١-|غرقٌ بالذكريات|

2.1K 192 126
                                    

بسم اللهِ بدأنا.

«الذكريات طلاسمٌ سود ما إن تُفكر بحلِها تنقلب عليك، ويُصيبُك مسٌ من الجنون بحضرتها؛ ولا تنجو».

للزمن أحبالٌ قاسية تلتف حول أعناقنا دومًا كأنشوطة المِشنقة والذكريات ما هي إلا خشبة تُثبت أقدامنا تنتظر اللحظة المُناسبة لتبتعد فنختنق بأحداث ما سلف ونموت بأحداثِ ما مضى، للذكريات أصواتٌ مُزعجة كصرير الجراد كُل ما تفتحت براعم أراوحنا تشنُ هجومًا لتحصدُها قبل أن تتفتح فتعود أراوحنا كصحاريٍ جافة، لا زهور ولا خضار؛ براعمنا التي لا أحد يعلم كيف جاهدنا لتنمو، وكيف تشبثنا بأحبالِ وهمٍ مُنتظرين تفتُحها، نظن بفكرٍ ساذج إننا قادرون على البترِ، بمأمنٍ من أن نهوى لوادِ الذكريات العميق وإن النسيان ما هو إلا زر نكبسهُ ونمحي كُل ما فات، فتأتي لحظة الحقيقة بذكرى أشبهُ بصفعة على روحنا، للذكريات مع الروح حربٌ ضروس لا تنتهي بمُعاهدة سلام ولا هُدنة صُلح، يتصارعان دومًا ويتفنن الماضي دومًا بصولاتهِ وجولاتهِ على القلب الذي رُغم الألم، الوجع، والتخلي، يبتهج ويصل لنشوة السعادة بمعركتهما، كجُرعة مُخدرة؛ تنتشي بها لحظة وتقتُلك عمرًا كاملًا بعدها هكذا هي الذكريات، تحسبُ إنها مُهدء فعّال للوجَّع لكنها تقتل روحكَ دومًا بحضرتها، وتحبسها بأرادتك الحُرة خلف قضبانها... ولا تنجوا؛ أربعة أعوامٍ مرت... بالدقة أربعة اعوامٍ ونصف وخمسةُ أيامٍ مرت على فُراقٍ وقعهُ كبرياءُها غير مُبالي بنزيف القلب المذبوح على مذبحة هجرٍ هي من بَنتها، كم مرّ من عُمرها؟.

هي لا تعلم ولا تحسبهُ حتى فمهما كُنت شابًا فتيًا إلا إنك بالفُراق ما أنتَ إلا عجوزًا هرمًا؛ أحنى البُعاد ضهرك، وأبيضت عيناك من فرطِ بُكاء الحنين عليهِم.

قابعة بمكتبها الفخم الموجود بصُرح شركتها التي أسستها فور أن خطت أولى خطواتها على أرض نيويورك، عازمة على النسيانِ والمضي قدمًا فوق جُثمان العشق والهوى، لم تنساه وكاذبة لو زعمت عكس ذلك، لكنها تتعايش؛ وهل يوجد أقسى من التعايُش وتوالف الروح مع الألم؟ رن هاتفها بأتصال هام ردت عليهِ بهدوء ثم أغلقته بعد دقيقتين وتبسمت بحنينٍ كبير، لقد أشتاقت لعائلتها حد النُخاع، عائلتها التي قد زادت فردًا جديدًا اليوم؛ فردًا جديدًا كالعادة لم تكُن هي بالصفوف الأولى لحملهِ ولم تكُن أولى من تُقبله وتتشمم رائحة بشرتهُ الناعمة فور ولادتهُ، أمتدت يدها لفتحِ جارور مكتبها لأخراج شريحة ما حتى تتصل على أخيها لكنها توقفت وتلقائيًا تبسمت بسمة واسعة شملت حنان العالم أجمع وهي ترى ذلك البراوز الأنيق الذي يحوي على صورة لثلاث أطفال فتاتين يتوسطهُم فتى، صورة صغيرة تُمثل لها العالم بأكملهِ، وعلى كبيرتهُم توقفت عيناها بحُب لا يخلوا من شجن، ضمت الإطار لها تُلامس ملامحها بحنان الأمهات جميعًا وتعتذر ألف مرة داخلها، وهي تعود بالذكرى للماضي، لأعوامٍ طويلة عدت لم تكُف لحظةٍ عن عدها ...

قاسية أرهقت قلبي. لـ|هايز سراج|.Where stories live. Discover now