نفذت ما أمرتك به ؟"

أومأ روني مجيبا الغرابي بينما يمد إليه ورقة صغيرة

"أجل سيدي، هذا عنوانه، انتقل حديثا وهو حاليا يقطن بحي كبير وسط المدينة"

نظر الأطول للورقة بشرود قليلا ثم دسها بجيب معطفه الطويل

"جيد"

ابتلع روني ريقه بتوتر ليستوقفه قائلا باضطراب

"مهلا، أظن أن هناك شيئا آخر عليك معرفته"

وجده يحدق به ببروده المعتاد وقد فهم أنه ينتظره ليتكلم

"السيد هوسوك...متزوج ويمتلك طفلا ذو أربع سنوات"

مرر الحالك لسانه بباطن جوفه ضاغطا قبضته بقوة ثم سار بمنكبيه العريضين مستقلا سيارته السوداء بهدوء

بلغ العنوان الموجود على الورقة بعد مسافة لم تتجاوز العشرين دقيقة للوصول إليه

ركن السيارة على الطرف المقابل للشارع حيث شقة النائب العام ليظل جالسا بداخلها يتأمل المنزل بشرود

كان مطلا على الشارع، ضخما ذو تصميم أنيق ولم تكن تحيط به الكثير من البنايات فقد احتل مساحة كبيرة بالفعل ولم يكن من الصعب تمييزه

كانت قطرات الغيث قد توقفت عن الهطول منذ وقت قليل والصمت ساد الشارع كون السيارات المارة معدودة مما منحه طابعا فريدا من الهدوء، كما يفضله شقيقه تماما

هاجمه سرب من ذكريات طفولته حيث رجل كهل كسى الشيب شعره رغم صغر سنه يركض فوق خضار عشب القرية مقهقها بسعادة وخلفه يلاحقه طفلاه بحماس أحدهما في الثامنة والآخر في الثانية عشر

كانت ثيابهم رثة ،أحذيتهم مغطاة بالأتربة وشعرهم الأشعت يقفز مبعثرا في الأرجاء بتناسق مع تحركاتهم النشيطة

ضحكاتهم الطفولية عمت الأرجاء بسعادة عندما قفز الصغيران على الأب الذي تسطح أرضا لاهثا بتعب و قد اختنق بلعابه عندما حط ثقل الولدان على جسده يضربونه بقبضاتهم الشقية

'أمسكنا بك،لقد خسرت'

'آه أيها الشقيان لا تضربا بقوة'

عانقا والدهما بحب ليعدل خصلاتهم بحنان قائلا

'لنعد للمنزل لا بد ان أختكما الرضيعة تبكي كثيرا ووالدتكم غاضبة'

داهمه اختناق شديد ليخرج مسرعا من السيارة يستنشق الهواء بثقل ثم مسح على خصلاته الطويلة مغمضا عيناه بعدما رفع رأسه للسماء مبرزا خط فكه الحاد

"جوهان لا تركض"

بلغه صوت أنثوي ناعم ليصوب عيناه مباشره لمنزل شقيقه الذي غادرته للتو امرأة جميلة وطفل صغير يقفز في الأرجاء بمرح

انقبض قلبه وتسارع نبضه بجنون عندما حدق بالصغير ذو الخصلات البنية الفاتحة المتراقصة بنغم والذي يقهقه بنعومة يلاعب والدته ويصنع أصواتا شقية

شاهد المرأة تمسك بيد الطفل وتتجه به للسيارة المركونة أمام المنزل لكنها انحت لمستواه قائلة بلطف:

"جوهاني، ماما نسيت مقتاح السيارة، هل ستكون ولدا جيدا وتنتظر هنا ريثما أحضره وأعود سريعا؟"

"أجل، جوهان ولد جيد"

رفع الطفل إبهامه بابتسامة واسعة ليقهقه فورما طبعت والدته قبلة قوية على وجنته الممتلئة

راقبه الحالك بأعين تلمع لقدمه الصغيرة التي تضرب الأرض بلطفه ووجهه الوديع الذي يوزع ابتسامات مشرقة هنا وهناك كملاك صغير

حتى أنه كان يلوح ملقيا التحية على منزله وسيارته وأي عنصر موجود حوله

لكنه قفز بحماس

"قطة!"

ركض بخطواته المبعثرة نحو الهرة التي تتجول بحرية على بعد منه لكنها فرت هاربة عندما لمحته آتيا إليها بأقدامه المدببة

"مهلا سيدة قطة لا ترحلي!"

عبس بحزن يزيد سرعة ساقيه القصيرتين ولم يدرك أنه نسي توصيات والدته وابتعد عن بقعته السابقة

مد كف يده مناديا الحيوان الصغير عندما لمحه يجتاز الشارع نحو الجزء المقابل للرصيف حيث الغرابي مستند على سيارته

وقبل استعداده للحاق بالهرة

وجد جسدا ضخما يكتسي السواد يعيق طريقه ويحجب الرؤية عن هيأته الضئيلة

مال الطفل برأسه يسترق النظر لما خلف الرجل العملاق بعبوس كبير منتحبا بحزن

"لقد رحلت"

نطف الغرابي حلقه بتوتر جاذبا اهتمام الصغير الذي رفع رأسه يحدق به بعيونه الواسعة المتلألئة وقد انقبض خافقه مجددا للبراءة المشعة من محياه الملائكي و تلك التفاصيل العديدة التي كانت نسخة عن والده

"لا يجب على الصغار عبور الشارع دون والديهم"

حاول صنع ألطف نبرة ممكنة لديه لكنها خرجت في النهاية خشنة حادة كعادته

قوس الصغير فمه ناظرا للـأرض وأنامله تعبث بطرف قميصه ثم تمتم مشيرا بسبابته الصغيرة حيث الجهة الأخرى من الشارع

"لكن السيدة قطة ذهبت من هناك"

ابتسم الضخم مولعا بوجه الصغير الذي لا يتجاوز ركبتيه

"ستغضب والدتك منك"

وسع الصغير عينيه برعب مشكلا ألطف تعبير قد تراه عيناك ثم ضرب رأسه بخفة متذكرا والدته ليشهق بصوت عالي

"هيا سآخذك لمنزلك"

أومأ الصغير سائرا نحو منزله الذي لا يبعد سوى بضع خطوات، وسرعان ما عادت ابتسامته المشرقة لوجهه ليمسك كف الرجل الغريب بأنامله الصغيرة مواكبا خطواته الضخمة

تصنم جونغكوك لوهلة محدقا بالأسفل حيث تحتضن تلك الكف الناعمة خاصته ولم يجد حلا للاضطراب الذي غزى أوصاله

"لما توقفت أيها العم؟ منزلي هناك"

سحبه الطفل بقوته الضئيلة ليبتسم بخفة شادا على كفه الصغيرة متشبتا بها بلطف وأكمل سيره مقلصا حجم خطواته العملاقة وسوداءه لا تفارق وجه الصغير وظهره الآسر

كل شيء به كان صغير الحجم ولطيفا بشكل لا يوصف

ابتداء من خصلاته الحريرية إلى حذائه الصغير

"جوهان"

نادته سونا بحدة عندما لمحته قادما ممسكا بيد رجل غريب

لقد تأخرت قليلا في الداخل تبحث عن المفاتيح الضائعة لكنها لم تتوقع أن يختلق طفلها كل ذلك الشغب فهو بعادته مطيع جدا ولا ينسى توصياتها

جذبته إليها محدقة بالحالك بريبة من نظراته الفارغة وهالته المظلمة

في الحقيقة، زوجها لم يخبرها سوى بأسماء أفراد عائلته، غير هذا هي جاهلة تماما لأي معلومة أخرى تخصهم

"ماذا قلت بشأن انتظاري هنا؟ وماذا بشأن الحديث مع الغرباء"

وبخت الصغير ببعض الصرامة ليعود عبوسه متمتما

"لقد أردت اللعب مع سيدة قطة"

زفرت بإرهاق من عقله الطفولي البريء، في النهاية هو طفل صغير ما الذي سيفهمه بخصوص هذا العالم السيء؟

"حسنا لا تعدها مجددا"

ثم حدقت بجونغكوك الذي بقي مكانه ينظر بشرود دون تعبير يذكر

"شكرا لك سيدي وآسفة للإزعاج"

قالت باقتضاب غير متنازلة عن ملامح الشك التي اعترت وجهها لتتلقى إيماءة صغيرة منه

"وداعا أيها العم العملاق"

لوح له الصغير بوداعة

"جوهان هذا وقح"

نظرت لجيون باعتذار لكنه فقط ابتسم للصغير بخفة قبل أن تحط سيارة أخرى خلف خاصة سونا بهمجية

ترجل النائب العام بهمجية ثم مضى نحو الحالك بأعين غاضبة

انقض على ياقته يسحبها بعصبية

"ماذا تفعل هنا ؟ "

"عزيزي ما بك اهدأ؟"

"خذي جوهان وادخلا للمنزل سونا حالا"

زمجر الأكبر قائلا بصرامة لزوجته التي نظرت لهما بريبة ثم أقحم وجهه قرب وجه شقيقه محركا جسده بعنف

"ماذا تريد من عائلتي جونغكوك؟"

وسعت سونا عينيها ناظرة للحالك بصدمة والذي تشكلت ابتسامة جانبية على ثغره يبادل الأكبر التحديقات المثلجة

