الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅

By ManalSalem175

6.3M 250K 29.6K

كتب والدها وصية سرية قبل وفاته، وحين كُشف النقاب عنها أدركت أنها تمتلك عائلة أخرى، لا تعرف عنهم شيئًا، انتقلت... More

الإهداء - تنويه بمواعيد النشر
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر -الجزء الأول
الفصل الحادي عشر - الجزء الثاني
الفصل الثاني عشر - الجزء الأول
الفصل الثاني عشر - الجزء الثاني
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون - الجزء الأول
تنويه صغير - تم التعديل
الفصل الثاني والعشرون - الجزء الثاني
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون - الجزء الأول
الفصل التاسع والعشرون - الجزء الثاني
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
الفصل الثاني والأربعون -الجزء الأول
الفصل الثاني والأربعون - الجزء الثاني
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون - الجزء الأول
الفصل التاسع والأربعون - الجزء الثاني
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون
الفصل الثاني والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصل الخامس والخمسون
الفصل السادس والخمسون
الفصل السابع والخمسون
الفصل الثامن والخمسون
الفصل التاسع والخمسون
الفصل الستون
الفصل الحادي والستون
الفصل الثاني والستون
الفصل الثالث والستون
الفصل الرابع والستون - الجزء الأول
الفصل الرابع والستون - الجزء الثاني
الفصل الخامس والستون
الفصل السادس والستون
الفصل السابع والستون
الفصل الثامن والستون
الفصل التاسع والستون
الفصل السبعون
الفصل الحادي والسبعون
الفصل الثاني والسبعون - الجزء الأول
الفصل الثاني والسبعون - الجزء الثاني
الفصل الثالث والسبعون - الجزء الأول
الفصل الثالث والسبعون - الجزء الثاني
الفصل الرابع والسبعون - الجزء الأول
الفصل الرابع والسبعون - الجزء الثاني
الفصل الخامس والسبعون - الجزء الأول
الفصل الخامس والسبعون - الجزء الثاني
الفصل السادس والسبعون
الفصل السابع والسبعون - الجزء الأول
الفصل السابع والسبعون - الجزء الأول
الفصل السابع والسبعون - الجزء الثاني
الفصل الثامن والسبعون
الفصل الثامن والسبعون
الفصل التاسع والسبعون
الفصل الثمانون
الفصل الحادي والثمانون
الفصل الثالث والثمانون
الفصل الرابع والثمانون
الفصل الخامس والثمانون
تنويه بعودة النشر...
الفصل السادس والثمانون
الفصل السابع والثمانون
الفصل الثامن والثمانون - الجزء الأول
الفصل الثامن والثمانون ( الجزء الثاني)
الفصل التاسع والثمانون
الفصل التسعون
الفصل الحادي والتسعون
الفصل الثاني والتسعون
الفصل الثالث والتسعون
الفصل الرابع والتسعون
الفصل الخامس والتسعون - الأخير - الجزء الأول
الفصل الخامس والتسعون - الجزء الثاني - الأخير
الفصل الخامس والتسعون - الأخير - الجزء الثالث
الفصل الخامس والتسعون - الأخير- الجزء الرابع والأخير

الفصل الثاني والثمانون

50.8K 2.1K 120
By ManalSalem175



الفصل الثاني والثمانون:

طرق بأنامل كفه على المقود بحركة ثابتة، بينما استند بذراعه الأخر على حافة النافذة متأملاً بفتور المكان من حوله، هي أبلغته برغبتها في الصعود مع سليطة اللسان هذه إلى الطبيب خاصة حينما رأت لافتة تخصصه التي أثارت قلقها، تفهم منذر موقفها رغم اعتراضه على بقائها معها، لكن الظرف تلك المرة مختلف، فنيرمين في وضع مرضي ربما يكون هامًا، ووجود زوجته إلى جوارها ربما يكون ضروريًا نوعًا ما.

أخرج تنهيدة مطولة من صدره متابعًا تمرير أنظاره على المارة مترقبًا عودتهن ببال طويل، التوى ثغره بابتسامة خفيفة حينما شرد في وجهها البشوش الذي يتورد خجلاً من أبسط الكلمات، اتسعت ابتسامته تدريجيًا مستعيدًا في مخيلته تصرفاتها المفاجئة له والتي ملأته شوقًا ورغبة فيها، حدث نفسه باشتياق:

-هانت، معدتش فاضل كتير يا حبيبتي!

