الفصل الثاني والعشرون

Börja om från början
                                    

لا يطيق ذاته، ولم يعد يتقبلها، يبدو أنه قد تحمل ما يكفي من سخرية، وإستهزاء بيه، فهو بلا أب، وأصبح بلا أم لم يبقي له أحد، أصبح أكثر توترًا وعنفًا، كثرت الشكاوي من أستاذته، وزملائه.

لم تري رؤية له صديق يومًا، لم تراها يهم بالخروج مع أحدهم، أو زيارة أحد أصدقائه للدراسة، لم يكن يفعل كل ذلك.

كان يكتفي بصحبة العمال الذين معه في عمل، وزملائه الذين أذاقتهم الحياة الآلام ألوان، كان يكتفي بمن يشبهونه، لهذا يمقت أبرار، ويمقت مشاعره جهتها، ويمقت ضحكاتها، ومرحها، وجنونها، ويمقت شخصيتها التي تذكره بوالدته.

يمقت خياله عندما يفترسه الأفكار ليلًا، وهو يتخيل شجارهم سويًا، ثم تأتي أبرار عابسة تشتكي له شغب سحر، لينتهي بيه محتضن إيها يداعبها ويمزحها؛ حتي يزيل عبوسها، ثم يذهب ليشجع والدته علي أستمرار؛ حتي تعود إليه عابسة فيعود هو لمداعبتها؛ حتي تبتسم.

لا يعلم لما أقتحمت خياله مجددًا، للمره التي لا يعرف عددها، بدأ العقل بالتيقظ ليهاجمه مخبرًا إيها الفروق العمرية، والاجتماعية، والمادية، هناك فروق بينهم تكبله، حتي وأن كانت تشبهه، وحيدة، يتيمة ليس لها أحد، تدعي القوة رغم كونها هشة، تدعي الثبات رغم العاصفة التي اطاحت بها.

لازال يفكر، لكن توقف عقله عن تفكير، بلي شُل تمامًا، أين هي؟ لما لم تأتي حتي الآن لرؤيتهم؟ نظر للرؤية وكان سيرتكب أكبر حماقة في حياته ويسألها عنها، ولكنه صمت؛ ليس لأنه أدرك حماقته؛ بلا لأنه رأي أحمد يأتي بينما يستند علي عكازه؛ ذلك لأنه كان يرقد في فراش لفترة طويلة.

جلس أحمد علي كرسي مجوار ليحيي، لينظر لرؤية الجالسة علي أرضية تضم جسدها، تتطالع الفراغ في شرود؛ أنها عادتها عندما تعصف بيها الحياة، تحتضن ذاتها لتمدها بالأمان، كما ود لو ضمها؛ ليطمئنها ويخبئها بين طيات ضلوعه؛ ليخبرها أن كل شئ سيمر.

أنها تتخبط بين دهاليز عقلها، أنها قد سلمت ذاتها لجلادها الأعظم، لتلوم ذاتها علي أي شئ، وكل شئ.

يؤلمه رؤيتها هكذا أكثر من ألم احتراق خده الأيسر، إنها تلتصق بيه كالبقعة التي تزين خده، تنهد لينظر بعيدًا، بينما يريح رأسه علي كتف ذلك اليحيي، الذي يتنازع بينه وبين ذاته علي عشق أهوج.

أردف يحيي بهمس، وهو يطالع جدته التي تقرأ في مصحف بينما تبكي بعنف وحرقة:

_ احنا إلي بنعذب نفسنا ولا إلي بنحبهم هما إلي بيعذبونا؟

نظر له أحمد لثواني ليعود بنظره للأمام، بينما لازال رأسه مستقر علي كتف يحيي، ليجيبه بعد تنهيدة طويلة:

_ حسب نوع الحب دا، هناك حب أخرق وهناك حب أخرف.. أيهما تقصد؟

نظر له يحيي بضيق، وكأنه يقول له: "لا روح لي؛ لتحمل تحاذقك ذلك"، ليردد يحيي بنفاذ صبر:

لَسْتُنَّ بِخَطِيئَاتٌ '" أنهن المؤنسات الغاليات رفقًا بهن "'Där berättelser lever. Upptäck nu