"ماما لما بابا يصرخ على العم العملاق؟"

"هيا حبيبي لننتظر بابا بالداخل"

سحبت الصغير بسرعة عائدة به إلى المنزل بعدما أدركت ماهية الموقف وطلت تراقب الرجلان من زجاج الشرفة بتوتر

"ماذا هوسوك؟ هل أنت خائف على ابنك مني؟"

استفزه الأصغر مميلا رقبته ولا زال محافظا على هدوءه

"لن أسمح لكم بالاقتراب من عائلتي؟ لا أنت ولا ذلك اللعين هل فهمت؟ ابق بعيدا عن عائلتي"

صر على أسنانه بحدة ليدفع الآخر عنه محررا ياقته بهمجية

"إن كنت تظن أنني سأسمح لكم بأذيتهم كما فعلتم لي فأنت مخطئ تماما"

صمت الأصغر يتواصل مع عدستي شقيقه المشتعل

هو في الأساس لم يخطط لأي من هذا، كان ينوي البقاء داخل سيارته ويراقب بصمت لكن الأقدار لها رأي آخر

"أتيت فقط لتحذيرك من اللعب بنار لست بقادر على إخمادها"

قال بهدوء ليفهم الأكبر مقصده سريعا وقد ألقى عليه قهقهة ساخرة

"أم ماذا؟ سيحاول اللعين قتلي مجددا؟"

ثم اقترب من وجهه ناظرا لسودائه الحادة بتحدي

"قريبا جدا ستكون بين يدي رفقة ذلك العجوز وعصابته بأكملها صدقني، ربما نجحتم هذه المرة و تخلصتم من سائق تلك الشاحنة، لكن في المرة القادمة لن تفلتوا مني، أعدك"

"جيد سأنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر"

"جيد"

رد هوسوك بابتسامة جانبية مديرا ظهره إليه ثم عاد إلى منزله

'لن يقترب أحد من عائلتك ما دمت على قيد الحياة....أخي'

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

ǀ14:30 مساءǀ

نزلت ذات أعين الربيع السلالم بإرهاق بعدما استحمت و غفت لبعض الوقت، على وجهها أن يتخلص من آثار التعب كي تقابل شقيقها وهي في منتهى النشاط

لن تترك له المجال لاستشعار خطأ واحد وإلا ستتدمر صحته مجددا و يعود لنقطة الصفر

أن يدرك أن شقيقته تضحي للمرة الثانية لأجله ليس بالأمر اللطيف وإيما لن تسامح ذاتها إن خسرت ابتسامته مجددا رغم أنها لا تراها إلا نادرا

بعثرت خصلاتها الناعمة بخفة باحثة عن المطبخ بأعينها الضائعة ثم دلفت المكان الذي بدا لها أقرب من ظالتها نظرلرائحة الطعام المنبعثة منه

نظرت حولها حيث القطعة الضخمة التي تليق بالفيلا وكما توقعت كان المطبخ موجودا هناك

"مرحبا" قالت بإحراج مقتحمة المكان حيث تصدح قهقهات نسائية تعود لخادمات المنزل

وجدت ثلاث نساء ملتفات حول المائدة وكما يبدو هن يحظين بغدائهن مما زادها إحراجا

وقفت إحداهن سريعا تمسح فمها بابتسامة قائلة باحترام

"آنستي هل أنت هنا لأجل الغداء؟ لم تتناوليه رفقة العائلة"

حركت الصغرى رأسها نافية مشيرة للشابة بالعودة إلى مكانها

"لا عليك، آسفة للإزعاج أكملن رجاء"

"هل أساعدك في شيء ما؟"

كانت ستنفي مجددا لكنها نظرت حولها لضياع لتقول بأسف

"آسفة حقا لكنني أحتاج بعض المكونات هلا ساعدتني في إيجادها؟"

أومأت الخادمة بابتسامة واسعة وقد ناولت إيما جل ما تحتاج إليه و أرشدتها لمكان البقية

"شكرا لك رجاء أكملي طعامك"

"العفو آنستي"

انضمت الخادمة لرفيقاتها و ظللن يتتبعن هيأتها الضئيلة التي ترتب ما تحتاج إليه على المنضدة بتركيز و أحيانا تصفع جبينها لنسيان شيء ما

كن يتهامسن عن مدى جمالها ورقتها في التعامل وعن كونها ربما العضو الوحيد من العائلة الذي دخل لهذا المطبخ وطبخ لنفسه

ولم يغب عن الأخرى حديثهم الصغير حول حفل زفافها الذي سيقام غدا بسرعة فائقة وكم أنها لائقة لابن العائلة وغيرها من الترهات التي جعلت الأشواك تحيط صدرها بشدة والدموع تختنق بعينيها

أرادت الصراخ في وجههن لعلهن يصمتن فكل حرف يصدر عنهن يصيب صدرها كالسهم القاتل

حاولت تجاهل الهمسات التي تنهش أذنيها باحثة عن بعض الفراولة داخل المبرد

وقد تشكلت عقدة حائرة على حاجبيها عندما ساد الصمت فجأة

"هل تحاولين لعب دور سيدة المنزل يا ترى؟"

التفت تقابل وجه مي يونغ الممتعض ترمقها بسخط

"عفوا؟" أجابت باستفهام فما سبب النظرات الحارقة و النبرة المتعالية التي تلقي بها هذه المرأة العجوز؟

"إن كنت تعتقدين أن زواجك من ذلك المتشرد القادم من القمامة سيرفع من شأنك و يمنحك السلطة على هذا المنزل فأنت مخطئة تماما لأنني أنا السيدة هنا ولا أحد سيحل مكاني بعدي سوى ابنتي بورا "

لم تفهم الصغيرة شيئا، بقيت تنتظر للمرأة المشتعلة بصمت والتي أصبحت غاضبة فجأة تضرب المنضدة بانفعال

"لما لا تجيبينني؟ هه ماذا توقعت من حثالة مثله غير إحضاره من هم من نفس سلالته القذرة عديمة التربية"

"سيدتي"

أردفت بحدة وخضراءها تأججت بالنيران

لن تطيق حديثها المهين لعائلتها المحترمة والمرموقة و طعنها في كرامتها بهذه الطريقة

"عائلتي أنقى وأشرف من منزلكم المليء بالحقد والسموم، لا سني ولا تربيتي يسمحان لي بتجاهل عمرك والرد عليك"

جزت مي يونغ أسنانها بقوة تشيح وجهها عن الصغرى باحتقار ثم غادرت تقرع الأرض بكعبها الغاضب

"يونا أحضري قهوتي"

وبعد النقاش الصغير، كان الجميع قد التزم

زفرت إيما ممرة كفيها على وجهها :

'سأجن، ألهمني الصبر يا إلهي'

تناولت الفراولة تغسلها وتقطعها و بعد دقائق كانت أصوات خفق الكريمة منتشرة بالأرجاء ورائحة الكعك الشهي تخللت أنوف الحاضرين جاعلة لعابهم يسيل

أخرجت حبات الكابكيك من الفرن لتضعها جانبا حتى تبرد قليلا ثم كريمة الفراولة الموجودة بالبراد

أخذت تذيب قطع الشكولاطة وتغمس بها حبات الفراولة الطازجة وفي النهاية وضعت الكريمة المخفوقة ذات اللون الوردي الشهي فوق الكعكات باحترافية لتزينها أخيرا بحبات الفراولة التي جهزتها قبلا

وضعت يديها على خصرها متراجعة للوراء حيث تتسنى لها رؤية مثالية للحلوى التي أعدتها بإتقان لأجل شقيقها كعادتها في كل زيارة له

همهمت برضى تغسل يديها لتتذوق إحداها عاقدة حاجبيها بتركيز وقد كان مذاقها جيدا بالنسبة لضيق الوقت وحالتها النفسية المتدهورة

نظرت للساعة المعلقة على الحائط لتشهق بهلع ، إنها الثالثة والنصف مساء ولا زالت غير جاهزة بتاتا

قد يحرمها ذلك المتوحش من رؤيته إن تأخرت وربما لن تراه مجددا

نزعت المريلة عنها بفوضوية ثم رتبت الكعكات في صندوق كرتوني صغير وجدته جانبا

تناولت طبقا زجاجيا تضع فيه بعض الحبات التي احتفظت بها لأجل الثلاثة

حملته وحطت به أمامهن على المائدة لتهرع خارجا بعدما قالت:

"هذا لكن بالهناء والشفاء"

دخلت غرفتها التي باتت نظيفة ومرتبة مرة ثانية وقد تم ترتيب أشيائها بالخزانة كما أنها وجدت أغراض أخرى متعلقة بالزينة غير دارية أن والدة جونغكوك من أوصت بذلك خصيصا لأجلها

فتحت الخزانة تختار ما سيجعلها تبدو بمطهر أنيق لعيني أخيها

وقد التقطت أخيرا معطفا سميكا دافئا ذو تفصيلة جميلة للغاية بالرمادي الفاتح

في نهاية أكمامه الطويلة قماش صوفي قاتم النوع ناعم كالريش، ارتدته صانعة عقدة أنيقة بواسطة حزامه الذي دقق خصرها بشكل جميل

