٥-|إنكسارهُ الأعظم|

1.9K 180 156
                                    

«الحياة لُعبةُ حظ جميعُنا حضينا بالنصيبِ الكافي من هلاكِها؛ وهُناكَ المَزيد»

أهلًا بك في القاع، ولا أعني بالقاع المكان أسفل المُرتفعات ولا الدرك الأسفل، كلا بل أنا أعني الحياة، الأرض، وهذا الكوكب، حيثُ هذا الكون الفسيح هو قاعُ الأبرياء، قاعُ الأنقياء، وقاع لا ينجو من جحيمهِ أحد، لا نسقُط إليه بل نحنُ دومًا بهِ، والسبب فكرُنا الساذج بإن الحياة هادئة وبسيطة، تغاضينا إن كُل يوم بهذهِ الدُنيا لا يمُر دون صفعةٍ وجلدة على الروح لتنبيهنا إن الغابة لا تسكُنها الفرائس بل الضواري فقط؛ أهلًا بكَ في القاع حيثُ شيطان البشر هو من أحتل القِمة ونحنُ علينا فقطّ أن نُتابع ما يحدُث ورِقابنا مُعلقة بالأعلى نُشاهد هذا العالم كيف يحترق وينهار؛ أنهيار؟ أنهيار كلمة هينة، كلمة أقل ما يُقال عنها تافهة أمام ما تشعُر بهِ الآن، صدمة أو ربما كلمة أقسى حلت عليها، فؤوس الحقيقة تضرب رأسها دون رحمةٍ فتجعل روحها تترنح على أرصفة الوجَّع دون إتزان، تهوى لكن لا يوجد شيء يلتقطها بل بقت تهوى وتهوى بعينان جاحظة بالصدمة والرُعب، والصوت الهامس يخرُج بسؤالٍ مُتهدج بعدم تصديق:
-إيه؟ أنا مش بنت كمال وميعاد؟.

إنسحاب الروح تلك اللحظة الأصعب بعُمر المرء، لكن الأصعب حين تشعُر بأن الروح تُسحب وأنتَ ما زلت تتنفس، ما زلت على قيد الحياة ترتشف من كؤوسِ العذاب، ترتوي الهلاك قطرةً قطرة ولا يوجد حلٌ لإنتهاء ما تُكابدهُ؛ كحالِ ميعاد التي أخذت تصرُخ بهستيريا وهي تلطم وجنتيها دون وعيٍ منها:
-لأ لأ لأ.

ثم دون وعيٍ كانت تنتفض، تُعانق أبنتها بأقسى عِناق قد يُعانقه شخص لشخص، تدفن جسد صغيرتها الساكن بين ضلوعها وتواصل الصُراخ بأرتعاب من فكرة الخسارة:
-لأ لأ أنتوا ولادي، متصدقوش كلامها أنتوا ولادي وقطعة من روحي.

لوهلة كانت أن تصدقها، فكيف لذلك العناق أن يُكذب، رفعت عيناها فرأت لأول مرة بحياتها عيناها كعيون الأُمهات، حنونة، مُحبة، وخائفة من فكرة خسرانهم، كادت أن تُصدق وبين كاد وكاد يتغير القدر ألفُ مرة، صراخٍ أليم، صراخ مكسور صدح بوجَّع باطنه غضب وقهر، صرخة واحدة كانت بمثابة صفعة أوقعتها وما ظنها ستنهض من وقعتها تلك:
-متكدبيش صح أحنا ولادك بالتبني.

وكأن الحقيقة كانت أشبه بسيفٍ بتار نزل على قلبها فشطرهُ لنصفين نازفيين؛ رائع الآن أمست هي الوحيدة المُغفلة بينهم، الوحيدة التي لا تعلم شيئًا والكل من حولها يعلم كُل شي، ألتفتت تنظُر لأخيها بعدم أستيعاب فالحدث لا يستوعبهُ عقلُ إنسان:
-أنا مش فاهمة حاجة.

أوضحت فريال وهي تستعدل بوقفتها بأستعدادٍ للرحيل:
-ميعاد كانت عندها مشاكل في الخلفة أتبنتك أنتِ من فرنسا، وجاسر وحور الأتنين من ستوكهولم علشان الأتنين كانوا بنفس اليوم داخلين الملجأ وكانوا تقريبًا مولودين بذات اليوم.

قاسية أرهقت قلبي. لـ|هايز سراج|.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن