الجزء الثاني (الفصل السادس)

3.6K 164 3
                                    

كيف استطعتِ، كيف، أن تختصري
جميع ما في الكون من نساء
لأن كلام القواميس مات
لأن كلام المكاتيب مات
لأن كلام الروايات مات
أريد اكتشاف طريقة عشق
أحبك فيها بلا كلمات.
 

سأله نديم بقلق قائلا:
_مين هو؟.
أتاه صوت إياد قائلا:
_لما تيجي البيت بلاش في التليفون.
أغلق نديم الهاتف ثم نظر إلى روجين وهي نائمة بجواره لفترة طويلة وكأنه يحفر ملامح وجهها بداخل ذاكرته وأخذ يدعو ويتمنى ألا يكون الفاعل هو والدها وأن يكون قلقه ما هو إلا مجرد هواجس.
نهض بهدوء لكي لا يوقظها وأبدل ملابسه ولكنها شعرت به وهو يتجول بداخل الغرفة ففتحت عينيها ونظرت له باستغراب قائلة بنعاس:
_أنت رايح فين؟.
أجابها متصنعا الهدوء:
_إياد اتصل بيا وقالي أن هما عرفوا الشخص اللي سرب الملف فهروح.
سألته مسرعة وهي تنهض:
_طب هو مين؟.
_مش عارف يا روجين لما أروح هعرف.
_طب استناني هاجي معاك مش هسيبك لوحدك.
_خليكي وأنا هبقى اطمنك.
أردفت بإصرار:
_لأ يا نديم أنا هاجي معاك.
ابدلت ملابسها بسرعة عالية ثم نزلت معه إلى الأسفل وانطلقا في طريقهما إلى القصر.
بعد وقت قليل صف نديم سيارته أمام المنزل وترجل منها، فتبعته روجين إلى داخل المنزل، فرأيا الجميع يجلس وعلامات الأسى تظهر على وجوههم والكمبيوتر المحمول يوضع فوق الطاولة.
سألهم نديم بقلق قائلا:
_هو مين؟.
أجابه إياد وهو يشير نحو الطاولة قائلا:
_روح شوف بنفسك عشان لو حد قال مش هتصدقه.
ذهب نديم بخطى مترددة وقلب يتوجس خيفة، ثم ضغط بيده على الزر بأيد مرتعشة فبدأ التسجيل يعرض أمامه،  وكانت روجين تقف بجانبه وما إن ظهر أحمد الهاشمي وهو يخبئ الملف داخل ثيابه حتى ظهرت علامات الأسى على وجه نديم، واغرورقت عيناها هي بالدموع فكيف لوالدها أن يفعل مثل هذا الشئ.
أغلق نديم شاشة الكمبيوتر بغضب وهو يتجه إلى الخارج، أوقفه صوت كريم قائلا:
_نديم أنت رايح فين؟.
أجابه نديم بجمود ممتزج بالتحذير:
_محدش ليه دعوة، ومحدش ييجي ورايا.
خرج وهو يشعر بالعجز، يشعر كأنه تائه، فماذا سيفعل الآن؟ إنه كان أكثر قوة حين علم بخيانة عمه، قاطع تفكيره خروج روجين وراءه وعيناها تلتمع بسبب الدموع.
سألته بصوت باك قائلة:
_أنت هتعمل إيه؟.
أجابها بغضب وصوت عال:
_مش عارف...مش عارف هعمل إيه.
توجه نحو سيارته بغضب قائلا:
_أنا هروحله وهحاسبه على اللي عمله.
أوقفته برجاء قائلة:
_نديم عشان خاطري متعملش فيه حاجة أكيد هو...
قاطعها قائلا:
_مش بعيد يطلع كان متفق مع عمي أن هما يقتلوا أبويا وأمي كمان، وممكن تكوني عارفة أن هو قاتل من الأول ليه لأ...ما هو لو كان راجل مثالي كده مكانش سرق...
أوقفته صفعة روجين عن الحديث، فهي لم تتحمل سماع مثل هذه الكلمات المهينة عن والدها، ثم قالت له بقوة:
_أنا مسمحش لأي حد ان هو يتكلم عن بابا كده وأنا حذرتك قبل كده يا نديم مش روجين الهاشمي اللي هتسكت وأبوها بيتهان قدامها وخليك فاكر أن دي مش أول مرة تهدم ثقتك فيا بسهولة.
هتف بسخرية وهو يصفق يداه ببعضها:
_لأ برافو، يبقى أبوكي اللي غلطان وإنتي كمان بتدافعي عنه...
قاطعته قائلة:
_أنا هدافع عنه طول عمري، وهاجي معاك عنده دلوقتي وهفهم منه كل حاجة بس لو كان مجبر يعمل حاجة زي دي يا نديم تنساني وتنسى أن أنت قابلت واحدة اسمها روجين الهاشمي.