فرك رأسه بيده والتفت لليمين تارة ولليسار تارة أخرى وهو يدندن بصافرة خافتة.

...............................................

جلست ثلاثتهن على المقاعد الشاغرة بداخل العيادة الطبية في انتظار دور نيرمين التالي، حملت والدتها الرضيعة تلاعبها بيدها حتى غفت بين ذراعيها، بينما لم تتوقف هي عن حدج ابنة خالها بنظراتها المزعوجة منها، لن تصفو نيتها نحوها أبدًا، هي تحملها اللوم في تأزم الأمور معها مؤخرًا حتى سوء صحتها، أفاقت من شرودها وانتبهت لصوت الممرضة الهاتف بنبرة عالية:

-يالا يا مدام نيرمين، ده دورك

-طيب

قالتها بامتعاض وهي تنهض بثقل عن مقعدها ممددة ذراعيها نحو أمها لتأخذ منها رضيعتها، اعترضت عواطف قائلة:

-خليها معايا، خشي انتي بس للضاكتور

أعادت يديها إلى جانبيها متجهة نحو غرفته، استقبلهن الطبيب بابتسامة ودودة، ثم استرسل في حديثه بجمل مرتبة بصورة علمية غير مفهومة لهن مما جعل صبر نيرمين ينفذ وهي تسأله بتجهم:

-بردك مافهمتش حاجة! يعني ايه ده كله؟

سحب الطبيب نفسًا عميقًا، لفظه ببطء محافظًا على ثابته وهو يجيبها بتريث:

-شوفي يا مدام نيرمين، للأسف لما عملنا التحاليل والعينات اللي طلبتها أكدت إن...

صمت مجبرًا محاولاً إكمال الجزء الصعب من جملته، فسألته عواطف بخوف واضح على نبرتها وفي تعبيرات وجهها المشدودة:

-بنتي مالها؟ كمل يا ضاكتور الله يكرمك

نظر لها بإشفاق، دومًا يوضع أمثاله في مواقف كهذه حينما يتم إبلاغ المريض بحالته الصحية خاصة إن كانت في مرحلة حرجة، تمرس بحكم الخبرة في انتقاء كلماته كي يكون وقعها أقل تأثيرًا على المريض، لذلك ابتلع ريقه مضيفًا بهدوء :

-في ورم في المخ، وللأسف متشعب بدرجة كبيرة يخلي استئصاله صعب!

شعرت عواطف بارتخاء ذراعيها عن الرضيعة، بارتعاشة رهيبة أجفلت جسدها لمجرد سماع جملته المخيفة تلك، بذلت مجهودًا كبيرًا كي تحافظ على ثباتها رغم الدقات العنيفة التي عصفت بقلبها، مازالت لم تستوعب الأمر كليًا بعد، كتمت أسيف شهقة مباغتة خرجت من جوفها بيدها لتستدير برأسها في اتجاه نيرمين مجمدة عينيها اللامعتين عليها، هتفت الأخيرة بعدم تصديق:

-و...ورم

بدا وجهه خاليًا من التعبيرات وهو يكمل بجدية:

-احنا لازم نبدأ العلاج فورًا، و....

ضربت نيرمين بيدها بعنف على سطح مكتبه، ثم هبت واقفة من مكانها وهي تصرخ فيه بانفعال مهتاج:

-يعني ايه ورم؟ وازاي موجود وأنا ما حستش فيه؟

تفهم عصبيتها الزائدة، تكرر معه الموقف لأكثر من مرة مع مرضى مختلفين، فرد عليها بنبرة عملية:

-أكيد ماخدتيش بالك من أعراضه، لأنه في مرحلة متقدمة و...

قاطعته صارخة باهتياج:

-انت بتقول ايه! أنا كويسة وزي الفل، معنديش الهباب اللي بتقوله ده، هما شوية صداع وبرشامتين يضيعوه!

