الفصل الثاني والعشرون

837 78 81
                                    

( حربي أنا )


سكونٌ يغلف المكان بنواحيه بينما عقله اللاواعي غارق في عتمة الحلم ، وكمن سحب خيطاً رقيقاً ببطء متمهل بدأ يتيقظ هو تدريجياً حتى هبط للواقع مديراً بقزحيتيه هنا وهناك في تشتت إنمحى وتبادل مع الإستنكار لسماعه أصوات همهمات وحركة غير مألوفة فيما يقبع خارجاً عن غرفته المظلمة .

تقلب في سريره ونهض كالملدوغ يمشي بخطى متسارعة نحو الباب شبه المنغلق ويخرج رأسه فاحصاً المكان بتوجس ، رأى في يمناه مصابيح الصالة المخملية تلقي بأنوارها على ما قابلها من أثاث فيما باقي الممر غارق في الظلام .

سمح لنفسه بالسير ودس نفسه مسنداً رأسه على الجدار محاولاً إستراق السمع وإدراك شيء من حديث الرجلين يرتعش من شعور مبطن بالخوف زاد حين لم يلتقط صوت ابيه يتخلل نقاشهما الخافت ليطمئن هو ، ما كان يسمعه مبهم يأتيه من طرف واحد فقط يعلو صوته بنفاذ صبر ويخفضه حين يتلقى التأنيب ..

سرعان ما سأل احد المتحدثين بصوت غليظ وواضح : " اخر سؤال ! ما علاقتك بالفقيد أليكساندر ؟ "

إرتعدت يداه القابضتان على الجدار وترنح متسع العينين يداهمهم بظهوره الذي ألجمهما تماماً .. ما يراه لم يكن ليصدقه عقله أبداً ولم يظن يوماً انه سيعايشه ، ضابط ملأ الشيب رأسه يقف بجوار باب الخروج بملابس شرطة دافئة وثقيلة يخط في مفكرته بعصبية قابله ليونيد جالساً على الاريكة منقبض الملامح وشاحباً كمن رأى شبح موته .

تملكتهما صدمة من وجوده بالأخص ليونيد الذي نهض وتهادى في مشيه نحوه يحاول أن يعرف حجم ما سمع من ملمحه فلم يجد سوى إمارات التشكيك الخائف ... صد عنه إيفان حين بلغه وذهب بخطى مرتجفة نحو ذاك الشرطي الذي عقد حاجبيه في وجه من يقابله مطأطأ الرأس بأسى : " أعد ما قلت ! " .

نظر بقزحيتيه هنا وهناك على الأرضية دون أن يجرؤ على رفع رأسه في وجه إيفان الذي كان على مشارف الدخول في نوبة هلع يتلفت ناظراً لهما بأعين مبحرة في الدموع التي شوشت رؤيته وأغشتها .

: " أين هو ؟ " سأل بهمس بالغ الخفوت يهز كتفيّ ليونيد الثابت ومغمض العينين حتى لا يرى إيفان ما تترجمانه من أسف . توسعت عيناه أكثر وقد صدمته الحقيقة التي زلزلت قلبه بشكل غير مباشر أحس بصدره يحترق وأنفاسه تنكتم فلم يخرجها سوى بشهقة ألم تبعتها دمعة وقعت على وجنته اليسرى يتركهم راكضاً لغرفة أبيه ليفتحها متخبطاً ببصره في أركانها بجنون .

فقط لم يبدو كل شيء بهذا الذبول ؟ لم أحس بالخوار و بأنه هناك من يقبض على قلبه بقوة ليؤكد ما كان إحساسه ينفيه ؟ ، حين تقدم ودخل يمشي بفكر تائه ليمعن في سرير أبيه المرتب حيث الشيء الوحيد الذي عاد من أليكساندر ووضع هناك هو مسدسه دخاني الرائحة والساعة التي أهداها له إيفان في ميلاده . متوقفةٌ عقاربها كأنما تعلن إنتهاء دوران حياة صاحبها متكسرة الزجاج عالقة بدماء حديثة العهد .

Crossings Into The Abyss | معابرٌ إلى الهاويةWhere stories live. Discover now