الفصل التاسع عشر

4K 180 5
                                    

أريد أن أصنع لك أبجدية
غير كل الأبجديات
فيها شيء من إيقاع المطر
وشيء من حزن الغيوم الرمادية
وشيء من توجع أوراق الصفصاف
تحت عربات أيلول
أريد أن أهديك كنوزا من الكلمات
لم تهد لامرأة قبلك
ولن تهدى لامرأة بعدك
یا امرأة
ليس قبلها قبل
وليس بعدها بعد.

أعاد نديم جملته وكأنه لا يصدق ما يقول:
_أنا لقيت نارفين بنت عمتو.
كانت الصدمة وعدم التصديق تعلوان أوجه الجميع فكيف وجدها الآن؟ إنها مفقودة منذ خمسة عشر عاما، مفقودة منذ أن كانت بعمر الخامسة، هل عادت الآن إلى منزلها حيث كان يجب أن تكون؟
نظر نديم إلى كريم متحدثا بسعادة:
_كريم أنا لقيت نارفين أختك.
أفاق كريم من صدمته ونظر له باستنكار قائلا:
_وأنا المفروض بقى إني أصدقك صح؟
اقترب من نارفين ممسكا ذراعها بقوة مستطردا حديثه:
_عرض عليكي إيه بقى مقابل التمثيلية الرخيصة دي؟
أبعده نديم عنها بقوة حينما رأى نظرات الخوف المنبعثة من بنيتيها، قائلا له بقسوة:
_لو أنت مش هتقدر تتحمل مسؤولية أن أنت تبقى أخ كبير ليها يبقى تبعد عنها وهي هتلاقينا كلنا جنبها بس اوعى تفكر تأذيها ولو بكلمة يا كريم.
تركه كريم وخرج من المنزل سريعا، وكانت نارفين تقف متشبثة بذراع نديم بأنامل مرتعشة، فردة فعل أخيها كانت بهذه القسوة، ماذا عن بقية العائلة؟
نهض سليمان المنزلاوي بهدوء وضمها بين ذراعيه بحنان وقد اغرورقت عيناه بالدموع، أخيرا عادت إلى منزلها، عادت إلى أحضانه مرة أخرى، مر شريط ذكرياته معها وهي طفلة صغيرة، كم كان يحبها ويجلسها دائما هي وناردين على قدميه ليطعمهما، كم كانت تشبه ابنته في طفولتها.
شعر بسائل دافئ يسيل فوق قميصه، فرفع وجهها بيده برفق وأزال لها عبراتها الهاربة من عينيها، قائلا لها برفق:
_أخيرا رجعتي لبيتك ولعيلتك مرة تانية يا....
صمت لحظات قصيرة مستطردا بحنان:
_يا أجمل قدر .... تعرفي أن أنا كنت دايما أقولك كده وإنتي صغيرة وإنتي مكنتيش تسمحي لأي حد يقولك كده غيري.
ابتسمت هي برفق قائلة بصوت هادئ:
_عشان إسمي معناه القدر صح؟
أجابها سليمان بحنو:
_أيوه وعشان إنتي أجمل قدر بجد.
أردف زياد بمزاح:
_على فكرة أنا كده ممكن أغير، أنا عرفتك أهو.
قال له سليمان والبسمة تعلو وجهه:
_مش مهم، أي حاجة تهون عشان نارفين.
هتف زياد بتذمر:
_بعتني بالسهولة دي؟ ده أنا معزتي كبيرة بقى.
كانت عينا روجين ممتلئتين بالدموع فذهب نديم واحتضنها برفق، قائلا لها بهمس:
_جبتلك الشوكولاتة اللي بالبندق.
ابتسمت هي قائلة:
_أنت جبتلي حاجة أكبر بكتير من الشوكولاتة يا نديم.
أردف متسائلا:
_جبتلك إيه؟
أجابته بحب:
_رجعت نارفين للعيلة دي تاني والأكبر من ده أن أنت اديتني قلبك وحبك يا نديم وأنا بقيت شمس نديم المنزلاوي.

************

كان يزيد يجلس وعلامات الصدمة مازالت تعلو وجهه فكم تشبه معشوقته، إنها تملك نفس ذات الشعر ذو التموجات الهادئة، ونفس البراءة بنظراتها، ولكن لا أحد يشبه حبيبته في عينيها ونظراتها، ولن تستطع واحدة أخرى أن تجذبه إليها باستثناء حبيبته الوحيدة نورهان، التي ستظل خالدة بقلبه إلى أن يلفظ آخر أنفاسه.

شمس الحياة (مكتملة)Where stories live. Discover now