ولم تنسى جواربها الطويلة فالبرد قارس خارجا ثم أنهت طلتها بحذاء شتوي ذو كعب عالي

جلست أمام المرآة تضع بعض المستحضرات الخفيفة تبرز جمال أهدابها الكثيفة ورسمة عينيها الواسعة ثم أضافت بعض البريق لشفاهها المتوردة

كانت الساعة تقترب للرابعة بالفعل لذلك تناولت المشط بتوتر تسرح خصلاتها المموجة وترتب غرتها فوق عينيها لتنهي ما تفعله ببضع رشات من عطرها المميز ذو رائحة جوز الهند المنعشة

تنفست بعمق تنظر لانعكاسها على المرآة

"تستطيعين فعلها إيما، ليس أمامك خيار آخر"

قالت بعزم ثم رفعت سبابتيها تسحب بها طرفي فمها في محاولة لتشكيل ابتسامة أو ربما شبه ابتسامة

لكن ما قابها سوى وجه كالمهرج، فم مبتسم أعين ذابلة

ما كان اسمه ذلك؟ الجوكر؟

أجل وجدت ابتسامتها المنافقة كالجوكر تماما

"آنستي السيد جونغكوك ينتظرك خارجا"

نادت الخادمة يونا بعدما طرقت مرات متتالية

وحينها إيما انتفضت واقفة تمسك علبة الكعك بين يديها ثم سارت للخارج بقلب ينبض شوقا

كان واقفا قرب سيارته السوداء يخبر روني ببعض الأشياء الخاصة بالعمل

ليستشعر خطواتها الصغيرة التي أخذت تقترب نحوهما و ما لفت انتباهه كانت رائحة العطر المميزة التي تخللت جيوب أنفه ليعلم هويتها فورا فلطالما استنشقها عليها كلما كان قريبا منها

التفت يرمقها بنظراتها الباردة وقد بدت مختلفة نوعا ما

كان صدرها يعلو ويهبط بسرعة بينما لؤلؤتيها ذات اللون الربيعي تنظرنحوه بصمت بين تحركات رموشها الكثيفة

حدق بها بضع ثواني إضافية ثم أشار لروني بالذهاب قائلا بنبرته العميقة

"اصعدي"

لم تجبه بل قررت الصمت تماما حاليا

لن تغضب ولن تشتعل مهما استفزها كي لا تفسد ملامح وجهها التي جاهدت كثيرا لجعلها تبدو مرتاحة و سعيدة

صعدت بجانبه تضع العلبة بالمقعد الخلفي وأشاحت وجهها نحو النافذة متجاهلة وجوده وهو بدوره لم ينبس بكلمة بل قاد نحو المصحة بهدوء تام

ركن السارة بمرآب المصحة أخيرا وقد قفزت الصغرى من جانبه بعجالة ممسكة هديتها الصغيرة وتوجهت للداخل بخطى سريعة

لحقها الحالك بصمت يراقبها تدلي بهويتها لموظف الاستقبال ولم تغب عنه قدمها التي تطرق الأرض بتوتر

"آنسة كيم، تفضلي لمقابلة الطبيب لي أولا"

"الآن؟"

عبست بحزن عندما أومأ الموظف لتجر خطاها الخائبة نحو المكتب المعلوم

رمقت الأطول بحنق كونه ملتصق بها كالعلكة ولا يبارح جانبها أو خلفها كالشبح بهيأته السوداء وهالته المخيفة حتى أنه دخل مع إلى مكتب الطبيب بكل وقاحة متجاهلا تذمراتها وشتمها الهامس له

"آنسة كيم"

أردف الطبيب بوجهه البشوش يشير لهما بالجلوس

"مرة عدة أيام على آخر زيارة لك "

نظرت نحوه بأسى مجيبة بصوت خافت

"كان لدي ظروف خاصة، بالمناسبة هذا خطيبي"

أشارت نحو الغرابي بامتعاض والذي لم يحاول حتى تزييف ابتسامة صغيرة بل يحدق كالبومة بصمت وأعين ثاقبة

"كيف حال تايهيونغ؟'

لمعت مقلتاها بلهفة تشد على احتضان العلبة لصدرها ليبتسم الطبيب بتفاؤل

"جيد جدا، حتى أنني أفكر بتسريحه بعد أسبوعين أو ثلاثة"

"حقا؟ يا إلهي حمدا لله"

"هذا بفضلك أيتها الصغيرة فقد باشر بالتحسن في السنة الأخيرة التي بدأت فيها بالاعتناء به"

وضعت كفها على ثغرها تحاول منح العبرات من الانزلاق وتخريب مظهرها المرتب والطبيب ضحك بشدة لارتباك أطرافها وخضراءها اللامعة التي تحمل سعادة الكون كله

