الفصل السادس والعشرون

4.1K 187 7
                                    

تطيرين مثل الفراشة بين الدفاتر والإصبعين...
فكيف أقاتل خمسين عاما على جبهتين؟.
وكيف أجامل غيرك؟
كيف أجالس غيرك؟
كيف؟ وأنت مسافرة بين عروق اليدين....
وبين الجميلات من كل جنس ولون..
وبين جميع الوجوه التي أقنعتني وما أقنعتني...
وما بين جرح أفتش عنه وجرح يفتش عني...
أفكر في عصرك الذهبي...
وعصر المانوليا..عصر الشموع...عصر البخور
وأحلم بعصرك الذي كان أجمل كل العصور..

كان كريم يمسك بالمخدرات والرسالة بيده، ثم فتح باب غرفته وخرج مسرعا وألقاهم أمام الطبيب المسؤول عن حالته قائلا بغضب:
_هي دي أهم مصحة في مصر يا دكتور لأ برافو بجد عندكم حراس وممرضين مفيش زيهم في مكان تاني.
عاد مرة أخرى إلى غرفته وهو يشعر بصداع في رأسه وآلام تفتك بجسده، فهو يحتاج إلى المخدرات بشدة ثم بدأ جسده يرتعش وأمسك رأسه بقوة وهو يضغط عليه ليخفف من آلامه.

*************

كان يوسف يقف أمام قبر والدته وخيبة الأمل تعلو وجهه، كان يشعر من داخله بالضعف والانكسار فهو لم يستطع البقاء مع من يحب، بدأ حديثه مع والدته والدموع تملأ عينيه قائلا:
_ماما ياريتك لسه جنبي كنت سألتك وعرفتيني إيه هو الصح...أنا مقدرتش أكمل حياتي معاها كأن مفيش حاجة حصلت خفت...خفت بعد فترة تبدأ تلومني وتبعد عني، خفت لما تبص في عيني تشوفني ابن قاتل عيلتها.... خفت تبطل تشوفني يوسف اللي بيحبها بجد، أنا بعدت عشان تفضل فكراني زي ما أنا وتفضل صورتي قدامها زي ما هي...خفت يأذيها تاني، أنا كنت بموت في كل لحظة هي تعبانة فيها، كنت بموت وأنا شايفها نايمة قدامي في أوضة العمليات...أنا بحبها وعمري ما هنساها.

************

أعادت ناردين قراءة الخطاب أكثر من مرة ودموعها تنهمر على خديها ثم نهضت وهي تبحث عنه بجنون داخل الغرفة، ولكنها لم تجده ولم تجد ملابسه أيضا فخرجت من الغرفة مسرعة متناسية آلامها وطرقت باب غرفة يزيد عدة مرات، فنهض هو مسرعا وفتح الباب ولكنه فزع من هيئتها الباكية وهي تقف أمامه، ثم سألته بوهن:
_يزيد يوسف فين؟ عشان خاطري قول.
أسندها وأجلسها على الكرسي قائلا:
_حصل إيه يا ناردين؟ اهدي الأول عشان الجرح.
أعطاها كوبا من الماء لعله يهدئ من روعها، ولكنها دفعته بعيدا عنها قائلة بانهيار:
_يزيد يوسف راح فين؟.
أجابها بصدق:
_يا ناردين معرفش والله هو حصل إيه أصلا مش هو كان معاكي؟!
مدت له يدها بالخطاب بأنامل مرتعشة وهي تبكي، بعد عدة لحظات كان هو قد أنهى قراءة الخطاب، أردف بحزن على وضع أخيه:
_أنا مش عارف هو فين أنا مكنتش أعرف أن هو بيفكر يعمل كده.
أردفت برجاء:
_يزيد عشان خاطري كلمه اعرف هو فين والنبي.
_حاضر يا ناردين اهدي بس وأنا هكلمه والله.
استيقظ الجميع بفزع بسبب أصواتهم العالية وبسبب طرقاتها على الباب بقوة فذهب الجميع باتجاه غرفة يزيد، حينما رآها نديم بهذا الوضع انتابه شعور بالقلق فاقترب منها بهدوء جالسا على ركبتيه قائلا وهو يمسح دمعاتها بحنان:
_ناردين حصل إيه يا حبيبتي بتعيطي ليه؟.
احتضنته هي بشدة وكأنها تلقي ما بجعبتها من آلام بين أحضانه، قائلة بصوت متحشرج:
_نديم يوسف مشي...يوسف مشي وسابني.
أردف متسائلا وهو يمسد فوق ظهرها:
_ازاي يا ناردين اهدي واحكيلي حصل إيه اتخانقتوا طيب؟.
أجابته وهي تعطيه الخطاب بأيد مرتعشة:
_نديم عشان خاطري اعرف مكانه أنا مش هقدر أعيش من غيره.
حاول الجميع الاتصال به ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه فهو قد أغلق هاتفه.
كانت تجلس ناردين في حديقة المنزل وهي تبكي وتجلس روجين بجانبها تحاول تهدئتها قائلة لها:
_متقلقيش يوسف هيرجع هو بيحبك بجد.
أردفت هي بضعف:
_لأ يا روجين يوسف مش هيرجع تاني هو خايف أبطل أحبه وأبعد عنه، بس أنا مش هعمل كده يا روجين، يوسف ده أهم واحد في حياتي كلها.
احتضنتها روجين بحزن وهي تحاول مواساتها وبعد قليل من الوقت نهضت ناردين مسرعة وهي تدخل إلى المنزل بخطى متعجلة ثم قالت لنديم برجاء:
_نديم أنا عايزة أروح المستشفى بتاعة يوسف.
قال لها إياد بهدوء:
_إحنا اتصلنا سألنا عليه وقالوا أن هو واخد اجازة ومراحش النهاردة.
هتفت بإصرار:
_أنا هروح المستشفى لو مفيش حد يوصلني أنا هروح لوحدي.
اقترب منها نديم وهو يمسح على ظهرها بحنان قائلا: حاضر هوديكي بس ممكن....
قطع جملته عندما شعر بسائل لزج على يديه فنظر إليها فوجد دماء ناردين، قال لها وهو يتوجه نحو سيارته بقلق:
_ناردين الجرح اتفتح إحنا لازم نروح المستشفى بسرعة.
أركبها بالسيارة وتبعته روجين مسرعة قائلة وهي تركب بالسيارة:
_أنا هاجي معاك.
انطلق نديم بطريقه ليتجه نحو المشفى وشعوره بالقلق على شقيقته يتسلل إلى قلبه.
قالت له ناردين بوهن:
_نديم وديني مستشفى يوسف.
أردف هو بحنو ممتزج ببعض القلق:
_حاضر يا ناردين بس  ممكن تهدي عشان الجرح.

شمس الحياة (مكتملة)Donde viven las historias. Descúbrelo ahora