الفصل الثامن عشر

939 74 52
                                    

( الهارب / حامل الراية ) -٢-





مع إقترابه من مخرج المبنى شيئاً فشيئاً سمع هرجاً وجلبة من الخارج رافقتها صرخات سخط أثارت في نفسه الحيرة ليواصل سيره ويعبر الباب موجهاً برأسه لليسار حيث تجمهر جماعة من جيرانه أمام الجدار يتحادثون بأصوات عالية .

" أجزم أنها احدى أفعال الشباب الصائعين هنا "

" ماهذا الإهمال واين الامن ! "

" أنا لن أخرج أولادي بعد اليوم "

تلفتت إمرأة حولها بخوف ناطقة بذلك تشد بيدها على صبيها وتسحبه بعيداً ليتأكد بعدها ألكساندر من فحوى حديثهم وما أثار كل هذا الضجيج والخوف. لم تكن سوى الرصاصة التي اطلقت عليه ليلة امس بقصد تخويفه نسي أنها خلفت فجوة بجوار الباب وبقيت هناك ليتنبه عليها بعض الأطفال ويركضوا لمناداة أهاليهم و يحصل ما حصل الان من نقاش .

مشى ألكساندر ببطء نازلاً من الدرجات القليلة ليجتذب انظارهم له ويطالعوه بريبة ، لاحظ ابصارهم المسلطة على سلاحه شبه الظاهر من معطفه الاسود الطويل كأنها اتهام صامت له هو المسلح الوحيد هنا . لم يعر الأمر اهتماماً رغم ضيقه من شكهم به فقرر إستعارة بعض من نهج ايفان في التعامل المستفز وتصنع لهم بسمة سعيدة ليحييهم في طريقه : " مساء الخير جميعاً " .

اجفلوا بعدها ورددوا له بإماءة رأس خفيفة وشفاه ممتعضة يجرون أطفالهم بعيداً عندها فقط ادرك ان هناك جماعات جاءتهم من المباني المجاورة حين لمحهم يعودون متحدثين بخفوت يسترقون النظر له في مرات متفاوتة حتى اختفوا من مرمى بصره .

تنهد بسأم وسار متفحصاً الشارع العاج بالحياة والفوضوية منها كأنما هو في زمن التسعينات لا نظام في الحركة ولا ترتيب للمحلات القابعة في المخرج من هذا الشارع حيث أفواج من الناس يمشون محتشدين على الأرصفة . غيوم اليوم كانت رمادية والرياح بهبوها باردة ومحملة بالأتربة لعل اليوم سيكون ممطراً ! .

~~~~~~

طلعت من المشفى منهية بذلك وقت زيارتها اليومي لمرقد أخيها دانيال ومشت متلحفة بوشاحها داكن اللون لتحمي نفسها من نفحات الهواء شديدة البرودة ، اصبحت خطواتها تتابع على الرصيف بوقع رتيب لا تفعل شيئاً سوى التأمل في الوجوه العابرة امامها بسهوم حاثة الخطى نحو المنتزه المنسي الذي وجدته صدفة في مرة كانت تتجول بلا هدف بعد زيارتها المعتادة واحبته لخلوه من الناس فصار ملاذها ومخبأها الوحيد من كل شيء كأنما هو عالم مختلف تلجئ له كلما ضاقت عليها دنياها .

تذكرت في لحظات تفكيرها تلك زيارتها اليوم لصديقتها الجديدة آنيت فاليوم بالذات تواعدت معها على اللقاء كانت تشعر بفرحها لهذا عبر حديثها ومن صوتها اللاهث وتصل لها انفاسها عبر الاثير لصياحها المستمر عن مدى حماسها ، رفعت أنابيل بصرها للسماء مبتسمة فرغم تعكر الاجواء إلا أنها لم تفكر قطعاً بتأجيل الموعد .

Crossings Into The Abyss | معابرٌ إلى الهاويةWhere stories live. Discover now