استقام الرجل الكهل يربت على كتفها بحنان

"أنت كنت صبورة للغاية بنيتي، متأكد أن تايهيونغ سيبقى ممتنا لك إلى الأبد"

شهقة منكسرة غادرت ثغرها لتفر بعض القطرات من عدستيها

"أنا حقا ممتنة كثيرا لك، لولا جهودك وإيمانك بأخي لما استعاد صحته يوما"

قالت ببكاء لتلمع أعين الرجل بدورها فقد كان شاهدا على معاناة الإخوة وهما في سن صغيرة

وقد أعادوا له الإيمان بنفسه والثقة في قدراته الطبية لأنهما لم يستسلما يوما

كلما غلف اليأس عقله كانت ابتسامتها الدافئة و تمسكها بالأمل دافعا جديدا له لبذل جهد أكبر ومساعدة الشاب الصغير لتجاوز محنته الصعبة

استقامت تعانقه بامتنان ليضحك مربتا على ظهرها

"عمل جيد أيتها الصغيرة"

مسحت دموعها بكف يديها تستعيد رباطة جأشها متناسية الرجل الذي دمر حياتها

"سأذهب لرؤيته الآن"

"إنه بقاعة الموسيقى، اذهبي إليه هو يقضي وقته هناك بمفرده"

أومأت تحمل علبتها وتغادر المكتب بعجالة ليقهقه الطبيب على مظهرها اللطيف

"إنها مقاتلة شجاعة بقلب ألف رجل"

قهقه ناظرا للغرابي الذي يحدق بظهرها بصمت والذي لم يبدي أي ردة فعل تذكر

هو فقط لحق بها بهالته المهيبة حتى أصبحا أمام باب خشبي ضخم

شاهدها تمسح أسفل عينيها وتستنشق ماء أنفها معدلة شعرها بأناملها وقد برز النمش الجميل أعلى وجنتيها المتوردة بسبب البكاء

وعندما لاحظته فوق رأسها يثقبها بعينيه هي قلبت عينيها بضجر

"هل سترافقني للداخل أيضا؟"

رفع حاجبه كإجابة مختصرة لتقترب نحو وجهه هامسة بغضب

"بربك!أرغب ببعض الخوصية مع شقيقي"

"لا يهمني"

"اسمع، تايهيونغ هو آخر شخص قد أخبره عنك، ليس لأنني خائفة منك بل لأنه يهمني وأخاف عليه قبل كل شيء"

"سيدخل كلانا أو لا أحد"

زفرت بحنق تعض شفتيها بقهر لتومئ باستسلام

'يا ليتني أحطم فكك اللعين وأقتلع تلك الأعين المستفزة أيها المتغطرس المتوحش'

أدرات المقبض بقلب نابض تسارعت دقاته بجنون عندما اخترقت مسامعها ألحان حزينة للغاية، ثم حدقت بسكون بالظهر الواسع الذي يقابلها

"تاي"

همست بارتجاف تحدق بشقيقها الذي يحتضن الكمان الذي أهدته له سابقا ويعزف على أوتاره بإتقان بالغ لدرجة أن عصاه مرت على ندوب قلبها كالسكين

كانت القاعة واسعة للغاية ومظلمة بشكل منح العازف الصغير لمسة شاعرية بديعة

توسط جسده الآلات المختلفة الموضوعة بإهمال بينما هو كان واقفا يعزف مندمجا مع الألحان ووجهه مقابل للباب الزجاجي المطل على الحديقة

انزلقت الدموع الحارة من محجريها تلقائيا لتضع العلبة على أحد الكراسي

فالقاعة كانت مخصصة للحصص الفنية المتعلقة بالمرضى السليمين عقليا كتاي والتي تسمح لهم حالتهم العقلية بممراسة أنشطة مختلفة

توقف الشاب الوسيم عن العزف لكن يديه لم تغادرا كمانه ولا جسده تحرك عن وضعه

لم يكن منتبها أبدا للضبوف الذين أطلوا على حين غفلة

تفحص الغرابي هيأة الشاب بعينيه، لباسه القريب جدا من الذي ترتديه شقيقته خاصة تلك القبعة ذات الشكل المألوف، طوله الذي جزم أنه موازي لخاصته

ولم يتسنى له الفرصة لرؤية وجهه

انتبه للأنفاس المبعثرة الصادرة عن إيما

فوجدها تتأمل شقيقها بانكسار فياللويلات التي افتعلها عزفه البائس بفؤادها المتعب

أمالت رقبتها تلقي بعبوس وجهها نحوه وكان الألم قد استوطن ثنايا قلبها

ثم سارت باتجاهه بخطوات خفيفة كالريشة دو حتى الانتباه لها

وعكس توقعات الغرابي تماما، إيما لم تقصد شقيقها بل توقفت قرب آلة البيانو الضخمة القابعة في تلك البقعة البعيدة تتأمله بابتسامة منكسرة ثم مررت أناملها المرتعشة على مفاتيحه آخذة نفسا عميقا قبل أن تجلس على الكرسي الصغير المخصص له