ترقرقت العبرات سريعًا في مقلتي أسيف تأثرًا بحالها، من الصعب عليها تقبل مثل تلك الحقيقة المفجعة، أن تكون تحت رحمة ذلك المرض اللعين الذي ينهش في الأبدان حتى يهلكها، من حقها أن تثور، أن تغضب، أن تخرج عن المألوف بالصراخ والعويل، فالخطب جلل بالتأكيد، لم يختلف حال عمتها عنها كثيرًا، كانت في حالة صدمة وشرود، ابنتها تساق نحو المجهول بكل قوة وهي عاجزة عن مساعدتها، بكت رغمًا عنها، وتتابعت شهقاتها المتحسرة عليها.

انتبه لصوت الصراخ الأتي من الأعلى فارتفعت أبصاره نحو عيادة الطبيب، انقبض قلبه بقوة شاعرًا بوجود أمر مريب، أنبئه حدسه بالتحرك من مكانه والصعود إليها ليطمئن، فترجل من سيارته، وأسرع في خطاه نحو مدخل العيادة.

زاد جنونها ورفضت تصديق الواقع المؤلم، أنها باتت أحد المصابين بالأورام الخبيثة، حاول الطبيب امتصاص انفعالات مريضته قائلاً بحذر:

-أنا عارف إنه صعب عليكي تتقبلي الأمر، بس العلاج في الفترة دي مهم جدًا على الأقل عشان نمنع انتشاره ونقدر نتعامل....

هدرت فيه نيرمين بصراخ أشد دافعة ما على سطح مكتبه من أدوات مكتبية وملفات:

-أنا كويسة معنديش حاجة، إنت قاصد تقول كده عشان تحرق دمي وخلاص!

نهض واقفًا من على مقعده مشيرًا لها بيده وهو يتابع بنبرة عقلانية:

-يا مدام نيرمين، تقبل وجود المرض هي أول خطوات الشفاء بأمر الله!

لوحت بذراعيها هادرة بعصبية جامحة:

-واشمعني أنا ها؟ اشمعنى أنا اللي يجيلي الزفت ده!

استشاطت نظراتها على الأخير، والتفتت برأسها نحو عدوتها لتحدجها بنظرات نارية وقد اصطبغ وجهها بحمرة قوية، أشارت بسبابتها متابعة بحقد مغلول:

-ليه مش هي؟

ارتجف جسد أسيف لمجرد رؤية نظراتها التي كادت تحرقها في مكانها، كذلك هوى قلبها في قدميها بعد سماعها لعبارتها الناقمة تلك، هزت رأسها مستنكرة ما رددته وبكت بلا توقف، لم ترغب في الرد عليها لأنها كانت في حالة لا وعي بسبب ألمها.

صاحت عواطف بصوتها المختنق رافضة سخطها على مُصابها الأليم قائلة:

-استغفري ربنا ماتقوليش كده!

دنت نيرمين من غريمتها مهددة بالفتك بها وهي تواصل صراخها بجموح:

-ليه هي تاخد كل حاجة وأنا في الأخر أموت؟ ليه؟!!!

خافت من اقترابها المهلك، فتراجعت للخلف منكمشة على نفسها ترمقها بنظرات شبه مذعورة، تحركت عواطف في اتجاهها لتشكل بجسدها حائلاً وهي تتوسلها باستعطاف باكٍ:

-اهدي يا بنتي، مش كده!

امتزج صراخها ببكائها المرير وهي تكمل بازدراء ناكر:

-ليه أنا بختي قليل في الدنيا؟ ده أنا مطلبتش كتير!

تحرك الطبيب هو الأخر في اتجاهها محاولاً السيطرة على نوبة الهياج العصبي التي تملكت منها قائلاً بتريث عله يقنعها:

-مدام نيرمين من فضلك، التحاليل بينت إن المرض عندك بقاله أكتر من سنة، وده مالوش علاقة بشخص معين، هو .....

دفعت الطبيب بيدها بقوة عنيفة محاولة تجاوزه لتصل إليها وهي تصرخ بصوت محتد:

-إنتي السبب في اللي حصلي، ايوه إنتي اللي خلتي كل ده يجرالي!

