الفصل الثامن عشر

Start from the beginning
                                    

لم يمر عليها الكثير من الوقت حتى صارت تعبر سياج الحديقة شاحب الطلاء يتراقص شعرها مع الهبوب الذي جعل من صوت حفيف الشجر غاية في القوة . عفا الزمان عن هذا المنتزه فما عاد بستانيون يمرون لتشذيب شجره ليكبر غير متناسق متشعبةٌ فروعه ومخيفة للناظر كما ذبلت احواض الزهر وتعفنت لتبادلها الطحالب المكان والمطلع .

رفعت خصلات شعرها خلف اذنها ولم تملك سوى البقاء للمراقبة بأسى ككل مرة فما عساها تفعل وتبسمت فجأة بحماس حين مرت صورة وليد في خاطرها لتركض بسرعة نحو كرسيهما الوحيد وتجده فارغاً ! .

عقدت حاجبيها وتلفتت حولها بخيبة مرخية كتفيها وبعد لحظات من وقوفها سمعت نداءً له من خلفها : " آنا ! " .

إستدارت بسرعةٍ مجفلة ورأته بقامته الطويلة يخرج لها من بين الشجر ويشير لها ان تأتي وكان جلي على وجهه الفرح : " ها انتِ ذا ! ، تعالي لدي ما أريك به " .

انتقلت بهجته اليها فحركت قدميها وركضت مسرعة نحوه حتى جاورته ومشت معه إلى الداخل لمكان لم تستكشفه هي بعد . مظلم بعض الشيء لإنعدام ضوء الشمس . لا صوت تسمعه سوى تكسر الاوراق الميتة اسفل احذيتهم حتى وقفت معه أمام شجرة لم يسترها إلا قليلٌ من اللحاء ومسودة ثغراتها الكثيرة ، فروعها جرداء لم تحمل فيها ورقة واحدة .

امعنت النظر فيها ومن ثم حولت قزحيتيها نحو وليد متسائلة وزادت حيرتها حين رأته يتقدم منها ويقرب انفه من جزء فيها متنشقاً رائحتها خلفه أنابيل ترقب افعاله بغرابة .

" : اعرف هذه الرائحة ! انها بلا شك شجرة ليلك يا آنا " اجفلت حين إستدار نحوها باسماً بلهفة يتحسس جذع الشجرة كأنما وجد كنزاً عظيماً .

: " لم افهم ماهي الليلك ؟ " رددت له ببلاهة مميلة برأسها حتى رأته يزفر ساخراً ويشيح ببصره بعيداً : " ماذا اتوقع من فتاة مدن ! " غمغم هازاً رأسه وعاود تفحص جذعها من جديد .

: " إذاً أخبر فتاة المدن ما هذه الشجرة يا فهيم " رفعت صوتها بحنق ليلتفت لها ضاحكاً ويجذبها بجواره شارحاً ببساطة : " هذه شجرةٌ عجوز فريدة على فروعها تزهر زهور ملكية يحبها الجميع اسمها الليلك " اردف بهمس رافعاً رأسه يتنقل ببصره على اغصانها الميتة والتي لم تحمل فيها حياة ورقية تتصفحها الرياح : " انا احبها كثيراً فمن حيث كنت كانت اشجار الليلك تحيط ببيتنا فنميت معها وشهدت مواسم جمعها ووقوعها على أرضنا لتكسيها كساءً ارجواني في غاية الجمال " .

همهمت له بتفهم حين لم تملك رداً على حكايته ليفلت ذراعها ويمشي ناحية الشطر الخالي في يسراهم ويجلس على امشاط قدميه متفحصاً التربة . لم تهتم أنابيل لم يفعل قدر إهتمامها بهذه الشجرة أمامها بل وقتها تسائلت كيف عرفها من مجرد رائحة تنشقها من اللحاء ؟ .

انتابها فضول لتعرف ماهيتها وفكرت هل هي عطرية ومميزة يا ترى ! ، إستغلت إنشغاله ومشت ببطء لصٍ ناحيتها حتى وقفت حيثما كان وسرقت نظرةً له لتراه مازال منكباً في عمله . قربت أنفها زامة شفتيها ولم تستفد شيئاً حين اقتحمتها ذرات الغبار وشعرت بها في حلقها فإنتابتها رغبةٌ قوية بالعطس .

Crossings Into The Abyss | معابرٌ إلى الهاويةWhere stories live. Discover now