الفصل الواحد والعشرون

977 68 91
                                    

( خادم النور )





ندفٌ ثلجيةٌ نقية بدأت تترنح في مسيرة هبوطها من سماء الصباح الرمادية لتستقر على حواف الورق والنوافذ معلنةً بداية اول ايام شتاء الخمسة اشهر في موسكو .

ركض بأقصى سرعته ليبلغ المصعد المشارف على الإنغلاق ماداً يده حتى دخله زافراً بإرتياح وحيا جاره الذي كان بالداخل يرفع حاجبيه مستنكراً على ليونيد مظهره غير المرتب ذاك وتلك القهوة التي كانت بيده رذاذها تطاير من القدح ولطخ ملابسه والبلاط . إفترش ارضية المصعد واضعاً القدح بجواره وامام انظار جاره المندهش اكمل إرتداء جواربه بلا اي حرج يحادثه بعفوية عن الطقس .

مسح الرجل على وجهه وشغل نفسه بالبحلقة هنا وهناك ينتظر وصولهم للطابق السفلي يرد على أحاديثه بإقتضاب حتى جاء الفرج وهب يركض مبتعداً عن مرافقه غريب الاطوار ، هز ليونيد رأسه ولم يهتم ناهضاً ليحشر قدمه في حذائه الجلدي اللامع ويحمل كوبه ليخرج بكومة ملابسه المبالغ فيها تلك .

كان وكما توقعه موجوداً ينتظره داخل سيارته فأسرع نحوها يفتح الباب ليستقر بجواره معتذراً عن تأخره ويتذمر : " آه البرد اليوم لا يطاق بالكاد تشجعت للنهوض من الفراش " .

طمأنه أليكساندر مديراً محرك سيارته بعد ان كان يستدفء فيها قليلاً بإنتظاره ، لمح فيه ليونيد ورأى إمارات التعب تعتلي قسمات وجهه وكان واضحاً جداً أنه كان رهينة السهر لساعات الليل الطويلة .

لم يبغِ سؤاله وهو ادرى بحاله هذه الأيام وما جعله لا يجد للراحة مصرفاً وبمنظور أليكساندر كان يسترجع كل أحداث يوم امس الشاقة بداية بموت فلاد على يد سيرجي والمسائلات الطويلة التي جروه لها وببعض اللف والدوران على الحقيقة والاحداث التي دارت بين ثلاثتهم بالداخل نجح في قمع شكوكهم ورمي الخطر بعيداً عن طريقه وساعدته هوية فلاد الحقيقية واعمال الخراب التي ساهم بها تحت ظل المنظومة التي ترعاه .

يسترجع من لحظات الامس ذاك الحوار المحموم الذي خاض فيه مع إيفان حين عاد للمنزل ، هو كان متعباً وإيفان عنيد لا يقتنع بسهولة فقد معه أعصابه فإحتد شجارهما ليتركه مكسوراً ويغادر بأعين دامعة .

فقط لو يعلم ان كل ذرة راحة في كيانه دفعها لأمنه ، لو يعلم ان صمته وجفائه ماهما سوى ستار شفاف على عواصف قلقه ، لو يعلم أن الثواني اصبح يحصيها إحصاءً معه ومع مارك مترقباً بسماتهما ... فقط لو يعلم ! .

~~~~~~

بحث بعينيه بين المقاعد عن صديقه حين دلف للفصل ووجده يشغل الصف الاخير مريحاً رأسه على الطاولة ، افلت مقبض الباب ومشى نحوه ليطمئن عليه حتى إستشعر إيفان قرب احدهم فرفع رأسه ونظر لمارك الذي حياه مبتسماً وجلس أمامه .

ردد له إيفان بخفوت وفرك عينه المحمرة بتعب ، راقب حركاته الخاملة بصمت ومما يبدو أنه يحيط علماً بكل ما جرى فقد حكى له إيفان كل شيء على المائدة متناسياً أمر شجاره مع أبيه .

Crossings Into The Abyss | معابرٌ إلى الهاويةWhere stories live. Discover now