تهدجت أنفاس أسيف بخوف مما تسمعه من اتهامات لا شأن لها بها، هي وقفت مكبلة الأيدي عاجزة عن الدفاع عن نفسها أمامها مصدومة من حالتها اللا عقلانية، هجمت عليها نيرمين بكل عنف وشراسة لتطبق على عنقها محاولة خنقها متابعة بجنون مخيف:

-إنتي اللي لازم تموتي مش أنا!

وضعت يديها على قبضتيها المطبقتين عليها لتبعدهما عنها قبل أن تختنق لكنها كانت تستمد قوتها من غضبها المشحون بداخلها نحوها، تابعت هادرة وهي تكز على أسنانها بشراسة:

-أنا ملحقتش أعيش حياتي، ماتجوزتش اللي بأحبه ولا لحقت أتهنى، طول عمري في غلب وقرف، أنا....

تحشرجت أنفاسها حتى أوشكت على الاختناق من قبضتيها المحكمتين بقوة حولها، ولم يستطع الطبيب نزع يديها عنها بسبب هياجها المضاعف، تدخلت أمها هي الأخرى بعد أن أسندت الرضيعة التي انفجرت في البكاء بسبب الصراخ المهتاج على الأريكة لتبعد ابنتها عن أسيف هاتفة بتوسل شديد:

-سيبيها يا نيرمين، هاتموت في ايدك، هي مالهاش ذنب!

ردت عليها بانفعال مرعب:

-وأنا ذنبي ايه؟ قولولي ذنبي ايه؟

تعذر عليها التنفس فشحب لون وجهها، وتشنجت تعبيراتها معلنة عن دخولها مرحلة الهلاك إن لم يتم إبعادها فورًا، تمكن الطبيب من نزع قبضة واحدة عنها، فأتاح الفرصة لها لتلتقط أنفاسها، وكبل يدها للخلف هاتفًا:

-بالراحة يا مدام! لو سمحتي اهدي، اللي بتعمليه ده غلط!

نبشت نيرمين أظافرها في عنق ابنة خالها متعمدة خنقها وجرحها وهي ترد باهتياج:

-لازم هي تموت!

في تلك اللحظة اقتحم منذر الغرفة بعد سماعه للصراخات الأتية من الداخل، سلط أنظاره سريعًا على الزاوية المحاصر بها زوجته، واتسعت عيناه في هلع حينما رأى ما يحدث، اندفع كالأعمى في اتجاهها صارخًا بصلابة:

-ابعدي عن مراتي!

استخدم قوته بالكامل في تحريرها من براثنها ودفعها للخلف بعنف ليشكل بجسده درعًا ليحميها من بطشها، ترنح جسدها من إثر الدفعة، وفقدت اتزانها لتفترش الأرض، دنت منها والدتها محاولة السيطرة على اهتياجها، بينما سعلت أسيف بقوة نتيجة اختناق أنفاسها، واختبأت في أحضان زوجها، ضمها منذر بذراعيه ليحتويها مستشعرًا تلك الرجفة التي تعتريها، بلغ ذروة غضبه المنفعل، فسلط أنظاره على نيرمين صائحًا بحدة:

-انتي اتجننتي؟ هادفعك تمن اللي عملتيه ده غالي!

لم تشعر نيرمين بوجوده، ولم تعبأ بكلماته بل ظلت أنظاره مثبتة على عدوتها الوحيدة محملة إياها اللوم في كل شيء، ردت صارخة بعنف:

-انتي خدتي كل حاجة مني!

لم يفهم منذر سبب ثروتها، لكن حتمًا لن يمرر ما فعلته مع حبيبته على خير، أحست أسيف من نظراته بذلك، فتوسلته بصوتها المتحشرج:

-سيبها يا منذر!

رغم رجفتها وذعرها إلا أنها تشبثت به لتمنعه من الاقتراب منها أو حتى المساس بها هاتفة برجاء:

-ماتجيش جمبها عشان خاطري، كفاية اللي هي فيه!

التفت ناحيتها مستغربًا ردها العجيب الذي أثار ريبته رغم تحفظه عليه، ومع ذلك استجاب بصعوبة بالغة لنظراتها المتوسلة له، ضمت نيرمين ركبتيها إلى صدرها ودفنت وجهها في كفيها صارخة باستنكار:

-اشمعنى أنا؟ ليه!

جثت والدتها على ركبتيها أمامها محتضنة إياها بذراعيها متمتمة بصوتها الباكي:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، لطفك بينا يا رب!

تجمدت أنظار منذر عليهما متسغربًا ما يدور، لكنه بدأ سريعًا يخمن أن هناك شيء خطير بالموضوع لتتأزم الأوضاع بتلك الصورة المميتة.

..................................................

استقبلتها بترحــاب ودود بعد قدومها إلى المنزل رغم اندهاشها من وجودها بصحبة ابنها تحديدًا، أشارت ملامح وجهها ونظراتها إلى ذلك، هي توقعت مجيئها مع والدتها وأسيف لإكمال عملهن بالغرفة الجديدة، وقبل أن يدفعها فضولها للسؤال بطريقة قد تربكها، هتف دياب موضحًا:

-هي جاية النهاردة عشان خاطر يحيى، جايز تساعدنا

ردت قائلة بابتسامة لطيفة:

-اه وماله!

وضعت يدها على ذراعها لتمسح عليه برفق وهي تضيف برجاء:

-يا ريت يا بسمة تقدري معاه، الواد حالته صعبة أوي و...

قاطعتها الأخيرة هاتفة بهدوء وابتسامة صغيرة متشكلة على محياها:

-اطمني، إن شاء الله خير!

رفعت أنظارها للأمام متابعة بتساؤل جاد:

-هو فينه؟

أجابتها جليلة وهي تشير بيدها:

-قاعد في أوضته مع أروى

-طيب أنا هادخله

سألها دياب بجدية:

-تحبي أجي معاكي؟

التفتت برأسها للجانب لتجيبه بجمود جاد:

-لأ، خليك هنا، مافيش داعي دلوقتي!

نظر لها بتفهم وهو يحك مؤخرة عنقه قائلاً:

-ماشي

تحركت صوب غرفته لتبدأ في مهمتها مع صغيره، ظلت أنظاره معلقة بها حتى اختفت من أمامه فوضعت والدته يدها على كتفه هامسة:

-ربنا ييسر الأمور والواد ينطق معاها

تنهد هامسًا:

-يا رب

هتفت والدته فجأة بحماس عجيب:

-أما لو حصل، يبقى البت دي في ايدها الشفا!

استدار ناحيتها لينظر لها بغرابة مرددًا:

-كله من عند ربنا

ربتت على كتفه عدة مرات برفق متابعة بنبرة متضرعة:

-ربنا يجعلها من نصيبك

زفر دياب بصوت مسموع وهو يرد بحزن طفيف:

-ركزي في الدعوة دي يامه لأحسن معدتش عندي أمل خالص!

ردت عليه مؤكدة بتفاؤل واثق:

-بتيجي على أهون سبب

التوى ثغره للجانب قائلاً باقتضاب:

-على رأيك!

تنهد مجددًا مخرجًا من صدره الكثير من الهموم مع زفيره المشحون، هو في انتظار تلك اللحظة التي يرق فيها قلبها ويلين نحوه حتى وإن طال وقت تحقيقها، لكن وجود بارقة الأمل سيحمسه على الانتظار.

......................................

-ممكن أدخل يا حبيبي!

قالتها بسمة وهي تطل برأسها من خلف الباب راسمة على ثغرها ابتسامة لطيفة محببة، حدق يحيى فيها بأعينه الحزينة المرتعدة وهو عابس الوجه، لم ينطق بحرف واحد، لكن نظراته كانت تحمل الكثير، لجأت إلى أسلوبها اللطيف في إزالة الحواجز مع الأطفال قائلة بمرح:

-ينفع كده مش تيجي عندي ولا تسأل على المس بسمة؟ أنا هازعل منك!

احتوته أروى بذراعها معللة:

-هو تعبان أوي يا مس

عبست بوجهها قائلة بتبرم زائف:

-مين قال كده، ده يحيى زي الفل وكويس!