ركبت بالسيارة وهي تتحامل على نفسها لكي لا تنهمر دمعاتها من عينيها، فهي تصنعت القوة أمامه ولا تعرف كيف أتتها القوة  والجرأة لصفعه.
ركب نديم سيارته بجانبها وهو يشتعل غضبا من داخله، فلماذا تلومه وتصفعه أيضا بسبب أخطاء والدها، وهل يمكن لوالدها أن يكون سبب في قتل عائلته؟ أخذت العديد من الأفكار تداهم عقليهما إلى أن وصلا إلى منزل والدها فترجلت روجين من السيارة ولم تعره أي اهتمام وصعدت إلى المنزل، وتبعها هو بنفاذ صبر من تصرفاتها التي لا يستطيع فهمها، بعد ثوان قليلة فتح والدها الباب وعلامات القلق تعلو وجهه وعندما رآهما أمامه سألهما بقلق:
_في إيه يا ولاد خير حصل حاجة؟.
نظر نديم إليه باستنكار، فقالت روجين مسرعة لتمنع حديثه:
_بابا عايزين نتكلم معاك في موضوع.
أفسح لهما المجال ليدخلا، فجلست روجين بجانبه على الأريكة وهي تشعر بالحيرة ولا تعرف كيف تبدأ حديثها. قال نديم بتهكم:
_أصل إحنا عرفنا مين اللي سرب الملف فقلنا نيجي ناخد رأيك ونشوف هنعمل إيه و...
قاطعته روجين بغضب قائلة:
_بس بقى.
ثم التفتت إلى والدها وهي تتساءل بحنو:
_بابا قولي أنت عملت كده ليه؟.
أجابها أحمد وعلامات الندم تظهر على وجهه:
_هددني يا بنتي والله عملت كل ده عشانكم.
هتف نديم بغضب:
_عملت إيه عشانا؟ خسرتنا المناقصة و...
قالت روجين متجاهلة حديث نديم:
_بابا عرفني حصل إيه ومين هددك عشان خاطري.
أردف أحمد بانكسار:
_فاروق جالي من يومين وهددني، كنت مجبر أعمل كده، والله ماعملت كده بمزاجي.
قال نديم بنفاذ صبر:
_ما تخلص وتقول هددك بإيه يعني؟.
توجهت نظرات روجين الغاضبة نحوه، وقال احمد:
_هددني أن هو هيأذيكوا...قالي أن هو هيقتلكم وبعتلي فيديو لقنبلة محطوطة في العربية بتاعتك...أنا خفت والله كان غصب عني.
احتضنته روجين بحنو قائلة:
_بابا أنا مصدقاك وواثقة فيك، متبررش أكتر من كده لو سمحت.
سأله نديم قائلا:
_ومحذرتناش ليه بدل ما تسرب الملف؟.
أجابه قائلا:
_خفت عليكم يا ابني، خفت يعمل حاجة.
أردف نديم بهدوء متسائلا:
_يعني أنت ملكش أي علاقة باللي هو بيعمله؟.
_لأ يا ابني، أنا بس عملت كده عشان خفت عليكم.
كانت روجين تنظر له نظرات تحمل لوم وعتاب ممتزج ببعض الحزن الذي حاولت إخفاءه، بينما كان ينظر هو لها برجاء لكي تعود معه إلى المنزل مرة أخرى ولا تحرمه رائحتها.
قال أحمد بهدوء قاطعا نظراتهما:
_يلا يا ولاد روحوا البيت وأنا هاجي بكرا الصبح أشرح كل حاجة حصلت للكل وهعتذرلكم كلكم.
أردفت روجين بجمود:
_أنا مش هروح البيت، أنا هقعد هنا.
قال والدها برزانة:
_يا بنتي مش من أول مشكلة هتسيبي بيتك اتكلموا واتفاهموا والمشكلة اتحلت خلاص.
نهض نديم قائلا بصلابة:
_سيبها براحتها يا عمي وأنا حابب أعتذر لحضرتك عن سوء التفاهم اللي حصل.
توجه نحو الباب قائلا:
_عن إذن حضرتك.
انتفض قلبها مع صوت إغلاق باب المنزل، ثم انفجرت في بكاء مرير وكأنها كانت تنتظر منه إظهار بعض الحب والتمسك بها لتعود معه على الفور، هي كانت تتصنع أمامه الصلابة والقوة  وهي تتمنى من داخلها أن يرى هو هشاشتها وضعفها من الداخل.
نزل هو إلى الأسفل وأغلق باب سيارته بعنف وهو يشعر بالضيق، فهو لا يرى أي مبرر لردة فعلها ألا يكفي أنها صفعته! والآن أيضا تريده ان يتوسل لها لتعود إليه من جديد، ولكنه لن يتخلى عن كرامته ويفعل ذلك أبدا.

شمس الحياة (مكتملة)Where stories live. Discover now