نظرت لجانب شقيقها الشارد بعمق حتى أنه لا زال غير مدرك لوجودها بهذا القرب منه

كم مضى من الزمن على آخر مرة لمست أصابعها المفاتيح و شكلت أنغاما عذبة؟

ست سنوات؟ منذ آخر مرة عزفت فيها على البيانو رفقة والدتها في عيد ميلاد والدها الراحل كهدية له

افترشت دموعها الأرض لسرب الذكريات الحلوة التي مرت على ذهنها

لكن حلاوتها أضحت مرارة سامة تعلق داخل حنجرتها وتخنقها بشدة

تأملت المفاتيح بشرود

كانت هناك معزوفة لطالما اختارتها كلما خالجها غضبها الطفولي أو حزن لأجل بعض أساب المراهقة التافهة

وتذكرت عندما لقنتها إياها والدتها كي تفرغ ألمها الداخلي كلما مرة بتجربة سيئة أو محزنة

كانت تعزفها كلما ضاقت نفسها ليعلم جميع من في المنزل بأن الأميرة الصغيرة تتألم وبنهالوا عليها بحبهم الشديد

'تجربة للسيد لودوفيكو إيناودي'

شعرت برغبة ملحة تتأجج داخلها لسماع نغماتها والصراخ من خلالها بأن الأميرة المدللة تتألم فهل من منجد؟

'لم يبقى أحد غير تايهيونغ لسماعها '

فكرت تكتم شهقاتها تقمعها عن التحرر

ثم اعتدلت جالسة مستعدة لقرع النغمات والصراخ

الصراخ بحرية

تنفست بارتجاف تقرع المفاتيح بأنامل مرتعشة وبطء شديد أبان عن توترها

حينها التفت تايهيونغ نحوها متفاجئا

صدحت نغمات خجولة في الأرجاء وصدر صاحبتها يرتفع ويهبط بسرعة

إيما عضت شفتيها مقاومة رغبتها في الاستسلام والتوقف

لتضغط جفنيها بقوة مكملة القرع على النوتات المثالية

تشعر بداخلها يعتصر و صرخة عميقة مكبوتة هناك بين جدرانه الشائكة

وكلما اندمجت مع النغمات زادت سرعة أناملها البارعة مستعيدة روحها القديمة غائصة في بحر الذكريات السوداء التي طاردتها لسنوات عديدة

النغمات أصبحت قاسية كقسوة صفعات الحياة لها

كقسوة ذلك اليوم الذي فقدت فيه كل شيء، والداها حريتها أحلامها الصغيرة و روحها الحية

تساقطت العبرات واحدة تلو الأخرى من عينيها وحينها تلقت عناقا دافئا من نغمات أخرى هادئة انضمت لخاصتها مختبئة بخجل

ابتسمت لشقيقها بين دموعها الغزيرة عندما لمحته يحرك العصا على أوتاره بانسجام معه كأنه يشاركها آلامها ويربت على قلبها بخفة قائلا 'أنا معك'

أومأت له مشجعة تنصت لنغماته تزداد علوا مصدرة ثوتا حزينة للغابة في كل نوتة يصدرها من فؤاده قبل أنامله

طغى صوت الكمان البائس الغرفة حيث تابهيونغ الذي بكت عيناه يتواصل مع خضراء شقيقته الدامعة

يتشاركان ذكريات قد عصفت بهما وأحرقتهما حتى النخاع

سرد الشاب معاناتاه بانفعال يحرك ذراعاه بقسوة ونقمات البيانو خلفه تدعمه كما اعتادت شقيقته

لم تتخلى يوما عن يده حتى في نغماته المتألمة

بكى الأخوان بحرقة أحدهما للآخر حتى استسلم تايهيونغ لاهثا يرخي لآلتها الثمينة للأسفل بأعين محطمة

إيما وبالرغم من انهيارها الشديد بدورها هي أكملت حتى آخر نغمة وفي جزء معين التقت مقلتاها بخاصة الحالك الذي لا زال واقفا في بقعته وسوداويتيه مسلطة عليها بحدة

ولوهلة ظنت أنها لمحت لمعانا صغيرا يهاجر جفنيه إلا أن المكان كان مظلما على بصرها

قرعت آخر نغمة مبتسمة بوجهها الملطخ

والتفتت تحدق بشقيقها الذي يلهث باكيا

اقترب منها تاركا كمانه أرضا حتى سقط على ركبتيه أمامها ليعانق خصرها دافنا وجهه في حجرها منفجرا