ولجت إلى داخل الغرفة تاركة الباب مواربًا قليلاً، ثم هتفت متسائلة:

-صح يا حبيبي مش إنت راجل قوي وشجاع؟

لم يعلق عليها رغم أنظاره المثبتة عليها، جلست على طرف الفراش إلى جواره واضعة يدها على خصلات شعره لتعبث بها برفق، انحنت على جبينه تقبله بحنو وهي تهمس له:

-مش عاوزاك تخاف من حاجة، أنا هنا معاك، ومش هاخلي حد يجي جمبك حتى لو كان مين!

رفع عينيه المفزوعة في وجهها باحثًا عن الأمان فيها، ورأه بالفعل من خلال ابتسامتها وضحكاتها ونظراتها الموحية، ابتعد قليلاً عن أروى ليميل نحوها، فلم تتردد في ضمه إليها، أحاطته بذراعيها متابعة بتأكيد:

-أي حد بس يفكر يجي جمبك أنا هاموته!

هز رأسه كاستجابة أولية لجملتها، تنفست الصعداء لظهور بوادر طيبة لتفاعله معها مما شجعها على الاستمرار في بث روح الطمأنينة والأمان له، تعجبت أروى من ثقته فيها، لكنها كانت فرحة بتجاوبه معها، نهضت من على الفراش متحمسة لإبلاغ أخيها ووالدتها بذلك الأمر، فركضت بتلهف للخارج.

مسحت بسمة برفق على ظهره متسائلة بحذر:

-بابا ضربك فإنت زعلان منه؟ ده لو عمل كده أنا هاقوم أضربه و..

هز رأسه نافيًا وهو يجيبها بهمس شديد:

-لأ

تنهدت بارتياح لكون الأمر بعيدًا عن الإيذاء البدني من قبل والده، لم تنتبه إلى تلك الأعين التي تراقبها في صمت منتظرة على أحر من الجمر نتائج بقائهما معًا، حرص دياب على عدم إصدار أي صوت أو لفت الأنظار إليه متصنتًا عليهما بخلسة، لكنه اطمئن إلى حد كبير بعد ما سمعه بأذنيه، تابعت بسمة متسائلة بحزن مصطنع:

-طب ليه يحيى مش عاوز يطلع من الأوضة، مامي زعلتك؟

أجابها وهو يهز كتفيه:

-لأ!

طوق عنقها بيديه متعلقًا في كتفها قائلاً ببراءة:

-أنا عاوز أروح معاكي، أنا خايف

ضمته إليها مواصلة الربت على ظهره بحنو مطمئن وهي تسأله بهدوء جاد محافظة على ثبات نبرتها:

-خايف من ايه؟

أجابها بغموض دافنًا وجهه في عنقها:

-هايطلعلي ياكلني!

ضاقت نظراتها وتأهبت حواسها من جملته المقتضبة تلك، وسألته بحذر:

-مين ده؟

اختنق صوته أكثر وارتعدت فرائصه هامسًا بهلع:

-العوو!

ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تنفي مخاوفه الخيالية قائلة بثقة:

-مافيش عوو يا يحيى!

رد عليها بإصرار ظهر بوضوح في نبرته العصبية:

-لأ هو موجود

سألته باهتمام:

-فين؟

لف ذراعيه أكثر حولها وتمسك بها قائلاً:

-تحت السرير، أنا خايف أوي!

زادت من ضمها له، ثم طبعت قبلة أمومية قوية على رأسه قائلة بجدية:

-متخافش، أنا موجودة معاك!

حاولت أن تحل وثاق ذراعيه القابضين عليها لتنظر في وجهه متابعة بقوة:

-أنا هانزل أشوفه تحت

ارتعدت نظراته وهو يصيح بخوغ:

-لأ، هايكلك!

نظرت له مطولاً دون أن تبدل تعابير وجهها، ثم همست قائلة بمكر:

-طب بص أنا هاجيب العصايا معايا، وإنت هات المسدس اللعبة بتاعك ونشوفه سوا، ولو لاقيناه هننزل فيه ضرب لحد ما يموت!

استغرب مما قالته، فأكدت له مستخدمة الخيال في محاولة إقناعه بحرفية ماهرة، فتابعت بحماس:

-عارف احنا زي المحاربين، هنموت الأشرار ومحدش هايقدر يجي جمبنا لأن معانا كل القوة وهما ضعاف مش هيعرفوا يكسبونا!

ظلت تستخدم تلك العبارات المحفزة لمخيلته حتى استجمع شجاعته معتقدًا أنه مقاتلاً يدافع عن مملكته ويساعد الضعفاء، استسلم لطريقتها المشجعة قائلاً ببراءة:

-ماشي

غمزت له بطرف عينها، ثم انحنت عليه هامسة:

-بشويش عشان مايخدش باله

-حاضر!

جاهد دياب ليخفي ضحكاته الممتزجة بعبراته التي تجمعت رغمًا عنه عند طرفي مقلتيه تأثرًا بما رأه، هي تملك الكثير من الأمومة التي انعدمت في والدة صغيره الأصلية، لم تحتويه هكذا، لم يره منجذبًا إليها مثلما رأى اليوم، نعم فحبيبته استطاعت ببراعة أن تسحب ابنه المذعور إلى دفء حنانها فباح لها بما عجز هو عن الحصول عليه منه لتقضي رويدًا رويدًا على مخاوفه.

...................................................

خيم الحزن على الجميع بعد اكتشاف خبر إصابتها بذلك المرض الخبيث، وبالطبع لم يجرؤ منذر على الانتقام منها مشفقًا على حالها، هي في وضع لا تُحسد عليه، وتحتاج للكثير من الدعم والتشجيع لتجاوز تلك الأزمة، المؤلم في الأمر إنها مهددة بالموت بين لحظة وأخرى نتيجة تطور وضع المرض بداخلها، حتى التدخل الجراحي بات غير مجدٍ معها، أوصلهن إلى المنزل مؤجلاً زيارتهن إلى منزله تفهمًا لوضعها.

انهارت أسيف باكية عليها رغم ما فعلته بها، ظلت ترمقها بنظرات حزينة متعاطفة، ودت لو استطاعت مد يد العون لها لتخفف عنها ما هي فيه، لكن ليس باستطاعتها شيء، هي رافضة المساعدة من أي شخص، حبست نيرمين نفسها داخل غرفتها مجهشة ببكاء يقطع نياط القلوب، عكفت والدتها على الصلاة داعية المولى أن يهون عليها مصابها، اندمجت دمعاتها الغزيرة بصوتها المتوسل المتضرع حتى بدا كالأنين، فما أصعب أن ترى فلذة كبدك يموت ولا تستطيع مساعدته، ارتفع نحيبها خلال سجودها حتى فرغت من أدائها، التفتت بأنظارها إلى الرضيعة النائمة على فراشها محدقة فيها بأسف كبير، غمغمت بنواح متألم:

-يا رب اشفيها عشان بنتها!

تقطع صوتها واختنق على الأخير وهي تكمل بصعوبة:

-هي مالهاش إلا هي، أبوها مش سائل فيها، طب مين هايراعها لو.. أمها جرالها حاجة؟!

انخرطت في بكاء أشد حرقة عندما فكرت في مصير تلك الرضيعة المجهول.

نفخ مستاءً من عدم مقدرته على تهدئتها بعد أن اعتصرها الألم حزنًا على ابنة عمتها، حاول التهوين عليها قائلاً:

-خلاص يا حبيبتي مش كده

وضعت يدها الممسكة بالمنشفة الورقية على طرف أنفها قائلة بنشيج:

-صعبانة عليا أوي؟ الموضوع مش سهل عليها!

رد بهدوء وهو يمسح على ذراعها بلطف:

-دي مشيئة ربنا

نظرت نحوه متابعة ببكاء:

-أنا عارفة، بس صعب إننا نشوفها كده و...

قاطعها قائلاً بجدية:

-المهم هي تاخد خطوة في علاجها، جايز يجيب نتيجة معاها!

تهدجت أنفاسها قائلة برجاء كبير:

-يا رب!

صمت للحظات مترددًا في الحديث معها في حفل زفافهما، بالطبع هو متفهم للظروف الطارئة التي جدت على العائلة، وإقامة الحفل في ذلك التوقيت ليس بالأمر المحمود، فالأفضل حاليًا تأجيله حتى تهدأ الأوضاع، تنفس بعمق ثم جمد أنظاره نحوها قائلاً بتريث:

-أسيف أنا عارف إنه مش وقته نتكلم في ده، بس لو حابة نأجل الفرح بتاعنا ف أنا مقدر ده و...