"آسف إيما بسببي حدث كل ذلك فقط لو لم أكن موجودا"

شهقاته ملأت القاعة لتشاركه البكاء ماسحة على رأسه تقبل ضعره بشوق

"اشش، لا تقل هذا لا أعلم ما كنت سأفعله لو لم تكن موجودا"

رفع رأسه نافيا

"لو لم أفعل ما فعلت، لو لم أتبع ذلك المجرم لما دخلت السجن لكانت حياتك أفضل بكثير"

كان يفرغ مكنونات صدره بحرية

لعل تلك المعزوفة القصيرة فتحت أبواب قلبه و حركت مشاعره المكبوتة عندما لمح غيني شقيقته الحزينة كما لم يراها يوما

"لو لم أكن فتى سيئا لما رحلا ذلك اليوم، لكانا هنا برفقتنا "

نفت مكوبة وجهه تزيح دموعه وتقبل جبينه بحنان

"أنت فتى جيد، لا علاقة لك بما حدث حسنا؟ أنت فقط حاولت الدفاع عن شقيقتك"

"كلا إيما أنا سيء جدا، أنا حتى لست نادما لأنني قتلته بيدي هاتين ولو عاد بي الزمن للوراء لفعلتها مرة ثانية وثالثة ورابعة"

عانقته ببكاء تمسح على خصلاته

وقد نسي الاثنان وجود عنصر ثالث يشاركهما أوكسجين المكان الفارغ و ينصت لكل حرف يقولانه بتركيز

"كيف لي أن لا أشعر بالندم وأنت ضحيت بنفسك وتحملت عني التهمة، أنا سيء للغاية"

فصلت العناق ناظرة لوجهه بجدية

"لا تقل ذلك مجددا، لقد طوينا هذا الملف وصار من الماضي، هل تريد رؤيتي سعيدة؟"

أومأ الأصغر مستنشقا ماء أنفه بوداعة

"امسح هذه الدموع وكن أخي البطل الذي لطالما اعتمدت عليه، صدقني أن والدينا سيكونان فخورين بنا حينها"

"أنا آسف، آسف للغاية"

ظلا متعانقين لبعض الوقت وبينما كانت أناملها تعبث بخصلاته الطويلة أعلى رقبته تذكرت وجود الغراب رفقتها بنفس المكان لتبتلع ريقها الناشف

"تاي تاي، صغيري هناك ما أود إخبارك به"

نظر لها المعني بتركيز لتمسح على عينيه بأكام معطفها قائلة بتردد

"أنا سأتزوج غدا"

◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊◊

مرحبا ألماساتي أتمنى تكونو بخير

أولا بعتذر لاني حدثت بوقت متأخر

ثانيا البارت يمكن ممل شوي بس كتبتو بمشاعري حتى اني بكيت بالجزئية الأخيرة لاني حسيت بألم إيما وكيف عبرت عنو بعزفها على البيانو

المقطوعة عندها مكانة خاصة بقلبي وواحدة من القليلات الي تحرك مشاعري

شخصيا مو راضية عن السرد بهذا الفصل والأحداث مملة شوي ولكن فنفس الوقت ما كان فيني اتجاهلها

شخصية جونغكوك ومشاعره ما بعبر عنهم كثير بعطيكم الحرية لتحللوها بنفسكم لانو هذا الهدف الاساسي من شخصيتو

فكرة الصور قريتها كثير بالكومنتس لو ما عجبتكم عادي اشيلها

أحبكم "لونا"

繼續閱讀

You'll Also Like

127K 14K 29
مَن قالَ اننا كبشرٍ الكائنات الوحيده علي الأرض؟ بارك جيمين هانا مواعيد التنزيل: كل خميس و جمعه Started:11/11/2021 Ended:11/2/2022 ○الرواية مليئه بكل...
15.5K 1.7K 9
أحبها فأرادها له حباً، لكنها رفضته ليقرر أن يأخذها تملكاً، فهو الماتدور الذي لايهاب شيئ، كيف لفتاة أن ترفضه بسبب كونه "ماتدور" -اسمعي عزيزتي، أنتِ تق...
13.7K 1.3K 33
• " الاخلاص لا يأتي من الاحباء بل مِن مَن يخاف منك ،، وأنا يا مولاي لستُ أيًّ مِنهُماً " جسارتها وعِنادها اللذيذ .. سهام الثقه المنبعثه من عينيها ،،...
64.8K 3.1K 12
"قلب مهووس' قلبه مهووس بها عقله لايستوعب أفعال قلبه و يعانده مما انشى حرب بين القلب و العقل متملك بشده ناحيتها يغار عليها يكره وجودها و يحبه ليله بي...