قاطعته قائلة بحزن وهي تكفكف عبراتها بظهر يدها:

-سامحني يا منذر، إنت عارف كويس إني مش هاقدر أعمل حاجة ونيرمين في الوضع ده، ازاي هايجيلي قلب أعمل كده وهي.....

عجزت عن إتمام جملتها لتبكي مجددًا متأثرة بها، وضع يده على كتفها قائلاً بهدوء:

-يا حبيبتي أنا فاهم ده كويس!

نظرت له بأعينها الباكية هامسة:

-ربنا يخليك ليا

حافظ على ثبات نبرته وهو يقول:

-أنا معملتش حاجة، اهدي انتي بس عشان أرتاح، ماشي؟

حركت رأسها بإيماءة واضحة دون أن تجيبه، فابتسم لها بعذوبة ماسحًا بإبهامه عبراتها المنسابة على وجنتها.

............................................

خرج من الغرفة ممسكًا بقبضتها وهو يبتسم لأول مرة بعد تلك الأيام العويصة، نظرت بسمة إليه بسعادة متابعة سيرها معه، وما إن رأتهما جليلة حتى أطلقت زغرودة كتعبير رمزي عن فرحتها، هرولت إليه لتحتضنه قائلة بتلهف:

-يا ضنايا، حمدلله على سلامتك

رد الصغير بخجل طفيف:

-تيتة

انهالت عليه بالقبلات لتغرق وجنتيه بهما مشبعة اشتياقها له، خرج دياب من غرفته مصدومًا حينما رأى ابنه يقف على قدميه، تسارعت دقات قلبه فرحًا، وتحرك نحوه هاتفًا:

-يحيى!

رفع الصغير أنظاره إليه مرددًا بتوجس:

-مش تضربني بابي!

-تتقطع ايدي قبل ما تتمد عليك يا حبيبي!

قالها وهو يجثو أمامه محدقًا فيه بنظرات أبوية صادقة، جذبه إليه ليضمه في أحضانه، فأرخى ابنه قبضته عن بسمة ليحاوطه بذراعيه، حمله ناهضًا من مكانه لينظر في اتجاه محبوبته هامسًا لها بامتنان كبير:

-مش عارف أقولك ايه

ابتسمت له بلطف وهي تقول بصوت خفيض:

-ماتقولش حاجة! ربنا يباركلك فيه

بلا وعي منه مد يده ليمسك بكفها بأنامله، فتفاجأت من حركته الجريئة تلك، خاصة أنها أمام والدته، رفعه يدها إلى فمه ليضع قبلة صغيرة على ظهر كفها متابعًا بتنهيدة حارة:

-ربنا يخليكي ليا، ويديمك في حياتي!

خجلت كثيرًا من تصرفه الذي وضعها في موقف حرج للغاية، واكتست تعابير وجهها بحمرة قوية، شعرت بتدفق الدماء في عروقها مظهرة ارتباكها من تأثير ذلك عليها، سحبت يدها من بين أصابعه بسرعة رامشة بعينيها، استشعرت قوة نبضات قلبها التي كانت تتسابق داخل صدرها، عضت على شفتها السفلى متحاشية النظر نحوه، لم تقف جليلة كالمتفرج كثيرًا، فأحاطتها من كتفيها مضيفة هي الأخرى بكلمات ذات مغزى:

-ربنا يكرمك يا بنتي، كلنا بنحبك هنا، وعاوزينك تفضلي دايمًا معانا!

تحرجت مما يحدث حولها ولم تستطع الرد، فاكتفت بتنكيس رأسها حياءً منهما، لكن على الأرجح تأكدت من شيء ما قاومته حتى استنفذت كل طاقتها وهي ترفض تصديقه، عليها فقط أن تثق في قرارها وتفكر بتروٍ قبل أن تسمح لنفسها بالمجازفة ......................................... !!

.............................................

Continue Reading

You'll Also Like

964K 77.5K 75
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
138K 6.2K 23
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل والاقتباس (( تيروريسموس )) تطلعت حولها في ذلك المكان المظلم ، وكان أول شيء وقعت عيناها عليه هو باب يشبه باب غر...
703K 21K 38
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...